رواية حب رحيم الفصل التاسع و العشرون 29 - بقلم سمر عمر
" عقد بيع.."
جلست على حافة الفراش تتأمل ملامح وجهه عن قرب.. شعرت بأنها تود أن تمرر أناملها بين خصل شعره وبالفعل فعلت ذلك.. كم تعشق تفاصيله وشخصيته الغامضة كما أنها تشعر بالشموخ لكونها زوجته..
استيقظ على حركة أناملها بين خصل شعره الكثيف.. فمسك بكف يدها ليهبط به إلى حيث شفتيه وطبع عدة قبلات رقيقة على راحتها.. اتسعت ابتسامتها واقتربت أكثر كي تطبق شفتيها على جبينه فقال بصوت منخفض :
-صباح الندى يا روحي
همست بعد أن استندت بجبينها على رأسه :
-صباح الجمال..
ثم قبلته على وجنته وهمت أن تنهض لكنه قبض على معصمها جاذبًا إياها إلى أحضانه وجذب الغطاء إليهما فقالت مبتسمة :
-على فكرة الساعة تسعه ونص يعني انت متأخر جدًا على شغلك
تنهد جاذبًا إياها إليه بشدة مرتكزًا بذقنه على رأسها قائلًا :
-طالما أنتِ جنبي وفي حضني كل شيء يهون
بادلته بالعناق القوي مبتسمة بابتسامة مغلفة بالسعادة.. بعد دقائق قليلة صدح صوت الهاتف الخاص به فقالت :
-ده أكيد اتصال من الشركة
-اتصال؟.. اتصال أيه يا روحي؟
تعجبت قائلة :
-فيه حد بيرن عليك!
-اللي يرن يرن يا روحي ماتشغليش بالك
ضحكت ضحكة خفيفة ومسحت على كتفه الخلفي قائلة بمشاكسة :
-حبيبي كسلان النهاردة
طبع قبلة طويلة على خصل شعرها محتضنًا إياها أكثر قائلًا :
-لو الكسل بالجمال ده فكل ثانية هتلاقيني كسلان.. كسلان في حضنك
رفعت رأسها وطبعت قبلة رقيقه على أسفل ذقنه.. صدح صوت الهاتف من جديد فمد يده نحو المنضدة المجاورة للفراش وأخذه.. وأجاب على المتصل والذي يخبره بمعاد اجتماع المصممين للتعرف على التصاميم الجديدة.. ليخبره بأنه سيكون في الشركة في خلال نصف ساعة من الأن ثم أنهى معه المكالمة..
نهضت عن الفراش متجه نحو الباب بخطوات واسعة قائلة :
-هحضر الفطار على ما تجهز
ثم خرجت مغلقة إياه خلفها وهبطت إلى الطابق السفلي.. من ثم دلفت إلى المطبخ لترى رنا تضع القليل من العصير داخل الكوب.. وضعت ندى صينية أعلى المنضدة وبدأت في وضع أطباق الطعام بشكل مميز ومنظم وقالت بهدوء :
-صباح الخير..
وقفت تتناول العصير دون أن تعطي لها اهتمام وكأنها لم تكن موجودة معها.. فقالت الأخيرة بحزن :
-عارفه إنك زعلانه بسبب اللي عمله رحيم إمبارح.. صدقيني ماكنتش حابه أطلع غير لما أصالحك لكن هو عصبي جدًا
-أنتِ كنتِ مبسوطة بالمشكلة اللي حصلت بيني وبين أخويا
حملقت بها في دهشة قائلة :
-لاء طبعًا.. أنا طول عمري بكره المشاكل
وضعت كوب العصير فارغ أعلى المنضدة وقالت بحده :
-كنتِ هديتي ووقفتي جنبي امبارح علشان الحوار ده ينتهي
-أنا حاولت فعلًا بس شوفتي هو طلعني بره
رنا مندفعة بنفاذ صبر :
-ندى من فضلك ملكيش دعوه بيا تاني.. ومتدخليش بيني وبين أخويا دي مشكلتنا وهنحلها مع بعض.. خليكِ بقى في حالك وأنا في حالي
ثم تركتها وخرجت من المطبخ.. فزفرت الأخيرة بنفاذ صبر وبدأت في تقليد حركاتها بطريقة ساخرة قائلة :
-خليكِ في حالك وأنا في حالي.. رخمه
ثم تابعت تحضير الفطار وحملت الصينية وخرجت.. من ثم صعدت إلى الطابق العلوي وادارت مقبض الباب بمرفقها ودخلت مغلقه إياه بقدمها.. رأت رحيم يصلي فرض الصباح فتركت الصينية على الفراش حتى فتحت باب الشرفة ثم ألقت نظرة على طفلتها النائمة داخل فراشها.. ثم حملت الصينية وخرجت لتضعها أعلى المنضدة وجلست في انتظاره..
عقب انتهائه وضع السجادة على الاريكة ووقف أمام المرآة يمشط شعره.. ثم ارتدى الساعة في يده اليمنى وبعد أن ارتدى حذائه خرج وطبع قبلة حانية على رأس زوجته الرائعة.. ثم حمل فنجان القهوة وهم أن يأخذ أول رشفة لكنها وقفت ممسكه بمعصمه قائلة :
-أفطر الأول
-هفطر في الشغل يا حبيبي
أخذت الفنجان من يده وضعته كما كان وأمرت أن يجلس.. جلس على المقعد المجاور لها فبدأت تضع المربى على خبز " التوست" فتنحنح بخفة وأخذ الخبز من يدها قائلًا :
-هاتي التوست ده وبعدين نبقى نشوف هنتأخر على الشغل ولا لاء
ضحكت ضحكة خفيفة قائلة :
-التوست بالمربى جزء من يومك..
ثم تنهدت بهدوء متابعة :
-ريان برضه التوست بالمربى جزء من حياته
نظر إليها مبتسمًا وهو يتناول الخبز بالمربى بينما هي بدأت في فرد المربى على خبز أخر.. وبعد أن انتهى من الذي بيده مده يده إلى فنجان القهوة وكاد أن يحمله لكنها منعته بإمساك معصمه وبدأت تطعمه الخبز الاخر بيدها.. صدح صوت الهاتف فنظر إلى شاشته التي تضئ باسم صديقة فأنهى المكالمة دون أن يجيب عليه ونهض عن المقعد قائلًا :
-خلاص يا روحي شبعت هشرب القهوة في الشركة
حملت فنجان القهوة ووقفت أمامه بلهفة قائلة :
-لاء خلاص اشرب القهوة
حاولت أن تعطي قطعة أخرى من خبز المربى لكنه رفض وطبع قبلة على راحة يدها الممسكة بالخبز.. ثم تناول القهوة من يدها على عدة مرات.. ثم اختطف قبلة سريعة من شفتيها الكرزتين ثم ودعها وودع طفلته النائمة وغادر.. تنهدت بعمق وعادت إلى الشرفة وجلست لتناول الطعام..
بعد مدة من الزمن..
دلفت إلى المطبخ ووضعت بعض الألعاب على الأرض لتنشغل طفلتها بهما حتى تنتهي الطهي.. بعد دقائق نهضت آسيا ممسكة بأحد مقاعد الطاولة ثم تركتها وتحركت بمفردها حتى وصلت إلى والدتها واحتضنت قدميها.. التفتت إليها بلهفة واندهشت عندما رأتها تقف لوحدها ثم جلست نصف جلسه قائلة :
-قطتي مشيت لوحدها
أخذت الطفلة تتحرك للأعلى وأسفل وتصدر أصوتًا طفولية غير مفهومة.. قبلتها على وجنتها ثم ابعدتها عنها وعادت إلى مكانها جالسة على ركبتيها فاتحه لها ذراعيها قائلة :
-آسيا تعالي يلا..
تحركت ببطء شديد إلى والدتها فاتسعت ابتسامة الأخيرة قائلة :
-برافو يا روحي
تقدمت نحوها واحتضنتها فأطبقت ذراعيها على جسدها الصغير ونهضت عن الأرض حاملة إياها معها.. طبعت عدة قبلات على جانب رأسها ثم تركتها تلعب حولها وأكملت عملها.. دخلت رنا و وقفت أمام جهاز مبرد المياه تضع بعض الماء داخل الكوب.. وقفت آسيا وتشبثت في أحد قدميها.. فشهقت بخفه وركلتها بدفعه قائله بحده :
-يا غبيه خضتيني
سقطت الطفلة على ظهرها منفجرة بالبكاء.. فتركت ندى ما في يدها وركضت إلى طفلتها وحملتها عن الأرض ونظرت إلى رنا بحده قائلة :
-دي طفلة حرام عليكِ
احتضنت طفلتها أكثر كي تشعرها بالأمان ومسحت على رأسها في حين قالت رنا بحنق :
-أبعديها عني يا حلوه
-مهما ان كان بينا خلافات هي طفلة ملهاش ذنب.. ولو بتحبي أخوكِ هتحبي بنته
تركتها رنا وخرجت بخطوات واسعة.. فتنهدت ندى بعمق ووجدت نفسها تبكي من أجل طفلتها التي تشهق تأثيرًا من البكاء.. ثم جلست على المقعد محتضنه إياها بشدة هامسة ببكاء :
-أسفه يا روحي
صدح صوت الهاتف الخاص بالأمن.. فخرجت متجه نحوه وهو مجاور لباب المنزل.. وقفت ورفعت السماعة لتجيب عليه فقال :
-أستاذة ندى في واحد اسمه تميم بيقول انه مندوب مبيعات عايز يدخل يقابل حضرتك
عقدت بين حاجبيها في تذمر قائلة :
-لاء مايدخلش انا هبقى اكلمه
-تمام يا فندم
وضعت السماعة تزفر بنفاذ صبر لكنها تفاجأت بسؤال رنا الغير متوقع :
-مين ده اللي هتبقي تكلمي؟
التفتت إليها تطلع إليها بثقة عالية بعد أن ارتفع احد حاجبيها وقالت بهدوء :
-شيء يخصني.. وبعدين مش حضرتك قولتي خليكِ في حالك وأنا في حالي؟!
ثم عادت إلى المطبخ بعد أن نجحت في استفزازها.. لحقت بها بخطوات واسعة ودخلت وهي تندفع بحده :
- ايه الجرأة اللي أنتِ فيها دي؟!.. ازاي تتكلمي معايا كده؟!
وضعت طفلتها على المقعد المخصص للأطفال وجلست على مقعد مجاور لها كي تطعمها دون أن ترد عليها.. فجزت الأخيرة أسنانها بعنف قائلة :
-على فكرة انا من حقي أعرف مين اللي هتكلميه.. أنا هنا مكان رحيم
-هو وصاكِ تراقبيني ولا إيه؟!.. فهميني قصدك
قالت كلماتها وهي محدقة بها في دهشة فأخذت الأخيرة تطلع إليها من أعلى لأسفل وقالت قاصده استفزازها :
-يعني يمكن بتعملي حاجة غلط ولا حاجة
حملقت بها بعينين لامعتين بحمرة الدهشة والغضب معًا.. كما إن أعصابها انفجرت من الداخل بينما ابتسمت الأخيرة بخفة وعادت إلى الخارج تاركة إياها تستشيط من الغيظ.. كلماتها دائمًا تؤلمها واليوم تيقنت بأنها قاصده أن تضايقها كأنها تلعب على الوتر الحساس معها.. لكنها لم تستلم لتلك المضايقات.. حركت رأسها في كلا الاتجاهين وبدأت تطعم طفلتها من جديد..
في تمام الساعة الثانية مساءً..
وقفت أمام الباب في انتظار الحافلة المدرسية.. انتظرت لدقائق قليلة ورأت سيارة رحيم تدخل من البوابة فتعجبت لكونه جاء بغير معاده.. صف السيارة أمامها وترجل من السيارة ناظرًا إليها مبتسمًا.. بينما ترجل الطفلان يركضون إليها كعادتهم فرحبت ندى بهما هي وطفلتها ثم تركتهم يدخلون..
نظرت إلى رحيم في تعجب قائلة :
-جاي بدري وكمان جبت الولاد من المدرسة
-اليومين دول توقعي مني أي حاجة
قال كلماته بجدية وهو يخرج ورده زرقاء من جيب معطفه الداخلي وضعها خلف آذنها ثم طبع قبلة طويلة على جبينها وأخرى على رأس طفلته.. ابتسمت إليه بشغف ثم ابتعدت عنه على بعد عدة خطوات قائلة :
-شوف الجديد بقى عند آسيا..
جلست نصف جلسة لتكون في مستوى الطفلة وقالت بحماس :
-آسيا روحي لبابي
رفع حاجبيه مبتسمًا وجلس نصف جلسه فاردًا ذراعيه إليها.. تحركت ببطء نحو والدها فاتحة ذراعيها الصغيرتين.. أخذت ندى تصفق تشجيعًا لها حتى وصلت إليه واحتضنته.. فأطبق ذراعيه عليها وقال مبتسمًا :
-برافو يا روحي
ثم قبلها على جانب رأسها برفق ونهض بها فنهضت الأخيرة متجه نحوهم ووقفت إلى جواره.. أحاط كتفها بذراعه يضمها إلى صدره ثم دلفا إلى الداخل معًا..
-خلي آسيا معاك بقى لحد ما أحضر الغدا ..
ثم وقفت أمامه تطلع إليه بعينين لامعتين من السعادة متابعة :
-فرحانه جدًا علشان هتتغدى معايا ومع الأولاد
مسك بيدها رفعها إلى حيث شفتيه كي يطبع عليها قبلة حانية وأخرى على جبينها ثم مسك بذقنها وقال ببساطة :
-أجيلك كل يوم في نفس المعاد يا روحي
اتسعت ابتسامتها لكن سرعان ما اختفت تلك الابتسامة عندما استمعت إلى صوت رنا تنادي رحيم.. نظر إليها قاطبًا جبينه قائلًا :
-نعم
تقدمت نحوه بعدة خطوات ووقفت عاقده ذراعيها أمام صدرها قائلة :
-مراتك يا أستاذ اتكلمت معايا بكل بجاحه النهاردة.. يا ترى هتعمل معاها زي ما عملت معايا
وقفت ندى إلى جوار رحيم تطلع إليها في دهشة في حين تساءل الأخير في تعجب :
-ندى؟.. وايه اللي حصل منك علشان تتكلم معاكِ ببجاحه؟!
اتسعت عينيها تشير إلى نفسها متسائلة :
-يعني لازم اكون عملت فيها حاجة يا رحيم؟..
ثم تنهدت بهدوء ونظرت إلى ندى بوجه محتقن قائلة :
-اتكلمي وقولي انا عملت ايه
انتقلت بعينيها بين كلا من رنا ورحيم لتثبت مقلتيها على رنا وقالت بعدم قبول :
-مع احترامي لجوزي وحضرتك أنا مبحبش رحيم يدخل في الحوارات دي.. لأن دي خلافات ستات وهو راجل.. ليه بقى أوجع راسه بحوارات مالهاش لأزمة.. ولو كنت بجحة في الكلام مره فحضرتك عملتي معايا اكتر من كده فخلي دي قصاد مواقفك..
ثم نظرت إليه وتابعت بجدية :
-ورحيم أكبر من أني أدخله في حوارات الستات التافه دي..
ثم أردفت :
-بعد اذنك يا رحيم اطلع غير هدومك على ما احضر الغدا
ثم تركتهما واتجهت صوب المطبخ بخطوات واسعة فنظر رحيم إلى شقيقته التي تحملق في الفراغ التي كانت تحتله ندى منذ لحظات.. وكلماتها حقًا جعلتها غير ناضجة كما أنها وضعت نفسها في موقف محرج للغاية.. تحرك رحيم ووقف إلى جوارها ليقول بصوت منخفض بالقرب من آذنها :
-سمعتي كلام ندى طبعًا.. خطأ واحد بس منها اجبرك تشتكي منها زي ما يكون كنتِ مستنيه الخطأ ده.. لكن لو ندى بتحكيلي على اللي بيحصل منك كان زمانك بره البيت.. وأنا متأكد إنك عملتي حاجة أجبرت ندى تخرج عن شعورها
ثم اتجه إلى الدرج كي يصعد إلى الطابق العلوي.. تاركًا إياها تزفر وتفرك في يديها بعضها البعض ثم خرجت إلى حديقة المنزل بخطوات واسعة..
أما ندى بدأت تضع أطباق الطعام أعلى مائدة الطعام.. وجاءت أشرقت وجلست على احد المقاعد متسائلة :
-الغدا ايه النهاردة؟
رفعت عينيها إليها وقالت بابتسامة مرحه :
-اكله كلنا بنحبها جدًا تحديدًا أشرقت الجميلة
صفقت بيديها وأرسلت لها قبلة عبر الهواء وتساءلت :
-هي ايه؟.. قولي بسرعة
-لاء طبعًا هي مفاجأة
ثم خرجت من الغرفة لتتقابل مع رحيم وريان.. فطلبت منهم أن ينتظرون داخل الغرفة ثم ركضت إلى المطبخ.. التفت برأسه ناظرًا إليها قاطبًا جبينه ثم دلف إلى الغرفة.. وضع طفلته على المقعد الخاص بها وجلس ريان إلى جوارها يلعب معها.. بينما خرج رحيم متوجهًا إلى المطبخ.. ودخل ببطء شديد ليحتضنها من الخلف فشهقت بخفة والتفتت إليه فتساءل بمشاكسة :
-حبيت أجي أساعد
-شكرًا مستر رحيم.. لو محتاجة مساعدة هقولك
قالت كلماتها بابتسامة واسعة فأومأ بتفهم ثم شدد عليها جاذبًا إياها إليه أكثر وقال مداعبًا :
-بس أنتِ محتاجة مساعدتي.. يعني أعدل طبق اشيل معلقة
ضحكت ضحكة خفيفة تحرك رأسها في كلا الاتجاهين ثم احتضنته عنوة قائلة :
-حبيبي ربنا يخليك ليا
أطبق ذراعيه على جسدها النحيف قليلًا دافنًا وجهه بين ثنايا عنقها.. وقبل عنقها برقة بالغة خطفت روحها من بدنها عندما تنهدت بصوت مسموع.. طبع عدة قبلات أخرى برفق شديد في ذات المكان.. ثم صعد بقبلاته إلى آذنها وهمس بنبرة ثقيلة :
-بعشقك وبعشق حبك ليا
-انا بعشق نفسي علشان انت بتعشقها.. وبحبك اوي اوي..
طبع قبلة على وجنتها ثم ابتعد عنها فأخذت معلقة وضعتها في يده وهي تقول بمرح :
-المعلقة اللي جيت علشانها
قهقه عاليًا واحتضنها من جديد في حين ضحكت هي ضحكة خفيفة.. ثم قبلها على كتفها وتركها وخرج.. فتنهدت بعمق تضم يديها إليها وقلبها تشعر به يرفرف فوق عرش الحب بفضل رجل جعلها تعشق الحياة..
داخل غرفة الطعام كان رحيم يشاكس ابنته أشرقت ويدغدغها وتضحك.. حتى جاءت ندى وضعت أمامهم صينية الطعام الرئيسي قائلة بمرح :
-صينية بطاطس باللحمة
نظروا إليها في دهشة وسعادة لكونهم يعشقون تلك الوجبة كثيرًا.. فقال ريان وعيناه مثبته على الوجبة :
-المفروض ريان ياكل الأول بعدين كلكم تاكلوا
تطلعت أشرقت إليه بتذمر طفولي بينما قال رحيم بمزاح غير واضح :
-لاء طبعًا المفروض بابا ياكل الأول بعدين انتوا
أشرقت معترضة بتذمر :
-لاء أنا الأول لأني أنا أشرقت
كانت ندى تراقبهم بابتسامة بسيطة وهم يتشاجرون على من يتناول تلك الوجبة بمفردة.. وبعد مشاجره استمرت لدقائق قليلة قالت ندى أخيرًا :
-بس خلاص ولا حد فيكم... اللي عملها هو اللي ياكل الأول
ضحك الثلاثة ونكزها رحيم في جنبها بيده مازحًا فابتعدت عنه قليلاً ناظره إليه وهي تضحك.. ثم تناولوا الطعام الذي لم يخلوا من مشاكستهم جميعًا..
بعد مدة من الزمن..
وقفت خلفه كي تساعده في ارتداء المعطف.. ثم احتضنته من الخلف وقالت بهدوء :
-نفسي أرجع الشغل بقى.. ما هو مش معقول سافرت أدرس سنتين في علم التصميم وفي الاخر ماشتغلش
-لو مستعدة أنا معنديش مانع
ندى بحماس كبير :
-مستعدة طبعًا.. همشي معاك الصبح وأرجع انا الساعة اتنين علشان ريان وأشرقت وآسيا هسيبها عند نانا
قال وهو يمشط شعره :
-أنتِ هتعملي ايه في الشركة غير إنك هتصممي وتعرضي عليه التصاميم؟
مطت شفتيها بعدم فهم قائلة :
-ولا حاجة.. لكن ليه السؤال ده
نفث القليل من عطره المفضل ونفث على ذراعيها التي تحيط خصره بمشاكسة.. فابتسمت ضاربه على ظهره بجبينها بخفه طالبه منه أن يكف عن ذلك قائلة :
-رحيم بطل حركاتك دي
لاحت ابتسامة جانبية على ثغرة ثم وضع الزجاجة كما كانت والتفت إليها يمسح على ذراعيها وقال بجدية :
-يعني ممكن تشتغلي وأنتِ في البيت واعرضي عليه تصاميمك..
ثم أردف :
-والغرفة اللي تحت هعملها لك مكتب كبير في جميع انواع الأقلام والألوان والأوراق
أومأت بتفهم متشبثة في معطفه من الامام قائلة :
-تمام مستر رحيم لكن ده مايمنعش اني أروح اشتغل في الشركة في أيه وقت لو حبيت
-طبعًا يا روحي الشركة شركتك وعلى أسمك
ثم مسك بيدها ليرى أسواره نبضات قلبه حول معصمها.. فرفع معصمها إلى حيث شفتيه وطبع قبلة رقيقة عليه وأخرى على جبينها.. ثم اتجه نحو الباب لكن توقف عندما شعر بأنها تلحق به والتفت إليها قائلًا :
-مفيش داعي توصليني علشان السواق تحت
لوت ثغرها بضجر وقالت بحزن :
-لكن أنا بحب أوصلك وابص على العربية لحد ما تمشي
اقترب منها أكثر ووقف يطبع قبلة طويلة على جبينها ثم اختطف الكرزة الخاصة به في قبلة طويلة ثم ودعها وغادر.. فخرجت معه ووقفت عند الدرج حتى خرج فأسرعت نحو النافذة التي تطل على الخارج.. ووقفت تنظر إليه حتى استقل السيارة وغادر السائق وانتظرت حتى اختفت السيارة من أمام عينيها..
عادت إلى الغرفة بعد أن اطمأنت على كلًا من ريان وأشرقت.. جلست على حافة الفراش وقامت بنقل رقم ابن عمها واتصلت عليه.. أجاب عليها بعد لحظات فتساءلت بحنق :
-أنت عايز ايه يا تميم؟
تلاشى سؤالها بل ورد عليها بسؤال :
-ليه رفضتي إني ادخل عندك البيت؟
-أنت لو قولت إنك ابن عمي كنت دخلتك.. لكن مندوب مبيعات ايه وادخل مندوب مبيعات بيتي ليه أصلا
-خلاص مش موضوعنا.. ممكن نتقابل بقى علشان نتفاهم
زفرت بنفاذ صبر قائلة :
-مش هقابلك وقول اللي انت عايزه في التلفون
-ندى أنا لازم اقابلك وإلا جتلك البيت تاني.. مفهوم
قال كلماته بدفعه وحسم وأنهى معها المكالمة فنظرت إلى شاشة الهاتف تزفر بنفاذ صبر.. وبعد لحظات ارسل لها رسالة تحمل عنوان كافيه سينتظرها هناك.. نهضت عن الفراش تأخذ المكان ذهابًا وإيابًا تفكر سريعًا.. حتى حسمت قرارها بعد دقائق قليلة من التفكير..
ركضت إلى الغرفة كي تبدل ثيابها وأبدلت ثياب طفلتها أيضًا ثم تحدثت مع زوجها لتخبره بأنها ستذهب إلى الملجأ لمعرفة الجديد هناك.. بعد انتهاء المكالمة نظرت إلى شاشة الهاتف التي تحمل صورته بحزن واضح تأنب نفسها على كذبتها عليه وهمست بحزن واضح :
-أنا اسفه لكن هقولك على كل حاجة في الوقت المناسب
ثم حملت طفلتها وخرجت متجه إلى غرفة أشرقت ودخلت بعد أن قرعت الباب وقالت :
-أشرقت حبيبتي انا رايحة مشوار ومش هتأخر.. ماتخرحيش من الغرفة غير لما اجي
-أوكي هستناكِ
أرسلت لها قبلة عبر الهواء فبادلتها الأخيرة بأخرى.. ثم خرجت وذهبت إلى ريان وقالت كي تطمئن بأنه لم يخرج حتى تأتي :
-اللعب الف جيم لحد ما اجي
توقف عن الكتابة مبتسمًا قائلًا :
-شكرًا ندى
ارسلت له قبلة عبر الهواء فاكتفى بابتسامة بسيطة من ثم عاد إلى كتابة واجباته المدرسية.. خرجت متجه صوب الدرج فصدح صوت الهاتف داخل حقيبة يدها.. أخرجته لتجيب على ابن عمها وقالت مندفعة وهي تهبط الدرج :
-خلاص خارجة ونص ساعة وهكون قدامك
نظرت رنا إليها وهي تقلب صفحات المجلة وأتبعتها حتى خرجت من المنزل مغلقة الباب خلفها..
وضعت طفلتها على المقعد المخصص للأطفال ثم جلست أمام المقود وتحركت إلى وجهتها كي تنهي ذلك الحوار.. ذهبت إلى منزل جدتها أولًا كي تعطيها آسيا حتى تعود.. ثم ذهبت إلى العنوان المنشود..
دلفت إلى الداخل تنظر حولها رافعة النظارة الشمسية إلى شعرها.. حتى رأته يجلس في انتظارها فتقدمت نحو الطاولة وجلست على المقعد المقابل له تطلع إليه بعدم قبول.. رفع رأسه إليها ثم ابتسم بخفة وتساءل :
-تشربي ايه؟
-مش جايه أشرب.. أنا عايزه اعرف انت عايز ايه وياريت تختصر
أومأ بتفهم وتناول رشفة من فنجان القهوة وقال ببرود :
-هختصر.. طبعًا أنتِ عارفه إن بابا كان شريك أبوكِ في نص الفيلا والمصنع.. أنا بقى عايز حقي في الإتنين..
ثم أردف بثقة عالية :
-الفيلا مثلا بعشره مليون والمصانع بخمسة مليون يعني حقي كله على بعضه سبعه مليون ونص
تحجرت عينيها في دهشة وقالت من بين أسنانها :
-الفيلا كلها على بعضها خمسه مليون.. عشره ايه انت بتحلم..
ثم أردفت عندما تذكرت :
-وبعدين عمي الله يرحمة اتنازل عن حقه في المصنع والفيلا لبابا.. يعني انت مالكش حاجة
-لاء ليا يا ندى ومعايا العقد اللي يثبت أن بابا شريك عمي.. أنتِ بقى معاكِ عقد البيع؟
حركت مقلتيها هنا وهناك محاولة أن تتذكر أين وضعت عقد البيع وقالت :
-أه طبعًا محتفظة بيه.. وغير العقد المفروض يبقى عندك ضمير
-ضميري مات واندفن من زمان.. في خلال أيام السبعه ونص مليون يكونوا عندي وإلا روحت طلبتهم من جوزك
-أصبر عليا شويه يا تميم.. وطلع رحيم من الموضوع
ثم استأذنت ونهضت متجه إلى الخارج م ثم استقلت السيارة وذهبت في طريقها إلى منزل والدها الذي أصبح ملجأ الأن..
وصلت في خلال نصف ساعة تقريبًا ودخلت لترى المسؤولة تدخلهم الغرف بانتظام.. لكن عندما رأت ندى تركتهم مع فتاة أخرى وتقدمت نحوها مرحبة بها.. ووقفت تصافحها فابتسمت الأخيرة قائلة :
-أنا شكلي جيت متأخر
-لاء طبعًا تيجي في ايه وقت
-بإذن الله اجي يوم تاني بدري شوية.. أنا بس جيت أخد حاجة من غرفة المكتب
أومأت بتفهم فتركتها وصعدت إلى الطابق العلوي من ثم فتحت غرفة مكتب والدها بالمفتاح الخاص بها.. ودخلت مغلقة الباب خلفها وأضأت المصباح الكبير.. تقدمت صوب المكتب ووقفت أمامه واضعه حقيبتها عليه ومسحت على سطح المكتب بأناملها لترى مغطي بالأتربة.. ثم جلست على المقعد تدعي ربها أن تجد عقد البيع سريعًا..
قامت بفتح الخزنة وأخذت تبحث عن العقد من بين الكثير من الأوراق لكنها لم تجده.. فأصبحت تفتح أدراج المكتب وتبحث عنه في كل شيء حولها لكن بلا جدوى.. مضى الوقت عليها دون أن تشعر حتى أصابها اليأس.. فأخذت الحقيبة وخرجت مغلقة باب الغرفة بالمفتاح وغادرت بعد أن ودعت المسؤولة عن الدار..
استقلت السيارة وتحركت بأقصى سرعه في طريقها إلى المصنع علها تجد عقد البيع هناك.. عند وصولها صفت السيارة ودخلت ذلك المصنع الذي أصبح مهجورًا وليس داخله احد سوى إثنان من الحرس.. دلفت إلى غرفة المكتب وبدأت تبحث عن ذلك العقد حتى شعرت بالدوران فجلست على المقعد واضعه يدها على جانب رأسها..
..... دقت الساعة التاسعة مساءً
دخل رحيم إلى المنزل يتطلع إلى شاشة الهاتف متوجهًا إلى الدرج.. لكنه توقف عن السير عندما استمع إلى نداء شقيقته والتفت إليها دون أن يتفوه بكلمة.. فتساءلت متصنعة الاهتمام :
-ندى اتأخرت ليه كده؟!
نظر إلى ساعة يده ثم عاد بالنظر إليها مقطب جبينه قائلًا :
-افتكرت انها جت من بدري
-لاء من وقت ما خرجت تقابل مش عارفه مين وهي لسه مجتش
قالت كلماتها بخبث واضح فانتبه إلى كلمة " تقابل" وتساءل في تعجب :
-مين ده اللي ندى خرجت تقابله؟
-مش عارفه ابقى أسالها لما تجي
ثم ارتفع أحد حاجبيها ناظره إلى شاشة الهاتف الخاص بها.. هم أن يتحدث لكن دخلت ندى مغلقة الباب خلفها فأدار رأسه ناحيتها عاقدًا بين حاجبيه.. تقدمت نحوه بخطوات بطيئة رافعه عينيها إليه في قلق واضح من ردة فعله على تأخرها.. ثم وقفت أمامه وقالت في توتر :
-وانا بجيب آسيا قعدت مع نانا شوية
تساءل بنبرة خشنة :
-تلفونك كان مقفول ليه؟
-كان فصل شحن
تدخلت رنا في الحوار بينهم قائلة في تذمر :
-ماكنش ينفع تسيبي أشرقت وريان لوحدهم طول الوقت ده
قالت دون أن تنظر إليها :
-هما مش لوحدهم حضرتك معاهم
رفعت حاجبيها في تعجب وقالت بحنق :
-افرضي انا كمان حبيت أخـ..
قطع حبل كلماتها بحده بالغة :
-متدخليش بيني وبين ندى تاني.. وخلاص الحوار انتهى
جحظت عيني ندى بينما استيقظت الطفلة بفزع على اندفاع والدها.. نظر إلى طفلته ثم التفت متوجهًا إلى الدرج وصعد إلى الطابق العلوي.. في حين ربتت الأخيرة على كتف ابنتها تهدئها..
بعد دقائق دلفت إلى الغرفة بعد أن اطمأنت على كلًا من أشرقت وريان.. وضعت طفلتها التي ذهبت إلى النوم مجددًا داخل فراشها الصغير برفق.. ثم أوصلت الشاحن بالهاتف بينما خرج رحيم بعد أن أبدل ثيابه وتساءل دون مقدمات :
-خرجتي تقابلي مين؟
التفتت إليه وتقدمت نحوه لتقف أمامه وقالت بحزن :
-تميم ابن عمي.. واسفه علشان كذبت عليك
اندفع بحده عالية :
-مفيش مبرر للكذب.. وليه كذبتي عليه؟!
ألقت نظره سريعة على فراش طفلتها قائلة بصوت منخفض :
-رحيم وطي صوتك آسيا نايمة
تحدث من بين أسنانه بحده :
-ردي على سؤالي
-هو رجع من السفر يطالب بحقه في المصنع والفيلا وأنا ماحبتش أشغلك
لم يستطيع تمالك أعصابه ليندفع بتذمر شديد :
-هو أنتِ ليه مصممة تعتبريني مش موجود.. ولا تكوني ناسيه اني جوزك ولازم اعرف كل حاجة بتحصل
تحدثت بهدوء لكن بنبرة مرتعشة :
-كنت هقولك لكن لما أعرف هو عايز إيه.. اكيد مش هقدر اتصرف لوحدي
-أول مرة قابلتي أمتى أو وصلك ازاي؟!
ابتلعت لعابها وأجابت بصوت منخفض بعد أن أطرقت رأسها :
-في الهايبر وكتبلي رقمه وأنا كلمته
حملق بها في حده ستقسمها إلى نصفين واندفع بصرامه :
-وليه تستني لحد ما انا أسألك؟.. انا عرفت من رنا
-قولتلك كنت هقولك
اندفع بصوت حاد عال اهتز الحائط بفضلة :
-أمتى؟!.. لما تقابليه رابع وخامس وفي كل مرة تكذبي عليه.. بوافق على خروجك علشان بثق فيكِ.. أصدقك أنا تاني ازاي؟!
هبطت دموعها على وجنتيها ومسكت بكفه لكن سرعان ما نفض يدها وأخذ يمسح على شعره ويلهث بصوت مسموع فقالت بنبرة ضيق :
-أنا أسفه.. أوعدك مش هعمل كده تاني
اتجه إلى الباب وخرج مغلقًا إياه خلفه بعنف فانتفض بدنها ناظره إلى الباب.. ثم جلست على الاريكة الصغيرة التابعة للفراش تبكي وقد فلتت عدة شهقات مؤلمة من بين شفتيها
***
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية حب رحيم) اسم الرواية