رواية دموع مؤجلة واحتضان أخير الفصل التاسع و العشرون 29 - بقلم شمس حسين
ارضاء الضمير رغم الألم
كنت لسه قاعدة مكاني مصدومة، دماغي مش قادرة تستوعب اللي مرام قالته، الكلمات كانت بتدوي في وداني وكأنها مشهد متكرر مش عايز يخلص، فجأة صوت أحمد قطع شرودي: “مالك يا شمس؟ في إيه؟ ايه اللي حصل؟”، كان واضح عليه القلق بعد ما شاف تعابير وشي بعد المكالمة، بصيت له وأنا لسه تحت الصدمة، وقلت بصوت مهزوز: “مرام… اتصلت وقالت إن البنك هيحجز على البيت”، اتكلمت بسرعة وأنا مش مصدقة اللي بقوله، أحمد فضل ساكت للحظة وكأنه بيحاول يستوعب زيي، كان عارف كل حاجة عن علاقتي ب بابا، كان فاهم إن الموضوع ده مش مجرد خبر سيئ، دي حرب نفسية كاملة عليا، سكت ثواني و بعدها قالي:”طيب… انتي هتعملي إيه؟”، اتنفست بعمق، وحسيت بكلمة “مش عارفة” بتخرج أخيرًا:” مش عارفة، يا أحمد، بجد مش عارفة”، قرب مني شوية وقال بصوت مليان دعم:” بصي، أهدي الأول، مفيش حاجة هتتحل وإنتي متوترة كده، شوفي إيه اللي هيريّحك، واختاريه، مفيش صح أو غلط هنا… سواء قررتي تروحي أو لأ، انتي مش مطالبة بحاجة، القرار قرارك، وأنا معاكي في أي حاجة تقرريها”، هزيت دماغي ببطء وقلت: “الفكرة كلها إني مش مقتنعة إن الكلام ده حقيقي… بابا مش الشخص اللي يوصل لكدة، هو أذكى من إنه يخسر كل حاجة فجأة… أكيد في حاجة مش مفهومة، أو ممكن تكون دي لعبة، حقيقي مش عارفة”، قالي :”لو ده الاحساس اللي وصلك بعد المكالمة، خلاص امشي وراه، و متفكريش في أي حاجة”، فضل يحاول يهديني بكلامه، بس مكنتش قادرة أخرج من التوتر اللي جوايا، وفجأة وقفت وأنا بتنفس بسرعة: “حتى لو اللي قالته مرام صح، مش هروح هناك… أنا وهو علاقتنا انتهت خلاص، من زمان أوي”، خلصت كلامي ولقيت دمعة غلبتني ونزلت قبل ما ألحق أخبيها، مسحتها بسرعة، كأني بمسح أي شعور ضعف جوايا، و قلت: “أنا هقوم أروح”، أحمد وقف بسرعة وقالي: “استني، مش هسيبك تمشي لوحدك… أنا هوصلك”، معترضتش، كنت محتاجة حد جنبي، مش علشان يلاقي حل، لكن علشان وجوده كان بيهون عليا القلق اللي مالي قلبي، ركبت معاه، والطريق كله كان ساكت بس كانت نظراته كلها مليانه دعم من غير كلام.
وصلت البيت وأنا شايلة هم مالوش آخر، الصدمة مسيطرة عليا وكلام مرام لسه بيرن في وداني، ماما كانت قاعدة في الصالة بتشرب شاي، أول ما شافتني لمحت القلق على وشي، وقالت:”مالك يا شمس؟ شكلك مش طبيعي… حصل حاجة؟”، قعدت جنبها وأنا مش عارفة أبدأ منين: “مرام كلمتني…”، لمحت نظرة توتر في عنيها: “خير؟!”، اتنفست بصعوبة وأنا بحاول أحكي: “بتقول… البنك هيحجز على البيت… هيطردوهم! مفيش حد معاهم”، ماما اتسمرت مكانها من الصدمة: “إيه الكلام ده؟! بيت أبوكي؟! مستحيل… معقول؟!، ابوكي مستحيل يخسر كل حاجة فجأة كده! إزاي؟!”، هزيت راسي وأنا حاسة بالحيرة والشك: “مش عارفة يا ماما… ده نفس الاحساس اللي وصلي، بابا أذكى من إنه يقع الوقعة دي… أكيد في حاجة غلط”، سكتت شوية وهي بتحاول تستوعب الكلام، بعدين قربت مني وقالت بهدوء لكنها مليانة قوة: “طيب، انتي ناوية تعملي إيه؟”، بصيت لها بحيرة: “مش عارفة… حاسة إني تايهة ومش قادرة أفكر”، مسكت إيدي بحنان وقالت: “اسمعيني يا شمس، مش مهم إيه اللي حصل، المهم إنتي هتعملي إيه، أي قرار هتاخديه أنا معاكي فيه”، سكتت شوية و بعدها كملت وقالت نفس كلام احمد:” خليكي عارفة إنك مش مجبورة على حاجة، ومحدش له الحق يلومك على أي حاجة هتعمليها بخصوص الموضوع ده”، حاولت أتماسك، بس دموعي كانت غلباني: “أنا خايفة أندم… خايفة أكون بعمل حاجة غلط سواء روحت أو مروحتش”، ضمتني بحنان: “الندم عمره ما كان على الخير يا بنتي، الخير اللي هتعمليه مش هيضيع، اعملي اللي يريح ضميرك، وربنا هيقف معاكي”، الكلمات دي فضلت تلف في دماغي، لكن برضو مكنتش قادرة أستقر على قرار، دخلت الأوضة وحاولت أنام، لكن مفيش فايدة، في الآخر قمت اتوضيت وصليت ودعيت ربنا يرشدني، دموعي كانت بتنزل وأنا بدعي: “يا رب… ساعدني أختار الصح… دلني على الطريق اللي يرضيك”، بعد الصلاة حسيت براحة غريبة، زي السحر بالظبط اعصابي هديت و غلبني النوم، و تاني يوم صحيت بدري، وقررت أتحرك، اول حاجة عملتها مسكت الموبايل واتصلت بأحمد وقلت: “آسفة لو قلقْتك بدري كده”، صوته كان مليان إهتمام: “شمس، مالك؟ حصل حاجة؟”، حاولت أتماسك بس صوتي كان بيرتعش: “أحمد… محتاجة تكون معايا النهاردة”، صوته بقى أهدى لكن مليان دعم وكأنه كان عارف انا هقول له أي وقال:”أنا معاكي في أي وقت، هبدل هدومي واجيلك حالًا”، وبعد ساعتين بعت لي رسالة: “أنا تحت البيت”، أخدت شنطتي، وأنا خارجة من الأوضة ماما كانت لسه صاحية، شافتني وقالت: “رايحة فين يا شمس؟”، بصيت لها بثبات وأنا شايلة كل الحيرة والقرار جوايا: “هعمل اللي يرضي ضميري يا ماما”، دعيت لي وهي مبتسمة بحنان: “ربنا معاكي يا بنتي”، نزلت، لقيت أحمد مستنيني في العربية، ركبت جنبه من غير كلام،
و بعد لحظة قالي بهدوء : “جاهزة؟”، هزيت دماغي وبصيت له بثبات و اديته ورقة مكتوب فيها عنوان وقلت: ” عنوان البيت”.
بعد نص ساعة تقريباً وصلت على أول الشارع قدام البيت… كنت حاسة أن رجلي تقيلة مكنتش قادرة انزل من العربية، احمد لف و فتح لي الباب و نزلت، الدنيا حواليا كانت مقلوبة… ناس ملمومة في كل اتجاه، عربيات شرطة واقفة صف، الأنوار الزرقة بتلف زي دوامات عاصفة، كنت مصدومة من المشهد، كلام مرام طلع صح، معقول، احمد قطع تفكيري وقال:”شمس… إنتي كويسة؟”، مردتش… بصيت قدامي وعيني رفضت تصدق اللي بتشوفه، كل حاجة حواليا كانت بتدوي في وداني وكأنها طبول حرب، خطيت أول خطوة وسط الزحمة وأحمد ماشي جنبي، كنت سامعة همسات اللي واقفين بتزيد، كل واحد فيهم بيتكلم، وكأنهم مستنيين اليوم ده: “ياااه، بعد العز اللي كانوا فيه… بصي حالهم دلوقتي!”، واحدة تانية قالت: “إخوات الراجل رموا عياله في الشارع، ولا همهم لحمهم!”، صوت شخص تاني بيقول:” بيقولوا الحكومة لسه واخداه حسين من شوية، هو الوحيد اللي ملحقش يهرب”، صوت حد تاني رد عليه:” كل اللي معاه مكفاش ديونه!”، كنت ماشية في وسطهم و مصدومة من اللي بسمعه، لحد ما سمعت أكتر حاجة هزتني: “ماهو كله ده ذنب مراته الأولى وبنتها… الراجل ده عذبهم عذاب!”، “بنتها؟ دي بقت في حتة تانية خالص… ما شاء الله، شوفتي مركزها!”، “اللهم لا شماتة، ربنا يوري الظالمين عجايب قدرته”، الكلام كان بيطعن في قلبي، بس وقفت مكاني، أحمد بصلي، وكنت شايفة القلق في عينيه، بس هو ساكت، سايبني أقرر هعمل إيه، كل ما أقرب خطوة كل ما الحقيقة تبقى أوضح، لحد ما وصلت قدام البيت، وقفت…. هو ده البيت اللي كان المفروض يبقى أماني وسندي، بس بقى أكبر كابوس في حياتي، وقفت و شريط ذكرياتي مر قدام عيني فجأة، افتكرت فيها كل مرة خرجت من البيت ده و دموعي علي خدي، كل مرة اتعرضت فيها للظلم و ملقتش حد يحميني، افتكرت كل المواجهات اللي عيشتها فيه و انا صغيره لوحدي قدام بابا و عيلته، كنت حاسة إني خلاص هنهار، بس فجأة شفت نفسي و انا نازلة آخر مرة من البيت ده، آخر مرة خرجت وانا منهارة، دموعي بتتحفر علي وشي، وكلامه بيدوي في وداني كأنه لسه قايله حالًا: “أناياستي أنا مبحبكيش… ارتاحي بقي.. اعمل فيكي اي تاني علشان تصدقي”، الكلمة اللي بسببها اصطدامت بالواقع، خلتني افوق من الصدمة اللي عيشت حياتي كلها فيها، وقفت مكاني وقلبي كان بيدق بسرعة… أحمد كان جنبي، حس بيا، سندني بإيده وقال لي بصوته الهادي: “شمس، إنتي كويسة؟”، هزيت دماغي، وقلت له:” تمام”، فجأة صوت الحركة قدامي شدني للواقع، رفعت عيني ولقيت مرام وباقي أخواتي و أمهم نازلين من على السلم، شايلين شنطهم وسط زحمة الناس، وشوشهم مكسورة… نظراتهم مذلولة… مش قادرين يبصوا لحد، الناس حواليهم واقفة تتفرج وكأنهم بيتفرجوا على مشهد قصاص علني، قلبي اتقبض… رجلي كانت تقيلة، مش قادرة أتحرك، بصيت لأحمد اللي كان عينه عليا، وكأنه بيسألني بصمته: “هتعملي إيه؟”، كملت مشي بخطوات بطيئة لحد ما وصلت للظابط اللي كان واقف، وقلت: “حضرتك… ممكن أعرف إيه اللي حصل؟”، بص لي بنظرة رسمية: “ممنوع أديكي أي معلومات يا آنسة، لو المتهم قريبك تقدري تروحي القسم”، كنت هرد عليه بس أحمد تدخل بسرعة: “شكرًا يا حضرة الظابط”، شدني بلطف: “تعالي، نمشي من هنا”، بصيت تاني على مرات أبويا وأخواتي….فجأة حسيت بحاجة بين الغضب والتعاطف… مشاعر متلخبطة، زي نار بتتوهج جوايا، طلبت من احمد ياخدهم معانا منغير ما اتكلم معاهم، احمد اخدهم العربية و بعدها ركبت جنبه وبصيت لأحمد وقلت بهدوء: “اطلع على أول الشارع بتاعنا”، الطريق كان طويل وصامت، مليان توتر، قلبي كان بيدق بسرعة، وكل همسة سمعتها في الشارع كانت بتدوي في دماغي، وبعد وقت بسيط، وصلنا قدام عمارة كبيرة، شفت عم إبراهيم قاعد قدام المدخل، ده كان جارنا عنده عمارة بيسكنها، اول ما وقفت قدامه قال:” “إزيك يا بنتي؟ مالك؟ في حاجة ولا اي؟”، بصيت له بثبات وأنا بحاول أحكم على صوتي: “في شقة فاضية يا عم إبراهيم؟ ضروري”، حسّ إن في حاجة غلط، لكنه مسألش: “آه يا بنتي، تعالي معايا”، طلعنا على شقة فاضية، فتحت الباب، وسبت الكل يدخل.، محدش فيهم نطق… حتى أنا مقدرتش أقول حاجة، وبعد ما اتأكدت إن كل حاجة تمام، أدّيت عم إبراهيم فلوس وقلت: ” معلش يا عم إبراهيم هتجيب لهم أكل وتشوف طلباتهم لحد ما أرجع”، قالي :”حاضر يا بنتي، ربنا يعينك”، شكرته و بعدها نزلت مع أحمد، وقفنا قدام العربية كنت بحاول اخد نفس، احمد كان واقف جنبي بيبصلي و كأنه بيقولي كل حاجة هتبقي تمام، و بعدها قال: “ناوية علي اي دلوقتي؟”، بصيت له بثبات غريب: “هروح على القسم، لازم افهم في أي”، ركبنا العربية و بعدها احمد كلم المحامي بتاعة و ادله العنوان علشان يحصلنا علي هناك، وبعد ما قفل اتحركنا، بصيت له بكل امتنان، كنت عارفة إن وجوده جنبي هو اللي مخليني واقفة لحد دلوقتي، قلت له: “أحمد… انا مش عارفه أشكرك ازاي علي تعبك ده معايا”، ابتسم ابتسامة هادية وهو بيربط على إيدي بلطف: “أتعبيني زي ما أنتي عايزة المهم ابقي معاكي”، حسيت بالتوتر و الخجل من صراحته، وابتسمت ابتسامه بسيطة وسكتت.
وصلنا القسم، الجو كان مكتوم والدنيا مشحونة بتوتر يخنق، أحمد كان ماشي واثق وهو بيقدم الكارت بتاعه للضابط، بعد دقايق حسيت إنها ساعات، فتحوا لنا الباب ودخلنا مكتب وكيل النيابة، الراجل كان واقف وملامحه جامدة، قعدت في طرف الكرسي، قلبي كان بيدق بعنف، كل التفاصيل دي جديدة عليا، بس حاولت أبان هادية، بعد التعارف بينهم، أحمد بدأ الكلام بصوت رسمي: “حضرتك وكيل النيابة المسؤول عن قضية السيد حسين عبدالله؟”، “أيوه، القضية عندي”، “ممكن نعرف تفاصيل التوقيف، والإجراءات اللي تمّت؟”، وكيل النيابة بصله ببرود: “السيد حسين عبد الله وأخواته أخدوا قرض كبير من بنك النيل ورهنوا ممتلكاتهم قصاده، المشكلة إنهم اتأخروا في السداد لفترة طويلة، ولما البنك بدأ إجراءات الحجز اكتشف إن الممتلكات تم بيعها بتوقيعات مزوّرة”، حسيت بدوخة من اللي بسمعه، بس أحمد كمل بهدوء: “طيب، هل في دليل مباشر على تورط السيد حسين؟”، وكيل النيابة قرب من المكتب وقال بجدية: “البنك قدم عقود البيع بتوقيعاتهم، والتوقيع بتاعه للأسف موجود”، أحمد سأله: “لكن هل تم فحص التوقيعات دي من خبراء التزييف والتزوير؟”، رد و كيل النيابة وقال: “أيوة، التقرير الأولي بيشير لاحتمالية تزوير التوقيع”، أحمد عقد حواجبه: “في الحالة دي، ليه يتم توقيفه؟ القانون بيمنع الحبس، الاحتياطي لو مفيش دليل قاطع أو خطر على سير التحقيق”، وكيل النيابة قال بحزم: “البنك مصرّ على إن السيد حسين متورط، سواء بالصمت أو بالإهمال اللي سمح بتمرير التزوير وبيع الأملاك، وده بيعتبر شبهة تواطؤ”، كنت بتابع الكلام وأنا بحاول أستوعب، بعدها أحمد سأل: “إيه المطلوب لرفع التهمة عنه؟”، “القبض على أخواته واسترداد الأموال اللي حصلوا عليها من البيع، ده الحل الوحيد”، أحمد سأل بتركيز: “طيب هل في إمكانية إنه يخرج بكفالة؟”، وكيل النيابة هز راسه: “الكفالة هتكون مبلغ كبير الي حد ما، بس الفكرة ف أنه مش هيقدر يدفعها لأنه خسر كل حاجة”، حسيت برعشة في صوتي وأنا بسأل: “يعني هيروح السجن؟”، وكيل النيابة بص لي و حسيته متفهم الحالة و قال بملامح ثابته: “هيتم ترحيله للسجن لغاية ميعاد المحاكمة”، أحمد سأله:”طيب ينفع البشمهندسة شمس تشوفه قبل الترحيل”، وكيل النيابة اتردد شوية:”للأسف مش هينفع القضية كبيرة و مانعين اي زيارات لحد اما يتم القبض علي باقي اخواته، كان نفسي اساعدكم بس للاسف مش هينفع”، احمد شكره و بعدها اخدني و خرج، كنت واقفة جنب أحمد، مش عارفة أعمل إيه ولا آخد قرار إزاي، أحمد وشه كان مليان توتر، عينه بتبص حواليه وكأنه بيدوّر على أي حل ينقذني، فجأة المحامي بتاعه، سراج، جه بخطوات سريعة، أحمد حكاله كل حاجة وقال له بحسم: “اعمل المستحيل، خلي شمس تقابل باباها بأي طريقة”، المحامي فهم كل التفاصيل و بعدها راح يتصرف، أحمد وقتها شدني من إيدي وخلاني أقعد على جنب، كان باين عليه القلق، وأنا مكنتش عارفة أهدّي خوفي، بصيت له بصوت واطي وقلت: “أنا خايفة يا أحمد من المواجهة دي”، رد عليا بهدوء، رغم صوته اللي كان فيه نبرة حسم: “لازم تقابليه يا شمس، علشان تفهمي منه اللي حصل يمكن نلاقي حل”، قعدنا ساكتين شوية لحد ما رجع سراج ووشه مش مريح خالص وقال: “للأسف، تم ترحيله على السجن… بس جبت تصريح يسمح لها بزيارة بكرا الصبح”، اتسمر أحمد في مكانه وقال: “لا مستحيل شمس تروح هناك!”، وقفت قدامه بعناد وقلت: “هروح يا أحمد”، قال لي بحزم: “هندبّر حل تاني، مش لازم تروحي”، هزيت دماغي وقلت: “مفيش حل تاني، لازم أشوفه، مش ده كلامك من شوية”، وبعد نقاش طويل أقنعته و اخدني و رجعنا علي البيت.
وصلنا البيت وأنا حاسة بتوتر غريب، مزيج من تعب اليوم وطوفان الأفكار اللي مش سايبني لحظة، أحمد كان جنبي بس ساكت، كان واضح عليه إنه لسه قلقان عليا رغم إني أقنعته بالزيارة، وقفنا قدام باب الشقة، فتحته بالمفتاح، وأول ما دخلنا احمد قال ل ماما:”مساء الخير، يا طنط”، قالها أحمد بصوته الهادي المحترم وهو بيقرب منها، ماما ابتسمت ابتسامة بسيطة وقالت: “مساء النور يا ابني… اتفضل”، دخل أحمد وقعد، وانا قعدت جنب ماما وبدأنا نحكي لها كل اللي حصل بالتفصيل وملامحها كانت بتتغير مع كل كلمة، أول ما خلصت، مسحت دموع صغيرة كانت متجمعة في عينيها وقالت بهدوء: “أنا مش عارفة أشكرك إزاي يا أحمد على وقفتك مع شمس”، هز رأسه بابتسامة خفيفة: “مفيش شكر يا طنط ده واجبي”، بعد شوية أحمد استأذن وانا خرجت معاه أوصله، وقفت معاه عند الباب، الجو كان ساكن، بس مليان حاجة غريبة مش مفهومة، قبل ما يخرج، بص لي بنظرة طويلة: “أنا لازم أمشي دلوقتي بس هكون مستنيكي بكرا… لو حسيتي إنك مش قادرة، قولي لي وانا هلاقي حل تاني”، ابتسمت رغم كل اللي جوّايا وقلت: “هروح يا أحمد… متقلقش”، قال بصوت هادي: “تمام، عايزك تدخلي دلوقتي و ترتاحي و متفكريش في أي حاجة، كفاية عليكي ضغط انهاردة”، هزيت دماغي وبعدها ودعته، ومشي وأنا واقفة قدام الباب، شايفة في حضوره حاجة أكبر من مجرد سند، ماما قربت مني بعد ما قفلت الباب وقالت:”انتي روحتي لاخواتك؟”، قلت لها:” لاء يا ماما هدخل اغير هدومي وبعدها هنزل اشوفهم”.
بعد ساعة نزلت و روحت الشقة اللي أجّرتها لإخواتي، كنت مترددة وأنا بخبط على الباب، فتحت همس وملامحها كانت جامدة، دخلت منغير ما أقول كلمة، لقيت مرام جريت عليا: “إيه اللي حصل؟ شوفتي بابا؟”، حاولت أهديها وقلتلها بإيجاز كل حاجة، وإني هزوره بكرا، كان كل ده تحت نظرات أخويا ومرات أبويا وهمس، فجأة سمعنا الباب بيخبط، استغربت، لأن محدش يعرف مكاننا هنا، قمت فتحت الباب، لقيت والدة خطيب همس، كان باين عليها الحرج وهي بتسلم عليا وقالت: “آسفة إني جيت في وقت زي ده”، قبل ما أرد كانت همس خارجة بشنطة في إيدها، و كأنها كانت عارفة مين اللي علي الباب، الست كانت واقفة و همس بصتلها بنظرة كلها غضب وقالت لها وهي بتديها علبة صغيرة: “قولي لابنك كويس إنه بان على حقيقته قبل الجواز، أنا اللي ربنا نجّاني منه، هو شخص ملوش أمان”، كنت واقفة مكسوفة ومش عارفة أقول إيه، بس الست مسكتش وقالت: “الحمد لله فعلاً… ولو ابني بان على حقيقته، فإنتوا باينين من أول يوم لما أبوكي رفض ابني اللي كان جاي يتقدم لأختك وخدك بدلها، ده موقف ميعملوش شخص محترم”، بعدها بصت لي بنظرة مليانة ندم وقالت: “أنا آسفة ليكي يا بنتي، وأرجوكي متاخذنيش”، وخرجت وأنا واقفة متجمدة في مكاني… في مشهد عمري ما هنساه.
تاني يوم، صحيت من نومي مع شروق الشمس، وكان في حاجة في قلبي مش قادر أشرحها، ماما كانت حاسة بقلقي، لكن مقالتش حاجة، لميت حاجتي بسرعة، وقعدت أفكر في كل كلمة هقولها له، أحمد كان وصل تحت، نزلت و ركبت العربية معاه، حسيت إنه شاف القلق في عينيّ، لكنه كان بيحاول يطمنني طول الطريق، كان بيحاول يهديني، بس بصراحة هو كان أكتر واحد محتاج يتطمن، هو كان خايف عليا من المكان نفسه، ومن المواجهة، لكن أنا كنت لازم أكون قوية قدامه، علشان ميشيلش همّي أكتر، و وصلنا أخيرًا للسجن، المكان كان شكله يخوف، دخلنا من البوابة، والمكان كله كان محصور خلف أسوار عالية، أحمد قدم التصريح و بعد وقت دخلنا لحد قاعة الزيارة، وقعدنا شوية على الكراسي، هو كان قاعد قدامي، لكن كانت نظراته دايمًا عليا، كنت متأكد إنه مش عاوزني أخاف، بعد لحظات أحمد قام من مكانه وقال لي: “أنا هنتظر هنا، لو احتاجتي أي حاجة أنا موجود”، وبعد دقائق، بلغوني: “الزيارة هتبدأ دلوقتي”، دخلت القاعة لوحدي، ورحت قعدت على الكرسي، فضلت قاعدة قلبي بيدق بسرعة، كل ثانية كانت بتعدي وكأنها سنة، فجأة الباب اتفتح… ودخل…….
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية دموع مؤجلة واحتضان أخير) اسم الرواية