رواية ذلك هو قدري الفصل التاسع والعشرون 29 - بقلم موني عادل
الفصل التاسع والعشرون والاخيرة
طافت قناديل الحنين في عينا منير لتتلاشئ ظلمة مواجعه وبؤاسه تدريجيا وهو يتذكر بأن محاميه أخبره بزواج سليم الليلة هل كان يحتاج أن يسجن ليعترف بأنه أخطأ في حق سليم وحق مي بالسجن جعله يدرك جيدا بأن من يحب لا يؤذي ويتمني لمن أحبه السعادة مع الشخص الأخر أمتلأت نظراته بالسجن وهو يتخيلها أمامه ليهمس بعاطفة صادقة مستغربا حاله
(( أتمني لك السعادة والراحة حتي ولو كانت مع شخص غيري .))
فتساقطت دمعة من طرف عينه فسرعان ما محاها وهو يأخذ أنفاسه بشكل متلاحق ..
بينما في غرفة نوم سليم تنهد بعمق الحب الذي يكنه لها وأقترب منها يشم رائحة عطرها المسكر لأنفه وقلبه يعلن إستسلامه لها ، فلف ذراعه حول خصرها لتفلت منها شهقة ثم رفع جسدها للاعلي ليجعل وجهها بمستوي وجهه لتقول وقد غلبها انكماش فطري
(( سليم ارجوك اتركني لابدل ملابسي اولا .))
ابتسم بحرارة وعيناه تتوحشان بالطوق المستعر هامسا
(( وما حاجتنا للملابس .))
مشاعر مبعثرة تغزو جسده الصلب فكل ما فيه يلتهب ويثور اشتهاءا لها والغرق فيها فتحت شفتيها لتعترض ولكنه لم يعطيها فرصة لذلك فسرت رجفة علي طول ظهرها ..
بعد مرور الوقت كانت مي تتوسد صدره وسليم يمرر أصابعه في خصلاتها يداعبها رفعت مي نظراتها لعينيه التي تذوب حباً وهياماً فيهما محظوظة هي بوجود شخص مثله يحبها من أعماق قلبه ولا يخشئ إظهار ذلك أمام الجميع .
بعدما انتهي حفل الزفاف ارتمي معتز علي الأريكة في منزل عائلته لتدخل ليال تحمل صينية عليها مشروبات باردة فوضعتها فوق الطاولة وذهبت لتبدل ثيابها ليسارع معتز بأخذ كأسه بلهفة وبدأ يتجرع مشروبه بظمأ فعقد فارس حاجبيه بشدة وهو يتذكر شيئا ما قد حدث في حفل الزفاف ليقول حانقا
(( ما رأيك في تلك الفتاة التي كانت تحاول التقرب منك وفتح مجالا للحديث معك ، يبدو بأنها معجبة بك لأقصي حد وأنت أيضا لم تمانع التودد اليها وكأنها أعجبتك .))
اختنق معتز فوضع الكأس جانبا ثم قال بوجه محتقن أثر اختناقه وهو يشدد علي كلماته بضيق
(( لا ! فهي لا تعنيني في شئ تلك مشكلتها هي إذا كانت معجبة بي أم لا شئ لا يخصني ، فأنا لا أفكر حاليا في الارتباط مطلقا فلقد قلتها مرارا وتكرارا لن أكرر ما حدث مسبقا فهل تكف عن تلك التلميحات .))
مررت والدته يدها فوق ذراع معتز برفق قبل أن تتدخل في الحديث تقول بنبرة خافته
(( تلك الفتاة نسخة أخري من غادة لذلك ازداد قلق فارس عندما وجدها تتقصد الإقتراب منك بتلك الطريقة الملفتة للانظار .))
ألتقت عينا معتز بعين فارس فالتقط معتز نفساً مطولا ثم قال بهدوء
(( لا تقلقوا فأنا تعلمت مما حدث سابقا ولن أقع في نفس الخطأ فلن أسمح لنفسي بأن أكون لعبة بيدي أمراة فما مررت به يجعلني لا أثق بسهولة في أي أمراة .))
رد فارس بعفوية ممازحا يحاول إخراجه مما يفكر به قائلا
(( ما رأيك أن نفعلها أنا وأنت في ليلة واحدة ، أريد أن اتزوج وأقيم حفل زفاف .))
انتشلهما صوت والدتهم من عالمهما تقول بإستياء
(( الست متزوجا ، أم نسيت انك متزوج من ليال .))
ضحك رغما عنه وهو يشيح بوهن وجهه عنها فهو بعيد عن زوجته لدرجة أنه يشعر احيانا بأنه ليس متزوجا بسبب بعده عنها فهو لن يتغير ولن يتغير قدره للاحسن لما لا يعترف لها دائما و ابدا بحبه لها ويعلمها بأن حبها يتوهج لها في قلبه للحظة شرد يتذكر أخر مرة تقرب منها فلم يسعفه عقله علي التذكر شعر بالخزي من نفسه وعبست ملامحه فجأة فقال بلهفة وهو يقفز من مكانه
(( تصبحون علي خير ، تأخر الوقت ولدي عملا في الصباح .))
جفل معتز فجأة ليناظر ساعة يده ويدرك أن موعد نومه قد حان فلقد تأخر الوقت ولديه عمل في الصباح لا يريد التأخر عليه ، عليه أن يتعب ليثبت نفسه في عمله ويري بأنه لم يخسر شئ وأن كل ما مر به مجرد أختبار له وقد نجح فيه ومر منه بسلام فوقف يستأذن من والدته وهو يتمني لها ليلة سعيدة متجها لغرفته ليحظئ بالنوم لعدة ساعات قبل شروق الشمس الذهبية المعلنة عن صباح يوم جديد ملئ بالأمل والتفاؤل .
خرجت ليال من المرحاض بعد أن بدلت ثيابها فوقفت أمام المرآه وعقصت شعرها الأسود الجميل في لفة عملية فوق رأسها بينما أرتدت حجابها واتجهت ناحية المطبخ تقوم بتنظيفه وغسل الأواني الخاصة بالوليمة الكبيرة التي أقيمت اليوم من أجل حفل زفاف مي وكل ما فيها مرهقا من الأعمال المنزلية المتواصلة ، ولكنه إرهاق من نوع مختلف إرهاق إنشغال وإرهاق حياة ، غامت عيناها قليلا تنتشلها من الواقع إلي الماضي .
فهي لم تبقي بمنزل عائلتها تتمني رؤيته والتحدث معه أو الأقتراب منه يكفيها أعترافه بحبه لها ووجودها بجواره حتي ولو كان مشغولا عنها فكلما كانت معه أو قريبة منه تشعر بأنها تري الحياة للمرة الأولي في حياتها كطفل صغير مندهش يزور مكانا جديدا علي ما حوله .
عندما تراه يبتسم اليها تشعر بإبتسامته وكأنها شهيق أعاد الحياة لروحها كأنها لم تكن تتنفس سابقا ، والأن ها هي تعيش أيامها معه وكأنها لم تعش مسبقا حتي لو كان مهملاً ومقصراً في حقها أوقات كثيرة تشعر بأنها تحلم ويا للبهجة التي تسكن قلبها عندما تطمئن أن الحلم واقع ، رغم أن حياتها معه ليست أفضل من قبل ولكن علي الأقل تعلم بأنه ملكا لها ..
ضج صوت فارس يقول
(( فيما تشردين ، اناديك منذ وقت ولا تجيبي .))
عبست ليال وردت عليه أسفه
(( شردت قليلا ولم أنتبه لقدومك أو أستمع لندائك ، فما الأمر ؟ ما الذي كنت تريدني من أجله .))
طالعها فارس مطولا يعترف لنفسه بأنه يهملها كثيرا فزفر عدة أنفاس كانت تجيش بصدره قائلا
(( أغاضبة مني أنتي ؟ أعترف بأنني مقصراً في حقك ولكن ماذا بوسعي أن أفعل.))
تنهد تنهيدة بأسي أستمعت له ليال ثم أكمل كمن يفرغ شحنات سلبية من داخله
(( ماذا أفعل هؤلاء أخواتي وعلي مراعاتهم والقيام بواجبي تجاههم .. ليال تحمليني وقفي بجواراي حتي أمر بهم لبر الأمان فهم مسؤليتي وقدري وعلي أن أكون علي قدر من المسؤلية أخشئ كثيرا أن تملي وتتركيني بمفردي بس مسؤليتي تجاههم وأهتمامي الزائد بهم ، أعلم بأنني مقصراً معاكي ولكن صدقيني ليس بإرادتي فأنا متعبا ومرهقا اريد الارتماء في داخل أحضانك كل ليلة أشكو لكي تعبي ولكن ما أن أصل للمنزل حتي أرتمي فوق الفراش غافيا بسبب أرهاق العمل وما ألقيه فيه .))
حل صمت بأس بينهما قبل أن تكسره ليال قائله
(( أطمئن لن أتركك مادمت حيه ولن أقف في وجه مسؤلياتك يوما فكن متأكداً بأنني أعيش من أجلك ومن أجل طفلنا فقط وأكرس حياتي من أجلكما . ))
أنهت كلامها ترتفع علي أصابع قدميها تقبله فجأة للحظة أنصدم فارس وأبعدها عنه بقوة فتغضن جبين ليال بإستغراب ليتحدث هو يقول بإستياء
(( هل جننتي انظري حولك جيدا فنحن في المطبخ ومن المتوقع أن يدخل أي أحد في أي وقت ويرانا علي تلك الهيئة .))
تجهمت ملامحها بحزن ولكن سرعان ما كسا الأحمرار وجهها عندما غمز لها وهو يلف ذراعه حول كتفيها يحثها علي التحرك معه فبدأ قلبها بالخفقان بجنون وأشتياق عجيب وكأنها مراهقة تخشئ أن يعرف أحد بحبيبها السري وجدت نفسها بغرفتها وفارس يوصد الباب جيدا والتفت ينظر اليها نظرات حالمة عاشقة ومال بلهفة يقتنص منها عدة قبلات شغوفة لينتابها رعشة قوية وهي تشعر بكم إحتياجه لها ليبدأ في إلتهامها وكأنها وجبة شهية أشبعت جوعه أو رشفة ماء روت ظمأ قلبه ..
بعد مرور فترة زمنيه أطلق مالك عدة أنفاس كانت تجيش بصدرة فهو واقفا منذ اكثر من نصف ساعة ينتظر قدوم زوجته فما أن راها قادمة حتي هم بتشغيل محرك السيارة لكن وصله صوت والدته تقول بتحذير
(( مالك قد علي مهلك ولا تتسرع وخذ بالك من زوجتك فلن تخسروا شيئا اذا ذهبتوا متأخرون عدة دقائق .))
حاول أن يجلي حلقه ليتغلب علي غضبه فوالدته توصيه علي زوجته للمرة المائه لتلك الليلة فمنذ أن علمت بحمل ملاك وقد تغيرت كليا معهاا لدرجة أن أوقات يغضب ويغار من والدته ومعاملاتها مع ملاك فهتف بخشونه
(( حسنا يا امي ساهتم بملاك واقود ببطئ من اجل أطفالي التي تحملهم في احشائها ولن نتاخر في العودة فهل من تعليمات أخري ، أهناك شيء لم تخبريني به .))
تجمعت الدموع في عينيها لتهدر بقهر مكبوت في جنبات قلبها
(( لم اقصد ان اضايقك بكلامي ولكني أخشي عليها فقط .))
صمت قليلا ثم قال وهو يترجل من السيارة
(( أعلم يا امي وكم اقدر ذلك .))
بعيون مترقرقة لجة بالعبرات الواخزة تحدثت ملاك وهي تخرج من السيارة تقبل كفها
(( لا اعرف كيف اشكرك علي خوفك واهتمامك بي في الأيام الماضية فأنا لن أوافيكي حقك مهما فعلت .))
خيم الصمت المتوتر بينهما عقب حديثها وكلا منهم يتذكر شيئا مما حدث في الماضي وكيف تغيرت والدته وتقبلت ملاك فبهدوء ظاهري جلس بالسيارة ومد يده يشغل محركها وهو يقول بصوت خرج ثابتا
(( لقد تاخرنا فهلا صعدتي بالسيارة.))
ناظرته ملاك بملامح عابسة ثم تحركت لتجلس بجوار مقعده وهي تشير لوالدته بكفها لينطلق مالك متجها ناحية منزل عائلة زوجته ..
ركن سليم سيارته أمام منزل فارس وترجل منها هو وزوجته محتضناً كفها بين كفه بينما يقول لها منبها
(( كما قلت سابقا لم نبقي كثيرا سنذهب بعد ساعة واحدة .))
نظرت مي لسليم بوجه متوسل تستعطفه
(( سليم أرجوك اجعلني ابقي الليلة من أجل نورين .))
تنهد سليم وقت بنزق
(( حسنا ، هذه المرة فقط سنظل حتي إنتهاء الخطبة ثم نذهب معا للمنزل فلن اسمح لك بالمبيت بعيدا عندي .))
أشرق وجهها بإبتهاج وقالت هاتفه
(( أحبك يا سليم ، أحبك يا اجمل زوج بالعالم .))
مد يده كأنه يستوقفها
(( كلمة أخري وسنعود للمنزل ، فأنا لن أتحمل الإستماع لذلك الحديث اكثر دون رد فعل مني .))
هزت راسها عدة مرات بالايجاب ليكتم سليم إبتسامة جانبية واخذ يخطؤ ناحية باب المنزل وهو ممسكا بكفها بينما في داخل المنزل كان الجميع مجتمعون لحضور حفل خطوبة نورين وكريم فبعد معاناة طويلة جمع بينهم القدر فكانت نورين جالسة بجوار كريم علي الاريكة لا يفصل بينهما إلا مسافة قليلة وصوت الزغاريد والفرحة تعم المنزل فأمسكت والدة كريم بالشبكة وأعطتها لكريم ليلبسها لخطيبته وبدأ الجميع في تقديم التهاني والمباركات أقترب فارس منهما هو وليال يحمل بين ذراعيه طفلة صغيرة فوقف يحتضن نورين ويهنئها وهو يتمني لها السعادة وأن يكون قرارها في محله فهي ارادت الإرتباط والزواج منه وتكملة تعليمها في منزل الزوجية يتذكر عندما أخبرها بأن هناك من يريد خطبتها لم يجد منها أي اعتراض بل كان كل ما فيها يخبره بموافقتها لذلك رضخ ووافق عليه وها هي الليلة تخطب له وبعد دقائق ستكتب علي إسمه مال ببصره ينظر لإبنته التي يحملها بين ذراعيه بعاطفة مبتسما وهو يري القدر ينير طريقه ويعوضه الله عما مر به من صعاب في حياته دار ببصره يطالع وجوه شقيقاته ويري السعادة الظاهرة علي وجوههم يتمني أن تظل السعادة رفيقا لهم وأن تنتهي الازمات والصعاب من حياتهم ليهمس بخفوت قدري كم أنت مؤلم ومؤجع ولكني مؤمن بأن بعض الخيبات والتقلبات لن تحرقني فأنا راضي بالقدر وتقلباته لأن ذلك هو قدري .
* تمت بحمد الله *
يتبع الفصل كاملا اضغط هنا ملحوظه اكتب في جوجل "رواية ذلك هو قدري دليل الروايات" لكي تظهر لك كاملة
•تابع الفصل التالي "رواية ذلك هو قدري" اضغط على اسم الرواية