Ads by Google X

رواية رحماء بينهم الفصل التاسع و العشرون 29 - بقلم علياء شعبان

الصفحة الرئيسية

 رواية رحماء بينهم الفصل التاسع و العشرون 29 - بقلم علياء شعبان 

رُحماءُ_بينهم

                       "كمثلِ الأُتّرُجةٍ"

]]الفصل التاسع والعشرون]]

•~•~•~•~•~

جلست في فراشها تتثاءب بعد ليلٍ موحش من الحُزن وتأنيب الضمير ونوم مُتقطع تطول عدد صحوتها فيه أكثر من نومها، بدأت تدعك عينيها بإرهاق وخمول لتلتقط هاتفها ثم تبدأ في تفحصه بمزاج سيء للغاية، كانت عيناها شبه مُغلقة أثناء النظر إلى شاشة هاتفها التي تحوي أخبار عادية ومتكررة حتى الآن وما لبث أن اتسع بؤبؤي عينيها في حالة شلل مؤقت وهي تقرأ عناوين الصفحات والمجلات الإلكترونية ليس هذا فحسب بل سمعت مقطعًا بصوته كان جُزءًا من حديثهما بالأمس!!!.. كيف وصل إلى مواقع التواصل الاجتماعي ومَنْ اقتصه بهذه الحرفية كي ينتقم منه؟؟ لقد أخذ الجُزء الذي يتكلم فيه تليد بعصبية واستسلام عن ادعاءاتها عليه، شهقت فزعًا وصدمةً ومازالت مُحدقة في شاشة الهاتف لم تستفق أو تُدرك الأمر بعد!!


اِغرورقت عيناها بالدموع واختنق صوتها وهي تقول بتلعثمٍ تحاول تخمين ما يفكر فيه عقله حولها وأنها من فعلت هذا:

-يا نهار أسود!!.. مين.. مين هيعمل كدا؟؟


سكتت لوهلة تُفكر مليًا ثم قالت بلهجة مهزوزة:

-مكانش فيه حد غريب بينا، مين اللي هيعمل الهبل دا!!!


بدأت تحك جبهتها بحيرة وتيه وقفز شيء ما إلى عقلها جعلها تنتفض واقفةً ثم تهرول مُسرعةً إلى أمها وهي تصرخ باختناق:

-ماما!!.. إنتِ فين؟.. مــــــــامـــــا!


ظلت تصرخ بصوت مُنفعلٍ هايجٍ ومن له رغبة في أذيته سواها، وجدتها تخرج أمامها وتقول بامتعاض:

-في أيه يا بنتي؟ حد بيزعق كدا على الصبح؟


حدقت "وَميض" فيها بملامحٍ هائجة ثم أطبقت أسنانها وهي تقول بشكٍ:

-عرفتي اللي حصل مع تليد؟!

التوى شدق سهير وهي تقول بنفي:

-وأيه بقى اللي حصل معاه؟

صرخت "وَميض" بأعلى صوت لها وهي تقول باختناق:

-متحسسنيش إنك ملكيش علاقة بالموضوع وإن مش إنتِ اللي سجلتي له أثناء خناقتنا وقصيتي التسجيل للجزء اللي على مزاجك وعارفة إنه هيضره علشان تفضحيه؟؟؟.. إنتِ اللي عملتي كدا.. صح؟؟

حدجتها سهير بحدة وقالت:

-إنتِ اتجننتي؟ إزاي تكلمي أمك كدا؟!! وبعدين أنا أه مش بطيقه خاصةً بعد اللي عمله معاكِ إمبارح ولو أطول أقتله مش هتردد ولكن خلاص بقى جوزك ومُجبرة أقبل شخصيته الغريبة هو وأبوه.


وَميض بأنفاس مُشتعلة تصيح:

-أبوه؟ مالها شخصية الشيخ سليمان مش عجباكِ في أيه؟! حتى الراجل الطيب مسلمش من كلامك!!.. صدقيني يا أمي لو اكتشفت إن اللي عمل كدا يبقى إنتِ فأنا مش هسامحك.


أسرعت سهير بالقبض على ذراعها ثم صرخت أمام وجهها بعُنف:

-إنتِ فقدتي التمييز ولا أيه؟ أنا اللي أمك مش هو، مين دا علشان تنصريه عليا؟، احمدي ربنا إنه اتكشف على حقيقته وهتخلصي منه ولا هيبقى في جواز ولا زفت.. إنتِ المفروض تكوني فرحانة دلوقتي، زعلانة ليه؟!!


وَميض بصرخة مقهورة:

-أنا مبفرحش في وجع ومصايب الناس يا أمي!


قالت جملتها ثم هرولت فورًا من أمامها وهي تلتقط هاتفها الذي أعطته لها والدتها بالأمس حتى تستعيد هاتفها الذي أحتفظ به تليد، التقطته بأناملٍ مُرتجفة وأنفاس ساخنة محبوسة، قررت أن تُجري اتصالًا به فورًا؛ فعليه أن يعي أنها ليست الفاعلة وان تبعد الشُبهة عنها وأن تعتذر منه عما بدر منها من حماقة وأن تدعمه عُرفانًا بالجميل حينما كادت أن تموت فبعثه الله لها كطوقٍ نجاة وهي بعرض البحرٍ داخل سيارة مُغلقة قد ملأها الماء ولا مفر وقتئذٍ من الموت الحتمي!!


أجرت الاتصال أكثر من مرة ولم تتلق إجابة أبدًا، ظلت تجوب غرفتها وذهابًا وإيابًا وهي تقول بصوت مخنوقٍ:

-رُد بقى علشان خاطري.

فعلت مرات أخرى والنتيجة واحدة فما كان منها إلا أن ألقت الهاتف بقوة على الفراش وهي تقول بصوت منفعل جنوني:

-ما هو إنتَ لازم ترُد!.. لازم تعرف إنه مش أنا اللي غدرت بيك!


أسرعت إلى دولابها دون تفكيرٍ ثم قررت أن ترتدي أي شيء يقابلها وان تذهب إليه وتبرئ نفسها، ارتدت في غضون دقيقتين ولم تهتم بشكل غطاء رأسها الموضوع بغير اهتمام، التقطت أشيائها الخاصة ثم هرولت خارج المنزل تمامًا، خطر على عقلها أن تفتش هاتفها ربما أخذته والدتها أثناء نومه وقامت بإرسال التسجيل لصديقها ولكنها لم تجد بينهما سوى حديثهما القديم، لم تهدأ وقررت أن تهاتفه وما أن رد حتى أردفت بلهجة شديدة:

-التسجيل دا إنتَ اللي سربته؟ أمي هي اللي سلمته لك؟


رد وِسَام بامتعاض:

-تسجيل أيه وأمك أيه؟ أنا لسه شايف الحوار دا حالًا!

صرخت "وَميض" باختناق:

-أمال مين؟! محدش غريب كان بينا أثناء الخناقة يا وِسَام ومحدش له مصلحة في أذية تليد غير أمي.


وِسَام بحدة يهتف:

-ما يتأذى ولا يتنيل، احمدي ربنا إنه اتكشف على حقيقته، الحقيقة إنتِ مبقيتيش مفهومة، المفروض تكوني فرحانة بفضيحته دي وانك خلاص مش هتكملي مع شخص غصب عنك وإن توقعاتك طلعت صح!.

وَميض بصوت مُتحشرجٍ:

-إنتَ مش فاهم حاجة خالص.

وِسَام باستنكار:

-مش فاهم أيه؟ بتحبيه مثلًا فجأة كدا؟


استقلت تاكسي كي تصل إلى "تليد" بأقصى سرعةً، ردت بلهجة حادة:

-أنا مش فاهمة نفسي، يمكن الموضوع مش حُب بس أنا مش قادرة أشوفه بيتأذى بسببي أو بسبب أي حد تاني، أنا مش عايزاه يتأذى يا وِسَام!!


حتى الآن تُجاهد نفسها في أن تبقى قوية وإلا تضعف باكيةً، سكتت لوهلة ثم أكملت بحُزن:

-أنا وجعته بما فيه الكفاية.. أنا ليه بعمل كدا رغم إني مشوفتش منه غير بس خير، أنا محتاجة أفهم نفسي بجد، وِسَام أنا تعبانة ومُشتتة!!

وِسَام بثبات:

-وَميض إنتِ بتحبيه.

تحررت دمعة من عينها وتابعت بمُكابرة ونفي:

-لأ مش بحبه.. أنا بس عايزاه بخير.. مش عايزة أحس بالذنب لأن كُل اللي بيتعرض له بسببي.

وِسَام بتذمر خفي:

-جايز.

•~•~•~•~•~•~•~

-تليد؟ إنتَ من ساعة ما عرفت الخبر مش بتنطق؟! ساكت ليه ما تتكلم؟ أو قول حتى بتفكر في أيه؟؟

لكزه "نوح" في كتفه يحاول انتشاله من هذا الصمت المُريب ولكن بقى "تليد" مُدة طويلة ينظر في الفراغ ولا يتكلم على الاطلاق مما جعل "نوح" يصرخ أمام وجهه بضيقٍ:

-تليد؟ بقول لك إنتَ واقع في مُصيبة، كلمني زي ما بكلمك يا أخي!


تنهد "تليد" تنهيدة مهزوزة ثم خرج الكلام من حلقومه مُرًا:

-الكلام صعب عليا يا نوح.. مش مُدرك لحد دلوقتي أيه اللي بيحصل معايا دا وعلشان أيه؟!.

سكت هُنيهة ثم تابع:

-علشان حبيت! ولا علشان براعي مشاعرها وخايف أوجعها بماضي ملهاش ذنب فيه؛ فيكون ذنبي إنها تغدر بيا!!


عقد "نوح" ما بين عينيه ثم أردف بشكٍ:

-قصدك تقول إن وَميض هي اللي عملت كدا؟!!

خرجت ابتسامة مُتهكمة خفيفة وقال:

-إنتَ شايف أيه؟؟؟


نوح بعصبية وخنقة:

-أنا مبقيتش شايف حاجة، رئيس القناة كلمني أكتر من مرة وعايز يفهم أيه اللي بيحصل بالظبط والدنيا مقلوبة، الكارثة بقى إن الموضوع يكبر ويطور!!

 أسرع "تليد" بالنهوض من مكانه ثم توجه نحو الحمام وهو يقول بثبات:

-هيكبر لحد فين يعني!!


نوح بتيه واختناق:

-بطل برود يا تليد.. إنتَ بتقول في الريكورد إنك إرهابي وأنا مش عارفة أبعاد الكارثة اللي إحنا فيها دي أيه أصلًا!.

تركه تليد متوجهًا داخل الحمام وما هي إلا لحظات حتى سمع "نوح" انهيار وتهشم لشىء ما يأتي من داخل الحمام، هرول بفزعٍ ليجد "تليد" قد لكم مرآة الحمام بقبضته حتى تهشمت إلى شظايا صغير سقطت بالأرض كما أن قبضته قد أصابها خدوش سطحية، رفع "تليد" قبضته مرة أخرى حتى يكرر اللكمة ولكن تمكن نوح من دفعه بعيدًا ثم صرخ فيه أن يستفيق ولا يُجابه مشاكله بعصبية وتخريب، قاده حتى الخارج ثم تكلم "نوح" بصوت هادئ:

-بص أنا دلوقتي هنشر بوست باسمك على حسابك الرسمي إن في ناس ليهم أهداف مغرضة من الهبل اللي نزل دا وبيكيدوا ليك وإن التسجيل دا مش صوتك أصلًا!


تليد بانفعالٍ:

-وليه نكذب؟ هو صوتي فعلًا، هتقول الحقيقة يا نوح، إن التسجيل كدا محذوف منه كتير أوي واللي نشره تصيد الجزئية دي تحديدًا وان الحوار كان له معنى آخر غير اللي وصل للناس بدون الخوض في أية تفاصيل شخصية تمامًا، سامعني؟!.

نوح باختناقٍ:

-ماشي وربنا يستر!

في هذه اللحظة تذكر "تليد" أن هاتفها بحوزته؛ فكيف تمكنت من نشر هذا التسجيل؟! هل بمساعدة والدتها؟ هل يُعقل أن تدعم أم تصرف ابنتها الطائش؛ فلم يكُن ثمة شخص غريب بالمكان أثناء المشادة بينهما فمن إذن الذي قام بنشر هذه الكلمات التي قالها في حواره مع زوجته؟، فرك مُقدمة رأسه باختناق ثم هتف بصوت خافتٍ يملأه التشوش والحيرة:

-هتجنن!

•~•~•~•~•~•~

لم تستيقظ من نومها بعد وكيف تفعل وقد عاشت لحظات عصيبة بالأمس واكتشفت أمورًا يشيب لها الرأس وتُصعق لها القلوب المُتصدعة من الألم، هي الآن تمام في سكينة جاهد أن يهيئها لها منذ ساعات قلائل وبين الحين والآخر تردد أثناء نومها بعض الكلمات التي تنم عن خوفها وهي ترى كابوسًا ما، وضع "عِمران" رأسها على ذراعه وراح يداعب خصلاتها بأسى وحُزن شديدين وعقله شرد مع الشيخ حينما قال له بوضوحٍ:

-مراتك مأذية يابني ومش عندها أي قابلية لسماع القرآن ولا الرقية ودا في  ذاته يخلينا نقلق، مش عايز أكون بخمن ولكن ربما يكون الموضوع دا سبب في تأخير الخلفة واللي هو بأمر الله طبعًا.


صُدم آنذاكٍ وساق بزوجته إلى بيتهما وحينما سألته والدته عما أصابها ولكنه لم يخبرنا بما علم، أُجهد في التفكير طيلة الليلة الماضية وهو يُفكر في الشخص المسؤول عن إيذاء زوجته بهذه الطريقة القاسية؟! أن يحرمها ذرية تتمناها قبل أن تتزوج حتى! من هذا الشخص قاسي القلب الذي يعلم رغبتها المُلحة في رؤية أطفال لها حتى يسعى في حرمانها هذه النعمة، تنهد "عِمران" تنهيدة ممدودة بعُمقٍ وهو يتذكر كلام الشيخ سليمان:

-“بلاش يابني تفكر في هوية الشخص اللي عمل كدا علشان متتعبش وخليك فاكر إن التأخير دا كاتبة لك ربنا بفعل الشخص دا أو لا لأن الوقت المناسب اللي هتُرزقوا فيه بطفل لسه مجاش".


لم تغب والدته عن تفكيره أيضًا، هل هي من فعلت هذا لأنها لم تحب زوجته يومًا؛ ولكن كيف وسبب رفضها لشروق أنها لم تُنجب بعد كما أنها لا يُمكن أن تضره بهذه القسوة وهو يعلم تمامًا أنها لا تسلُك هذه الطرق ولا يروقها إيذاء الناس بغير وجه حق، هي فقط صارمة تنفلت الكلمات الشديدة من فمها لقوة شخصيتها الحازمة ولكنها لا تؤذي.


أخرج زفيرًا ساخنًا من فمه وقال بتيه ولوعة:

-يــــــــارب!.

•~•~•~•~•~•~•~

-يا نهار أزرق، أيه الهبل دا؟؟؟؟


أردفت "سكون" بتلك الكلمات وهي تتصفح هاتفها المحمول حينما رأت مواقع التواصل الاجتماعي تعج بهذا التسجيل الذي انتشر بسرعة البرق، شُخصت الأبصار إليها في تساؤل فأكملت بنبرة مُستنكرة:

-شوفتوا اللي حاصل مع تليد؟؟؟


رفع "عثمان" وجهه عن الجريدة القابعة بين يديه ثم قال بتهكم:

-خليه يقع في شر أعماله.

سكون بضيق شديد:

-أعمال أيه يا بابا، إنتَ مصدق الهبل دا؟؟؟

تحرك "عُمر" بكرسيه إلى شقيقته وبدأ يتابع معها ردود أفعال الناس التي تصطف في صالحه بنسبة كبيرة وقلة مندسة كانت تنتظر هذه اللحظة طويلًا حتى تسبه وتتهمه بما ليس فيه لمصالح شخصية فحسب.


عمُر بانفعال كبيرٍ حُزنًا على ابن عمه:

-أنا مش فاهم نجاحه واجعهم في أيه؟! وبعدين تليد هيقول الهبل دا ليه؟؟ أكيد الريكورد دا متفبرك!

سكون بحيرة:

-بس دا صوته فعلًا ولكن اللي مُتأكدة منه إنه مقصوص علشان يخرج بالشكل دا!!!

نبيلة بتدخلٍ وشماتة:

-هم هيفبركوا له ليه؟! تليد في الآونة الأخيرة بقى فكره غريب ولا نسيته لم اتهجم علينا وهدد عمه!!

سكون باستنكار:

-ماما أيه العلاقة؟! وأيه التطرف في كدا؟؟ دورنا إننا نسانده حتى لو بينا خلافات الدنيا.

في هذه اللحظة، نهضت عن كرسيها ثم قررت أن تتجه إلى بيت عمها مُباشرةً كي تتفقد أمرهما وتكون إلى جوارهما في هذه المِحنة، صرخت "نبيلة" بضيقٍ:

-إنتِ رايحة فين؟؟؟


سكون بثبات:

-رايحة لعمي، إذا سمحت يا بابا ياريت متمنعنيش!

عثمان بثبات:

-إنتِ حُرة.

•~•~•~•~•~•~•

ارتفع جرس عربات الشرطة بالمكان حتى توقفوا أمام بيت "سليمان السروجي" المُجاور للمزرعة، نزلت القوات باصطفاف وانتظام وراح مجموعة منهم يطرقون بقوة على البوابة، انتبه "نوح" للكارثة التي جاءت إلى صديقه، نظر إلى "تليد" بصدمة فيما قرر تليد أن يستقبلهم بنفسه، فُزع الشيخ سليمان من قوة الطرق وتوجه إلى الباب فورًا وقبل أن يفتحه وجد كف ابنه يربت على كتفه ويقول بثبات:

-أنا هفتح ومش عايزك تقلق من حاجة خالص، أنا بخير!


قطب "سليمان" حاجبيه وهو لا يفهم من حديث ابنه شيئًا لأن تليد خشي عليه من التعب إن علم بالأمر وظن أن الأمور لن تتضخم بهذه الطريقة، قام بفتح البوابة فوجد مجموعة من رجال الشرطة يقفون أمامه فيقول واحد من بينهم:

-تليد السروجي!!

تليد بثبات:

-أيوة!!

الضابط بلهجة صارمة:

-معانا أمر من النيابة بالقبض عليك.


تنهد تليد بثبات ثم أومأ قائلًا باستسلام:

-أكيد.. مع حضرتك.


-هو في أيه يابني؟!

سأل الشيخ "سليمان" بفزع بينما ربت "نوح" على كتفه ثم قال بهدوء:

-أنا هفهمك يا عمي كُل حاجة.


طلب منه الضابط أن يتحرك معهم إلى عربة الشرطة؛ فسار معهم دون أدنى مقاومة أو شرح للموقف، طبطب "نوح" على كف "سليمان" وطلب منه أن ينتظر شرح الموقف حتى يعود بعد الاطمئنان على تليد، تحرك "تليد" معهم ناحية عربة الشرطة في نفس اللحظة التي كانت تنزل فيها "وَميض" من سيارة الأُجرة، حملقت في العدد الغفير من عربات الشرطة بصدمة وذُعر ثم شهقت وهي تجدهم يصحبونه إلى العربة كمُتهمٍ، في هذه اللحظة هرولت تقترب منه وهي تهتف بصوت مُتحشرجٍ:

-تلييييييييييييد!!

لم يسمح لها ضباط الشرطة بالاقتراب وأسرعوا بإدخاله فورًا إلى العربة بينما التقت عينيهما سوية لتُخبرها نظراته بخيبة أمل كبيرة، لم تتحمل أكثر من ذلك حينما رأت نفسها عاجزة عن التعبير أو الدفاع عن نفسها وفي هذه اللحظة انطلقت السيارة فورًا فصاحت هي بصوت مهزوز باكٍ وهي تهرول خلف السيارة:

-مش أنا اللي عملت كدا.. والله العظيم مش أنا!!


تقلصت المسافة كثيرًا وابتعدت السيارة جدًا وفقد بصرها رؤية عينيه فخارت قواها وهي تسقط على ركبتيها أرضًا وتجهش بالبكاء قائلة بحُزن وندم يقطعان قلبها:

-أرجوك افهم، مش أنا.


“على الجانب الآخر"

بقى الشيخ "سليمان" واقفًا في صدمة أمام بوابة البيت بينما انطلق "نوح" بسيارته خلف صديقه لمعرفة مجريات الأمور ولم يمر سوى دقائق حتى وقفت "سكون" بسيارتها أمام عملها المتصلب في مكانه، ترجل مهرولةً إليه وهي تقول بقلقٍ:

-عمي!!!

رمقها "سليمان" بثبات رغم مرارة الغِصَّة التي تسري في حلقومه، أدركت "سكون" في هذه اللحظة أن مصيبة قد أحلت باليد؛ فتابعت بنبرة مهزوزة متوجسة:

-عمي، فين تليد؟ هو كويس؟؟؟

سليمان بحُزن جارفٍ:

-الشرطة أخدته.. أنا مش عارف ليه!!


ضغطت "سكون" على أسنانها بضيق وهي تُدرك الآن أن عمها لا يعلم شيئًا عما يحدث مع ابنه حتى الآن، تنحنحت رغم الحُزن الذي ملأ قلبها ثم حاولت رسم ابتسامة هادئة وهي تلتقط كفه:

-أكيد سوء تفاهم أو حاجة بسيط حبيبي وهيرجع على طول بإذن الله، تعالى ندخل علشان تريح رجلك.


رفض بشكل قاطعٍ وظل واقفًا مكانه وهو يقول بتعب:

-أنا مش عايز غير إني أشوف ابني يا سكن.


سكون وهي تحتضنه بقوة داعمةً إياه:

-حبيبي والله هيرجع بس خلينا نكلم نوح الاول ونفهم في أيه؟؟؟


وافق على مضض، قبلت كفه ثم أسندته حتى دخل معها إلى البيت وقد قررت ألا تُخبره بالأمور الجارية كي لا يشتد التعب عليه لحين معرفة مُستجدات الأمر، أجلسته على الأريكة ثم قررت أن تستغيث بزوج شقيقتها كي يذهب خلف "تليد" ويؤازره في هذه المصيبة وما أن علم عِمران بالأمر حتى ذهب مهرولًا إلى الأخير، لم تهدأ البتة بل أجرت عدة مكالمات لبعض من طاقم محامي الشركة المشهورين والنابغة وطلبت منهم الذهاب إلى قسم الشرطة ومتابعة الأمر من هناك وأوصتهم ألا يبيت ليلة واحدة داخل القسم.

أغلقت الهاتف حينما استمعت إلى صوت سعال عمها الذي اشتد عليه جدًا، هرولت تناوله كوبًا من الماء ثم تعطيه دوائه قبل أن يُعاصر انتكاسة تجعله طريحًا في الفراش، ترجته أن يتمدد على الأريكة قليلًا ولكنها خشيت عليه أن تزداد حالته سوءًا وهي بمفردها، قصدت "كاسب" في الحال فاجرت اتصالًا به:

-كاسب، أنا محتاجة لك!!


استغرب كاسب من حديثها في البداية ولكنه حينما شعر بتغير نبرتها سأل بتوجس:

-إنتِ كويسة؟ فيكِ حاجة؟!!

أجهشت بالبكاء في صمتٍ وهي تقول بصوت متهدجٍ:

-عمي تعب جدًا وخايفة عليه، ممكن تكون جنبي؟!


كاسب بحسم:

-أكيد طبعًا، ابعتي اللوكيشن ومسافة السكة وهكون عندك.

•~•~•~•~•~•~•~•

-بنتك خلاص اتجننت رسمي، وأنا قسمًا بالله تعبت منها ومنك، إنتوا عايزين تقضوا عليا؟؟؟


صاح "علّام" بصوت جهوري ما أن علم بما أصاب تليد ويقينه أن ابنته من فعلت هذا، وقفت "سهير" بجواره ثم بدأت تطبطب على كتفه وهي تقول بتلعثمٍ:

-هدي نفسك يا علَّام، إنتَ أكيد ظالمها، بقول لك بنتك صحيت الصُبح واتفاجأت بالخبر زيها زينا يبقى هي اللي عملت كدا إزاي؟؟؟

علَّام بلهجة شديدة:

-أمال كان في حد معاكم غريب وقت الخناقة؟؟

سهير بامتعاض:

-ما هم كلهم أغراب هو إحنا نعرفهم!


تنهد تنهيدة ساخنًا وهو يضع رأسه بين كفيه ثم يقول بنبرة حزينة متحيرة:

-لأ حول ولا قوة إلا بالله، لله الأمر من قبل ومن بعد.

سهير بنبرة باردة:

-استهدى بالله ورن على بنتك شوفها فين!

علَّام بحُزن دفينٍ:

-أه من بنتي وكسرتها ليَّا.

•~•~•~•~•~•~•~•~•


وضعت وجهها بين كفيها تبكي بهستيرية وهي تجلس على أحد الأرصفة المجاورة للنيل، تترجى الجميع أن يُصدقها ولكنها بين يوم وليلة أصبحت الشيطان الرجيم، صارت حالتها مُزرية وقررت أن تستنجد بصديقتها الوحيدة التي تفهمها رغم ما تعيشه من هم وتعب هي الأُخرى، انحنى جذعها العلوي بانكسارٍ وشعورٍ بالظُلم تتقطع نبرات صوتها من شدة البكاء إلى أن وجدت يدًا حانيًا تربت على ظهرها وكانت تعرفها جيدًا، استقامت قليلًا ثم نظرت بألم إلى "شروق" التي تجلس بجوارها وقد ظهر على وجهيهما الذبول والبهتان، رمقتها "وَميض" بحسرة وقد أشفقت على نفسها وهي تقول بانهيار:

-مش أنا يا شروق.. حد يصدقني أرجوكِ!!


اِغرورقت الدموع في عيني شروق ثم أحاطت رأس صديقتها وأمالتها على كتفها وهي تقول بصوت خافتٍ مهزومٍ:

-مصدقاكِ يا نور عيني.

وَميض بانكسارٍ:

-بس هو مش مصدقني.. كان بيبص لي بنظرات كلها إتهام.. نظراته كسرتني يا شروق!

شروق بلهجة ثابتة أجابتها:

-إنتِ بدأتي بالكسرة يا وَميض، لو كان حس فيكِ الأمان مكنش بص لك لحظة بعين الاتهام بس للأسف كُل حاجة بتعمليها معاه مضيعة معنى الأمان عنده من ناحيتك.

سكتت شروق هُنيهة ثم أكملت:

-دوري في حياتك إني أواجهك بغلطك حتى لو المواجهة هتوجعك بدل ما أقف أتفرج عليكِ لمَّا تضيعي نفسك وأقعد جنبك وأقول لك معلش.

وَميض وهي تومىء برأسها إيجابًا:

-أيوة أنا غلطت في حقه واللي حصل مكانش المفروض يحصل، بس أنا خايفة من حياتي معاه وعرفته مخاوفي ورغم كدا كمل في الجوازة غصب عني!

شروق بابتسامة هادئة:

-غصب عنكم أنتوا الاتنين لأنكم مقدرين لبعض وبعدين يا ستي اللي إنتِ عايزاه هيحصل، أعتقد تليد مستحيل يكمل بعد اللي حصل بينكم إمبارح!

رفعت "وَميض" رأسها ثم تكلمت باستجداء:

-أرجوكِ قولي لي أعمل أيه؟! أنا تايهة!!

شروق بهدوء:

-دافعي عن نفسك.. دافعي عن براءتك.. متشيليش ذنب مش ذنبك!

وَميض باختناقٍ:

-يبقى أنا لازم أروح له القسم دلوقتي وأحاول أتكلم معاه!

•~•~•~•~•~•~•~•

-يا طارق بيه.. كُل اللي إنتَ سامعة في الريكورد عشر ثواني من خناقة ربع ساعة!

تابع "تليد" بلهجة ثابتة أثناء جلوسه أمام الضابط، تنهد "طارق" تنهيدًا ممدودًا بعُمقٍ ثم سأل بتحرٍ:

-طيب معاك التسجيل دا كامل؟!!

اِبتسم "تليد" اِبتسامة باردة ثم رد:

-أنا مش معايا حاجة أصلًا ومش عارف التسجيل دا طلع منين ولا مين اللي سجله، أنا راجل في بيتي حصل خلاف بيني وبين زوجتي وفي وسط عصبيتي قولت الكلمتين اللي حضرتك سمعتهم دول، نمت وصحيت لقيت الدنيا كلها بتتهمني وكلام غريب!


طارق بتساؤل وتوجسٍ:

-يعني أفهم من كلامك إن مراتك هي اللي سربت التسجيل دا وقصدت منه الجزئية دي بالظبط علشان تلفق لك مصيبة!!


دعك "تليد" جبهته باختناق ثم تابع:

-طارق بيه أثناء المشكلة اللي اتقال فيها الكلام دا كُنا كعيلة متجمعين يعني كان في أكتر من شخص، بخلاف دا، أنا واضح على شكلي الإرهاب يعني؟! إنتَ سمعتي في حقي شكوى قبل كدا أو ملفي فيه مثقال ذرة من شبهة!!

أومأ الضابط برأسه سلبًا؛ فأكمل "تليد" بضيقٍ خفيفٍ:

-أمال بتتهمني بأيه؟!

طارق بحزم:

-بموجب التسجيل اللي معانا وأمر النيابة ومطالبة كل وسائل التواصل الاجتماعي بتحري الأمر لأننا يهمنا استقرار البلد والأوضاع قبل كل شئ؛ فلما نلاقي تسجيل من شخص بيقول فيه إنه إرهابي يبقى ضروري نتحرى الأمر!.

تليد بصوت عالٍ بعض الشيء:

-أنا لا إرهابي ولا زفت، دي جملة اتقالت في خلاف بيني وبين زوجتي لأنها اتهمتني بالإرهاب الفكري علشان مش واخدة كامل حريتها واللي أنا شايفها مُنافية للدين!!.. أنا دلوقتي قاعد هنا مُتهم بأيه إني بدير أمور بيتي الشخصية بطريقتي؟؟ المفروض أديرها بعد الأخذ برأيّ الجمهور ومواقع التواصل الاجتماعي!!!!!


قطع حديثه في هذه اللحظة، طرق الباب ثم دخول العسكري الذي قال بصوت حازم:

-زوجة الأستاذ تليد برا يا فندم!!

طارق بحسم:

-خليها تدخل حالًا.

لحظات ودخلت "وَميض" إلى الغرفة على مضض فأمرها الضابط أن تجلس على المقعد المواجه لزوجها ثم بدأ في استجوابها:

-تعرفي أيه عن التسجيل اللي اتسرب لجوزك؟! هل لاحظتي تصرف إرهابي منه قبل كدا؟!!


وابتلعت "وَميض" غِصَّة مريرة في حلقها قبل أن تومئ سلبًا:

-مفيش أي حاجة من الكلام دا صح، الكلام دا اتقال في وقت خلاف بيني وبينه وأنا سهوًا مني اتهمته بحاجة مش فيه أكتر من مرة ودا كان رد فعله الطبيعي.

سكتت لوهلة ثم أكملت وهي تلتفت ببصرها إلى زوجها:

-وحقيقي أنا مش عارفة مين اللي سجل الكلام دا واقتص الكام ثانية دول تحديدًا!!!


ابتلعت ريقها ببطءٍ ثم تابعت بنبرة موشكةً على البكاء:

-والله العظيم مش أنا!!


شعر الضابط بصوتها المقارب للبكاء فقرر أن يسمح لهما بالحديث عن انفراد لبضع دقائق ثم استأذن وغادر المكتب، فركت كفيها معًا وهي تقول بصوت مُتحشرجٍ:

-أنا يمكن أكون مُتسرعة طول الوقت وبرمي طوب في كلامي بس مش أنا اللي سربت التسجيل دا ومعرفش مين اللي عمل كدا!!!

كان يرمقها بنظرات جامدة وصامتة؛ فتابعت بعينين تلمعان بالدموع:

-بعد إذنك متبصليش بنظرات الاتهام دي ورد عليا!!!


تليد بضحكة باردة:

-وأية بقى اللي قدمتهولي يخليني أثق في أي حرف ساذج بتقوليه!!


وَميض بصوت مُتحشرجٍ مخنوقٍ:

-ببساطة علشان أنا معملتش دا!

في هذه اللحظة، مال تليد نحوها قليلًا حتى اقتنص عينيها بنظراته ثم تابع بصوت حاد مخنوق:

-إنتِ غدارة، قادرة تُغدري بأي حد حتى لو كان أهلك!

وَميض والدموع تنهمر على وِجنتيها أنهارًا:

-أهلي عندي بالدنيا كلها ولو أنا فعلًا غدارة؛ فغدري مينفعش يطولهم.


ابتسم بتهكم ثم تابع:

-ما إنتِ غدرتي بيا وأنا أهلك الحقيقيين مش هم!!!


زوت ما بين عينيها بغير فهم فتابع قنبلته ببرود واختناقٍ لإخفاء الحقيقة طويلًا:

-أنا اللي ربيتك على إيدي وعيشت أحميكِ حتى من نفسك، أنا اللي سهرت على راحتك وإنتِ لسه ما بتعرفيش تتكلمي!، أنا اللي كُنت بقطع قمصاني علشان أعملها لك عرايس حتى صندوق ذكرياتك يشهد، أنا اللي سميتك الاسم اللي مبتحبيهوش، أنا اللي سميتك أُترُچ، أنا مُنقذك من الموت للمرة التانية بس إنتِ غرقتيني!!!


 •تابع الفصل التالي "رواية رحماء بينهم" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent