Ads by Google X

رواية عيناك لي المرسى الفصل الثاني 2 - بقلم حنين أحمد

الصفحة الرئيسية

 

رواية عيناك لي المرسى الفصل الثاني 2 - بقلم حنين أحمد


بعد شهرين
رنين جرس الباب جعلها تترك الرواية التي تقرأها على
مضض وهي تذهب لفتح الباب فوالدتها بالمطبخ ولا يوجد
سواهما بالمنزل..
فتحت الباب لتتفاجأ به أمامها! تسمّرت مكانها وهي ترمقه

بهيام واضح فابتسم لها برقة أثارت تعجبها وهو يمد
يده بحقيبة ورقية وهو يقول:
“ألف مبروك النجاح يا دارين, متأخرة شوية لكن
معلش بقى كنت مسافر ولسه راجع من يومين”
ابتسمت قائلة:”الله يبارك فيك يا أسامة”
“طب خدي الهدية وال مش عايزاها؟”
رمقته بدهشة وهي تقول:”دي ليا أنا بجد؟!”


 



ضحك قائلا:”أكيد ليكي امّال جايبها لمين؟”
تناولتها منه بخجل لتسمعه يقول:”دي هدية نجاحك
ودخولك كلية الطب البيطري هتبقي زميلة بقى”
ثم انخفض صوته وهو يقول:”أحلى زميلة, هتنوّري
الكلية”
كانت تنظر له بهيام غير قادرة على إشاحة بصرها عنه
لتفيق على صوت والدتها:”ماتدخل يا أسامة هتفضل
واقف على الباب كده يابني؟”
شعر بالإحراج فهتف:”لا يا طنط شكرا, انا جيت ادّي
حاجة لدراين وماشي على طول ابقي سلّمي على عمو”
استأذن وغادر وأغلقت هي الباب وهي تتنهد لتفيق على

ضربة خفيفة على رأسها من والدتها وهي تقول:


“يعني ينفع يا دارين انك تقفي معاه ع الباب كل ده؟”
تبرّمت قائلة:”هو انا لحقت يا ماما؟ ده يادوب باركلي
وادّاني الهدية”
رمقتها بعدم رضا ثم قالت:”طب افتحي الهدية ياختي
خلينا نشوف جايبلك ايه!”
فتحتها لتجد دب وردي كبير يمسك بقلب مكتوب عليه
I love you
ومعه ميدالية بالحرف الأول من اسمه..
لم تتمالك نفسها فظلّت تقفز بمكانها ووالدتها تنظر لها
كمن فقد عقله وهي تضحك ساخرة منها..
لم تفرح بالهدية فقط لأنها هدية منه بل لأنها تعبيرا عن
حبه لها.. فمن سيعطي فتاة دب وقلب وحرفه الأول إلا إذا
كان يحبها كثيرا؟!
****
“أنا اللي نفسي أفهمه يعني واحدة جايبة مجموع حلو
زيك ايه ال يدخّلها آداب تاريخ؟! ده ايه الفقر بتاعك
ده يابنتي؟!”

قالها أنس بدهشة وغيظ لتضحك جويرية وهي تقول:
“يا عم انت مالك؟ انا بحب التاريخ ونفسي أتعمق فيه
عشان كده عايزة آداب تاريخ.. مالك انت بقى؟”
“يابنتي ماقولناش حاجة.. بتحبي التاريخ هاتي كتب
تاريخ واقريها وعيشي يعني.. لكن تسيبي كليات زي
ألسن وإعلام عشان تدخلي آداب وتاريخ كمان! لا يبقى
اتجننتي خالص”
همّت بالتحدث فسبقها نضال وهو يقول:


“جويرية تختار اللي تحبه وتستريح في دراسته دي حاجة
راجعالها هي.. ماتدّخلش في اختيارها.. هي ال هتدرس
مش انت”
أخرجت له لسانها تغيظه فزفر أنس بحنق قائلا:”والله
ماحد مبوّظها غيرك يا نضال, يابني مش كده.. اه ندلّعها
ونشيلها في عنينا كمان لكن لعند مستقبلها لازم نقف
ونتكلم معاها”
“انت ليه محسسني اني هعمل حاجة وحشة؟
أنا هدخل تخصص بحبه يا أنس.. بدل ماتفرحلي تكئبني
كده؟ أنت عارفني كويس انا لا يمكن اعمل حاجة

مش شغوفة فيها.. شغفي هو اللي بيحرّكني وبس”

اقترب منها وهو يشعر بالخجل فهو قد أضاع فرحتها
فبدلا من تهنأتها على دخول الجامعة لامها على
اختيارها..
ربت على كتفها بحنو وهو يقول:”آسف يا جوجي حقّك
عليا, متزعليش مني.. والف مبروك حبيبتي”
ثم ضمّها برفق وهو يربت على ظهرها ليتنزعها نضال من
بين ذراعيه وهو يقول بابتسامة بدت له غير حقيقية:
“خلاص بقى انتوا قلبتوها دراما ليه كده؟”
ثم التفت ل جويرية قائلا:”ياللا يا بنّوتّي روحي البسي
عشان عاملّك مفاجأة هتعجبك أكيد”
ابتسمت له ودلفت لغرفتها لتبدّل ملابسها بحماس جعلت
الابتسامة ترتسم على شفتي نضال فيما تابعه شقيقه


أنس محاولا سبر أغواره وهو يفكر..
هل ما يراه بعيني شقيقه حقيقة أم يُهَيّئ له؟!
****
تجلس شاخصة ببصرها لا تعلم ماهية شعورها.. تسمعهم

ينادونها تارة.. وتارة أخرى يحاولون تنبيهها لشيء ما وهي لا
تلتفت لشيء أو شخص وكأنها تنتظر شخصا واحدا فقط,
هذا الشخص هو من سيخرجها من جمودها الذي هي عليه
منذ وفاة والدها ليلة أمس!
حتى هذه اللحظة لا تستوعب أنه قد مات وتركها!
تركها بأكثر اللحظات احتياجا له وهي جالسة
تستمع لرثاء الجميع له وكلمات تعزية لن تقدّم أو تؤخّر
شاخصة ببصرها دون أن تحرّك ساكنا!


صدمة وفاته على الرغم من مرضه جعل قلبها يئن
من الألم, ألم فظيع يملأ قلبها ولا تعلم كيف تجعله
يذهب عنها؟!
هي تريد الوقوف, تريد مساندة والدتها وشقيقيها,
كما أرادت الوقوف على غُسلِه بجانب شقيقيها, أرادت
الذهاب للمقابر معهم ودفنه والوقوف على قبره كابنه
الفخور به كما كانت طوال حياتها ولكنها لا تستطيع
التحرّك قيد أنمُلة! تشعر أن هناك ما يجمّدها مكانها
دون أي إرادة منها.
فجأة دقة شاردة من قلبها أنبأتها بوجوده.. فحتى لو

أنكرت مشاعرها بينها وبين نفسها لا تستطيع إنكار أن
قلبها يشعر به ولو على بعد أميال!


رفعت بصرها فوجدته يضم والدتها بحنوّ, يربت على
كتفها, يقف بجوارها داعما إياها وكما علمت من
الكلمات التي تناقلتها الألسن بلحظات أنه كان واقفا
على غُسْل والدها.. هو حتى لم يُدخِل أي غريب عليه
وتولى المهمة بنفسه.. كما وقف على قبر والدها كابن
له حتى ولو لم ينجبه ولكنه كل مرة يثبت نفسه ابن
آخر لوالدها كما يثبت أن ثقة والدها بمحلها ..
وعلمت.. بل تيقّنت أنه فعل ذلك -ليس فقط وفاءا لرجل
كان له بمثابة والد- ولكن أيضا من أجلها.
وتلاقت عيناهما فانهمرت دموعها وهي تركض إليه تندس
بين ذراعيه تشكوه والدا تركها وأصبحت وحيدة بعده
ليضمها غير مبالي بمن حولهم وهو يربّت على ظهرها بحنوّ

هامسا لها:”اهدي يا شروق, اهدي ياقلبي ..
انا معاكي اهو ومش هسيبك أبدا”
استكانت بين أحضانه تشعر بالإرهاق لتسقط بهوّة

مظلمة وما إن شعر بتراخيها حتى أسرع بحملها قبل أن
تسقط على الأرض وأدخلها لغرفة الصبيين حتى لا يدخل
غرفتها.. وضعها على الفراش وهو يشعر أن روحه تُسحَب
منه ليشعر بكف والدته على كتفه وهمسها:
“روح انت للرجالة اللي برّه يابني انا معاها اهو متقلقش,
هي حصلها كده من الزعل وقلة الأكل كمان ماتخافش”
رمقها بتردد قبل أن يخرج تاركا إياها وهو يشعر بقلبه
سيتوقف بأي لحظة قلقا عليها .
****


فتحت عينيها لتجد دارين تجلس بجانبها وهي تربت
على شعرها بدعم ودموعها تتساقط على وجنتها لتزدرد
ر يقها ببطء وهي تعاود إغلاق عينيها بإرهاق لتشعر بربتة
حنونة على كتفها وصوت دارين يقول:”واخيرا قومتي
يا شروق, ده انا كنت هموت عليكي من الخضّة, والراجل
الغلبان اللي بره ده كان هيحصله حاجة بسببك, اما أروح
اطمّنه بقى احسن على أعصابه من إمبارح”
همّت بمنعها وهي لا تستوعب ما تقوله صديقتها ولكن
دارين كانت قد خرجت وانتهى الأمر..

وما هي إلا لحظات حتى كان شامل يقتحم الغرفة وعلى
وجهه علامات القلق الشديد وما إن رآها مستيقظة تنظر

له بعدم استيعاب حتى هدأت أنفاسه وارتسمت بسمة
خفيفة على وجهه وهو يقترب من الفراش المستلقية عليه
وهو يهمس:”الحمد لله.. الحمد لله”
رمقته بذهول وهي تقول:”هو انا نايمة من زمان اوي كده؟”
“من امبارح”
أجابها ثم عقد حاجبيه وهو يسألها:”انتي مش فاكره اللي
حصل إمبارح؟!”
صمتت للحظات قبل أن تقول:”فاكرة إن أغمى عليا, هو ده
كان إمبارح؟!”
أومأ:”أيوة وقّعتي قلبي ومكنتيش راضية تفوقي ولولا
الدكتورة علا كانت هنا وطمنتنا عليكي”
أومأت دون قدرة على الحديث فجلس بجوارها على الفراش


وهو يقول:”عاملة ايه دلوقتي؟ فيه حاجة بتوجعك؟”
“قلبي!”
همستها بتحشرج ليضمها بقوة وهو يهمس لها:

“سلامة قلبك.. فداه انا وفداكي الدنيا كلها”
تمسّكت به بقوة وانهمرت دموعها تلقائيا وكأن قربه
يسمح لها بإظهار ضعفها والانهيار وهي على يقين أنها ستجد
به السند.
***
بعد شهرين
طرقات قوية على باب المنزل جعلتها تهرع لفتحها وهي
تضع يدها على قلبها تخشى القادم لتجده شامل وقبل أن
تقول كلمة واحدة هتف بغضب عارم:

“انتي ازاي تحوّلي من الكلية من غير ماتقوليلي؟ شايفاني
ايه انا مش فاهم؟! وتحوّلي من الكلية ليه أصلا؟
مش ده حلمك؟! ليه تتخلي عن حلمك؟!”
رمقته بصدمة قبل أن تتحول لغضب وهي تهتف:
“بسم الله الرحمن الرحيم, ايه يابني داخل بزعابيبك
كده ليه؟! برّاحة شوية واهدا كده.. ثم أنا حوّلت من
كلية لكلية ايه اللي مضايقك انت؟!”
“ايه اللي يخليكي تسيبي طب وتحوّلي تمريض يا شروق؟
انتي طول عمرك بتحلمي بالطب ايه اللي اتغيّر عشان

تعملي كده وتسيبي حلمك؟ فهميني”
زفرت بحزن وهي تهتف:”اللي اتغيّر ان ابويا مات يا شامل,
سندي وعزوتي مات وسابلي أسرة لازم اكون جنبها.. لازم

انسى كل حاجة إلا هم.. ورغم كده ماروحتش بعيد
صحيح سيبت كلية الطب بس كلية التمريض
برضه كويسة ولها مستقبل وهشتغل على طول وسنينها
أخف من الطب.. لازم اكبر وابطّل انانية يا شامل.. مين
ال هيشوف طلبات امي واخواتي؟ مين ال هيقف في المحل
بدل أبويا؟ اخواتي لسه صغيرين ولسه قدامهم سنين على
مايكبروا ويعتمدوا على نفسهم, واني اسيب كلية وادخل
واحدة تانية اخف شوية ده مش بشوفه حتى تضحية
زي ما الكل شايفه”
هتف بغضب:”وانتي شايفاني ايه قدامك؟ سوسن!
مانا موجود واللي يحتاجوه اخواتك ووالدتك فوق راسي,
ومحل ايه اللي هتقفي في ده لوحدك؟ اكيد مش

هيحصل واي حاجة تعوزيها انا هنا وكليتك هترجعيها
يا شروق وتبطلي الهبل اللي بتفكري فيه ده”

واجهته بعنفوان:”لا يا شامل, امي واخواتي مسؤلين مني انا
مش من اي حد تاني, وانت كتّر خيرك كفاية الفترة
اللي فاتت ماسيبتناش لكن اللي بعد كده انا ال هقوم
بيه.. ابويا ساب راجل مكانه وانت عارف كويس اني
ب100 راجل مش راجل واحد, انت عندك شغلك ولازم
تهتم بيه انت داخل على ترقية, وصدقني انا مش زعلانة
اني حوّلت من طب.. كل ده خير ليا وانا متاكدة من ده”
صمت للحظات قبل أن يقول بوجه مغلق وهدوء أخافها
أكثر من غضبه:”يعني شيلتيني من حساباتك خالص؟!”
رمقته بعدم فهم قبل أن تقول:”انت عمرك ماهتكون
خارج حساباتي يا شامل.. انت ….”
صمتت بخجل قبل أن تهمس:”انت في قلبي قبل عقلي
وعمري ما اقدر ابعدك عن حياتي.. لكن أنا محتاجة
أني ابقى قوية, موت ابويا كسرني اوي وانت اكتر واحد
عارف ابويا كان عندي ايه! مش عايزة الناس تقول
معرفش يربي, مالوش خَلَف بعده.. مش عايزة امي تحس
انها عالة وعبء على حد مهما كان الحد ده قريب”
ظلّ على صمته فاقتربت منه ربما لأول مرة هي واعية على
ما تفعله.. أمسكت بكفه بأناملها ووجهها يحترق من

الخجل وهي تقول:”أنا عمري ما هقدر اعمل اي حاجة من
دي لوحدي يا شامل, وجودك جنبي هو اللي مطمني
ومقويني.. خليك جنبي عشان خاطري وماتسيبنيش”
ضغط على يدها بقوة وهو يقول بخفوت:

“عمري ما هسيبك يا شروق, وانتي عارفة ده كويس
وبتستغليه ضدي.. لكن يكون في علمك مش هقدر
أصبر كتير.. اخواتك هم اخواتي وده بقى مش عشانك
لا ده عشان المرحوم والدك اللي كان ليا اكتر من اب”
قالت بمرح غاب عنها في الفترة الأخيرة وهي تغمزه:
“بس لو اخواتي هم اخواتك كده يبقى جوازنا باطل”
ابتسم بخفة وهو يقرّبها منه أكثر حتى كادت تلتصق
به:”جوازنا هو الحاجة الوحيدة الصح في الموضوع ده”
انتفضت عندما وجدت نفسها قريبة منه لتدفعه بقوة وهي
تقول:”خلاص يا شامل شطّبنا.. روح شوف شغلك يالّلا”
عضّ على شفته قوة ثم هتف:”فصيلة!” . 

google-playkhamsatmostaqltradent