رواية طائر النمنمة الفصل الثاني 2 - بقلم ملك العارف
"طائر النمنمة"
"الفصل الثاني"
"حفل زفاف"
كانت تجلس جواره في السيارة تنظر لفستانها الذي طابق لونه لون سترته الخريفية التي ليس لها أكمام وحقيبتها الصغيرة التي تتماشي مع قميصة أسفل السترة ابتسمت وهي ترفع رأسها إليه فقبض عليها وهي تتلصص بنظراتها عليه:
إيه الأنشكاح ده كله!
ضحكت علي كلمته وهي تكررها:
انشكاح! مش معقول أنت بتقول انشكاح!
ضحك معها بخفة وعادت هي تتحدث:
اصل شكلنا حلو أوي بالماتشينج ده، اللون الكحلي و الهافان تحفة عليك.
ضحكت عقب جملتها وهي تتذكر تذمره حينما رأي ما حضرته له من ثياب ورفض رفضًا شديدًا أن يرتديهم ولكنه رضخ لها بالنهاية، بعد ساعة أخري كان قد وصل امام البيت
فتح له الحارس البوابة وهو يلقي عليهما التحية بحفاوة صفت السيارة أمام الباب وخرج منها وفتح لها الباب، ابتسمت له بشكر وخرجت معه، لا يدري لماذا ولكنه مد لها كفه ليمسك بكفها بعد أن أمر الحارس بأخذ ما جلبه من السيارة ويدخله، اتسعت ابتسامتها وهي تدس يدها بيده وتسير جواره، خرجت والدته التي سمعت صوت سيارته وهي بالأعلي رحبت بهما وهي تحتضنه:
أهلا يا حبايبي، كل ده يا طه متجيش نشوفك هتنسي اهلك ولا إيه؟
احتضنها بالمثل وقال مبررًا:
معلش حضرتك عارفة شغلي.
تركته و رحبت بزوجته وهي ترد عليه:
الشغل برضو ولا آية القمر دي خلاص خدتك مننا!
ضحكت وهي تحتضنها مازحة:
والله يا طنط هو شغله واخده مني شخصيًا وحاسة إن الشغل ده ضرتي.
ضحكت والدته وهي تجذبهم معاه للداخل:
هو ده طه في الشغل، ميعرفش أبوه.
جلس ثلاثتهم حتي سألت:
أومال شهد فين؟
اجابتها والدته:
فوق يا حبيبتي في أوضتتها لسه بتلبس، اطلعيلها لحسن ديه من الصبح جننتي علشان تختار حاجة تلبسها.
اسند ذراعه علي ظهر الأريكة وهو يجيب والدته ساخرًا:
واضح إن ده داء عند البنات كلهم.
فهمت ما يرمي إليه فأعطته الوسادة الصغيرة بعنف وهي تنهض قائلة:
هطلع أشوفها، بعد إذنكم.
غابت فوق السلم فضحكت والدته عليها وهي تنظر له
عسولة آية، عاملين إيه سوا، كله تمام؟
نظر لها مطولًا ثم هز رأسه بهدوء بالإيجاب، نهضت تجلس جواره تقول بهدوء:
طه حبيبي أنا عارفة إن اللي حصل لسه مأثر فيك، بس لإمتي يا ابني، بلاش تضيع عمرك و أنت واقف عند لحظة بقت ماضي وعدي وتضيع من إيدك الحاضر و المستقبل، مراتك مفيش منها اتنين، و باين عليها إنها مايلة ليك فـ ليه مش مديها فرصة؟
غمغم بضيق قائلًا:
لزومه إيه الكلام ده يا ماما دلوقتي؟
أجابته بحنو وهي تضع يدها فوق وجهه:
لزومه إن قلبي عايز يتطمن عليك يا حبيبي.
سألها وهو يضيق عينيه بترقب ينتظر ردة فعلها علي سؤاله:
هي آية اشتكت لحضرتك؟ أو قالتلك حاجة؟
ضحكت وهي تجيبه:
أنت فاكر حركات الظباط ديه هتتعمل علي ولا إيه يا ولا، ده أنا اعرفها من قبل ما أنت تتولد.
ضحك بخفة وهو يجيبها:
لاء بجد قوليلي.
هزت رأسها بنفي تخبره:
لاء مقالتش حاجة حتي لما بسألها بتقول كويسين و زي الفل و بتقول كده لشهد برضو، بس أنا قلبي بيقولي غير كده، طريقتها وهروبها من الكلام لما أسألها بيقولي إن في توتر في علاقتكم، بيقولي إنكم بعيد عن بعض لسه، حتي نظراتكم لبعض نظرات هربانة، ولا أنت ليك رأي تاني؟
بقيت تنظر له، وصمت هو كثيرًا حتي صرح:
مش قادر يا أمي أبقي عادي، حتي لو أنا عايز فـ أنا مش قادر علي ده، هي بتشدني ليها كل حركة منها بتشدني حاسس إني بغرق، بس في لحظة بفوق و أشد نفسي بعيد عنها، واقف في النص، وهي شوية بتحاول و شوية بتسكت زيي، فـ أنا مش عارف أعمل إيه.
ربتت فوق كتفه وهي تبتسم له ناصحة:
سيب نفسك يا طه، بطل تتحكم فيها، بلاش تفكر بعقلك، سيب قلبك المرة دي هو اللي يتحكم.
نظر لها يسأل:
و لو غرقني؟
أجابته:
الغرق ده مش معناه نهاية الحياة، معناه حياة جديدة بتتبني بشكل تاني، حياة فيها ألوان كتير غير الأبيض و الأسود، أقولك بطل تفكر خالص، اتصرف معاها بتلقائية هتلاقي نفسك حبيتها.
كرر بتعجب:
حبيتها مرة واحدة! مش صعبة شوية دي؟
استنكرت قوله وهي تجيب:
صعبة! بقي الأنوثة و الرقة دي كلها بين إيديك و صعب تحبها؟ ده كفاية بس ضحكتها اللي بترج القلب كده رج، عنيك بتقول غير اللي لسانك بيقوله، عنيك محاوطاها.
نظرت لما يرتديه وهي تبتسم بخبث:
ده أنت حتي لابس قميص كحلي لون شنطته يا أبو صعبة أنت.
ضحك ينفي عن نفسه الأمر وكأنه تُهمة:
علي فكرة هي اللي صممت على ده ومرضيتش أزعلها.
جائت الخادمة تخبرها بعودة زوجها من العمل وضعت يدها فوق وجهه تنصحه قبل أن تنهض راحلة:
بلاش تضيعها من إيدك يا طه، لأنها مش هتتعوض، و بلاش علي الأقل تصدها، اسمحلها تقرب وهي هتقوم بالواجب.
ختمت قولها وهي توجه رأسه نحو السلم فرأها تهبط بإبتسامتها الرقيقة وقول والدته لازال يتردد بعقله
(بلاش تضيع عمرك و أنت واقف عند لحظة بقت ماضي وعدي وتضيع من إيدك الحاضر و المستقبل)
فاق من شروده وهي تجلس جواره تهتف بحماس:
شهد عسولة أوي بجد، ماشاء الله عليها، يا بخت أمير بيها، كفاية الفرحة اللي بتنط من عنيها إنها خلاص شوية وهتبقي معاه لأخر العمر.
كان ينظر لها فقط، ترتسم علي شفتيه ابتسامة بسيطة، يحب هذا الحديث ذو النبرة الحماسية منها، لم يكذب حينما شبهها بذلك الطائر المُغرد، وهو يحب منها هذا التغريد، فرقعت أصابعها أمام وجهه فأنتبه لها وهي تسأله
إيه سافرت فين كده!
هز رأسه بنفي يسألها:
معاكِ اهو، اومال هي منزلتش ليه؟
ابتسمت وهي تجيبه:
اصلها مكسوفة، قالت هتنزل لما كله يتجمع، فقولتلها إني هنزل علشان أبقي مع مامتك و هبقي أطلع اجيبها لما يوصلوا، وهي عجبتها الفكرة علشان توزعني و تكلم أمير.
أنهت جملتها ضاحكة، فبادلها هو أيضا الضحك يهز رأسه بأن. ه لا فائدة، سألته:
إحنا هنبات هنا ولا هنروح بعد ما يمشوا؟
سألها هو:
أنتِ عايزة إيه؟
رفعت كتفيها وهي تجيب:
مش عارفة علشان كده سألتك، أنا بقول نفضل هنا الليلة، عايزة أشوف أوضتك جدًا.
عبس وجهها وهي تكمل:
بس أنا بحب بيتنا برضو بحب اصحي الصبح بدري افتح الشبابيك و أعلي صوت الراديو و أحضر الفطار ونفطر أنا و أنت سوا، أينعم أنت مش بتتكلم و بتفضل ساكت بس…
صمتت فهز رأسه يحثها بنظراته أن تكمل ولكن بقيت صامتة فسأل:
بس إيه قولي.
ابتسمت بخجل وهي تنظر للسلم:
اقصد يعني إن أنت مش بتتكلم غير قليل بس وجودك بيكون كفاية.
كان ينظر لها و ليديها التي كانت تفركها بتوتر همس باسمها فنظرت له وعيناها تهربان منه فهتف:
تعالي هوريكِ اوضتي دلوقتي و لما يمشوا الناس نبقي نرجع بيتنا، اتفقنا؟
تحمست للفكرة وهي تهز رأسها ونهضت تسبقه:
أنا برضو بقول كده، يلا تعال.
ابتسم وهو ينهض يلحق بها، وصل جوارها حينما توقفت بنهاية السلم ونظرت له بتساؤل:
اوضتك فين؟
سألها:
خمني كده!
رفعت يدها تشير ناحية باب علي يدها اليسري، ولكنه ضحك وجذبها من يدها في الاتجاه المعاكس
وقف كلاهما أمام باب الغرفة كانت تنظر للباب بحماس فضحك عليها قائلًا:
علي فكرة ده باب اوضتي مش باب الأحلام!
نفخت بضيق وهي تنظر له:
يا ربي علي الفصلان يا طه، خلص افتح الباب.
ابتسم وفتحه ودلف للداخل يجذبها ويغلق الباب خلفه
وقفت تتأمل الغرفة وهي تبتسم كل شيءٍ هنا يشبهه الألوان و الاثاث كله، كيس الملاكمة الموضوع في زاوية الغرفة، و مكتبه ذو اللون الأسود و ما فوقه من أوراق، ميدالياته و جوائزه المُعلقة فوق الحائط و المرأة الطولية في الزاوية الأخري، كان هناك باب مُغلق خمنت أن المرحاض وغرفة تبديل الثياب، كان قد تحرك ليجلس فوق الفراش أمامها و يشاهد ردة فعلها هتف بهدوء يجذبها من تأمُلها:
على فكرة و أنا كمان.
لم تفهم ما يقصده فنظرت له بتساؤل:
و أنت كمان إيه؟
قالتها و جلست جواره فوق الفراش تنظر له وهي تفك الدبابيس التي ثبتت بها حجابها فهتف يوقفها:
الناس ممكن يوصلوا في أي لحظة خليكِ زي ما أنتِ.
رفضت وهي تنزع الطرحة عن رأسها وتقوم بفك شعرها الذي نزعت عنه المشبك و حركت رأسها يمينًا و يسارًا حتي ينساب فوق ظهرها، كان مأخوذًا بها وبحركته، هي تهوي الحديث، و هو يهوي النظر إليها، يشعر كأنه لو بقي عمرًا يتطلع لها وهي تنزع عنها غطاء رأسها لن يشعر ولو للحظة واحدة بالسأم أو الضيق فاق من شروده وهي تخبره:
ما قولتلك مش بحب أقعد بالطرحة طالما مفيش حد غريب، المهم، كنت بتقول و أنت كمان إيه؟
كان سيخبرها أنه أيضًا يحب وجودها معه، ويحب حديثها الصباحي و طعام الفطور الذي تعده، ويحب حينما يعود من عمله يجدها بإنتظاره مهما أطال الغياب فهي تبقي في انتظاره، لكنه هرب بعيناه وهو يسألها:
مقولتيش إيه رأيك في الأوضة؟
ضحكت علي تهربه، هي متيقنة بأنه كان سيقول شيئًا محوريًا حقًا لكنه تراجع، تراجع لأنه أخذ وقتًا يفكر بعقله، وعقله لا يتوقف عن ردعه من قول اي شيء قد يمثل عليه خطورة
حدثت نفسها ساخرة:
"طول عمرك نفسك في راجل تقيل يا آية، أهو وقع من نصيبك التقل كله، اشربي بقي"
نظرت له وعادت تحدث نفسها
"بس أنا كنت عايزاه تقيل مع كل الستات و مدلوق عليا، بس طه السيستم عنده عامل Select oll"
ضربت برأسها فكرةً ما نظرت له بتحدٍ هي لن تخرج من هذه الغرفة قبل أن تعرف ما الذي كان سيتفوه به، اقتربت منه حتي أصبحت ملاصقة له نظرت بعينيه وهي تضع يدها فوق وجنته تدير وجهه ناحيتها و تهمس بإسمه، ما إن وقعت عيناه بعيناها حتي تاه ولم يعرف أين يجد المفر، وكيف يحمي نفسه من السقوط بمقلتيها، همست من جديد تسأله بنبرة ناعمة وحزينة:
أنت ليه بتهرب من عنيا؟
هز رأسه بنفي وهو يهمس:
أنا مش بهرب.
عادت تهمس وهي ترسم علي وجهها ابتسامة سلبت عقله:
طب قولي، كنت بتقول و أنت كمان إيه؟
أزاح عن وجهها تلك الخصلة التي لم تتوقف عن مداعبة رموشها وضع يده بخصرها يجذبها إليه أكثر حتي إلتصقت به و مال يطبع قبلة فوق وجنتها، تملك منها الخدر، أفعال لم يسبق لها أن تعرضت لها، تصدر منه هو، أقتراب زاد من أضطرابها، علا وجيب قلبها ينذر بأن لا سبيل للعودة إما الاستسلام أو الهلاك!
ابتعد عنها بسرعة اقترابه ولكنه لم يُفلتها، يري أثر فعلته على ملامحها الساكنة و تلك الابتسامة التي زينت ثغرها بهدوء، همس جوار أذنها:
الطُرق ديه عمرها ما هتجيب معايا، أنا أعرف كل السبل اللي ممكن أي حد يستعملها علشان ياخد معلومات من اللي قدامه،وخصوصًا لو واحدة ست، و ديه أسهل طريقة، بعتبرها طريقة الخايبين.
امتعضت ملامحها وهي تفتح عيناها تنظر له بضيق جعله يضحك عاليا وهو يُلثم وجنتها مجددًا وينهض متجهًا للخارج، قومي لفي طرحتك وحصليني علي تحت.
أغلق الباب خلفه وتركها، ألقت بالوسادة على الباب وهي تنفخ بضيق ولكنه زال وحلت مكانه ابتسامة خجولة وهي تضع يدها فوق وجنتها حيث طبع قبلته، ألقت بجسدها فوق الفراش وهي تضحك وتغطي وجهها بكلتا يديها قائلة:
شكلها كده بدئت تندع.
تعالت ضحكاتها برقة وصلت لأذنيه وهو يقف خلف الباب، ابتسم و توجه ناحية غرفة اخته ليتفقدها
★***★***★***★***★***★***★***★***★***★
انتهت الجلسة العائلية بإتفاق أن يكون عقد القران و الزفاف بعد شهر من الأن، مدت كفها تشغل راديوا السيارة حركته حتي وصلت لـ إذاعة القرأن الكريم بالقاهرة، ابتسمت وعادت تسند ظهرها للكرسي، يتعجب كثيرًا من تعلقها به، انفلت من بين شفتيه سؤاله:
غريب حبك للإذاعة دي بالذات!
ابتسمت وهي تخبره:
أنا مش بعتمد أي إذاعة غيرها أصلًا، هي إذاعة القرأن الكريم وبس، زمان لما كنا نروح عند جدتي كانت تبقي قاعدة علطول تسمعها، وكنا نقعد نقولها تغيرها لأي حاجة تانية و إننا زهقنا وعايزين نسمع غيرها او نتفرج علي التلفزيون وتقعد معانا، كانت تضحك وتقولنا لما تكبروا هتعرفوا قيمتها، لحد مرة من المرات صحيت من نومي عند تيتا و الشيخ بيقراء من سورة آل عمران
(وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)
وقتها كنت لسه ملبستش الحجاب، كنت تايهة وضايعة وحاسة إن ربنا مش بيحبني ومش هيقبلني أبدًا لحد ما سمعت الأية دي في قرآن الفجر، وقتها قعدت أعيط بشكل مش طبيعي، و من بعدها مخرجتش من البيت غير و أنا لابسة الحجاب و اتغيرت 180 درجة، حتي صحابي، أسلوب حياتى، اهتماماتي، كله اتغير.
تنهدت وهي تنظر له بشجن وتكمل:
و حسيت قيمتها اكتر لما ببقي وحدي في البيت و أنت في الشغل، بشغلها علي أعلي صوت علشان محسش بأي خوف، وعلشان لو في أي صوت ممكن يخوفني مسمعهوش، و مع الوقت بقيت مقدرش اقعد منغير ما تكون شغالة جنبي.
★***★***★***★***★***★***★***★***★***★
مر الشهر سريعًا ولم يتبقي منه سوي أسبوع، كان قد أنهي إرتداء ملابسه و تناول طعامه وفي طريقه لباب المنزل، ولكنه توقف حينما لاحظ أنها تسير خلفه نظر لها فوجدها تفرك كفيها بتوتر، سأل بعيناه، فأجابته:
بص أصل يعني… شهد…شهد كانت عايزة في أسبوع الفرح أكون معاها يعني، و المفروض أروحلها النهاردة.
سألها بضيق وهو يضيق ما بين حاجبيه:
و الكلام ده متقالش من يوم أو اتنين ليه؟ علي الأقل امبارح بالليل؟ مش على الباب و أنا رايح شغلي، إيه رأيي مجرد تحصيل حاصل بالنسبة ليكِ؟!
لم تجبه فهتف بغضب طفيف:
يبقي تتحملي نتيجة تأخيرك ده و تستني لبكرة أو بعده علشان نروح.
نظرت لها تحاول إقناعه قائلة:
يا طه مهو…
ولكنه قاطعها وهو يرفع إصبعه في وجهها:
ولا كلمة مفهوم! عن إذنك ورايا شغل.
رحل وقد صفق الباب خلفه بعنف، لم تشعر بأي شيء سوي دموعها التي سقطت فوق وجنتها، حتي و إن كانت مخطئة ما كان يجب أن يحادثها بهذا الشكل الجاف، عادت للداخل تجر قدميها جرًا، لا تدر ما الذي فعلته في دنياها للوصول لهذه النقطة، وهي التي كان يسعي لها من هم حولها لنيل رضاها و كانت هي التي لا تقبل، سنوات عديدة كانت تضع نفسها في الأعلي، كانت قمرًا بين النجوم، كانت قد اتخذت قراراها بألا تقبل إلا بمن يجعلها ملكة متوجة علي عرش قلبه، أن تكون هي شغله الشاغل، أن يبذل سعيه لإسعادها، نظرت حولها لما ألت إليه تأملاتها، تعيش مع رجل يشاركها الفراش و لكنه بعيد عنها كل البُعد، متروكة في شقة سكنية طيلة يومها، لا تري أحدًا و لا أحد يراها، لا يسمح لها بالخروج إلا بصحبته و كأنها سجينة و هو سجانها
مسحت دموعها بعنف شديد وهي تنظر لإنعكاسها بالمرأة:
أنا مش هستحمل أكتر من كده خلاص، هو فاكر نفسه مين، ولا فاكرني معنديش كرامة، أنا لو صبرت علي كل ده فـ ده علشان مبقاش أنا اللي هديت كل حاجة و يتقال عليا برفس النعمة.
ضحكت ساخرة وهي تجيب:
هي فين النعمة دي أصلا، أنا محطوطة في سجن!
هزت رأسها وكأنهت تحاور شخصًا أمامها:
هو ده الصح و مفيش صح غيره بعد فرح شهد حكايتنا دي لازم تنتهي.
★***★***★***★***★***★***★***★***★***★
قاطع حديثه مع الضابط الجالس أمامه رنين هاتفه نقل بصره تجاهه فوجدها أخته، زفر بضيق و هو ينهض مبتعدًا ليرد عليها
ما لبث أن يجيبها حتي سألته بضجر:
إيه يا طه كل ده أنتو فين؟
أجابها بهدوء:
أنا في الشغل.
سألته مجددًا:
طيب آية جاية مع السواق بتاع بباها يعني ولا إيه؟
ولكنه نفي ذلك بقوله
لا، آية في البيت
هنا عادت تصيح بضيق:
أنت بتهزر مجبتهاش ليه، طه أنا محتاجة آية معايا الأسبوع ده بس علشان خاطرى.
رفض بقوله:
ما تشوفي حد من أصحابك يا شهد إشمعنا آية يعني؟
بررت له:
علشان هي صاحبة جدعة، و في نفس الوقت مرات أخويا، يعني في مقام أختي، مينفعش يبقي عندي أخت و أروح أجيب صاحبتي تساعدني.
أصر علي رفضه:
الصحاب على قفا من يشيل يا شهد، متوجعيش دماغي أنا عندي شغل.
علمت أن هذا الأسلوب لن يفيد، لانت نبرتها و اصطنعت البكاء بقولها:
يا طه طب علشان خاطري ده أنا أختك، أنا عمرى كله كنت بتمني يكون عندي أخت و شهد الوحيدة اللي حسيت إنها في المكانة ديه، فمن فضلك متحرمنيش من الإحساس ده بعد ما دوقته، علشان خاطري هاتها و تعالوا قضوا الأسبوع ده هنا ولما أمشى ابقي خدها و أرجعوا شقتكم.
صمت ولم يجبها فهتفت تحثه:
طه علشان خاطرى بجد!
قال مغلوبًا علي أمره:
حاضر يا شهد هجيبها بكرة.
طلبت:
و ليه مش النهارد…
قاطعها بقوله الصارم:
قولت بكرة خلاص خلصنا، بدل ما أحلف متحضرش الفرح من أصله.
اغلق الهاتف و عاد يباشر عمله بعد أن تعكر مزاجه كليًا.
مساءًا
عاد في موعده المعتاد، كانت تجلس فوق كرسيها المعهود و قد غلبها النعاس وهي تنكمش على نفسها من البرودة، زفر بإختناق وهو يتقدم منها، ظن أن بعد حديثه معها صباحًا أنها ستجافيه، ستتوقف عن أفعالها التي لا تزيد سوى من شعوره بالذنب، مال يحملها ولكن ما إن لامست يداه جسدها حتي انتفضت مستيقظة، نظرت له بتفحص تتأكد من عودته سالمًا و من ثم هبت واقفة و هي تدفع يديه عنها قالت و هي تدور بعيناها على كل الأركان سواه:
حمد الله علي سلامتك، احضرلك تتعشي؟
أجابها بجمود يتطلع إليها ينتظر فعلتها القادمة:
مش جعان.
هزت رأسها بإيجاب وهي تبتعد نحو غرفة النوم قائلةً قبل أن تختفي عن ناظريه:
طيب تصبح علي خير.
تعجب جفائها هذا وهي التي جلست في البرد تنتظره ولكنه نفض عن رأسه كل الأفكار و توجه للداخل يطلب النوم بسلام.
★***★***★***★***★***★***★***★***★***★
صباحًا
استيقظ مبكرًا قبلها بكثيرٍ من الوقت، تعجبت حينما وقعت عيناها عليه فوجدته في كامل ثوبه، نهضت دون حديث لم تلقِ عليه حتي تحية الصباح، ولكنها توجهت بوجه عابس نحو المرحاض، وغابت داخله لبعض الوقت، كانت تنتظر أن يرحل لعمله لا تريد أن تتشاجر معه مجددًا ولكنه لم يرحل فخرجت مضطرة، وجدته وقد توسط الأريكة يتصفح هاتفه، رفع رأسه لها قائلًا:
جهزي نفسك علشان أوصلك البيت عندنا قبل ما أروح الشغل
رفعت حاجبها بغيظ وهي تسأله:
والله، أنت عايز تمشيني بمزاجك، إيه تحكمات سي السيد دي، كنت فكراك أعقل من كده علي فكرة.
لم تلحظ نبرة صوتها العالية، ولكنه لاحظها فهتف بتخذير:
صوتك عالى!
لكنها صاحت بغضب:
صوتى و أنا حرة فيه، و أقولك حاجة كمان، أنا مش رايحة في حتة، يلا بقي روح علي شغلك
لم يجبها بل رفع الهاتف لأذنه يجري أتصالًا حتي هتف:
صباح الخير يا شهد عاملة إيه؟
صمت يسمع ردها ومن ثم اخبرها:
دلوقتي آية اللي قولتي عليها أمبارح اختك، بقولها تجهز نفسها علشان اوصلها عندكم، اتعصبت و اتنرفزت و قالت مش رايحة في حتة.
صمت من جديد يسمعها، مد يده بالهاتف للواقفة أمامه قائلًا:
أهي معاك، كلميها.
كانت تنظر لها بغضب شديد، ودت لو أخذت منه الهاتف وحطمته في وجهه، أو ربما يمكنها الخروج و تركه هكذا، ولكنها رفضت هذا و التقطته منه بعنف اولته ظهرها وهي تضع الهاتف فوق أذنها:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إزيك يا شهد…يا بنتي أنتِ فهمتِى غلط، أخوكي بيقول الكلام علي كيفه، انا هاجى بس علشان خاطرك و علشان أنتِ غالية عندي، تمام ماشي، يلا سلام.
اغلقت المكالمة و ألقت بالهاتف فوق الفراش وهي تتجه للمطبخ، رفع حاجبه بغيظ و التقط هاتفه و خرج خلفها وجدهت تعد القهوة و تمسك بيدها خبزًا قد وضعت فوقه بعض الجبن تقطم منه، هتف بضيق:
هو أنا مش قولت يلا علشان أوصلك!
نظرت له ببراءة مصطنعة:
هفطر و اشرب القهوة، أكيد مش هنزل على لحم بطنى!
سأل بغيظ:
ده على أساس إننا رايحين مجاعة، ما هنفطر هناك معاهم.
صبت قهوتها وهي تخبره:
عادي، عقبال ما نوصل هكون جوعت تانى.
حملت الكوب و سارت للغرفة و أغلقت الباب خلفها جلس فوق الكرسي المواجه للغرفة و قدمه تدك الأرض دكًا بغضب
خرجت بعد ما يقارب الساعة إلا الربع تحمل حقيبة صغيرى وضعت بها بعض الثياب و بيدها الأخرى حقيبة يدها قائلة:
يلا أنا خلصت.
نهض يتوجه نحوها حتى وقف أمامها، ظنته سيأخذ منها حقيبة الثياب لكن ظنها خاب حين هتف بضيق شديد:
لعلمك اللي حصل ده مش هيعدي كده عادى، و لو اتكرر تاني مش هيحصل كويس.
اعطاها نظرة تحذيرية و اتجه نحو الباب فتحه بغضب و لم ينتظر أن تخرج أمامه بل خرج هو و تركه مفتوحًا، همست لنفسها بحسرة:
شكلها و لعت و إحنا بنجيب أخرها خلاص.
انفتح باب المصعد فخرج منه بخطوات سريعة، ركب سيارته و انتظر منها أن تضع حقيبتها بالخلف و تأتي للجلوس في مقعدها جواره، ولكنها أدخلت الحقيبة بالخلف و جلست بالخلف هي أيضًا، رمقها من المرأة بنظرات غاضبة بادلته هي بأخري متحدية، لكنه أثر الصمت، أدار مقود السيارة بعنف وهو يأكل الطريق أكلًا، خيم الصمت بينهما و نظرات التهكم تسود بينهما، ما أن توقفت السيارة خرجت منها مسرعة للداخل استقبلها في بهو المنزل والد زوجها مرحبًا
اهلا يا آية يا بنتى، و أنا أقول البيت نور كده ليه!
ابتسمت وهي تصافحه بمودة:
ده منور بوجودك يا عمو و وجود طنط و شهد كمان.
نزلت والدة زوجها من فوق السلم قائلة:
شهد قالتلي إنك مكنتيش عايزة تيجي النهاردة،
و امبارح طه هو اللي مكنش عايز يجيبك، إيه حكايتكم أنتو الاتنين.
عقب جملتها دخل طه يحمل حقيبته، وقف أمامهم و قبل أي شيء اجابت هي:
والله يا طنط السؤال ده يجاوبنا عليه طه مش أنا.
أخذت حقيبتها منه دون أن تعطيه نظرة واحدة و استأذنت منهم بأدب:
بعد إذنك هطلع الشنطة و أروح أشوف شهد.
رحلت وخلفها ثلاثة ازواج من الأعين، زوجين منهما متعجب و الثالث حانق علي ما تفعله، توجهت نظرات و الديه إليه و كانت والدته الأسبق و هي تقول:
فهمنا إيه اللي بيحصل ده.
صاح بنبرة غاضبة وصلت لها وهي في منتصف السلم:
اللي بيحصل ده اسمه لعب عيال و أنا لا عيل و لا بلعب فياريت تفهم ده كويس علشان أنا جبت اخري.
هل قال هذا حقًا، هو من فاض كيله منها؟!
يرى نفسه مظلومًا هذا الأشعس، حاولت نزع نفسها من فوق درجات السلم انتزاعًا و الصعود لأعلى لكنها لم تقدر، القت الحقيبة التي و إن ملكت القدرة علي الحديث لكانت صرخت تطلب الكف عن معاملتها بهذه القسوة.
هبطت مسرعة تلحق به قبل أن يخرج من الباب جذبته من ذراعه بعنف وهي تصيح بوجهه متناسية وجود والديه
•تابع الفصل التالي "رواية طائر النمنمة" اضغط على اسم الرواية