Ads by Google X

رواية حرر هواك فالحب بات معلنا الفصل الثاني 2 - بقلم تسنيم المرشدي

الصفحة الرئيسية

 رواية حرر هواك فالحب بات معلنا الفصل الثاني 2 - بقلم تسنيم المرشدي 

«حرِر هَوَاك فَالحُب بَات مُعلنا»
«الفصل الثاني»

***

بسم الله الرحمن الرحيم 
حوقلوا لعلها تكون المنجية..

" كان فيه واحد قال للوا أيمن إن ليكم عم عايش برا، صح؟"
كان سؤال يوسف للصغار وبالأخص الفتاة لأنه على عِلم بأنها أول من ستجيبه، أماءت له مؤكدة وأردفت: 
_ أيوة، كان أحمد بيخلينا نكلمه على النت في السايبر

أزهر أملاً داخل يوسف بعد كلماتها، حتماً العلاقة بينهما قوية لطلاما حرص أحمد على ودِه من آن لآخر، تنهد بارتياح شديد حين شعر أنه على حافة تسليم أمانته لصاحبها.

حمحم ووزع أنظاره بينهما قبل أن يردف متسائلاً بجدية:
_ فين مكان السايبر دا؟ 

اكتفت الفتاة برفع كتفيها مبدية عدم عِلمها بينما صوب يوسف نظريه على الفتى الذي تابع سيره فاستشف أنه ذاهب إلى هناك، أمسك بيد الفتاة وأسرع خطاه خلفه وبعد مرور دقائق معدودة وصلا إلى المكان المطلوب.

تأفف يوسف بضيق ولعن سذاجته بحدة:
_ أكيد مقفول، الساعة تلاتة الفجر كنت مستني إيه يعني؟! 

أوصد عينيه للحظات قبل أن يواصل أسئلته: 
_ طيب فين بيت صاحب السايبر؟ قريب من هنا؟

رفع "علي" رأسه للأعلى كما رفع ذراعه وأشار إلى المنزل المقابل لهم فتفهم يوسف أنه نفسه منزل مالك الصالة الإلكترونية، حاول التحلي ببعض الجرأة أو ربما الوقاحة، بالله كيف سيطرق أبواب العالم في تلك الساعة المتأخرة من الليل؟، لكنه مضطر لفعل ذلك وللضرورة أحكام.

أخذ نفساً عميق ثم أمرهم بنفاذ صبر: 
_ تعالوا معايا بس من غير دوشة لو سمحتم عشان منزعجش الناس  

وافقوه فسبقهم هو إلى الدور الكائن به الرجل، لا يعلم كيف سيتحلى بتلك الوقاحة لكنه ذكر نفسه بأنه مضطر ولولا ذلك لم يكن ليفعلها، ابتلع ريقه ثم كور يده وطرق الباب بخفة وأزاد من طرقه بقوة أكبر.

انتظر عدة دقائق حتى رأى إضاءة خافتة قد تسللت من زجاج الباب فعلم أن أحدهم قد استيقظ من غفوته، كتم أنفاسه إستعداداً لتلك المواجهة الصعبة، زفر أنفاسه حين ظهر شاباً في أواخر العشرينات من عمره بملامح جامدة إرتخت رويداً رويداً حين رأى الصغار.

عاد ببصره على يوسف وسأله مستفسراً:
_ نعم، أساعدكم إزاي؟ 

حمحم يوسف وعرف عن هويته أولاً قبل أن يطلب مراده: 
_ أنا يوسف زمي..

قاطعه الشاب بقوله:
_ عارف أنت مين، شوفتك النهاردة في الجنازة، أكيد أنت واحد من الظباط اللي كانوا حاضرين 

لم يعارضه يوسف وفضل تركه على اعتقاده فربما هذا يساعدهم في الوصول أسرع إلى مرادهم، بآسف معانق للخجل تحدث يوسف: 
_ أنا بعتذر جداً عشان جاي لحضرتك في وقت متأخر، بس هما قالولي إنهم بيتواصلوا مع عمهم من عندك، وأنا محتاج أوصله ضروري

تفهم الشاث الوضع لكنه شرح له صعوبة الوصول إليه: 
_ ولا يهمك مفيش مشكلة، بس الموضوع مش سهل زي ما أنت فاكر، أحمد الله يرحمه كان بيتواصل معاه على الفيس بوك وطبعاً أنت عارف إن الإيميل بيحتاج باسورد وبريد إلكتروني عشان يفتح وأنا معرفهمش، كنت أتمنى أساعدكم بس أنت شايف مش في أيدي حاجة 

نكس يوسف رأسه بحزن شديد ثم شكره ممتناً:
_ ولا يهمك، بعتذر منك مرة تانية على الإزعاج 

أولاه يوسف ظهره موجهاً حديثه للصغار:
_ يلا بينا عشان نلحق القطر قبل ما يمشي 

هبط ثلاثتهم درجتين من السُلم ثم توقفوا وعادوا بنظرهم إلى الشاب حين تذكر شيئا: 
_ استنوا، أوقات الأجهزة عندي بتحفظ البريد الإلكتروني والباسورد، يارب نلاقيهم، استأذن منك بس لحظة أغير هدومي وأرجع لك 

تقوس ثغر يوسف ببسمة لم تتعدى شفتاه فلم يريد خلق أملاً جديد داخله ويتخبر إن لم يصل إلى شيء، ارتدى الشاب ثيابه سريعاً ثم هبط معهم، ولج صالته وأشار لهم على إحدى الأجهزة هاتفاً:
_ دا الجهاز اللي أحمد كان بيستخدمه على طول 

قام بتشغيل الحاسوب ثم ردد حين دَوُن كلمة فيسبوك وردد قبل تجربة دخوله: 
_ بسم الله الرحمن الرحيم 

دَون بداية إسم أحمد فاتسعت حدقتيه حين رأى كلمة السر والبريد الإلكتروني مازالوا محتفظان على الحاسوب، هلل في سعادة بالغة: 
_ الكمبيوتر لسه محتفظ بالبريد الإلكتروني والباسورد 

أوصد يوسف عينيه في سعادة دقت طبول قلبه وحمد ربه داخله على وصوله لأول الطريق، قاموا بفتح صفحة المرحوم أحمد وبعد بحث طال لمدة نجحوا في التعرف على صفحة عمهم الإلكترونية، قام يوسف بتصويرها على هاتفه لكي يصل إليها بسهولة فور عودته إلى المنزل كما أنه أخذ رقم الشاب لربما يحتاج إليه لاحقاً.

شكره مراراً وتكراراً على نُبله ثم غادروا المكان ليتجهوا إلى المحطة مهرولين بخطاهم فلم يعد هناك سوى عشر دقائق على تحرك القطار وإن فاتهم سيضطرون إلى الإنتظار للصباح حتى يأتي ميعاد القطار الآخر.

قطع يوسف التذاكر فور وصولهم وركض ثلاثتهم إلى القطار الذي ارتفعت صافرته معلنا عن تحركه، قفز الفتى في أول باب رآه فتفاجئ بسرعة القطار التي تضاعفت، خفق قلبه رعباً أن لا يلحق به يوسف وشقيقته.

أسرع يوسف من ركضه لكي يصل إلى الباب بينما لم تنجح الفتاة في مسايرة خطواته السريعة، أضطر إلى حملها وتابع ركضه، مد "علي" يده ليُمسك بشقيقته فرفضت هي إعطائه يدها خشية أن تسقط أسفل عجلات القطار.

شعرت بالذعر من الموقف ولم يكن أمامها سوى التشبث في عنق يوسف ثم دعت العنان لعبراتها في السقوط متوجسة خيفة بألا يلحقوا بـعلي، تمزق قلب يوسف إرباً حين شعر بنبضاتها القوية التي وصلت إليه وعزم على فعلها من أجل أن يعيد لها أمانها مجدداً.

ركض وركض حتى بات أمام الباب مباشرةً، أمسك به وشد من قبضته عليه لكي لا يفلت يده وباليد الأخرى وضع الفتاة على حافة الباب فأسرع "علي" في التقاطها من بين يده جاذباً إياها للخلف حتى يسهل عليه الصعود دون عائق أمامه.

صمد يوسف وهو يصارع حياته بقرب عجلات القطار، فقط يريد الوصول من أجلهم، تفاجئ بالفتاة تشير إليه ونظريها في جانب معاكس له ثم ظهر شابان قاما بمساعدته في الصعود، استند يوسف برأسه على خلفية المقعد يلتقط أنفاسه التى هربت من رئتيه. 

أنتبه إلى سؤال أحد الشباب الواقفين أمامه: 
_ أنت كويس؟ 

رفع نظريه إليهم وأردف ممتناً: 
_ الحمد لله شكراً جداً ليكم 

هتف أحدهم ماحياً التكلف: 
_ على إيه دا واجبنا 

عادوا إلى أماكنهم بينما نظر يوسف إلى الفتاة التي لها الفضل في إنقاذ حياته، زم شفتيه ممتناً لها ثم فرد ذراعيه ووجه حديثه لهما:
_ تعالوا.. 

جاءوه راكضين واستكانوا بين أضلعه، شعور الأمان ليس إلا قد راود ثلاثتهم في تلك الأثناء حتى غفوا على نفس وضعهم دون مجهود فاليوم كان طويل ومتعب للغاية.

                             ***

"التذاكر لو سمحت، التذاكر يا أستاذ " 
هتف الكُمثري عالياً ليثير انتباه يوسف، فتح عينيه ببطئ فتفاجئ بمن أمامه، لوهلة لم يعلم أين هو، انتفض فجاءة من مكانه فتسبب في ذُعر الصغار.

وزع يوسف أنظاره عليهم وهو يعيد آخر شيء يتذكره، زفر أنفاسه على مهلٍ يهدئ من روعه فذعر مرة أخرى لصياح الكُمثري: 
_ يلا يا أستاذ ورايا ناس غيرك 

رمقه يوسف بإزدراء هاتفاً بحنق: 
_ أنت عايز إيه؟ 

بإقتضاب وملامح عابسة أجابه: 
_ التذاكر

حرك يوسف رأسه بتفهم ثم ناوله التذاكر التي كانت سبباً في ذُعر الجميع، تأكد من صحوة التوأمان وسألهم باهتمام:
_ جعانين؟ 

أماءا له فحثهما على تناول الطعام بنبرة مرحة:
_ وأنا كمان جعان أوي، وروني معاكم إيه؟ 

سحبت الفتاة حقيبتها الخاصة وقامت بفتحها، أخذت منها بعض الأطعمة وبدأت توزعها بينهما بالتساوي، شرع ثلاثتهم في الأكل حتى فرغت جميع الأطعمة لديهم، توقف القطار في آخر محطته وكانت تلك وجهة يوسف المقصودة.

نهض من جلسته وأعاد وضع حقيبة ظهره في الخلف وكذلك فعلوا التوأمان، اصطحبهم خارج المحطة ثم أوقف سيارة أجرة وأخبره عن وجهته المقصود الوصول إليها.

مرت خمسة عشر دقيقة حتى وصلا إلى الحي القاطن به، ترجل من السيارة ودفع الأجرة للسائق ثم ألقى نظرة سريعة على منطقته ومن ثم رفع رأسه يطالع منزلهم القديم وعلى الرغم من أنه يعتبر تراثاً إلا أنه بحال أفضل عن منازل حديثة الصنع.

هدوء دون غيره ينتشر في الأجواء، لم يستيقظ أحداً بعد فالوقت مازال باكراً للغاية، صعد الأدراج حتى توقف في الطابق الثاني فكان الأول يعود لجيرانهم، قرع الجرس ووقف في إنتظار فتحه من قِبل والدته التي تفاجئ بسرعة إجابتها عليه.

قطب جبينه بغرابة، ولاحظ عينيها المنتفخة فألقى بسؤاله بتوجس: 
_ مالك يا أمي، عنيكي مالها وارمه كدا ليه؟

ابتسمت له لكي تطمأنه على حالها موضحة سبب تورم عينيها:
_ متقلقش يا حبيبي، دا بس من قلة النوم، معرفتش أنام وأنت لسه مرجعتش 

وجهت بصرها على الصغار بغرابة من خلفه، فالتفت يوسف برأسه إليهم مشكلاً بسمة عذبة على محياه وقال: 
_ علي و... 

توقف من تلقاء نفسه حين لاحظ أنه يجهل إسم الفتاة فأسرعت هي هاتفة بإسمها: 
_ لينة

رفع يوسف حاجبيه مبدي إعجابه بلطافة الإسم:
_ لينة! أسمك جميل أوي 

بحياء رددت: 
_ شكراً 

أعاد النظر إلى والدته ومن ثم أردف:
_ علي ولينة ضيوفنا يا أمي، اللي قولتلك عنهم في الموبايل 

رحبت بهم والدته بحفاوة على الرغم من فضولها الذي إزداد أضعافاً لمعرفة هويتهم، دعتهم للدخول ثم أشار لهم يوسف للجلوس مستأذناً منهما بأخذ بعض المساحة له، ولج غرفة والدته التي انهالت عليه بالأسئلة القلقة:
_ مين دول يا يوسف وإيه الشنط اللي في أيديهم دي؟ وبيعملوا إيه في بيتي؟ 

تفاجئ يوسف بهذا الكم من الأسئلة، أستقلى على الفراش بتعب بائن وبدأ يقص عليها بدايةً من استشهاد رفيقه إلى لحظة وصولهم إلى المنزل وأنهى حديثه بقوله:
_ لسه بقى هكلم عمهم بس لما أنام شوية، يارب ميطلعش ندل هو كمان 

دخلت السيدة في حالة لا يرثى لها بعدما أخبرها عن الفجعة التى حدثت وقلبت حياة التوأم رأساً على عِقب، بالله لن يكون هناك أعظم من ذلك ابتلاء لهم، لا تعلم ماذا دهاها لكنها تشعر بحُطام بقايا قلبها الذي كُسر حزناً على ما أصاب الصِغار.

لم تستطيع منع عبراتها التي تحولت إلي بكاء مريرة متحسرة على حالهم:
_ يا حبايبي، كل الوجع دا كان من نصيبكم، فجاءة كدا لقوا نفسهم لوحدهم من غير أهل، ربنا يصبر قلوبهم يارب، دا أنا اللي مقربش ليهم لا من قريب ولا من بعيد قلبي واجعني لما حكيت لي اللي حصلهم، أومال هما بقى يعملوا إيه وهما شافوا موت أخوهم وأمهم في نفس الوقت؟ 

أستقام يوسف وطالعها بآسى شديد، فهو نادم على إخبارها بكل ذلك فهي شديدة التأثر بأقل الأشياء سوءًا، لكنها في النهاية كانت ستعلم، تنهد ثم طلب منها بلطف:
_ لو سمحتي يا أمي، شوفيهم لو كانوا محتاجين حاجة لأن أنا معتش قادر أقف على رجلي، بقالي ٣ أيام منمتش 

أخذت طلبه على الرحب والسعة، خرجت من الغرفة وتوجهت ناحيتهم مع رسمها لإبتسامة حزينة لما أصابهم، وقفت أمامهم وأردفت بحنو أمومي: 
_ يوسف قالي إنكم ضيوف، معلش أعذروه لقلة ذوقه، أنتوا مش ضيوف أنتوا صحاب البيت

تفاجئ يوسف بسب والدته له فور خروجه من غرفتها، عقد ما بين حاجبيه وهتف بإقتضاب زائف: 
_ سيبتك معاهم دقيقة بالظبط طلعت قليل الذوق، أومال هتعملي إيه لو كملتي عشر دقايق يا ميمي أكيد هتطرديني 

انفجرت الفتاة ضاحكة على داعبته، ابتهج يوسف لضحكتها التي كان المتسبب بها، فهو يشعر اتجاههم بالشفقة الشديدة ويريد فعل أي شيء لكي يسعدهم فقط، ها هي الفتاة قد نجح في رسم الضحكة على وجهها، ماذا عن حال الفتى الذي لم يتبدل كثيراً، مازال ملتزم بصمته ولابد أنه سيطول معه ذاك الوضع.

تابعت والدته بتعريف نفسها: 
_ أنا إسمي ميمي، وممكن تنادوني ميمي من غير أبلة 

ذُهل يوسف من كلماتها فلم تسمح لهما يوماً بمناداتها دون لقب، هدر متعجباً مما وقع على مسامعه: 
_ إيه؟ لا بقى دي تفرقة عنصرية وأنا مش هقبل بيها أبداً  

بمزاح شاكسته: 
_ مش مهم يا حبيبي تقبل.. 

توجهت الأنظار على لينة التي قهقهت عالياً، رفع يوسف إحدى حاجبيها مستاءً: 
_ عجبتك للدرجة دي؟ 

أماءت له مؤكدة فحرك رأسه في استنكار مصطنع، أخذ شهيقاً وأخرجه على مهل قبل أن يهتف:
_ تعالى معايا يا علي 

نهض الفتى وتوجه ناحيته، بتلقائية عابثة نهضت توأمه لكن يوسف عارض تقربها بلطف:
_ خليكي يا لينة أنتِ مع أمي، إحنا شباب زي بعضينا 

غمز إليها ليمحي أى حرج  قد سببه لها أمامهم فعادت هي إلى جلستها بهدوء بينما أحاط يوسف كتف علي بذراعه واصطحبه إلى غرفته، أعتلى يوسف طرف الفراش، وأشار على الملاءة بجواره مشيراً إليه بالجلوس.

تقدم علي نحوه وجلس إلى جواره، تنهد يوسف قبل أن يخبره بما يريد:
_ اعتبرني أخوك من اللحظة دي، بس أنا عايز أطلب منك طلب..  

التفت علي برأسه نحو يوسف الذي تابع مسترسلاً: 
_ لازم تخرج اللي أنت كاتمه جواك، خرج مشاعرك، سكوتك دا مش هيحل حاجة بالعكس هيخنقك أكتر، عيط يا علي عشان ترتاح 

مد يوسف ذراعه خلف علي وربت على ظهره بحنو وبهدوءٍ جذبه إلى حضنه وحثه على التفاعل معه لكي يكون في حال أفضل مما هو عليه:
_ عيط يا علي.. 

أحتاج الأمر إلى عشر دقائق لنجاحه لإخراج بكائه، ضمه يوسف بشدة شاعراً بشهقاته القوية التي هزت كيانه، لم يحاول تهدئته قبل أن يخرج آلامه بنفسه.

حالة سكون حلت تدريجياً إلى أن هدأ علي تماماً، تراجع يوسف للخلف ناظراً إليه وسأله مهتماً: 
_ حاسس إنك أحسن دلوقتي؟ 

أماء له الفتى فاعترض يوسف تصرفه هادراً:
_ متهزش راسك وتسكت، كلمني عايز أسمع صوتك 

بعد تردد طال لبرهة همس:
_ أنا كويس.. 

إلتوى ثغر يوسف بإبتسامة سعيدة ثم ربت على كتفه مردداً:
_ أنا تعبان جداً ومحتاج أنام، تحب تنام جانبي؟ 

لم يكن هناك مجالاً لاعتراض علي فجسده منهك للغاية، لكنه أراد الإطمئنان أولاً على شقيقته فنظر تلقائياً نحو الباب، استشف يوسف ما يرمي إليه بنظراته وأردف مطمئناً إياه:
_ متقلقش هي مع ولدتي يعني هي في أمان

لم يبدي الولد ردة فعل فاستلقى يوسف على الفراش ومن ثم حث "علي "على النوم بجانبه، توجه نحوه وفي ثوانٍ قليلة قد بات كليهما في ثُبات عميق.

                                ***

في الغرفة المجاورة، تجلس السيدة ميمي على طرف الفراش بينما تجلس الصغيرة أرضاً بين قدميها موصدة العينين مستمتعة بتلك القشعريرة الناتجة عن تمشيط السيدة لخصلاتها الكستنائية المموجة

انتهت السيدة من صنع جدائل خصلاتها، ثم هتفت متسائلة في حماس:
_ قوليلي بقا إيه رأيك؟

ركضت لينا ناحية المرآة لتنظر إلى جديلتها حديثة الصُنع، اتسع ثغرها بإبتسامة رقيقة وهللت بسعادة طفولية:
_ جميلة أوي، شبه الضفيرة اللي كانت ماما بتعملهالي 

أشفقت السيدة ميمي على حالها ثم فردت ذراعيها لها مشجعة إياها على أخذ عناق دافئ: 
_ تعالي يا لينة

تقدمت الفتاة بخطوات راكضة نحوها إلى أن استكانت بين أضلعها، أوصدت عينيها وأطلقت العنان لعبراتها في السقوط هاتفة بحزن:
_ليه ماما مشيت وسابتنا؟ هي مش عارفة إن معتش لينا غيرها  

لم تستطيع السيدة ميمي التماسك أمام جملتها وجهشت باكية بألم شديد قد شعرت به من خلف كلماتها البريئة، حاولت استعادة رونقها لكي لا تزيد من عبئ الفتاة وهتفت محاولة التخفيف من عليها: 
_ كلنا هنروح لربنا يا لينة، بس الفرق الوحيد إن فيه ناس مشيت قبلنا، وإن شاءالله نقابلهم في الجنة، تعرفي إن الجنة ربنا وصفها لينا إنها جميلة أوي، ادعي ربنا إنه يرزقنا دخولها يا حبيبتي 

رفعت الفتاة رأسها لتقابل عيناي السيدة ميمي وهتفت داعية: 
_ يارب ندخل الجنة عشان أشوف ماما وأحمد 

زمت ميمي شفتيها بحزن مصحوب بالتأثر الشديد، لم يكن في مقدرتها سوى مأزرتها بإعادتها إلى صدرها وهتفت بنبرة حنونة:
_ إن شاءالله يا حبيبتي، بلا نامي شوية أكيد أنتِ تعبانة 

لم تعارضها الفتاة بل حبوت على الفراش حتى وصلت إلى الوسادة واستندت عليها برأسها ثم أوصدت عينيها لكنها سرعان ما انتفضت من مكانها فتسائلت ميمي عن سبب ذعرها:
_ في إيه يا لينة بتجري كدا ليه؟

أخبرتها الفتاة وهي تبحث في حقيبتها عن شيء ما: 
_ عروستي..

لم تفهم عليها السيدة ميمي إلا بعد أن رأت دميتها ذات الشعر الذهبي التي كانت تمسك بها، عادت إليها لينة وقامت باحتضان دميتها ثم جذبت يد ميمي ووضعت على رأسها وهمست لها:
_ اقرأيلي قرآن عشان أنام بسرعة زي ما ماما كانت بتقرأ لي 

تشكلت إبتسامة عفوية على شفتي ميمي ورحبت بفكرتها للغاية، بدأت تتلوا بعضً من الآيات الكريمة التي تحفظها إلى أن شعرت بسكون وتيرة أنفاس الصغيرة فتأكدت أنها قد غفت، قامت بدسر الغطاء أعلاها ثم أخفضت من إضاءة الغرفة وانسحبت إلى الخارج بهدوء.

سارت نحو غرفةٍ ما وولجت إليها حتى وقفت أمام الفراش الكائن في آخرها، مالت بجسدها على ذاك النائم وقامت بهزه برفق إلى أن تمتم بنعاس:
_ سبيني أنام شوية كمان، لسه بدري 

رفضت تركه معللة أسبابها:
_ قوم يا زياد، كفاية نوم، هتتأخر على المدرسة 

لم يكترث لها فتوجهت بخطاها نحو النافذة وقامت بإزاحة الستائر من عليها أولاً ثم قامت بفتحها فتسلل الضوء عمودياً على عيناي زياد الذي تأفف بحنق:
_ بكره المدرسة، مش عايز أروح النهاردة، سبيني أكمل نوم 

هتفت بصرامة لكنها حافظت على مستوى صوتها لكي لا تزعج من في المنزل:
_ لأ قولت لأ، قوم كفاية عليك كل النوم اللي نمته، أنا بجد زهقت مش معقول كل يوم كدا، أنا خارجة أحضر لك الفطار على لما تلبس هدومك بسرعة 

أغلقت الباب فور انتهاء جملتها وتوجهت إلى المطبخ لكي تحضر له فطور، نهض الآخر متذمراً فلا يريد الذهاب بتاتاً، النوم أفضل بكثير من ذاك التعليم التي لا فائدة منه بالنسبة إليه.

بدل ثيابه إلى الزي المدرسي ذات القميص الأزرق والبنطال الجينز وكذلك قام بارتداء جوربه الأبيض ثم انحسب من غرفته إلى الخارج فكانت والدته في إنتظاره أمام باب المطبخ حاملة بإحدى يدها شطيرة شهية وباليد الأخرى كوب من الحليب.
  
تأفف الولد بتزمجر، أوصد عينيه لبرهة ثم أعاد النظر إليها معاتباً بسخرية: 
_ إيه دا يا ماما؟! شيفاني عيل صغير قدامك عشان تعمليلي سندوتشات وكوباية لبن؟، يا ماما أنا كبرت بقيت في إعدادي لو كنتي ناسية يعني 

بلا مبالاة ونظرات يتوهج فيهما الإصرار:
_ مش هتروح في أي مكان قبل ما تاكل سندوتشاتك..

رفعت كوب الحليب وتابعت وعينيها يشع منهما التحدي:
_ وطبعاً كوباية اللبن، ولو طولت في الكلام هقوم أسلق لك بيضة زي ما كنت بعملك وأنت صغير 

أسرع زياد في الركض نحوها ثم لَقِفَ منها كوب الحليب وقام بإحتساءه دفعه واحدة، أنزل يده ومسح على فمه بإهبامه ثم تمتم عالياً وهو يتناول منها الشطيرة: 
_ هاكلها في المدرسة 

حذرته بحزم:
_ لو مأكلتهاش العصفورة هتقولي 

التفت زياد برأسه معلقاً بسخرية:
_ آه، ونسيتي تقوليلي إنها هتجري ورايا يوم القيامة

أكدت والدته بعفوية:
_ دا أكيد 

انفجر زياد ضاحكاً ثم انسحب سريعاً بعدما التقط حقيبة ظهره وغادر قبل أن ينال نصيباً من الترهات الصباحية التي لا تنتهي، عادت السيدة ميمي إلى المطبخ وقامت بإخراج دجاجة سمينة من الثلاجة لكي تقوم بطهيها حتى تُشبع بطون الصغار.

                                ***

بعد مرور بضعة ساعات، استيقظ يوسف من غفوته ولازال يشعر بالنعاس مسيطراً عليه لعدم كفايته من النوم، تثائب بصوت عالٍ قطعه فور انتباهه لنوم علي بجانبه، نهض بحذر ثم خرج من غرفته باحثاً عن هاتفه الخلوي.

فرك عينيه فمازال النوم ينتابه، لم يصل إلى هاتفه بالسرعة التي ظنها فنادى بصوته الأجش على والدته: 
_ مشوفتيش موبايلي يا أمي؟ 

أخرجت رأسها من باب المطبخ وأجابته بنبرة بعيدة:
_ أنت سيبته في أوضتي يا حبيبي 

حرك رأسه متذكراً مكانه، توجه نحو الغرفة واقتحمها دون تردد فلا يتذكر أن هناك من ينام في الغرفة، توجه نحو الفتاة وأعاد دسر الغطاء أعلاها ثم وقف يطالعها بشفقة وآسى شديدين، فالفتى سَيُصلب جزعه يوماً ويكون رجلاً قادراً على تحمل مسؤولياته بنفسه، لكن ماذا عنها؟ فتاة يتيمة وحيدة بمفردها في الحياة، حتماً سيكون الله لطيفاً بها فإنها مؤنثة غالية.

زم يوسف شفتيه للجانب بتهكم فلا يملك فعل أي شيء يستطيع تعويضهما بها عن فراق أعزتهم، فأي عوضاً سيسد تلك الفجوة التي حدثت فجاءة وقلبت حياتهم الهادئة التي يملئها لعب الصغار ورائحة طعام الذي يُطهى بحب وفرحة لقاء الأخ أياماً من بين شهور عدة.

أخرج تنهيدة مهمومة ثم عاد للبحث عما جاء لأجله، أخذ هاتفه وبهدوءً أغلق باب الغرفة، استلقى على أقرب أريكة قابلته وهتف بالبسملة قبل أن يحاول التواصل مع عم الصغار.

أرسل له رسالة كان محتواها كالآتي:
( السلام عليكم، أنا يوسف الراوي زميل أحمد ابن أخوك، ياريت تتواصل معايا في أقرب فرصه عندك لضرورة الأمر )

أغلق هاتفه ووضعه جانباً ثم رفع نظريه للأعلى متمنياً بأن يجيبه في أقرب فرصة حتى يسترد  أمانة شقيقة، أنتبه على صوت والدته المتسائلة:
_ إيه كل الأكل دا يا يوسف؟ 

نهض عن مقعده وبخطوات راكضة توجه إلى المطبخ، ضرب جبينه براحة يده مستاءً من تناسيه الأمر: 
_ أوف، نسيت خالص 

رفع بصره على والدته بتزمجر مواصلاً بملامح غاضبة:
_ والدة أحمد الله يرحمها كانت طبخاه وأنا أخدته عشان نوزعه على المحتاحين في المحطة بس نسيت

رمقته ميمي شاعرة بكم الإحباط الذي سيطر عليه، تنهدت قبل أن تحاول التخفيف من على عاتقه:
_ متلومش نفسك يا حبيبي أنت ملكش ذنب، ومتزعلش كدا، إن شاءالله أعملك أحلى أكل وتوزعه زي ما كنت ناوي 

شكل بسمة ممتنة على محياه وبحرج سألها: 
_ منين بس يا أمي، معاش أبويا بيكفينا بالعافية، هتجيبي الفلوس منين عشان الأكل؟ 

اقتربت منه وملست على كتفه بحنو أمومي وردت عليه بنبرة راضية:
_ الفلوس بتكفي وبيفيض كمان، متحملش هم أنت بس لحاجة وإن شاءالله ربك يدبرها

نكس رأسه بخجل وبعزيمة هتف:
_ أنا لازم ألاقي شغل بسرعة حتى لو كان عامل نضافة 

ضربت ميمي على صدرها فسببت الذُعر في قلب يوسف الذي هلل متسائلاً:
_ في إيه يا أمي؟ 

بعبوس أجابته بحنق:
_ عامل نضافة ايه يابني اللي بتتكلم عنه، أنت مكانك في شركة مش أي شغلانة كدا وخلاص، أنت دارس إدارة أعمال عشان تشتغل في الآخر أي حاجة؟! 

تشدق يوسف قبل أن يردف مقللاً من شأنه:
_ بالله عليكي يا أمي شهادتي هتنفعني بإيه؟ أنتِ مش شايفة اللي حواليكي، محدش بيشتغل بشهادته الأيام دي 

تشكل التقزز على تقاسيم ميمي بسبب استسلامه وهدرت به شزراً: 
_ دي حجة الكُسالة اللي زيك، اللي محاولوش أصلا ولا بيحاولوا مرة واتنين وتلاتة لغاية ما يوصلوا للي هما عايزنه في الآخر، أنت يا حبيبي مميز، بسم الله ما شاءالله عليك ذكي وعندك كاريزما مختلفة، أنت نسيت إنك كنت من الأوائل على دفعتك طول سنين الكلية؟

زفر يوسف أنفاسه على مهل ناهياً الحوار بقوله:
_ ربنا يسهل يا أمي 

جذب انتباههم رنين هاتف السيدة ميمي التي أمرت ولدها قائلة: 
_ لو سمحت يا يوسف ناولني الموبايل  

أولاها ظهره ثم هرول بقدميه خلف مصدر الرنين إلى أن جاء به فسألته بفضول:
_ مين اللي بيتصل؟ 

أجابها وهو يقلب عينيه:
_ هتكون مين يعني، الست إيمان! 

غمزت إليه معدلة على تلقيبه بمكر: 
_ إسمها مراتي المستقبلية 

رفع يوسف شفتيه العُليا مستاءً مما تفوهته وصاح بإزدراء: 
_ خدي يا ميمي موبايلك كدا، أنا غلطان أصلا إني وقفت أتكلم معاكي 

مسحت ميمي يديها المتسخة في المنشفة التي تركتها على الطاولة الرخامية وأجابت على المتصلة بترحيب حار:
_ مونة حبيبتي، وحشتيني أوي يا قلب عمتك، أخباركم إيه 

طالعت يوسف المستند على الباب بإبتسامة تشكلت فجاءة ومن ثم عادت لترد على الطرف الآخر:
_ أيوة يا حبيبتي وصل بالسلامة  

صمت حل لبرهة تلاه ترحيب حافل:
_ البيت هينور بوجودكم، بلغي رمضان وهادية وأسامة سلامي على لما أشوفكم

أنهت الإتصال لتخبره بما دار بينهن فتفاجئت به يلحقها بكلماته:
_ خالك هيجي هو والأولاد يطمنوا عليك 

أماءت له عدة مرات مؤكدة حديثه فرفع كتفيه بفتور وهو يتمتم بنذق:
_ إيه المتوقع بالله عليكي بعد المكالمة دي؟، حاسس إنهم في مرة هيجوا يتقدمولي رسمي 

انفجرت والدته ضاحكة وتمتمت من بين ضحكها المستمر:
_ والله وأنا كمان حاسة كدا، مش بعيد عليهم

بالكاد سيطرت على نوبة ضحكها واسترسلت متابعة حين لم ترى في الأمر عائقاً:
_ وإيه المشكلة في كدا بس يا يوسف؟، كلنا متأكدين إنها بتحبك، فيها إيه لو اتقدمنا لها وعملنا خطوبة دلوقتي والجواز بعد ما تخلص دراستها، هي لسه قدامها سنتين تكون أنت قدرت تخلص حاجتك وكونت نفسك، والبنت مننا يعني مش هتطلب كتير 

طالعها بأعين متسعة لا يصدق أنها رتبت الأمور بتلك السهولة، وبذهول شديد هدر:
_ أيوة أيوة مننا وزيتنا في دقيقنا عارف أنا الأسطوانة دي، يا أمي أنتوا مش قادرين تشوفوا وجهة نظري، بنت أخوكي دي عمري ما شوفتها غير أختي، ولو كنتم مش مهتمين لكدا فدي مشكلتكم مش مشكلتي، وبعدين أنا لسه قدامي كتير أوي أعمله قبل ما أخد خطوة الجواز، أول حاجة محتاج شغل يناسبني، وبعد كدا أكون نفسي على مهلي وقبل ما أعمل الحاجتين دول مش هخضع للجواز من بنت أخوكي أو غيرها، ثم إن فيه حاجة أهم من كل دا أصلاً

أجبرت ميمي حواسها على الإنتباه جيد فتابع هو: 
_ هعمل إيه لو مقدرتش أوصل لعم العيال اللي برا دي؟

لم تستطيع الرد عليه في اللحظة ذاتها بينما حرك رأسه مستنكراً تلك الظروف التي دقت بابه دون سابق إنذار فهتفت هي بقلة حيلة:
_ والله يا يوسف مش عارفة أقولك إيه، بس اللي أنا متأكدة منه إن لو إيمان مكنتش من نصيبك فدا خير ليكم أنتوا الاتنين، ومتحملش هم العيال إحنا نتكفل بيهم لو مقدرتش توصل لعمهم، إن شاء الله خير، رب الخير لا يأتي إلا بالخير 

"يارب"
دعى يوسف ربه بينما أردفت هي بحنو:
_ أنا خلصت الأكل تحب أجيب لك تتغدى؟ 

بحماس حرك يوسف يده على بطنه بحركات دائرية شاعراً بالجوع: 
_ ياريت، أنا واقع من الجوع 

أشارت إليه بإصبعها قبل أن تخبره:
_ دقيقة بالظبط ويكون الأكل جاهز على السفرة 

انسحب هو إلى الخارج وتفقد هاتفه على أملاٍ أن يكون هناك إجابة من الرجل، لكن تفقده بات دون فائدة، لم يستهين بالأمر وظل ممسكاً بهاتفه حتى لا يفوت وصول الرسالة إن جائته من الأساس.

                               ***

انتهى يوسف من أداء صلاة العصر ثم تفاجئ باليد التى حاوطت عنقه، التفت ليرى هوية الفاعل فأبتسم عفويا ظاهراً غمزة وجنته اليُسرى مرحباً به: 
_ حمدالله على سلامتك يا زيزو 

بمشاكسة أجابه أخيه:
_ الله يسلمك يا دُفعة 

قهقه يوسف ودعى له باللحاق به عاجلاً: 
_ بكرة تدور الأيام والأدوار تتبدل ووقتها مش هرحمك تريقة، أصبر وأنت تشوف 

شكل زياد بسمة سمجة على محياه وأخبره عما ينوي فعله: 
_ أنا أصلا مش هروح الجيش 

لكزه يوسف في صدره بقوة هاتفاً بحنق:
_ هه، على أساس إنه بمزاجك 

غمز إليه زياد بتحدٍ وإصرار متوهجان في عيناه:
_ هتشوف وقتها 

فر زياد هارباً من أمامه فلحق به يوسف وأرغمه على التوقف مستفسراً عن نواياه الخفية:
_ يعني إيه الهبل اللي أنت بتقوله دا، الجيش بيعملك راجل يالا، وبعدين تعالالي هنا أنت مش عايز تبقى راجل وتفضل طول عمرك عيل مراهق ولا إيه؟  

تملص زياد من بين يدي يوسف وهو يصيح عالياً بازدراء بائن: 
_ خلاص بقى يا يوسف 

صُوبت حدقتاه على نقطة ما خلف يوسف وردد متسائلاً:
_ مين دي؟ 

توجهت الأنظار على النقطة ذاتها الذي يسير إليها زياد بحدقتيه، ابتسم لها يوسف وحثها على المجيء: 
_ تعالي يا لينة لما أعرفك على أخويا 

لكزه زياد في كتفه بخفة هامساً بفضول: 
_ بقولك مين دي؟ 

بدأ يوسف في تعريف هويتهم لبعضهما البعض وهو يشير عليهم بالتناوب: 
_ لينة، زياد 

مد زياد يده إليها ليصافحها فتراجعت للخلف ثم اقتربت من يوسف واختبئت خلف ساقيه فهي لا تعتاد التعامل مع الجنس الآخر من خلف تحذيرات والدتها المستمرة، قطب زياد جبينه بتهكم لفعلتها كما أنه لوى شفتيه للجانب معلقاً بالسخرية:
_ مالك كشيتي كدا؟ مش هاكلك يعني 

نهره يوسف بحزم: 
_ بطل قلة أدب يا زياد وروح على أوضتك وأنا جاي وراك حالاً، عايز أتكلم معاك 

تجهمت تعابير الآخر وبعناد ساحق ردد:
_ أنا نازل ألعب تحت 

أمسكه يوسف من ذراعه وشد عليه بقوة لم يتحملها زياد فآنة بألم:
_ سبيني أنت بتعمل إيه؟ 

أعاد يوسف تكرار أمره بإصرار وشدة:
_ أعمل اللي قولتلك عليه 

تأفف زياد بنزق من تلك اللهجة الآمرة أمام فتاة في عمره، توجه إلى غرفته مطلقاً زمجرة واضحة لم يبالي لها يوسف فتلك هي مرحلة المراهقة وعليه أن يتعامل معه بحرص وحذر. 

استدار بجسده نحو الصغيرة وأردف بنبرة هادئة عكس الذي يتحدث بها لتوه:
_ جعانة؟ 

ترددت كثيراً قبل أن تومئ برأسها مؤكدة سؤاله فنادى يوسف بنبرته الرخيمة على والدته وطلب أن تحضر للفتاة طعام حتى تُشبع معدتها بينما هو تقدم إلى غرفة شقيقه متوعداً لعدم احترامه أمام الفتاة حتى وإن كانت صغيرة العمر فعليه احترامه أمام نفسه أولاً قبل أن يحترمه أمام الجميع.

أغلق الباب بعدما ولج إليه وبأعين يتوهج فيهما الوعيد هتف بحنق:
_ لو الموضوع دا اتكرر تاني ومسمعتش كلامي متبقاش تزعل من اللي هيحصل، لازم تحترمني قدام أي حد 

لم يجيبه زياد بل ظل منكس الرأس وهو يعتلي الفراش عاقد ذراعيه معلناً تمرده، فصاح الآخر بغضب:
_ بكلمك رد عليا 

"أسف، هعمل اللي أنت عايزه" 
هتف بها زياد بعدم رضاء بينما توجه يوسف إليه وجلس أمامه ثم قص عليه مقتطفات مما حدث له في اليومين الماضيين معللاً وجود الصغار في منزلهم وأنهى جملته بتحذيره:
_ وطول ما هما موجودين هنا تعاملهم بذوق وأسلوب كويس، مش عايز مشاكل مفهوم؟ 

أماء له بقبول هاتفاً بتأثر لسماعه قصتهم:
_ مفهوم 

أنتبه كليهما إلى قرع الجرس فتمتم يوسف مستاءً: 
_ غزو التتار وصلوا 

انفجرا كليهما ضاحكين ثم انسحب واحد تلو الآخر خارج الغرفة ليكونوا في استقبال خالهم وعائلته.

" أهلاً بيك يا رمضان ياخويا نورت، البيت نور بيكم والله يا هادية، نورتوا يا ولاد" 
هتفت ميمي مرحبة بهم بحفاوة بينما علق يوسف ممازحاً:
_ إيه كل الأنوار دي، البيت هيفرقع من كتر النور يا أمي 

اتسعت حدقتي ميمي عليه معاتبة إياه بنظراتها بينما لم يكترث هو لها فأجابه خاله بمرح:
_ لولا إن هزارك واحشني كنت رديت عليك، حمدالله على سلامتك يا يوسف 

بإمتنان رد عليه:
_ الله يسلمك يا خالي 

دعتهم ميمي إلى الجلوس في الصالون بينما رحبت به هادية بمبالغة لم يهضمها يوسف:
_ البيت نور مرة تانية برجوعك يا يوسف، عقبال ما تفاجئنا بخطوبتك قريب 

أراد يوسف قطع أي ذرة تفكير لديها في خطب إبنتها المصون بقوله:  
_ يبقى هتستنوا كتير، أنا مش بفكر في الجواز دلوقتي، في حاجات أهم تستحق أعطيها اهتمامي أكتر من الجواز في الوقت دا 

علقت هادية مازحة:
_ فهمت وجهت نظرك يا يوسف، أنت مش عايز تستعجل وتقع في مصيبة

حاول يوسف التحلي بالقليل من الصبر لكي يواصل ذاك الحوار الغير مرحب به: 
_ أكيد هتكون مصيبة لو اتجوزت واحدة مش بحبها 

تعمد النظر إلى إبنة خاله موحياً إليها رسالة بكلماته وتابع مالم ينهيه:
_ أنا يوم ما أنوي أتجوز عمري ما هتجوز غير اللي قلبي يدق لها وعقلي يختارها عشان تكون شريكة عمري وأحلامي، ودي أكيد مش هتكون مصيبة زي ما بتقولي يا مرات خالي، ولغاية ما تظهر هي هعمل كل اللي في ايدي عشان يليق بمرات يوسف الراوي! 

حديثه ألجم ألسنة هادية وإبنتها المبجلة، لم يعرفا مجالاً للرد عليه بعد أن أظهر إليهن أنها بعيدة كل البعد عن مخيلته، طالعته والدته بنظرات مشتعلة معاتبة لكلماته التي لم ترأف بالفتاة، وكعادته لم يكترث كثيراً فالأمر لا يعنيه.

بعد قليل جاءت لينا راكضة إلى السيدة ميمي وهتفت في حماس:
_ أنا خلصت الأكل.. 

توقفت عن الحديث حين رأت أناس تجهل هويتهم، شعرت بالحرج الشديد فاحمرت وجنتيها خجلاً استشفه الجالسين، أرادت ميمي محي الخجل عنها حيث قالت مشجعة:
_ بالهنا والشفا يا حبيبتي، تعالي معايا اغسلي ايدك 

وجهت بصرها علي أخيها ومن معه وقالت معتذرة:
_ بعد إذنكم ثانية 

خرجت مع الفتاة بينما تسألت إيمان بفضول أنثوي:
_ مين البنت دي يا يوسف؟

_ "دي أخت واحد صاحبي*
تابعت إيمان بقية أسئلتها التي تدور في عقلها وتريد إجابات واضحة لهما: 
_ وبتعمل إيه هنا؟ 

كز يوسف أسنانه بضيق لتدخلها فيما لا يعنيها، طالت مدة انتظار إجابته فتولى زياد مهمة الرد حيث أردف بعفوية:
_ يوسف جابها هي وأخوها لما عيلتهم ماتوا 

شعر رمضان بالشفقة لحالهم وسأله مستفسراً:
_ وأنت هتعمل معاهم إيه يا يوسف؟

أخبره يوسف ما ينتظره بفروغ صبر:
_ ليهم عم مسافر انجلترا هتواصل معاه وهبعتهم عنده 

أومأ رمضان بفهم وردد بنبرة سوية:
_ ربنا يجازيك خير على اللي بتعمله يابني

حضرت الفتاة برفقة ميمي فتوجهت تلقائياً إلى يوسف الذي تنحى جانباً تاركاً لها مساحة كافية لتشاركه الأريكة، لم ترفع إيمان بصرها من عليهما فتلك الفتاة لم تروق لها مطلقاً.

رفعت لينة رأسها ناظرة إلى يوسف وألقت سؤالها باهتمام:
_ فين علي يا يوسف؟ 

أجابها بلُطف:
_ لسه نايم 

أماءت له والتزمت الصمت بينما تدخلت إيمان بعدما أصدرت شهقة قوية انتبه لها الجميع:
_ يوسف! إزاي تناديه كدا من غير أبيه، دا أكبر منك ولازم تحترميه ولا أنتِ متعلمتيش كدا في بيتكم؟! 

تفاجئ يوسف بثورة إيمان التي لا داعي لها على الصغيرة ولم يستطيع منع نفسه دون أن يرد عليها يفحمها:
_ لينة تناديني زي ما تحب وبعدين أنا مش كبير لدرجة أبيه يعني 

اتسعت مقلتي إيمان بصدمة حين عارضها يوسف فلم تحسب لذلك، حمحمت بحرج شديد وحاولت تغير الحوار:
_ لو سمحتي يا لينة ممكن تجبيلي مية 

أسرعت ميمي في النهوض فلحقتها لينة بقولها:
_ أنا عارفة طريق المية، هجيبها أنا 

قابلتها ميمي بإبتسامة عفوية ورددت بخوف:
_ طيب يا حبيبتي بس خدي بالك وأنتِ راجعة بيها

أسرعت لينة إلى الخارج وعادت بعد ثوانٍ قليلة حاملة لزجاجة المياه بـيُمناها وبالأخرى كوباً زجاجياً، توجهت مباشرةً ناحية إيمان وأردفت: 
_ اتفضلي يا أبيه 

شهقت إيمان بصدمة ورددت بحنق مصحوب بالإستياء الشديد:
_ نعم! إيه أبيه دي؟ 

شاكستها لينة قائلة:
_ أنتِ مش قولتيلي أنادي اللي أكبر مني أبيه

انفجرا يوسف وزياد مقهقهين عالياً كذلك لم تستطيع ميمي منع ضحكاتها على ما اقترفته الصغيرة، تجهمت تعابير إيمان وازدادت حنقاً من خلف ضحكات الجميع الذي يتناولنها سوياً.

انتفضت من مكانها ورفعت ذراعها للأعلى قاصدة صفعها لقلة احترامها فتلقت هي الصفعة الأقوى حين أمسك يوسف بيدها قبل أن تمس لينة، رمقها بنظرات احتقارية متوعدة فهتفت ميمي قبل أن يقع مكروهاً: 
_ يوسف..

دفع يوسف بيدها بعيداً ثم جذب الفتاة من يدها وأولى الجميع ظهره وغادر دون استئذان، حمحمت ميمي وحاولت تلطيف الأجواء بخذى من تصرف ولدها الأرعن:
_ أعذروا يوسف معلش، هو لسه متأثر بموت زميله، دا اتقتل قدام عنيه وحضر موت أمهم لما يا حبة عيني عرفت إن ابنها مات، ومفضلش غير لينة وتوأمها اللي بقوا يتامى بين يوم وليلة..

لم يريد رمضان إلقاء اللوم عليه بمفرده حيث قال: 
_ إيمان اللي بدأت بالغلط والمفروض مكنتش تعمل كدا، في الآخر دي طفلة ومينفعش بنتي الكبيرة العاقلة تمد إيدها عليها 

تعمد رمضان النظر في عيني ابنته وهو يلقي اللوم معاتباً إياها، لاحظت هادية الأجواء المشحونة بينهما فحاولت تهوين الأمر:
_ خيراً إن شاء الله، هما كلهم في الآخر عيال في بعض 

بوجه عابس ونبرة صارمة أمر أبنته:
_ لازم تعتذري ليوسف، إحنا مش جاين عشان نزعله 

لم يكن هناك مجالاً للرفض فهذا أمر واجب تنفيذه وإلا حتماً ستُعاقب بحرمانها من إحدى هواياتها، لم تطيل إيمان الوقوف مكانها وانسحبت من بينهم إلى الخارج بخطى مهرولة غير مستقيمة، لم تبحث عنه طويلاً فكان جالساً برفقة الفتاة في الخارج.

حمحمت لتجذب انتباهه فامتعض يوسف حين لمح طيفها يقترب منه، وقفت أمامه وبنبرة جامدة اعتذرت:
_ أنا آسفة، مكنتش أقصد

رفع يوسف بصره عليها وبجمودٍ في ملامحه أمرها:
_ متعتذريش ليا، المفروض تعتذري لـ لينة

صاحت إيمان مهللة بعدم استعياب لطلبه:
_ نعم؟ أعتذر لمين؟

لم يجيبها يوسف بل فضل رمقها بتحدٍ وإصرار إلى أن تجرأت إيمان هاتفة على مضضٍ: 
_ أنا آسفة.. 

أولاتهما ظهرها فور اعتذارها وعادت إلى عائلتها بغضب مرسوم على تقاسيمها هاتفة بنبرة آمرة:
_ يلا نمشي.. 

نظر إليها والدها بعتاب لنبرتها الغير ملائمة فأخفضت من حِدة صوتها معللة أسباب ذهابها:
_ عندي جامعة بكرة بدري ولازم أنام بدري 

لم يحب رمضان أن يطيل الزيارة بعد المشادة التي حدثت وفضل المغادرة، نهض أمراً زوجته أيضاً بالرحيل فصاحت ميمي بخجل واضح:
_ مرواح إيه بس، أنتوا لسه جاين حتى لسه مضايفتكوش 
"إحنا صحاب البيت يا ميمي يختي مش ضيوف، كنا جاين نشوف يوسف والحمدلله اطمنا عليه، بالإذن إحنا 

لم تعترض ميمي فإن كان هذا يريحهم فليكن، ودعتهم بحرج إلى الباب بينما انسحب يوسف إلى غرفته حين رأى الرد المنتظر قد وصل للتو.

تحدث مع الرجل في الهاتف وأخبره بالأحداث التي حدثت في الآونة الأخيرة ثم هدر مطالباً: 
_ حضرتك هتبعت تاخدهم عندك امتى، عايز أسلم الأمانة اللي صاحبي وصاني عليها

أجابه الطرف الآخر قائلاً: 
_ بس فيه شرط.. 

***

تفتكروا إيه هو الشرط؟ 
مستنية رأيكم وتحاليلكم وريفيوهاتكم ♥️

 •تابع الفصل التالي "رواية حرر هواك فالحب بات معلنا" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent