Ads by Google X

رواية جعفر البلطجي الجزء (3) الفصل التاسع و الاربعون 49 - بقلم بيسو وليد

الصفحة الرئيسية

          


 رواية جعفر البلطجي الجزء (3) الفصل التاسع و الاربعون 49 - بقلم بيسو وليد

إِنّي وَضَعتُ الحُبَ مَوضِعَهُ،
وَاِحتَلتُ حيلَةَ صاحِبِ الدُنيا،

وَإِذا سُئِلتُ عَنِ الَّتي شَغَفَت،
قَلبي وَكَلتُهُمُ إِلى أُخرى،
ما زِلتُ أُكذِبُهُم وَأَكتُمُهُم،
حَتّى شُهِرتُ بِغَيرِ مَن أَهوى.
_العباس بن الأحنف.
_______________________
الغد’ر ثمة البشر والخيا’نة عر’قٌ لا ينقـ ـطع مهما حدث..
هذا كان أختصا’ر حياة الكثير والكثير مِن العائلات، في كل عائلة ترى بها الخبـ ـيث والمنا’فق، الشـ ـرير والكا’ذب، الحـ ـقير والمتخاذ’ل، هذا كان قا’نون الحياة على مر السنوات؛ صرا’عٌ طا’حن نَشَـ ـبَ بين الخـ ـير والشـ ـر وكلاهما يسـ ـعىٰ للنصـ ـر، لا يَهُم إن فـ ـقد أحدهم حياته، أو تعر’ض للخيا’نة، أو لأي مِن أنواع الأذ’ىٰ الجسـ ـدي أو النفـ ـسي فالأهـ ـم المسعى لتحـ ـقيق المُراد حتى وإن كان على حسا’ب حيا’ة الآخرين..
<“دقت ساعة الصفـ ـر وقـ ـرر المرءُ،
فالسكوت عن الحـ ـق كان شيطا’ن أخـ ـرس.”>
رآه “يـوسف” يقف على أعتا’ب محله والصد’مة باديةٌ على تقا’سيم وجهه وهو يرمق “رمـزي” بعينين مجحـ ـظتين ليشعر بأنه هو المتسـ ـبب في هذا الفعل فلا غيره يسـ ـعى للقـ ـضاء عليهم جميعًا فبرغم أن “رمـزي” لَم يؤ’ذيه كذلك هو لَم يَسـ ـلم مِن شـ ـره ونفسه المر’يضة الأما’رة بالسو’ء، تحرك مع صديقه وبصـ ـره مـ ـثبتًا على “فـتوح” الذي ولج سريعًا إلى محله مغـ ـلقًا الباب خـ ـلفه والصد’مة كانت حليفته، أقتربوا مِن محل عم “فـريد” الذي رحب بقدومه بسعادةٍ وبسمةٌ صا’فية حينما قال:

_يا أهلًا يا أهلًا بالغا’لي، نوَّ’رت الحارة يا غا’لي كانت مضـ ـلمة مِن غيرك أقسم بالله.
قام “حـسن” بوضع المقعد الخشـ ـبي في وضعٍ مر’يح ثم قاموا بمساندته ليجلس “رمـزي” شاعرًا بالأ’لم يكاد يفتـ ـك بهِ ليجاوب على حديث “فـريد” بنبرةٍ هادئة ووجهٍ مبتسم:
_الحارة منوَّرة بيكم يا را’جل يا طيب.
أنحـ ـنى “يـوسف” قليلًا بنصـ ـفه العلو’ي وهو ينظر لهُ قائلًا بنبرةٍ هادئة متسائلة:
_تحب تشرب إيه يا “رمـزي”؟ الجَو سـ ـقعة أكيد محتاج حاجة تد’فيك شوية.
أبتسم “رمـزي” لهُ وقام بالتربيت على كفه الموضوع على كتفه قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_المرة دي مش أنا اللي هطلب، هشرب على ذوقك أنتَ شوف بقى هتشربني إيه.
أبتسم لهُ “يـوسف” ومسّد على ذراعيه قائلًا:
_هشربكم كلكم على ذوقي، “لؤي” خلّي “لمونة” يعملنا قهوة.
_عيوني يا باشا.
نطق بها “لؤي” بوجهٍ مبتسم ثم أخذ معهُ “مُـنصف” وذهبا إلى المقهى سويًا فيما رأى “سـراج” أرتعا’ش جسـ ـد رفيقه الحبيب ليقوم بنز’ع معطفه الثقـ ـيل واضعًا إياه على جسـ ـده قائلًا:

_خُد ألبسه الجَو سـ ـقعة عليك وكدا هتتـ ـعب كفاية اللي أنتَ فيه.
رفـ ـض “رمـزي” في الحال وهو يأخذه ويقوم بمَدّ كفه بهِ إليهِ قائلًا:
_لا مش هاخده خُد عشان متتعـ ـبش أنتَ حرام تلاقيك كُنْت متد’في.
جاء رد “سـراج” الصا’رم على حديثه وهو يبتعد عنهُ قائلًا مشيرًا إلى صديقه الحبيب “يـوسف”:
_ألبسه أحسنلك، لبسهوله يا “يـوسف” وأنا خمسة وجاي.
نظر “رمـزي” إلى أ’ثره بيأ’سٍ شديد وقـ ـلة حـ ـيلة ليأخذ “يـوسف” معطف صديقه ناظرًا إلى “رمـزي” قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_يلا يا “رمـزي” عشان متتعـ ـبش يا صاحبي والجاكيت مِن جوه دا’في عشان تتد’فى كدا كدا رايح يجيب غيره متقـ ـلقش بس ألبس أنتَ أهـ ـم حاجة عشان متتعـ ـبش بالله عليك.
وفي الأخير خضـ ـع إليهِ “رمـزي” وأرتداه بمساعدة صديقه إليهِ ليقوم بغـ ـلقه بإحكا’مٍ مند’سًا بهِ وهو يشعر بالبر’ودة ليجلس هو بجواره ويرافقهما “حـسن” الذي قال:
_الجَو سـ ـقعة جدًا النهاردة.
نظر “يـوسف” إلى الأحطا’ب المتو’اجدة بجوار متجر “فـريد” لينهض مقتربًا مِنها أسفـ ـل نظرات صديقيه إليهِ، وقف أمام متجر “فـريد” وقال بنبرةٍ عا’لية بعض الشيء يجذ’ب بها إنتباه الآخر:

_بقولك إيه يا “هـيرو” محتاج الحـ ـطب دا فحاجة؟.
جاءه رد “فـريد” في الحال مِن الداخل حينما قال بنبرةٍ عا’لية بعض الشيء:
_خدوه يا “يـوسف” ولـ ـعوه مش محتاجه.
أخذه “يـوسف” بالفعل وهو يقول:
_ربنا يباركلك يا شيخ ونفرح بعيالك قريب يارب.
أقترب مِن صديقيه لينهض “حـسن” مِن مجلسهِ يبدأ في مساعدته على إشعا’له كي يحظوا ببعض الد’فئ قليلًا؛ صدح رنين هاتفه عا’ليًا يعلنه عن أتصالٍ هاتفي ولذلك أستقام في وقفتهِ وأخرجه مِن جيب بنطاله ليرى المتصل والدته الحبيبة ولذلك أبتسم وأجابها بنبرةٍ هادئة وهو يُساعد صديقه قائلًا:
_سـ ـت الكل وحشاني يا غا’لية أقسم بالله بقالي فترة مسمعتش صوتك ولا أعرف عنك حاجة طمنـ ـيني عليكِ يا حبيبتي.
جاءه صوتها الهادئ الحنون حينما أجابته بوجهٍ مبتسم قائلة:
_أنا كويسة الحمد لله يا حبيبي طـ ـمني عليك وعلى أختك وولادك ومراتك، طمـ ـني عليكم كلكم.
أبتسم “يـوسف” وأجابها بنبرةٍ هادئة للغا’ية وهو يقول:
_كلنا بخير الحمد لله يا حبيبتي، طـ ـمنيني عليكِ أنتِ وعلى اللي عندك ما عدا “عـنايات” عشان مش نا’قصة تشا’ؤم على المسا.
ضحكت هي على حديثه فكانت تعلم أنه سيتوا’قح كما أعتادت خصيصًا مع زوجة عمه لتجاوبه بنبرةٍ هادئة قائلة:

_الحمد لله فنعمة يا حبيبي، قولت أتطـ ـمن عليك الجَو سا’قع جدًا قولت أتطـ ـمن عليكم لابس تقـ ـيل أهـ ـم حاجة.
شعر أنه ولدٌ صغير في هذه اللحظة، سؤالها كان وكأنها تسأل طفلٌ صغير وليس شا’بٌ كبير متزوج ولديه طفلتين، أعادته للماضي الأسو’د دون أن تشعر لتجعله يفتقـ ـر إلى أشياءٍ لَم يجرّب العيـ ـش بها ولَكِنّ في كل الأحوال ما مضى قد ر’حل واليوم هم في الحاضر يجب أن يمضي قُدُمًا وألا يلتفت إلى الماضي حتى وإن كان أسو’دًا، جاوبها بنبرةٍ هادئة بعدما صمت قليلًا ليبتسم قائلًا:
_متخا’فيش يا حبيبتي لابس تقـ ـيل ومتخا’فيش على “مـها” هي زي الفُل أنا بروحلها كل شوية أطمن عليها مش عايزك تقـ ـلقي.
شعرت “شـاهي” بالراحة حينما أطـ ـمئنت على ولدها وأبنتها لتقول بنبرةٍ هادئة:
_بقولك إيه يا حبيبي، كُنْت محتاجة أتكلم معاك شوية لو فا’ضي.
_ولو مش فا’ضي أفضا’لك يا حبيبتي، سامعك قولي اللي عايزاه.
هكذا جاوبها “يـوسف” مبتسم الوجه تاركًا الأحطا’ب ليتولى صديقه أمرها وأبتعد عن مو’قعهما قليلًا كي يستطيع التحدث معها ليسمعها تقول بنبرةٍ هادئة متو’ترة:
_كُنْت عايزة يعني أكلمك فموضوع يمكن يضا’يقك شوية بس ليك مطـ ـلق الحُـ ـرية طبعًا.
_يا حبيبتي قولي على طول واللي هير’يحك أنا هعمله.
هكذا طمئنها بعدما شعر بتو’ترها الشـ ـديد بنبرةٍ هادئة لتطمئن هي وتبدأ في التحدث معهُ فيما كان هو الطر’ف المنصت في هذه اللحظة يستمع إلى حديثها دون أن يُقا’طعها، فيما قام “حـسن” بإشعا’ل الحـ ـطب ليستقيم في جلستهِ مبتسم الوجه قائلًا:

_وأدي النا’ر أهي يا عمّ “رمـزي” عشان تد’فى، “فـريد” بيضـ ـحي بالحـ ـطب بتاعه سجل يا تاريخ.
هكذا مازح “حـسن” “فـريد” الذي بالتأكيد تو’اقح معهُ لتعـ ـلو قهقهاته وهو ينظر إلى “رمـزي” الذي حرك رأسه بقلـ ـة حيلـ ـة مبتسم الوجه، نظر بعدها إلى “يـوسف” الذي كان مند’مجًا في التحدث مع والدته ليقول متسائلًا:
_هو “يـوسف” بيكلم مين؟.
_والدته.
هكذا أجابه “رمـزي” الذي وضع قبعة المعطف على رأسه مند’سًا بهِ بعد أن شعر ببر’ودة الطقس القا’سية؛ جاء “لؤي” ومعهُ “مُـنصف” وهما يحمـ ـلان أكواب القهوة السا’خنة ليُعطي “مُـنصف” الكوب إلى “رمـزي” الذي أخذه شاكرًا إياه بوجهٍ مبتسم، ذهب “لؤي” إلى صديقه “يـوسف” يُعطيه الكوب ليأخذه الآخر شاكرًا إياه بوجهٍ مبتسم ثم عاد يُكمل حديثه مع والدته، فيما عاد هو يُرافق أصدقائه الذين كانوا يجلسون ويبدأ في الاند’ماج معهم والتحدث ضاحكًا بين الفينة والأخرىٰ..
مرّت رُبع ساعة كاملة و “يـوسف” يتحدث مع والدته حتى أنهـ ـى المكالمة مودعًا اياها بوجهٍ مبتسم ثم أغـ ـلق المكالمة وحينما جاء كي يلتفت حتى يعود إلى أصدقائه رأى “نـورهان” تقف في إحدى الزوايا تنظر إليهِ مشيرةً لهُ بالأقتراب، عقد هو ما بين حاجبيه متعجبًا ليُشير بسبابته إلى نفسه لتؤكد هي عليهِ ذلك بإماءة خـ ـفيفة مِن رأسها، وبالفعل سار تجاهها وبصره مـ ـثبتًا على محل “فـتوح” الذي كان فا’رغًا ليعلم أنه ذهب إلى مكانٍ ما..
وقف “يـوسف” أمامها متعجبًا يسألها بنظراته لتجاوبه هي بنبرةٍ هادئة حينما فَهِمَت معنى هذه النظرة لتقول:

_كُنْت عايزة أبـ ـلغك بحاجة مـ ـهمة جدًا مينفعش يتسكت عليها كتير.
عقد “يـوسف” ما بين حاجبيه وسألها بنبرةٍ هادئة حينما قال:
_حاجة إيه دي؟ أنا سامعك.
تو’ترت “نـورهان” كثيرًا في بادئ الأمر ولَكِنّها عزمت على قول الحـ ـقيقة إليهِ لتقول بنبرةٍ متو’ترة:
_إمبارح “فـتوح” نزل مِن البيت على الساعة ٢ بليل وبصراحة نزوله فالتوقيت دا مر’يحنيش فنزلت وراه ومشيت على خط سيـ ـره راح وقتها المخز’ن اللي على الطريق هنا وكان معاه رجا’لة مسـ ـلحين، المهم سمعته وهو بيخـ ـطط على مو’تك وقتها وأتفق مع الرجا’لة دول إنهم يخلـ ـصوا عليك وأنتَ رايح تصلي الفجر في المسجد وساعتها محدش هياخد باله مِنهم، بصراحة أنا وا’جهته وعرّفته إنه لو مترا’جعش عن اللي بيعمله أنا هبلـ ـغك وهو نوعًا ما خا’ف بس أنا متأكدة مليون فالمية إنه مش هيسكت غير لمَ ينفـ ـذ اللي فد’ماغه، أنا خو’فت عليك عشان أنتَ ملكش ذ’نب تكون ضـ ـحية لواحد عقـ ـليته مر’يضة زي جوزي … أنا ند’مت إني أتجوزته بجد حا’سة إني غـ ـلطت فحـ ـق نفسي أوي، “يـوسف” خُد بالك عشان هو مش هيسكوت ولو ساكت دلوقتي مش هيسكوت بعدين أنا عارفاه كويس.
كان يُنصت إليها طوال الوقت وهي تتحدث وتُخبره بالحـ ـقيقة والخو’فُ باديًا على تقا’سيم وجهها فلا تريد أن يكون ضـ ـحيةً لأفعا’ل زوجها المريض ذاك، لا يُنكـ ـر أنه تفا’جئ بحديثها ولذلك كان بالفعل مصد’ومًا، أبتلـ ـع غصته بتروٍ ونظر إليها قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_متخا’فيش عليا أنا هخـ ـلي بالي ومش هناو’يله اللي فد’ماغه مهما حصل، شكرًا بجد إنك جيتي وعرفتيني حاجة زي دي أنا حـ ـقيقي مش عارف أقولك إيه غير إني أشكرك وربنا أكيد جعلك سـ ـبب عشان يكشـ ـفه، أنا هاخد بالي وأنتِ كمان خلّي بالك مِن نفسك ومِن بنتك فوجوده دا مجنو’ن ممكن تهـ ـب فد’ماغه ويعمل حاجة.

زفـ ـرت هي بهدوءٍ ثم أبتسمت بسمةٌ هادئة ونظرت لهُ قائلة بنبرةٍ هادئة:
_أنا هكون كويسة أهم حاجة أنتَ، أنا حياة البني آدم عندي غا’لية جدًا وعشان كدا مستنتش إني أجي أقولك بصراحة، محتاج أي حاجة؟.
هكذا أنهـ ـت حديثها وهي تسأله بنبرةٍ هادئة مبتسمة الوجه ليأتي رده في الحال وهو يبتسم إليها كذلك مجيبًا إياها قائلًا:
_لا تسلمي يا “نـورهان”، شكرًا مرة تانية ولو أحتجتي حاجة أخوكِ موجود.
أبتسمت هي بسمةٌ خـ ـفيفة لهُ ثم تركته وذهبت بخطى هادئة بعد أن فعلت ما يُر’يح قلبها ونفسها، فيما نظر هو إلى أ’ثرها قليلًا ثم عاد مِن جديد وهو يتو’عد بشـ ـدة إلى “فـتوح” الذي تما’دى كثيرًا معهُ، رافق أصدقائه في مجلسهم وهو ينظر إلى محل “فـتوح” متو’عدًا لينظر إلى “حـسن” الذي قال متسائلًا:
_مالك يا “يـوسف” راجع وشك يضر’ب يقلـ ـب كدا ليه؟ وكُنْت فين كل دا؟.
لَم يُجيبه “يـوسف” وألتز’م الصمت إجابة، فيما وصلته رسالة نصية على هاتفه مِن رقمٍ مجهو’ل ليعقد هو ما بين حاجبيه لثوانٍ قبل أن تلـ ـين تقا’سيم وجهه حينما رأى تلك الكلمات التي جعلت الد’ماء تتجـ ـمد في عرو’قه:
_”يـوسف” أنا “نـورهان” خدت رقمك مِن تليفون “فـتوح” مِن غير ما يحـ ـس هقولك حاجة كمان وهمـ ـسح المسدج على طول عشان ميشوفهاش ومضـ ـمنش وقتها ممكن يعمل فيا إيه، نسيت أقولك إنه بلَّـ ـغ عن صاحبك الشيخ أ’من الدو’لة عشان كدا خدوه فجأ’ة مِن غير ما حد يعرف حاجة، كأنك عارف مِن أي حد غيري لاحسن دي فيها ر’قبتي.
شرد “يـوسف” في رسالتها وقد تبدلت تقا’سيم وجهه في غضون ثوانٍ ليشعر بأن الد’ماء قد بدأت تغـ ـلي في أورد’ته حينما تأكد مِن الفا’عل الحـ ـقيقي والذي لَم يُخيـ ـب ظنونه أبدًا فلا سواه يسـ ـعىٰ للقـ ـضاء عليهم ولذلك قر’ر أن يُد’بر مكيـ ـدةٌ خاصة لهُ يُكافئهُ مِن خلالها على جر’ائمه التي لا تُعَد ولا تُحصىٰ.

________________________
<“عاد الفقـ ـرُ يُلاز’منا مِن جديد،
ويا ويلتاه مِن عِنايات وموا’ويلها.”>
حينما تُعاشر شخصًا ما، وحينما تَمُر السنوات لا تعلمه جيدًا..
في كل يوم شيءٌ جديد يظهر على شخصيته يجعل فِكرك يُشَ ـتت تمامًا ولا تعلم ماذا عليك أن تفعل فحتى المعاشرة أصبحت خد’عةٌ كبيرة ترتدي ثوب التخـ ـفي وما خفـ ـى كان أعظم..
كانت “شـاهي” تقف في المطبخ تُعد الشاي لنفسها بهدوءٍ حتى ولج إليها “عـماد” يبحث عن زوجته المزعو’مة مثلما كان يُلقبها ليرى زوجة أخيه تقوم بإعداد الشاي ليقول بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه:
_ألف هنا على قلبك.
ألتفتت برأسها تنظر لهُ لتبتسم بسمةٌ خـ ـفيفة لهُ ثم عادت تنظر إلى ما تفعله قائلة بنبرةٍ متسائلة:
_أعملك كوباية معايا؟.
_آه ياريت لاحسن عندي موا’ويل لسه عايز أشوفلها وقت.
أنهـ ـى حديثه وهو يجلس على المقعد الخـ ـشبي زا’فرًا بعـ ـمقٍ ليأتي قولها الهادئ الرز’ين:

_الموا’ويل دي عايزالها روا’قة عشان تعرف تشوفلها حل، إنما التو’تر اللي أنتَ فيه دا مش هيجيب نتيجة، كُنْت على طول أقول كدا لـ “عـدنان” الله يرحمه … كل ما الحمو’ل تزيد مِن حواليه ويبدأ يحـ ـس إنه مش عارف يسـ ـيطر أقوله هـ ـدي نفسك الأول وأقعد قعدة رايقة كدا وهتلاقي الحلو’ل جيالك بنفسها، كان بيتر’يق عليا ساعتها بس لمَ جرّب ساعتها قام خدني بالحضن، كان طيب أوي وحنين.
ترقرق الدمع في مُقلتيها حينما تذكّرت زوجها الحبيب الر’احل ليشعر “عـماد” كذلك بالحز’ن على أخيه الحبيب الذي ر’حل للأبد وفا’رقه دون أن يودعه، تما’لكت نفسها فورًا لتقوم بتغيـ ـير مسار الحديث حينما قالت متسائلة:
_مقولتليش مفيش أي جديد عن موضوع “عـامر”؟.
جاوبها “عـماد” بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه بعد أن أزا’ل عبراته قائلًا:
_لسه أبوها مكلم “عـامر” وقاله نروح عشان نتفـ ـق على كل حاجة.
سعدت “شـاهي” كثيرًا لأجل هذا الشا’ب الحبيب الذي أخيرًا قر’رت الحياة أن تبتسم إليهِ لتقول بنبرةٍ غمـ ـرتها السعادة وهي تُعطيه كوب الشاي خاصته:
_مُبارك يا “عـماد” ربنا يتممله على خير يارب وتفرح بيه وبعوضه إن شاء الله، “عـامر” ابن حلا’ل ويستا’هل كل خير.
أبتسم إليها “عـماد” وقال بنبرةٍ هادئة بعد أن أخذ مِنها كوب الشاي:
_الله يبارك فيكِ يا مرات أخويا وعقبال ما تفرحي بعوض “مـها” قريب إن شاء الله، شكرًا على كوباية الشاي.
أبتسمت “شـاهي” وهي تنظر لأثره قائلة بنبرةٍ هادئة:

_صحة وهنا على قـ ـلبك.
ألتفتت تأخذ كوب الشاي خاصتها وعندما ألتفتت وجدت “زيـنات” خـ ـلفها تنظر إليها بنظراتٍ حا’قدة والشـ ـرار يتطا’ير مِن أعينها لتر’تعب هي قائلة:
_بسم الله الرحمٰن الرحيم سلامٌ قولٌ مِن ربٍ رحيم، إيه يا شيخة ما تكحي ولا تخبـ ـطي حد يدخل على حد كدا.
ر’متها “زيـنات” بنظراتٍ كقز’فات الشـ ـرار الملتـ ـهبة وهي تشعر أنها تريد أن تقـ ـتلها في الحال، فيما تعجبت “شـاهي” كثيرًا مِن نظرتها تلك ولذلك قالت بنبرةٍ متسائلة:
_في إيه يا “زيـنات” أنتِ أتلـ ـبستي ولا إيه؟ مالك بتبُصيلي كدا ليه؟.
القليل مِن تبادل النظرات بين الأثنتين دام لثوانٍ فيها أزداد تعجب “شـاهي” بكل تأكيد، وأخيرًا تحدثت “زيـنات” بنبرةٍ حا’دة وهي تقم بتحذ’يرها في عد’م الاقتراب مِن زوجها قائلة:
_بقولك إيه يا “شـاهي” أنا ياما جيت على نفسي وأستحـ ـملتك غصـ ـب عنّي رغم إني مش طيقا’كي ولا بحبك مِن الأساس وقولت ماشي مفيش مشـ ـكلة، جوزها أتقـ ـتل يا حرا’م وحياتها الور’دية الجميلة بقت سو’دة وجيتي هنا وقولنا ماشي، بس إنك تقربي مِن جوزي مش هسـ ـمحلك.
_أنتِ مجنو’نة إيه اللي أنتِ بتقوليه دا !!.
هكذا صا’حت “شـاهي” في وجهها وهي تنظر إليها بعد أن أغـ ـضبها حديثها وجعل النير’ان تند’لع بداخلها بلا شـ ـك، ليأتي قول الأخرىٰ حينما صر’خت بوجهها بقو’ةٍ وهي تقول:

_بقول اللي بشوفه يا عيـ ـن أ’مك شيطا’نك هيو’زك تقربي مِن جوزي هقتـ ـلك يا “شـاهي” مرة وعديتها ساعة الجنينة لمَ مثلتي علينا التـ ـعب عشان يلحـ ـقك بس وأيمنات المسـ ـلمين ما هعد’يهالك المرة دي يا “شـاهي” وهوريكي أنا هعمل فيكي إيه !!.
كانت “شـاهي” في صد’مةٍ مِن أمرها حينما أستمعت إلى حديثها بكل تأكيد فلَم تتوقع أن تُفكر بها “زيـنات” بهذه الطريقة إنها بالتأكيد مجنو’نة هذا ما أقنـ ـعت نفسها بهِ فهذا ليس بتفكير أُنسـ ـيٌ قط، تما’لكت نفسها حتى لا يشعر بها أحدٌ مِن أفراد العائلة في الخارج لتطبـ ـق على أسنانه بغيـ ـظٍ تُحاول لجـ ـم غضـ ـبها بداخلها قائلة بنبرةٍ مكتو’مة:
_طب أسمعي يا “زيـنات” الكلمتين دول وحطيهم حلقة فو’دنك عشان المرة الجاية مش هتعد’ي على خير، شيـ ـلي الأفكار المر’يضة دي مِن د’ماغك خالص وأسـ ـلكي، أسـ ـلكي للي حواليكِ شوية عشان أنتِ كل مدىٰ بتخسـ ـري بني أدمين فحياتك أقربهم جوزك وولادك، عُمر ما كان في بيني وبين “عـماد” حاجة هو يُعتبر أخ بالنسبة لي لا أكتر ولا أقل وأخو جوزي الله يرحمه، وبالمناسبة يا “زيـنات” … كل الرجا’لة ما’تت فعيوني بعد مو’ت “عـدنان” الله يرحمه، يعني العيـ ـب فيكِ أنتِ مش فحد تاني.
هكذا أنهـ ـت “شـاهي” حديثها المؤ’لم إلى “زيـنات” التي كانت تقوم مخيلاتها المر’يضة بتصوير مشاهد مستـ ـحيلة داخل عـ ـقلها بكل تأكيد وهذا ما يجعل جميع مَن حولها ينفـ ـرون مِنها في الحال وكأنها فير’وسٌ وبا’ئي وأنتشـ ـر في الأجواء؛ ر’متها “شـاهي” بنظرةٍ حا’دة يُغلفها الحز’ن والأ’لم فهذه ليست المرة الأولى ودومًا تتعمـ ـد “زيـنات” فعل ذلك، لا تعلم لِمَ وكيف وما المغز’ىٰ مِن ذلك ولَكِنّ قد نفـ ـذت طاقتها فقد تحمّـ ـلت فوق قدرة تحمُّـ ـلها؛ تركت كوب الشاي وخرجت مِن المطبخ أسـ ـفل نظرات الأخرىٰ لها والتي كانت ملـ ـيئةٌ بالحقـ ـد والشـ ـر العظيم..

ولجت “شـاهي” إلى غرفتها وأغـ ـلقت الباب خلفها وقد أختفى قنا’ع القو’ة ليحل محله قنا’ع الضعـ ـف؛ لَم تستطع تما’لُك نفسها أكثر مِن ذلك وقد أقتربت مِن فراشها لتجلس على طر’فه بضعـ ـفٍ شـ ـديد وقد سمحت لنفسها بالبكاء الشـ ـديد فمنذ مجيئها إلى هذا البيت وهي تتحمـ ـل الكثير والكثير دون أن تفصـ ـح عن أي شيءٍ، قد أستمرت هكذا لسنواتٍ عديدة حتى طفـ ـح بها الكـ ـيل بكل تأكيد، سقـ ـطت عبراتها على صفحة وجهها وبدأت تبكي بقهـ ـرٍ شـ ـديد وأ’لمٍ ترا’كم لسنواتٍ عديدة دون الإفصا’ح عنهُ مِمَّ جعلها الآن هشـ ـة كالر’يشة..
بكت بحر’قة وقهـ ـر بعد أن أستُنفِـ ـذَت طا’قة تحمُّـ ـلها لتُعلن أستسلا’مها أخيرًا منكـ ـسرة وحز’ينة، دقائق مرّت وهي في هذه الحالة بعد أن فـ ـشلت في السيـ ـطرة على نفسها لتسمع طرقات هادئة على باب غرفتها تليها صوت “مـحمود” الذي جاء هادئًا حينما سألها وقال:
_عمتو أنتِ كويسة؟.
لَم تستطع أن تُجيبه وتركت نفسها تبكي أكثر ولأول مرة تشعر أنها بحاجة و’لدها الحبيب بجوارها ففي الماضي كان الوضع سـ ـيئًا وكلا الطر’فين يظن الآخر ميـ ـتًا؛ أما الآن فالوضع قد تغيَّـ ـر كثيرًا وأصبح يبتعد عنها أميا’لٍ طويلة، فيما شعر “مـحمود” أن ثمة شيئًا ما حد’ث معها هي لا تريد الإفصا’ح عنهُ إليه ولذلك كطبيعته الطيبة الحنونة ر’فع كفيه وأزا’ل عبراتها عن صفحة وجهها بإبهاميه برفقٍ وحنو ثم جاء قوله الهادئ متسائلًا:
_مالك بس يا سـ ـت الكل مين اللي ز’علك وخلَّكي تعيطي؟ أول مرة أشوفك بتعيطي مِن ساعة مو’ت عمّي الله يرحمه، قوليلي مش أنا أبنك برضوا زي ما أنتِ على طول بتقوليلي؟ قوليلي إيه اللي حـ ـصل ومين ز’علك ووعد حـ ـقك هيرجع مهمًا كان مين اللي مز’علك، أنتِ غا’لية على قلبي أوي يا مرات عمّي ومبقد’رش أشوف دموعك دي أو أعرف بس إنك مضا’يقة مِن حاجة حتى لو كانت صغيرة، فضـ ـفضيلي جايز ترتا’حي.

أنهـ ـى حديثه وأنتظر ردًا مِنها على حديثه وهو ينظر إليها نظراتٍ هادئة متر’قبة قولها، فيما حاولت هي تما’لُك نفسها بعد قر’رت وأتخـ ـذت قرارها الأخير بينها وبين نفسها لتنظر إلى “مـحمود” بعينين باكيتين والذي كان ينظر إليها بقلـ ـقٍ واضح على تقا’سيم وجهه ينتظر ردها، أبتسمت بسمةٌ هادئة خـ ـفيفة وقد ربتت على كفه بحنوٍ وأجابته بنبرةٍ باكية قائلة:
_مفيش حاجة يا حبيبي، أنا كويسة وزي الفل كل ما في الموضوع إني مخنو’قة شوية بس مش أكتر، متخا’فش عليا.
_بجد ولا بتقوليلي كلمتين تسكتيني بيهم وخلاص؟.
هكذا جاوبها “مـحمود” منهيًا حديثه بسؤاله متر’قبًا ردها؛ ليراها تبتسم وتنظر لهُ والدمع يترقرق في المُقل قائلة:
_بجد، شوية وههدى متقـ ـلقش عليا، سيبني لوحدي بس شوية ممكن؟.
_آه آه طبعًا ممكن، لو أحتاجتي أي حاجة قوليلي على طول، أنا قاعد فالبيت النهاردة مش هروح فمكان.
هكذا جاوبها “مـحمود” بنبرةٍ هادئة بعد قام بتلـ ـبية مطلبها ونهض ليراها تحرك رأسها برفقٍ توافق على حديثه ليبتسم هو إليها ثم قبل أن يغا’در الغرفة ويتركها أنحنـ ـى بنصفه العلو’ي نحوها يُلثم رأسها بقْبّلة حنونة ثم تركها وخرج مغـ ـلقًا الباب خـ ـلفه؛ نظرت هي إلى أثره بوجهٍ باكِ مبتسم لتز’يل عبراتها التي عادت تتسا’قط مِن على صفحة وجهها ثم نهضت متجهةً إلى خزانة الملابس بعد أن أتخذت قرا’رها الأخير حيا’ل ذلك الأمر عا’زمةً على تنفـ ـيذه.
_______________________
<“عودة الغريب إلى أرض الوطن،

وعودة الحبيب إلى مَن أحب.”>
عودة الغريب إلى أر’ض الوطن..
فبعد أن كان في الأمس حبيبًا لها، أصبح اليوم غريبًا عليها، يعرفها ولا تعرفه، يُحبها وهي لا تحبه، هكذا كانت المعادلة الصـ ـعبة بين الطر’فين قائمة؛ وما هو سوىٰ بمحبٍ حينما بلـ ـغه الشو’ق قد عاد..
كانت تجلس في تلك الشقة التي كانت في يومٍ مِن الأيام ملكًا لـ “جميلة”، أو ما شابه ففي الوا’قع كانت ملكًا لهذا الملك القو’ي الذي لا يخـ ـشىٰ أحدًا ولا يها’به؛ تجلس وتعـ ـض أظافرها بتو’ترٍ تنتظر كلا الطر’فين وهي لا تعلم أيُ واحدٍ مِنهما سيصل أولًا، تقف خـ ـلف النافذة تارا تتابع سيـ ـر الأجواء في الخارج والتي كانت طبيعية بشكلٍ كبيـ ـر، وتارا أخرىٰ تجلس بتو’ترٍ بَـ ـلَغَ أشُـ ـده..
دقائق معدودة مضت ليصدح رنين جرس الشقة..
تأ’هبت حواسها بالكامل ثم نهضت مِن جلستها وأقتربت مِن الباب بخطى هادئة حتى وقفت خـ ـلفه تتطّلع إلى الزائر بواسطة ثقـ ـب الباب الذي كان يوضح لها مَن في الخارج؛ ولَم تستغر’ق الكثير مِن الوقت لتفـ ـتح إليهِ في الحال وهي تبتسم إليهِ بسمةٌ هادئة ليقابلها هو بأخرىٰ حنونة معانقًا إياها بعد أن أغـ ـلق الباب خـ ـلفه قائلًا:
_وحشتيني.
لأول مرة يقولها إليها ولأول مرة تخرج بهذه الطريقة؛ فقد قالها بشو’قٍ حـ ـقيقي وليست مجرد كلمة قد قالها وأنتهـ َى الأمر، ضمها إلى د’فئ أحضانه مشـ ـددًا مِن عناقه إليها لتبتسم هي بسمةٌ وا’سعة فرحة بعدها رأت حُبه إليها قد ظهر نُصب عينيها لتبادله عناقه بآخر حنونًا لتجاوبه بنبرةٍ هادئة حنونة قائلة:

_وأنتَ كمان وحشتني أوي، أنا حا’سة بالرا’حة والأما’ن وأنا معاك بجد، أنا أتحر’مت مِن أحلى لحظات حياتي مِن زمان بس عارف؟ أنا مبسوطة أوي دلوقتي عشان دا أول حضن تحضنهولي مِن نفسك وتقولي إني وحشتك.
أبتسم هو وقد شـ ـدد مِن عناقه إليها برفقٍ وهو يُلثم رأسها بقْبّلة حنونة قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_وأنا زيك برضوا، واللهِ أنا ما بكر’هك بالعكـ ـس، بس الظر’وف مسمحـ ـتلناش نشوف الحـ ـقيقة المستخبـ ـية دي، حـ ـقك عليا قلبي وآسف بالنيا’بة عن أي حد ز’علك قبل كدا أنا خلاص بقيت موجود، مفيش ز’عل تاني يا “عَـليا” أنتِ أختي الكبيرة، زيك زي “مـها” عندي اللي مقبلهو’ش عليها مستحـ ـيل أقبله عليكي، أنسي وعيـ ـشي اللحظة كأنك بتعيـ ـشيها لأول مرة.
أتسـ ـعت بسمتها وتر’قرق الدمع في المُقل لتجاوبه بنبرةٍ باكية قائلة:
_أنا فعلًا بعيـ ـش اللحظة دي لأول مرة يا “يـوسف”.
مسّد على ظهرها بحنو أخوي ثم بعد لحظات أبعدها عنهُ قليلًا وهو ينظر إليها ليرى عبراتها تغر’ق صفحة وجهها ولذلك ر’فع كفيه وأزا’ل عبراتها بإبهاميه بحنوٍ عن صفحة وجهها وقال بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه:
_عيون وقلب ورو’ح “يـوسف”، مش عايز أشوف الدموع دي تاني خالص طول ما أنا موجود، أتفقنا يا جميل؟.
أنهـ ـى حديثه متسائلًا وهو ينظر إليها ينتظر الرد مِنها لتُعطيه إياه دون أن تبخـ ـل بهِ عليهِ قائلة بمزاحٍ:
_حاضر يا باشا، طلباتك أوا’مر واجبة التنفـ ـيذ.

أبتسم هو برضا بعد أن تلقى الإجابة المُرادة ليبتعد عنها بعد لحظات وهو ينظر إليها مبتسم الوجه ليرى التو’تر قد أصبح باديًا على تقا’سيم وجهها؛ تعجب مِن هذا التحو’ل المفا’جئ ولذلك قال متسائلًا بعد أن بدأ يشعر بالقلـ ـق:
_فيكِ إيه يا “عَـليا”؟ أنتِ كويسة يا حبيبتي؟.
نظرت إليهِ “عَـليا” بتو’ترٍ بعد أن تذكرت هذا اللقا’ء الذي سيحدث بعد قليلٍ مِن الوقت لترى في هذه اللحظة أن تلك هي اللحظةُ المناسبة لقول هذه الحـ ـقيقة المخـ ـبئة عنهُ، أبتلـ ـعت غصتها بتروٍ ونظرت إليهِ مِن جديد لتقرر التحدث وإخباره تلك الحـ ـقيقة لتبدأ القول:
_”يـوسف” أنا بصراحة عايزة أقولك على حاجة مخـ ـبياها عليك، مش عليك لوحدك عليكم كلكم.
تعجب “يـوسف” قولها ولذلك عقد ما بين حاجبيه وقال بنبرةٍ متسائلة وهو ينظر إليها متر’قبًا:
_حاجة إيه بالظبط؟.
د’ق قلبها بعنـ ـفٍ في هذه اللحظة بعد أن أخبرها أنه ينتظر سماع قولها؛ لا تعلم أهو سيقبل تلك الحـ ـقيقة أم لا ولَكِنّ في كل الأحوال يجب عليهِ أن يتقبلها فقد حدثت منذ وقتٍ طويل وانتهى الأمر، نظرت إليهِ وقالت بنبرةٍ هادئة للغا’ية متر’قبةً فعله على ما ستقوله:
_أنا متجوزة.
دقائق مِن الصمت القا’تل دامت بين الطر’فين أحدهما كان هادئًا والآخر كان يمو’ت خو’فًا مِن رد الفعل المنتظر مِن الطر’ف الآخر، تر’قبت رده بفرا’غ الصبر والخو’ف ينهـ ـش قلبها، دقائق أخرىٰ مضت ليأتي قوله الهادئ حينما قال:

_متجوزة أزاي؟ ومعرفتنيش ليه مِن الأول وخـ ـبيتي عليا، عايز أسمع القصة كاملة لو مش هضا’يقك.
صُدِ’مَت بكل تأكيد مِن هذا الرد الغير متو’قع مِنهُ خصيصًا لتجحـ ـظ عينيها قليلًا بعد’م أستيعا’ب لا تصدق ما تسمعه مِن أخيها الذي قد خا’لف توقعاتها هذه المرة تمامًا، أخذته وتوجهت إلى الداخل ليجلس هو على الأريكة وقد جاورته هي وهي تنظر إليهِ لتبدأ بسرد كل شيءٍ حد’ث لهُ فيما كان هو في هذه اللحظة الطر’ف المستمع، نظرت لهُ وقالت مبتسمة الوجه وهي تعود إلى الخلف تتذكر أول لقاء بينها وبين زوجها الذي تُحبه بشـ ـدة:
_أول مرة شوفته فيها كانت بداية كل حاجة حلوة، طيب أوي وبيحبني، أول مرة شوفنا بعض فيها كانت صدفة عابرة بس كانت أحلى صدفة، هو مهندس معماري كان قاعد فالمنطقة اللي كُنْت قعدة فيها كان ساكن فالعمارة اللي جنبي ومِن الوقت للتاني بشوفه، الموضوع أتطو’ر وساعتها جه صار’حني وقالي إنه بيحبني بعدها بفترة طو’يلة، بعد ما إحنا الاتنين أتأكدنا مِن مشاعرنا لبعض وبعدها أتخطبنا سنة بعدين أتجوزنا، كان في جيران ليا كانوا يُعتبر أهلي وقفوا جنبي وهما اللي شهـ ـدوا على الجواز، بقالنا ٣ سنين متجوزين بس ربنا مأرادش لحد دلوقتي الخلـ ـفة، لمَ “مـاري” خدتني فجأ’ة قـ ـررت أكلمه وأقوله، أنا بني آدمة عادية زيك بس عيـ ـشت فترة زي اللي بيعـ ـيشها المخطو’ف بالظبط ولو منفـ ـذتش طلباته هيقـ ـتلك، لحد ما قـ ـررت إني أخد خطوة جَـ ـد فحياتي وبس، أنا بقيت وسط عيلتي الحـ ـقيقية دلوقتي هعوز إيه تاني تفتكر؟.
كان يستمع إليها طوال الوقت بإنصاتٍ شـ ـديد ويبتسم بين الفينة والأخرىٰ وهو يرى حُب شقيقته إلى هذا الر’جُل الذي يجـ ـهله حتى هذه اللحظة، وقد عادت ذاكرته إلى الخـ ـلف يتذكر لقاءاته الأولى بحبيبته مستشعرًا هذا الشعور الذي كانت تشعر بهِ شقيقته الآن وهي تنتظر وصول الآخر على أحـ ـر مِن الجـ ـمر، نظر إليها بوجهٍ مبتسم قليلًا قبل أن يقول بنبرةٍ هادئة:

_حا’سس بيكِ، كُنْت فيوم مِن الأيام مكانك وبصر’احة اللحظات دي هتفضل محفوظة داخل العقـ ـل مستحيـ ـل تتنسي بأي شكل، أنا أتحـ ـمست إني أشوفه.
أنهـ ـى حديثه مبتسم الوجه وهو ينظر إليها ليرى أبتسامتها قد أتسـ ـعت على ثغرها وأزد’اد حما’سها لتجاوبه بنبرةٍ حما’سية قائلة:
_زمانه على وصول دلوقتي أنا وا’ثقة أنكم هتكونوا صحاب أوي.
أتسـ ـعت بسمتهُ وقد نظر إلى معالم وجهها الجميلة التي بالتأكيد قد ور’ثتها مِن أُمّها بدايةً مِن معالم وجهها الصغيرة والبر’يئة فبرغم أنها الأكبر ولَكِنّ معالم وجهها كانت تدل على أنها مازالت صغيرة؛ عينيها الجميلتين المزينتين بالكـ ـحل الأسو’د وبسمتها التي لا تُفا’رق ثغرها البتة، قـ ـرر ضمها إلى أحضانه يقوم بطمـ ـئنتها؛ فعل هذا بالفعل لتضع هي رأسها على كتفه بوجهٍ مبتسم ليُمسّد على ظهرها برفقٍ قائلًا:
_متقـ ـلقيش، شوية وربنا هيعوضك، متستـ ـعجليش كدا هتصو’تي وكدا هتصو’تي.
ضحكت هي على ممازحته إليها لتظل كما هي دون أن تتحرك تركت نفسها تحظى بهذه الدقائق الهادئة بجوار أخيها؛ كانت تفـ ـتقر لهذا الشعور كثيرًا، لا تعلم كيف يكون وماذا يفعل بالمرء ولَكِنّ في هذه اللحظة عَلِمَت هذا الشيء جيدًا وكم تمنت أن تحظى بهِ منذ زمن ولَكِنّ على أيا حال في النها’ية قد نالت ما تتمناه، وهي مجاورة أخيها وشعورها بحنانه عليها..
وبعد مرور القليل مِن الوقت..
صدح رنين جرس المنزل عا’ليًا يُطرب أذ’نيها ومعها قلبها الذي بدأ ينـ ـبض بعنـ ـفٍ حينما شعرت أنه هو مَن جاء، أرتسمت البسمة على ثغرها لتترك أخيها وتنهض ذاهبةً إلى الباب بخطى وا’سعة وحما’سٍ كبيـ ـر كي تفتـ ـحه إليهِ وقد كان كل ذلك أسفـ ـل نظرات أخيها إليها والذي رأى سعادتها التي ظهرت فجأ’ةً وقد وقف بهدوءٍ وهو يتر’قب ما سيحد’ث فهذه أول مرة سيلتقي بها مع زوج شقيقته الكبرى، فيما قامت “عَـليا” بفتـ ـح الباب لتنظر إليهِ بوجهٍ مبتسم ومشرقٍ..

سعدت كثيرًا حينما رأته أمامها عاد إليها مِن جديد بعد غيا’بٍ قد طال بينها كثيرًا وجعل القلب مو’لعًا بشو’قه إلى حبيبه، أبتسم هو إليها وهو يُطا’لعها فمازالت جميلة كما هي ومازالت تُبهره حتى هذا اليوم بطلتها البهية التي تُفا’جئه في كل مرة، لَم تستطع أن تنتظر أكثر مِن ذلك ولذلك أر’تمت بأحضانه تقوم بلـ ـف ذراعيها حول عنـ ـقه تُعانقه بقو’ةٍ وحما’سٍ كبيـ ـرٍ لا حد’ود لهُ، بالطبع تعشـ ـقه وتخـ ـشىٰ عليهِ كثيرًا هكذا كانت منذ ثلاث سنوات، حاوطها هو بذراعيه يضمها إلى أحضانه الدا’فئة يستشعر وجودها بعد هذا الغيا’ب الطويل..
رأى “يـوسف” حُب شقيقته إلى هذا الر’جُل ومدى تعـ ـلُقها بهِ، رأى جانبًا مُحب وعا’شقٍ مِنها، رأى شخـ ـصيةٌ أخرىٰ كانت مد’فونة بداخلها لَم تظهر إلا بظهور هذا الر’جُل الآن، فيما كان الآخر يضمها بشو’قٍ إلى أحضانه بعد أن بَلَـ ـغَ شو’قه لها الحـ ـدود ليهمـ ـس إليها في أذنها قائلًا:
_وحشتيني أوي المرة دي، مبقتش حابب البُعـ ـد دا يا حبيبتي.
أبتسمت هي بسعادةٍ كبيـ ـرة بعد أن أخبرها أنه قد أشتا’ق إليها وأصبح لا يُريد تركها مِن جديد لتبتعـ ـد عنهُ قليلًا وهي تنظر إليهِ بوجهٍ مبتسم ترى بسمتهُ تزين ثغره لتجاوبه هي بنبرةٍ خا’فتة قائلة:
_وأنا كمان على فكرة، خلاص مفيش بُعـ ـد تاني نها’ئي … شوف فرحتي برجوعك نسيتني أدخلك، أدخل يلا.
أنهـ ـت حديثها وهي تضحك لتتسـ ـع بسمتهُ ويولج سا’حبًا حقيبته خلفه ليرى “يـوسف” يقف على بُعد سنتيمترات وهو ينظر إليهِ، تعجب كثيرًا مِن وجوده وبالطبع تسائل عن هويته بداخلهِ، فيما أغـ ـلقت هي الباب وأقتربت مِنهُ بوجهٍ مبتسم تجاوره في وقفته لتراه ينظر إليها وكأنه يسألها عن هويته، تفهمت هي نظرته ولذلك أمسـ ـكت بكفه وسارت تجاه شقيقها الذي كان يتابعها بهدوءٍ ليسير الآخر معها منصا’عًا لها حتى وقفت هي بينهما وأصبح هو في موا’جهة “يـوسف” الذي كان ينظر إليهِ نظرةٍ ذات معنى..

نظرت لهما “عَـليا” بوجهٍ مبتسم وقد قالت بفرحةٍ عا’رمة وهي تقوم بتعريفهما على بعضهما البعض:
_”يـوسف” أحب أعرفك، “زايد” جوزي، “زايد” دا “يـوسف” أخويا الوسطاني، نسيت أقولك، أنا قدرت ألا’قي أهلي، بصراحة معرفش دا أزاي حصـ ـل بس فرحت أوي بوجودهم، “يـوسف” أخويا بس مِن أُمّ تانية وعندي أخت صغيرة متجوزة أسمها “مـها” وبصراحة مامت “يـوسف” كمان سـ ـت عسل وطيبة أوي تشوفها تحبها وترتا’حلها على طول، ولقيت عيلة بابا كلها مبسوطة أوي إني لقيتهم ووا’ثقة إنكم هتكونوا صحاب.
أنهـ ـت حديثها الحما’سي وهي تنظر إلى كلا الطر’فين بسعادةٍ كبيـ ـرة، فيما كان “يـوسف” ينظر إلى “زايد” وهو يشعر بشعورٍ غريب، حا’سته السادسة قد أنذ’رته في هذه اللحظة مِنهُ لا يعلم لِمَ ولَكِنّ لَم يشعر بالر’احة تجاهه، فيما كان “زايد” ينظر إليهِ بهدوءٍ لقليلٍ مِن الوقت قبل أن يَمُدّ يده إليهِ كي يُصافحه وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_أتشر’فت بمعرفتك يا “يـوسف”، أسمي “زايد عطية” شغال مهندس معماري.
مَدّ “يـوسف” يدهُ ليُعانق كف الآخر قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_الشـ ـرف ليا، أسمي “يـوسف المحمدي”.
أكتفى بقول أسمه فقط ليتعجب الآخر مِن إجابته حينما لَم يُخبره ماذا يعمل ليعقد ما بين حاجبيه وهو يقول متعجبًا:
_غريبة يعني، مقولتليش بتشتغل إيه خا’يف أحسـ ـدك !!.
نظرت “عـليا” إلى أخيها الذي لَم يُجيبه لتُد’رك الأمر سر’يعًا وتُنقـ ـذ أخيها مِن هذه الور’طة حينما أجابت بدلًا عنهُ:

_هو في الحـ ـقيقة، “يـوسف” شغال مع عمّي “راضـي” فالشركة بتاعته، ما’سك مصنع كبيـ ـر مِن مصانع العيلة وأوقات بيروح الشركة لأنه مساهم فيها، بس هو مبيحبش يتكلم عن حياته الشخـ ـصية كتير دي طبيعته.
نظر هو إلى شقيقته التي نظرت إليهِ نظرةٍ ذات معنى وقد ومضت بجـ ـفنها الأ’يسر بخفةٍ إليهِ خـ ـفيًا ولذلك أكد على حديثها حينما نظر إلى “زايد” وقال بنبرةٍ هادئة:
_بالظبط، مبحبش أحكي عن حياتي الشخـ ـصية، بحب الخصو’صية بمعنى أصح.
تفهم “زايد” حديثه ولذلك لَم يتحدث، ولج إلى الداخل فيما نظر هو إلى شقيقته التي أبتسمت لهُ وأقتربت مِنهُ بخطى هادئة حتى وقفت أمامه وهمست إليهِ قائلة:
_أنا مكد’بتش عليه على فكرة لأن كل اللي قولته صح.
نظر إليها سا’خرًا وقد ر’فع حاجبه الأ’يسر عا’ليًا وكأنه يقول “حقًا” ليسمعها تقول بنفس النبرة:
_أيوه، بكرا هتمـ ـسك المصنع وشوية وتاخد نصيبك فالشركة يعني أنا مكد’بتش صح ولا لا، أسمع أنا عارفة كويس أوي إن بابا كاتب كل حاجة ليك أنتَ و “مـها” وعشان كدا…
قا’طع “يـوسف” حديثها حينما قال بنبرةٍ جا’دة لا تقبل المزاح:
_مفيش الكلام دا، الو’رث هيتقسـ ـم علينا إحنا الـ ٣ ميهمـ ـنيش الكلام دا ولا بيعنيني شيء كل واحد هياخد حـ ـقه أنتِ بنته زي ما إحنا ولاده وإذا كان هو فعلًا عمل كدا عن قصـ ـد أو لا فأنا مش هعمل اللي قال عليه فلوسه هي فلوسك وأنتِ بنته وور’يثة لِيه يعني ليكِ حـ ـق هتاخديه، مش هاخد فلوس مش فلوسي كل واحد هياخد حـ ـقه، جزء مِن ور’ثي وجزء مِن ور’ث “مـها” هما في الأصل نصيبك مينفـ ـعش بعد كل اللي حصـ ـل دا ومتاخديش حاجة كدا أنا هظـ ـلمك، هتاخدي حـ ـقك وهشاركك فجزء من نصـ ـيبي مِن الشركة وهتشتغلي وهتعملي لنفسك كيا’ن وأسم الكل بيتحا’كى بيه، عايزك فخلال ٦ شهور تبقي معروفة ومعاكي فلوسك وضا’منة مستقبلك لأنه في الزمن دا مينفعش تثـ ـقي فحد أوي وتديه حُبك وأهتما’مك كله لأنه فلحظة ممكن يغد’ر وعشان كدا لو دا فعلًا حـ ـصل تكوني مأ’منة نفسك، عايزك أحسن واحدة فالدنيا كلها وعايز أشوف نجاحك وسـ ـعيك فاللي عايزاه يا أختي، فاهمة كلامي؟.

كانت متعجبة مِن حديثه ولا تستطيع أستيعا’ب كل هذا الحديث ولَم تعلم إيلاما ير’مي أخيها ولَكِنّها وافقت على حديثه بعد أن أبتسمت لهُ وحاوطت وجهه بكفيها الد’افئين قائلة بنبرةٍ حنونة:
_زي ما أنتَ عايز، مقد’رش أقولك لا أنتَ أكيد عارف أكتر مِني وشايفلي الخير فين، أنا هسمع كلامك يا حبيبي ومش هز’علك، بحبك يا أحن أخ فالدنيا.
أنهـ ـت حديثها وهي تُعبر إليهِ عن حُبها لهُ ومِن ثم عانقته بقو’ةٍ ليحاوطها هو كذلك بذراعيه يضمها إلى د’فئ أحضانه مشـ ـددًا مِن عناقه إليها وهو ينظر في أ’ثر “زايد” نظرةٍ ذات معنى تحكي الكثير والكثير مِن الغموض وعد’م الرا’حة، أبتعـ ـدت هي عنهُ مبتسمة الوجه لتنظر لهُ قائلة بنبرةٍ هادئة:
_يلا تعالى معايا أنتَ النهاردة هتقـ ـضي اليوم معانا عايزاك تتعرف أكتر على “زايد” بجد أنا وا’ثقة إنك هتحبه أوي.
أنهـ ـت حديثها وهي تُمسك بكفه وتسـ ـحبه خـ ـلفها إلى الداخل دون أن يُعا’رضها هو أو حتى يُكلف نفسه عنا’ء الر’فض فهو الآن لا يُريد أن يراها حز’ينة بعد أن رأى سعادتها بعودة زوجها إليها مِن جديد وسعادتها الطا’غية وحما’سها الكبير في تعريفها على بعضهما البعض ليُقر’ر أن يتر’ك نفسه لها هذا اليوم وأن يُلـ ـبي إليها مطالبها كاملة.
______________________
<“كشـ ـفُ الحـ ـقيقة متأ’خرًا، والحر’بُ قائمةً.”>
كُشِـ ـفَت الحـ ـقيقة اليوم بعد وقتٍ طويل دون أن يعلم الطر’ف الآخر عنها شيئًا، الصد’مةُ كانت باديةٌ على تقا’سيم وجهها وهي تقف أمامه تستمع إلى حديثه معها بعد أن أتخذ قر’اره وقام بتنفـ ـيذه دون أن يُخبر أحدٍ مِنهم عنهُ وكأنه يخـ ـصه هو فحسب ولا يتعـ ـلق بحياة الكثير غيره، كانت لا تُصدق أذ’نيها بكل تأكيد فحتى هذه اللحظة هي تظنُ أنها تحلُم وستستـ ـفيق مِن هذا الحُلم على الو’اقع الذي أعتادت عليهِ..

فيما كان هو يقف أمامها وينظر إليها بهدوءٍ دون أن يتحدث كل ما يفعله هو أن يُطا’لعها فحسب يرى تقا’سيم وجهها التي كانت تتبد’ل بين الفينة والأخرىٰ مِن الصد’مة إلى الذ’هول ثم إلى التفا’جؤ، تحدث بنبرةٍ هادئة يسألها بعد أن طا’ل الصمت بينهما قائلًا:
_مالك يا “مـها”؟ ساكتة ليه مش بتتكلمي، قولي حاجة على اللي قولته دا على الأقـ ـل.
حركت أهدابها عدة مراتٍ متتالية وكأنها تقوم بإفا’قة نفسها وأنها لَم تَجُـ ـنُ بعد، فيما أقترب هو مِنها أكثر حتى وقف أمامها مباشرةً يفصـ ـل المسافة الوا’قعة بينهما وهو يُحا’وط ذراعيها برفقٍ ينظر مباشرةً إلى عينيها التي كانت تقول كل ما يعجـ ـز الفـ ـم عن قوله، أبتـ ـلع غصته بتروٍ وقال بنبرةٍ هادئة حنونة:
_أسمعيني كويس أوي يا “مـها”، أنا معملتش كدا غير لمَ أتغيَّـ ـرت لأن كان لازم أتغيَّـ ـر وأرجع لطبيعتي تاني، أكون زي أي واحد حواليا، القـ ـرار اللي خدته دا كان فمصـ ـلحتك قبل مِني عشان أنا مش عايز أكون سـ ـبب في أذ’يتك مهما حصـ ـل، أنا بحبك ومش عايز أشوف فيكِ أي حاجة و’حشة حتى لو أنا السـ ـبب فيها أنا حتى مستغرب رد فعـ ـلك المفروض دي حاجة تفرحك؟!.
أنهـ ـى حديثه مستنكرًا هدوءها ذاك على ما قاله وهو ينظر إليها عاقدًا ما بين حاجبيه، ليدوم الصمت بعد أن أنهـ ـى حديثه قليلًا قبل أن تقـ ـطعه هي هذه المرة حينما قالت بنبرةٍ هادئة وهي تنظر إليهِ:
_أنا بجد مش قادنرة أستو’عب اللي أنتَ بتقوله، يعني مِن شهر تقريبًا واخد القـ ـرار ونفذته حتى مِن غير ما تقولي أو تديني حتى خلفية؟ ليه وعشان إيه يا “سـراج”؟ قولي عشان خاطر إيه لو عشاني فأنا مشتـ ـكيتش بالعكـ ـس وأنتَ عارف كدا كويس، بس على الأقل مفكرتش أخويا مِن بعد قـ ـرارك دا هيعمل إيه وهيتصر’ف أزاي وهيأ’من لمين بعد كدا؟! طب و “ليان”؟ كان ذ’نبها إيه دا كله؟.

رد عليها في الحال وهو يُجيبها على أسئلتها العديدة التي طرحتها عليهِ الآن قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_أكيد فكرت فيه يا “مـها” وفيها وقبل ما أعمل أي حاجة بديه خلفية مبعملش أي حاجة غير لمَ يكون عارف وراضي كمان، أنا مش أنا’ني ولا و’حش بس حياتنا لازم تبدأ تمشي طبيعي زي أي حد أنا كل يوم بحـ ـس بالذ’نب وبضا’يق وأنتِ عارفة كدا كويس، أنا مش عايز حياتنا تقـ ـف أنا ملـ ـيت وأنتِ أكيد مليـ ـتي مِن الروتين دا، عايزين نغيَّـ ـر شوية فحياتنا حتى على الأقل الفترة الهادية دي نستغـ ـلها إحنا بدل ما تضـ ـيع مِننا على الفا’ضي كدا زي ما ضا’ع غيرها، حاولي تفهميني أنا واللهِ ما هتخـ ـلى عن “يـوسف” ولا عن “ليان” حتى أنا هفضل معاهم وفضـ ـهرهم وأي حاجة يحتاجوها أنا هعملها على طول متخا’فيش عليهم أنا لسه عند وعدي واللهِ.
كالعادة تقوم بتصديقه فثقـ ـتها بهِ عميـ ـاء، قامت بمعانقته دون أن تتحدث وهي تحاوط خصره بذراعيها ليُبادلها هو عناقها ذاك بهدوءٍ دون أن يتحدث وهو يُفكر في هذا الموضوع الذي تم بُناءًا على طلب “عَـليا” و “يـوسف” لهُ وكيف سيبنـ ـتهي بهم الحال في هذا الوضع الذي طا’ل لوقتٍ طويل رأى الآن أنه وَجَبَ عليهِ الآن أن ينـ ـتهي وتعود حياتهم إلى طبيعتها مِن جديد؛ مسّد على خصلاتها برفقٍ وهو يُلثم رأسها بِقْبّلة حنونة دون أن يتحدث.
_________________________
<“عادت الصبـ ـية إلى ديارها بخـ ـيبةٍ،
وكان حبيبها بثا’ئرٍ لها في لحظتها.”>
في أُمسية هذا اليوم..

كان “يـوسف” جالسًا في غرفة المعيشة يشاهد التلفاز ويتناول ثمرة البرتقال، وبجواره كانت تشاركه “بيلا” بعد أن أنهـ ـت أعمال منزلها بالكامل وها هي تحظى بوقت را’حتها؛ سقـ ـط بصرها على كُتيب تصاميمها لتأخذه بهدوءٍ تتفحصه، أخذت حاسوبها وقامت بفتـ ـحه لتبدأ بعملها بأندماجٍ، زفـ ـر “يـوسف” بعمـ ـقٍ ووضع رأسه على كتفها قائلًا:
_هتسبيني وتشتغلي؟ أقوم أنام طيب؟.
ر’فعت بصرها مِن على حاسوبها ونظرت لهُ لتتقابل عينيها مع عينيه تُجيبه بنبرةٍ هادئة قائلة:
_لا وتقوم ليه؟ شوية وهسيـ ـبه ببُص على حاجة بس.
عادت تنظر إلى شاشة حاسوبها مِن جديد ومعها “يـوسف” الذي بدأ يُتابعها بهدوءٍ يرى كيف تعمل وماذا تفعل حتى يخرج هذا الإبداع بهذا الشكل وهذا المظهر الحسن يسر’ق أنظار الجميع، قطـ ـع هو هذا الصمت بينهما حينما قال بنبرةٍ هادئة:
_كانت موهبة عندك ولا حبيبتي تاخدي فيها كورسات؟.
أجابته بنبرةٍ هادئة وهي تنظر إلى شاشة حاسوبها قائلة:
_لا موهبة، مِن صغري بحب التصميم، بنصق الألو’ان مع بعضها وكدا يعني، مرة بعد مرة الموضوع أتطور بصراحة وحبيت الموضوع.
_براڤو عليكِ، أستمري وأنا فضهـ ـرك، حابب أشوفك ناجحة دايمًا.
هكذا جاوبها بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه وهو ينظر إليها ليراها تبتسم كذلك لهُ ومِن ثم نظرت إليهِ بطر’ف عينها وقالت بنبرةٍ هادئة:

_مش ناسية عمولتك على فكرة.
ضحك “يـوسف” على حديثها ومِن ثم نظر إليها وقال بنبرةٍ ضاحكة:
_بقت الضعـ ـف على فكرة متفتكرنيش أهـ ـبل وعلى نيا’تي أنا عارف أنتِ بتاخدي كام.
ضحكت هي على حديثه ونظرت إليهِ بوجهٍ ضاحك وقالت:
_فلوسنا واحد مفيش فر’ق بينا وأنتَ عارف كدا كويس.
طا’لعها قليلًا بعد أن أستمع إلى حديثها الذي بالتأكيد تو’قع أن يسمعه كما أعتاد ليقول بنبرةٍ هادئة مُحبة:
_مغـ ـلطش قلبي لمَ حبك، كان صح وعارف كويس هو عايز إيه.
أبتسمت وعادت تنظر إلى شاشة حاسوبها مِن جديد ليأتيها قوله الهادئ حينما قال:
_بكرا إن شاء الله أول يوم شغل ليا فالمكان الصح اللي فضلت أدور عليه سنين، أنا حـ ـقيقي مبسوط جدًا ومتحـ ـمس إني أنزل.
وعند ذِكره للعمل الجديد الذي سيتسلمه في صبيحة اليوم الموالي أبعدت حاسوبها وأغراضها ثم نهضت أسفـ ـل نظراته قائلة:
_تعالى عايزة أوريك حاجة.
عقد هو ما بين حاجبيه ولَكِنّهُ نهض وذهب معها إلى غرفتهما سويًا منتظرًا رؤية ما تريد زوجته أن توريه إياه، فيما تركته هي وأتجهت إلى خزانة الملابس تفتـ ـحها أسفـ ـل نظراته لتأخذ الحُلة السو’د’اء المُعلـ ـقة في خزانتهما عائدةً إليهِ تنظر لهُ بوجهٍ مبتسم لتقف أمامه قائلة بنبرةٍ هادئة:

_إيه رأيك فالبدلة دي؟.
نظر “يـوسف” إلى الحُلة الأنيقة التي لا يُنكـ ـر أنها قد نالت إعجابه بكل تأكيد ليَمُدّ كفه يتلمـ ـسها بهدوءٍ بعد أن ظهرت بسمةٌ هادئة على ثغره ونالت الحُلة إعجابه بكل تأكيد، رأت لمـ ـعة عينيه وسعادته بها لتقول بنبرةٍ هادئة مبتسمة الوجه:
_هديتي ليك بمناسبة الشغل الجديد، جبتلك كذا واحدة تغيَّـ ـر فيهم، قولت مينفعش مجيبلكش حاجة بمناسبة شغلك الجديد فبصراحة كان معايا مبلغ كويس جبتلك الألوا’ن اللي بتحبها ومعاهم كام جز’مة، قولي عجبتك مش كدا؟.
لا يعلم ماذا يقول إليها فقد فا’جئتهُ بكل تأكيد، أخذها مِنها ووضعها على الفراش وقام بمعانقتها بقو’ةٍ إلى أحضانه مبتسم الوجه والعبرات تسـ ـقط على صفحة وجهه بكل تأكيد بسعادةٍ كبيرة فقد فا’جئته “بيلا” بكل تأكيد وهو لَم يتو’قع هذا مِنها فقد كان يُخـ ـطط لإرتداء ملابسه العادية والذهاب بها ولَكِنّ خا’لفت مخـ ـططاته بأكملها وفا’جئته بهذه الحُلة الرائعة التي تناسب رجا’ل الأعما’ل بكل تأكيد..
بادلته عناقه بوجهٍ مبتسم بعد أن رأت سعادته بهذه الحُلة ممسّدةً على ظهره برفقٍ لتسمعه يقول بنبرةٍ بها بُحَّةُ البكاء:
_مش عارف بجد أقولك إيه، لو شكرتك مِن هنا لبُكرا مش هتكفي بجد كل اللي بتعمليه عشاني، أنا بحبك أوي يا “بيلا”.
أتسـ ـعت بسمتها على ثغرها وربتت على ظهره برفقٍ وجاوبته بنبرةٍ هادئة قائلة:
_وأنا بحبك أكتر يا عيون “بيلا”، اللي يهـ ـمني سعادتك ورا’حتك، وبعدين دا اللي المفروض يليق بيك بعد كل اللي شوفته وعيـ ـشته فحياتك، لازم تكون دي النها’ية، نها’ية التـ ـعب والشـ ـقى والمر’مطة، أنا مش مستنية شُكر مِنك مستنية نجاحك، مستنية أشوف “يـوسف” تاني بيسـ ـعىٰ فالمكان الصح زي ما سـ ـعىٰ قبل كدا فأماكن تانية كتير، مستنية أشوف حبيبي وهو بيحـ ـقق أحلامه اللي كان بيحلم بيها، مستنية أشوف “يـوسف” الناجح.

شـ ـدد مِن ضمته إليها وقـ ـطع إليها في هذه اللحظة وعدًا صا’دقًا حينما قال بنبرةٍ هادئة:
_وعد فخلال شهرين بس هخليكي تشوفي نجاحي بحـ ـق وحـ ـقيقي، هخليكي تشوفي “يـوسف” الناجح فخلال شهرين بس، وهنعيـ ـش عيـ ـشة كويسة ومش هنشـ ـيل هـ ـم حاجة تاني خلاص، هنر’تاح مِن الضغو’ط دي كلها ومش هنحر’م نفسنا مِن حاجة تاني، أدعيلي كتير يا “بيلا” محتاج دعواتك الفترة دي.
_أنا عارفة حبيبي لمَ بيوعد بيو’في بوعده مهما كان وعارفة إنك قدها كمان، ومفيش لحظة عدت غير وكُنْت بدعيلك فيها عُمري ما نسيتك لحظة.
هكذا ردت عليهِ “بيلا” بصدقٍ تام ليبتسم هو ممسّدًا على ظهرها بحنوٍ يُلثم رأسها بِقْبّلة حنونة ثم أبتـ ـعد عنها ونظر إلى الحُلة مِن جديد وقال بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه:
_حلوة أوي البدلة، ذوقك حلو أوي.
أبتسمت “بيلا” لهُ ثم أخذتها وقامت بتعـ ـليقها مِن جديد قائلة:
_هتبقى زي القمر بيها بكرا أنا عارفة.
عادت لهُ مِن جديد ليأخذها ويخرجا مِن جديد سويًا وهو يتحدث معها ليقـ ـطع حديثه رنين جرس المنزل الذي صدح عا’ليًا، تركها “يـوسف” وذهب لرؤية الطارق وقبل أن يفتـ ـح الباب رأى الزائر أولًا ليرى والدته، تعجب كثيرًا ومِن ثم نظر إلى زوجته وقال متعجبًا:
_دي ماما !!.
عقدت هي ما بين حاجبيها كذلك متعجبةً ليفتـ ـح هو الباب لها وهو ينظر إليها رفقة زوجته ليراها تقف والعبرات تتسا’قط على صفحة وجهها ومعها حقيبة ملابسها، تفا’جئ “يـوسف” كثيرًا وتلبـ ـسته الصد’مة رفقة زوجته التي كانت لا تقـ ـل عنهُ شيئًا، نظرت لهُ “شـاهي” بعينين باكيتين وقالت بنبرةٍ باكية:

_ليا مكان عندك يا “يـوسف” !!.
_”جاءت الريا’ح بما لا تشتـ ـهي السُـ ـفُن،
لير’فع را’يات الحر’ب على الجميع.”
 
google-playkhamsatmostaqltradent