رواية حرر هواك فالحب بات معلنا الفصل الثلاثون 30 - بقلم تسنيم المرشدي
« حرِر هَواكَ فَالحُب بَاتَ مُعلنَا»
«الفصل الثلاثون»
***
بسم الله الرحمن الرحيم
اعتدل في جلسته، كذلك فعلت لينة سريعاً قبل وصول صاحب الصوت إليهما، كانت إيمان وتلاها بلال، رحبت بهم بحفاوة واستقبال حار فكانت لينة متعجبة من أسلوبها الودود، فلم تكن يوماً هكذا.
"نورتو بيتنا"
قالتها إيمان بود فصاحت لينة بلطف:
_ منور بيكم
تدخل يوسف بمزاحه:
_ منور بيهم إيه دا إحنا اللي جينا نورناه..
ألقى بلال تلك الوسادة الصغيرة التي كانت بيده على يوسف الذي لَقِفها قبل أن تصل إلى وجهه، وردد ببرود مصطنع:
_ قلة ذوق متناهية
نظر حيث تجلس إيمان وتابع:
_ مش عارف مستحملاه إزاي دا
مدت إيمان يدها واحتضنت يد بلال بقوة وقالت:
_ دا أحلى حاجة حصلتلي
تفاجئ بلال من ردها وطالعها لبرهة ثم أنتبه على تعقيب يوسف الساخر:
_ والله ولقيت لك حد يحبك يا بيلو
ردت إيمان متعمدة ردها:
_ وهو مين يعرفه وميحبوش يا سي يوسف؟
قهقه بلال عالياً ثم نظر لصديقه بانتصار كأنه هزم جيش من الأعداء وعلق بعجرفة:
_ شكلك بقى وحش أوي
"لا دا أنت محتاج تعمل نضارة يا بلال"
هتفت لينة فحازت على نقطة أمامهما، التقط يوسف يد لينة وقام بتقيبل كفها الصغير ثم وجه نظره على صديقه وأخرج لسانه مع رسمه لبسمة منتصرة.
انتبهوا إلى تعليق إيمان المستاء:
_ بجد أطفال
أيدت لينة رأيها:
_ أوي بجد أومال سيبتو لنا إيه
حركت إيمان رأسها مستنكرة تصرفاتهما الحمقاء ثم قالت بلطف:
_ تعالى يا لينة معايا نحضر العشا
وافقتها لينة وكادت أن تنهض إلا أن يوسف لحق بها وأمسك يدها ثم همس بمكر:
_ ما تخليكي، أكمل لك الحاجات اللي أنتِ مش مهتمة بيها
جمعت لينة قوتها وسحبت يدها ثم رمقته باحتقار واقتربت من إيمان التي كانت تنتظر قدومها، بينما نهض بلال واصطحب يوسف إلى الشرفة لحين انتهاء السيدات من وضع الطعام.
بعد وقت، جلس أربعتهم حول المائدة يتناولون الأطعمة الشهية، أخذ يوسف يتناول بشراهة وهلل عالياً:
_ تسلم إيد الكبابجي والله
انفجر بلال ضاحكاً ونظر إلى إيمان التي رددت متسائلة:
_ هو عرف منين إننا جايبين من عنده
أوضح لها بلال بصوته الأجش:
_ يا بنتي دا صاحب المطعم أول ما يعرف إننا رايحين ناكل بيفضي المكان
قطبت إيمان جبينها بغرابة وتسائلت بفضول:
_ ليه؟
تولى يوسف مهمة الرد:
_ لأننا بنخلص على كل الأكل اللي موجود
كانت إيمان مذهولة وتبادلت النظرات المتعجبة مع لينة وسألتها بعفوية:
_ أنتِ مصدقة الكلام ده؟
نفت بحركة من رأسها مرددة:
_ تؤ
تبادلا الشباب النظرات ثم انفجرا في الضحك، فأثارا فضول الأخريات وتسائلن عما حول ضحكاتهما، لكنهما رفضا البتة إخبارهن، واكتفى بلال بقول:
_ كنا بتاخد راحتنا شوية
لم تكن إجابة كافية فعادت إيمان متسائلة:
_ بتاخدوا راحتكم إزاي يعني؟
ربت بلال على ذراعها قبل أن يردف:
$ كلي يا حبيبتي كلي وسيبك من الكلام دا
لم تعقب مرة أخرى على ما يبدو أنه أمر خاص بينهما ففضلت الصمت، انتهوا من تناول الطعام، ثم ساعدتها لينة على توضيب الطاولة وأحضرو الحلوى ليتناولوها سوياً.
اقترحت لينة لُعبة يلعبونها جميعاً حيث بدأت في شرحها:
_ واحد هيبدأ يقول أغنية ويقف عند كلمة وآخر حرف من الكلمة دي التاني يبدأ بأغنية بيها
وافقوها الرأي فصاحت قبل البدء:
_ يوسف يبدأ لأنه بيجي عند دوره ويخلع
رمقته بتحدٍ، فلقد أغلقت أمامه جميع سُبل الهرب، اضطر إلى فعل ذلك من أجلها وبدأ يدندن:
_ غلبني الشوق، وغلبني، غلبني وليه البعد، دوبني، دوبني ومهما البعد، حيرني..
نظر إلى لينة بتحدٍ وأردف مقللاً من قدراتها:
_ ورينا شطارتك
قلبت لينة عينيها مستاءة وبإقتضاب هدرت:
_ أنت فاكر إنك كدا بتعجزني يعني، هه
ابتسمت بتعالي ثم فكرت سريعاً وبدأت تدندن حينما وصلت إلى أغنية:
_ يا أجمل عيون وأحلى عيون صحيتي ليل العاشقين صحيتي الشوق من غير معاد..
نظرت حيث تجلس إيمان وقالت:
_ حرف الدال، ابدأي
نظرت إلى الأعلى تفكر جيداً في مقطع يبدأ بحرف الدال، ثم أسرعت في قول ما أتت به:
_ دا حبيبي عارفين يعني إيه حبيبي يعني الدنيا في عنيا وأغلى الناس عليا..
وجهت نظريها إلى بلال الذي صاح:
_ يعني إيه ااا دي لا منها ألف ولا منها حرف عدل، تدخل يوسف مقترحاً:
_اعتبره ألف ومتلفش وتدور علينا..
أماء بلال مردداً:
_ ألف ممم..
صمت قليلاً ثم أتى بأحد الأغاني فقال:
_ أنا مش عارفني أنا تهت مني أنا مش أنا
انفجر جميعهم ضاحكين وتابعوا لعبتهم، كما لعبوا المزيد من الألعاب المسلية، كان وقتاً ممتعاً للغاية للجميع، استأذن يوسف من صديقه للمغادرة، فلقد تأخر الوقت وعليهما الذهاب، عادا إلى المنزل، أسبقت لينة خطاها إلى غرفتها، لكنه تبعها وكاد أن يدلف معها إلا أنه تفاجئ بوضعها ليديها على صدره مانعة إياه من الدخول قبل أن تردف:
_ تصبح على خير يا يوسف
أخفض يوسف نظريه على يديها الموضوعة على صدره، شعر بإهانة لم يشعر بها من قبل، وكأنه يفرض ذاته عليها، عاد بأنظاره إليها وقد تجهمت تعابيره التي استشفتها لينة وشعرت أنها اقترفت خطأ فادحاً.
أنزل يوسف يديها من عليه ورمقها بنظرات جامدة ومن ثم أولاها ظهره وتوجه ناحية غرفته دون تعقيب، فنادته هي بصوت نادم:
_ يوسف..
لم يجيبها فأسرعت خلفه مرددة بندم شديد:
_ يوسف بجد مش قصدي حاجة، أنا آسفة
وقف يوسف على باب غرفته من الداخل ومنعها من الدخول مردداً بنبرة حادة:
_ وأنتِ من أهله
أغلق الباب في وجهها تحت نظراتها المذهولة، لم تمنع عبراتها من السقوط، انسدلت بغزارة فلم تقصد أن تحزنه قط، عادت إلى غرفتها بعد وقتٍ تأكدت فيه من عدم خروجه لها.
أوصدت بابها وهرولت نحو الفراش ثم ألقت بجسدها أعلاه وجشهت باكية بحزن شديد، هي لم تقصد إحزان قلبه، لم يزورها النوم تلك الليلة، بل ظلت تبكي تارة وأخرى تركض نحو الباب لربما تلتقي به لكن دون جدوى، وعندما شرعت صلاة الفجر لم تراه على ما يبدو أنه أقامها في غرفته.
صباحاً، بالكاد أخذت قيلولة ساعتين، استيقظت وهرولت للخارج، وقعت عينيها على غرفته فكانت فارغة لا يوجد بها أحد، توجهت إلى الصالون باحثة عنه، المكان كان خالي من الجميع.
توجهت نحو غرفة السيدة ميمي وطرقت بابها بخفة فأتاها ردها من الداخل:
_ تعالي يا لينة
ولجت الغرفة ولم تنتظر ثانية حتى أردفت سؤالها:
_ هو يوسف مش هنا؟
أماءت ميمي برأسها وأخبرتها عن وجهته:
_ نزل من بدري، الحج سمير طلبه وقاله يجي يخلصوا اللي لسه فاضل عشان الإفتتاح بكرة
بعفوية قالت:
_ بس هو لسه تعبان..
تنهدت ميمي بنفاذ صبر وهتفت مستاءة:
_ والله قولتله بلاش نزول، الدكتور قال بلاش جهد وحركة زيادة بس أنتِ عارفة دماغه ناشفة إزاي
اكتفت لينة بإيماءة من رأسها بينما سألتها ميمي باهتمام:
_ أحضر الفطار عشان ناكل، أنا استنيت لماتصحي ناكل سوا
وافقتها لينة وخرجت من الغرفة، أتت بهاتفها وقامت بالإتصال على يوسف لكنه لم يجيب، أعاد تكرار الإتصال مراراً والنتيجة ذاتها، تأففت بضجر ثم أرسلت إليه رسالة على الواتساب:
_ أنت فين مش بترد ليه؟
انتبهت على قرع الجرس فنهضت لتفتح الباب، تفاجئت بوجود صديقتها التي صاحت مهللة:
_ إوعوا تكونوا فطرتوا، جايبة طعمية سخنة
"لا لسه، ماما ميمي بتحضر الفطار"
أجابتها لينة بينما تمتمت الأخرى:
_ طيب كويس..
دلفن بخطاهن نحو المطبخ، رحبت شهد بالسيدة ميمي بود:
_ إزيك يا طنط اخبارك إيه
بادلتها ميمي ابتسامة سعيدة لوجودها وقالت:
_ كويسة يا حبيبتي، حماتك بتحبك يلا عشان تفطري معانا وإوعي تقولي لا
تدخلت لينة ساخرة:
_ تقول لأ إيه دي جايبة طعمية وهي جاية
انفجرن في الضحك ثم هتفت ميمي مرحبة:
_ خير ما عملتي والله، دا أنا نفسي فيها
غمزت إليها شهد ورددت بمشاكسة:
_ أي خدمة
نظرت إلى لينة وقالت:
_ تعالي لما أوريكي جبت إيه امبارح
سارت كلتاهن إلى الخارج، ثم بدأت شهد تفرغ محتويات الحقيبة التي جلبتها معها موضحة:
_ نزلنا امبارح أنا وماما اشترينا شوية هدوم حلوين أوي، من حلاوتهم عايزة ألبسهم كلهم دلوقتي
علقت لينة ساخرة:
_ عشان كانت طنط عواطف علقتك
تأففت شهد بضجر وتمتمت بحنق:
_ هو أنا لسه هستنى لما أتجوز عشان ألبسهم!
أخذت نفساً ثم بحثت عن شيئ بعينه وقامت بإخراجه وقالت:
_ دول عجبوني أوي وحسيتهم شبهك، فجبتهم ليكي
تفاجئت لينة من لطف صديقتها ورمقتها بعينان لامعتين ثم شكرتها بحرج:
_ إيه الاحراج دا، ليه عملتي كدا؟
لكزتها شهد في ذراعها قبل أن تعاتبها بلطف:
_ إحراج إيه يا هبلة إحنا في بينا كدا، بس إيه رأيك؟
تفقدتهم لينة جيداً ثم أبدت رأيها:
_ تحفة أوي، بجد شكراً
تبادلن العناق بحميمية ثم تراجعن حينما حضرت السيدة ميمي، أسرعت لينة نحوها وهي تقول:
_ شوفي شهد جابت لي إيه
نظرت ميمي إلى القُمصان التي بيديها ورددت بإعجاب شديد:
_ حلوين أوي يا حبيبتي، تتهني بيهم
وجهت نظريها على شهد وشكرتها بلطف وامتنان:
_ شكراً يا شهودة
"شكراً على إيه يا طنط دي أختي"
علقت شهد على حديث ميمي التي رددت وهي تجلس على كرسيها:
_ ربنا يخليكم لبعض يارب
ثم حثتهم على المجيء بقولها:
_ يلا تعالوا والأكل سخن
جلسن كلتاهن على الطاولة وبدأن يتحاورن في أحاديث مختلفة، اهتز هاتف لينة معلناً عن وصول رسالة فأسرعت بالتقاط هاتفها ونظرت به فكان رد يوسف مختصراً للغاية حيث أرسل لها:
"مشغول مش فاضي أرد"
عبست تعابيرها فاستفشت شهد ذلك، وانتظرت حتى انتهين من الطعام ثم اقتربت من لينة وهمست بقرب أذنها:
_ تعالى ندخل الأوضة، عايزاكي..
استأذنا من السيدة ميمي وولجن إلى غرفة لينة، وسرعان ما انهالت شهد عليها بالأسئلة:
_ مالك؟ واضايقتي ليه بعد ما جالك رسالة وإحنا برا؟
تنهدت لينة بحزن وتوجهت نحو الفراش، اعتلت طرفه ونكست رأسها قبل أن تخبرها:
_ يوسف زعلان مني..
جلست شهد بجوارها متسائلة بجدية:
_ ليه إيه اللي حصل؟
طالعتها لينة بحرج شديد، فكيف ستخبرها بذلك، أعادت خفض رأسها وهي تفكر جيداً في ما ستقوله، قطبت الأخرى جبينها بغرابة من حالتها المريبة وهتفت بعدم استيعاب للأمر:
_ في إيه يابنتي ما تنطقي
اعتدلت لينة في جلستها حيث جلست القرفصاء ورددت كلماتها بعناية حتى لا تخرج عن المألوف:
_ بصي، بصراحة كدا أنا عملت حركة وحشة أوي امبارح، أينعم مكنتش متوقعة ردة فعله هتكون كدا بس برده معرفش وقتها فكرت إزاي
استندت شهد بذقنها على راحة يدها متسائلة بفضول:
_ ممم عملتي إيه؟
ابتلعت لينة ريقها وأخبرتها بتردد:
_ رجعنا من برا وكان عايز يدخل الأوضة عندي بس أنا منعته..
تأففت لينة بضجر بائن لتصرفها الأحمق ثم انتبهوا على سؤال شهد:
_ وأنتِ عملتي كدا ليه؟
بتلقائية هدرت:
_ عشان ميحاولش يقرب مني..
عضت على شفاها السفلى بخجل بينما لم تستوعب شهد بعد مخذى حديثها:
_ يقرب منك إزاي يعني؟
احتدت ملامح لينة بضيق، فكيف ستشرح لك ذلك؟ تنهدت ثم صاحت بنفاذ صبر:
_ يقرب لي يا شهد افهمي
لحظة إدراك معنى حديثها، فتشكلت على شفتي شهد ابتسامة عريضة، فنهرتها لينة بقوة:
_ مش عايزة ضحك ولا تريقة وإلا مش هكمل
حاولت شهد جاهدة إخفاء ابتسامتها ورددت بلهفة:
_ خلاص خلاص، كملي
"مفيش بس كدا، من امبارح وهو مش بيكلمني مش عارفة أعمل إيه بقى"
أردفتهم لينة بقلة حيلة، بينما تابعت شهد أسئلتها الفضولية:
_ وأنتِ مش عايزاه يقرب ليه؟ مش دا يوسف حبيب القلب؟ إيه اللي حصل؟
فركت لينة أناملها بحياء، ولم تستطيع مواجهة شهد، عضت على شفتيها وهي تجيبها:
_ الموضوع مختلف خالص في الحقيقة، معرفش مش حاسة إني هقدر أعمل اللي هو عايزه
تجهمت تقاسيمها بحنق وواصلت إيلام نفسها:
_ أنا غبية، بس والله غصب عني
تقوس ثغر شهد للجانب مشكلة إبتسامة ماكرة وهي تهتف بخبث:
_ واللي يخليه هو اللي يجي يصالحك؟
رفعت لينة رأسها سريعاً وهللت بلهفة:
_ دا أنا أعمله كل اللي هو عايزه
رفعت شهد حاجبيها بتعالى وبدأت تخبرها خطتها:
_ بصي ياستي، أنتِ تصوري القيمصان اللي أنا جبتها دي وتبعتيهاله وتقوليله أنهى واحد أحلى؟
وإن هو مبدأش كلام معاكي ميبقاش إسمي شهد
استنكرت لينة خطتها وعارضتها مستاءة:
_ قيمصان إيه اللي أبعتها، دي فاضحة أكتر ماهي ساترة
بتلقائية قالت:
_ ما هما دول اللي هيخلوه يكلمك، جربي ومش هتندمي
حركت لينة رأسها برفض تام فلم تعيرها شهد إهتمام لرفضها وبحثت عن هاتفها ثم فتحت المراسلة بينها وبين يوسف فحاولت لينة أخذه منها لكنها رفضت شهد بكل الطرق إعطائه لها مرددة:
_ والله ما هتاخديه، هبعت يعني هبعت
لم يكن هناك مفر، اضطرت لينة إلى الإستسلام أمام إصرار صديقتها، تنحت جانباً ووضعت يديها على فمها وهي تتابع ما تفعله الأخرى، قامت شهد بتصوير الثياب وأرسلتهم له، ثم أرسلت سؤالاً أسفلهما:
"تفتكر أنهي واحد هيكون حلو عليا؟"
ابتسمت بانتصار ثم نظرت حيث تجلس لينة التي هتفت بضعف:
_ وريني عملتي إيه
اقتربت منها شهد وأعادت لها الهاتف، شهقت لينة بصدمة حينما رأت ما أرسلته وصاحت برفض:
_ إحنا متفقناش على كدا، إيه أنهي واحد هيكون حلو عليا دي؟
حركت رأسها مستنكرة ذاك التصرف الوقح وهتفت:
_ لا لا أنا همسحه قبل ما يشوفه
بسلاسة وسرعة لم تلاحظها لينة خطفت منها شهد الهاتف مانعة إياه من مسح ما تريد، ورددت بتهكم:
_ اسكتي واهدي شوية، شوفي ترتيبات شهد هتوديكي لفين
"هتوديني في داهية"
تمتمت بها لينة وعقلها يحثها على التراجع عما فعلته، لكن كيف أمام إصرار شهد الطاغي، فما كان منها إلا أن تجلس في زواية تنتظر رده بتوجس شديد..
***
طقطق يوسف عنقه بتعب، سحب هاتفه من جيبه ليتفقد الرسالة الواردة، تفاجئ بما أرسلته لينة وسرعان ما أغلق الهاتف لكي لا يراه أحد، استأذن من السيد سمير ومن معه من العمال وتوجه إلى آخر زاوية لا يمكن لأحد أن يراه بها وأعاد فتح الرسائل مرة أخرى.
تعجب من جرأتها فلم يحظى بها إلى الآن فما الذي يحدث لها، طرد أفكاره المزعجة وسار يتنقل بين الصور يتفقدها جيداً، تقوس ثغره ببسمة عريضة، على ما يبدوا أنها تريد مصالحته بطريقة مثيرة.
لن ينكر أنها قد نالت إعجابه، تنهد ثم أرسل لها نصاً بنوايا ماكرة:
_ "مش هيظهروا غير في اللبس"
وقعت رسالته على مرأى عيني لينة ورددت بحنق:
_ ياربي على البرود بجد، أي كلام المهم ميقولش رأيه، أوف
نظرت حيث صديقتها التي فغرت فاها من خلف رد فعلها الساذج وهتفت متسائلة:
_ بتبصيلي كدا ليه؟
قلبت شهد عينيها وصاحت عالياً:
_ يخربيت الغباء والله، دا عايزك تلبسيهم يا حبيبتي
فغرت الأخرى فاها بصدمة وظلت ترمق شهد بذهول، ثم تفقدت الرسالة مرة أخرى وبالفعل استشفت معناها، ألقت الهاتف جانباً وتمتمت والرفض يتجلى في نبرتها:
_ دا بعينه، آل البسهم آل
"هبلة"
علقت شهد بتهكم، نهضت عن الفراش وقالت:
_ أنا همشي عشان مقولتش لأمي إني هتأخر كدا
ابتعدت عدة خطوات ثم التفت برأسها وأردفت بإبتسامة ماكرة تغزو شفتيها:
_ ويمكن حد كدا يرجع في رأيه
تذمرت لينة في ردها:
_ بعينك أنتِ وهو
"طيب"
اكتفت شهد بقولها ثم تابعت خروجها، ودعت السيدة ميمي وغادرت المنزل، بينما عادت لينة إلى غرفتها، ظلت تتفقد رسالته تارة وتارة أخرى تنظر إلى القُمصان الموضوعة على الفراش.
تأففت بضجر ورددت بإقتضاب:
_ مش هعمل كدا لأ..
أطالت النظر عليهما وظهرت على شفتيها إبتسامة حماسية قبل أن تردد:
_ بس مفيش مانع نجربهم
أسرعت في ارتداء أول قميص وظلت تتلفت حول نفسها، تطالع صورتها المنعكسة بخجل، تحاول إخفاء ابتسامتها الخجلة لكنها لا تنجح في منعها، استدرات وطالعت ذاك الهاتف الموضوع على الفراش لوقت وبتردد شديد أقنعت عقلها أن تأخذ فقط صورة لها.
قامت بارتداء الآخر ولم تخلعه قبل أخذ صورة به، عادت إلى الفراش وفتحت المحادثة بينهما تعيد قراءة رسالته، تغلق هاتفها تارة وتارة تفتح ألبوم الصور، لا تدري أيهما الأصح، هل ترسل له كما يريد أم تتمسك بما يحثها عليه عقلها؟
أوصد عينيها وهي تدعس على زر إرسال بعدما حددت الصور، ثم تمسكت بالهاتف بقوة في انتظار رده بفروغ صبر..
على جانب آخر، كان يوسف يتابع عمله لكنه كان يتفقد هاتفه من آن لآخر ليرى ما أن كانت أرسلت إليه صوراً أم لا، بعد وقتٍ شعر بدوار فلم يطيل في وقوفه وأخذ استراحة بعيداً عن الجميع.
اهتز هاتفه فأخذ يتصفح به فوجد أنها أرسلت إليه الصور، مال برأسه قليلاً وهو يتفحصهم جيداً ثم ظهرت على شفتيه إبتسامة رضاء عنهما، شعر حينها أنه محظوظ للغاية لامتلاكة فتاة جذابة مثلها.
"تعبت ولا إيه"
صدر صوت "علي" مهتماً لأمره فأسرع يوسف في غلق هاتفه سريعاً قبل أن تقع عينه على الصور، رفع يوسف بصره عليه وأجابه:
_ شوية بس تمام يعني
جلس علي مقابله وتحدث بشهامة:
_ لو تعبان روح أنا موجود متقلقش
مال يوسف للأمام ليكون قريباً منه وربت على قدمه ممتناً له:
_ تسلم يا حبيبي، أنا هبقى كويس إن شاء الله
بإمتنان واضح أردف علي:
_ والله أنا نفسي أرد لك جزء بسيط من اللي بتعمله معانا، دا كفاية إنك شغلتني معاك
قبض يوسف على قدمه واستنكر يا يقوله:
_ بطل بقى الكلام اللي يضايق دا، قولتلك ١٠٠ مرة قبل قبل كدا أنت أخويا ولو أقدر أعمل أكتر من كدا مش هتأخر.
بادله علي إبتسامة ممتنة ثم انتبها كليهما على نداء السيد سمير، فنهضا معاً وتوجها إليه ليتابعا عملهما حتى ينتهيا قبل حلول الليل.
على الجانب الآخر، كانت تجلس ممسكة بالهاتف في انتظار إجابته بعدما تأكدت من رؤيته لما أرسلته، نفخت بضيق ورددت بحنق:
_ دا إيه دا بقى؟
انتظرت بضعة دقائق أخرى على أملاٍ رده لكن دون جدوى، جابت الغرفة ذهاباً وجيئا والنتيجة ذاتها، لا يرسالها، ألقت الهاتف على الفراش بعصبية ثم أبدلت ثيابها وخرجت من غرفتها باحثة عن شيئ تشغل به عقلها عن ذاك اليوسف.
***
أصوات ضجيج الأطفال يدوي في المكان، وكذلك أحاديثهن التي ليس لها بداية ولا نهاية، سمع أحد الصغار طرقات أحدهم على الباب فهم بفتحه وإذا بها زوجه خاله.
ابتسمت له ثم قالت بمداعبة:
_ إزيك يا صغنن
أجابها بطفولة:
_ الحمد لله
"مين يا يامن"
تسائلت هدير ثم رحبت بإيمان بحفاوة حينما رأتها:
_ تعالي، أخبارك إيه؟
حمحمت وبحرج قالت:
_ الحمدلله أنتِ عاملة إيه
اختصرت هدير في إجابتها:
_ لحمد لله يا حبيبتي
حضرت هدى وتبادلن العناق والقبلات وكذلك السيدة شهيرة، التي جائت على استحياء شديد، فلم تنسى موقفهما بعد، لكنها كانت متفاجئة بترحيب إيمان لها وكأنها تتعمد فعل ذلك لكي تمحي الحرج منها.
مدت إيمان يدها فظهر ذاك المفتاح التي تركته شهيرة عمداً أمس وقالت بلطف:
_ نسيتي المفتاح لما كنتي عندي يا ماما
وزعت شهيرة نظراتها بينها وبين المفتاح، اجتاحها الخجل من خلف موقفها النبيل، ابتسمت لها بخجل شديد وأخذت منها المفتاح ثم رددت عالياً:
_ كويس إنك نزلتي اليوم كان ناقصك
"أنا عارفة إن هدير وهدى بيكونو هنا النهاردة فنزلت أقعد معاهم"
هتفت بهم إيمان ثم انشغلت بين اللعب مع الصغار تارة وتارة أخرى بين الأحاديث التي تناولنها الفتيات.
***
حل المساء، حاملاً للتعب معه، فلم يعد هناك أحد يستطيع مواصلة العمل بسبب إنهاك روحه وجسده، سمح لهم السيد سمير بالذهاب حينما تأكد بنفسه من أن المكان في استعداده التام لعمل الإفتتاح غداً.
اقترب علي من يوسف وسأله وعينيه تجوب ثغرات بعينها في المكان:
_ يوسف، مشوفتش موبايلي؟
نفى يوسف رؤيته للهاتف قائلاً:
_ لا مشوفتوش، خد موبايلي رن عليه
أعطاه يوسف الهاتف ثم أخبره بذاك الرمز الرقمي لكي يستطيع فتحه، فتحه علي وهو يبتعد عنه لكي يصغي إلى رنين هاتفه، صعق حينما وقعت أمامه صور لينة، فلم يخرج يوسف من المحادثة بعد، أشاح نظره سريعاً عن الصور، وبالكاد جاهد لمنع نفسه من التطاول عليهما.
انتابه مشاعر عديدة من بينهم الغيرة على شقيقته ومنها الغضب لفعلتها الوقحة، فكيف تتجرأ وترسل إليه مثل تلك الصور الجريئة؟
ابتعد عن يوسف وقام بالإتصال على هاتفه حتى وصل إليه، أعاد الهاتف لصاحبه الذي لاحظ عبوس وجهه فسأله مستفسراً:
_ مالك في إيه؟
بنبرة حادة جامدة أجاب:
_ مفيش حاجة
دنى منه يوسف معيداً سؤاله بخفوت:
_ لا بجد مالك، حصل حاجة؟
اكتفى بتحريك رأسه فلم يطيل يوسف، ربما لايريد إخباره الآن، أنتبه على صديقه الذي هلل على مقربة منهما:
_ تصبحو على خير
"وأنت من أهله"
رددها يوسف ثم انسحب إلى سيارته برفقة علي الذي وقف وقال:
_ أنا هستنى تاكسي
استنكر يوسف كلماته وحثه على الركوب بقوله:
_ اركب يالا تاكسي إيه اللي هتلاقيه الساعة ١ في شارع زي دا
عارضه علي بنبرة يتوهج منها الرفض والضيق:
_ روح أنت يا يوسف أنا هعرف أرجع لوحدي
تأفف يوسف عالياً وصاح مستاءً:
_ هو أنا يابني زعلتك في حاجة عشان كل دا؟
طال علي النظر ثم لم ينجح في الإجابة عليه فقام بالركوب حتى يهرب من سؤاله، بينما وقف يوسف لبرهة يعيد ما حدث اليوم لربما أحزنه دون قصد لكن في النهاية لم يجد شيئ.
استقل خلف مقوده وتحرك بالسيارة قاصداً ذاك الفندق الذي يمكث به علي، وصلا بعد مرور بضعة دقائق، كاد علي أن يترجل إلا أن كلمات يوسف أرغمته على التريث والنظر إليه:
_ ما تيجي نشوف لك شقة صغيرة عندنا هناك تكون إيجار بدل قعدتك هنا
رفض علي معللاً أسبابه بإقتضاب:
_ لا ملوش لزوم، كدا كدا أنا مش قاعد كتير، وقت ما الدراسة هتبدأ هرجع انجلترا تاني..
"وهتسيب لينة تاني؟"
تسائل يوسف مهتماً لأمره فتاته، حتماً سيحزنها ذاك الخبر، بينما أخرج علي تنهيدة قبل أن يجيبه:
_ أنت ولينة في الآخر هتتجوزوا، يعني قعادي هنا ملوش لازمة طلاما هي معتمدة على غيري..
آخر كلماته أثارت الريب داخل يوسف، لكنه لم يعقب، لم يدري بأي كلمات يتحاور بها معه، أهو يغار على شقيقته منه أم أنه بات أنانياً لا يفكر سوى في نفسه مثلما تعلم في دولته المبجلة.
تبادلا النظرات حتى قطعها علي بهروبه:
_ تصبح على خير
وفي غضون ثوانٍ كان قد اختفى خلف باب الفندق، فعاد يوسف بأدراجه إلى منزله، وعقله منشغلاً بحالة علي المريبة، فلم يكن هكذا منذ دقائق فما الذي حدث لكي يصبح على حالته تلك؟
لم يصل إلى إجابة ترضيه، لكنه وصل إلى منطقته، صف السيارة وصعد درجات السُلم، دلف المنزل وكان السكون دون غيره يعم المكان، فتوجه مباشرةً إلى غرفته.
"يوسف"
نادته من خلف بابها حتى لا يستطيع الهرب، أسرعت نحوه فنهرها هو بحدة:
_ أنتِ راحة فين كدا، ارجعي أوضتك تاني..
قالها يوسف وهو يطالع خصلاتها المحررة فقالت هي:
_ زياد مش هنا...
بتجهم واضح في تعابيره ونبرته الجامدة قال:
_ ولو، متخرجيش كدا برده
أولاها ظهره ودلف غرفته، تأججت نيران الغيظ داخلها ولم تستطيع الوقوف مكانها، هرولت خلفه وأغلقت الباب لكي لا يصل صوتها إلى السيدة ميمي، وصاحت بحنق ونفاذ صبر:
_ أنت بتعاملني كدا ليه؟ أنا عملت إيه لكل الزعل دا
ببرودٍ أمرها:
_ ارجعي أوضتك يا لينة..
رفضت البتة الذهاب لغرفتها قبل أن يصلحا الأمور بينهما، أخذت تتنفس بقوة وهي تقترب منه وهللت باندفاع:
_ لا مش هروح في حتة، قبل ما أعرف عملت إيه يستاهل زعلك مني؟
بلهجة باردة للغاية أجابها:
_ قُربي منك بيضايقك، وأنا مبحبش أضايقك أبداً
صمت كليهما، وتبادلا النظرات، كانت لينة في وضع لا تحسد عليه، شعرت بالخجل الشديد، ابتلعت ريقها ورددت بندم:
_ والله مقصدتش أزعلك، هو تصرف رخم أنا عارفة، بس متوقعتش أنك تدي ردة فعل كبيرة كدا..
"وأنتِ عايزاني مزعلش لما ألاقيكي أنتِ بالذات بتمنعيني عنك؟"
رددها يوسف معاتباً إياها، أخفضت هي رأسها بحرج شديد، تمنت لو تصر على الدخول خلفه، لكن عليها الآن إصلاح ما اقترفته في حقهما، لكن كيف؟ كيف سيتغاضى يوسف عما فعلته؟
لم يكن أمامها سوى حلاً دون غيره، حقاً لا تعلم كيف ستفعل ذلك، لكنه أملها الوحيد لتوطيد علاقتهما ثانيةً، أعادت وضع خصلاتها خلف أذنها واقتربت منه على استحياء، حتى باتت ملاصقة له، وقفت على أصابع قدميها لكي تكون في مستوى قامته وبرقة مبالغة طبعت قُبلة على طرف شفتيه.
ثم همست بندم:
_ أنا آسفة..
شعر يوسف بالهياج في نبضاته، فهي قد فجائته بتصرفها العفوي، طالت مدة استيعابه للأمر ففهمت لينة أنه لم يرضى بذلك، نكست رأسها في حزن وهتفت:
_ أنا بجد مكنتش أقصد أزعلك، أنا آسفة..
أولاته ظهرها وتوجهت نحو الباب، جاهدت كثيراً في السيطرة على عبراتها حتى تعود إلى غرفتها، كادت أن تخرج إلا أنها تفاجئت بغلقه للباب مانعاً إياها من الخروج.
استدرات بجسدها لتعلم حقيقة ما يحدث، لكنه لم يعطيها فرصة، فلقد فاجئها بقُبلة اخترقت شفتيها،
حشرت لينة أنفاسها من هول المفاجأة، تجمدت مكانها فلم تبادله مشاعراً، لأنها لم تستوعب الأمر بعد.
توقف يوسف لكنه لم يبتعد، وهمس أمام شفتيها:
_ بحبك..
ابتلعت ريقها مراراً وهي تطالع بندقيته، اكتفت ببسمة خجولة وهي تعض على شفاها، بينما همس هو متسائلاً:
_ عايزة تخرجي؟
حقاً تريد الهروب من أمامه الأن، لكن إلى متى ستهرب منه؟ في النهاية هو زوجها، ولا تفعل شيئ محرم، رفعت يدها وأعادتها خلف ظهره، ثم تحسسته بخفة فرجف جسده بقوة وكاد أن يذوق شهدها مرة أخرى لكنه تريث، فلن يفعل شيئ دون رضاها.
انحنى عليها وهمس:
_ ها؟
وضعت يدها الأخرى على ذقنه وتحسستها برقة مجيبة إياه بخفوت:
_ تؤ...
إجابتها كانت كفيلة لأن تنهار حصونه، عاد يقبلها بنهم، ثم رفعها عن الأرضية وتوجه بها إلى أريكته، متبادلين مشاعرهما معاً.
بعد فترة، نظر إليها يوسف بعشق وهو يداعب خصلاتها، شكل إبتسامة جذابة متذكراً أمر صورها:
_لا بس الصور جامدة
بخجل يشوبه التهكم همست:
_ آه عشان كدا مردتش عليا
قهقه قبل أن يردف مازحاً:
_ كنت تقلان..
قلبت عينيها مستنكرة رده ورددت ما قاله مستاءة:
_ تقلان آه..
مرر يوسف أنامله على وجنتها بنعومة وهتف:
_ تقل إيه بقى ما خلاص دوبت!
لم تمنع ابتسامتها التي غزت شفتيها لكن سرعان ما اختفت حينما وقع على آذانها صوت غلق باب الشقة، انتفضت لينة من مكانها وتمتمت بتوجس:
_ زياد جه، هخرج إزاي؟
نهض يوسف وبنبرة هادئة أردف:
_ ششش إهدي..
مد لها يده وقال:
_ تعالي
أمسكت في يده ثم تبعته إلى الباب، أوقفها جانباً ثم فتحه ومنع أخيه من الدخول بوضع يده على صدره وهتف أمراً:
_ أوقف برا شوية يا زياد..
قطب زياد جبينه بغرابة من أمره، وسأله مستفسراً:
_ ليه؟
دفعه يوسف للخارج قائلاً بفتور:
_ اسمع الكلام من غير أسئلة
لمح زياد طيف أحدهم من ثغرة الباب، فابتسم بخبث وتمتم بخفوت:
_ آه طيب، الله يسهلوا
لكزه يوسف في صدره بقوة وصاح:
_ امشي يا غلس..
أولاه زياد ظهره وعاد للخارج، بينما عاد يوسف إلى فتاته وقام بتقبيل ثغرها سريعاً ثم قال:
_ يلا ارجعي أوضتك بسرعة
هرولت هي مسرعة إلى غرفتها ثم نادى يوسف على شقيقه ليأتي، لم يكف زياد عن المزاح الثقيل وإلقاء الكلمات الساخرة:
_ الله يسهلوا يا سيدي، دا أنا أنجز بقى في أوراق الجيش عشان تاخد راحتك..
بلغ يوسف ذروة تحمله لسخافاته ونهره بعنف:
_ خلصنا يا زياد، مش معنى إني سمحت لك مرة تسوء فيها، أنا مبحبش كدا
شعر زياد بالحرج حيال كلمات أخيه لكن حاول عدم إظهار ذلك فقال مختصراً:
_ خلاص ياعم مقولناش حاجة
بدل ثيابه سريعاً وذهب للنوم هارباً من نظرات يوسف، بينما تمدد الآخر على الفراش لكنه لم يستطيع النوم بسهولة، فمشاعره مازالت مضطربة، لم يشعر بالاكتفاء منها، على الرغم من كونه خطى أول خطوة أراد فعلها، لكن هناك شعوراً قوي داخله يطمع في المزيد.
نهض حينما فشل في طرد أفكاره، خرج من الغرفة وتوجه نحو المرحاض، لينعم باستحمام بارد لربما ينسى أمر رغباته.
***
في الغرفة المجاورة، تفاجئت لينة بعدد الإتصالات التي قام بها علي، فأعادت هي الإتصال به قلقة من شأن هذا الكم من المكالمات.
بلطف حادثته:
_ علي.. أخبارك إيه؟
جائها نبرته التي لا تبشر بالخير:
_ أنت إزاي تعملي كدا يا لينة؟
عقدت حاجبيها وتسائلت مستفسرة عما يقصده:
_ عملت إيه؟
بانفعال شديد هدر بها شزراً:
_ إزاي تبعتي صور بالشكل دا ليوسف؟
صعقت لينة ناهيك عن قلبها الذي انقبض بذُعر، كم تمنت أن تختفي قبل أن تقع كلماته على أذنيها، ابتلعت ريقها ولم تستطيع مواجهته فتابع هو بغضب:
_ كنت فاكر أختي محترمة بس طلعت غلطان، دا أنا من وقت ما شوفت الصور وأنا هتجنن، مش قادر أستوعب إنك تعملي كدا، ومن وقتها و١٠٠ سؤال في دماغي، يا ترى بقى بيحصل إيه بينك وبينه عشان تبعتي له صور زي دي؟
لم تتحمل لينة إهانته التي مست كرامتها وأنهت الإتصال على الفور، قامت بغلق الهاتف لكي لا يستطيع الوصول إليها، ثم انفجرت باكية، كانت تبكي بحرقة على كلماته المهينة، يزاداد نحيبها كلما تذكرت أنه رآى صورها بهذا الشكل.
لم تتوقف عبراتها قط، كان قلبها يؤلمها بشدة، وصدرها يعلو ويهبط حتى شعرت بالإختناق يجتاحها، ارتفع سعالها بشدة وشعرت بأنها تريد التقيأ، خرجت مسرعة نحو المرحاض أثناء خروج يوسف منه.
تفاجئ بحالتها وكاد أن يسألها عن سببها لكنها هرولت للداخل وأفرغت ما يوجد في معدتها جميعاً، اقترب منها يوسف فشعر برجفة جسدها، بهدوء قام بضمها فلمست صدره العاري، لم يكن يرتدي سوى منشفته التي تحاوط خصره.
لم تتحلى بقدرة مبادلته العناق، فشعر هو بضعف حيلتها حينها، ساعدها على الوصول إلى صنبور المياه ثم مسح على وجهها بالماء وبعض خصلاتها ثم ساعدها على العودة إلى غرفتها.
جلست لينة ولم يتركها هو، لم يبعدها قط عن حضنه، بل كان يملس على خصلاته تارة وتارة يربت على ظهرها بحنو مع ترديده بعص الكلمات الحنونة:
_ اهدي يا لينة، أنا هنا..
مرت بضعة دقائق حتى شعر باستكانة جسدها، فلم يعد يشعر برجفتها وكذلك شهقاتها التي يتردد صداها في صدره، أبعدها عنه واحتضن وجهها بين يديه وسألها باهتمام:
_ في إيه؟ ليه كل دا؟
طالعته لبرهة مترددة في إخباره فحثها هو على البوح:
اتكلمي يا لي لي..
أخذت نفساً عميق وتحدثت بصوت متحشرج:
_ يوسف، أنا عايزة اطلب منك طلب..
•تابع الفصل التالي "رواية حرر هواك فالحب بات معلنا" اضغط على اسم الرواية