رواية حرر هواك فالحب بات معلنا الفصل الحادي والثلاثون 31 - بقلم تسنيم المرشدي
«حرِر هَواكِ فَالحُب بَات مُعلنَا»
«الفصل الحادي والثلاثون»
***
بصوت باكي يقطعه شهقاتها التي تحاول السيطرة عليهم أردفت:
_ تعالى نتجوز!
تفاجئ يوسف من طلبها، فكان مريباً بالنسبة له، عقد حاجبيه وردد دون فهم:
_ طيب ما إحنا متجوزين أصلاً يا حبيبي..
ابتلعت ريقها وطالعت عيناه قبل أن توضح:
_ أقصد نتجوز، يعني نكون في بيت لوحدنا..
ضاق يوسف بعينيه عليها، فلم يستشف بعد سبب طلبها، وحالتها التي باتت عليها، حاول التحلي بالصبر قدر المستطاع وتسائل بهدوء:
_ طب ممكن أفهم إيه السبب اللي يخليكي في الحالة دي، وكمان تطلبي طلب زي دا فجاءة كدا
زمت شفتيها محاولة السيطرة على بكائها، أخفضت بصرها، فلم تكن بتلك الشجاعة حتى تواجه عينيه وهي تخبره:
_ علي شاف الصور اللي بعتهالك..
تفاجئ يوسف مما وقع على أذنيه، صمت ساد لبرهة قبل أن يعود متسائلاً:
_ شافهم إزاي؟
رفعت كتفيها بمعنى أنها تجهل ذلك، عاد يوسف بذاكرته عندما أخذ منه الهاتف لكي يقوم بالإتصال على هاتفه، أوصد عينيه لاعناً غبائه، فكان الهاتف مغلقاً على محادثته معها، حتماً رآها حينما فتح الهاتف.
أخرج يوسف تنهيدة، وقد علم الآن سبب تحوله المفاجئ، عاد بأنظاره إلى لينة وتسائل:
_ قالك إيه؟
تذكرت هي بشاعة كلماته ثم جهشت باكية وهي تردد بحزن شديد:
_ قال كلام وحش أوي، وقال إني مش محترمة..
ازداد نحيبها فضمها يوسف مرةً أخرى إلى صدره، ربت على ظهرها بحنو، ثم ردد:
_ملوش حق يقولك كدا..
تراجعت للخلف واستنكرت كلماته وصاحت منفعلة:
_ ملوش حق إزاي؟ الصور مش كويسة، ومكنش ينفع أبعتها، مكنش ينفع أسمع كلام شهد من الأول أصلاً
لم يعي يوسف ما علاقة شهد بالأمر وردد باسمها:
_ شهد؟
أماءت وهي توضح مقصدها:
_ أيوة هي اللي قالتلي أبعت لك الصور لما حكيت لها إنك زعلان مني، هي اللي قالتلي هيصالحك بالطريقة دي..
كز يوسف أسنانه بضيق بالغ، فلم يعجبه الأمر، وعزم على محادثتها في ذاك الموضوع لكن ليس الآن، عليه أولاً أن يهدئ من روعها..
حاول ضبط حنجرته رغم ذلك خرجت خشنة:
_ أنتِ تطلبي طلب زي اللي طلبتيه دا لما أكون واحد من الشارع بقابلك من ورا أهلك، لكن أنا جوزك، ولا أنتِ عملتي حاجة حرام ولا عيب، ولو على "علي" فسبيه عليا أنا هتكلم معاه..
أسرعت لينة في رفض الأمر متوسلة إياه:
_ لا لا متتكلمش معاه في حاجة، مش عايزة مشاكل يا يوسف
"مشاكل إيه؟ أنا هقوله زي ما قولتلك كدا، عشان هو الظاهر عليه لسه صغير ومش مستوعب يعني إيه كتب كتاب"
هتف يوسف بحسم، أخرج زفيراً وواصل مسترسلاً:
_ هديتي؟
نفت بحركة من رأسها ثم قالت بخفوت:
_ كل ما بفتكر كلامه بتخنق أوي
أمسكت بيد يوسف وتوسلته في طلبها:
_ ينفع تخليك معايا شوية..
ابتسم لها وبصدر رحب أردف:
_ بس كدا تؤمري
نظر إلى حالته ثم هتف مازحاً:
_ هروح ألبس هدومي الأول قبل ما حد يشوفني كدا وتبقى فضيحة بجد
نجح يوسف في إضحاكها، نهض عن الفراش وقبل أن يغادر التفت إليها وسألها بخبث:
_ ولا تحبي أقعد معاكي كدا؟
أسرعت هي برفض وجوده على تلك الحالة:
_ لا روح البس هدومك..
غمز لها وصاح مشاكساً:
_ ولا أقعد؟
انفجرت هي ضاحكة بينما هو شعر بالرضاء لتلك الإبتسامة التي كان سبباً في رسمها، خرج من الغرفة وذهب ليرتدي ثيابه ثم عاد إليها، جلس على الفراش واستند على جداره بينما توسطت هي صدره محاوطة خصره بذراعيها، حتى شعرت بالسكينة حينها وغفت سريعاً.
***
بزغ الفجر، فصدح رنين هاتف يوسف، قلق على اهتزازته، سحبه من جيبه وأغلق المنبه، ثم تفقد تلك النائمة على صدره، فرك عينيه ثم ملس على وجنتها بخفة:
_ لينة، قومي..
لم تنتبه له فأعاد تكرار ندائه بنبرة أعلى:
_ يا لي لي، يا حبيبتي اصحي..
شعرت بيده التي تتحسس وجهها فرفعت عينيها للأعلى ناظرة إليه، تشكلت بسمة رقيقة فانحنى هو برأسها مقبلاً ثغرها قبل أن يردف:
_ قومي يلا الفجر أذن..
اعتدلت في جلستها، بينما نهض هو وردد بخفوت:
_ هخرج أنا قبل ما حد يصحى..
سار نحو الباب فتبعته هي بنعاس، التفت إليها وحدجها بنظرة ثاقبة قبل أن يتسائل:
_ أنتِ راحة فين؟
بتلعثم أجابته:
_ خارجة..
أشار عليها بإصبعه وهو يردد:
_ بشعرك؟
تفقدت لينة نفسها ثم هدرت ببسمة سمجة:
_ مختش بالي..
بدلها يوسف بسمة سمجة مقلداً أسلوبها وقال:
_ لا أبقي خدي بالك
أدار مقبض الباب بحذر، ثم تفقد الخارج فلم يجد أحدهم، خرج مسرعاً وأغلق الباب خلفه، خطى بضعة خطوات وقبل أن يصل إلى غرفته أنتبه لخروج والدته تجمد مكانه فتسائلت هي:
_ صحيت يا حبيبي؟
حمحم وتصنع النعاس قبل أن يجيبها:
_ آه لسه صاحي، كنت جاي أصحيكي..
تثائبت هي ثم توجهت إلى المرحاض لكي تتوضأ وكذلك فعل هو بعد أن أيقظ البقية، كان اليوم إمامهم في الصلاة، انتهى منها ثم عاد إلى غرفته وكذلك فعل الآخرين وفي غضون ثوانٍ كان الجميع نيام.
***
أشرقت شمس اليوم، استيقظ يوسف باكراً، ثم توجه إلى الفندق الكائن به علي، أعطى موظف الإستقبال خبراً بقدوم ضيف له، فأمر علي بتركه للصعود إليه.
رحب به علي لكن كان ترحيبه محدود كما أنه لم يسعد بلقائه، تفهم يوسف أمره ولم يعقب على أسلوبه، بل ولج الغرفة وجلس على أقرب أريكة قابلته ثم أردف بصوته الأجش:
_ تعالى أقعد يا علي عايزك في موضوع..
امتثل الآخر لأمره وجلس مقابله، بينما سحب يوسف وسادة مربعة الشكل ووضعها على قدميه ثم نظر إليه بنظرة ثاقبة وسأله بجدية:
_ أنت شايفني إزاي يا علي؟
تعجب الآخر من سؤاله، فلم يكن هناك داعٍ له، حمحم وهتف دون استيعاب:
_ مش فاهم..
أعاد يوسف وضع الوسادة في مكانها ومال بجسده للأمام، ثم شبك يديه وهدر:
_ من حوالي ٨سنين قولتلك أنت شايفني واحد ميعتمدش عليه وميقدرش يشيل مسؤولية عشان تخاف على أختك معايا؟
أنت وقتها رديت عليا بإيه؟
نكس علي رأسه بخجل شديد انعكس على نبرته التي خرجت متلعثمة:
_ قولتلك إنك الوحيد اللي ساعدتنا!
تابع يوسف ما يريد إيصاله إليه:
_ حلو، يمكن أنت غبت ٨سنين ومقدرتش تعرف فيهم شخصيتي كويس، بس أنت وقت ما رجعت لقيت إيه؟
لقيت مثلاً أختك مرمية في الشارع؟
مخلتيهاش تكمل تعليمها؟
سبتها دايرة على حل شعرها؟
متقتش ربنا فيها؟
معاملتهاش معاملة الأخت قبل ما أعرف مشاعري نحيتها؟
دا أنا اتغضيت عن مشاعري مقابل إني أحلل قعدتها معانا عشان ميمسهاش كلمة كدا ولا كدا!
قولي أنت وقت ما وصلت، أختك اتحامت في مين؟ في زياد اللي المفروض كان كتب كتابه عليها خلاص، ولا فيك؟ في أخوها تؤامها؟
رد وقولي اتحامت في مين من مين يا علي؟
ابتلع علي ريقه وبخفوت أجابه بخذي:
_ فيك..
صاح يوسف متابعاً لاسترساله:
_ ودا عشان سواد عيوني؟ ولا عشان راعيتها واتقيت ربنا فيها؟! حسستها بالأمان وإن ليها ضهر تتسند عليه، حميتها حتى من نفسي، عاملتها بما يرضي الله ويرضي أحمد الله يرحمه اللي وصاني عليكم..
رفع علي نظريه في عيناي يوسف وسأله بارتباك حرج:
_ أنت ليه بتقولي كل دا؟
أجابه يوسف دون تفكير:
_ عشان عرفت إنك زعلتها لمجرد إنك شوفت صورتين على موبايلي!
الأن قد فهم الأمر، تجهمت تقاسيمه وبحدة باغته هلل:
_ وأنت شايف أن دول مجرد صورتين عاديين؟
"آه عاديين"
أردفهم يوسف بثقة وواصل بجدية:
_ أنا مش مرافق أختك ولا ماشي معاها لامؤاخذة عشان ميبقوش عاديين، أنا متجوزها على سنة الله ورسوله، أختك دي مراتي يا علي، فاهم يعني إيه مراتي؟ يعني يحل لي كل حاجة معاها، وإحنا معملناش كتب كتاب بينا كدا وخلاص، لا إحنا عملنا إشهار، يعني أنا لو شقتي جاهزة كنت أخدها عليها على طول، أنا مقدر إنك أخوها ويمكن الوضع معجبكش، بس ملكش حق أبداً تغلط فيها وتقولها أنها مش محترمة لأنها لا عملت حاجة لا عيب ولا حرام!
أخذ يوسف نفساً ليستطيع مواصلة حديثه معه وقال بصوته الأجش:
_ وأنت لو بتخاف عليها قيراط فأنا بخاف عليها ١٠٠ مش ٢٤، يعني إهدى كدا وطمن قلبك خالص، مش أنا يا حبيبي اللي تخاف منه على أختك! وإلا مكنتش صونتها طول مدة غيابك واستغليت إنها لوحدها وملهاش غيري، تمام يا علي؟
كان يصغي لكلماته وهي منكس الرأس، لا يقدر على مواجهته، فلم يتفوه بخطأ يمكنه مسك ثغرة منه عليه، حمحم وبخذي شديد أردف:
_ أنا أسف..
استنكر يوسف اعتذاره وقال:
_ لا أسف دي تتقال لأختك مش ليا، تروح تراضيها ومتزعلهاش تاني، عشان زعلها عندي غالي ولو عديت مرة مش هعرف إذا كنت هعدي التانية ولا لأ..
لم يكن من علي إلا أنه أومأ برأسه والخذي واضح عليه، عاد يوسف بظهره للخلف مستنداً على الأريكة وبنبرة أهدى أمره:
_ قوم يلا ألبس حاجة شيك عشان الإفتتاح، وطبعاً قبل منه نروح لـ لينة..
"ماشي"
هدر بها علي بطاعة ثم نهض ليبدل ثيابه، مرت دقائق وعاد إلى يوسف الذي حدج قميصه الأبيض وبنطاله الجينز بعدم إعجاب، حمحم وقال:
_ لا أنا كان قصدي بدلة يعني مش كاجوال
تشدق علي بفمه بحرج شديد قبل أن يخبره قائلاً:
_ بصراحة مش عندي بدل..
لم يطيل يوسف حتى لا يزيد من خجله وهتف وهو ينهض:
_ مفيش مشكلة، شكلك حلو برده
اقترب منه ثم أحاط كتفيه بذراعه وهتف:
_ يلا يا علوة يا مطلع عيني أنت واختك
قهقه علي ورافقه للخارج ومن ثم إلى السيارة التي استقلاها وغادرا المكان عائدين إلى منطقة يوسف.
***
"حاضر"
قالتها وهي تركض نحو الباب، وضعت حجابها سريعاً وفتحت الباب ثم تفاجئت بشقيقها يقف أمامها، خفق قلبها برعب معانق للخجل، نكست رأسها فلم تستطيع مواجهته، وكذلك علي لم يمكن أقل منها حرجاً.
دفعه يوسف للداخل مردداً بحنق:
_ أدخل يا عم بدل ما أنت قافل الباب كدا
تفاجئت لينة بوجود يوسف الذي أوضح لها:
_ علي جاي عشان يقولك حاجة..
انضمت لهم السيدة ميمي التي رحبت بـ علي ترحيب حار:
_ نورت البيت يا علي، عامل إيه
بهدوء يشوبه الخجل أجابها:
_ منور بيكم يا آبلة ميمي، أنا الحمدلله كويس
اقترب يوسف من والدته وهمس لها:
_ تعالي معايا يا أمي جوا
استدار حيث يقفان التوأم وصاح:
_ خدوا راحتكم..
ولج برفقة والدته المطبخ وسرعان ما انهالت عليه متسائلة:
_ في إيه؟ دخلتني المطبخ ليه؟
أجابها وهو يلتقط تفاحة من طبق الفاكهة:
_ علي ولينة زعلانين مع بعض فجبتوا عشان يصالحها، فأكيد يعني مش هنقعد معاهم..
ضاقت بعينها عليه وباستفسار سألته:
_ زعلانين ليه؟ إيه اللي حصل؟
ضاق هو الآخر مقلداً نبرتها العفوية:
_ حصل اللي حصل يا ميمي، مش لازم نقعد على التفاصيل يعني
لكزته في ذراعه وصاحت بحُنق:
_ يوه يواد، كنت عايزة أطمن بس
غمز إليها بمشاكسة وقال:
_ أطمني يا أمي أطمني
لم تمنع ابتسامتها المستاءة بينما جلس هو على الكرسي يقلب في هاتفه لحين إنتهاء الآخرين من حوراهما معاً.
في الخارج، جلست لينة على استحياء شديد، فلم تتحلى بالقوة لتواجهه وترفع عينيها في عينيه، جلس علي على الأريكة المقابلة لها، فرك يده بعنف ثم بدأ حديثه بتلعثم:
_ أنا كنت قليل الذوق، بس دا ميمنعش إني مقتنع إنه تصرف غلط، أه هو مش حرام بس برده المفروض أخلاقنا اللي اتربينا عليها متخليكيش تعملي حاجة زي دي..
لم تتماسك أكثر من ذلك، انسدلت عبراتها بغزارة، حاولت مسحهم مراراً لكنهم يسقطون بقوة أكبر كلما تذكرت إهانته، اقترب منها علي وضمها إليه ثم ردد بندم:
_ أنا آسف على كل اللي قولته، كان وقت اندفاع مش أكتر وأكيد كنت بهذي يعني، متزعليش يا لولو
رفعت بصرها وأشارت على ذاتها بنبرة مرتجفة إثر بكائها:
_ أنا مش محترمة يا علي؟
قالت جملتها ثم جهشت باكية فأسرع هو في نفي ما قاله:
_ والله العظيم مكنش قصدي، كنت مضايق وبقول أي كلام من غير ما أفكر فيه، أنا واثق فيكي يا لينة وفي أخلاقك، وبعدين يا عبيطة أنا لو شوفت حاجة زي دي ومضايقتش كنتي تزعلي، لأني انفعالي دا من غيرتي عليكي، غيرتي على عرضي، ما إحنا في الآخر صعايدة ودمنا حامي..
أراد مزاحها فهتف مواصلاً بلهجة صعيدية:
_ كويس إن مطارش فيها رجاب ديي
تفاجئت لينه من حديثه وحدجته بأعين جاحظة فنفى علي جدية حديثه:
_ بهزر يا هبلة، متزعليش عشان خاطري..
اقترب منها وقبل جبينها متسائلاً باهتمام:
_ لسه زعلانة؟
نفت هي بحركة من رأسها فأعاد هو قبلته مرة أخرى، في تلك الأثناء خرج يوسف من المطبخ ووقع على عينيه تلك القُبلة التي اخترقت جبين فتاته، فلم يصمت وصاح رافضاً للأمر:
_ لا لا إحنا اتفقنا تصالحها مش أكتر من كدا..
اقترب منهم ثم سحب لينة من بين يدي علي وضمها إلى صدره ثم وجه حديثه لها:
_ وأنتِ عادي سيباه يبوسك؟
خجلت لينة ولم تجيبه فهتف هو:
_ ماشي، حسابنا بعدين
قهقهت لينة وكذلك علي، ثم تسائل يوسف بفضول:
_ ها اتصافيتو؟
"أيوة"
أردفتها لينة وهي تمسح على عينيها، بينما سحب يوسف مفتاح سيارته من جيب بنطاله ثم ألقاه لعلي الذي لَقِفه قبل أن يسقط أرضاً وأمره:
_ أنزل سخن العربية عشان هنروح مشوار وأنا نازل وراك أهو
أماء علي بقبول وغادر المنزل ليلبي أمر يوسف، على جانب آخر انتهز يوسف فرصة انفرادهما وحادثها في أمراً لم يتقبله إلى الآن:
_ بما إنكم اتصالحتوا فياريت متكرريش العاملة دي تاني، مش بحب صور زي تكون على الموبايل ولو ياستي عايزة توريني حاجة ابقي وريني على الطبيعة
غمز لها فتفاجئت هي بقوله ولكزته في صدره بخفة، بينما واصل يوسف ما يريد قوله:
_ امبارح محبتش أكلمك عشان كنتي زعلانة ومحبتش أضغط عليكي..
أرغمت لينة جميع حواسها على الإنتباه لما سيقوله فتابع يوسف حارصاً على عدم التطاول في الحديث:
_ حوار إن شهد تبقى عارفة موضوع الصور اللي اتبعتت لي دي مضايقني..
قاطعته هي مبررة أمرهما:
_ هي والله اقترحت عليا لما لقيتني مضايقة إنك زعلان مني..
تنهد يوسف قبل أن يردف مستاءً:
_ وهي ليه تعرف أصلاً إننا زعلانين؟ أنا فاهم إنها صاحبتك وأقرب واحدة ليكي، بس اللي بينا المفروض محدش تالت يعرفه، إحنا لينا خصوصية مينفعش خالص حد يكون عارفها، لا هي ولا غيرها، اللي بينا يفضل بينا يا لينة
أخذ نفساً عميق ليواصل حديثه:
_ هل مثلا أنتِ جيتي في مرة حكتيلي حاجة تخصكم؟
نفت ذلك بقولها:
_ لأ
تسائل يوسف بجدية:
_ ودا ليه؟
أجابته لينة بخذي:
_ لأنه مينفعش أحكي لك حاجة عن صاحبتي
"بالظبط، إحنا نفس الوضع، مينفعش صاحبتك تعرف حاجة خصوصاً عني ومعاكي، تمام يا لينة؟"
أومأت بالايجاب فأسرع هو في أخذ قُبلة بينما تراجعت هي للخلف سريعاً متفحصة المكان من خلفها ثم عاتبته:
_ بطل بقى حد يشوفنا..
غمز إليه وردد ممازحاً:
_ جت سليمة
نهض وودعها ثم غادر برفقة علي قاصداً مكان بعينه.
***
تململت في الفراش ثم شعرت بظل حجب الضوء أمامها ففتحت عينيها ببطئ، كان يقف أمامها يبتسم بعذوبة، بادلته ابتسامة رقيقة قبل أن تقول:
_ صباح الخير..
"صباح النور، يلا قومي عشان نفطر"
قالها بلال فانتبهت إيمان إلى تلك الصينية التي يمسك بها، اعتدلت من نومتها، بينما اقترب هو من الفراش وجاورها، ازدادت ابتسامتها وهي تجوب الفطور بسعادة.
رفعت نظرها عليه وتسائلت برقة:
_ دا عشاني؟
أماء ثم قبل وجنتها قبل أن يردف:
_ يلا كلي بسرعة عشان اليوم طويل النهاردة
تسائلت هي بفضول:
_ ليه ورانا إيه؟
أخبرها هو مختصراً:
_ هو طويل عليا أنا، لسه هروح للحلاق وهروح على المعرض عشان أتأكد إن كل حاجة تمام، وأرجع ألبس وأنتِ كمان تلبسي ونروح مع بعض
بحماس تسائلت:
_ إيه دا أنت هتاخدني معاك؟
بإسيتاء واضح هلل:
_ طبعاً، لما مرات بلال والي متحضرش افتتاح معرضه الجديد مين اللي يحضر؟
"ممم، أنت أخدني واجهة ليك يعني.."
قالتها إيمان وهي تأخذ شريحة من الخيار ثم قضمتها في انتظار إجابته، تفاجئ بلال بقولها ونفى ظنها:
_ أكيد لأ، أنا عايزك معايا، وبرده ميمنعش إني عايز أقول للناس كلها إن دي مراتي حبيبتي اللي حلمت بيها سنين وأخيراً بقت معايا
تقوس ثغرها ببسمة سعيدة، أشارت إليه بالإقتراب فلم يمانع واقترب منها، فطبعت هي قُبلة على وجنته ورددت:
_ بحبك
"مش أكتر مني"
قالها وهي يُقبل ثغرها الذي صرح بحبه، ثم بدأ في تناول الفطور، حتى صدح رنين الجرس فهم بلال ليعلم من الطارق، فتح الباب وإذا بعامل المكواه قد حضر ومعه حُلة بلال.
أخذها منه بلال ثم أعطاه مالاً وشكره عاد إلى إيمان التي صاحت متسائلة:
_ مين؟
أجابها وهو يعلق حلته في غرفة الثياب:
دا المكوجي جاب البدلة اللي هلبسها..
ثم ارتدى ثيابه وودعها حتى يفعل ما عزم عليه قبل موعد الإفتتاح.
***
صف سيارته أمام إحدى المولات التجارية، ومنه إلى مكان يبيع الحُلل الرجالي، ولج برفقة علي فرحب به العامل بذوق، اقترب منه يوسف وهمس له ببعض الكلمات في أذنه.
لبى الآخر طلباته وتركهما ثم عاد بعد دقائق معدودة حاملاً بعض الحُلل في يديه ووجه حديثه إلى علي:
_ اتفضل معايا عشان تقيس البدل
تفاجئ علي، ووقف يستوعب ما قيل للتو، مرر أنظاره بين العامل ويوسف وردد سؤاله بعدم استيعاب بعد:
_ هو فيه إيه يا يوسف؟
همس له يوسف بمشاكسة:
_ مينفعش واحد من فريق العمل مع يوسف الراوي يحضر افتتاح بجينز يا علوة
دفعه يوسف للأمام وحثه على السير:
_ يلا عشان مش عندنا وقت كتير
أبدى علي رفضه بحرج:
_ بس يوسف..
قاطعه الآخر حاسماً للأمر:
_ مبسش، يلا بقى بقول معندناش وقت
بادله علي إبتسامة ممتنة ثم رافق العامل، أخذ يرتدي حتى أعجب بإحداهم وشعر بأنها متناسقة مع جسده اليافع وكذلك كان رأي يوسف الذي ما أن انتهى من شراء الحُلة، أوصى بإحضار واحدة أخرى ناهياً حديثه قائلاً:
_ أه تعتبر نفس المقاس، وياريت تتبعت على العنوان دا في أسرع وقت
ترك ورقة لهم بعد أن دون بها العنوان المقصود ثم غادرا المكان، وتوجها إلى الحلاق الخاص بيوسف، التقى ببلال هناك فصافحه ثم جلس ينتظر دوره وكذلك علي.
بعد مدة، قام بالإتصال على شقيقه الذي أجاب من بين أنفاسه اللاهثة:
_ إيه يا يوسف؟
بنبرة هادئة حتى لا يزعج من هم حوله حادثه:
_ أنت فين؟
بفتورٍ قال:
_ طالع على السلم، أنا مسحول في ورق الجيش دا
قهقه يوسف بسخرية وأردف:
_ طب أنجز يلا والبس وتعالالي على المعرض، متتأخرش
قرع زياد الباب أولاً قبل دخوله وأجاب أخيه بنبرة متعبة:
_ تمام، أومال أنت فين؟
"كنت بشتري بدلة لعلي وبعدين روحنا للحلاق"
أردفهم يوسف فصاح الآخر بتهكم:
_ بتفكر في علي وناسي أخوك، شكراً يا برو
أخلى يوسف مسؤوليته عن شيئاً يخصه بقوله:
_ لا معتش ليا دعوة بيك يا شق، أنت نسيت إن دا كان طلبك ولا إيه
تأفف زياد بضجر وصاح بتجهم:
_مكانتش كلمة اتقالت
"مليش فيه بقى، أعتمد على نفسك يا حبيبي، يلا سلام عشان دوري جه"
أنهى يوسف المكالمة سريعاً بينما عاد زياد إلى الباب عندما سمع قرع الجرس، عقد حاجبيه بغرابة عندما رأى أحد الشباب الذي يجهل هويته وقال:
_ اتفضل
بعملية هتف الشاب وهو يقرأ الإسم المدون على الورقة التي بيده:
_ دا بيت زياد الرواي؟
أماء زياد قبل أن يعرف عن هويته:
_ أيوة أنا زياد، أؤمر؟
ناوله الشاب حاملاً من القماش ثم أعطاه دفتراً وقلماً وقال بعملية:
_ لو سمحت امضيلي هنا بالإستلام
مضى زياد بإسمه ثم أغلق الباب ونظر إلى ذاك الحامل بغرابة، قام بفتحه وتفاجئ بتلك الحُلة التي بداخله، ابتسم بسعادة فحتماً لن ينساه أخيه.
أسرع داخل غرفته ليرتديها ويرى ما أن كانت بحاجة إلى شيء أم لأ..
***
حل المساء، تممَ بلال ويوسف وعلي وجميع العمال على كافة التحضيرات، أنتبه الجميع على سيارة شرطة هائلة قد وقفت أمام المكان، توجه الجميع نحوها وقد شاهدوا رجال الشرطة التي تترجل من السيارة في صفوف متساوية ثم صدح صوت قائدهم من المقدمة
_ انتشروا في المكان، مش عايز متر مفيش فيه عسكري
بصوت اهتزت له الأرض صاحوا:
_ تمام يا فندم
بدأ الجميع يتفرق في زوايا قريبة وأخرى بعيدة، اقترب يوسف من القائد وهتف ممتناً له:
_ شكراً لوجودك يا مراد بيه
ربت مراد على كتف يوسف وردد بعملية:
_ على إيه يا يوسف دا واجبنا، وبعدين طلاما المجرمين دول هربانين لغاية دلوقتي يبقى مش بعيد عليهم يعيدوا اللي حصل تاني..
"ربنا يستر"
رددها يوسف ثم انضم إليهما السيد سمير وخلفه بلال، حمحم يوسف وأوضح ما يحدث للسيد سمير:
_ مراد بيه المسؤول عن أمن المكان، لما طلبت منه قوة للتأمين مترددش أبداً
تصافحا سمير ومراد ثم دعاه للداخل:
_ اتفضل جوا يا فندم، اتشرفنا بوجودك ووجود رجالتك
رافق مراد السيد سمير للداخل بينما لكز بلال يوسف في ذراعه ممازحاً إياه:
_ دا مبقاش افتتاح، دا بقى فيلم كود ٣٦
قلب يوسف عينيه مستاءً قبل أن يردف بعبوس:
_ أنت متعديش حاجة إلا لما تتريق عليها، يا ساتر
تركه وعاد للداخل، تبعه بلال محاولاً اللحاق بخطواته السريعة، كان المكان يضم الكثير من رجال الأعمال الذين يتعاملون مع السيد سمير، وأيضاً بعض رجال ذوات النفوذ المرموقة.
وأخيراً بعض الجيران الأقارب والمشترين، كانت هناك في الخلفية موسيقى هادئة، تتمايل معها لينة حتى أجبرها يوسف على التوقف بقوله:
_ اتلمي بقى وبطلي هز
رمقته بنظرات مشتعلة قبل أن تردد بملل:
_ الجو ملل أوي، هو الافتتاح كدا بس؟
مالت عليه لتكون قريبة من أذنه وهمست:
_ مفيش آكل؟ فين العشا أنا جوعت!
حرك يوسف رأسه مستنكراً تصرفاتها الخرقاء وصاح عالياً:
_ إحنا مجوعينك يابنتي في إيه؟
تأففت هي ثم تحسست معدتها وأردفت بنبرة ناعمة:
_ جعانة يا سوفي..
أمسك يدها وهتف:
_ تعالى معايا..
"على فين؟"
تسائلت بفضول فأجابها وهو يجوب المكان بنظراته:
_ مش جعانة تعالي وأنا أكلك
سارت بجواره بعد أن استأذنت ممن ترافقهم الطاولة، كانت تسير بعدم استقامة، فكانت تكره ارتداء الكعوب لعدم راحتها فيهم، وقعت نظراتها على تلك الفتاة مرة أخرى، نعم هي تلك المُدللة التي سبق ونتفت لها خصلاتها، تقترب منهم برفقة والدها.
استقامت لينة في سيرها متناسية ألم قدميها، تسللت بيدها حتى احتضنت ذراعه من الأعلى فقام يوسف بإحاطة يدها تلقائياً بذراعه.
اقتربت منهم الفتاة برفقة والدها الذي رحب بيوسف بحفاوة:
_ الف مبروك يا جو على المكان ربنا يجعله فتحة خير عليكم
قابله يوسف بإبتسامة ودودة ورد عليه بلطف:
_ يارب، شكراً لذوق حضرتك
تدخلت يُمنى مرحبة به وهي تطالع لينة بغيظ شديد:
_ مبروك يا جو..
"الله يبارك فيكي"
قالها يوسف مختصراً الحديث معها، بينما بدأ يعرف هوية لينة لهما:
_أعرفكم لينة، مراتي
وجه السيد سليمان نظره إليها تلقائياً ومد يده ليصافحها قائلاً:
_ أهلاً وسهلاً بيكي
أسرع يوسف في مصافحته موضحاً بحرج:
_ معلش يا سليمان بيه إحنا مبنسلمش
"ولا يهمك يا جو"
قالها بلطف بينما لم تمرق يُمنى الأمر دون وضع بصمة ساخرة:
_ وعلى كدا مش بتسلمي على بنى أدمين خالص؟
سحبت لينة يدها من ذراع يوسف ومدت يدها لها مرددة بهدوء بالغ:
_ لا إزاي، بسلم طبعاً
مدت لها يُمنى يدها بحتقار شديد، لم تلمس يدها بعد وكادت أن تتراجع مستهزئة بها لكن لينة لم تعطي لها الفرصة في فعل ما يحلو لها، بل شدت على يدها بكل ما أوتيت بقوة فآنت الأخرى بألم، تقوس ثغر لينة ببسمة ساخرة ورددت بتهكم:
_ إيه مالك سلامتك، إيدك مش متعودة على سلام البني أدمين ولا إيه؟
اغتاظت الأخرى من تصرفها وأسلوبها الوقح ثم هدرت وهي تبتعد عنهم:
_ يلا يا دادي
تعجب سليمان من تصرف ابنته واستاذن من يوسف ثم تبعها، لم يكن يوسف أقل غرابة منه، فما حدث أمامه لم يكن عادياً، نظر إلى لينة التي تتابع هرولة الآخرى والإنتصار واضحاً على ثغرها الذي يبتسم ببلاهة وتسائل مستفسراً:
_ هو إيه اللي حصل دا؟
بلا مبالاة أجابته:
_ سيبك منها دي منفسنا مني..
فغر يوسف فاهه بذهول وردد بتهكم:
_ ودي هتنفسن منك ليه؟
رفعت لينة حاجبيها الأيسر وبلهجة مستاءة سألته:
_ أنت تقصد إيه؟
بتلقائية قال:
_ لا بجد بسأل عادي، هتنفسن منك ليه؟ أنتوا تعرفوا بعض أصلاً؟
أجابته بعجرفة:
_ أصل علمت عليها قبل كدا، ويلا بقى عشان جعانة
أولاته ظهرها وأسبقت بعدة خطوات هاربة منه لكنه لحق بها وأعادها إليه وهو يردد آخر ما قالته:
_ علمتي عليها؟ إزاي يعني؟
عضت على شفتيها لكنها تحلت بالشجاعة وأخبرته عما فعلته سابقاً:
_ يوم ما شوفتها معاك هناك كان بتتمايع وتتدلع وأنا مقدرتش أتفرج وأنا ساكتة، دخلت وراها الحمام وجبتها من شعرها.
فغر يوسف فاهه بصدمة هاتفاً بعدم تصديق:
_ جبتيها من شعرها!!
أكدت هي فعلتها بإيماءة من رأسها وتابعت:
_ وقولتلها لو مخرجتش خلصت بسرعة هطلعه في إيدي
هتفت وهي تكز أسنانها بغيرة واضحة، بينما وضع يوسف يده على فمه مذهولاً، ظل يحرك رأسه باستنكار وتذكر جيداً تحول يُمنى المفاجئ حينها وتعجبه من مغادرتها سريعاً وهتف متسائلاً:
_ أنتِ بجد عملتي كدا؟
اقتربت منه وبغيره أردفت:
_ أعمل كدا وأكتر كمان لو واحدة بصت لك بس، أكلها بسناني!
لم يمنع يوسف ابتسامته التي تشكلت عفوياً على شفتيه، حقاً لا يصدق أنها فعلت ذلك، شاركته لينة الضحك براحة حينما لم تشعر بضجره، دفعها يوسف للأمام بخفة وأردف ممازحاً:
_ طب يلا قدامي..
اصطحبها يوسف إلى مكان الطعام، وقف أمام الطاولة المستطيلة التي يعلوها أصنافاً عديدة من الأطعمة المختلفة والشهية، أمرهما يوسف برفع الغطاء حتى يسهل على فتاته اختيار ما تريد تناوله.
أخذت طبقاً وانتقت من الطعام ما تحبه وتشتهيه ثم أخذها يوسف إلى مكانٍ بعيد عن الجميع لتكن على راحتها، بعد مدة نهض يوسف بعد انتهائها من الطعام وعاد إلى الجميع ثم أمروا بتقديم الطعام للجميع حينما حان وقته.
وفي النهاية، وقف السيد سمير برفقة بلال ويوسف في المقدمة وفريق عمله الجديد في الخلفية أمام المعرض ليلتقط أحد الصحافة صوراً ويطبعها على أوراق المجلات الإقتصادية.
اقترب يوسف من لينة وهمس لها سؤاله:
_ تيجي نروح بيتنا؟
لم تكتشف قصده ورددت بعدم فهم:
_ بيتنا!، ما إحنا كدا كدا رايحين
أوضح لها ما يقصده:
_ قصدي بيتي أنا وأنتِ، نشوفه مع بعض
تحمست لينة للغاية وهتفت بقبول:
_ موافقة طبعاً
طلب يوسف سيارة لذهاب والدته وأخيه إلى منطقتهم بينما اصطحب لينة في طريقهم إلى عُشهم الجديد.
***
خطت بقدميها للداخل وكان هو تابعاً لها، واضع يديه على عينيها ثم أزاحهما حينما دلفا المنزل، اتسعت عيني لينة بذهول شديد، طالعت المكان من حولها بإعجاب واضح وهللت بسعادة:
_ الله، المكان واسع أوي..
التفتت إليه وطاعته بعينان لامعتين قبل أن تتسائل وهي تشير على ذاتها:
_ كل دا بتاعي لوحدي؟
أماء لها مؤكداً مع رسمه لبسمة عذبة، فأولاته ظهرها تتفقد تلك المساحة الهائلة، بينما اقترب منها يوسف وأمسك بيدها قبل أن يردد بحماس:
_ تعالي أفرجك بقية المكان
لم تمانع بل سارت بجواره وهي تشاهد كل ثغره به، حتى انتهت حركتهم إلى أحد الغرف التي تعمد يوسف تركها للنهاية، قام بعناق لينته من ظهرها مستنداً بذفته على كتفها وأردف:
_ دي بقى أوضتنا أنا وأنتِ وبس!
أدارها بيديه وطالع عينيها بحب قبل أن يسألها:
_ ها، عجبتك؟
"جداً، أحلى حاجة إن المكان واسع والمطبخ مساحته تحفة هقدر أعمل فيه اللي رسمت له، والأحلى من كل دا إن دا بيتنا لوحدنا"
هتفت بحماس، ثم تشبثت في عنقه وبدلال قالت:
_ ما تيجي نتجوز بجد يا يوسف
رفع يوسف عينيه للأعلى وردد قائلاً:
_ مش خلصنا من الموضوع دا الصبح يا لي لي؟!
تنهدت هي وأخبرته عما يجول في خاطرها:
_ مش قصدي على علي، فيه أسباب تانية كتيرة تخليني أطلب منك كدا
ملس على وجنتها بنعومة وقال وهو يتابع حركة شفتيها:
_ إيه هما؟
ابتلعت ريقها وبدأت تقص عليه أسبابها:
_ نفسي أقلع الطرحة يا يوسف، مش معقول لبساها برا البيت وجوا كمان..
تراجعت للخلف وجابت المكان من حولها راسمة مواقف عديدة لها بدون حجاب:
_ نفسي أمشي في البيت وأنا سايبة شعري، مش عايزة أكون مرتبطة بيه طول الوقت، وخايفة أقلعه عشان محدش يجي فجاءة، كفاية ٨سنين أوي مخبياه ورا الطرحة، نفسي أحرره بقى..
اقترب يوسف منها وأحاط خصرها بذراعيها ثم قال بصوت خافت:
_ طب دا سبب إيه الأسباب التانية؟
عضت لينة على شفاها بخجل قبل أن تخبره السبب الثاني:
_ مش بعرف أخد راحتي معاك هناك، دايماً حاسة إني محاصرة ومتراقبة ومش من حقي حتى أتكلم معاك بحرية، صدقني طول ما أنا وأنت هناك مش هقدر أخليك تحس إني مراتك ولا حتى بنت ماشي معاها، أنا بتحرج يا يوسف من ماما ميمي أوي لما أنت بتقرب لي حتى لو بهزار، وبضايق من نظرات زياد اللي بتحسسني إني واقفة قدامه من غير هدوم..
قطب يوسف جبينه وردد بعدم فهم:
_ نظرات زياد!
أسرعت هي في توضيح الأمر:
_ متفهمش غلط، بس أنت عارفه كويس وإنه مش بيسيب فرصة وإلا ولازم يعلق على وجودنا مع بعض، وأنا بتحرج أوي، وبعدين مش لطيف يعني كل لما يرجع لإما يلاقيك خارج من أوضتي أو أنا اللي خارجة من أوضتك، الموضوع بايخ أوي يا يوسف..
أخرج يوسف تنهيدة حارة قبل أن يهتف:
_ بس المشوار لسه قدامك كتير أوي يا لينة عشان ناخد خطوة زي دي، دا أنتِ لسه مدخلتيش الجامعة!
حاولت إقناعه بأسلوبها المدلل:
_ وإيه يعني؟ أكمل وإحنا مع بعض في بيتنا، فين المشكلة؟
ابتعد عنها وهو يخبرها أين المشكلة بالتحديد:
_ فيها كتير يا لينة، جامعة ومذاكرة وكورسات وحاجات لسه متعرفيش عنها حاجة متنفعش مع جواز ومسؤولية
التفت إليها وبنبرة ماكرة هدر:
_ وفوق كل دول حقوقي..
غمز إليها قبل أن يتابع:
_ وأنا ممكن أسامح في كله إلا دي، آه
أسرعت في الرد عليه بلهفة:
_ والله ما هقصر معاك، هحاول أعمل كل اللي في إيدي عشان أوفق بين دراستي وبين..
قاطعها يوسف برفض تام:
_ وليه؟ ليه تضغطي نفسك وتحمليها فوق طاقتها؟
نكست لينة رأسها بحزن، فلم تجد ما تقوله، على ما يبدو أنه لا يريد الزواج منها، استشف يوسف ما يدور في عقلها، اقترب منها ورفع وجهها بإصبعه فتقابلت نظراتهم معاً ثم قال هو:
_ تفتكري مثلاً إني مش نفسي أخد الخطوة دي؟
بإقتضاب هدرت:
_ كلامك بيقول كدا
لم يعير ردها الساذج اهتمام بل هتف هو بنبرة رخيمة:
_ لو فكرتي شوية، هتلاقي إني سني مش صغير، والحمدلله مادياً كويس، شقتي موجودة ومش ناقصني أي حاجة على إني أخد خطوة الجواز دي، يعني أنا بتكلم عشان مصلحتك، أنا مش حابب أحملك فوق طاقتك، وتفضلي طول الوقت في صراع إنك مقصرة في حاجة لإما في دراسة أو مسؤولية، وبعدين أنا لا يفرق معايا لا طبيخ ولا حقوقي ولا أي حاجة غيرك، أنا بفكر فيكي أكتر ما أنتِ بتفكري في نفسك..
طالعته بامتنان ورددت برقة:
_ وعشان كدا أنا مش خايفة إني بطلب طلب كبير زي دا، كان ممكن أخاف لو مكنتش هكون معاك، بس أنا عارفة إنك هتقف جنبي وتدعمني ولو قصرت مش هتعاتب بالعكس هتحاول تسد أنت النقص دا مكاني
احتضنت يديه بيدها الصغيرة واسترسلت متوسلة:
_ صدقني راحتي هتكون هنا يا يوسف، معاك ولوحدنا!
طالعها لوقت، فالكثير من المشاعر قد انتابته حينها، الحماس والسعادة، والقلق والخوف وغيرهم، لا يريد التسرع في أمر كبير فيه مصيرها، حمحم وأردف بعقل حكيم:
_ سيبني أفكر شوية، الموضوع مش سهل زي ما أنتِ فاكرة
تأففت لينة ثم ابتعدت عنه وهتفت بتذمر:
_ أنا عايزة أمشي
عاد إليها وبنبرة تحذير صاح:
_ أنا مبحبش طريقة لوي الدراع دي، مش معنى إن زعلك غالي عندي تعملي كدا عشان أوافق!
أسرعت في نفي ظنه بقولها:
_ لا طبعاً أنا مش بعمل كدا عشان أضغط عليك، بس مش هنكر إني اضايقت..
نكست رأسها في خجل وحزن معاً فتابع الآخر:
_ مش كل الأمور تتاخد من منظورك أنتِ، أنتِ لسه صغيرة ومش هتفهمي كلامي غير لما تكبري وتلاقيكي مش عارفة تاخدي قرار في أي موضوع فيه مصير ناس بتحبيهم.
أومأت بتفهم قبل أن تعيد طلبها:
_ طيب هنمشي امتى؟
قلب يوسف عينيه مستاءً وقال:
_ عايزة تمشي، إحنا لسه اتسلينا؟!
رمقته هي فاستشفت ما يقصده من خلف نظراته وابتسامته الماكرة، تراجعت للخلف ثم ركضت بعيداً عنه مهللة بانتصار:
_ دا لو عرفت تمسكني بقى..
لم يقف مكانه وركض خلفها، كلما ظن أنها في غرفة ما لم يجدها، حتى أمسك بها فصرخت عالياً بتزمجر:
_ لأ بقى، أوف
قهقه هو ساخراً من خسارتها، انحنى بقرب أذنها وهمس:
_ مني وإليا تعودي يا لي لي..
اقترب من ثغرها ولثمه بقُبلات ناعمة تحولت إلى نهم ورغبة شديدة، لكنه كان ملماً بما يفعله لكي لا يستسلم إلى نفسه الضعيفة، بينما كانت هي تبادله مشاعره بخجل وسعادة لأنها قريبة بما يكفي منه فالطلاما حلمت بذلك منذ زمن.
انتبها كليهما إلى ذاك الصوت الذي تسلل داخل المنزل، تبادلا النظرات المرعوبة ثم تسائلت لينة بخفوت:
_ إيه الصوت دا؟
وضع يوسف إصبعه على فمه هامساً بتحذير:
_ ششش، خليكي هنا
أولاها ظهره فهمست هي بخوف عارم:
_ يوسف، متسبنيش لوحدي..
أشار لها بالهدوء ثم خرج بخطى متهملة ليعلم مصدر ذاك الصوت حتى تفاجئ بوقوف أحدهم أمامه فهتف سؤاله برعب:
_ أنت مين؟
***
•تابع الفصل التالي "رواية حرر هواك فالحب بات معلنا" اضغط على اسم الرواية