Ads by Google X

رواية حرر هواك فالحب بات معلنا الفصل الثالث والثلاثون 33 - بقلم تسنيم المرشدي

الصفحة الرئيسية

 رواية حرر هواك فالحب بات معلنا الفصل الثالث والثلاثون 33 - بقلم تسنيم المرشدي 

«حرِر هَواكَ فَالحُب بَات مُعلنا» 
«الفصل الثالث والثلاثون»

***
اضطر يوسف للدعس على الفرامل سريعاً قبل أن يرتطم بها، جاوره بلال بسيارته ثم غمز إليه بانتصار وتابع قيادته حتى لا يتخطاه يوسف ثانيةً، ضرب يوسف الطارة بعصبية لاعناً ذاك السائق الغبي الذي يقف في منتصف الطريق، تابع قيادته لكن هيهات لصديقه الذي تخطاه بكيلومترات كثيرة. 

عاد إلى عمله وكان يتفقد هاتفه من آن لآخر لكي لا يفوت إتصال لينة، حتى صدح رنين هاتفه فأجاب وهو يلتقط مفتاح سيارته من على مكتبه: 
_ خلصتي؟ 

جائه صوتها من بين ضجة شديدة، بالكاد استطاع سماعها: 
_ أيوة خلصت..

خرج من مكتبه وهو يخبرها بمجيئه:
_ وأنا جاي لك مسافة الطريق

أسرعت في لحاقه بقولها:
_ لأ لأ خليك أنا ركبت أصلاً مع صحابي 

"عملتي إيه؟"
رددها يوسف بعدما توقف عن السير فأعادت هي كلماتها: 
_ بقولك ركبت، لما أروح هكلمك أطمنك..

أنهت المكالمة لكنه لم يبرح مكانه، لم يرفع نظريه عن الهاتف غير مصدق أنها فعلت ذلك من تلقاء نفسها دون العودة إليه، كز أسنانه ثم تابع ترجله ومنه إلى سيارته. 

*** 

وصلت لينة إلى المنزل، مبتسمة والسعادة واضحة على تعابيرها، فكانت المرة الأولى لها أن تسير بمفردها، فتحت لها ميمي بملامح مشدودة فأثارت ريبة لينة وسألتها باهتمام:
_ في إيه مالك؟

صدح صوته الذي دوى في المكان وانتبهت عليه لينة:
_ أنا عايز أعرف إزاي تمشي من دماغك كدا؟ أنا مش قايلك قبل ما تخرجي تعرفيني عشان أكون مستنيكي!! 

اقترب بخطاه منها وملامحه لا تبشر بالخير وواصل بنبرة محتقنة: 
_ تقومي تخلصي وتخرجي، لأ وكمان تركبي مواصلات وبعدين تتكرمي وتعرفيني!! 

حمحمت لينة وحاولت توضيح الأمر الذي يجهله:
_ أنا مكنتش خلصت أصلاً، كان لسه فيه محاضرة بس الدكتور اعتذر، وخرجت بدري معرفتش أكلمك بقى، وبعدين فيه كذا بنت اتعرفت عليهم،  بيتهم قريب مننا قالولي تعالي روحي معانا فأنا قبلت! 

"قبلتي!!"
صاح يوسف بانفعال وتابع:
_ وبالنسبة للي قاعد مش عارف يشتغل وكل شوية يشوف الموبايل أصل مخدش بالي من مكالمتك؟ 
مش مهم أنا؟، مش مهم أنا قابل بكدا أصلاً ولا لأ؟!
من امتى أصلاً سيبتك تمشي مع حد، ومين دول اللي وثقتي فيهم لدرجة إنك تمشي معاهم؟ عرفتي أخلاقهم منين يعني؟

ابتلعت لينة ريقها وحدثته بهدوء حتى تنهي تلك المشادة:
_ يا يوسف محصلش حاجة لكل دا، والبنات بجد محترمة جداً 

"وعرفتي منين إنهم محترمين جداً؟ من ساعتين قضيتهم معاهم؟"
تسائل بإقتضاب بينما ردت هي:
_ البنات ملتزمين جداً وواحدة منهم لابسة خمار وبعدين بيكون باين أصلاً الكويسة من اللي مش كويسة، أنا معتش صغيرة يا يوسف وبفهم في اللي قدامي، دا غير إني كان نفسي أجرب أرجع لوحدي مرة وأنا لو كنت قولتلك مكنتش هتوافق.. 

تدخلت ميمي لكي تنهي المشاحنة بينهما قبل أن تزداد:
_ خلاص يا يوسف حصل خير، هي وكويسة أهي الحمد لله، وأنتِ يا لينة بعد كدا تعرفيه بكل خطوة قبل ما تخطيها، هو خايف عليكي يا حبيتي 

"حاضر"
قالتها لينة بطاعة بينما عاد يوسف إلى الأريكة يحاول كبح غضبه، حمحمت هي واقتربت منه ثم سألته مستفسرة:
_ أنت عملت إيه مع الولد؟

دون أن ينظر إليها أجاب ببرود:
_ كسرت له إيده 

شهقت لينة بصدمة ثم انتفضت من مكانها وهللت بانفعال شديد:
_ كسرت ايده!! إيه شغل البلطجة دا؟

صعق يوسف مما وقع على مسامعه، كذلك لم تكن السيدة ميمي أقل منه صدمة، فلقد كانت كلمتها مهينة للغاية، لم يشعر يوسف بنفسه سوى وهو ينتفض من مكانه رافعاً ذراعه للأعلى قاصداً صفعها. 

"يوسف"
هتفت بها ميمي محذرة إياه من الوصول إليها، توقف يوسف على آخر لحظة، وظل يطالعها بسخطٍ، بينما شعرت لينة بالذُعر لحظتها، لقد سُرق منها أمانها في تلك اللحظة، ظلت تطالعه بعدم تصديق، اغرورقت عينيها بالدموع ثم صاحت بنبرة حزينة:
_ سبيه يا ماما، سبيه يضربني 

أمسكت بيده ورفعتها بقرب وجهها ثم هدرت وعبراتها تتساقط كشالال: 
_ يلا أضربني، أضربني يا يوسف 

لم يتحمل يوسف الوقوف أمامها لثانية أخرى، وفر هارباً من المنزل، بينما هرولت هي إلى غرفتها، أوصدت بابها لكي لا يستطيع أحد الولوج إليها. 

بكت كثيراً، لم تتوقف عبراتها عن السقوط، رجف جسدها بقوة متذكرة تلك الصفعة، على الرغم من أن يده لم تلمسها لكنها تشعر بألمها وكأنها صُفعت بالفعل. 

تسائلت كيف استطاع فعلها؟ كيف تجرأ ورفع ذراعه عليها؟ أليست هي فتاته ومشاكسته المُتيم بها؟ أين ذاك الحب الذي يحدثها عنه؟ 

دفنت رأسها في منتصف الوسادة، مطلقة بعض الشهقات القوية من بين بكائها المرير. 

على الصعيد الآخر، استقل يوسف سيارته وهو لا يدري أين وجهته تحديداً، فقط يسير لعله يجد مخرجاً، شعر بحاجته لإفراغ شحنة غضبه. 

فلم يتردد في الذهاب إلى الصالة الرياضية، حيث استقبله المدرب بحفاوة:
_ وأخيراً الأستاذ حن وتكرم يجي لنا

بملامح جامدة هتف يوسف:
_ معلش يا كوتش، ظروف 

ربت المدرب على ذراعه ثم قال:
_ طب يلا غير هدومك عشان الكلاس هيبدأ كمان عشر دقايق 

عارض يوسف حديثه قائلاً: 
_ لأ لأ مش عايز أحضر الكلاس دا، أنا عايز ألعب ملاكمة

"ملاكمة"
رددها المدرب بحاجبين معقودان فأكد يوسف بحسم:
_ أيوة محتاج أطلع طاقتي في حاجة 

استشف الآخر ضيقه ثم نادى بصوت جهوري على زميله:
_ مدحت، تعالى 

حضر المدرب الخاص بالملاكمة فعرف الآخر عن هويتهما بالتناوب بينهما:
_ يوسف، مدحت

ثم أوضح سبب ندائه لزميله:
_ يوسف معاك النهاردة 

أماء مدحت ووجه حديثه ليوسف: 
_ غير هدومك وتعالى الروم اللي هناك دي 

أشار إلى إحدى الغرف فأماء يوسف بتفهم ثم توجه إلى غرفة صغيرة ليبدل ثيابه الموضوعة في خزانته الخاصه به، ثم توجه إلى الغرفة التي أشار عليها المدرب. 

ارتدى يا يلزم للعب الملاكمة ثم وقف أمام المدرب وبدأ يتبادلا الضرب، كان يوسف عنيفاً في لكمه ولا يهدأ قط، لا يتوقف عقله عن ترديد إهانتها له وما زاد الوضع سوءاً صفعته التي كادت تنسدل على وجهها. 

لم يكف عن إيلام نفسه، وكذلك تتعارض أفكاره مع تأنيب ضميره فهي من اضطرته إلى فعل ذلك! 
حقاً؟ 
مذنب ووقح أيضاً، وهل هناك أي مبرر لتصرفه ذاك، ماذا لو لم يسيطر على غضبه وصفعها؟ 
هل كان سيسامح نفسه؟ هل كانت ستسامحه؟ 
وهل ستسامحه الأن بعد أن تطاول عليها؟ وعلى الرغم من أنه لم يلسمها إلا أنه ليس هناك فرق طلاما نيته كانت حاضرة. 

"خلاص يا يوسف أهدى"
صاح المدرب وهو يضع ذراعيه أمام وجهه محتمياً فيهما من لكمات يوسف العنيفة، خرج يوسف من شروده وتفاجئ بثورته على المدرب. 

توقف عما يفعله يلتقط أنفاسه وبأنفاس لاهثة قدم اعتذاراً: 
_ أنا أسف 

"ولا يهمك"
قالها المدرب ثم قال:
_ بقول كفاية كدا النهاردة 

تركه وغادر الغرفة بينما خلع يوسف قفازات يديه وخرج من الغرفة، توجه إلى الثلاجة وأخذ منها زجاجة مياه، ارتشفها في آن واحد ثم ألقاها في صندوق القمامة. 

جلس على أحد الأجهزة الرياضية يضبط أنفاسه ثم بدأ يمارس الرياضية كما يفعل في سابق مراته.

***

حل المساء، وتعمد يوسف العودة في وقتٍ متأخر لكي لا يواجه أحدهم، كان الهدوء يعم المنزل، توجه إلى غرفته لكنه وقف واختلس نظرة إلى باب غرفتها، لا يعلم تحديداً بأي مشاعر يشعر.

يريد الإطمئنان عليها كما يفعل كل مساء، وأيضاً يريد الإعتذار منها، لكن كلمتها تتردد في عقله فتزيده تمرداً، ولج غرفته ولم يلتفت، كان أخيه غافياً فلم يُحدث ضجة لكي لا يزعجه، وبهدوء بدل ثيابه وتوجه إلى الفراش، تمدد أعلاه لكنه فشل في الإتيان بالنوم. 

على الرغم من إنهاك جسده إلا أن عقله كان مشغولاً بها، لا يستطيع أن يقلعها من عقله، أخرج تنهيدة حين فشل في طرد أفكاره، وخرج من الغرفة، جلس في الردهة في إضاءة خافتة بالكاد يرى ما هو أمامه.

لم تُرفع عينيه من على بابها لربما ينجح في رؤيتها، مرت دقائق تلاها دقائق أخرى حتى تملكه النعاس، مالت رأسه فاستيقظ أثناء خروج لينة من غرفتها، لم تراه فالإضاءة لم تساعدها على رؤيته. 

ولجت المرحاض تحت نظراته التي تتابعها، صغى إلى صوت تقيأها المستمر، نهض وقلبه يعتصر حزناً على ما أصابها من ورائه، لكنه تريث حينما عادت إلى غرفتها، فلم يريد الجلوس مرةٍ أخرى وقرر العودة إلى غرفته.

ضجة مدوية خرجت من غرفة لينة، وكأن جسد ما ارتطم بالأرضية، هرول نحو غرفتها ودلفها فتفاجئ بوقوعها، ركض نحوها وحاول إيفاقتها بذُعر تملكه:
_ لينة، يا لينة.. 

ظل يضرب وجهها بخفة وهي لا تستجيب إليه، حملها بين ذراعيه ثم وضعها برفق على الفراش وأعاد محاولاته والنتيجة ذاتها، لا تستجيب! 

خفق قلبه بقوة وبحث بعينيه على قنينة عطر، عثر على إحداهم وهم بنثر الكثير على يده ثم وضع يده على أنفها فشعر بنفورها من الرائحة. 

مرت ثوانٍ حتى استعادت لينة وعييها، وضعت يدها على معدتها مرددة بتعب:
_ اااااه 

انحنى يوسف عليها وهمس بخفوت: 
_ أنتِ كويسة؟ 

انتبهت عليه ورمقته لبرهة دون أن تنبس بشيء، أراد يوسف أن يعتذر منها فلقد خشى فقدها منذ لحظات، حمحم قبل أن يردف بنبرة نادمة: 
_ لينة أنا اس...

حركت لينة رأسها للاتجاه المعاكس له رافضة سماعه، لم يرفع يوسف نظريه من عليها بحزن شديد، أخذ نفساً ثم توجه إلى الخارج، طرق باب والدته التي سمحت له بالدخول بعد مدة، وقف أمامها والحزن مرسوم على تقاسيمه وقال:
_ لو سمحتي يا أمي خليكي مع لينة النهاردة، لأنها تعبانة..

انتفضت ميمي من الفراش والخوف وحده تملكها وسألته بقلق:
_ في إيه مالها؟

ابتلع ريقه محاولاً الصمود أمامها قبل أن يجيب وهو منكس رأسه:
_ وقعت في الأوضة و...

اهتزت نبرته وتحشرجت، ثم واصل بنبرة سريعة:
_ خليكي جنبها..

ألقى جملته وسرعان ما اختفى من أمامها، تعجبت السيدة ميمي من حالته لكن ليس بحين يُسأل فيه الآن، عليها أولاً الإطمئنان على لينة وصحتها. 

ولجت غرفتها متسائلة بتوجس وقلق شديدان:
_ مالك يا حبيبتي، يوسف قالي إنك تعبانة..

مسحت لينة عبراتها ونظرت إلى السيدة ميمي وبنبرة منهكة قالت: 
_ أنا كويسة متقلقيش، دوخت شوية 

تفحصت ميمي ملامحها قبل أن تطلق شهقة مذعورة:
_ أنتِ وشك أصفر كدا ليه؟ أكيد من قلة الأكل، اتحايلت عليكي كتير تأكلي وأنتِ كل اللي عليكي لأ مليش نفس

زفرت ميمي وتابعت معاتبة: 
_ هروح أجيب لك أكل وأجي وأنتِ تبقي كويسة 

أبدت لينة رفضها:
_ لا مش عايزة، مليش نفس 

"مش مهم، هتاكلي برده"
أردفتها ميمي حاسمة الأمر، أولاتها ظهرها وهرولت إلى المطبخ بعد أن أغلقت بابها لكي تحضر لها بعض الشطائر، في تلك الأثناء خرج يوسف من غرفته وبحث عن والدته متسائلاً بلهفة:
_ عرفتي مالها يا أمي؟

أجابته وهي تعد الشطائر:
_ دايخة عشان مأكلتش حاجة طول اليوم.. 

توقفت عن الحديث ثم حركت رأسها نحوه ورددت بثقة:
_ وتلاقيك أنت كمان مأكلتش حاجة، أقعد هعملك سندوتشين.. 

رفض يوسف بقوله:
_ لا مش عايز، اعملي لها بس الأول و..

قاطعته ميمي بنفاذ صبر:
_ ياربي حتى في عِنادكم زي بعض، أقعد يا يوسف أنا كدا كدا بعمل، كلك لؤمة قبل ما تنام..

انتهت من إعداد الشطائر ثم وضعت بعضهم أمام يوسف وأخذت المتبقي إلى لينة، حمحم يوسف وهتف قبل أن تبتعد عنه:
_ أنا قاعد هنا، ابقي طمنيني عليها..

عادت إليه ثم قالت وهي تطالع حدقتاه الحزينة:
_ ما تيجي أنت تطمن عليها! 

نكس يوسف رأسه قبل أن يردف بحسم:
_ لأ..

"أنتوا هتفضلوا زعلانين كدا كتير، متعودتش منك تسيب حد بتحبه زعلان"
قالتها ميمي منتظرة رده، لكنها تفاجئت بوقوفه مردداً بتجهم:
_ أنا رايح أنام 

أوقفته هي بمسكها لذراعه وهتفت: 
_ خلاص أقعد كمل أكلك مش هتكلم في حاجة، هدخل وأطمنك أنا عليها

أجبرته على الجلوس بيدها التى ضغطت بها على كتفه فرضخ لمرادها، بينما توجهت هي إلى غرفه لينة وساعدتها على تناول الشطائر، ثم سألتها باهتمام بعد أن انتهت من تناولهم:
_ ها، حاسة بإيه دلوقتي؟

"أحسن"
قالتها لينة مختصرة فهتفت ميمي معاتبة:
_ عشان تبقي تسمعي كلامي ولما أقولك كلي يبقى تاكلي، وبعدين يا حبيبتي أنتِ لسه صغيرة وياما هتقابلي مشاكل مش كل حاجة تواجهيها بالطريقة دي، مينفعش نقفل على نفسنا ونرفض الأكل والشرب ونقعد نعيط، دي مش طريقة نواجه بيها مشاكلنا أبداً، لأنها لو بتجيب نتيجة دلوقتي فبعدين مش هتجيب وهتبقى زي قِلتها..

ملست على خصلاتها ثم واصلت مسترسلة:
_ وعشان أنتِ بنتي ليا عتاب عندك، كلمتك كانت قاسية وجارحة أوي، بقى ينفع يوسف اللي بتحبيه تقوليله شغل بلطجة!! 
يعني هو عشان بيخاف عليكي وبيحميكي يبقى جزاءه نقوله كلمة صعبة زي اللي قولتيها؟!

لم تتحمل لينة وانفجرت باكية، رجف جسدها إثر بكائها الغزير وهتفت من بين بكائها بنبرة موجوعة:
_ دا كان هيضربني يا ماما، يوسف اللي بحبه كان هيضربني! 

وجهت نظريها على السيدة ميمي وتابعت بنبرة متحشرجة:
_ عارفة يعني إيه أماني راح مني وقتها!! 
لأول مرة أحس بالخوف والضعف من ٨سنين!! 
محستش الإحساس دا من يوم موت ماما وأحمد وسفر علي، أنا أول مرة أخاف من يوسف يا ماما! 
أول مرة أحس إني يتيمة ومليش سند، أول مرة أتمنى إني كنت أموت مع اللي...

قاطعتها ميمي بضمها لصدرها مانعة إياها من مواصلة حديثها بترديدها:
_ بعد الشر عنك يا نن عيني، إيه الكلام دا يا لينة؟ يتيمية إيه وإحنا إيه يابنتي؟ 
إحنا أهلك يا لينة، يمكن مش بالدم بس بالروح والعشرة والحب وكل حاجة عشناها مع بعض تثبت كدا، بعد الشر عنك يا حبيبتي معتيش تقولي كدا تاني..

في الخارج، انسدلت عبراته بغزارة حين وقعت كلماتها على أذنيه، فمنذ ولوج والدته إليها وهو واقفاً خلف الباب يصغي لصوتها حتى يطمئن قلبه، لم يعلم أنه سوف يتألم من وراء صوتها الباكي وكلماتها الموجوعة.

هرب من أمام الباب ثم خرج من المنزل، فلم يتحمل المكوث به ثانية أخرى، صعد إلى سطح البناية لعله يستنشق بعض الهواء ربما يشعر بالتحسن، لكن كيف؟
وهل سيمحي الهواء ما رسخ في عقله؟ 
كيف فعل ذلك؟
تمنى لو يُعاد الزمن حتى لا يكرر فعلته الشنيعة، لقد سرق أمان فتاته وصغيرته، كيف سيواصل حياته وهو على علم بخوفها منه وعدم شعورها بالأمان معه؟
لقد خرب كل شيء في لحظة غضب غبية.
لم يزيده تفكيره سوى الإختناق أكثر، استند برأسه على السور الخرساني واضعاً يده على صدره، حتماً سيصاب بنوبة إن استمر وضعه ذاك لدقيقة أخرى. 

جلس على الأرض ممداً قدميه أمامه، يطالع الفراغ أمامه، لا يتوقف عقله عن ترديد كلماتها، ولم يتوقف شعوره بالألم بل كان يزداد أضعافاً كلام مر عليه الوقت.

كان قليل الحيلة، لا يقدر على فعل شيء، وبضعف شديد مال بجسده مستلقياً على الأرضية بكامل جسده، واضعاً يديه أسفل رأسه كحماية لها من الأرضية الخراسانية، وظلت تتساقط دموعه دون توقف حتى أنهال منه التعب وغفى على وضعه. 

***

في الصباح الباكر، استيقظ زياد باكراً اليوم، فلقد غفى في وقتٍ مبكر أمس وأخذ كفايته من النوم، نهض وتعجب من عدم وجود أخيه، فلم يحين موعد عمله. 

خرج من الغرفة باحثاً عن أحد ساكني المنزل، فوقعت عينيه على والدته الغافية على الأريكة، توجه نحوها وأصدر صوتاً خافتاً لكي ينبهها بوجوده دون أن يسبب لها الذُعر. 

انتفضت ميمي من نومتها، وجابت المكان من حولها بخوف عارم، أثارت ريبة زياد فما أحدثه لا يستحق ذلك الذعر، جلس بجوارها قبل أن يردف:
_ إيه الخوف دا كله، أنا معلمتش حاجة يعني..

زفرت بتعب وهي تردد: 
_ فكرت أخوك رجع

"رجع! رجع منين؟"
تسائل زياد بإستفسار فأجابته والدته بعد أن تنهدت بضيق: 
_ معرفش، من قبل الفجر وهو مش هنا، قولت هيصلي ويرجع ومن وقتها وأنا قاعدة مستيناه ولسه مرجعش

عقد زياد حاجبيه بغرابة وهتف مقترحاً: 
_ مرنتيش عليه؟

أشارت ميمي بعينيها على الطاولة، فوقع نظره على هاتف أخيه، عاد بأنظاره إليها متسائلاً بقلق:
_ هو حصل حاجة ولا مشى من نفسه كدا؟

اعتدلت السيدة ميمي في جلستها وقالت بنبرة منهكة: 
_ محصلش حاجة، أنا عملت له سندوشات ياكلها وبعدها سمعت الباب بيتقفل ومن وقتها وأنا قاعدة القاعدة دي

مالت بجسدها للأمام وربتت على قدمي زياد ثم قالت متلهفة:
_ ما تقوم تشوفه فين وتطمني عليه.. 

عاد زياد بظهره للخلف محاولاً التفكير عن مكان تواجده قبل أن يهتف:
_ هلاقيه فين بس يا ماما، هو يوسف صغير وهيستخبى!

تأففت ميمي وصاحت بحنق:
_ أعمل إيه بس أنزل أدور عليه أنا؟

تنهد زياد ثم نهض وقال: 
_ هنزل أنا يا ماما 

وقفت هي الأخرى وهتفت: 
_ ابقي طمني لو وصلت له

اكتفى زياد بإيماءة من رأسه ون بخطى ثابتة توجه إلى غرفته ليبدل ثيابه، ثم غادر المنزل، لا يدري إلى أين يذهب، سحب هاتفه وقام بالإتصال على بلال لربما يكون برفقته.

***
صدح رنين هاتف بلال الذي قطع نومه، استيقظ  ونظر إلى إيمان الغافية على صدره وبحذر مد يده وسحب الهاتف لكي لا يوقظها. 

تعجب من اتصال زياد في هذا الوقت المبكر لكنه لم يتردد في الإجابة عليه حيث رد بصوت متحشرج:
_ الو..

استشف زياد عدم صحوته من خلف نبرته الهادئة فردد بقلة حيلة معانقة للحرج:
_ إيه دا أنت نايم، فكرت يوسف معاك 

تفقد بلال الوقت في هاتفه ثم عاد لمهاتفة زياد:
_ لا هيعمل معايا إيه بدري كدا 

أنهى زياد المكالمة بقوله:
_ خلاص تمام

لحق به بلال متسائلاً باهتمام:
_ هو فيه إيه؟

أخبره زياد بما حدث لربما يمكنه مساعدته:
_ مرجعش من امبارح وسايب موبايله في البيت وأمي قلقانة عليه متعرفش ممكن ألاقيه فين؟

انسحب بلال من جوار إيمان بهدوء وخرج من الغرفة مجيباً إياه وهو يحك مؤخرة رأسه:
_ لأ معرفش، هو يوسف بيروح فين أصلاً غير من البيت للشغل والعكس، حتى وقت الجيم مش دلوقتي

"تمام"
قالها زياد وهو يجوب الشوارع بعينه بينما هتف بلال قبل ينهي الآخر الإتصال:
_ لو وصلت له عرفني 

"ماشي"
قالها زياد مختصراً ثم توجه إلى مكان عمل يوسف الثلاث على أمل إيجاده، لكن لم يراه أحد في العمل اليوم، ذهب إلى صالاته الرياضية وبعض المقاهي القريبة والنتيجة ذاتها. 

عاد بعد أذان الظهر منهك القدمين، صعد درجات السلم بتهمل، يشعر بالدوار لسيره تحت أشعة الشمس مدة طويلة، وقف أمام باب منزلهم، وكاد أن يدلف إلا أن صوتٍ ما في رأسه حثه على الصعود إلى سطح البناية. 

فسبق لأخيه ووجده هناك، ماذا لو كان هو أيضاً بالأعلى، لم يتردد في الصعود، ولقد أصاب حدسه، اقترب منه وتعجب من نومه هناك، فكيف استطاع الصمود عاة أرضية صلبة كتلك. 

جلس بجواره وهزه بخفة مردداً:
_ يوسف، يا يوسف..

بعد لحظات استجاب يوسف لندائه، رفع بصره عليه فتأكد من وجوده بينما تسائل زياد باهتمام:
_ أنت إيه اللي منيمك هنا؟

اعتدل يوسف وقد شعر بألم شديد في ضلوعه، تشنجت ملامحه وهو يمسك بذراعه التي كان يستند عليه، لم يكن هناك أنش في جسده لا يؤلمه.

جذب زياد انتباهه بسؤاله:
_ نايم هنا ليه؟

أجابه يوسف دون أن ينظر إليه:
_ كنت قاعد ونمت من غير ما أحس..

"طب انزل عشان أمك قالبة عليك الدنيا"
قالها زياد وهو ينهض، مد يده لأخيه ليساعده على الوقوف، فأمسك به يوسف جيداً ونهض بصعوبة، نفض عنه الأتربة التي علقت في ثيابه وخصلاته وترجل إلى طابقهم. 

ولج زياد ويوسف كان متابعاً له، هرولت ميمي عليهما تتفحص يوسف بخوف وقلق:
_ أنت كويس؟ روحت فين قلقتني عليك 

"أنا كويس، مفيش حاجة"
ألقى جملته دون إضافة المزيد، وتوجه إلى المرحاض لينعم باستحمام دافئ ربما يشعر بالتحسن، بينما نظرت السيدة ميمي إلى زياد وسألته بريبة من أمر يوسف:
_ أنت لقيته فين؟

أجابها مختصراً:
_ فوق على السطح 

عقدت ميمي حاجبيها بغرابة وقبل أن تضيف المزيد صاح زياد بقوله:
_ أنا جعان، عايز أفطر..

أماءت بقبول وتوجهت إلى المطبخ تعد لهم الفطور، بعد قليل خرج يوسف من المرحاض باحثاً عن هاتفه: 
_ مشوفتيش موبايلي يا أمي؟

"على الطرابيزة يا حبيبي"
أردفتها وهي تضع آخر ما أعدته على الطاولة، بينما توجه يوسف إليه، تفقد الوقت وصعق حين رآها الواحدة ظهراً، نظر حيث غرفة لينة وهتف مستاءً من تناسيه: 
_ كلية لينة!! 

اقتربت منه والدته وبتردد يشوبه التوجس من رد فعله هتفت: 
_ لينة راحت كليتها، قعدنا نستنى خبر منك أو من زياد مفيش، قولتلها تعرفي تروحي لوحدك قالتلي آه قولتلها طب قومي روحي، دا تاني يوم ليها ومينفعش تغيب من أولها كدا.. 

تملك يوسف الضيق، حتى انعكس على تقاسيمه ثم عاد متسائلاً بنبرة جامدة: 
_ بس دي معهاش فل...

قاطعته والدته بقولها حتى تطمئن جوفه: 
_ إديتها يا حبيبي، متقلقش

لم يقف يوسف مكانه بل توجه إلى الباب فنادته والدته: 
_ أنت رايح فين؟ مش هتفطر 

أجابها بحدة وهو يغلق الباب خلفه:
_ لأ

أخرجت تنهيدة مهمومة فتدخل زياد بسؤاله الفضولي:
_ هو في إيه، الجو متوتر كدا ليه؟

جلست ميمي حيث كرسيها وردت وهي تطالع أمامها بضيق:
_ مفيش، كُل أنت 

***

استقل سيارته وقام بالإتصال على لينة، التي رفضت اتصاله ثم أرسلت إليه أنها منشغلة وحينما ستفرغ ستهاتفه. 

ألقى يوسف بالهاتف على الكرسي المجاور له بعصبية شديدة، زاد من سرعة سيارته وتوجه إلى عمله، كان يوم عصيب عليه، لم يخلو من الانفعالات على العمال بسبب وبدون. 

كان الجميع ملاحظاً لحالته المريبة، لكنهم لم يعقبا حتماً هناك ما أثار غضبه حتى يكون ثائراً كالبركان هكذا، كان يوسف يتفقد هاتفه من آن لآخر لعله يجد منها إتصال أو ربما رسالة.

بعد فترة مرت عليه كانت ثقيلة ومرهقة للغاية، رأى أن جلوسه لن يجدي نفعاً بل سيزيد الأمر سوءاً، أخذ هاتفه وخرج من المعرض، استقل السيارة وتوجه مباشرةً إلى جامعتها. 

أنهت لينة جميع محاضرتها ثم جلست في كافتريا الجامعة، تعيد ما حدث البارحة لربما تستطيع مسامحته، هي على علم بأنها اقترفت خطأً لكن رده كان مفزع، ولازالت لم تخرج من صدمته للأن!

تفقدت ألبوم الصور في هاتفها واختارت صورة له، ظلت تحدج في ملامحه ويديه مرفوعة عليها، لم تشعر بتلك الدمعة التي فرت على مقلتيها، ثم غردت بخفوت:
"أوقات بییجی الصح فی الوقت الغلط
والقلب زی السهم لو شد وفلت
و بصراحة الدنیا بتغیرنا بالراحة
ما بین شعور بالذنب والراحة کله اختلط
بقی عادی الناس یختاروا صح ويتأذوا
والحب مش محکوم بحاجة تميزه
مش أي إحساس بالسعادة بیتقبل
و لا أي وعد بناخده سهل ننفذه
و بصراحة الدنیا بتغیرنا بالراحة
ما بین شعور بالذنب والراحة کله اختلط"

"الله الله إيه العظمة دي؟!" 
قالتها فاطمة حينما صغت لغنائها الجميل، بينما هتفت ندى مبدية إعجابها الشديد بصوتها:
_ صوتك جميل جداً ما شاء الله

التفت إليهن لينة وابتسمت ثم رحبت بهن:
_'تعالوا يا بنات..

غمزت إليها فاطمة حينما وقعت عينيها على صورة يوسف وتسائلت بفضول وهي تجلس أمامها:
_ مين اللي شاغل عقلك دا؟

نظرت لينة إلى الهاتف ثم أغلقته، ابتسمت بحرج وأخبرتها:
_ دا يوسف، خطيبي 

اتسعت مقلتي ندى وفاطمة بذهول حيث رددت ندى بعدم تصديق:
_ إيه دا أنتِ مخطوبة، بس أنتِ لسه صغيرة أوي 

لكزتها فاطمة في ذراعها بقوة وعاتبتها قائلة:
_ وإيه المشكلة، فيه ناس كتير مخطوبين في سن أصغر من كدا 

وجهت فاطمة بصرها إلى لينة وهتفت بفضول أنثوي:
_ بس شكلك بتحبيه؟! 

تلونت وجنتي لينة بالحُمرة خجلاً من سؤالها، قهقن الفتيات على ما أصابها وتحدثت ندى مازحة:
_ بس بقى يا فطوم متكسفيشهاش

ثم تابعت وهي تواجه لينة:
_ ها احكيلنا بقر اتعرفتوا على بعض إزاي، واسمه إيه وبيشتغل إيه؟  

تدخلت فاطمة مستاءة من فضول صديقتها: 
_ حيلك حيلك، وأنتِ يخصك إيه في كل اللي قولتيه دا  

غمزت إلى لينة بمشاكسة ثم قالت مازحة:
_ هاتي لنا بطاقته بس 

شاركتهن لينة الضحك ثم انتبهت على رنين هاتفها، تجهمت تعابيرها لكنها جاهدت أن تبدو طبيعية، حمحمت ثم أجابت على مضض:
_ الو..

"أنتِ فين؟ أنا عند البوابة" 
تسائل يوسف باستفسار فتعجبت هي من حديثه ورددت دون استيعاب:
_ بوابة إيه؟

أجابها مختصراً:
_ بوابة الكلية، ها أنتِ فين؟

بحثت هي بعينيها عليه حتى رأته ثم قالت:
_ أنا في الكافتيريا اللي على يمينك، ثواني وهجيلك 

لحق بها يوسف مردداً:
_ لا خليكي أنا جاي لك 

أنهى المكالمة ثم توجه نحوها فشعرت هي بالإرتباك لوهلة، ولم ترفع نظريها من عليه، حتى أثارت فضول الأخريات ونظرن حيث تنظر هي، رأينا شاب وسيم يقترب منهن فصاحت ندى بعدم تصديق:
_ متقوليش إن القمر دا خطيبك!! 

شعرت لينة بالغيرة، ولم تتحمل سخافة أخرى، انتفضت فأثارت ريبة الاخريات، ثم تمتمت بحنق:
_ ويبقى جوزي، فخلي بالك من كلامك!!

توجهت إلى يوسف ولم تنتظر وصوله، صاحت بنبرة محتقنة قبل أن تصل بخطاها إليه:
_ كمل كمل متوقفش..

تعجب من أسلوبها وسألها مستفسراً:
في إيه؟ 

بإقتضاب وحدة في الحديث قالت:
_ مفيش حاجة عايزة أمشي بس

خرج كليهما من الجامعة، واستقلا السيارة في صمت طال لوقت، لم يستطيع أحدهما كسره، كلما أراد يوسف خلق حوارً معها يفشل، وكأن الكلمات حُشرت داخله، فضل الصمت لحين إيجاد كلمات تليق به. 

لم يخلو عقله من تكوين الأفكار التي زادته حماساً لتنفيذها، وصلا إلى منزلهم وولج إلى والدته خصيصاً وتحدث بحيوية:
_ سيبي اللي في ايدك وركزي معايا، عشان عايزك تساعديني في حاجة كدا 

تركت ما بيدها مجبرة أذنيها على الإصغاء جيداً فبدأ يوسف يقص عليها ما نوى على فعله، ثم غادر المنزل. 

***

حل المساء، كانت تمسك بهاتفها تقرأ رسائل صديقتها التي ترسلها منذ عدة أيام ناهيك عن اتصالاتها المستمرة وهي لا تجيب، شعرت بوقاحة أسلوبها التي تتعامل معها به لكنها مضطرة لذلك.  

أجابت على آخر إتصال بحرج شديد بينما صاحت شهد معاتبة:
_ أنتِ مبترديش عليا ليه؟ قلقتيني والله، وكنت هجيلك بكرة أطمن عليكي 

حمحمت لينة وبتلعثم رددت:
_ معلش يا شهد، اتشغلت في الكلية وكدا 

"ومين سمعك مش هما يومين بس مرمطة، المهم طمنيني عليكي"
أردفتها شهد فأجابت الأخرى مختصرة:
_ الحمدلله..

بخبث صاحت شهد:
_ أنتِ ويوسف أخباركم إيه؟ كنت شيفاكم يوم كتب الكتاب حلوين، شكل خطتي نجحت وباكتساح! 

أوصدت لينة عينيها فهذا بالتحديد ما تخشاه، طالت مدة صمتها ثم اختصرت في ردها:
_ آه إحنا تمام 

بفضول شديد قالت:
_ قوليلي عملتي إيه؟ بعتي له الصور ولا لأ؟ وهو كان رد فعله إيه؟

"مفيش يا شهد عادي، هيحصل إيه يعني؟"
هتفت بها لينة بنفاذ صبر فاستشفت الآخرى ضيقها، فتسائلت باهتمام:
_ مالك يا لينة، فيه حاجة مضايقاكي

"مفيش، بس لو سمحتي معتيش تسأليني عليا ويوسف!"
قالتها لينة لاعنة نفسها، فهي لا تريد إحزانها، ومن جانب آخر تريد تنفيذ أمر يوسف، تعجبت شهد من أسلوبها وهتفت بتعجب:
_ أنا بطمن عليكي بس..

هللت لينة بحنق:
_ لا متطمنيش، عشان دي خصوصية مينفعش حد يعرفها

_ "اه تمام، طيب سلام" 
بخجل شديد قالتها شهد ثم أنهت المكالمة على الفور، بينما ألقت لينة الهاتف على الفراش وأجهشت بالبكاء، لا تصدق أنها فعلت ذلك مع صديقتها المقربة، الأمر خرج عن سيطرتها فلم تريد إحزانها لكن ما باليد حيله.

لم تتوقف عبراتها في السقوط حتي انتبهت على اهتزازة هاتفها فأسرعت في مسكه ظناً أنها صديقتها، لكنه كان يوسف من يتصل، ابتلعت ريقها ثم أجابت دون أن تنبس بشيء، فقال هو سؤاله: 
_ لينة أنتِ معايا؟

باختصار قالت: 
_ أه

حمحم قبل أن يردف بنبرة آمرة:
_ طيب قومي البسي وانزلي أنا تحت..

قطبت جبينها بغرابة من أمره، تفقدت الوقت ثم تسائلت بإقتضاب: 
_ هنروح فين دلوقتي؟

"لما تنزلي هتعرفي، متتأخريش أنا في العربية تحت"
هتف بهم قبل أن ينهي المكالمة في الحال، حتى لا تعترض أمره، ظلت تطالع الهاتف لبرهة ثم نهضت بفتور شديد، التقطت ثيابها من الخزانة وقامت بارتدائهم. 

خرجت من غرفتها وتوجهت إلى غرفة السيدة ميمي، طرقت على بابها بخفة ثم ولجت إليها، وقفت مقابلها وانحنت عليها محاولة إيقاظها:
_ ماما، يا ماما 

قلقت ميمي وحدجتها بقلق متسائلة بنعاس:
_ في إيه يا لينة أنتِ كويسة؟

أماءت قبل أن توضح لها:
_ يوسف عايزني أروح معاه مشوار مش عارفة فين.. 

تفقدت ميمي الساعة ورددت قائلة:
_ دلوقتي؟! طيب ابقي طمنيني عليكم 

"ماشي"
قالتها لينة وغادرت المنزل، والعديد من التساؤلات قد راودت عقلها، وما أن استقلت السيارة حتى انهالت عليه متسائلة:
_ إحنا رايحين فين دلوقتي؟ 

نظر لها يوسف بعذوبة وشكل بسمة جذابة قبل أن يجيبها:
_ لما نوصل هتعرفي..

تأففت لينة بضجر وصاحت بحنق:
_ هو إيه اللي انزلي وهتعرفي وبعدين تقولي لما نوصل تعرفي 

تعجب يوسف من ثورتها وبهدوء قال:
_ اهدي يا لينة، هنوصل وهتعرفي كل حاجة

لم تعلق بل اكتفت بالصمت، التفتت إلى الجانب المعاكس له وتابعت الطريق متحاشية النظر إليه، بعد وقتٍ، وصل يوسف إلى وجهته بينما تعجبت لينة من وجودهما في ذلك المكان. 

ترجل يوسف تحت نظراتها المتابعة له، وقف أمامها وفتح لها الباب مردداً:
_ انزلي..

ترجلت دون تعقيب، والفضول يكاد يقتلها، التزمت الصمت وسارت بجواره حتى صعدا إلى الطابق القاطن به شقتهم، أخذ يوسف نفساً ثم فتح الباب، كان المكان مظلم، ولج أولاً ودعاها للدخول. 

أشعل الإضاءة فلم تصبر هي ثانية أخرى وصاحت متسائلة:
_ ممكن اعرف إحنا جايين هنا نعمل إيه؟

اقترب منها يوسف بخطوات متريثه ثم أشار بعينه خلفها، فرددت هي بغرابة من أمره وهي تستدير بجسدها:
_ في إيه...

صمتت حين وقع على عينيها تلك الطاولة التي تتوسط الردهة، ومن على جانبيها يوجد كرسيان،  يزين الطاولة بالزهور والشموع، وتتوسطها أطباق مغلفة حتماً يوجد بها طعام فالرائحة قد تخللت انفها منذ ولوجها، وعلى طرفها باقة من الزهور رائعة الشكل. 

"أنا أسف" 
هتف بها يوسف نادماً على ما اقترفه وهو يحتضنها من الخلف، خفق قلبها بقوة ثم استدارت إليه والعبرات تتلألأ في عينيها، رفع يوسف يدها الصغيرة وطبع قُبلة عليها وأعاد اعتذراه:
_ أول وآخر مرة أعمل كدا.. 

لم تتمالك عبراتها التي انسدلت بغزارة، فأبدى يوسف زمجرته من بكائها:
_ لأ لأ مش عايز عياط، أنا مبكرهش في حياتي قده!

مسحت عينيها وهي تردد بنبرة باكية:
_ أنت مش عارف أنا... 

قاطعها يوسف بقوله النادم:
_ عارف هتقولي إيه وعارف حسيتي بإيه، وكلامك مع ميمي حسسني إني صغير أوي قدام نفسي وحيوا..

قاطعته لينة بنهرها:
_ متقولش على نفسك كدا 

ابتسم يوسف ثم ضمها برفق إلى صدره، لكنه زاد من تشبثه بها وهو يشم رائحتها الذكية، كم تمنى أن يظل هكذا بقية عمره، استند على كتفها وهتف بعشق:
_ بحبك أوي، عشان خاطري متزعليش مني، أوعدك مش هعمل كدا تاني أبداً

تراجعت لينة برأسها ونظرت في عينيه مرددة بحرج يشوبه الندم:
_ وأنا كمان آسفة مكنتش أقصد.. 

قاطعها يوسف بلا مبالاة:
_ ولا يهمك يا حبيبتي قولي اللي تحبيه، أنتِ أصلاً عندك حق أنا فعلاً بلطجي

تفاجئت برده فتابع هو بغتة من بين أسنانه:
_ ولو الزمن اتعاد تاني هكسرله ايده تاني! 

تحسس وجنتها متابعاً لحديثه:
_ لينة منطقة محظورة، ممنوع حد يقرب منها! 

عضت لينة على شفاها بخجل فنظر خلفها وقال: 
_ تعالى نتعشى قبل ما الأكل يبرد 

جلس كليهما مقابل بعضهما البعض، ثم أزاح يوسف ذاك الورق الحراري الذي يعتلي الطعام، بدأ يتناولا الطعام وكذلك الأحاديث التي لم تخلو من المزاح. 

انتهوا من طعامعهما، فنهض يوسف وتوجه نحوها ثم مد لها يده فلم تتردد وأمسكت في يده، فساعدها على النهوض، تحسس شفتيها بإبهامة وطالع عينيها قبل أن يقول بخفوت:
_ لينة، أنا عايز أعمل حاجة وياريت مترفضيش! 

بعدم فهم سألته حول ما يريد فعله:
_ حاجة إيه؟

خلع يوسف سترته ووضعها على المقعد وعاد إليها مشكلاً بسمة ماكرة على محياه، مال على أذنها وهمس بنبرة قشعر لها بدنها:
_ مترفضنيش.. 

****

 •تابع الفصل التالي "رواية حرر هواك فالحب بات معلنا" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent