رواية جبل النار الفصل السادس و الثلاثون 36 - بقلم راينا الخولي
جبل النار
رانيا الخولي
السادس والثلاثون
………………
رمشت أسيل بخجل عندما انزلها داغر على الأرضية المفروشة بالورود
مما جعل نظراتها تهتز عندما وجدته يتطلع إليها بعشق ورغبة
وصوته الحاني يتمتم
_مش مصدق إنك أخيراً بقيتي في حضني وملكي.
تاهت عينيها في بحور عينيه
وقد حاولت بقدر المستطاع طرد تلك المخيلات التي تقتحم رأسها وتجبرها على الابتعاد لا تريدها ان تعكر صفو تلك اللحظة
احاط خصرها بذراعيه برقة كأنه يخشى عليها من حدة يداه وقربها منه اكثر متابعاً بوله
_عشت سنين بستنى اللحظة دي ولما جات
طافت عينيه على ملامحها وتابع بهمس وعينيه تتلكأ على شفتيها
_خايف أموت على اديكي من الفرحة.
وضعت يدها على فمه وهي تقول بلهفة
_أوعى تقول كدة تاني، انا اموت لو جرالك حاجة.
امسك يدها التي تضعها على فمه وقبلها بحب جارف مغمضاً عينيه متأثراً بمشاعره عندما تابعت
_انت عمري اللي بقيت عايشة ومن غيرك أموت.
فتح عينيه كي يتوه اكثر في بحور عينيها وتمتم بشغف
_انتِ حبيبتي يا أسيل من يوم ما شوفتك واقفة بجانب سور السفينة وانتِ ملكتي كل كياني
حاوط وجهها بكفيه وعينيه تنظر لثغرها هامساً أمامه حتى داعبت أنفاسه انفاسها
_ومن وقتها وانا بحلم باللحظة اللي تكوني فيها مراتي، كنت بتعذب أوي كل ما أفاتحك في جوازنا وتأجلي.
طبع داغر قبلة صغيرة على جانبه وتابع
_كنت بلاقي صعوبة رهيبة وانا بتحكم في مشاعري كل ما نبقى لوحدنا، لإنك كنت روحي اللي لازم احافظ عليها لإن مفيش حد بيإذي روحه يا روحي.
ترقرقت الدموع بعيونها متأثرة بكلماته لكنه منعها
_هشش مش عايز أي دموع الليلة دي، مش عايزين أي حاجة تبوظ فرحتنا.
ملس إبهامه على شفتها التي ترتجف وتمتم بنظرات تحمل بين طياتها الكثير والكثير من مشاعر عشق الهبت قلوبهم
_لو خفتي من الدنيا كلها أوعى تخافي مني لأنك اغلى حاجة فى حياتى.
مال عليها ليطبع قبلات خاطفة على جانب ثغرها قبل أن يحتويه بعشق جعل ضربات قلبه تهدر بقوة
رفعت أسيل ذراعيها تضعها على صدره تتشبث بقميصة وتغمض عينيها بقوة
عندما عادت تلك الذكريات بأشدها إليها مما جعل جسدها يرتجف حاولت بصعوبة السيطرة عليها لكن لم تنجح بذاك.
كانت تترقب كل حركة له وكأن تلك اللحظات السعيدة التي تعيشها معه الآن ستنقلب على عقبيها وتجد ذلك الوجه الآخر يدمر كل شيء
وكأنه شعر بما تعانيه إذ ابعد وجهه عنها يتطلع إلى عينيها بلوعة وتمتم بعتاب ألهب قلبها
_لسة خايفة مني؟
رفعت عينيها إليه فوجدته يرمقها بعينين يغشاها العشق والخوف في آن واحد خفضت عينيها لا تعرف بماذا تجيب هي تريده كما يريدها لكن الخوف حقاً يفعم قلبها، لكن استطاع بكلمات مقتضبة أن يهدئها قليلًا وهو يقول بصدق لامس قلبها
_انا بعشقك.
استطاعت كلماته أن تهدئ من روعها وعاد يأسر شفتيها بقبلة متمهلة متأنية حتى استسلمت له..
كان صبوراً إلى أقصى حد عليها ولا يلومها على ذلك فقد تذكر كل شيء وكيف أنه أخذها بعنف لن يستطيع أحد تحمله
والمرة الأخرى كانت مشاعره متضاربة ما بين أن حبيبته بين يديه وبين استياءه من غدرها به وقد فقد السيطرة على نفسه حينها عدت مرات لذا لا يلومها على رفضها الذي يظهر مع كل خطوة تخطوها نحوعلاقتهم
فأخذ يمطرها بوابل من الكلمات المعسولة والمطنئنة لها
حتى بالأخير استسلمت له..
……
في غرفتهما
ظل كلاهما يعدا قطرات المطر التي تتقاذف على زجاج النافذة بسعادة عارمة وهو يحتويها بذراعيه داخل أحضانه على الفراش
ضحكت أسيل عندما زادت القطرات مما جعلها تكسب الرهان
تطلعت إليه بسعادة وهي تجذب الغطاء على وجهها
_كدة بقا انام براحتي.
جذب الغطاء عن وجهها وقال بجدية مصطنعة
_انتِ هتخميني من أولها، انا قولتلك لو زادت هسيبك تنامي بس دي وقفت خالص.
زمت فمها بغيظ منه
_انا اللي بخم ولا انت، وبعدين هي اه وقفت بس زادت قبل ما تقف.
تطلع إليها بغيظ منها
_تصدقي بالله انا غلطان إني وافقتك من الأول على الرهان لأنك عيلة.
ضحك داغر عندما وجدها تزم فمها وتقذفه بالوسائد حتى أنه لم يستطيع أن يمنعها
_انا اللي عيلة ولا انت يا قليل الأدب.
تظاهر داغر بالجدية وأخذ منها الوسادة ليلقيها بعيدًا
_قليل الأدب، انتِ بتقولي لمين كدة؟
قالها داغر مدعي الصدمة فقالت بتأكيد وقد توقفت عن ضربه
_ليك انت.
رفع حاجبيه متسائلاً
_انتِ اد الكلمة دي؟
هزت راسها بتأكيد
_اه قدها، هتعمل ايه؟
وجدته يتطلع إليها بخبث فهمته وخاصة عندما رد بمكر
_لو على العمايل فانا هعمل كتير.
وقبل ان تلوذ بالفرار من جواره أسرع بجذبها إلى حضنه ليأسر شفتيها بقبلة أطاحت بتعقل كلاهما
حاولت الفرار منه لكنه أحكم قبضته حولها ثم أخذها لعالمهم الخاص.
صعد داغر على متن اليخت كي يقوم بتحريكه متجهاً إلى وجهتهم
فقد نامت أسيل غصباً عنه ولم يريد ان يضغط عليها اكثر من ذلك.
شعر بحنين جارف إلى طفله وكم أراد أن يعود ليأخذه معهم لكن اليخت او الجزيرة ليس مكان آمن له، سيصتحبه معهم فور عودتهم إلى منزل عمه بالقاهرة وسيظل هناك حتى موعد عودته للعمل.
يعلم جيدًا بأن عودتهم لذلك المنزل سيكون صعباً على حبيبته وصعباً عليه أيضاً بعد أن عرف ما حدث
لكن عليه ذلك كي تواجه مخاوفها
فمازالت حتى بعد معرفتها الحقيقة تترقب كل خطوة منه وهي بين ذراعيه.
لولا كلمات الغزل التي لم يكف عنها كي يجعلها تهدئ وتنتهي تلك الرجفة التي تنتابها
ابتسم بحب عندما شعر بيديها تحتضن خصره وتضع رأسها على ظهره وتمتمت بخفوت
_وحشتني.
ترك تارة القيادة واستدار ليتطلع إليها وتشرق شمسه بابتسامتها التي اضاءت روحه.
ابعد خصلاتها عن وجهها وتمتم بعشق
_مش قولتي هنام؟
هزت كتفيها بدلال
_مجاليش نوم وانت بعيد عن حضني قلت آجي انام جانبك على الكنبة زي ما كنت بتعمل زمان.
ابتسم داغر للذكرى
_يااا يا سيلا على الأيام دي، كنت بحلم امتى تكوني مراتي
كنت كل ما نجتمع مع بعض لوحدنا كنت بلاقي صعوبة كبيرة عشان اتحكم في مشاعري نحيتك لو كنت حسيتي بيا وقتها كنت هترحميني.
ضحك داغر عندما ضربته على كتفه وتمتمت بحنق
_قليل الأدب..
رفع حاجبيه بمكر
_تااااني؟
جذبته أسيل من اذنه وهي توبخه كطفل صغير
_اعمل فيك ايه دماغك ديماً شمال.
تظاهر داغر بالألم وقال
_غصب عني دي حاجة مش بى إديا تقدري تقولي كدة مرض بعيد عنك.
تركته لتتوجه ناحية الأريكة لتستلقي عليها
_ربنا يشفيك.
تطلع إليها بمكر
_هو انتِ فكرك إني هعرف اشوف قدامي وانتِ جانبي كدة؟ يا تيجي تقفي جانبي يا تنزلي تنامي تحت.
استدارت أسيل كي توليه ظهرها وهي تشعر برغبة شديدة في النوم فتثاءبت قائلة
_خلاص مش هخليك تشوفني.
وفي لمح البصر انتظمت أنفاسها وغرقت في سبات عميق.
ابتسم برضا ثم ترجل للأسفل ليأخذ لها الغطاء ويضعه عليها
مال ليطبع قبلة حانية على وجنتها وكم أراد في تلك اللحظة أن ينام بجوارها لكن عليه أن يآجل كل ذلك حتى يصل للجزيرة أولاً
❈-❈-❈
أصبحت العلاقة بين خليل وسيلين مشاركة في كل شيء متعلل كلاهما بعدم استطاعتهم العودة إلى منازلهم للغداء
فيتناولوا طعامهم معاً في كافتيريا المصنع
واثناء تناولهم الطعام سألته سيلين كأنها تفتح مجال للحديث
_داغر ومراته اخبارهم ايه رجعوا ولا لسة.
رد خليل بقلة حيلة
_رجع يا ستي وأخد مراته وراحوا يقضوا شهر العسل مفكرش حتى ييجي يسلم عليا، يظهر إن كل ده كنت بربي لغيري.
ضحكت سيلين وقالت
_هي دي سنة الحياة مهما كان معاك اولاد بييجي علينا الوقت اللي كل واحد ينشغل بحياته ويديها كل اولوياته.
اومأ لها
_يعني اللي خلف في الآخر زي اللي مخلفش.
شعرت سيلين بالاحراج وتمتمت معتذرة
_انا مكنتش أقصد….
قاطعها خليل بصدق
_صدقيني الموضوع ده عمره ما شغلني من وقت ما مراتي الله يرحمها قالت إن العيب منها وإنها مش هتقدر تخلف وانا شيلت الموضوع من دماغي وبصراحة داغر في وقتها كان معوضني عن الحرمان ده عشان كدة احنا كمان عوضناه عن حرمانه بأمه وأبوه، عشنا مع بعض أسرة مترابطة، وخصوصاً أنه رفض يسافر مع والده وأصر انه يفضل معانا
لما مراتي ماتت وعرفت إن العيب كان مني أنا مفرقش معايا ولا حسيت بالذنب لإني محسستهاش لحظة واحدة إني ظلمتها حتى لو بنظرة.
تطلعت اليه بتقدير وقالت باطراء
_بجد انت شخصية جديرة بالاحترام أوي يا خليل بيه ونادر وجودك دلوقت.
رفع حاجبيه متسائلاً
_مش شايفة إنك مبالغة حبتين؟
هزت راسها بنفي وتحدثت بثقة
_دي حقيقة انا شيفاها وواثقة منها.
أراد خليل أن ينهي الحديث لأنه حقاً لا يحب ذلك الاطراء وقال بثبوت
_مش هجادلك لإني مش بحب الجدال.
على العموم الرسول عليه الصلاة والسلام قال (الخير هيفضل في أمتي ليوم الدين.)
أيدت حديثه
_عليه الصلاة والسلام، فعلاً الدنيا لسة بخير طالما فيها زيك.
أومأ لها وقام بتغيير الحديث
_الولاد اخبارهم ايه؟
_كويسين الحمد لله ديدا مصرة انها تدخل شرطة ومعتز رافض بيقولها انتِ بنت وده مجال للشباب مش ليكي انتِ، وبصراحة محتارة
مش عايزة اكسر كلمة معتز عشان مهزش ثقته في نفسه ويحس ان كلمته مش مسموعة وخصوصاً في سنه ده وبرضه مش عايزاه يكون متحكم أوي في حياتها.
تحدث خليل بحكمة
_الافضل إنك تقنعي معتز برأي أخته وتترك الرأي الأخير له بمعنى إن دي رغبتها ومش عايزين ومينفعش نكسر رغبتها بس لو انت مصر تمام، وقتها مش هيقدر يرفض لإنك كبرتيه قدام نفسه وقدام أخته فمش محتاج يثبت كيانه طالما انتم شايفينه كدة.
أيدت رأيه بنظرة منها وقد اثبت ذلك الرجل بأنها أحسنت تلك المرة الأختيار.
❈-❈-❈
أوقف داغر اليخت أمام الممر بعد رحلة استمرت ساعة
تطلع إلى تلك النائمة بعشق جارف يتأمل ملامحها التي لا تكتفي عيناه من النظر إليها
تقدم منها ليجثوا على ركبتيه بجوارها وملس أنامله على وجنتها فتشعر به تلك النائمة ترمش بعينيها قبل أن تفتحها على تلك العيون التي سقطت صريعة لها فور رؤيتها
_صباح الورد.
ابتسمت بخجل من نظراته وتمتمت بشجن
_اجمل صباح صحيت عليه.
اتسعت ابتسامته للسعادة الواضحة عليها وقال بحب
_وانتِ أجمل حاجة شافتها عينيا، بحبك يا أسيل.
أغمضت عينيها تحاول الثبات أمام تلك المشاعر التي اقتحمتها بنظراته وكلماته المعسولة
امسكت كفه الذي يملس به على خدها وقامت بتقبيله بحب وهي تتمتم بخفوت
_خايفة يكون كل ده حلم، بس لو حلم مش عايزة أفوق منه.
هز رأسه بنفي وتمتم بوله
_لا حقيقة بس هنخليها حقيقة زي الحلم هنعيش مع بعض أجمل لحظات وهعوضك عن كل ثانية عشتيها بعيد عني.
مال على ثغرها يطبع قبلة حانيه بجانب شفتيها قبل ان يأخذها إلى تلك الفقاعة الوردية التي لا يدخلها سواهم..
سار داغر على الممر وهو يحتضن أسيل وكأنه يخشى ان تهرب بعيدًا عنه ولو حتى خطوة واحدة
صرخت عندما باغتها داغر بحمله لها وهو ينزل من الممر على الأرض الخضراء.
أخفت وجهها في عنقه وتمتمت بسعادة
_انت مجنون.
ضحك داغر بسعادة أكبر وتمتم بتوعد
_هو انتِ لسة شوفتي جنان اصبري بس عليا.
حاوطت عنقه بذراعيها وتمتمت بحبور
_بحبك يا داغر
_وانا بموت فيكي يا قلب داغر.
صعد درجتين حتى وصل لباب المنزل الصغير الذي استأجره لها ليقضوا به رحلتهم.
انزلها أمام الباب وقال بثبوت
_ثواني.
أخذ الشريط الوردي الموضوع على الباب الزجاجي ثم وضعه على عينيها فسألته
_حبيبي بتعمل ايه؟
ربط الشريط بحنو وهمس بجوار أذنها
_مفاجأة يا عيون حبيبك.
فتح الباب وقادها للداخل ثم اغلق الباب بقدمه وقال هامساً وهو محتضنها من الخلف
_تحبي تفتحي عينيكي هنا ولا في الاوضة؟
هزت كتفيها بدلال
_وايه الفرق؟
قربها لصدره أكثر
_لااا الفرق كبير اوي تحبي تجربي.
هزت راسها بنفي
_لأ متشكرة خلينا هنا.
طبع قبلة خاطفة على وجنتها قبل أن يرفع الشريط عن عينيها فتتفاجئ أمامها بمنزل صغير بجدران زجاجية وستائر بيضاء سائدة كحال كل شيء به.
تطلعت إليه بانبهار وعينيها تستكشف المكان بذهول
كل شيء به باللون الأبيض حتى جدران الغرفة الوحيدة به
وكذلك المدفئة الجانبية
كما كانت أزهار التوليب البيضاء تحيط المنزل من كل جانب حتى زهور الأقحوان تتراقص مع النسمات الهادئة برائحة اليود
استدارت لتنظر لداغر وتمتمت بعدم استيعاب
_انا مش مصدقة نفسي معقول الجمال ده؟
ابتسم بسرور عندما لاحظ انبهارها وتمتم بعشق
_واكتر كمان انا هعيش بس عشان اسعدك يا عمري.
استدارت له لتنظر داخل عينيه التي تسحرها وتمتمت بعيون دامعة
_داغر انا…..
لم تجد الكلمات التي تصف بها امتنانها لكل ما يفعله لأجلها
رفع داغر انامله ليتلاعب بخصلاتها وتمتم بوله
_متقوليش حاجة، انا شايف وقاري في عينيكي كل حاجة، بس لو استمريتي على كدة هتهنجي مني لسة قدامك مفاجأت كتير.
لفت ذراعيها على عنقه تحتضنه بشدة ولم تستطيع حينها منع دموعها من النزول وهي تشدد من احتضانه
شعر داغر بدموعها على عنقه مما جعله يبعدها عنه بقلق فوجد عينيها تنهمر منها الدموع بغزارة فأحتوى وجهها بكفيه يسألها بلهفة
_مالك يا قلبي بتعيطي ليه؟
اغمضت عينيها كي تتخلص من الدموع المتعلقة بأهدابها وتمتمت بخفوت
_بعيط على السنين اللي ضاعت وانت بعيد عني.
مسح دموعها بابهامه وتمتم بحنو
_قولتلك هعوضك يا عمري لدرجة إني هنسيكي كل لحظة عذاب عيشتيها بعيد عني.
هزت راسها بألم
_خايفة الدنيا تستكتر عليا الفرحة دي.
ابتسم لها وهو يقول بثقة
_طول ما انا جانبك اطمني ومتخافيش من حاجة.
عادت لحضنه ليكتنفها شعور الامان من جديد
كانت تستمع لنبضاته كأنه لحناً موسيقيًا أطرب أذنها.
طبع قبلة متملكة على رأسها ثم تمتم بوله
_هنفضل كدة كتير؟
أومأت له دون أن ترفع رأسها إليه
_مش عايزة أسيب حضنك.
فقال هو بمكر
_ولا انا كمان مش عايز أسيبه، بس عايزه بطريقة مختلفة
رفعت وجهها وزمت فمها بغيظ
_انت منحرف.
هز رأسه بنفي
بصراحة دي المرة الوحيدة فيها اللي غرضي شريف تعبت بس من الوقفة وعايز نقعد على الكنبة.
رمقته بشك فهز رأسه بثقة أن تصدقه فقالت
_ماشي هصدقك.
أمسك يدها وجلس بها على الأريكة الوثيرة ثم سألها
_تشربي ايه؟ ميكس ولا بلاك؟
نهضت أسيل
_خليك انت انا هعمله.
نهض معها وهو يقول بخبث
_ خليني اساعدك أصل المكان غريب عليكِ ومش هتعرفيه.
رفعت حاجبيها تتصنع الدهشة
_لا والله.
اومأ بتأكيد
_اه طبعاً تعالي.
جذبها من يدها وتقدم من المطبخ الذي صمم باتقان في أحد الأركان ثم قال بجدية مصطنعة
_عيبه الوحيد أنه ضيق مينفعش اتنين يقفوا فيه إلا إذا كانوا حاضنين بعض.
ضحكت أسيل وسألته
_ازاي بقا.
_كدة.
احتضنها من الخلف ووقف بها امام الغلاية الكهربائية ليأخذها ويضعها أسفل المياه يتحرك بها وهو يحتضنها بقوة وكأنه يخشى ان يتركها لحظة واحدة
فتحت أسيل نافذة المطبخ التي تطل على حديقة مليئة بالزهور فتداعب نسائم الربيع خصلاتها التي داعب وجه داغر وهو مازال محتضنها فيغمض عينيه مستمتعاً بعبيرهاالذي يسكره بعطره الآخذ، فقد أصبحت كالخمر كلما ارتوى منه كلما ازداد شعوره بالظمأ
استدارت بين يديه ليفتح عينيه على تلك العيون الذي أيقن الآن أن عاجلاً أم آجلاً ستكون سبباً في هلاكه.
كانت تحدثه وهو غير منتبه لحديثها بل كان في عالم آخر وعينيه تجوب ملامحها بشغف ووله
هي العالم وما به من ملذات..
تجمع فقط بداخلها فلم يعد يرغب شيء بعد الآن غيرها.
توقفت عيناه على شفتيها التي تحركها بالحديث الذي لا يسمع منه شيء
صب كل حواسه على تلك الحورية المتمثلة أمامه ومن خلفها بحره الهادئ يرسل إليه نسماته برائحة اليود ماراً بطريقه إلى نسمات الياسمين مقتحمين وحدتهم
أخذ نفس عميق من تلك النسائم التي اختلطت برائحة اللافندر التي تنبثق منه.
انتهت عند تلك النقطة قوة تحمله ولم يعد يطيق صبرًا فمال يحملها بين يديه ودلف بها تلك الغرفة التي تزينت باتقان للعروس.
❈-❈-❈
نهض الطبيب من مقعده بعد معاينته لهايدي وحازم يمسك يدها بدعم حقيقي
ساعدها على النهوض ثم أشار لهم الطبيب بالجلوس وقال
_ تفضلوا بالجلوس.
جلسوا منتظرين حديثه بترقب حتى قال
_دعوني أكون صريحاً معكم، الحالة صعبة لكن علاجها ليس مستحيلاً قد يستغرق بعض الوقت لكن بالنهاية سيكون باستطاعتك الإنجاب.
تطلعت لحازم بسعادة وقد بادلها هو بابتسامة متحفظة كي لا يشعرها بأن الأمر يفرق معه وفي حقيقة الأمر هو يود أن يكون له عائلة كبيرة يعوض بها حرمانه لكن لن يظهر بذلك كي لا تشعر بالحزن.
تابع الطبيب
_ستتابعين معي خلال فترة وجودي بمصر وبعد سفري راسليني بالفحوصات.
اومأت هايدي وخرجا معاً من المشفى وقد شعرت بالأمل بعد أن فقدته.
قالت بغيظ
_لو كنت عرفتني من الأول كان زمانا معانا أربعة.
ضحك حازم وهو يفتح لها باب السيارة
_اربعة مرة واحدة.
اومأت له وقالت بحدة محبب
_اه عندك مانع؟
تمتمت بكل ما يحمله بداخله من حب لها
_وانا اقدر برضه كل اللي نفسك فيه هعمله.
احتواها بحب ليقبل رأسه ثم تمتم بمكر
_انا بقول نروح البيت أحسن لإني ممكن اتهور دلوقت.
ضحكت هايدي بعلو جعلت حازم يحرك السيارة كي يعود بها إلى منزلهم.
❈-❈-❈
في الغرفة
كانت أسيل تضع رأسها على صدره في سكون تام
مما اقلق عليها داغر فسألها
_مالك ساكته ليه؟
اغمضت عينيها وقد داهمتها ذكريات تلك الليلة والتي علمت جيدًا بأن لا شيء مما يفعله سيمحيها من ذاكرتها
ازداد قلقه عندما لم يجد منها رداً فابعد رأسها عن صدره واستلق بجانبه ينظر إليها فيتفاجئ بدمعة سقططت على وجنتها مما جعله يلتاع عليها
_مالك يا سيلا انا ضايقتك من غير مقصد؟
لم تستطيع فتح عينيها ورؤية قلقه عليها في عينيه
لن تخبره حتى لا تقهره أكثر فقالت بكذب وهي تفتح عينيها
_مفيش بس إياد وحشني، وكان نفسي ييجي معانا.
يعلم جيدًا بأنها لا تخبره الحقيقة لكنه سايرها قائلا
_انا كمان وحشني أوي بس تفتكري المكان ده آمان لطفل عمر سنتين وانا قولتلك إن وقت ما نرجع هنسافر القاهرة نقضي شهر كمان مع عمي لإني بصراحة قصرت معاه أوي وعايز اقعد معاه لحد ميعاد السفر.
رفعت عينيها إليه بصدمة
_سفر؟
اكد داغر
_اه عشان شغلي، ما انا قولتلك إني رجعتله.
ظهر القلق واضحاً عليها وسألته بتوجس
_هتغيب عني كتير؟
زم فمه بأسف
_معرفش، ده بيبقى حسب.
اخفضت عينيها بحزن فوضع أنامله أسفل ذقنها يرفع وجهها إليه وقال بابتسامة يخفف عنها حزنها
_وبعدين يا ستي احنا لسة قدامنا شهرين أوعدك إني هزهقك فيهم وأخليكي تقولي خلاص زهقت منك.
ابتسمت وهي تهز رأسها بنفي
_مستحيل ازهق منك.
رفع حاجبيه بمكر
_واثقة؟
أومأت له بتأكيد
_واثقة أوي أوي.
تمتم ببراءة مصطنعة وهو يجذب الغطاء عليهما
_خلاص بما انك مش هتزهقي يبقى اتحملي..
…….
•تابع الفصل التالي "رواية جبل النار" اضغط على اسم الرواية