رواية حرر هواك فالحب بات معلنا الفصل السادس والثلاثون 36 - بقلم تسنيم المرشدي
«حرِر هَواكَ فَالحُب بَات مُعلنَا»
«الفصل السادس والثلاثون»
***
استيقظ إثر صوت ذاك المنبه، أغلقه وكاد يعود للنوم الا أنه تذكر أن اليوم عرسه، خفق قلبه بقوة وانتفض من مكانه، ظل يدور حول نفسه يجهل أول خطوة عليه اتخاذها.
ابتلع ريقه وحاول تهدئة روعه فالأمر لا يحتاج إلى ذاك التوتر، وقع على أذنيه ضجة في الخارج فلم يتردد في الخروج، كان الجميع متوتر والأجواء مشحونة بالطاقة السلبية وهذا ما استشفه.
لاحظ هرولة الجميع إلى غرفة لينة فتوجه نحوها ووقف أمام بابها متسائلاً بقلق:
_ في إيه؟
التفتت إليه السيدة ميمي وكذلك شهد ثم تنحين جانباً فظهرت هي بعينيها المتورمة، وعبراتها التي تتساقط دون توقف، شعر بالقلق حيالها واقترب منها متوجساً خيفة في نفسه، جلس بجوارها وسألها باهتمام:
_ مالك في إيه؟
أجهشت باكية وهي تخبره سبب بكائها:
_ المفروض أستلم الفستان من الديزاينر امبارح وقالتلي لأ سبيه فيه شوية تظبيطات محتاجين يخلصوا، بكلمها النهاردة تقولي المندوب في إجازة ومش عارفة أبعتهولك إزاي؟!
كلمت الميك أرتست أفكرها متتأخرش أول ما عرفت إن المكان بعيد وفي حارة مش فندق قالتلي مش هعرف أجي لوحدي محتاجة حد يجيبني!
أعمل إيه أنا بقى مين اللي هيفضى يروح يجيبهم؟!
من أولها مفيش حاجة راضية تمشي زي ما مترتب لها، أوف بجد
رفع يوسف بصره على والدته فاستشفت هي ما يريد ثم وجهت حديثها لشهد:
_ تعالي شهد عايزاكي..
خرجن من الغرفة وأغلقت الباب فاقترب يوسف من لينة وملس على وجهها وهتف:
_ تعالي نتفق اتفاق صغير
حركت رأسها بمعنى ماهو فتابع قوله:
_ مفيش عياط النهاردة، النهاردة فرحنا يا لي لي مش دا اللي حلمنا بيه؟ مش دا اليوم اللي استنيناه ورتبنا له من زمان؟
صاحت هي بنبرة متحشرجة معارضة حديثه:
أ_ يوة بس كل حاجة مش مظبطة و..
قاطعها يوسف قائلاً:
_ كل اللي قولتيه دا ليه حل مش حاجة صعبة يعني، أنتِ كل اللي عليكي تكوني هادية واستمتعي باليوم، وأنا عليا هخلص لك كل حاجة، لكن مينفعش شدة الأعصاب دي، عارف إن اليوم طويل ويمكن تكوني خايفة من..
تدخلت هي قبل أن يكمل جملته:
_ خايفة من إيه؟! أنا بس عايزة كل حاجة تمشي تمام
"كل حاجة هتمشي تمام لو أخدنا الأمور ببساطة مش بالعياط، فهماني يا لينة؟"
أماءت فقبل وجنتها وقال:
_ قومي أغسلي وشك يلا، مش منظر عروسة دا
تنهدت فقال يوسف:
_ وبعدين إحنا لسه فيها، لو عايزة نحجز في فندق..
أسرعت في رفض ذلك:
_ لا مش عايزة، أنا حابة اليوم كله يكون هنا بما أنه آخر يوم ليا هنا..
رفع يدها عند فمه وطبع قُبلة عليها ثم قال بصوت رخيم:
_ خلاص يبقى خلي آخر يوم مبهج ومش مكهرب وكل حاجة هتمشي بإذن الله تمام..
نهض عن الفراش فأسرعت هي مسك يده وقالت بنبرة مهزوزة وهي منكسة الرأس:
_ أنا خايفة أوي يا يوسف!!
ارتخت تعابير يوسف ونظر لها بآسى شديد فحاولت تبرير مقصدها:
_ مش قصدي اللي فهمته بجد، بس متوترة أوي، خايفة أطلع وحشة، دي أول مرة هعمل فول ميك آب، خايفة اليوم ميمشيش زي ما أنا عايزة، خايفة يحصل أي حاجة تبوظ علينا فرحتنا..
استنكر يوسف تفكيرها المحدود وعاد جالساً بجانبها وبدأ حديثه بصوت أجش:
_ ليه التشائم دا؟ محدش بيفكر بالطريقة دي، سيبي كل حاجة تمشي زي ما هو مقدر لها، مش زي ما إحنا مرتبين ليها ودي هتكون أحسن بكتير، ثم إنك حلوة ومش محتاجة لذرة ميك آب، أنا بس سيبتك تعملي عشان تكوني مبسوطة لكن لو عليا فيكفيني أوي القمر أبو مناخير مسمسة دا
نجح يوسف في رسم البسمة على ثغرها قبل أن تردف كلماتها:
_ مع إني عارفة إن دا تثبيت، بس عاجبني
غمز إليها ثم هتف بمزاح:
_ أي خدمة، هروح أنا عشان أجيب لك الناس اللي مش راضية تيجي دي..
أماءت بقبول بينما خرج من الغرفة ثم نادى على أخيه وأمره:
_ أنا مش فاضي أروح المشاوير دي عندي حاجات كتيرة عايز أعملها قبل ميعاد السيشن، خد العربية وروح جيب الفستان وجيب لها الميك أرتست وأنت راجع
"بس أنا معرفش الأماكن ولا هوصل للست دي إزاي اصلا وأنا معرفش شكلها؟"
رددها زياد فصمت يوسف لبرهة يفكر في حل، أنتبه على صوت شهد الذي جاء من خلفه ونظر لها نظرةٍ مطولة ثم ناداها بصوت جهوري:
_ شهد، لو سمحتي عايزك..
جائته على استحياء فلم يدور بينهما حوارً من قبل، حمحمت وبحرج تسائلت:
_ نعم؟
وزع يوسف نظريه بينها وبين شقيقه قبل أن يخبرها بما يريد:
_ معلش ممكن تروحي مع زياد تستلمي أنتِ الفستان لأنه مش عارف المكان، وتكلمي الميك أب ارتست وتقابلوها تجيبوها في طريقكم..
تفاجئت شهد بطلبه وكذلك زياد الذي صعق، تبادلا النظرات المشحونة ثم أعطت شهد إجابتها بإقتضاب:
_ طيب هستأذن ماما الأول..
"تمام، يكون أحسن"
أردفها يوسف بينما ابتعدت هي عنهما لتأخذ الموافقة أولاً من والدتها قبل الذهاب إلى أي مكان، اقترب زياد من أخيه وهمس بحنق:
_ شهد مين اللي تيجي معايا؟ ملقتش غير دي؟
نظر له يوسف بغرابة من أمره وصاح بإقتضاب:
_ مالها شهد مش فاهم؟ وبعدين مضطرين أنت مش شايف اليوم مشحون إزاي من أوله، عدي معايا اليوم يا زياد
تأفف الآخر بعدم إعجاب، لكنه تحلى بالجمود حينما عادت شهد ووجهت حديثها ليوسف:
_ ماما وافقت..
تدخل زياد بنبرة مشحونة بالغضب وهو يرمق شهد:
_ هات مفتاح الزفتة..
تفاجئ يوسف من وقاحته لكنه لم يعقب أمامها واكتفى بمعاتبته في نظراته، أولاهما زياد ظهره وغادر بينما تمتمت شهد بغيظ عارم:
_ آل يعني أنا اللي هموت وأروح معاه..
وقعت كلماتها على أذني يوسف وشعر بالحرج الشديد، حمحم ثم أردف بخذي:
_ معلش يا شهد عشان خاطر لينة
نظرت إليه قبل أن تردف:
_ وأنا كان ممكن أروح معاه مكان إلا عشان خاطر لينة، أنت اخوك دا حد يطيقه؟!
تفاجئ يوسف بما قالته وظل يطالعها بذهول، أخذت هي حقيبتها وغادرت المنزل على مضضٍ، استقلت المقعد الخلفي وانتظرته حتى ينطلق لكنه لم يبرح مكانه، التفت إليها وببرودٍ يشوبه التماسك:
_ حد قالك إني سواق عندك عشان تقعدي ورا؟
عقدت شهد ذراعيها أعلى صدرها وهتفت مستاءة:
_ وأنت عايزني أقعد جنبك أنت؟!
أردفت آخر كلماتها وهي تشير إليه باشمئزاز وتقليل منه، شعر زياد بالإهانة وترجل من السيارة ثم فتح بابها وهدر بها شزراً:
_ أقسم بالله إن ما نزلتي ركبتي قدام لأسيبك وأمشي..
لم تعطي شهد رد فعل لحظتها، لكنها اضطرت إلى الترجل فلن تسمح أن تحزن صديقتها من خلف ذاك الأحمق، استقلت المقعد الأمامي وهي بالكاد تستطيع الصمود دون خلق مشادة بينهما فكان سخيفاً للغاية معها.
وصلا حيث المكان التي ستحضر منه شهد فستان لينة، صعدا كليهما معاً وأخذت شهد حامل الفستان لكنه كان ثقيلاً للغاية ويفوق قوتها المحدودة، نظرت حيث يقف زياد بغيظ عارم وصاحت بحنق:
_ حد قالك إن المكان محتاج عمدان؟
"نعم؟!!"
هتف بها زياد بعدم فهم ونبرة جامدة فأوضحت هي بإزدراء:
_ الفستان تقيل، لو مش هتعب حضرتك تيجي تشيله!
رمقها بنظرات مستاءة تحولت إلى الإستهزاء قبل أن يردد:
_ مكنتش أعرف إنك خرعة للدرجة دي
اتسعت حدقتاها ثم ألقت الفستان أرضاً وهتفت بغيظ وتحدي:
_ طب ورينا شطارتك!
وقفت تتابعه في صمت ولم تخفض حاجبها الأيسر بغيظ من ردوده الباردة، بينما توجه زياد بعجرفة إلى ذاك الفستان وانحنى ليحمله فوجد صعوبة في البداية، لقد كان ثقيلاً للغاية، ابتلع ريقه وحاول التحلي بالقوة ليحمله لكن خارت قواه وسقط الحامل أرضاً.
صدحت قهقهة شهد متعمدة الإستهزاء على ضعف بنيته فصاح هو بحنق:
_ بت، مسمعش صوتك، وشيلي معايا خلينا نخلص بقى..
اقتربت منه والإبتسامة لاتزال مُشكلة على شفتيها، وعزمت ألا تمرق الأمر دون الرد عليه بإهانة مثلما فعل مسبقاً فتمتمت وهي تحدق به:
_ مكنتش أعرف إنك خرع للدرجة دي..
تأفف زياد وهتف من بين أسنانه:
_ لولا أنك بت كنت دفنتك مكانك..
تقوس ثغرها للجانب ببسمة ساخرة على موقفه الضعيف مقارنةً بموقفها أمامه، بينما جمع زياد قوته وحمل الفستان حارصاً بألا يسقطه ثم أولاها ظهره وهرول للخارج قبل أن يفقد توازنه.
بصعوبة شديدة أنهى وضعه في المقعد الخلفي وتمتم بضيق:
_ فستان دا ولا المحل نفسه..
أطلقت شهد من خلفه قهقهة بخفة أجبرته على النظر إليها بضيق، لم يعقب وتوجه نحو مقعده وكذلك هي فتحت بابها لكنها تفاجئت بتحرك السيارة بعيداً عنها.
وقفت مكانها تتابع تحركها بذهول هاتفة بغضب:
_ أنا اللي غلطانة إني جيت مع واحد زيه!!
وقفت تنتظر سيارة أجرى لكن لم تمر أي سيارة، مرت خمس دقايق وتفاجئت بعودته، أوقف السيارة ونظر إليها بتشفي قبل أن يقول:
_ صعبتي عليا..
ببرودٍ حدجته ثم حركت رأسها بعيداً عنه، معلنة تمردها، انتظر الآخر قليلاً ثم أبدى استيائه قائلاً:
_ يلا عشان منتأخرش!
نظرت إليه بتحدٍ وقالت بحاجبين مرفوعان:
_ مش راكبة إلا لما تنزل وتفتح لي الباب!
"أعمل إيه يختي؟"
رددها زياد باستنكار شديد ولم يبرح مكانه، انتظر وانتظر ومازالت ثابتة على موقفها، فما كان منه إلا أنه ترجل بخطى غاضبة وتوجه نحوها، قام بفتح الباب لها وصاح بنفاذ صبر:
_ خلصيني..
رفعت شهد رأسها بتعالي وتحركت نحو السيارة حتى استقلت المقعد، خفق قلبها بذُعر حين دفع الباب بعنف، لكنها تحلت بالثبات، عاد هو لمقعده وتحرك بسرعة عالية خشتها شهد، وضعت يدها على قلبها بخوف شديد وأردفت بنبرة مهزوزة:
_ امشي براحة..
نظر إليها زياد واستشف خوفها فظهرت على شفتيه إبتسامة ماكرة وزاد من سرعته فهتفت هي بخوف عارم:
_ يا زياد قلبي هيقف، هدي السرعة
"قولي لو سمحت يا أستاذ زياد هدي السرعة"
هتف بها مستغلاً الأمر لصالحه، بينما لم تتفوه شهد ما يريده بسهولة، أغلقت عينيها في محاولة منها للسيطرة على خوفها لكنه كان يزيد من سرعة السيارة ليخفيها فلم تشعر بنفسها سوى وهي تصرخ بحنق:
_ لو سمحت يا أستاذ زياد هدي السرعة
قلب زياد عينيه مستاءً وقال ببرود:
_ مش حاسسها لأ، قوليها تاني
اغرورقت عيناي شهد وتوسلته بنبرة تهدد بالبكاء:
_ لو سمحت يا أستاذ زياد هدي السرعة..
لاحظ زياد انعكاس نبرتها فرمقها بطرف عينيه وتفاجئ ببكائها، هدأ من سرعة السيارة فجشهت شهد باكية، شعر زياد بالندم لتماديه في سخافته، صف السيارة جانباً والتفت بجسده نحوها وقال بخذي:
_ أنا آسف مكنتش أقصد...
قاطعته شهد بقولها:
_ أنا عايزة أروح
حمحم بحرج شديد ثم تحرك بالسيارة مرةٍ أخرى، عادا إلى منطقتهم بعدما أحضر تلك المرأة التي تنتظرها لينة، صف السيارة أسفل البناية وهو يتابع ترجل شهد، خشى أن تخبر شقيقه وينال توبيخاً منه وهو ليس على استعداد لذلك اليوم.
تنهد وترك الأمور تجري كما هي مرتب لها، فلم يكن لديه ما يفعله سوى الإنتظار، أخذ الفستان وصعد للأعلى وداخله خوف مما ينتظره.
***
كان يقف بجوارها يجمع خصلاتها لكي لا تنسدل على وجهها، انتهت إيمان من إفراغ بقايا مافي معدتها ثم التقطت أنفاسها التي هربت منها مطلقة صوت متعب للغاية:
_ اااه، معتش قادرة
نظر إليها بلال بآسى شديد وردد:
_ سلامتك يا حبيبتي..
"الله يسلمك"
قالتها بخفوت، وتوجهت إلى الغرفة وتبعها بلال، جلس بجوارها وحدج الطعام التي لم تتناول نصفه بعد وأردف:
_ كملي أكلك
حركت رأسها رافضة تناول أي طعام خشية أن تعود لتلك الحالة المذرية من جديد:
_ لا لا مش عايزة..
أنتبه بلال على رنين هاتفه، أجاب صديقه الذي صاح بغيظ:
_ هو أنا هفضل أكلمك أتحايل عليك تنزلي، ماشي ياعم شكراً..
"والله غصب عني.."
لم يكمل بلال جملته حتى قاطعه يوسف بعتاب:
_ ولا غصب عنك ولا غيره، مش عايز منك حاجة
تدخلت إيمان في الأمر لكي يعلم يوسف الحقيقة:
_ معلش يا يوسف أنا السبب، تعبانة وهو مش عارف ينزل ويسيبني كدا
"تعب إيه النهاردة، أنتوا متفقين عليا صح، سايبين الأيام كلها وجاين تتعبوا النهاردة؟"
هتف بها يوسف مازحاً فردت هي بنبرة منهكة:
_ أيوة كنا عايزين نزود المعازيم واحد..
بعدم فهم ردد يوسف:
_ واحد مين؟
تولى بلال مهمة الرد عليه بسعادة:
_ هجيلك أنا وابني
عقبت إيمان قائلة:
_ أو بنتك!!
"بتهزروا، صح؟!"
صاح يوسف بعدم تصديق فأكد بلال ذاك الخبر:
_ لأ بجد، يلا عقبالك، ولا عقبالك ليه ما أنت معاك طفلة أصلاً مش هتلحق تفتقد الخلفة
استاء يوسف من رده وهتف:
_ بارد والله، بس الف مبروك ربنا يتمم لكم على خير
"شكراً يا يوسف"
قالتها إيمان ثم سحبت الهاتف من يدي بلال وقامت بكتم الصوت ووجهت حديثها له:
_ أنزل أنا كويسة..
برفض تام قال:
_ مش هسيبك لوحدك في حالتك دي
قهقهت هي بسخرية:
_ على كدا هتقعد جنبي الـ٩ شهور، انزل يا حبيبي وأنا هكلم ماما تيجي تقعد معايا..
نظر إليها نظرة مطولة فحثته هي بإيماءة من رأسها، أنتبها كليهما على صوته الذي صاح:
_ يا مسهل يارب، خلصتو مناقشة؟
نظرت إيمان إلى الهاتف لتتأكد أنه لم يسمع حوارهما، أعادت وضعية الهاتف فتحدث بلال:
_ نزلك أهو أنت فين؟
بفتور قال:
_ عند الحلاق..
نهض بلال مواصلاً حديثه:
_ تمام، جايلك أهو
أنهى المكالمة ثم وجه نظريه على إيمان وأردف بأمر:
_ كلمي مامتك تيجي..
أماءت بقبول وهاتفت والدتها وأخبرتها أنها بحاجة إليها فلم تمانع الأخرى، في تلك الأثناء بدل بلال ثيابه بأخرى واقترب من إيمان قبل جبينها وغادر ليذهب إلى صديقه.
***
بعد عدة ساعات، وقف يوسف أمام المرآة يتفقد مظهره جيداً، كان راضياً بحالته الجذابة، أخذ نفساً وزفره على مهل، أنتبه على طرقات الباب فسمح للطارق بالدخول، ابتسم حين رأى ولوج والدته، وقفت مكانها لبرهة فور رؤيتها لطلته.
لم تكن كسابق مراته، كانت فريدة من نوعها، يليق بكونه عريس، أدمعت عينيها وأسرعت في مسح عبراتها قبل أن تتساقط أكثر فهذا ليس بوقت بكاء، أسرع يوسف نحوها وهو يتمتم بصوت متحشرج:
_ ليه بس ليه، حد يعيط النهاردة؟!
نظرت إليه وتفحصت ملامحه باهتمام، رفعت يدها وتحسست وجهه بحنو قبل أن تردف:
_ شكلك جميل، اللهم بارك، قلبي فرحان بيك يا حبيبي، ربنا يحرسك
رفع يوسف يدها وقبل كفها بحرارة وهتف ممتناً:
_ ربنا يخليكي ليا ياست الكل
انتبها لاقتحام زياد الذي أصدر صافرة إعجاب على مظهر أخيه الجذاب:
_ إش إش، وأنا اللي كنت ناوي أغطي عليك، لأ تكسب
بتعالي تحدث يوسف:
_ تغطي على مين يالا؟!
اقترب منه زياد وبدون سابق إنذار عانقه بحرارة، ربت يوسف فعلى ظهره بحب وقال:
_ عقبالك يا حبيبي
تراجع زياد للخلف وقلب عينيه مستاءً:
_ جواز إيه ياعم ووجع دماغ، هو فيه زي عيشة السنجل..
غمز له يوسف وشاكسه بمرح:
_ دا عشان بس لسه مجتش اللي تغير رأيك، لما تيجي وقتها هنشوف هتعمل إيه
لم يعقب زياد بل واصل يوسف موجهاً حديثه لوالدته:
_ متعرفيش لينة خلصت ولا لأ؟
"خلصت من بدري يا حبيبي"
قالتها ميمي فأخرج يوسف تنهيدة، خفق قلبه كلما شعر بقربه خطواته على إتمام زيجته منها، أوصد عينيه ثم زفر أنفاسه وخرج من الغرفة متوجهاً إلى غرفة السيدة ميمي فلقد استحوذت عليها لينة اليوم.
وقف أمام باب الغرفة مرتبك للغاية، لا تهدأ نبضاته قط، شهيقاً وزفير فعل يوسف ثم طرق باب الغرفة، مرت ثانيتين حتى فتحت له شهد، ابتسمت ببشاشة ووجهت حديثها لصديقتها:
_ دا يوسف يا لينة..
انتفضت لينة من مكانها فلقد تضاعف توترها وإرتباكها، صاحت هي مانعة إياه من الدخول:
_ استني إوعي تخليه يدخل..
توجهت نحو المرآة بعد صعوبة قابلتها بسبب حجم فستانها الهائل، تفحصت صورتها المنعسكة جيداً ثم قالت:
_ خليه يدخل..
أوصدت عينيها تستجمع قواها، فلقد حانت تلك اللحظة، لحظة الوصول إلى نهاية فصل من تحقيق حلمها، اليوم زفافهما لطلاما تمنته كثيراً حتى شعرت أنه بالكاد تراه في أحلامها، لكن الأحلام باتت حقيقة، وها هو يخطو أول خطوة نحوها.
خفق قلبها بقوة، إزداد توترها وهي تتابع خطواته القريبة، على الجانب الآخر كان يراها وكأنها المرة الأولى لهما، لم ولن يرى عروس مذهلة مثلها، كانت مشاكسته ثم فتاته والآن عروسه المصون!
كانت هالة بيضاء بفستانها الذي يغطي أرضية الغرفة، يليق بكونها عروس، كانت جميلة رقيقة تشبه الفراشات النادرة.
أعادت ذاكرته شريط حياتها معه في الثمانِ أعوام الماضية، مر عليه مرحلة طفولتها ومراهقتها والآن زواجها، انهمرت دموعه رغماً عنه متأثراً بتلك اللحظة الثمينة.
تفاجئت لينة ببكائه وهتفت بحزن وهي تتحسس وجهه:
_ ليه كدا؟
اقتربت منه وطبعت قبلة على عينه الباكية هامسة بحزن:
_ عشان خاطري مش بحبك كدا..
تراجعت للخلف لتحدق به مسترسلة:
_ مش أنت اللي قولت لي مفيش عياط النهاردة، النهاردة فرحنا يا يوسف، حلمنا اللي اتمنيناه كتير خلاص بنحققه!!
ما كان منه إلا أنه ضمها داخل صدره، مستنشقاً عبيرها الذكي، بادلته لينة العناق بحب، بعد مدة ابتعدا عن بعضهما، فسألته لينة بلهفة:
_ ها إيه رأيك؟
بنبرة متيمة رد عليها:
_ زي القمر يا لي لي، دا أنا يابختي والله
ابتسمت له بعذوبة ثم همست:
_ بحبك أوي أوي يا يوسف..
"وأنا كمان بموت فيكي يا قلب وروح وعقل يوسف"
رددها وهو يقترب منها رويداً رويداً، طالع شفتيها التي انتفخت بسبب ذاك اللون، شعرت لينة بثمة اقتحام مفاجئ على وشك الحدوث فأسرعت في منعه قائلة:
_ يوسف، الروج هـ..
لم يدعها تكمل جملتها فأجبرها على الصمت حين قبل ثغرها، شهقت لينة بصدمة ورمقته بنظرات معاتبة، ثم ركضت نحو المرآة تتفقد شفتيها، تنهدت براحة حينما لم تجد عواقب وتمتمت محدثة أحمر الشفاه:
_ حلال فيك الفلوس والله
عادت إليه وتصنعت التذمر، رفعت إصبعها محذرة إياه وصاحت:
_ إياك تعيد عملتك دي تاني، وطول اليوم تلتزم معايا الإحترام، مفهوم
غمز إليه وهمس لها بمكر:
_ أنتِ حرة امنعيني براحتك، كله هيتحوش لك لبعد ما يتقفل علينا باب واحد
بعناد قالت:
_ ولا تقدر تعمل معايا حاجة..
بثقة شديدة أردف:
_ وقتها هنشوف
مد لها ذراعه يحثها على التعلق به:
_ يلا عشان منتأخرش على الفوتوجرافر
طالت نظراتها عليه بتوجس قبل أن تتسائل:
_ يوسف أنت هتعمل إيه؟ متخوفنيش لو سمحت
ضحك هو وحافظ على ثباته وقال:
_ لا خافي
لمعت عينيها فخرج عن ثوبه وانفجر ضاحكاً وردد من بين ضحكه:
_ متخافيش خلاص، بهزر
أعاد مد ذراعه لها فتعلقت به ولازالت تطالعه بعدم راحة، وكذلك لم يكف هو عن الضحك، تعالت الزغاريد السعيدة لوقت ركوبهما السيارة، تهافت الجميع لمباركة يوسف وتمنى التوفيق له.
نادى يوسف على أخيه فجائه راكضاً، أشار له يوسف فانحنى عليه زياد وهمس الآخر بكلماته:
_ خلي شهد معاك مش عايز حد معايا في العربية..
أماء زياد بقبول ونظريه توجها حيث تقف شهد، سار نحوها وقال:
_ تعالي معانا في العربية..
"بس أنا عايزة أكون مع لينة عشان لو احتجتني"
قالتها وهي تطالع سيارة يوسف التي تتحرك بعيداً، فتدخل زياد قائلاً:
_ ما إحنا برده هنكون معاهم خطوة خطوة
ابتعد عنها وفتح لها باب السيارة الخلفي فلم يكن أمامها سوى الركوب، استقل هو الآخر في انتظار حضور والدته من الأعلى، حمحم ووجه المرآة نصب عينيها وردد بحرج:
_ شكراً إنك محكتيش اللي حصل النهاردة لحد..
نظرت إليه ثم أخفضت رأسها في حياء وردت بخجل:
_ عادي، ما أنا كنت سخيفة برده..
"أوي"
هتف بها زياد فتفاجئت الأخرى بوقاحته، رمقته بنظرات احتقارية وصاحت وهي تترجل من السيارة:
_ أنا اللي غلطانة إني ركبت معاك..
أسرع زياد في لحاقها، وقف أمامها وأمسك بذاك الباب مانعاً إياها من الخروج فباتا قريبين للغاية، تبادلا النظرات وهما لا يعيان ماذا يحدث لهما، فلقد كان الموضوع محبب لزيادة كثيراً، بينما كانت هي تشعر بالخجل يقتلها.
انتبه زياد لمجيء والدته فأعاد النظر إليها وهمس بأمر:
_ أدخلي..
شعرت أنها بحاجة للهرب من عينيه الثاقبة التي تخترقها وعادت للداخل مسرعة، أغلق زياد بابها وعاد لمقعده، انطلق بالسيارة فور ركوب والدته بجواره، استند بمرفقه الأيسر على النافذة واضعاً راحة يده على فمه مشكلاً ابتسامة مبهمة لا يعلم سببها.
***
أنهوا التصوير وحان موعد الذهاب للمكان المقام به العرس، تعلقت لينة في ذراعه فور ترجلها من السيارة، نظرت إليه تستمد منه الشجاعة ثم سارا معاً إلى الداخل، توجها أولاً إلى غرفة الإستراحة يأخذون بعض الصور مع الأهل والأقارب.
كانت لينة تتفحص هاتفها من آن لآخر بضيق واضح، فاقترب منها يوسف وسألها باهتمام:
_ مضايقة كدا ليه؟
تأففت وأجابته بحنق:
_ علي من آخر مكالمة ليه الصبح مكلمنيش تاني، كنت عايزة أوريله شكلي وأنا عروسة وكنت عايزاه يكون حاضر معايا كل حاجة طلاما هو مش موجود!!
حاول يوسف تبرير أمره حيث هتف بصوته الرخيم:
_ أكيد يا حبيبي عنده حاجة مهمة منعته يكلمك وإلا مكنش عمل كدا
رمقته لينة مستاءة قبل أن تهدر بتهكم:
_ أهم مني؟ أهم من فرح أخته؟
حمحم يوسف بحرج وردد:
_ حاسس إني نيلت الدنيا؟!
أماءت بالإيجاب وقالت:
_ بصراحة اه ياريت مدافعش عن حد تاني
أشار إلى عيناه وأردف بعذوبة:
_ من عيوني يا عيوني، بس مش معقول يا لينة هتفضلي مبوزة كدا، النهاردة مش يوم عادي، لو سمحتي ياريت نسيب أي حاجة هضايقنا على جنب، اتفقنا؟!
أماءت بالإيجاب وتمتمت:
_ اتفقنا..
توجه كليهما إلى الخارج ومنه إلى القاعة الخاصة بالسيدات، وقفا أمام الباب في انتظار فتحه حتى يبدأ ما تدربا عليه من قبل، مرت دقيقة تلاها أخري حتى فُتح الباب وإذا به يقف مبتسماً لهما وفي يديه باقة الزهور الخاصة بلينة.
اتسعت حدقتي لينة بعدم تصديق، تبادلت النظرات مع يوسف الذي ابتسم لها، حررت يدها المحاوطة لذراعه وهرولت إليه بسعادة عارمة معانقة إياه بحرارة:
_ مش مصدقة إنك هنا، أنت جيت بجد؟
حرك رأسه بتأكيد وقال:
_ مينفعش مكنش موجود في يوم زي دا!! ولا إيه يا يوسف؟
التفت إليه بذهول وهتفت مستاءة:
_ أنت كنت عارف إنه جاي ومقولتليش؟!
رفع يوسف كتفيه وأوضح موقفه:
_ مليش دعوة هو اللي طلب كدا
أعادت لينة النظر إلى شقيقها وصاحت بسعادة:
_ دي أحلى مفاجأة والله العظيم!
ابتسم لها بعذوبة ثم تناول يدها بين ذراعه وقال:
_ مبروك يا لولي
"الله يبارك فيكي يا حبيبي"
قالتها بنبرة مليئة بالحيوية، بينما توجه يوسف نحوها وقام بمحاوطة يدها الأخرى، وسارا ثلاثتهم للداخل متشابكين الأيدي، كان الإستقبال حار للغاية، دلفوا بين نيران تتراقص على أنغام الموسيقى كأنها مدربة، ناهيك عن التصفيقات التي تدوي في المكان.
أوصلهم على للمقعد الخاص بالعروسين ثم قبل لينة من وجنتها وتنحى جانباً لكنه لم يبتعد، كان بالقرب منهما، جلس يوسف بجوار لينته، تهافت البعض للمباركة ثم طلبت منهن منظمة الحفلات أن يجلسن لبدء الحفل.
دعتهم لرقصة رومانسية، تحولت نظرات لينة تلقائياً على يوسف فهي على علم بعدم قبوله لتلك الأمور خارج المنزل، لكنها تفاجئت به ينهض ويمد لها يدها فرددت بعدم تصديق:
_ أنت بجد هترقص معايا برا البيت؟!
رد عليها وهو يسير بجوارها نحو المكان المخصصة للرقص:
_ مفيش رجالة هنا، تفرق!!
ازدادت ابتسامتها بسعادة ثم وضعت يديها على صدره بينما أحاط هو خصرها وبدأ رقصتهما الأولى، كانت عينيهما تصرح بالكثير من فيض المشاعر تلك اللحظة، كان يرسل إليها عبارات الغزل من خلال عينيه وكذلك تستقبلهم هي برحب.
انتهت كلمات الأغنية، ثم اقتربت منهما منظمة الحفل وتحدثت بلباقة في مكبر الصوت:
_ ما شاء الله عليكم، دلوقتي عايزين كلمة من العريس للعروسة قبل ما يتكرم ويمشي..
تقوس ثغر يوسف بحرج ثم تناول منها مكبر الصوت تحت نظرات لينة المذهولة، حتماً لن ينطق حرفاً، اتسعت حدقتاها حين رأته يتحدث وهو يحدق بها وأصغت إليه باهتمام لما سيردفه،
يوسف بنبرة خجلة:
_ معلش اعذروني لو اتلخبط، أنا متعرضتش لمواقف زي دي قبل كدا
ازدادت ابتسامته وتابع:
_ أو بصراحة أنا اللي كنت برفض أتحط في مواقف زي دي، بس لاجل عيون لينة كل حاجة تكرم
كانت متفاجئة للغاية مما يقع على أذنيها، وضعت يدها على وجهها خافية ابتسامتها السعيدة، على الجانب الآخر حمحم يوسف وواصل:
_ يمكن كلكم عارف حكايتي معاها، الحكاية التقليدية إني ربيتها في بيتي وصونت الأمانة اللي وصاني بيها صاحبي الله يرحمه، بس الحقيقة إنها هي بيتي، هي راحتي والحلو اللي في حياتي، كل حاجة بقى ليها طعم مختلف بوجودها جنبي، حتى المسؤولية مهما زادت كانت خفيفة دايماً على قلبي طلاما ليها وعشانها، على إيديها عرفت يعني إيه حُب!
معاها عرفت معنى الإنبساط، لأن قلبي مبسوط طول ماهي جنبه، وعيوني بتتبسط لما بتشوفها!
أنا ممتن ليها لأنها خلت حياتي وردية وأنا متأكد إن من غيرها مكنتش هكون ولا حاجة، لاني كنت دايماً بسعى عشان أسعدها، كنت بشيل مسؤولية فوق مسؤولية عشان خاطرها، عشان أكون قد حِلمها..
ضحك بصوت عالٍ قبل أن يردد وهو يطالعها:
_ وطلعت أنا في الآخر حِلمها!
أحتضن يدها واقترب منها وواصل استرساله بنبرة متيمة:
_ أنا بحبك يا أحلى جانب في حياة يوسف!
حبيتك وأنتِ عيلة صغيرة وحبيتك وأنتِ آنسة جميلة، ودلوقتي بحبك وأنتِ مراتي حبيبتي!
بحبك يا لي لي..
كانت تصغي لكلماته بتأثر شديد، لقد آسر قلبها بكل حرفاً أردفه، لمعت عينيها وشعرت أنها بحاجة للبكاء، ظلت تلوح بيدها أمام وجهها لعلها تنجح في تبخر تلك العبرات التي على وشك السقوط.
اقترب منها يوسف وقام بضمها بكل قوته، بادلته لينة العناق ولم تستطيع الصمود فأجهشت بالبكاء، ارتفعت التصفيقات من حولهما ثم صدح صوت المرأة حين التقطت من يوسف مكبر الصوت:
_ ربنا يخليكم لبعض يارب، يابختك بيه يا لينة
تراجعت لينة واكتفت ببسمة رقيقة، فواصلت الأخرى حديثها:
_ مش حابة تسمعينا كلام حلو زي اللي سمعناه دا؟!
نظرت لينة إلى يوسف فغمز إليها ثم انحنى بقرب أذنها وهمس بتعالي:
_ أنا خلصت كل الكلام ورينا هتعلي عليا إزاي؟!
قهقهت وسألته بثقة:
_ أنت بتتحداني؟
مال برأسه يميناً ويساراً قبل أن يجيبها:
_ بصراحة كدا آه
بثقة التقطت لينة مكبر الصوت من يدي المرأة ثم أخذت نفساً عميق، طالعت عيناي يوسف بتحدٍ تحول إلى امتنان شديد لتصريحاته التي لمست قلبها منذ قليل، تفاجئ يوسف بغنائها العذب فلم يتوقع ذلك البتة..
غردت لينة وهي تطالعه بحب:
أنا بعشق الغنا قدام عنيك
أنا عايشه العمر ليك أنا روحي فيك
وأنت جنبي هنا أنا بحلم بيك أنا
وأروح منك إليك
بدأت تصفيقات الفتيات من حولهما بينما لوحت لينة بيدها متماشية مع كلمات الأغنية وهي تتابع:
بحبك قد عمري قبل عمري بعد عمري
حبي ليك فوق المشاعر والحدود
بحبك قد روحي قبل روحي بعد روحي
مش هلاقي زيك أنت في الوجود
مستحيل أستغني عنك
مستحيل ده أنا كلي منك
يا حبيبي إن سبت حضنك يوم أموت
أنت اكثر من حبيبي
أنت كل ما فيك حبيبي
نفسي أقولك إني عاشقة ودايبه موت
أحاط يوسف خصرها فواصلت غنائها بإحساس عالِ وهي تستند برأسها على صدره:
خليني جنبك بحضن قلبك
خليك معايا دايما قريب
قرب في حضني
من روحي خدني أنت ملاكي وأجمل حبيب
أنهت كلمات أغنيتها فتفاجئت بفستانها الذي حلق في الهواء حين حملها يوسف فتبشت في عنقه لتوازن جسدها حتى لا تقع.
أنزلها فوقفت لينة قليلاً تحاول إستعادة رشدها، تنهدت وهمست له:
_ إيه رأيك مين يكسب؟
ابتسم لها وقال:
_ أنتِ طبعاً
بادلته الإبتسامة ثم استأذن منها ليعود إلى قاعته الخاصة حتى يستقبل الحضور، وباتت هي بين صديقاتها تتراقص دون توقف.
"ما تنام جوا أحسن"
هتف بها بلال فور رؤيته خروج يوسف، بلا مبالاة هتف يوسف:
_ خليك في حالك يا حبيبي
بفتور قال بلال:
_ الناس بتسأل عنك وكل شوية أقولهم جاي أهو..
"وأديني جيت"
أردفها يوسف ثم نظر إلى الحارس الذي يقف أمام باب القاعة الخاصة بالسيدات وأمره بنبرة لا تحمل النقاش:
_ محدش يدخل هنا غيري، مفهوم!!
أماء الحارس بطاعة بينما توجه يوسف وخلفه بلال إلى القاعة الأخرى لكي يستقبل من حضروا خصيصاً له، توقف قبل ولوجه حين وقع على أذنه ندائات أحدهم، استدار بجسده حيث الصوت، ابتسم له بود فهتف الآخر بسعادة:
_ الف مبروك يا أستاذ يا يوسف
"الله يبارك فيك يا عيسى"
قالها يوسف ثم مرر نظريه بينه وبين فاطمة وقال:
_ وعقبالكم
شكرته فاطمة بإستيحاء:
_ شكراً يا أستاذ يوسف حضرتك ليك الفضل بعد ربنا إننا نتخطب، ربنا يسعدكم يارب
"ربنا يخليكي يا آنسة فاطمة"
قالها يوسف ثم استأذن منهما ودلف القاعة خاصته، تفاجئ بصيح الشباب حين رأوه، تقوس ثغر بإبتسامة سعيدة ورفع يده يحييهم، وقف في المكان الخاص به فلم يتردد أحد من الحضور في المجيء إليه وتهنئته.
مرت الليلة بسلام، كان يوسف يناوب بين القاعتين لإرضاء حبيبته وأيضاً لإستقبال الحضور، استقلا كليهما السيارة بعد توديع حار من الجميع، وانطلق بها مبتعداً عنهم، حمحمت لينة جاذبة انتباهه وتحدثت بتلهف:
_ سوفي، ينفع أطلب طلب؟
رمقها يوسف بعتاب ثم التقط يدها وطبع قُبلة داخلها وقال:
_ طلب واحد بس، قولي طلبين تلاتة، أنت تؤمر يا قمر
ابتسمت بعذوبة ورقة وبنبرة ناعمة أردفت:
_ ينفع منروحش دلوقتي، نفسي أوي أشوف الشروق وإحنا مع بعض!!
رمقها يوسف باستنكار وهتف:
_ اهو دا اللي مش ممكن أبداً
طالعته لينة لبرهة تستشف ما أن كان يمازحها أم يتحدث بجدية، انفجر يوسف ضاحكاً وأشار إلى عينيه قبل أن يردف:
_ من العين دي قبل العين دي..
عادت بهجتها من جديد وهتفت بحماس:
_ هنروح فين بقى لوقت الشروق؟
تنهد يوسف وأخبرها بخطته:
_ هنروح نتعشى قدام البحر ونشوف الشروق، وبعدين نجري جري على بيتنا عشان نـ..
قاطعته هي بخجل شديد:
_ يوسف!
نظر إليها متصنع البراءة وهتف:
_ إيه؟! كنت أقول ونغير هدومنا!!
شعرت لينة بالحرج وأخفضت رأسها في حياء، انفجر يوسف ضاحكاً ومازحها قائلاً:
_ بصراحة مكنتش هقول كدا، كنت هقول نروح عشان نـ..
صرخت لينة في وجهه محذرة:
_ يا يوسف بقى، الله
لم يتوقف عن الضحك، بينما أولاته هي ظهرها وتابعت الطريق من خلال النافذة، لحين وصولهما إلى الشاطئ، صف يوسف السيارة جانباً، توجه نحو بابها وساعدها على الترجل ثم أمسك لها الفستان لتستطيع السير دون أن يعيق خطواتها.
وصلا إلى الكراسي التي تواجه البحر مباشرةً، ساعدها على الجلوس ثم توجه إلى ذاك المطعم وقام بطلب بعض الأكلات لهما وعاد إليها، خلع سترته ووضعها على جدار الكرسي الذي اعتلاه فهتفت هي بنبرة حاقدة:
_ يا بختك لما بتتخنق بتعرف تقلع في الشارع عادي
اتسعت حدقتي يوسف واسرع في قول:
_ إيه يابت أقلع في الشارع دي، دا حيالله حتة جاكيت..
اخفض نبرته ومال على أذنها مواصلاً حديثه بمكر:
_ وبعدين كلها شوية ونروح وتـ..
لم تعطيه فرصة إكمال حديثه حيث وضعت يدها على فمه محذرة إياه بعينان جاحظتين:
_ ششش، بطل الكلام دا
أزاح يوسف يدها من على فمه مستنكراً ظنها السوء فيه وهدر مستاءً:
_ مش فاهم أنتِ بتفهمي إيه، أنا كنت هقول تغيري الفستان عادي يعني!
تفاجئت لينة بقوله، لقد قلب الطاولة عليها، نظرت إليه بعدم تصديق وهللت:
_ بجد والله؟!
قهقه هو بينما التفتت برأسها متابعة البحر، ناهيك عن استمتاعها بنسمات الهواء العليل، حضر النادل بالطعام بعد وقتٍ، تناولا الأطعمة بشهية مفتوحة حتى انتهوا منه.
مالت لينة برأسها على كتفه والتزما الصمت حتى بدأت تشرق الشمس، كانت لينة سعيدة للغاية، فكانت تحلم دوماً برؤية الشروق وها قد حققته مع رفيق دربها في يومهما المميز.
مال يوسف برأسه مستنداً على رأسها وهمس:
_ مش يلا بقى؟!
أماءت بقبول وقالت:
_ الجو حلو أوي هنا وقت الشروق، ياريت نعملها تاني..
"أكيد إن شاء الله، بس كفاية كدا النهاردة ورانا حاجات لازم نعملها"
أردفهم يوسف وتعمدت لينة تجاهله، سارت إلى جواره حتى استقلت السيارة بمساعدته، وكذلك استقل هو خلف المقود وتحرك بعيداً عن الشاطئ، تذكر شيئاً قد أحضره لها وبحماس يشوبه اللهفة هتف:
_ محضر لك حتة مفاجأة يا لي لي إنما إيه!!
بحماس سألته:
_ إيه هي؟
أوصل يوسف هاتفه بالسيارة ثم بدأ تشغيل أغنية ما، استشفت لينة أنها تركية من خلف موسيقاها المميزة، كانت مبتسمة حتى صغت إلى كلماتها فشهقت بصدمة وهللت:
_ إيه دا يا يوسف؟
تعجب من ثورتها وردد بعدم فهم:
_في إيه؟ مش بتحبي التركي؟!، وكمان دا بيقول سيني سيفيورم
هزت راسها بنفور وقالت بحنق:
_ فيه أرتك بعدها!!
بعدم فهم صاح:
_ أيوة معناها إيه دي؟
أوضحت له بنبرة غاضبة:
_ معناها معتش بحبك!!
اتسعت مقلتي يوسف بصدمة، وبرر موقفه:
_ طبعاً مش محتاج أقولك إني فاهم حاجة غير سيني سيفيورم بس
"ماهو دا اللي مخليني مش عارفة أكلمك"
صاحت بها ثم أخذت الهاتف واختارت أغنية أخري ذات كلمات ومعانٍ رومانسية..
أحتضن يوسف يدها وقال وهو يتابع قيادته:
_ بحبك
بادلته الإبتسام قبل أن ترد عليه:
_ وأنا كمان بحبك
لم يترك يدها طيلة الطريق، حتى وصلا إلى عُشهم الجديد، وقفا أمام الباب بعدما قام يوسف بفتحه، تبادلا النظرات وهما لا يصدقان أن هنا نهاية المطاف، هنا سيبدأن حياة جديدة معاً، حياة لم يذوقون تجاربها من قبل.
***
رأيكم وريفيوهاتكم ♥️
انتظروني في حلقة جديدة
•تابع الفصل التالي "رواية حرر هواك فالحب بات معلنا" اضغط على اسم الرواية