رواية حرر هواك فالحب بات معلنا الفصل الثامن و الثلاثون 38 - بقلم تسنيم المرشدي
«حرِر هَواكَ فَالحُب بَاتَ مُعلنَا»
«الفصل الثامن والثلاثون والأخير»
***
تململت بكسل، فتحت عينيها ببطئ فوجدتها تتوسط الفراش، لا تذُكر أنها جائت هنا، آخر ما تتذكره أنهما كانا يشاهدان فيلماً معاً، نهضت ونظرت إلى ثيابها فلم تكن عليها أمس.
تعجبت من حالها، لوهلة شعرت أنها غابت عن الدنيا أيام، فلا يوجد تفسير آخر لما هي عليه، نهضت عن الفراش وبحثت عنه فلم يكن له أثراً.
ابتسمت حين رأته يقف في المطبخ يحضر شيئاً، عادت إلى المرحاض أولاً وغسلت وجهها ثم مشطت خصلاتها ووضعت أحد روائحها الذكية ثم عادت إليه وهي تتراقص على أنغام تغريدتها:
_ يا حلو صبح .. يا حلو طل
يا حلو صبح .. نهارنا فل
من اد إيه انا بستناك
و عيني ع الباب و الشباك
عشان اقول لك و اترجاك
عشان اقول لك و اترجاك يااااا حلو
يا حلو ياااا .. يا حلو صبح
التقطها يوسف بمحاوطته خِصرها وضمها إليه مقبلاً ثغرها وقال:
_ صباح الورد يا أحلى وردة في حياتي
أعادت إليه قبلته بحرارة وسألته وهي تجوب بعينها بعض الفاكهة التي يقطعها:
_ أنت بتعمل إيه؟
بتلقائية أجابها:
_ بعمل فروت سلاط، عارف إنك بتحبيها
ابتسمت بعذوبة بينما رفعها يوسف عن الأرض ووضعها على الطاولة الرخامية مردداً:
_ اقعدي هنا لغاية ما أخلص...
تابع تقطيعه للفاكهة بينما سألته هي بفضول:
_ أنا وصلت للسرير إزاي؟ وهدومي دي مين اللي غيرها؟
أجابها مستاءً:
_ حضرتك نمتي وانتِ بتشربي العصير، وقعدت أقولك قومي غيري بس أنتِ كنتي في عالم تاني، فأنا اللي غيرت لك الهدوم
ضربها على قدمها بخفة متابعاً حديثه:
_ هيكون مين يعني اللي غيرها؟!
وضع يوسف عصير المانجو على قطع الفاكهة ثم ناولها ملعقة وبدأ يتناولان معاً حتى انتهت سلطة الفواكه، غسل يوسف ما استخدمه في تحضيرها ثم وجه حديثه لها:
_ ضهري قافش أوي، ما تيجي تساعديني وأنا بعمل ضغط!
عقدت حاجبيها بغرابة من أمر تلك المساعدة المبهمة وسألته مستفسرة:
_ أساعدك إزاي؟
ساعدها يوسف على النزول وتوجه بها إلى الخارج، حيث مساحة فارغة وأمرها:
_ نامي على ضهرك..
تعجبت من أمره، فكان مريباً بعض الشيء، حركت رأسها بعدم استعياب قبل أن تردد كلمته:
_ أنام على ضهري!!
"أيوة، نامي وأنتِ تعرفي"
قالها يوسف فحدقته لثوانٍ ثم فعلت ما حثها عليه، تناول يوسف هاتفه وضبطه على مدة معينة وأسنده على وسادة وبالكاد تراه عيناه، ثم خلع التيشيرت خاصته واشرف عليها وبدأ يمارس رياضته وكلما هبط بجسده يقبل ثغرها.
شكلت ابتسامة مستاءة قبل أن تردف بتهكم:
_ هي دي المساعدة؟!
بأنفاس لاهثة تحدث بثقة:
_ طبعاً، بتفتحي نفسي بدل ما أزهق من أول مجموعة
بفضول سألته:
_ إيه أول مجموعة دي؟
أجابها من بين أنفاسه المضطربة:
_ المجموعة بتكون عبارة عن ٤٠مرة أو على حسب يعني بس أنا اعتمدت ٤٠
شهقت لينة وصاحت عالياً:
_ ٤٠مرة وأنا هقعد كل دا؟
غمز لها بمشاكسة وقال:
_ وأنتِ تعبانة في إيه دا أنتِ حيالله بتتباسي!!
انفجرت لينة ضاحكة ثم عاد يوسف ببصره على الهاتف ليرى كم من الوقت استغرق، فكان يريد كسر الرقم القياسي عن المرة السابقة، أنتبه لرنين هاتفه فابتسم بعفوية ووجه لها حديثها وهو يجيب:
_ خليكي زي ما أنتِ متقوميش، هرد على بلال
وافق على بدء مكالمة الفيديو وتابع رياضته، بينما هلل الآخر بمزاح:
_ أنت فين يا واطي حتى مرنتش رنة؟
قهقه يوسف وقال:
_ عريس ياعم أللاه!!
أنتبه بلال لهبوط جسده وعلوه فردد بمكر:
_ هو أنا جيت في وقت غلط ولا إيه؟
قلب يوسف عينيه بضجر وأخبره ما يفعله:
_ لا يا ظريف بلعب ضغط
بمزاح هتف:
_ أه ما أنت تلاقيك خاربها، لازم تفرد العضلات بقى
"مهو النبر دا اللي هيجيب أجلنا"
أردفها يوسف وانفجرا كلاهما ضاحكين ثم قال بلال:
_ دا أنا بسمع إن المكان اللي قاعدين فيه دا المية محاوطاه من جميع النواحي، حتى سمعت إن الأرضية إزاز وبتشوف البحر وأنت قاعد مكانك
بسخرية هتف يوسف:
_ أيوة طبعاً حتى الحمام، بعمل بيبي وأنا شايف البحر
تلك الأثناء كانت لينة تسلي وقتها وتتحسس عضلات بطنه التي تبرز كلما شد جسده، فكانت تجدد مشاعر يوسف نحوها دون قصد، كان يحادث صديقه وعقله مع لمساتها الناعمة عليه.
لم يعد يستطيع الصمود وهبط إليها مستجيباً لدعوتها الغير مقصودة، تاركاً صديقه على الهاتف، لم يعد بلال يراه فلقد هبط تلك المرة ولم يعود فصاح مهللاً:
_ أنت نزلت تغطس ولا إيه يالا، ولا يا يوسف
أطلقت لينة ضحكة عالية فأسرع يوسف في وضع يده على فمها لكن هيهات لأذن الآخر التي التقطت ضحكتها وقال:
_ دا شكل المية هي اللي طلعت عندكم
ضحك يوسف ومد يده ناهياً المكالمة فردد بلال مستاءً:
_ دا الواحد متجوزش
عاد بظهره للخلف ومط ذراعيه في الهواء وهتف:
_ لا إحنا محتاجين نروح المالديف
جائه صوت قيء إيمان فصاح متذمراً:
_ خدي راحتك يا حبيبتي..
قلب عينيه مستنكراً ما قاله للتو وعلق ساخراً:
_ آل مالديف آل..
على الجانب الآخر، أخذت لينة ما استحقته إثر حركاتها الغير محسوبة، نظرت إلى يمينها حيث كان يوسف وسألته:
_ عايزة أعترف لك بحاجة
التفت برأسه ونظر إليها باهتمام فتابعت لينة بحياء:
_ أنا كنت فاكرة إننا واحد قبل ما نتجوز، بس لاقيت إن الجواز بيثبت لي إني كنت غلط!!
عقد يوسف حاجبيه من خلف حديثها المثير للجدل فأسرعت في قول ما تقصده قبل أن يسيء فهمها:
_ الجواز أثبت لي إننا بقينا روح واحدة، يعني بقيت بحس إنك أقرب لي من نفسي
رفعت جسدها ومالت عليه قبل أن تواصل:
_ معتش بتكسف منك، بالعكس بحس علاقتنا بتقوى أكتر كل ما بنقرب لبعض، وأكيد هتقوى كل يوم هيعدي علينا وإحنا مع بعض
ابتسم لها يوسف وتحدث بصوته الرخيم:
_ أنا مؤمن جداً إن مفيش سكن لحياة أي بني آدم إلا مع مراته، تعرفي سيدنا آدم لما كان في الجنة، تخيلي استوحش!، مكنش حاسس بالونس وهو في الجنة!!
فلما نام ربنا خلق من ضلعه حواء عشان تأنسه!
وعشان كدا ربنا قال وجعل بينكم مودة ورحمة، شوفتي أنتِ قولتي أنك حسيتي إني بقيت أقرب ليكي من نفسك، دا عشان ربنا جعل بينا سكن، وزي ما أنا مؤمن برده إن عمر ما حد هيلاقي السكن دا غير مع مراته!!
وعشان كدا أنا أول ما حسيت بمشاعري نحيتك أخدت خطوة ترضي ربنا فربنا راضيني بيكي!
أسرت السعادة قلبها إثر كلماته التي تمس القلب وتبث فيه الطمأنينة، اعتلت جسده وظلت تدغدغ في وجنتيه بمرح وهي تردد:
Aşkım, ruhum, kalbim, hayatım, kocam
"عشقي، روحي، قلبي، حياتي، زوجي"
قبلته من وجنته فتحرك يوسف سريعاً فبات هو الذي يعلوها وظل يدغدغ ثائر جسدها ولم يكترث لصراخها التي تحثه به على التوقف.
***
كان زياد يجلس أمام المنزل حتى رأى والد صديقه أمجد يحمل أكياساً ثقيلة ويبدو عليه ضعف حيلته فلم يتردد في التوجه إليه ومد يد العون له:
_ عنك يا عم سعيد
تناول منه الأكياس فشكره سعيد ممتناً:
_ تسلم يا زياد، الواحد كبر ومعتش قد الكلام دا
بإسيتاء أردف زياد معلقاً على حديثه:
_ ربنا يديك الصحة يارب، تحب أطلعهم لك فوق؟
بحرج شديد نظر إليه الرجل فعزم زياد على إيصالهم لمنزله:
_ هطلعهم تكون أنت أخدت نفسك..
أولاه زياد ظهره وصعد إلى بنايته، وقف في الطابق الكائن به شقته وطرق بابها، انتظر حتى فُتح له الباب من قِبل "شهد"، صعقت حين رأته هو من يقف أمامها، لقد ظنت أن والدها قد عاد.
بينما هو لم يمنع ابتسامته حين رأى تسريحة شعرها على شكل الكعكتين، كانت تشبه الأطفال كثيراً، لم يبعد بصره عنها بينما كانت تحدجه بصدمة، كما لو أنها صعقت بالكهرباء.
خرجت من صدمتها على تعليقه الساخر:
_ حلوة القطتين!
قطتين!! ماذا يقصد؟ وضعت يدها على خصلاتها فاستشفت قصده وأسرعت إلى الداخل هاربة منه، بينما لم تختفي ابتسامته من على شفتيه، وضع الأكياس أرضاً ثم أغلق الباب وهبط الأدراج وهي لا تريد الإقلاع عن عقله.
لم يتوقف عن رسم ابتسامات عفوية إثر مظهرها التي رآها عليه، اختفت ابتسامته فور رؤيته عودة صديقه من خدمته العسكرية فرحب به:
_ عاش من شافك يا دفعة
"متقولش إنك ماشي، مش كل ما أجي أنت تمشي"
قالها أمجد فأجابه زياد قائلاً:
_ لا لسه شوية على آخر الأسبوع كدا
تنهد أمجد براحة وقال:
_ حلو، هطلع أحط شنطتي وأسلم على أبويا وأمي وأنزل نقعد في القهوة شوية
"اشطا ونفطر سوى"
أردفها زياد بينما غادره أمجد واتجه إلى منزله، نهض زياد وأحضر فطور شهي لكلاهما وذهب إلى المقهي القريب من المنطقة في انتظار حضور صديقه الذي لم يتركه جالساً وقتاً طويل بل حضر على الفور.
تناولا معاً الفطور وتبادلا الأحاديث ثم نهض أمجد ليقضي حاجته تاركاً هاتفه على الطاولة، طال زياد النظر إليه وداخل عقله تتردد فكرة يحثه شيطانه على فعلها.
أخذ الهاتف بعدما تفحص المكان من حوله جيداً وبحث عن إسم "شهد" بين الأرقام حتى وجده، قام بتسجيله في هاتفه ثم أعاد الهاتف إلى مكانه كأن شيئاً لم يكن، ظل يطالع الرقم لبرهة حتى شعر بالضيق يجتاحه، ناهيك عن نفوره من تصرفه الذي قلل من شأنه، ولم يتردد حينها في حذف الرقم.
عاد أمجد متسائلاً باهتمام عن يوسف:
_ ويوسف أخباره إيه؟ كان نفسي أحضر الفرح بس مقدرتش
ربت زياد على ذراعه الموضوع على الطاولة مردداً بصوت أجش:
_ ولا يهمك، كأنك جيت، هو كويس الحمد لله
ابتسم أمجد ببشاشة وقال:
_ عقبالك..
تنهد زياد بحرارة وتذكر شهد في تلك الأثناء، لا يدري لما هي من استوطنت عقله حينها لكنه أجاب بمزاج سوي:
_ إن شاء الله، متعرفش حد أشتغل معاه كل ما أنزل إجازة؟
فكر أمجد لوهلة قبل أن يعطيه إجابة:
_ مش عارف، ما تقف مع يوسف
أسرع زياد في رفض ذاك الإقتراح:
_ لأ مش عايز أقف مع يوسف، حابب أشتغل بعيد عنه كفاية عليه لغاية كدا، عايز أعتمد على نفسي من غير مساعدة
أنار مصباح أفكار أمجد حين راوده اقتراحاً وعرضه على صديقه:
_ ما تروح للمعلم!
رمقه زياد لبرهة ثم مال برأسه للجانب المعاكس لكليهما مشيراً إلى منطقة ما وهتف:
_ أنت تقصد..
أكد الآخر حدسه بقوله:
_ أيوة هو، مش بيرد حد بيحتاج شغل
تشكلت إبتسامة على محيا زياد، تغلغل الحماس داخله ولم يستطيع المكوث دون إجراء تلك الخطوة، نهض ونظر إلى صديقه قبل أن يردف بنبرة مليئة بالحيوية:
_ قوم نروح له
نهض أمجد ورافقه، سارا في زقاق صغير للغاية حتى وصلا منه إلى منطقة أخرى، أخذ زياد نفساً حين وقع نظريه على ذاك المعرض، زفر وتابع سيره متجهاً إليه.
ولج وعينيه تبحث عن أحدهم فقابله أحد الرجال وسأله مستفسراً:
_ تحب أساعدك بحاجة؟
حمحم زياد وبتردد قال:
_ عايز أقابل المعلم ريان
"أؤمر أنا هنا مكانه"
قالها الرجل فأصر زياد على مقابلة ريان:
_ شكراً بس كنت حابب أقابله شخصياً..
بفتور أردف الآخر:
_ ماهو لو كان هنا أكيد مش هقولك أنا هنا مكانه
أخرج زياد تنيهدة مرتبكة وأردف متسائلاً:
_ طيب هو هيجي امتى؟
"زمانه على وصول، لو عايز تستناه اتفضل، بس عرفني أسمك الأول"
أردفهم الرجل بينما عرف زياد عن هويته:
_ أنا زياد الراوي
أماء الرجل بينما عرف هو عن نفسه:
_ وأنا خالد لو احتجت لحاجة نادي عليا
أولاه خالد ظهره وتوجه متابعاً لعمله، توجه زياد إلى أحد الأرائك الجلدية وجلس عليها كما جاوره أمجد، انتظرا مدة لا بأس بها حتى انتبها على سيارة فاخرة قد وقفت أمام المعرض وترجل منها ريان برفقة فتاة شابة.
دلفا المعرض وعلى ما يبدو أنه كان مستاءً من شيء ما لعبوس ملامحه وهدر بحنق:
_ قولت لأ يعني، مش هغير رأيي
"يا بابي بليز وافق، أنا مش هكون لوحدي صحابي معايا والمدرسين كمان يعني أطمن"
بعدم قبول لمواصلة النقاش صاح:
_ قولت لأ يا جنى..
توجه إلى مكتبه بينما ولج خالد إليه وأخبره بوجوده شابان في الخارج:
_ فيه واحد برا اسمه زياد الراوي، عايز يقابلك
باستفسار سأله:
_ عايز إيه؟
رفع خالد كتفيه وأجابه:
_ معرفش، أنا حتى قولتله إني هنا مكانك بس أصر أنه يقابلك أنت
أماء ريان وقال:
_ خليه يدخل لما نشوف عايز إيه..
نظر إلى ابنته وأشار لها بعينه على مكانٍ بعيد:
_ اقعدي هناك لغاية ما أخلص المقابلة دي
تذمرت جنى وضربت الأرض بقدميها غاضبة من عدم قبوله لما تريده، تلك الأثناء ولج زياد برفقة صديقه ولاحظ تذمرها الواضح لكنه لم يبالي، بل تابع سيره إلى ريان، ابتسم في وجهه ثم مد يده يصافحه:
_ أنا زياد الراوي من جنبكم هنا..
"أهلا اتفضل"
رحب به ريان ودعاه للجلوس، كما جلس هو الآخر في انتظار ما سيمليه عليه زياد الذي بدأ:
_ كنت محتاج شغل، وعارف إن حضرتك مش بترد حد محتاجك، وخصوصاً إني لسه في البداية ومعرفتش أروح لمين غيرك
بنبرة جادة سأله ريان:
_ أنت بتدرس يا زياد؟
"خلصت معهد خدمة إجتماعية السنة اللي فاتت"
قالها زياد بينما تابع ريان بقية أسئلته:
_ أنت إبن مين؟ حاسس إن اسم عيلتك مش غريب عليا
بإرتباك حرج رد زياد:
_ أنا أبن ذكريا الراوي بس معتقدش إن حضرتك تعرفه لأن والدي متوفي من زمان
بتأثر شديد قال ريان:
_ ربنا يرحمه، أنا فعلاً مش عارفة، بس برده متأكد إن الإسم دا ورد عليا قبل كدا..
تدخل أمجد معطياً اقتراح:
_ ممكن تكون عارف يوسف أخوه، مدير معرض سمير والي وشريكه في نفس الوقت
اتسعت حدقتي ريان وهلل عالياً:
_ أيوة أيوة، هو فعلاً يوسف، أنت اخوه؟!
أماء زياد فتابع ريان:
_ يوسف محترم وأنا بحب اتعامل معاه، كل عربياتي من عندهم..
تقوس ثغر زياد ببسمة اختفت فور سماعه سؤال ريان:
_ أنت ليه مشتغلتش معاه؟
أنتبه ريان لتعابير زياد التي احتدت وأسرع في تبرير قصده:
_ أنا مقصدش حاجة، الفكرة إنك ماشاء الله مش محتاج تشتغل عند حد لان عندكم مصلحة خاصة بيكم وكمان هتكون مرتاح فيها عن لما تشتغل عند حد، فاهمني..
فهم زياد ما يرمي إليه ورد بجدية:
_ عشان مش عايز كدا، دي مصلحة يوسف مش مصلحتي، آه إحنا أخوات بس دا مينفيش إن دا تعبه هو وأكيد مش هاجي أخد أنا على الجاهز، أنا عايز أبدأ من نفسي من غير مساعدة
ظهرت إبتسامة إعجاب شديد من ريان لعقلية زياد، فهو يحب الشباب المكافح والذي لا يعتمد على غيره، لم يكن هناك داعٍ لرفضه فقال برحب:
_ يشرفني طبعاً تشتغل معانا يا زياد..
تقوس ثغر زياد ببسمة عريضة ووزع نظريه بين ريان وصديقه بسعادة عارمة، استأذن منه بعد أن أخبره بأمر جيشه ولم يرى أي اعتراض من ريان بل رحب به في أي وقت.
غادرا بينما نظرت جنى إلى والدها فصاح الآخر ناهياً الأمر:
_ قولت مش هتروحي يعني مش هتروحي..
***
عاد زياد إلى المنزل شارد الذهن، يفكر بها، لا تقتلع من عقله، ابتسم بعفوية حين تذكر مظهرها الطفولي صباحاً، قطعت والدته حبال شروده بسؤالها:
_ أنت بتضحك على إيه؟
أنتبه عليها وكاد أن يختلق أمراً لكنه تراجع، هو يريد مشاورتها، حمحم واعتدل في جلسته ثم سألها بصوته الاجش:
_ إيه رأيك في شهد؟
"شهد! شهد مين؟"
قالتها ميمي فلم تخمن من يقصد تحديداً بذاك الإسم، تنهد زياد وتحدث مستاءً:
_ شهد يا ماما شهد، إحنا نعرف كام شهد؟!
استوعب عقلها من تكون شهد الآن، عقدت حاجبيها وسألته مستفسرة:
_ رأيي فيها من جهة إيه يعني؟
أخذ زياد مدة يفكر فيما يقوله ثم أردف بتلعثم:
_ من كل حاجة، شايفاها إزاي؟ أسلوبها وطريقتها، إيه رأيك في أخلاقها، كل حاجة فيها يعني..
تعجبت ميمي من أسئلته المبهمة وهتفت متسائلة بغرابة:
_ أنت بتسأل كل الأسئلة دي؟ يهمك في إيه تعرف يعني؟
لم تعطيه فرصة الرد وصاحت بانفعال حينما ظنت أنها جمعت ما يرمي إليه:
_ زياد اوعى تكون ناوي تتسلى زي ما بتعمل، مش عايزين نخسر حد بسببك، وبعدين أنت لسه مكبرتش على حركات العيال دي؟
تفاجئ زياد من ثورتها وحاول إظهار نيته الحسنة:
_ أنا مقصدتش كل دا، وأكيد يعني مش هروح أسلى مع واحدة أخوها صاحبي!!
"أومال بتسأل ليه؟"
أردفتها بحنق فأجابها بتردد:
_ معرفش بسأل ليه، بس حابب أعرف وخلاص..
بعدم تصديق لذاك الهراء قالت:
_ أنا مش فاهمة منك حاجة، ما تيجي دوغري وتقول عايز إيه يمكن أساعدك
أخرج زياد تنهيدة فهو لا يدري ماذا يريد حتى يخبرها به، نظر إليها وهتف دون زيف:
_ هو أنا لو بفكر فيها كتير دا معناه إيه؟
تفاجئت ميمي من تصريحه وكادت أن تبتسم إلا أنها صمدت حتى تصل لنهاية ذاك الحوار وأردفت:
_ على حسب، شوف أنت فكرت في كل واحدة اتكلمت معاها ولا لأ، يمكن تكون بتفكر فيها زيهم..
قاطعها زياد رافضاً تفكيرها الوضيع وأوضح:
_ لأ عمري ما فكرت في بنت قبل كدا، يعني محدش شغلني للدرجة دي، حتى حصل حاجة غريبة النهاردة مفهمتهاش..
بغموض سألته:
_ إيه اللي حصل؟
أخبرها عما حدث وهو يعيد المشهد في عقله:
_ كنت قاعد النهاردة مع أمجد وقام دخل الحمام فلقيتني بفتح موبايله باخد رقمها...
خفق قلب ميمي بذُعر، كم تمنت أنه لا يكون ارتكب تصرفاً أحمق، انتبهت له وقلبها يخفق بقوة خشية سماع بقية حديثه:
_ بس بعدها حسيت إني اضايقت من نفسي ولقيتني بمسح الرقم!! لغاية دلوقتي مش فاهم أنا عملت كدا ليه، مسحته ليه وليه أخدته أصلا!!
زفر بضجر حين تشتت أفكاره، حينها لم تمنع ميمي رسم ابتسامتها على ثغرها وقالت بنبرة لطيفة:
_ أنت حبيتها ولا إيه يواد؟
رفع زياد بصره عليها وقد إلتمعت عيناه بوميض مختلف، خفق قلبه بشدة وشعر بالإرتباك يتملك منه رويداً رويداً، حتى شعر بانسدال حبات العرق على وجهه من فرط خجله.
ابتلع ريقه وهرب بنظره بعيداً فتسائلت هي بعدما أستندت بذقنها على راحة يدها:
_ وأنت ناوي تعمل إيه على كدا؟
رفع كتفيه وحد من نبرته وغير حوارهما:
_ أنا اشتغلت عند المعلم ريان العراقي
تقبلت ميمي تغيره للحواره فلم تريد الضغط عليه لكي يعود إليها كلما أراد التحدث وهتفت مشجعة:
_ بجد، طيب كويس أنا بسمع أنه راجل محترم جداً
"أيوة، هبدأ شغل من بكرة"
قالها فهتفت ميمي متمنية التوفيق له:
_ ربنا يوفقك يارب..
لم يتجرأ زياد على رفع نظريه عليها مرةٍ أخرى، بل ظل منكس الرأس يردد كلماتها في عقله، لا يدري بماذا يشعر تحديداً، لكنه يجزم أنه لم يمر بمثل تلك الحالة من قبل.
***
مر عام تلاه عاماً آخر حتى مر خمسة أعوام في لمح البصر، على البعض والبعض الآخر كانوا ثقالاً للغاية، فدوماً الإنسان لا يشعر بثقل الأيام حتى إذا سقطت على عاتقه أعباء تفوق قدرته، حتى تكون جميع أمنياته أن يرى يوماً واحداً بلا عبئ، بلا مسؤولية، يجلس على الأريكة كرجل عجوز لا يفعل شيء سوى مشاهدة من حوله في هدوء.
كانت تلك الأمنية تعود ليوسف ولينة، حتى حان ذاك اليوم، يوم تخرج لينة من جامعتها، حيث يركض يوسف على درجات السُلم يحمل صغيره بيد وباليد الأخرى يرضعه حليباً صناعياً قد أعده في السيارة قبل صعوده واضعاً حقيبة مستلزمات الصغير على كتفه.
طرق باب والدته التي فتحت له بإبتسامة بشوشة ورحبت به:
_ تعالى يا حبيبي..
من بين أنفاسه اللاهثة قال:
_ أجي فين يدوب ألحق أروح الجامعة عند لينة، خدي أحمد شربيه آخر شوية في الببرونة
أخذت منه الرضيع وقالت:
_ مسيبتوش ليه أرضعه أنا
أخبرها وهو يناولها حقيبة الصغير:
_ قعد يعيط جامد فشربته أنا..
هبط بعض الدرجات ونظر إليها وهتف:
_ متنسيش تخبطي له على ضهره
قهقت ميمي قبل أن تردف مازحة:
_ مش هنسى حاضر..
صاح يوسف عالياً وهو يتابع ترجله:
_ وقولي لماريا إني بحبها على وقت ما أشوفها..
"حاضر، خلي بالك وأنت سايق"
قالتها ميمي ثم حركت رأسها بآسى لحالته، تنهدت وتمتمت:
_ ربنا يعينك يابني..
أخفضت بصرها على الصغير ذو الأربعة أشهر فوجدته يبتسم لها، بادلته الإبتسام وداعبته بحب:
_ أنت بتضحك لتيتة؟ قلب تيتة أنت والله
أوصدت الباب وعادت للداخل، بينما انطلق يوسف بالسيارة متجهاً إلى الجامعة بأقصى سرعة لديه لكي لا يتأخر عن حفل تخرج لينة، وصل في وقت قياسي، لَقِفَ باقة الزهور الموضوعة بجواره ثم أوصد السيارة وتابع سيره حيث القاعة الكائن بها حفل التخرج.
"الطالبة المتفوقة لينة نعمان فاضل"
نطقها العميد أثناء ولوج يوسف القاعة، لاحظ عبوس لينة في ذهابها لإستلام شهادتها، أسرع من خطواتها حتى بات في أوائل الصفوف فرأته هي، اختفى عبوسها فور رؤيتها لوقوفه مبتسماً وبيديه باقة من الزهور المفضلة لديها.
استلمت شهادتها وعادت إليه، لم تتردد في أخذ عناق منه وهتفت بنبرة مهزوزة:
_ فكرتك مش هتلحق تيجي
بادلها يوسف العناق وقال وهو يواجه عينيها:
_ الحمد لله لحقت، مبروك يا أحلى باشمهندسة
أعطاها الزهور فتناولتها ثم استنشقت رائحتها الذكية وهتفت بسعادة:
_ شكراً إنك معايا..
اكتفى يوسف ببسمة عذبة، بينما توجهت لينة لأخذ بعض الصور مع زملائها وكذلك بعض الصور مع يوسف ثم غادرا الجامعة يداً بيد..
استقلا السيارة فانهالت هي ببعض الأسئلة:
_ وديت أحمد لماما؟ شوفت ماريا ولا كانت نايمة؟ أكلته؟ غيرت له؟ ماريا مسألتش عني..
قاطعها يوسف بهتافه:
_ حيلك حيلك، براحة عليا، آه وديت أحمد عند ماما وغيرت له وأكلته، مشوفتش ماريا، انا مدخلتش البيت أصلاً عشان ألحق وأجيلك..
أخرجت لينة تنهيدة مطولة وهتفت بعدم تصديق:
مش مصدقة إني خلصت!!
_ ياربي معتش فيه كلية ولا مذاكرة ولا امتحانات ولا أي مسؤولية
التفتت إليه بحماس شديد وهي تخبره عن خططها التي رتبت لها:
_ أحلى حاجة إن ماريا هترجع في حضني من تاني، هعوضها عن كل دقيقة كانت بعيدة عني فيه، بجد ضميري بيأنبني كل ما أفتكر اني بعدتها عني بإيدي، حاسة إني عايزة أجيب لها الدنيا كلها يمكن وقتها أحس براحة شوية
عايزة أظبط حياتي بقى، عايزة أرجع أطبخ وأرقص وأخرج وأعمل كل حاجة مكنتش عارفة أعملها..
أطلق يوسف قهقه خافتة وعلق ساخراً:
_ أحلام العصر دي مع نفسك فيها، أنا أوت من النهاردة
عقدت ما بين حاجبيها وهتفت بعدم فهم:
_ يعني إيه أوت؟
أوضح لها يوسف بنبرة لا تسمح النقاش:
_ يعني أنا برا كل الحسابات دي، أنا هاخد إجازة قيمة سنة أو اتنين كدا أريح فيها أعصابي من اللي حصلي في الخمس سنين اللي فاتو
فغرت لينة فاها بذهول ورددت باستنكار:
_ نعم؟!!
صاح يوسف بحنق:
_ هو إيه اللي نعم؟ دا أنا اشتغلت لك دادة ليكي وبيبي سيتر لعيالك وطباخ ومكوجي، دا أنا رضعت وغيرت بامبرز وشوفت اللي محدش شافه منك ومن عيالك، شوفي أنا مش عايز أشوفك لا أنتِ ولا عيالك ولا أسمع لكم نفس حتى!!
صف يوسف السيارة أمام بناية والدته ونظر لها فرأها تطالعه بذهول شديد، ضربها بخفة أعلى ذارعها وقال:
_ يلا متبصليش كدا، خليني أشم نفسي شوية..
"هو أنت بتتكلم بجد؟"
رددتها لينة متسائلة وهي تكاد تنفجر باكية، فصاح يوسف ببرود:
_ أه بتكلم بجد، يلا يا لينة بجد اتخنقت محتاج استراحة محارب
ابتلعت ريقها وحاولت الصمود حتى لا تجهش بالبكاء أمامه، بهدوء ترجلت من السيارة متعمدة ترك باقة الزهور مكانها فهتف يوسف:
_ خدي الورد
بنبرة متحشرجة تهدد بالبكاء قالت:
_ لا ملوش لازمة
أولاته ظهرها وولجت سريعاً داخل البناية، لم تعد تستطيع التحكم بعبراتها لأكثر من ذلك، وانهمرت في البكاء، شعرت بوخزة قوية في قلبها، ناهيك عن شعورها بأنها شخصاً سيء حين طلبت منه أن يتمما زواجهما.
صعدت حيث الطابق الكائن به شقة السيدة ميمي وطرقت الباب وبالكاد تتحملها قدميها، فتحت لها ميمي وتفاجئت باحمرار لون عينيها وانتفاخ شفتيها وذلك أنفها.
بقلق سألتها:
_ في إيه مالك، إيه اللي حصل؟
ألقت لينة نفسها بين ذراعي ميمي، ازداد نحيبها كلما تذكرت كلمات يوسف، أخذتها ميمي إلى أقرب أريكة وساعدتها على الجلوس ثم جلست مقابلها محاولة فهم سبب تلك الحالة المذرية:
_ اهدي طيب وفهميني حصل إيه؟
أخذت لينة بضعة دقائق حتى هدأت ثم بدأت تقص عليها ما حدث وهي تحدق بأناملها التي تفركهم باضطراب:
_ أول مرة أعرف إن يوسف مكنش مبسوطة طول الخمس سنين اللي فاتت دي، كان عايش معايا مجبور على الوضع اللي أنا حطيته فيه!!
رفعت رأسها ونظرت للسيدة ميمي متابعة بخذي شديد:
_ إحساس وحش أوي لما تحسي إنك كنتي مغفلة، عايشة في كذبة إنه راضي وهو من جواه مش قابل الوضع، يعني كل اللي فات دا مكنش حقيقي؟!
تشجيعه ودعمه ليا مكنش حقيقي إزاي؟!
دا هو اللي كان بيقويني في الأيام اللي كنت بحس فيها إن خلاص دي نهاية الطريق ومش هقدر أكمل!
إزاي قدر يعمل كدا وهو من جواه رافض الوضع وحاسس إنه تقيل عليه وفوق طاقته؟!
تدخلت ميمي هاتفة بعدم فهم كُلي لأسبابها:
_ مين اللي قالك الكلام الفارغ دا؟
"يوسف! يوسف اللي قالي بنفسه أنه عايز يشم نفسه عشان اتخنق، قالي إنه اشتغلي دادة وبيبي سيتر لعيالي، دا حتى كان بيقولي عيالك كأنهم عيالي لوحدي!!"
كانت تتحدث بعدم تصديق أنه قال ذلك بالفعل، بينما حمحمت ميمي وحاولت تلطيف الوضع لكي لا يزداد سوءاً:
_ أكيد بيهزر معاكي يا لينة، لأن يوسف عمره ما أشتكى، أه هو هزار تقيل حبتين بس هتلاقي محسبش إنك تزعلي بالشكل دا..
نكست لينة رأسها وأعادت شريط الخمس سنوات الماضية في عقلها:
_ أنا عارفة أنه شال واستحمل كتير أوي، بس مكنش لوحده، إحنا كنا مع بعض في دوامة واحدة، كنت بحاول على قد ما أقدر أكون ست بيت وأم لطفلين وبين كليتي ومذاكرتي، هو شال واستحمل وأنا برده شلت واستحملت، كنا بنقوي بعض ونقول فترة وهتعدي، كنا بنحلم مع بعض باليوم اللي كل المسؤولية دي تخف، ولما يجي اليوم دا ألاقيه كان مجبور!
تنهدت لينة وارتدت ثوب الشجاعة والقوة قبل أن تردف:
_ بس خلاص، مش هخليه يحس إنه مجبور تاني عليا وعلى عيالي!!
سقطت عبرة على مقلتيها فأسرعت في مسحها وقالت:
_ أنا هطلب الطلاق!!
صعقت ميمي من ذاك الهراء التي تفوهت به، وعارضتها مستاءة:
إيه اللي بتقوليه دا يا لينة؟ بطلي يابنتي تقولي الكلمة دي لأنها لما بتدخل أي بيت بتخربه، اعتبريهم كلمتين وفضفض معاكي بيهم وعديهم، وبدل ما تقولي طلاق وبتاع، خدي النهاردة راحة ليكي ومن بكرة ابدأي من جديد
رتبتي أمورك واخلقي نظام لبيتك ترتاحوا عليه، عوضي نفسك وعوضي عيالك عن الأيام اللي كانت بتضيع منكم غصب عنك، البسي وادلعي واخرجي واتبسطي، وكل حاجة هترجع لمجراها من تاني..
الحياة كدا يوم ليك ويوم عليك بس الشاطر اللي ميديهاش فرصة تيجي علينا وتكسبنا، الشاطر اللي يقف في وشها ويخلي أيامه كلها ليه مش عليه.
"مامي"
هتفت بها ماريا ذات الثلاثة أعوام ببراءة فتوجهت لينة مباشرة نحوها، جست على ركبتها وأخذتها بين أضلعها معانقة إياها بحرارة، فلقد اشتاقت إليها كثيراً، افتقدت ابتسامتها وعناقها حتى مشاكستها كانت مفتقدة لها.
استقامت لينة في وقفتها ثم حملت الصغيرة بين ذراعيها ونظرت إلى السيدة ميمي وهتفت بحزن:
_ بعد إذنك يا ماما هدخل أوضتي..
بعتاب قالت ميمي:
_ أنتِ بتستأذني!! دي اوضتك ادخلي وقت ما تحبي، أصلا مقفولة محدش بيدخلها غيرك..
اكتفت لينة ببسمة لم تتعدى شفاها ثم دلفت غرفتها، وضعت الصغيرة على الفراش وجابت المكان من خلفها باحثة عن شيئاً يفعلاه سوياً.
ابتسمت وقالت بحماس:
_ تيجي نعمل تسريحة جديدة؟
أماءت مارية بقبول وسعادة، فأخذتها لينة وأجلستها على المقعد المقابل للمرآة وبدأت تمشط خصلاتها المموجة التي تشبه خصلاتها تماماً، انتهت لينة من عمل الجدائل حتى لم يعد هناك خصلة شاردة وسألتها بلهفة:
_ ها، إيه رأيك؟
ابتسمت الصغيرة وهللت بسعادة:
_ حلوة أوي
انحنت لينة واحتضنتها بقوة وهتفت:
$ كل يوم هنعمل تسريحة جديدة لأحلى ماريا..
صفقت الفتاة بسعادة ثم انتبهت لشيء ما يظهر من أسفل الفراش فلم تتردد في اكتشاف ذاك الشيء، هرولت إليه وحاولت جذبه لكن صِغر المساحة لم يساعدها، توجهت إليها لينة متسائلة بفضول:
_ أنتِ بدوري علي إيه؟
أمسكت ما تمسك به ماريا وجذبته بكل ما أوتيت من قوة حتى خرج في يدها، تفاجئت لينة بدُميتها التي أشتراها لها يوسف منذ ثلاثة عشر عاماً، ابتسمت بعفوية وأخذت تشم رائحة الماضي بها.
خرجت من شرودها على شد الصغيرة للدمية مرددة:
_ عروسة، تاعتي..
أعطتها لينة الدمية وقالت:
_ حافظي عليها يا ريمو عشان دي غالية أوي عندي..
ركضت الصغيرة للخارج بينما تساقطت عبرات لينة بغزارة، نهضت وتمددت على فراشها، معانقة وسادتها ودعت العنان لعبراتها في السقوط أعلاها.
***
حل المساء، استيقظت لينة إثر رنين هاتفها، جابت المكان حولها بضياع فلم تشعر متى غفت، تفقدت الوقت فكانت الساعة الحادية عشر مساءًا، أجابت على يوسف بنعاس:
_ إيه يا يوسف..
بلهجة سريعة تريد إنهاء الإتصال قال:
_ أنا مش راجع النهاردة عشان متستنينيش..
أعاد الهاتف إلى جيب بنطاله، فنظرت لينة إلى الهاتف بضيق، كادت أن تغلق إلا أنها تراجعت حين صغت إلى سؤال الموجه لأحدهم:
_ فين العروسة؟
_ داخلة علينا حالاً، لسه قافل معاهم وقالوا خلاص على وصول..
خمنت لينة أن الطرف الآخر كان بلال، حرصت على وضع الهاتف على أذنها جيداً لتستمتع إلى حديثهما المبهم، مر وقت حتى صدح صوت يوسف عالياً:
_ أوف يا أخي، دا إيه الجمدان دا!!
هتف بلال بعجرفة:
_ عشان تسمع مني لما أقولك اتقل تاخد حاجة نضيفة..
عارضه يوسف مستاءً من تقليله لشأنها:
_ نضيفة إيه بس، دي صاروخ
بتعالي هتف بلال:
_ عشان تعرف ذوق صاحبك، يلا مبروك عليك الصاروخ، أطير أنا بقى وأسيبك معاها تشبع منها براحتك
بنبرة تائهة ردد:
_ ودي يتشبع منها إزاي دي؟
"ورينا شطارتك"
قالها بلال ثم غادر على الفور، على الطرف الآخر، تسارعت نبضات لينة، ارتفع صدرها وهبط بصورة مضطربة، ماذا يقصدان بهذا الكلام الجرئ، لم تستطيع الإنتظار مكانها وهمت بارتداء ثيابها ثم خرجت وهي لا ترى أمامها.
أوقفت إحدى سيارات الأجرة وأخبرته بوجهتها، كان يبدو عليها الهدوء عكس باطنها، كان يتأجج به بركاناً على وشك الإنفجار، كانت تحث السائق من آن لآخر أن يسرع لاعنة تلك المسافة التي تبعدها عنه.
وبعد مرور بضعة دقائق، وصلت إلى المعرض، ودعت داخلها أن تجده هناك، أوصدت عينيها حين وصلت عند الباب ثم خطت للداخل وقلبها يكاد يخترق جسده متوجسة خيفة أن تلقى ما لا يسر نظريها ولا تستطيع عليه صبراً.
لم يكن لطيفه أثراً حولها، فالمكان كان هادئاً أكثر من المعتاد، توجهت إلى السُلم وصعدت درجاته حتى وصلت إلى مكتبه ووقفت أمام بابه حين سمعت همهمات بالداخل، أمسكت مقبض الباب وأدارته وقلبها يزداد تسارعاً ثم فتحت الباب على آخره متفاجئة بما رأته أمامها!!
***
تفتكروا يوسف هيقدر يخون ثقتها فيها بعد كل دا؟
انتظروا الخاتمة🥺
•تابع الفصل التالي "رواية حرر هواك فالحب بات معلنا" اضغط على اسم الرواية