Ads by Google X

رواية عيناك لي المرسى الفصل الثالث 3 - بقلم حنين أحمد

الصفحة الرئيسية

  

رواية عيناك لي المرسى الفصل الثالث 3 - بقلم حنين أحمد


ابتسم بخفة يراقبها وهي تتهادى بخطواتها مع رفيقاتها
وهو يتخيل رد فعلها عندما تراه ينتظرها أمام النادي
وهي التي منعته من الذهاب لمدرستها حتى لا تعجب به
الفتيات على حد قولها.. ضحكة خافتة كادت تفلت
منه وهو يفكر أن صغيرته تغار عليه وتراه ملكية خاصة

لها وهو لم يعترض يوما بل على العكس تمام لقد شجّع
تملّكها تجاهه بكل حماس ولم يمنعها أبدا حتى عندما
كانت والدته تحاول منعه من تدليلها وتركها تتعلّق به
هكذا كان يقول:”كفاية إنها لا لها أب ولا أم يا
أمي.. جويرية اتيتّمت بدري وهي حتى لسه ماعرفت
يعني ايه أب أو أم.. هنيجي احنا كمان عليها؟!”
قالت تحاول إفهامه وجهة نظرها:”يابني مش بقول نيجي
عليها أو نقسى أبدا.. بس برضه الدلع الزايد ده غلط”
عارضها:”الدلع مش زايد أبدا.. دي عمرها ماطلبت حاجة
لنفسها, عمرها ما سألت أنا ليه معنديش أب أو أم زي باقي
اصحابي.. على طول راضية وبتسمع الكلام.. عمرها
حتى ما عارضت اي حاجة انا بقولها لها”
زفرت بحنق تحاول أن تفهمه:”يانضال افهم.. انا مش بقول
انها متدلعة زيادة وأخلاقها بايظة انا بقول انها متعلقة


بيك زيادة عن اللزوم.. تقدر تقولي لما تيجي تتجوز مين
الست اللي هترضى تشارك جوزها مع بنت خاله؟!
مين الست اللي مش هتغير من علاقتكم؟! وسواء بقى
بتعتبرها بنتك او اختك مفيش ست هتفهم ده
وهتغير من جويرية وهتخليك تبعد عنها.. وده هسبب

لها صدمة وانت ماترضاش انها تنضر صح؟”
وقتها صمت غير مبالي بما تقوله والدته فهو لم يكن
يفكر بالزواج.. حسنا هو لازال لم يفكر به ولكن
والدته أصبحت تلح عليه مؤخرا بقوة وهي تقول أنه
تخطى الثامنة والعشرين ولازال دون خطبة أو زواج وهو لا
ينقصه شيء حتى ينتظر أكثر بل وأحضرت له العروس
أيضا وهي ابنة إحدى صديقاتها.. ورآها منذ فترة دون أن
يخبر جويرية بل أصرّ على والدته وشقيقه ألا يخبراها
بالوقت الحالي.. حسنا هو لم يفهم لِمَ أصرّ على ذلك
ولكنه شعر أنها ستحزن وتظنه سينساها بزواجه وهذا
ما لن يحدث أبدا .
انتبه من شروده على حركة قريبة منه ليجد أحدهم
يقف مع جويرية!
ليس معها تماما فهو يقف معها وصديقاتها ولكن
عيناه كانتا على جويرية فقط وهذا أثار بداخله
براكين جعلته يقترب ليُظهر نفسه لها .
***
كانت واقفة مع صديقاتها عندما حضر عمرو! شعرت
بالارتباك كعادتها عندما تراه.. نظراته الموجهة إليها

خاصة, حديث صديقاتها أنه معجب بها.. كل هذا
يربكها ويجعلها تتحاشى التواجد معه ولكنه بكل مرة
يفاجئها ويحضر على حين غِرّة ولا تفهم كيف يعلم
بمكانها!
“وحشتيني!”
قالها عمرو بصوت خافت لم يصل لسواها فارتدت للخلف
وهي تهتف:”ايه؟!”
ابتسم وهو يقول:”بقول وحشتيني, بقالك فترة مابتجيش
النادي ومشغولة بدراستك وماصدّقت عرفت انك هتيجي
النهاردة فقولت لازم اجي اشوفك”
ازداد تورّدها وارتباكها أمام حديثه الصريح لأول مرة منذ
عرفته وقبل أن تجيبه وجدت من يقف أمامها!
وقتها نسيت عمرو وصديقاتها بل والعالم كله وهي تهرع
إليه وملامحها مبتهجة برؤيته وما إن وصلت إليه حتى
هتفت:”نضال, ايه المفاجأة الحلوة دي؟”
رمقها بغموض وهو يقول:”حلوة فعلا؟!”
“أكيد طبعا هل عندك شك؟!”
قالتها مشاكسة وهي تغمزه فابتسم رغما عنه ليقول:
“جيت أخدك وقولت نتعشى برّه سوا النهاردة بمناسبة

انتهاء الامتحانات بتاعتك.. ايه رأيك؟!”
“طبعا موافقة ياللا بينا”
قالتها بحماس ليقول بهدوء:”ومش هتقولي انك ماشية
لاصحابك؟!”
خبطت جبهتها وهي تتذكر أنها تركتهن دون كلمة
واحدة ثم توترت نظراتها وهي ترمق عمرو الذي يتابع
وقوفها مع نضال بتركيز.. فاقتربت منهم بتردد ولم تلحظ
أن نضال رافقها حتى قالت إحدى صديقاتها:
“من لقى أحبابه نسى أصحابه يا ست جويرية”
ابتسمت بخجل وهي تقول:”معلش أصلى اتفاجئت
ان نضال هنا”
ردت أخرى:”أحلى مفاجأة دي وال ايه.. طب مش تعرّفينا؟!”
احتدت نظراتها برفض وقبل أن ترد قال نضال:
“أنا نضال ابن عمتها”
ثم اتجهت نظراته ل عمرو المتابع بصمت وهو يسأل:
“ماتعرفتش بيك!”
ابتسم عمرو بهدوء وهو يقول:”عمرو الشافعي, مهندس
معماري.. وصديق جويرية بالنادي”
أظلمت نظرات نضال وهو يصافح يد عمرو الممدودة له

مرحّبا به ببرود ثم نقل نظراته لجويرية التي قالت
موجهة الحديث لصديقاتها:”همشي أنا بقى يابنات,
مع السلامة”
ولم تنتظر رد أحد فأمسكت بكف نضال وهي تحرّكه
ليسير معها ليغادرا فاستجاب لها وهو يرمق عمرو بنظرة
أخيرة ليجد الأخير متابعا لجويرية التي لم تلتفت له
أبدا وهي تحدثه بحماس عن العشاء وسهرتهما المنتظرة .
****
خطبة دارين وأسامة
واقفة أمام المرآة تنظر لنفسها بعدم تصديق.. هل حقا
اليوم ستكون خطبتها على أسامة؟! عام كامل معها
بالجامعة بعد أن تحدّث مع والدها برغبته بخطبتها ثم
قراءة فاتحة معه وأهله ثم صمت غريب من جهته وأهله
جعل والدها يهدد بحل الخطبة لتسارع بالاتصال بأسامة
وهي تحاول أن توصل له الفكرة.. عام كامل بقراءة
فاتحة فقط ليتحرك أخيرا ويحدد موعدا للخطبة
مع والدها الذي كاد يحل كل شيء ولكنها توسلته ألّا
يفعل وهي نقطة ضعف والدها الوحيدة.
رمقت نفسها بتأمل.. عينان داكنتان وشعر يماثلهما

لونا.. ليس حريريا كبطلات الروايات التي تقرأها
ولكنه أيضا ليس كالأسلاك, بشرة حنطية خالية من
العيوب, شفاة وردية مكتنزة, وجسد ممتلئ ولكنه ليس
بدينا.. فتاة عادية بملامح عادية هكذا ترى نفسها
ولكنها أملت أن يراها أسامة فاتنة ومميزة ..
أفاقت من شرودها على صوت شروق صديقتها وهي تهتف:
“قمر يا اخواتي قمر.. ألف مبروك يا دارين برغم اني مش
طايقة العريس بس فرحانة عشانك انتي واتمنى انك
ماتندميش في يوم”
ابتسمت لها دارين بحب وهي لاتزال على حالها تتأمل نفسها
بالمرآة هامسة بشرود:”تفتكري هعجبه؟!”
انتفضت على صوت شروق الذي أصدر صيحة أشبه بال
(ردح) وهي تقول:”نعععم ياختي؟ هو كان يطول! يحمد
ربنا أصلا انك وافقتي عليه.. انا مش فاهمة ايه اللي
عاجبك فيه! ده…”
قاطعتها دارين وهي تضحك:”خلاص.. خلاص أنا آسفة,
انتي ما بتصدقي اي حاجة عشان تشتمي فيه!”
لوت شفتيها بعدم رضا ثم تأملت صديقتها بحب وهي
تقول:”والله خسارة فيه وتستاهلي سيد سيده بوشه العكر

ده اللي يقطع اللي خميرة من البيت”
ضحكت دارين بقوة وهي لا تفهم لِمَ تكرهه صديقتها
لهذا الحد! ثم قالت بمشاغبة:”لازم تتقبليه يا شوشو
عشان نفضل مع بعض حتى بعد الجواز.. لاحسن لو فضلتي
كده شامل مش هيطيقه.. طبعا ماهو مش نازل للأميرة
شروق من زور فالأمير شامل مايقدرش يعمل حاجة
تضايقها”
وكما توقعت احمّرت وجنتا صديقتها بخجل لذيذ من
ذِكر شامل (زوجها) وهي تقول:”هعمل ايه هحاول اتقبله
واعصر على نفسي كيلو لمون عشان خاطرك بس”
وداخلها يفكر أن شامل لم يتقبّله أبدا بالمرة التي
تقابلا فيها وهي لا تلومه أبدا.. فقد كان (الزفت) كما
تسمّيه يصيح ب دارين كعادته وشامل وقتها كاد يتدخل
ويعرّفه قدره إلا أنها منعته وهي تخبره أنه خطيبها وقتها
رمقها بصدمة قبل أن يقول:”وايه اللي غاصبها على واحد
زي ده؟ ده لو استمرت معاه شوية كمان هيدمرها خالص”
زفرت بحزن وهي تجيبه:”عارفة يا شامل وقولتلها كتير
لكن هي شايفة فيه البطل بتاع الروايات اللي بتقراها..
شايفة انه بيعمل كل ده من حبه ليها وغيرته عليها

وغلبت افهمها ان ده مش حب ولكن لا حياة لمن تنادي!”
ابتسم وهو يقول غامزا مغيّرا الموضوع:”يا واد انت يا بتاع
لا حياة لمن تنادي.. في تمريض انتي وال ف آداب
لغة عربية!”
انتفضت على صوت دارين التي تقول بمرح:
“مش وقت سرحان بحبيب القلب يا قطة, زمان أسامة وأهله
جم وهو مابيحبش يستنى”
كادت تهتف بلفظ لا يصح لفتاة أبدا ولكنها صرّت على
أسنانها بقوة حتى لا يفلت منه ثم قالت:
“طب ياللا ياختي بدل ماطلع اقول لابوكي يفضّها
سيرة وانا متأكدة انه نفسه يعملها لكن انتي ال موقّفاه”
***
جلست بجانبه بخجل وهي تنتظر منه كلمة واحدة
تعبيرا عن إعجابه بها وبثوبها الراقي لكن البسيط ولكن
الصمت هو مل ما حصلت عليه منه حتى بادرته:
“مالك يا أسامة؟!”
التفتت لها وكأنه انتبه أنها تجاوره للتوّ! ثم تململ وهو
يقول:”لا أبدا مفيش..”
رمقته بتساؤل وهي تقول:”لا فيه.. واضح ان فيه حاجة

مضايقاك! مالك قولّي!”
زفر بخفوت وهو يقول:”أصل ماما متضايقة وبتقولي
استعجلت, انت يادوب لسه مستلم الشغل بقالك شهر..
والحقيقة انا برضه حاسس بكده, كان المفروض نستنى
شوية على الخطوبة لحد ما اتثبّت في الشغل لكن انتي
سربعتيني واهو دي النتيجة.. ماما متضايقة ومكنتش
حتى راضية تيجي الخطوبة لولا انا اترجّيتها”
هل صُدِمَت؟! لا تظن.. فحماتها العزيزة لم تتقبلها حتى
حينما كانت محض جارة لهم ولا تفهم السبب أبدا!
ازدردت ريقها ببطء ولم تتحدث.. فبِمَ ستجيبه وهو من
يتهمها أنه بعد عام كامل من قراءة الفاتحة والصمت
التام من جهته وأهله تعجّلته بالخطبة!!
لحظات وكانت شروق بجانبها تخبرها أن تبتسم حتى
لا يظن الناس أنها مُجبَرة على الخطبة.. ثم وجّهت
كلامها لأسامة وهي تقول بابتسامة باردة:
“ياريت تبتسم شوية يا عريس انت ف خطوبتك
مش في عزا!”
رمقها بغيظ ثم ابتسم ببرود وهو يقول:”كده كويس!”
بادلته ابتسامته بأخرى ثلجية وهي تقول:”مش بطّال”

همست لدارين لفترة حتى جعلتها تبتسم بمرح ثم غادرت
وعادت لمكانها بجوار شامل الذي هتف قائلا بمرح:
“كنت حاسّك تدّيه بوكس في وشه”
هتفت من بين أسنانها:”والله شكلي هعملها في يوم..
شخص سمج حقيقي, ربنا يسامحك يا دارين على الوقعة
السودة اللي وقعتي نفسك فيها”
أمسك كفها بدعم وهو يقول:”مسيرها هتفوق يا شروق
من وهم الحب ال عايشة فيه ده.. وواجبك وقتها انك
تدعميها وتبقي جنبها وماتخليهاش تفقد ثقتها بنفسها
ولا حتى بالحب.. صدقيني هتفوق انا متأكد”
فلتت منها تنهيدة طويلة قبل أن تقول:”يارب تفوق بس
قبل فوات الأوان!” .
***
كانت تبكي بفراشها منذ سمعت الخبر.. لم يغمض لها
جفن طوال الليل بل في الواقع لقد تورّم جفنيها من كثرة
البكاء ولا تعلم حتى كيف ستخفيها عن عيني عمتها
الثاقبتين!
حزن غريب يملأ قلبها, حتى نبضاتها أصبحت رتيبة,
مملة حتى شعرت أنها على شفا الموت!

هل يمكن أن يموت الإنسان حزنا؟!
تساءلت وهي تحاول إقناع عينيها أن تَكُفّا عن البكاء
فلن يفيدها بشيء أبدا..
لقد كان هناك بعض الأمل أن يشعر بها ويراها يوما
ولكن ذهب الأمل بلا عودة منذ سمعت نبأ خِطبته!
طرقة خافتة على باب غرفتها تبعها صوت الباب يُفتَح
لتدلف عمّتها وهي تقول بدهشة:”جويرية! مش معقول
انتي لسه نايمة؟! مش هتروحي الجامعة وال ايه؟”
مسحت دموعها وهي مازالت على حالها قائلة بصوت خافت:
“لا يا عمتو مش قادرة, تعبانة”
شعرت بعمتها تجلس على طرف الفراش خلفها وهي
تمسح على شعرها بحب قائلة:”ألف سلامة عليكي يا
حبيبتي, حاسة بايه؟! أنا برضه لما نمتي امبارح بدري
حسّيت إن فيكي حاجة مش مزبوطة”
“شكلي داخلة على دور برد”
قالتها بصوت بالكاد استطاعت أن تخرجه لتهتف عمتها:
“ماهو صوتك باين عليه.. ارتاحي شوية وانا هعملك
حاجة سخنة تشربيها على ما الدكاترة تفتح ونروح
نكشف على طول”

حرّكت رأسها برفض قائلة:”لا ياعمتو مالوش لازمة,
أنا أخدت دوا وهبقى كويسة إن شاء الله ماتقلقيش”
“ماشي يا حبيبتي انا هعملك كوباية قرفة بالجنزبيل
ونشوف على العصر كده لو مارتحتيش نروح للدكتور”
سمعت خطوات عمتها وهي تخرج من الغرفة لتتوقف
نبضاتها تماما وهي تستمع لصوته يسألها:”مالها جويرية يا
أمي؟ ماراحتش الكلية ليه؟!”
“تعبانة يا نضال, شكلها أخدت برد وصوتها
مش طالع خالص”
لم تكد تتم عمتها جملتها حتى اندفع لداخل الغرفة
ليقترب منها ويجلس بجانبها وهو يضع كفه على جبهتها
ليزفر براحة وهو يقول:”الحمد لله مفيش حرارة”
لم يشعر بارتجافة جسدها أسفل كفه وقلبها الذي يقرع
بجنون وهي تنظر له دون أي إرادة منها ولكنه لاحظ
جفنيها المتورمين فعقد حاجبيه وهو يهمس لها:”جويرية!
انتي كنتي بتعيطي؟! حد ضايقك؟!
همسته ونبرة الاهتمام بها اخترقت قلبها مباشرة فارتجف
بين ضلوعها لتجيبه بهمس:”لا, بس تعبانة شوية”
رمقها بعدم تصديق ثم تذكّر شيئا فأومأ متفهما وهو

يعاود الهمس:”ده الوقت بتاعك من كل شهر صح؟!”
شعرت بالاحمرار يغزو جسدها بأكمله فأشاحت
بوجهها عنه فضحك بخفة وهو يقول:”بقيتي بتتكسفي
مني يا جويرية, فين اللي كانت مابتعرفش تنام الا
بحضني كل ليلة”
ازداد تورّدها وهي تغمض عينيها بأسى وتهمس داخلها:
(وها هي أخرى سيكون حضنك موطنها كما كان
موطني نضال) .
***


 

google-playkhamsatmostaqltradent