Ads by Google X

رواية طائر النمنمة الفصل الثالث 3 - بقلم ملك العارف

الصفحة الرئيسية

 رواية طائر النمنمة الفصل الثالث 3 - بقلم ملك العارف 

"طائر النمنمة"

"الفصل الثالت"
"ما وراء الستار" 

انفتح باب المصعد فخرج منه بخطوات سريعة، ركب سيارته و انتظر منها أن تضع حقيبتها بالخلف و تأتي للجلوس في مقعدها جواره، ولكنها أدخلت الحقيبة بالخلف و جلست بالخلف هي أيضًا، رمقها من المرأة بنظرات غاضبة بادلته هي بأخري متحدية، لكنه أثر الصمت، أدار مقود السيارة بعنف وهو يأكل الطريق أكلًا، خيم الصمت بينهما و نظرات التهكم تسود بينهما. 
ما أن توقفت السيارة خرجت منها مسرعة للداخل استقبلها في بهو المنزل والد زوجها مرحبًا: 
اهلا يا آية يا بنتى، و أنا أقول البيت نور كده ليه! 
ابتسمت وهي تصافحه بمودة: 
ده منور بوجودك يا عمو و وجود طنط و شهد كمان. 
نزلت والدة زوجها من فوق السلم قائلة: 
شهد قالتلي إنك مكنتيش عايزة تيجي النهاردة، 
و امبارح طه هو اللي مكنش عايز يجيبك، إيه حكايتكم أنتو الاتنين؟ 
عقب جملتها دخل طه يحمل حقيبتها، وقف أمامهم و قبل أي شيء اجابت هي: 
والله يا طنط السؤال ده يجاوبنا عليه طه مش أنا. 
أخذت حقيبتها منه دون أن تعطيه نظرة واحدة و استأذنت منهم بأدب: 
بعد إذنك هطلع الشنطة و أروح أشوف شهد. 
رحلت وخلفها ثلاثة ازواج من الأعين، زوجين منهما متعجب و الثالث حانق علي ما تفعله، توجهت نظرات و الديه إليه و كانت والدته الأسبق و هي تقول: 
فهمنا إيه اللي بيحصل ده؟ 
صاح بنبرة غاضبة وصلت لها وهي في منتصف السلم: 
اللي بيحصل ده اسمه لعب عيال و أنا لا عيل و لا بلعب فياريت تفهم ده كويس علشان أنا جبت اخري. 

هل قال هذا حقًا، هو من فاض كيله منها؟!
يرى نفسه مظلومًا هذا الأشعث، حاولت نزع نفسها من فوق درجات السلم انتزاعًا و الصعود لأعلى لكنها لم تقدر، ألقت الحقيبة التي و إن ملكت القدرة علي الحديث لكانت صرخت تطلب الكف عن معاملتها بهذه القسوة. 

هبطت مسرعة تلحق به قبل أن يخرج من الباب جذبته من ذراعه بعنف وهي تصيح بوجهه متناسية وجود والديه: 
مين ده اللي جاب أخره! أنت؟ ليه معيشاك في نكد ولا مفضية جيوبك بطلباتي، ده أنا باخد منك الكلام بالعافية، الكلام اللي هو مش بيكلفك أي حاجة ده بتستخسره، لو في حد بيلعب فهو أنت و لو في عيل فـ هو انت برضو عيل و ستين عيل كمان، اللي يقول كلام في الأول و ميبقاش قده و يرجع فيه يبقي عيل يا طه. 

كان أنفعالها واضحًا، أنفاسها المتلاحقة و توترها الذي ظهر في إرتعاشة كفيها، رفع رأسه للسقف يستدعي ثباته حتي لا يصدر منه أي فعل متهور، نظر لها بتحذير ارعبها داخليًا، وقال بغضب قاتل:
أقسم بربي يا آية صوتك لو علي عليا بالشكل ده تاني مش هيحصلك كويس، أنتِ فاهمة؟ 
صرخ بكلمته الأخيرة فـانتفضت خطوة للخلف، بينما اقترب هو خطوتين وهو يواصل قوله: 
أنا مش هرد علي لعب العيال بتاعك ده، لأنه ميفرقش معايا وعلشان أبويا و أمي اللي واقفين دول، في ظروف غير دي أنا كنت هندمك علي كل حرف قولتيه بس حظك. 

انتهي حديثه و أولاها ظهره راحلًا، ولكنها أبت أن يرحل منتصرًا، عليها الثأر لكرامته، فعادت تقف أمامه، نظرت لعينيه بتحدٍ وهي تخبره: 
أنا عمري ما أندم علي اللي قولته لو عملت إيه، و كل اللي قولته ده ميفرقش معايا بشلن. 

ظنت أنها ستشعل النار التي خمدت داخله و تهدأ نيرانها هي ولكنه زاد اشتعالها حينما ابتسم ببرود و رفع كفه يربت فوق وجنتها، وهو يقول: 
إلعبي بعيد يا شاطرة يلا. 

رحل و تركها تغلي فوق مراجل استفزازه، صاحت وهي تنظر لظهره بغضب: 
بارد. 
ولكنه واصل سيره حتي غاب عن أنظارها، استدارت راحلة فـاصتدمت بوالديه خلفها ولكنها لم تتوقف بل اسرعت نحو السلم اخذت حقييتها و اختفت عن ناظريهما، هتفت لزوجها بتعجب: 
أنا مش فاهمة حاجة يا عبد اللطيف، أنت فاهم؟ 
هز رأسه بنفي وهز يخبرها: 
لاء، و بلاش تدخلي بينهم أو تتكلمي معاها في أي حاجة علشان متزوديش المشكلة، اطلعي يلا شوفي هتعملوا إيه لبنتك و انسوا النكد ده شوية، يلا. 

بالفعل صعدت إليهن فتحت الباب ودخلت فقابلها صوت زوجة ابنها، تقول بنبرة آمرة: 
بصي أنتِ هتقومي تلبسي وننزل نشتري الحاجات اللي قولتي عليها يا إما هقوم أخد تاكسي و أروح البيت، أنا مش جاية كل ده علشان تقوليلي نختار أونلاين يا شهد! 

جزت شهد فوق شفتيها بضيق لا تدرِ ماذا تقول لها، اتخبرها بأن هذه أوامر أخيها و أنه رفض أن تأخذها و تخرج بها لأي مكان، فاقت علي صوتها وهي تواصل قولها: 
أصلا الأونلاين حواراته كتير وهياخد وقت، ممكن لما يوصل يكون فيه مشكلة أو عيب او يطلع عايز يتظبط ومفيش وقت لكل ده أكيد، متبقيش خنقة زي أخوكي ويلا. 
نظرت لـوالدتها تستنجد بها حتي ترفض، لكنها اقتربت منهن وهي تقول: 
عندك حق يا حبيبتى، قومي يا شهد يلا إلبسى و هننزل إحنا التلاتة سوا، السواق يوصلنا و يرجع ياخدنا لما نخلص. 

وأدت شهد تلك الابتسامة التي كادت أن ترتسم فوق شفتيها وهي تتذكر تحذير أخيها قائلة: 
بس يا ماما…
قاطعته: 
مابسش يلا متضيعوش وقت علشان نلحق نيجي بدري. 
ابتسمت هي بإنتصار وهي تلقي لوالدة زوجها قُبلة قائلة بضحكة واسعة: 
حبيبة قلبى أنتِ والله. 
صاحت شهد من داخل غرفة تبديل الثياب بتخابث تسألها: 
ماما حبيبة قلبك طب و طه إيه نظامه؟ 
ابتسمت والدته وهي تنظر لها، تنتظر جوابها لكنها تصنعت عدم سماعها وهي تقول: 
بتقولي حاجة يا شوشو. 
اجابتها ضحكة شهد العالية وكأنها أدركت هروبها جيدًا. 
★***★***★***★***★***★***★***★***★***★
انتصف النهار ولازال ثلاثتهن يتجولن من متجر لأخر، جلست شهد جوار والدتها بإنتظار آية التي دلفت لغرفة البروفا لقياس أحد الفساتين والذي أختارته لها شهد بعد عناء بذلته لإقناعها بأن ترتديه "يوم الحنة" وعللت كونه مكشوفًا ولا يصلح مع حجابها بأن الحفل في المنزل بمكان معزول ولن يكون فيه سوي فتيات مثلهن ولن يقوم أحد بتصوير أي شيء، صاحت من الداخل بضجر وهي تنظر لنفسها بالمرأة: 
أكيد بتهزري يا شهد أنا مش ممكن ألبسه قدام حد حتي لو بنات بس. 
كان ضجرها لا يقل عنها وهي تخبرها بنبرة متذمرة: 
آية أخرجي أبوس إيدك و سيبينا إحنا نحكم، ده تالت فستان تلبسيه و تقولي كده، اخرجي بس نشوف شكله عليكي. 
ضربت الأرض بقدميها متذمرة هي الأخري و أزاحت الستار وتقدمت من كلتيهما
ابتسمت والدة زوجها بإنبهار لطلتها الرائعة، كأن الثوب صُنع خصيصًا لها، و قد ناسب قدها الممشوق وبشرتها الخمرية التي تناسب معها لون الرداء الأحمر الداكن، وطوله الذي يصل حتي ركبتيها ، صدر مُتسع يأخذ شكل المثلث من الأمام و من الخلف مع كتف عريض بعض الشيء، شعرها الذي روضته لينام فوق كتفها الأيسر، الحُمرة الطفيفة التي لونت وجنتيها خجلًا، تعجبت لصمتهن لذا سألت بقلق خجول: 
إيه، مش حلو ولا إيه؟ 
خرجت أخيرًا شهد عن صمتها وهي تتقدم منها و تدور حولها
مش حلو إيه بس، ده يهبل يا يويو…
غمزت وهي تبتسم بشقاوة قائلة: 
دلوقتي أنا عرفت مبقيناش نشوف طه كتير من وقت ما اتجوز ليه. 
هزت رأسها بأن لا فائدة وهي تبتسم بسخرية ظنتها هي خجل، وجهت بصرها لوالدة زوجها تسألها بعين مليئة بالتوتر: 
إيه رأيك يا ماما، حلو؟ 
مررت يدها فوق شعرها بحنان وهي تبتسم: 
حلو علشان أنتِ لابساه يا حبيبتي. 
هتفت شهد وهي تجذب الفستان الذي اختارته لنفسها وتتجه لغرفة القياس صائحة: 
هدخل أقيس الفستان ده علشان شكلي هغير رأيي في اللي جبته الأول. 
صاحت والدتها بنزق: 
دي خامس مرة تقولي فيها كده يا شهد كفاية بقي. 
أجابتها وهي تتصنع البراءة: 
دي خامس مرة يا ماما مش العاشرة يعني يا حبيبي، هقيس بسرعة متقلقيش. 
اغلقت الستار وخلفها ضحكات زوجة أخيها و والدتها التي طمأنت الواقفة جوارها بقولها: 
لو قلقانة علشان طه مش هيوافق علي الفستان، سيبيها عليا، أنا هكلمه. 
ابتسمت بسخرية: 
طب ده الفستان، و خروجنا؟ 
صمتت لثانيتين و أكملت: 
أنا عارفة إني أصريت علي الكلام ده وقت غضبي منه، بس لما غضبي ده راح استوعبت إني غلط، مهما كان الخلاف مكنش يصح أكسر كلمته اللي سبق وقالها قبل كده ، لأنه غلط و حرام،أنا متضايقة أوي يا طنط ومش عارفة أعمل إيه؟ 
ربتت فوق كتفها وهي تقول:
أدخلي غيري هدومك و تعالي نتكلم علي ما المجنونة دي تخلص عرض الأزياء بتاعها. 
أومأت لها موافقة و استدارت راحلة من امامها، بينما توجهت هي لجانب الغرفة تخرج هاتفها الذي علا صوت رنينه، نظرت لإسم تلمتصل بضجر و الذي كان طه 
اخذت نفسًا عميقًا أخرجته وهي تضغط زر الإجابة و عاجلها هو بصوته الغاضب: 
مش كفاية كده يا أمي ولا إيه، أنا اصلا مش عارف إزاي وافقتك علي كلامك ده و الهانم لحد دلوقتي متصلتش تعرفني ومستمتعة عادي جدًا بالشوبينج بتاعها، ماشي يا آية! 
عنفته والدته بغضب وهي تكابح حتي لا يعلو صوتها ويصل لمن بالداخل: 
تصدق عندك حق، إيه رأيك أبعتلك اللوكيشن و تيجي تمسك في زمارة رقبتها لحد ما تخلص عليها و ترتاح! 
لم يجبها فواصلت مؤنبة: 
أهدي علي نفسك وعلي البنت شوية يا طه، أنا كل ما ابص في عنيها ألاقي الخوف و القلق بينطوا منهم، ليه كده يا حبيبي، هي زعلانة وندمانة إنها عملت كده من وراك علي فكرة، وخايفة من ردة فعلك، فخليك أنت هادئ شوية معاها، سيبها هي تتكلم و بطل تهب زي البوتاجاز كده، بدل ما بعد كده هتعمل ده من وراك عند فيك ومش هتقولك، يلا سلام
ألقي الهاتف علي الكرسي المجاور له بالسيارة مرددًا بسخرية قول والدته: 
أخليني هادئ آه، ماشي يا آية ماشي. 
★***★***★***★***★***★***★***★***★***★
و أخيرًا انتهي كل شيء، جملة هتفت بها سرًا لنفسها وهي تجاور والدة زوجها في السيارة في طريق العودة للمنزل، و التي ما أن صف السائق السيارة أمام الباب حتي خرجت منه تجذب حقائب مشترياتها وهي تسبقهم متعللة بإرهاقها من التجول طيلة النهار، غابت عن انظارهن للداخل ولم تتوقف إلا داخل غرفته وضعت الحقائب فوق الفراش و تقدمت حتي جلست فوق كرسي موازي لتلك المرآة الطولية بزاوية الغرفة، نظرت لأنعكاسها بالمرآة بملامح باهتة لمعت الدموع بمقلتيها وهي تلقي علي ذاتها سؤال: 
ليه عملتي كده؟ و إزاي اصلا تعملي كده، مفكرة نفسك عيلة، فوقي يا آية أنتِ أكبر من كده مش لسه في سن المراهقة، خرجتي منغير إذن جوزك اللي سبق و نبه إن متخرجيش غير معاه، و الأدهي كان من وراه، وكل ده ليه؟ عندًا فيه، طب مفكرتيش في إن ده هيغضب ربنا، متعرفيش إن ده حرام؟ 

عند هذه النقطة انهارت وهي تجهش ببكاءٍ مرير تبكي نادمة علي ما فعلته، لم تدرك كم من الوقت بقيت حتي سمعت طرقًا علي الباب، نهضت لغرفة تبديل الثياب مسرعة تغسل وجهها حتي لا يدرك احد بكائها صاحت قبل أن تدلف للداخل قائلة: 
ادخل. 
كانت شهد وقد ابدلت ثياب الخروج لأخري بيتية وجائت لتفقدها
خلعت عن رأسها حجابها و ابدلت ثيابها و عكفت فوق صنبور المياة تحاول إخفاء أثار الدموع عن مقلتيها، دقائق ثم خرجت مبتسمة للتي تنتظرها بالخارج وهي تسألها: 
إيه ده وحشتك بسرعة كده! 
ضحكت علي قولها وهي تقفز فوق الفراش وتجيبها: 
حبيبة قلبي أنتِ، قولت اجي اخليكي تلبسي تاني الفستان اللي جبناه ليكي، علشان نشوفه أوفر فعلًا زي ما قولتي ولا عادي. 
تمددت جوارها وهي ترفض بقولها: 
إنسي إني اقوم البس أي حاجة تانية، أنا عايزة انام. 
لكن الاخري اصرت وهي تدفعها من كتفها
هو إيه ده قومي يابنت يلا اعملي اللي بقولك عليه. 
رفضت وهي تتمسك بالفراش ضاحكة: 
لو جدعة قوميني. 
نظرت لها بتحدٍ: 
لو وقعتك من علي السرير هتقومي تعملي اللي أقولك عليه! 

تحدتها هي الأخري وهي تحرك جسدها لمنتصف الفراش: 
يلا. 
بدأت شهد بدفعها وسط تشبثها بالفراش و ضحكات كلتيهما حتي كادت تسقطها فهتفت بإستسلام: 
خلاص يا مجنونة هقوم، لو وقعت من علي السرير ده مش هنفع تاني! 
ضحكت علي قولها وهي تؤكد قائلة: 
عندك حق، طه مش نايم علي سرير، ده خط بارليف. 
اكملت قهقهاتها وهي تخرج الفستان من الحقيبة، وتدلف للغرفة الملحقة، دقائق وخرجت إليها لكن الذي لم تحسب حسابه هو وجوده بالغرفة
كيف و متي عاد من عمله لا تعلم لكن ما تعلمه أنها تذوب خجلًا الأن، كان قد عاد لتوه من عمله، فقد بقي فيه طيلة النهار يغلي فوق مراجل غضبه منها و لم يحتمل البقاء اكثر من ذلك وهكذا ها هو الأن هنا يقف أمام الباب مشدوهًا بها وبهذا الثوب …هذا الثوب الساحر
بينما هي تمنت لو انشقت الأرض و ابتلعتها، فبالرغم من مرور مايقرب الثمانية أشهر علي زواجهما إلا أنه لم يرها بثوبٍ مكشوف مثل هذا من قبل، فحيائها كان حاجزًا، وعدم إكتراثه كان حجر أساس هذا الحاجز، و الأن دون مقدمات خرجت امامه هكذا.
حمح هو بخشونته المعتادة يقطع هذا الصمت و هو يلقي التحية: 
مساء الخير. 
هربت بعيناها منه، كانت ستعود أدراجها ولكن شهد التي قبضت فوق معصمها حالت دون ذلك، جذبتها إلي منتصف الغرفة بمحازاته وهي تسأله: 
إيه رأيك يا طه في القمر ده، الفستان هياكل منها حتة. 
هي لا تعلم الكثير عن الخلافات بين اخيها و زوجته تظنه بعض العناد الأجوف أو مشاغبات زوجية عادية، ولم يرغب هو بتعكير صفو سعادتها لذا ابتسم وهو يقترب منها

امسك كفها و أدارها امامه بخفة وهو يتطلع إلي تفاصيلها، حتي ثبتت أمامه تنظر ليديها بخجل، كان متعجبًا لهذا الخجل منها، وهي التي لا تكف عن الثرثرة، لم تتفوه بشيء منذ عشر دقائق حتي الأن، رفع وجهها لتنظر له لكن ابت عيناها أن تطالعه، لكنه ابتسم وهو يجيب علي حديث اخته متغزلًا فيها بقوله:  
بصراحة الفستان وصاحبة الفستان ملهومش حل. 
هنا فقط نظرت له خلسةً تستشف الصدق من ملامحه التي كُتب عليها أنه لا يدعي قوله، ابتسمت شهد وهي تُلقي قنبلتها: 
طب الحمد لله، أصل يويو هتلبسه يوم الحنة. 
عقد حاجبيه متصنعًا عدم الفهم وهو يسأل: 
يويو مين؟ 
تذمرت أخته وهي تهتف: 
طه متهزرش! 
ابتعد عنهما وشرع في فك أزرار قميصه و هو يقول: 
انسوا إن ده يحصل. 
عند هذه النقطة شرعت أخته في بذل كل ما أدخرته من حجج منطقية لجعله يوافق، بينما التزمت هي الصمت وكأن الأمر لا يعنيها، حتي قطع هذا الجدال طرقات علي الباب، هتف يأذن بالدخول للطارق، كانت والدته التي حادثت أخته بقولها: 
أنتِ هنا و أنا بدور عليكي، تعالي يلا خلي أخوكي يرتاحله شوية قبل العشا، يلا. 
خرجت مجبورة وعلي ملامحها رفض شديد ولكن ما باليد حيلة، بينما نظرت له والدته بنظرات توصيه بأن يتحلي بالهدوء، فهز رأسه وهو يتوجه لتغيير ثيابه عقب خروجهن، عاد فوجدها تجلس فوق طرف الفراش، رفعت نظراتها له تسأله بهدوء: 
أنت فعلا مش عايزني ألبس الفستان ده؟ 
هز رأسه موافقًا دون التفوه بأي حرف، فعادت تسأله: 
طيب ليه، بعد كل اللي شهد قالته ده ولسه برضو!
هز رأسه مرة أخري بالإيجاب وهو يجلس جوارها يقول: 
علشان ميصحش واحدة محجبة، أو أي واحدة عمومًا تلبس فستان زي ده برة أوضة نومها، إزاي وافقتي أصلا؟ أنا قولت لا يعني لا خلاص، شوفي غيره، أو كلموا البيدج اللي طلبتوا منها تغيره. 
ألقي جملته الأخيرة ليري ردة فعلها، يود معرفة ما إن كانت ستصارحه أم لا، فركت هي كفيها كحركة مصاحبة لتوترها اصبح هو يحفظها عن ظهر قلب، ابتلعت ريقها وهي تستدير بمقابلته وهي تقول: 
مش مشكلة خلاص، أنا مكنتش موافقة عليه و شهد وطنط اصروا…في …في حاجة تانية عايزة أقولك عليها. 
نظر لها يتنظر منها أن تكمل، فقالت: 
ممكن بس تبقي هادئ وتسمعني منغير عصبية، أنا مش عايزة نتخانق، ممكن؟ 
استدار هو أيضًا فأصبح مواليًا لها وهتف بهدوء: 
ممكن، عايزة تقولي إيه؟ 
قررت البوح بكل شيء وليحدث ما يحدث، قالت: 
الفستان ده مش مطلوب اونلاين. 
عقد حاجبيه و اصطنع التساؤل بقوله: 
شهد كانت جيباه ليكي؟ 
لكنها نفت ذلك بهزة من رأسها وهي تفصح: 
لاء برضو، أصل…أنا خرجت مع ماما و شهد للمول القريب من هنا بعد ما أنت مشيت…أنا كنت غضبانة و متعصبة وقررت أعمل أي حاجة في سبيل إني أضايقك فصممت نخرج، بس من وقت ما رجلي خرجت برة البيت و أنا الندم بيقتلني، بس صدقني دي أول مرة تحصل والله. 
رفع حاجبه وهو يسأل بخشونة: 
و أخر مرة؟ 
هزت رأسها بالإيجاب وقد انسابت دمعة ندم من عيناها التي اغمضتها وهي تخفض رأسها
نهض عن الفراش، يوليها ظهره وهو يخبرها: 
ماشي يا آية. 
استدار ينظر لها وصدمها بقوله: 
بس علي فكرة وعلشان أكون صريح معاكي زي ما أنتِ كنتِ صريحة معايا، أنا كنت عارف. 
رفعت رأسها له و صوبت نحوه نظرات غير مصدقة، هز كتفيه وهو يعود لمجلسه جوارها و يصارحها: 
ماما كلمتني قبل ما تخرجوا، و قالت ليا كل اللي حصل. 
سألته بلهفة: 
و أنت قولتلها إيه؟ 
ابتسم وهو يقول: 
لاء عادي اتعصبت شوية. 
سألت باستنكار: 
عادي و شوية ميتحطوش مع عصبيتك في جملة علي فكرة. 
نظرت أمامها ومن ثم ابتسمت و هي تهتف: 
ثانية واحدة، معني كلامك إنك كنت عارف! 
نهضت تنظر له و قد اتسعت ابتسامتها أكثر: 
يعني أنا مخرجتش من وراك، الحمد لله بجد. 
ومن ثم زار الغضب نبرتها وهي تسأله: 
بقي كنت عارف وبتلاعبني يا حضرة الظابط؟
يعني متوافقش أخرج لما اطلب أنا لكن لما مامتك هي اللي تطلب توافق وعادي جدا! 
هز كتفيه ببرود وهو يجيبها: 
علشان دي أمي. 
أشارت علي نفسها بتعجب: 
و أنا ماليش تسمية، واحدة جاية من الشارع مش كده؟ 
هز رأسه بنفي: 
أنا مقولتش كده. 
ولكنها صاحت : 
بس ده معني كلامك. 
سأل بنزق: 
أنتِ عايزة إيه دلوقتي؟ 
جذبت كرسي من خلفها لتوازي جلسته وهي تهتف بإصرار: 
أنت مخبي حاجة ورا رفضك و إصرارك علي الخروج وحدي و أنا لازم اعرفه يا طه و…
قاطع قولها طرق علي الباب من إحدي الخادمات تخبرهما بأن الجميع ينتظرهما لتناول العشاء بالأسفل ولم يجد هو فرصة افضل من هذه للهرب من حصار أسئلتها التي ما كانت ستنتهي علي خيرٍ هذه الليلة
نهض مسرعًا وهو يخبرها: 
يلا علشان بابا مبيحبش حد يتأخر علي مواعيد الأكل. 

★***★***★***★***★***★***★***★***★***★
انقضي بقية الأسبوع سريعًا بين تهرب طه منها وبين انشغالها بتجهيزات الزفاف، كانت قد عادت للتو من جولة التسوق الأخيرة مع شهد و والدة زوجها وجلس ثلاثتهن فوق فراش شهد، وقد فتحت كل منهن أكياس التسوق و عُلب التغليف للتأكد من أن كل شيء بالفعل قد تم شرائه و لقياس البعض منهم حتي نهضت والدة زوجها للخارج تخبر الخادمة بصنع القهوة لثلاثتهن، انتهزت هي هذه الفرصة و نظرت لشهد بترقب وهي تراوغها بالحديث قائلة: 
تعرفي طه امبارح حكالي علي المشكلة اللي مر بيها و اثرت في شخصيته بالشكل السلبي ده، أنا بجد مش قادرة اصدق إنه عاش كل ده! 
ارتسم الحزن فوق وجه شهد وهي تهز رأسها بالإيجاب، ومن ثم سألتها: 
هو حكالك إيه بالظبط؟ 
زاغت عيناها و تلبسها بعض الإرتباك ولكن هتفت بثقة: 
ما قولتلك كل حاجة، بس أنا حاسة إنه قال كده علشان يستعطفني و إن ده محصلش، علشان كده بسألك. 
لمعت الدموع بعيناها وهي تخبرها بنبرة يملؤها الحزن علي أخيها: 
لاء مش بيستعطفك طه فعلا حاله اتبدل من وقت ما نانسي خطيبته الأولانية اتخطفت و اتقتلت و…
_شهد! 
كان هذا صياح والدتها التي عادت للتو وسمعت قولها
تقدمت منها وهي تزجرها بقولها: 
أنتِ مين سمح لك تتكلمي في حاجة تخص أخوكِ منغير إذنه؟ 
تلجلجت من ظهور والدتها في هذه اللحظة، أما هي فقد كانت في حالة يُرثي لها، صدمتها أوضحت أنها تسمع هذا الحديث لأول مرة، بررت شهد لوالدتها وهي تحرك كفيها بعشوائية: 
مهو…مهو يا ماما آية مش غريبة، دي بقت مراته و لازم تعرف، هو أصلًا قالها! 
نظرت لها بطرف عينها، وقد اوضحت الدموع التي إلتمعت بعينيها كذب ما قالته هي قبل قليل، ما جعل شهد تسأل باستنكار: 
آية أنتِ مكنتيش تعرفي صح، بتضحكي عليا. 
أثرت أن تقلب الطاولة وتدير دفة اللوم لتكون هي المتحكم، مسحت الدمعة التي انبثقت من عينيها بعنف وهي تنهض لتقف أمامها تسأل بغضب: 
هو إزاي حاجة زي دي أنا معرفهاش، أنا مش فاهمة بجد، أنا نايمة قايمة افكر هو ماله ولا في إيه، طب العيب فيا ولا فيه ولا الظروف اللي اتجبرنا عليها، و كلكم عارفين و أنا بس المغفلة اللي متعرفش! 
بررت والدة زوجها بحجة واهية حتي هي غير مقتنعة بها: 
حبيبتي طه رفض حد مننا يتكلم في الموضوع ده، و قولنا هو يقولك وقت ما يكون عايز يقول. 
هزت رأسها رافضة وهي تنظر لشهد بحزن: 
أنا اعتبرتك أختي بجد وكنت بتعامل معاكِ علي الأساس ده، إزاي تعملي فيا كده! 
حاولت شهد التحدث: 
آية اديني فرصة افهمك طيب. 
ولكنها هزت رأسها برفض لا تود سماع أية تبريرات: 
لاء مالوش لزوم أي حاجة هتقوليها دلوقتي ملهاش لازمة، أنا عايزة اعرف تفاصيل اللي أنتم مخبينه عني كلها، والكلام اللي هيتقال أنا مش عايزة طه يعرف إني عرفته مهما يحصل. 
وبالفعل أرغمت كلتيهما علي إخبارها بكل شيء. 
★***★***★***★***★***★***★***★***★***★
بعد وقتٍ طويل دلفت غرفتها و اغلقت الباب، نظرت إلي صورته المُعلقة فوق الحائط و تجمعت الدموع بعينيها و هي تسند ظهرها للباب بضعف شديد، ما سمعته منذ قليل ثقيل عليها، رن بعقلها قول شهد 
"طه كان خاطب أخت واحد صاحبه، و كان في إعجاب بينهم، نانسي كانت عندية و شخصيتها قوية مكانتش بتحب تسمع كلام طه نهائي، كانت بتشوفه تحكم، لكن طه كان بيشوفه اهتمام بيها، و أنه بيخاف عليها، هي مقدرتش تفهم ده، كانت تخرج في كل حتة منغير ما تعرفه من باب العلم حتي و ممكن تسافر مع أصحابها ويعرف لما تنزل صورها وهي هناك، بس هو كان عنده امل تتغير و فضل مكمل لأنه أتعلق بيها برضو، وهي كانت بتعرف تمتص غضبه بطريقتها، لحد ما في فترة أخوها كان ماسك قضية تقيلة مع ناس مبتتفاهمش، وكان خايف عليها وكان بيمنعها تخرج من خوفه عليها، و طه كمان كان قلقان إنهم يعملولها حاجة علشان يهددوا أخوها، بس هي مصدقتش كلامهم، كانت توافق وهما بينصحوها، وتخرج من وراهم بعد كده، لحد ما في مرة اتخطفت فعلا، سواق التاكسي خدرها و اخدها، لما عرفنا طه كان هيتجنن وهو مش عارف يوصلها، اخر اليوم اتصلوا بأهلها يا إما أخوها يسيب القضية يا يقتلوها، أخوها رفض يسيبها وقال اختي هرجعها بنفسي، ورجعها فعلا، اتصلوا بيه من رقمها و هي كلمته و قالتله العنوان، وكلمت طه كمان بس هو كان حاسس إنه مش هيشوفها تاني؛ لأن مستحيل يسيبوها تكلمهم إلا لو قرروا يتخلصوا منها، وفعلًا وصلوا المكان ده و لقوه فاضي، مكنش فيه غير نانسي غرقانة في دمــ،ها بعد ما دبحوها وهربوا."

سالت دموعها السخينة فوق وجنتيها، وهي تنتحب بالبكاء، ارتمت فوق الفراش وقد خارت كامل قواها، وهي تستعيد بقية الحديث
"طه اتدمر من بعد اليوم ده، خصوصًا إنه أول واحد دخل المكان و شافها و هو اللي شالها وخرج بيها لحد العربية ومن العربية للمستشفي، كان عنده امل إنها تعيش وهي ميتة بين إيديه. 
مش هقولك إن طه كان شخصية مرحة بتهزر و تضحك 24 ساعة و من بعد الحادثة اتحول 180 درجة، لا هو كان زي ما أنت شايفة برضو يمكن كانت عصبيته اقل، كلامه زيادة شوية ممكن يهزر فين و فين، بس ده بقي نادر من بعد الحادثة اللي مكانتش هينة برضو، بعد اللي حصل ده اخوها اللي كبريائه منعه يسيب القضية وهي مخطوفه سابها و قدم استقالته و ساب البلد كلها، و طه هو اللي طلب يمسك القضية ومكنش ساكت لحد ما جابهم كلهم، كانت فترة صعبة علينا كلنا، سنتين كاملين قلق و توتر و خوف، طه من بعدها بقي رافض يتجوز وكان شايف إنه مش هيقدر يحمي الإنسانة اللي هيتجوزها،مكنش قادر يتخطي لحظة ما عرف إنها ماتت و مبقتش موجودةفي وقت هو كان خلاص اتعلق بيها،و أي حد يكلمه في الموضوع ده يثور و يغضب وكان يسيب البيت بالشهور منعرفش عنه حاجة، بعدها بابا بطل يكلمه لحد ما فاض بيه وحلف عليه إنه يجي يتقدملك و الباقي أنتِ عارفاه." 

تذكرت قول والدته التي أقتربت تحتضنها وتربت فوق رأسها
"آية حبيبتي، أنا أم ومحدش هيحس بـ طه قدي، و أنا بأكدلك إن طه بيحاول يتعافي من اللي مر بيه، وعايز يستغل فرصتكم سوا، بس هو في خوف متملك منه خايف يتعلق بيكِ و يعيش معاكِ نفس اللي عاشه مع نانسي، حاولي تطمنيه، أنا متأكدة إن في جزء جواكِ مايل ليه، و إلا مكنتيش هتكملي معاه الفترة دي كلها، أنا حكيتلك علشان فعلًا من حقك تعرفي، وعلشان أنا كنت رافضة طه يخبي عنك و قولت استني عليه شوية، محدش يقدر يجبرك علي حاجة، أنتِ كبيرة كفاية علشان تاخدي قرار تكملي أو لاء بعد اللي سمعتيه، و كوني متأكدة إن سعادتك تهمني زي ما سعادة طه برضو تهمني و لو سعادتك بإنك تبعدي فـ أنا عمري ما هزعل منك ولا غلاوتك هتقل عندي" 
تتذكر جيدًا كيف قالت جملتها الأخيرة بصوتٍ متحشرج يغلب عليه البكاء، هي تعلم جيدًا أنها قالت هذا من وراء قلبها
★***★***★***★***★***★***★***★***★***★
خرجت من المرحاض تجفف شعرها، كانت تظن بأن حمامًا باردًا سوف يُخمد تلك النيران المستعرة برأسها ولكن ذلك لم يفلح، حتي أنها لم تنتبه لذاك الذي دلف للغرفة و وقف أمام الباب يطالعها وهي  تقف شاردة أمام المرأة الطولية، حمحم بهدوء وهو يخلع عن رأسه طاقيته و يتقدم نحوها بهدوء حتي وقف خلفها و لازالت لم تنتبه، ما جعله يعقد ما بين حاجبيه بتعجب
رفع يده يفرقع اصابعه أمامها وهو يناديها: 
آية. 
صرخت بفزع و هي تستدير له، ما أن وقعت عيناها على ملامحه حتي عادت الدموع تملاءها من جديد، ضربته فوق كتفه قائلة بعتاب: 
حرام عليك يا طه خضتني! 
كان البكاء يغلب علي صوتها، ولم تكتفي عند هذا بل اجهشت بالبكاء وهي تغطي وجهها بكفيها، كان متفاجئًا من ردة فعلها لم يتوقع أبدًا أن يحدث هذا، تملك منه القلق حينما علا صوت نحيبها مد يديه يرفع رأسها محاولًا إبعاد يديها عن وجهها وهو يقول: 
آية مالك؟… يابنتي في إيه لكل ده، أنا أسف طيب، مكنتش أقصد أخضك بالشكل ده. 
لكن محاولاته لم تفلح ظلت علي حالها، ما جعله يسأل: 
حد زعلك هنا طيب؟ ماما أو شهد. 
هزت رأسها برفض من بين شهقاتها، لم يدرِ ماذا يفعل، يشعر حقًا بأنه لا يفقه شيئًا بأمور كهذه، كان ينظر لها بحزن وهي تبكي بحرقة، وكأن شيئًا داخلها مُحطم، قطع الخطوة الفاصلة بين كليهما، و رفع يده بتردد يحيطها بها، قربها إليه ببطءٍ حتي رست رأسها و بحور عيناها فوق شاطئ صدره، و أرتفعت يده الأخري يضم بها رأسها إليه أكثر، بينما سيطر عليها الذهول مما يفعل، تلك أول مرة يضمها إليه دون تظاهر أمام أحد، دون أن يكون مجبرًا، لأول مرة تسند رأسها بالقرب من قلبه، تشعر به يكاد يخرج من مكانه من شدة إضطراب صاحبه الذي أخذت يده تمسد فوق شعرها بحنانٍ تعجب هو منه، كان يبتلع لعابه بين الثانية و الأخري، يسيطر عليه الندم لما يفعله، و ندم أخر يأنبه لتضييعه كل الفرص التي كان بإمكانه معانقتها فيها ولم ينتهزها هو بحماقته، هدأ نحيبها و أنتظمت أنفتسها تدريجيًا حتي سكنت وكادت أن تغفو ولكن منع ذلك همسه الحاني و هو يخفض بصره نحوها: 
مش هتقوليلي مالك طيب؟ 
رفعت عيناها إليه، عيناه في قربهما ضياع، وفي بعادهما هلاك، فماذا عساها تختار، لازال سؤاله الأخير مرسومًا في عيناه ينتظر جوابًا
لكن ناقوسًا دق بعقلها، يذكرها بما سمعته، بأنه رغم كل ما تُكنه له داخلها فهو مخادع، اخفي عنها أمرًا لازال أثره يؤرقه و ينغص عليهما حياتهما، اخفي عنها بل و لم يبخل في إلقاء اللوم عليها منذ يومان، كان يرغب أن يمارس دور الضحية و هو الجاني. 
هل يخشي أن يتعلق بها؟ 
و ماذا عن تعلقها به؟ هل فؤاده غالٍ و ثمين بالنسبة له، وهي ومشاعرها و فؤادها ليس لهم أي أهمية؟ 
أ لهذه الدرجة هو أناني؟ 
يريد أن يظهر للجميع انه تعافي بزواجه منها، لكنه لم يدرك أنه يصنع من نفسه نسخةً أخري، تُعاني ألم التعلق، و برود المشاعر منه، تنتظر منه القليل الذي يجود به إن رغب
كان بين جنبات قلبها بذرة تنوي أن تندس في أرضه لتنبت شجرة فروعها من نور و اغصانها من الحب، لكنه بحماقته أشعل النيران بأرضها، تركها دون رعاية و النهاية اصبحت محتومة. 
عند هذه النقطة خرجت من بين يديه منتفضة وقد دفعته عنها بطول ذراعيها، انقشعت نظرات الأهتمام و الدفء و الرعاية من عيناها و تحولت لمشاعر أخري لا يدرك هو وصفًا لها، و لا يعرف سببًا للغضب الجالس فوق ملامحها، هز رأسه وهو يسألها بضيق: 
أنا عايز افهم إيه اللي بيحصل ده؟ 
أولته ظهرها وهي تعود ادراجها للمرحاض كي تزيل أثار الدموع ولكن حال بين تقدمها يده التي قبضت فوق معصمها وهو يديرها ناحيته من جديد يسأل وقد فاض كيله منها: 
لما اكلمك تقفي تردي عليا، كنتي بتعيطي ليه؟ 
نفضت يده و هي تصيح بغضب: 
ملكش دعوة، ملكش دعوة بيا نهائي يا طه، أنت فاهم و لا لاء؟ 
لكنه أجاب بصوت آمر: 
اتكلمي عِدل أحسنلك، ثم يعني إيه ماليش دعوة أنتِ مراتي، بمزاجك غصب عنك مراتي. 
ضحكت بسخرية، تقول: 
مراتك؟ بجد والله، أنت مصدق اللي بتقوله ده، مراتك علي أساس تتحكم فيا وبس، لكن أي حاجة تاني من حقوقي لاء، فاكرني عروسة لعبة في إيدك؟! 
ابتلعت لعابها بمرارة وهي تبتعد عنه بإتجاه مكتبه تقف امامه وهي تكمل بكلمات كانت تصفع فؤادها قبل فؤاده: 
هنتجوز وناخد فرصة سوا يا آية، ماشي، لو مكلمناش هننفصل يا آية ماشي، مش بتكلم علشان ده طبعي يا آيه، ماشي، متخرجيش منغيري يا آية ماشي، بنتعامل كأننا أتنين أغراب بيمثلوا إنهم يعرفوا بعض و قولت ماشي، يمكن مع الوقت كل ده يتعدل ويتصلح بس طلعت أنا ببني و أنت قصاد كل طوبة ببنيها بتهدم ألف، كل خطوة بغطيها أنت بتوقعني، أنت عايز إيه مني، اتجوزتني ليه، رد عليا اتجوزتني ليه؟ 
اقتربت منه و هي تبكي بحرقة ولا زالت تسأله السؤال ذاته، ظلت تدفعه بيديها بكامل قواها حتي جعلته يتزحزح خطوتين للخلف، بينما لم يحرك هو ساكنًا تقبل عتابها وغضبها دون أي فعل أول قول، دفعته مرة أخيرة قبل أن تبتعد خطوة وهي تردد بإنكسار: 
ليه تعمل فيا كده، إيه الوحش اللي شوفته مني يخليك تعمل فيا كده؟ 
لم يعد لقدميها القدرة علي الوقوف فجلست فوق الأرض وهي تسند ظهرها للفراش، ظل هو علي حاله يسمعها وهي تهمس: 
عمري ما هسامحك يا طه. 
عند هذه النقطة فر من الغرفة يتأكله الشعور بالذنب، قادته قدماه لغرفة أخته طرق الباب بعنف و من ثم فتحه دون إكتراث، تركت الهاتف من يدها بفزع وهي تنهض من فوق كرسيها بغضب قائلة: 
في إيه يا طه من امتي بتدخل اوضتي بالشكل ده؟ 
لم يبالي بقولها، و لكنه سأل بقسوة وعيناه ترسل رسالات تحذيرية بألا تكذب: 
آية مالها؟ 
تلجلجت و فر غضبها و حل محله التوتر فعاودت سؤاله: 
مالها آية!، هو في حاجة ولا إيه؟ 
جذبها من معصمها وقد زادت وتيرة غضبه قائلًا: 
أنا اللي بسأل هنا، آية مالها؟ 
ابتعدت عنه بعد أن جذبت ذراعها منه بقوة: 
متمسكنيش كده تاني، انا مش مجرمة عندك في القسم علشن تحقق معايا بالطريقة دي، و معرفش آية مالها هي مراتي ولا مراتك أنت؟ 
ولكنه عاد يصرخ في وجهها: 
وهي طول اليوم قاعدة مع مين مش معاكِ، اروح أسأل حد من الشارع؟ 
لوحت بذراعيها دون إكتراث تخبره: 
اللي يريحك أعمله يا طه، هي كانت معايا طول اليوم وكانت عادية بتضحك وتهزر، شوف أنت عملت إيه مزعلها، أسأل نفسك آية مالها قبل ما تيجي وتسألني أنا. 
كانت أنفاسه متعالية صدره يعلوا ويهبط من شدة غضبه و كما جاء إلي الغرفة رحل منها، بل رحل من المنزل بأكمله
كانت تقف هي بالشرفة، رأته و هو يغادر بغضبه و بسرعته القصوي عقب دخولها من الشرفة انفرج الباب و دخلت شهد التي ما أن رأتها حتي فتحت لها ذراعيها، ولم تتردد هي بل اتجهت إليها و ارتمت بين يديها تبكي بحرقة، لا تدري اي كانت كل هذه الدموع، ما تعلمه أن ما بقلبها الأن جرح غائر يؤلمها بشدة، طلبت بتوسل من بين دموعها: 
خديني من هنا يا شهد، مش قادرة اقعد في الأوضة ديه، خديني من هنا أرجوكي. 
★***★***★***★***★***★***★***★***★***★
ظل يجوب الطرقات دوت أن يعلم إلي أين يذهب، حتي أضاء في عقله سؤالها "أنت أتجوزتني ليه؟" 
عن هذه النقطة أدار المقود وغير وجهته إلي مكانٍ يعلمه
بعد ساعة مرت كان يجلس أمام شاهد قبر دون فوقه "نانسي حسن منصور"  نظر للأسم مطولًا حتي غلبته الدموع
مسح فوق أسمها و هو يسألها: 
ليه مسمعتيش كلامنا؟ ليه مقدرتيش خوفي عليكي، ليه تعملي فيا كده، ارتاحتي أنتِ كده؟ أنتِ موتي، و أخوكي سابني ساب كل حاجة ومشي، و اهلك أتدمروا من بعدكم أشار نحوه بضعف مكملًا: 
و أنا، أنا مبقتش عارف إيه اللي حصلي، أنتِ خليتي ثقتي في نفسي تتهز، كنتي بتستغلي إني متعلق بيكِ غلط، كنتِ شايفة إني هفضل أسامح علطول، جايز كنت اعمل كده لو حبيتك فعلًا، إيه مش مصدقة إني مش بحبك؟! دي الحقيقة اللي كنا بنداريها أنا و أنتِ، لو حبيتك مكنتش فكرت اتجوز غيرك، مكنش قلبي شافها حلوة، و حب كل حاجة هي بتعملها، بس مع ذلك برضو محبيتهاش! خايف أحبها، خايف تروح زي ما أنتِ روحتي و مقدرش اتخطاها زيك.
نهض ينفض الغبار عن ثوبه و هو يخبرها قوله الأخير، وكأنها أمامه تنظر له: 
أيوة يا نانسي أنا اتخطيتك خلاص، لازم أكمل علشان أنا مش أناني، علشان في ناس حواليا مهمين عندي زي ما أنا مهم عندهم، علشان أنا مقدر مشاعرهم لازم اتخطاكِ، علشان مراتي، اللي استحملتني الفترة اللي فاتت دي كلها وهي مش فاهمة أي حاجة، بس اتمسكت بيا رغم إن هي مش مجبرة تعمل ده. 

أنهي حديثه وفر بعيدًا و كأنها ستخرج تستعطفه، قاد سيارته بذات السرعة التي جاء بها حتي توقف أمام منزل والديه، صعد الدرج بخطواتٍ شاردة قابلته شهد التي خرجت من غرفتها للتو تعاتبه: 
كل ده يا طه بره قلقتني عليك! 
قبَّل رأسها وهو ينظر لها يقول: 
كنت مخنوق شوية، أنا أسف لو زعلتك بطريقة كلامي معاكي قبل ما أنزل. 
اتسعت ابتسامتها وهي تحتضنه قائلة: 
مش زعلانة طبعًا، أنا متعودة من أيام ماتشات المصارعة اللي كنا بنلعبها زمان. 
تبادل معها الضحك وهو يعود أدراجه لغرفته ولا يدق بعقله سوي سؤالًا واحدًا تُري هل لازالت تنتظره حتي الأن أم أنها فقدت الأمل فيه؟ 
دلف لغرفته و التي كانت فارغة من دفئها، هوي قلبه أرضًا،أين ذهبت، هل رحلت إلي بيت أبيها؟ أم إلي منزلهما؟ أم إلي أين؟ 
أغلق الباب و عاد أدراجه إلي غرفة اخته طرق الباب برفق و انتظر حتي فتحته و خرجت له بعد أن اغلقت الباب، سأل بتحفز: 
آية فين؟ 
ابتسمت: 
يابني هو أنا ولية أمرها، أنا مالي؟ 
رفع حاجبه بضيق وهو يهتف بضجر: 
شهد أخلصي. 
اجابته حتي لا يعلو صوته اكثر و يوقظ النائمين: 
نايمة عندي جوا، بعد ما أنت مشيت روحتلها كانت مفطورة من العياط، فخدتها تقعد معايا و نامت من التعب. 
أمرها ببرود: 
صحيها. 
ولكنها عاندته: 
مستحيل يا طه لو تعمل إيه. 
أبعدها عن طريقه وهم بفتح الباب قائلًا: 
يبقي هدخل أخدها بنفسي. 
ولكنها حالت بين ذلك وهي تستعطفه: 
ياطه بقي، هي نايمة صدقني، و شكلها زعلانة منك جامد لو شيلتها ممكن تصحي ومترضاش تروح معاك اوضتك وهيبقي شكلك فانلة حمالات قدامي. 
نقل نظراته بينها وبين الباب، حتي تراجع وعاد لغرفته، دلفت هي الأخري للجالسة فوق سريرها تنظر لها بلهفة: 
مشي؟ 
هزت رأسها بالإيجاب وهي تجاورها في جلستها
كانت هاين عليه يكسر الباب علي دماغي ويدخل ياخدك. 
نهضت من الفراش إلي كرسي بجوار النافذة تخبرها: 
مش قادرة أبص في وشه ياشهد، علي الأقل دلوقتي. 
امتعضت شهد بصيق مصطنع وهي تتذمر قائلة: 
جبتك يا عبد المُعين تعين، هو ده الأسبوع الفرفشة اللي هنقضيه قبل ما امشي من هنا يا بومة أنتِ وجوزك. 
غلبتها ضحكتها التي خرجت من بين شفتيها، ابتسمت شهد وهي تنهض لها قائلة: 
ايوة كده يا شيخة أضحكي محدش واخد منها حاجة. 
اجابتها بالموافقة: 
عندك حق، أيام الفرحة بتعدي بسرعة و محسوبة علينا يا نعيشها يا هتضيع من إيدينا. 
سألتها: 
يعني إيه؟ 
نهضت تتجه للفراش: 
يعني هنسي كل اللي حصل النهاردة وهركز معاك و مع كل اللي المفروض نعمله للفرح وبس.
تدثرت كلتاهما في الفراش، فسألتها: 
طب و طه هتقوليله إيه؟ 
اجابت: 
طه ميعرفش إني عرفت أي حاجة، و أنا هتعامل علي الأساس ده لحد ما أشوف هيقولي أمتي، ومتقلقيش إحنا بنتخانق وبعدها عادي بنتعامل ، ده العادي بتاعنا، و نامي بقي يلا علشان بكرة الحنة، وكتب الكتاب و ده يوم طويل جدًا. 
★***★***★***★***★***★***★***★***★***★
في الصباح الباكر كانت أول المستيقظين، خرجت من غرفة شهد متوجهة إلي غرفته، كان لازال نائمًا، أقتربت منه وهي تجلس بمحاذاة وجهه، وضعت يدها فوق وجهه وهي تهمس: 
ملامحك و أنت نايم كأنك شخص تاني غير اللي أعرفه يمكن علشان و أنت نايم مش بشوف في عنيك نظرات الكره ليا! 
باغتها بهمسه: 
أنا عمري ما كرهتك يا آية. 
اجابته بإنهيار: 
بس عمرك ما حبيتني يا طه. 
عقب جملتها فرت إلي المرحاض حتي لا ينكشف ضعفها أمامه، بينما اعتدل هو في نومته يتطلع للسقف في حيرة ليس لها نهاية، حتي خرجت هي من المرحاض و وقفت تصلي ركعتي الضحي، حينها نهض يتجهز لعمله
مرت ساعة استيقظ فيها البقية و اجتمع الجميع حول مائدة الفطور في صمت، قطعته شهد وهي تحدث أخيها: 
يعني يا طه خلاص البلد هتبوظ لو مروحتش الشغل النهاردة، يوم كتب كتابي، يا أخي اعتبرني زي أختك. 
ابتسم وهو ينظر للجالس جواره يتذكر قولها المشابه "اعتبرني زي مراتك يعني و اسمحلي أساعدك، مش هعضك!" 
بالرغم من أن هذه الصداقة بين أخته و زوجته لم تنشأ إلا قبل زواجه بوقتٍ قليل إلا أنهن أصبحن يتحدثن بذات الطريقة،نفض عن رأسه تلك الأفكار و هو يعود بناظريه لأخته يمازحها بقوله:
أنتِ عارفة شغلي يا شهد، ومتقلقيش هعتبرك زي أختي و هاجي بدري.
تحدثت بتهكم مرة أخري،رغم ابتسامتها الواضحة علي وجهها: 
و بكرة برضو هتروح، المفروض كنت خدت أجازة. 
مسح فمه بالمنديل وهو ينهض منهيًا هذا الجدال: 
أجازة ليه هو أنا العريس ولا إيه؟ و بعدين ده أنا جايبلك مراتي بنفسها تبقي معاكِ وتساعدك متبقيش طماعة. 

نظرت له لأول مرة منذ بداية الجلسة كان يبتسم لأخته و نقل بصره لها وقد اتسعت ابتسامته وهو يخبرها: 
همشي أنا، لو احتاجتي حاجة كلميني. 
هزت رأسها بالموافقة دون التفوه بأي كلمة، و رحل هو من الغرفة، سار ببطءٍ حتي باب المنزل صوت داخله يخبره بأنها ستأتي خلفه، وصدق هذا الصوت حينما سمع صوتها الناعم ينادي بإسمه حينما هم بركوب سيارته، كانت تقف أعلي السُلم تحرك نحوها وهبطت هي بضع درجات حتي وقفت فوق أخر واحدة حينما وقف هو أمامها ارتبكت وبان هذا في حركة يديها، سألها: 
عايزة حاجة؟ 
هزت رأسها بالنفي: 
لا عايزة سلامتك، أنا بس كنت هقولك خلي بالك من نفسك و…و متتأخرش بالليل علشان شهد متزعلش. 
انهت جملتها و تأهبت للفرار من أمامه ولكنه قبض فوق كفها يوقفها يطلب تفسيرًا: 
ممكن افهم إيه اللي حصل إمبارح ده، وعلشان إيه؟ 
و للوهلة الأولي يلحظ عيناها المنتفختان من كثرة البكاء ونبرتها المتحشرجة وهي تقول: 
مفيش حاجة، أنا بس كنت تعبانة من المشاوير اللي روحناها وكده، و شوفت خبر حادثة صعبة علي النت تعبتلي اعصابي، ولما أنت خضيتني انفجرت فيك مش أكتر. 
كانت تدعوا أن يصدقها، لا تريد منه أن يعلم الحقيقة وراء بكائها هذا كلها، ولكن سقطت دعواتها أرضًا حينما ابتسم و هو يُقبلُ كفها قائلًا: 
مبتعرفيش تكدبي يا آية، أنتِ زعلانة مني؟ 
هزت رأسها بنفي تسأله: 
ليه بتقول كده! 
مرر إبهامه فوق وجنتها يمسح تلك الدمعةالمنسكبة من عينها و هو يخبرها: 
كلامك اللي قولتيه أمبارح، هروبك مني لما عملتي نفسك نايمة امبارح عند شهد و أنا متأكد إنك كنتي صاحية، متأكد علشان سبق و قولتي إنك هتفضلي مستنياني مهما أتأخرت، رجعتي في كلامك؟! 
هزت رأسها بالنفي وهي تمسح دموعها: 
لا مرجعتش فيه، أنا زعلانة منك يا طه فعلا، بس مش هقولك السبب، علي الأقل دلوقتي، ممكن ننسي أي حاجة ونركز إننا نبقي جنب شهد و أمير صاحبك و بس؟ 
ابتسم وهز رأسه بالموافقة وهو يخفض رأسه يُقبلُ كفيها مجددًا، وكأنه وجد في هذا متعةً لا توصف، ما أن رفع رأسه ينظر لها من جديد حتي جذبت كفيها وعادت مسرعةً للداخل 
★***★***★***★***★***★***★***★***★***★
من جديد ألقت كل ما جلبته من ثياب فوق الفراش وهي تنظر لهم بضيق لا تعلم ماذا سترتدي، حقًا؟! 
بعد كل هذا لا يعجبها أيًا من هذه الفساتين، هناك واحدٌ فقط تود لو ترتديه، لكن سبق ورفض ذلك الأشعس أن ترتديه، قطع افكارها طرقٌ فوق الباب، أذنت للطارق بالدخول و التي كانت شهد و بيدها صندوقًا، سألتها: 
إيه ده؟ 
وضعته فوق الفراش وهي تغمز لها بشقاوة: 
ده فستان ومش بس كده طه اللي جايبه! 
فتحت فمها بدون تصديق وهي تنقل نظرها بين الواقفة أمامها و الصندوق، لابد و أنها تكذب اقتربت منها تضع يدها فوق رأسها وقالت: 
لا، مش سخنة يبقي مش بتهلوس، أومال أنا اللي بهلوس ولا إيه؟ طه مين اللي جايبلي فستان؟ 

ضحكت تخبرها: 
طه جوزك يا حبيبتي مالك، يلا افتحيه نشوف ذوقه حلو ولا أي كلام. 
فتحته بالفعل ليقابلها فستان باللون الأحمر الداكن كـ الذي أختارته سابقًا ورفض أن ترتديه، ولكنه افضل بكثير افضل للدرجة التي جعلت عيناها تلمعان بسعادة وهي تقول: 
إيه الجمال ده! تحفة بجد! 
وافقتها بالرأي وهي تحثُها: 
طيب يلا أدخلي خدي شاور دافي كده علشان تفوقي عقبال ما الميكب ارتست توصل هي و البنات اللي هيساعدوها و أنا هروح أكلم أمير. 

رحلت وبقيت هي تنظر في أثرها بتعجب، ألا تشعر بالملل هي و أمير هذا من كثرة الثرثرة؟ و ما بال ذاك الأشعث طه لا يحادثه ولو مرة مثل ذلك المدعو أمير، أليس من المفترض أنهما صديقان، فاقت من افكارها علي صوت رنين هاتفها امسكته ولم تصدق أنه هو، هتفت بضحكة واسعة: 
الأشعث بيتصل! 
حمحمت تستعيد زمام نفسها وهي تجيب: 
ألو، السلام عليكم. 
أجابها بهدوء: 
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، الفستان عجبك؟ 
ابتسمت وهي تنظر له بسعادة: 
أه، حلو أوي يا طه، شكرًا بجد، تعبت نفسك. 
تنهد مجيبًا: 
تعبك رأحة يا آية، المهم إنه عجبك 
كان هذا قوله الذي زاد من ابتسامتها وهي تسأله: 
أومال أنت فين البدلة بتاعتك؟ 
أجابها: 
هجيبها و أنا جاي، هتحتاجي حاجة أجيبها؟ 
ردت مبتسمة: 
لا عايزة سلامتك، متتأخرش. 
★***★***★***★***★***★***★***★***★***★

أنقضت ساعات النهار بين استعدادات الفتيات وضحكاتهن و صوت الموسيقي و الرقص و زادت الأجواء بهجة بقدوم رفيقات شهد المقربات، لا يمكنها الإنكار بأن هذه الأجواء عدلت الكثير من حالتها التي كانت عليها منذ الأمس، اقترب موعد وصول الماذون و قدوم الرجال ما جعلها تتجه لغرفتها جذبت القطعة العلوية للفستان المكون من قطعة ذات أكمام قصيرة و الذي يصل طوله حتي نهاية قدميها و تلك القطعة التي ما أن ترتديها يكون بإمكانها أن تضع حجابها فوقه بشكلٍ طبيعي ابتسمت وهي تنهي تثبيت الحجاب بالدبابيس تقول لنفسها: 
طه طلع بيفهم والله، الفستان ده جه نجدة، مش عارفة إزاي مفكرتش أجيب واحد زيه. 
دارت حول نفسها تري الشكل النهائي بسعادة، ومن ثم جذبت هاتفها لتنظر لما لم يأتي حتي الأن، ولكنه سبقها و هو يطرق الباب ويدخل بيده بذلته، وقبل أي شيء هتف: 
عارف والله إني أتأخرت هلبس في خمس دقايق و جاي أستنيني مكانك. 
رسمت ابتسامة علي وجهها حتي اغلق الباب خلفه ومن ثم تحدثت بتهكم: 
مقالش حتي إيه الحلاوة دي يا يويو ولا إيه القمر ده ولا أي حاجة، عيل أشعس والله. 
بعد الربع ساعة طرقت الباب تناديه: 
يا، طه، يلا هنتأخر علي الناس تحت بتعمل إيه كل ده؟ 
عادت تجلس من جديد حتي خرج في حِلته اللامعة، حاولت أن تداري بسمتها المُعجبة به وهي تنظر بعيدًا ولكنه أقترب منها يمد لها يده برابطة عنقه وينظر لها كـ طفل لا يجيد ربط حذائه، ابتسمت وهي تنهض ممسكةً بها، تقول: 
أول مرة اعرف إنك مبتعرفش تربطها
ذهب خلفها نحو المرأة، وضعتها حول عنقه فأجابها: 
علشان مبحبش ألبسها اصلا. 
ابتسمت وهي تنظر ليديها حتي تربطها بشكلٍ جيد، دققت النظر فيها لتجد أنها تحوي زهورًا صغيرة تتماشي مع لون فستانها لا تظهر إلا حينما تركز بصرك عليها حادت ببصرها نحو جيب البذلة لتري منديلًا حريريًا يحمل اللون ذاته، لم تتمكن من وأد ابتسامتها وهي ترفع عينيها له، ما أن رأته يبتسم حتي تحولت بسمتها لضحكة مرتفعة وهي تنهي عملها في رابطة عنقه، هتفت بضحكة واسعة: 
أنت عامل ماتيشنج معايا؟! 
حك عنقه بحرج وهو يهز رأسه بالإيجاب، ظل كلاهما ينظران لبعضهما بإبتسامة بسيطة هادئة، لحظات صفائهما نادرة و ثمينة للغاية قطعها و هو يخرج من جيب سترته علبة مستطيلة، مد يده بها لها ابتسمت وهي تفتحها، ضحكت بسعادة وقد أدمعت عيناها وهي تخرجها وتنظر لها كانت تحمل عصفورًا صغيرًا حوله زهور حمراء، همس بقوله: 
ده النمنمة، طائر النمنمة. 
مدت كفها له بالقلادة، فألتقطها منها، أولته ظهرها وهي تنظر بالمرأة وهتفت: 
يلا لبسهالي. 
أنهي غلقها و نظر لأنعكاسهما بالمرأة، وضعت يدها فوقها وهتفت:  
حلوة أوي يا طه،حلوة أوي أوي، دي أحلي هدية جاتلي في حياتي. 
أدارها لتنظر له، قال وهو يتفحص كل جزءٍ بملامحها: 
أنتِ اللي حلوة أوي يا آية، حلوة بكل تفاصيلك. 
ابتسمت بخجل طردته وهي تسأله بمراوغة: 
الهدية الحلوة أوي دي بقي أعتذار عن إيه؟ 
ابتسم و هو يضيق بين حاجبيه مفكرًا:
شوفي أنتِ عايزة توظفيها في أنهي خناقة بينا! 
ضحكت برفض قائلة: 
لا مينفعش أنت اللي تقول. 
تنهد وهو يضع كفه فوق وجنتها قائلًا: 
نمشيها إعتذار عن اللي حصل أمبارح، و اللي حصل أول يوم لما جبتك هنا و عملنا مناظرة علي مين فينا عيل. 
ضحكت وبادلها هو الضحك، هزت رأسها بموافقة، ولكنها سألته:    
طب و اللي قبل ما نيجي هنا؟ 
مال يطبع قُبلة فوق وجنتها قائلًا: 
كل شيء بأوانه يا آية.  
كانت تشعر و كأن طائر النمنمة المُعلق في قلادتها يُغرد الأن بين ضلوعها، لم تجروء علي النظر لوجهه و عفاها هو من هذا الحرج فجذبها بين ذراعيه يحتضنها، وقد عزم أمره بأن يصارحها بكل ما حدث في حياته قبل زواجهما بعد الاطمئنان علي اخته، إن كان هذا السر هو ما ينغص عليهما حياتهم فليبح به و بالتأكيد هي ستغفر له، بالتأكيد ستتمسك به
ارتفع طرق والدته فوق الباب تعاجله بقولها: 
يلا يا طه أهل العريس و صلوا. 
خرجت من بين ذراعيه وهي تنقل بصرها في كل مكان تنهد كليهما وهمس هو: 
أنا هنزل علشان الناس تحت، و أنتِ روحي عند شهد. ★***★***★***★***★***★***★***★***★***★
"بارك الله لكما و بارك عليكما و جمع بينكما في خير" 
تعالت صيحات التهليل من الشباب و الزغاريد من الفتيات و النساء نهض أمير يحتضن والد زوجته و رفيقه العزيز، بينما كانت عيناه علي شهد التي توالت عليها المباركات لا تستطيع الوصول إليه، حتي هتفت فيهن بضجر و صوت خفيض: 
ما خلاص بقي يا جدعان، عايزة أحضن الواد جوزي. 
ضحكن جميعًا و افسحن لها المجال وقف أمامها و قد مد يده لها يصافحها، صافحته مبتسمة وهي تتحدث بضيق: 
إيه يا باشا فين حضن كتب الكتاب؟
اقترب منها اكثر ومال يهمس بأذنها قائلًا: 
أنتِ مش شايفة الرُتب اللي حوالينا دي كلها المكان كله مُحاصر
امرته بنفس النبرة: 
أمير و الله لو ما حضنتني هنكد عليك شهر العسل كله. 
عند هذه النقطة حمحم و أحاطها بذراعيه محتضنًا إياها فعادت الزغاريد من جديد تملاء المكان حملها و دار بها وسط اجواء يعمها الفرح
كان قد تحرك من بين الزحام و وقف جوارها، لكنها كانت تراقب هذا المشهد المُفعم بالمحبة و المودة بين شهد و أمير، كان يحيطها بنظراته قبل عيناه، ولم تنتبه لهذا الواقف يراقبها حتي حمحم بهدوء فنظرت له مبتسمة وقالت تمازحه: 
ألف مبروك لشهد، عقبالك.
أجابها وهو يهز رأسه: 
الله يبارك فيكِ، إيه…
ضحكت علي ردة فعله ومن ثم صاحت في الفتيات حتي ينتقل هذا الجمع للأعلي بالمكان المخصص للأحتفال و بالفعل صعد الجميع للأعلي و هي بالأخير حتي سمعت إحداهن تنادِيه بغنج قائلة: 
طه إزيك Miss You So Much. 
اختفت ابتسامتها وهي تدير رأسها للخلف تنظر لهما هبطت درجات السلم مسرعة تقف جواره و قد امسكت يدها الممدودة لمصافحته قائلة بتكلف: 
أهلا يا مدام، اتفضلي البنات طلعوا فوق مش هنا
امتعضت ملامح الفتاة وهي ترد: 
مين دي اللي مدام، أنا أنسة علي فكرة! 
أمسكت بذراع طه وهي تجيبها بلا اهتمام: 
مش فارقة، تعال معايا يا طه عايزة اقولك حاجة. 
اصطنعت أنها تجذبه حتي رحت تلك الفتاة للأعلي بضيق، نفضت ذراعه وهي تنظر له بغضب مقلدةً تلك الفتاة: 
إزيك يا طه Miss You نيننيني، عيلة صفرا، مين دي؟
هز كتفيه دلاله علي عدم معرفته: 
واحدة. 
استشاطت غضبًا وهي تردد: 
وحدة! أنت بتهرج واحدة هتيجي تقولك وحشتني يا بيبي
ابتسم معلقًا: 
مقالتش يا بيبي علي فكرة
زمجرت بغيرة: 
قالت زفت علي دماغها، تكلمك كده ليه اصلا؟ 
كان يبدو مستمتعًا للغاية فأجابها: 
و أنا مالي هو أنا اللي قولت، روحي أساليها هي. 
هزت رأسها برفض؟ 
طالما أنت مديها ريق حلو، لازم تقولك كده. 
ردد ضاحكًا: 
ريق حلو، أنا برضو بتاع الكلام ده، ده أنتِ ادري واحدة طيب
أمسك كفها يربت فوقها مكملًا: 
مش بخونك متقلقيش. 
جذبت كفها وهي تردد: 
مش قلقانة، متقدرش تعمل كده أصلا علشان لو بس فكرت والله ممكن أخلص عليك وعليها. 
نظر لقلادتها مبتسمًا ثم نظر لها قائلا بهدوء: 
اللي معاه الغالي ميبصش للرخيص حتي لو جه لتحت رجليه
★***★***★***★***★***★***★***★***★***★
انقضت الليلة سريعًا وغادر الجميع بعد أن أخذ أمير شهد بصحبته لتناول طعام العشاء سويًا بالخارج، عادت لغرفتها وما أن رأت الفراش إلا و ارتمت عليه بإرهاق شديد نظرت للسقف بتعب قائلة: 
نريح خمسة كده و أقوم اغير، علشان اللي فات تسخين و اللي جاي الفرح. 
★***★***★***★***★***★***★***★***★***★

في أحد أكبر القاعات النيلية اجتمعت عائلة العروسين و جمع كبير من الضباط و المناصب العُليا في حفل راقي من يراه يظنه خرج من أحد الأساطير القديمة
وعلي منصة الرقص وقف العروسين يرقصان بمفردهما بينما علي الجانب الأخر كان يبحث هو عن زوجته بقلق، اختفت من بين الجموع منذ نصف الساعة يبحث عنها ولا يجدها

تقدم نحو والدته يسألها فأجابته: 
قالت مخنوقة ومصدعة، ممكن تكون خرجت بره بعيد عن الدوشة و جاية. 
ما قالته والدته اشعل الفزع بقلبه، خشي ان يصيبها مكروه دقيقتان وكان يقف في مدخل القاعة يتطلع يمينًا ويسارًا بقلق، حتي نظر امامه، للجه الأخري من الطريق، كانت تقف بمفردها و توليه ظهرها، عبر مسرعًا نحوها ولا زال القلق ينهشه، ما أن وقف خلفها ختي جذبها من ذراعها يتفحصها، قائلًا: 
أنتِ كويسة، إيه اللي خرجك من القاعة وحدك، وليه مقولتيش. 
لاحظت يده التي يمررها فوق رقبتها بقلق، وكأنه لازال محجوزًا في تلك الليلة، ابتسمت بسخرية قائلة: 
طه فوق، أنا آية، مش نانسي. 
تصنع عدم الفهم بقوله: 
نانسي مين؟ 
نفضت ذراعيه وهي تهم لعبور الطريق عقب قولها
نانسي اللي أنت قتلتها. 
لم تنتبه لتلك السيارة القادمة بمحاذاتها صرخت بفزع وهي تري السيارة قادمة نحوها باقصي سرعتها، لم تشعر بشيء بعدها، ولكنها رأها، رأها وهي تصدمها وتُطيح بها أرضًا غارقة بدمائها وفاقدة للوعي ولا يملاء الأجواء سوي صخب الخفل في الجهة المقابلة وفي هذه الجهة صوته وهو يصرخ بإسمها

آية

أيعيش الكابوس مرتين؟ لكن هل سيتحمل هذا الكابوس كما تحمل السابق، لا يعلم، لكن ما يعلمه أن فؤاده هو الذي سقط أسفل إطارات هذه السيارة. 

طائئر_النمنمة
ملك_العارف

مش قولتوا لازم يتربي؟ ألف ألف مبروك جبتله تروما اهو😂😂😂😂

 •تابع الفصل التالي "رواية طائر النمنمة" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent