رواية حب رحيم الفصل الثامن و الأربعون 48 - بقلم سمر عمر
المشهد 48 " نبضَ قلبي.."
اذكروا الله يا جماعة الخير 💙💙..
" المشهد 48.."
" نبضَ قلبي.."
انتابته حالة من الذهول والصدمة كما هلع قلبة بنبضاته التي تؤلمه.. وفجأة شعر بأنه توقف عن النبض.. بالفعل يشعر بخلائه.. سحب الهاتف عن آذنه يحدق في الفراغ بعينين زائغتين بدموع الصدمة.. بعدها أطرق عيناه حيث يجد الطعام أعلى سطح المكتب ومسك رافعاً إياه كي يتطلع إليه عن قرب.. ثم تركه يسقط من بين قبضة يده متوعدًا للذي أرسله بأيامً من جحيم.. بل سيكون جزءً من الجحيم..
أسرع إلى الباب وخرج من الغرفة بل من الشركة بالكامل من ثم استقل سيارته وغادر إلى المشفى بأقصى سرعة.. كان يتخطى السيارات كالمجنون دون أن يكترث بما سيصيبه إذا اخطأ في القيادة..
عند وصوله صف السيارة صف ثاني.. وترجل راكضًا إلى الداخل لكن أوقفه الركين طالبًا منه أن يصف السيارة في المكان الصحيح.. ترك له المفتاح كي يفعل ما يشاء وتابع الركض.. وقف عند الاستقبال يسأل عنها ليرشده بمكان الغرفة فصعد إلى الطابق المنشود بواسطة الدرج..
ركض في الأروقة حتى وصل إلى الغرفة ووقف يلهث بصوت مسموع جاعلًا من صدره يعلوا ويهبط.. نظرا الشباب إليه وتقدمت التي تدعى أميرة نحوه ووقفت قائلة بحزن :
-لسه خارجة من العمليات والحمد لله جت سليمة
كانت عيناه على الغرفة بل عقله في مكان آخر حتى لم ينتبه إلى حديثها.. واخذته قدماه إلى الغرفة ودخل بهدوء ليجد الطبيب يثبت الحقنه داخل إحدى أوردة ظهر يدها.. وقف هو عند مقدمة الفراش يتطلع إليها بألم واضح على كل خلجة من خلجات وجهه وكأن قلبه هو المريض بالفعل.. بعد أن انتهى الطبيب التفت ليراه فتساءل :
-حضرتك مين؟
حرك سوداويته التي تعلوها الألم إليه وتحدث بصوت مبحوح أطلقت الحنجرة صراحه بصعوبة :
-أنا جوزها
تقدم الطبيب إليه ووقف إلى جواره ليتحدث معه بهدوء :
-أتكتب لها عُمر جديد..
نظر إليها ثانية وقد هبطت دموعه الساخنة على وجنتيه رغمـًا عنه وهو يستمع إلى حديث الطبيب :
-هي أفرغت الاكل وده السبب في انقذها.. والحمد لله أحمد ربنا
تمتم :
-الحمد لله.. الحمد لله
-عملتلها غسيل معده وبإذن تقوم بألف سلامة
-الله يسلمك.. شكرا
ربت على كتفه وخرج واتبعته الممرضة مغلقه الباب خلفها.. سحب مقعدًا وضعه إلى جوار الفراش وجلس عليه وهو يمسح الدموع عن وجنتيه.. ثم نظر إليها ومسك كفها برفق وانحنى برأسه كي يطبق شفتيه عليه بقبلة حانيه استمرت للحظات ثم رفع رأسه لينظر إليها بحزن احتل عينيه..
دق الباب ودخلت كلا من أميرة وسكرتيرته للاطمئنان عليها.. وقفا إلى جوار الفراش من الجانب الآخر ينظرون إليها بحزن ثم تحدثت سكرتيرته :
-الف سلامة عليها مستر رحيم بإذن الله تقوم بالسلامة
رحيم بنبرة ضيق :
-الله يسلمك.. ممكن اعرف ايه اللي حصل؟
-التسمم اكيد جالها من الاكل اللي حضرتك بعته
عقد بين حاجبيه وهم أن يتحدث لكن تحدثت اميره بحنق :
-حضرتك لازم تقدم بلاغ في صاحب المطعم
-أول ما قولتي أن ندى جالها تسمم عرفت انه من الكريب.. لكن أنا مابعتش أكل لندى
نظروا إلى بعض في صدمة لتعود السكرتيرة بالنظر إليه في دهشة قائلة :
-ازاي ده في واحد جه وقالي الطلب ده من استاذ رحيم للأستاذة ندى
أومأ برأسه بتفهم وقال بحسم :
-اتفضلوا أنتو
نظروا إلى ندى في حزن واضح ثم غادرا الغرفة.. استند بمرفقيه إلى الفراش محتضنًا كفها بين راحتي يديه وتحدث بضيق مع كل حرف يخرج من بين شفتيه يقطع صدره إلى أشلاء :
-أكيد كنتِ بتتصلي علشان تسألي بعتلك اكل ليه؟.. أسف يا اللي قلبي حته منك
قبلها على كفها عدة مرات ثم تركه برفق واستند بظهره إلى المقعد.. مضى الوقت ببطء شديد في انتظار استيقاظها لكنها مازالت نائمة كأنها داخل غيبوبة.. صدح صوت الهاتف داخل جيب سرواله فأخرجه ليرى شاشته تضيء باسم والدته.. أجاب عليها بنبرة اهلكها الحزن :
-خير يا أمي؟
-خير يا حبيبي بإذن الله.. برن على ندى مش بترد وآسيا بتعيط عايزاها وولادك مش راضين يتغدوا غير لما تيجي.. هي هتغيب في الشغل؟
مسح على وجهه يتنهد تهنيده حارقة وقال بهدوء على عكس ما يشعر به :
-حاولي تقنعيهم يتغدوا علشان ندى مش جايه دلوقت
شعرت بأن ثمة شيء يُخفيه عنها لكونها تعلم ابنها جيدًا وتقرأ حزنه من صوته وتساءلت في توجس :
-فيه حاجة يا رحيم؟.. صوتك مالوا؟
-أبدًا مفيش حاجة
-طيب فين ندى هي معاك؟!
تساءلت في شك لينظر هو إلي ندى بحزن وهم أن يتحدث لكنه تفاجئ بدخول الطبيب يلقى السلام عليه وخلفه اثنان من الممرضين فقال على الفور :
-هكلمك تاني يا أمي.. سلام دلوقت
أنهى معها المكالمة سريعًا لتتأكد من شعورها القاسي.. أما رحيم فنهض عن المقعد يتطلع إلى الطبيب بلهفة وهو يتفقد حالة زوجته.. بعدها أمرها بأخذها إلى العناية المركزة.. تساءل بنبرة قلق واضحة :
-ليه يا دكتور؟
-ماتقلقش العناية أفضل لها بكتير.. انا قولت لو مافقتش في خلال ساعتين ننقلها في غرفة العناية
بدأ قلبه يخفق بشدة ناظرًا إليها ويسأل الله سرًا أن يشفيها عاجلًا.. قاما بسحب الفراش الخاص بها إلى حيث غرفة العناية وهو يمضي بجوار الفراش ماسكًا بكفها بشدة.. لكنه ترك كفها رغمًا عنه عندما ادخلوها إلى الغرفة.. هبطت دماء قلبه كدموع على وجنتيه وكأنهم نزعوا قلبه من بين أضلاعه.. وبعد نصف ساعة من وقوفه جلس على المقعد بإرهاق..
" بعد مدة من الزمن.."
جاء الطبيب إليه وحاول إقناعه أن يغادر فلا داع لوجوده هنا لكنه لم يستمع إليه.. تركه على حريته وغادر فأخذ الأخير يحرك قدمه اليمنى في قلق وتوتر.. صدح صوت الهاتف فأخرجه من جيب سرواله وفتح المكالمة ووضع الهاتف على آذنه ليستمع إلى كلمات والدته بنبرة صوتها المتوترة..
-رحيم انتوا فين يا بني طمني؟
تنهد بصوت منخفض ورد بنبرة مهلكة :
-ندى جالها تسمم وهي في المستشفى
فلتت شهقة من بين شفتيها فقد فزع قلبها وتساءلت بحزن :
-وهي عاملة ايه؟
-في العناية يا أمي.. ادعي لها.. من غيرها هموت..
لم يستطع متابعة الحديث بفضل دموعه المؤلمة فتركها تهبط على وجنتيه بغزارة حتى لا تشعره بالاختناق وتابع بنبرة مؤلمة :
-هي أساس كل شيء في حياتي.. أماني وحمايتي وضهري وسندي.. ندى بالنسبة ليا الحياة..
استند بجبينه على يده الأخرى يبكي بقهر :
-يارتني أنا مكانها
تأثرت من حديثه وقد تركت العنان لدموعها تحتل وجنتيها بغزارة وقالت بنبرة ضيق :
-خلي ثقتك في الله كبيرة.. خليك قوي وصلي وادعيلها يا بني
-وأجيب منين القوة ومصدر قوتي مش موجود
-لا حول ولا قوة إلا بالله..
ثم أردفت :
-الولاد رافضين الاكل ومستنين ندى مش عارفه اقولهم ايه
رفع رأسه عن يده يمسح دموعه قائلاً :
-اتكلمي معاهم بهدوء وقولي لهم أي حجة
-حاضر يا بني.. طمني عليها كل شوية انا مش هنام
***
" القصر.."
هبطت رنا الدرج وهي تستمع إلى آخر كلمات والدتها.. فتقدمت نحوها وهي تسأل باهتمام :
-مين يطمنك على مين؟
ثم جلست على المقعد المجاور للأريكة فيما هي أجابت بحزن :
-ندى جالها تسمم وفي العناية المركزة
-ايه؟!.. تسمم من أي؟!
تساءلت في دهشة فأدارت وجهها إليها تقول في حيرة :
-مش عارفه.. يمكن كلت حاجة مش نضيفه..
ثم أردفت :
-المهم اطلعي لولاد اخوكي قولي لهم أي حجة خليهم يتغدوا وشوفي آسيا صحيت ولا لسه نايمة
أومأت بالإيجاب ونهضت متجه إلى الدرج من ثم صعدت إلى الطابق العلوي.. حاولت إقناع أشرقت بتناول الغداء لكنها رفضت بشدة ودثرت نفسها بالفراش.. سأمت رنا من المحاولات التي فشلت وتركتها وذهبت إلى ريان..
فتحت الباب ووقفت عند العتبة تنظر إليه فأدار رأسه ناحيتها بخفيه فقالت مبتسمة :
-حبيبي ندى كلمتني وقالتلي قولي لريان يتغدى انا هتأخر في الشغل
-اوكي هستناها لما ترجع
رنا بحنق :
-قولتلك هتتاخر.. اسمع الكلام يا ريان
-مش هاكل غصب عني
ثم وضع رأسه على الوسادة فزفرت بسأم ثم ابتسمت مضطرة وهمست وهي تتقدم نحوه :
-كنت نسيت التعامل مع الأطفال..
جلست إلى جواره ومسحت على ذراعه برفق فأبعد ذراعه عنها فقالت بهدوء :
-ريان هي قلة الاكل يعني هتجبلك ندى
-أنتِ عارفه انا باكل ايه؟!
-يعني ايه بتاكل ايه؟
تساءلت في تعجب فتحدث بحده طفولية :
-مامي بقى تعرف ومش هاكل غير لما تيجي
نفذ صبرها حقًا واندفعت بحنق شديد :
-أيه أمور الدلع دي.. حالا تقوم تاكل انت فاهم ولا لاء
نهض عن الفراش يرتدي حذاءه المنزلي فابتسمت بانتصار لكونها ظنت أنه استمع إلى حديثها.. لكنه خيب ظنها واتجه إلى الخارج وهو يتحدث بصوت عال :
-لاء مش فاهم ومش وهاكل دلوقت
حملقت في الفراغ بوجه محتقن من ذلك المتعجرف الصغير ثم لحقت به.. فيما استمعت نجلاء إلى صوت ريان فنظرت إليه وهو يهبط الدرج مسرعًا ثم خرج إلى الحديقة.. هبطت الأخيرة الدرج فتساءلت والدتها في دهشة :
-ايه اللي حصل؟
-الواد ده ماشفش يوم تربية.. ودي آخرة دلع رحيم فيه
استمع إلى حديثها وهو يقف في الخارج ودخل ينظر إليها بتحدي قائلاً :
-أنا متربي على فكرة
نظرت إليه في تعجب لترى رحيم به وكأن شقيقها الذي يقف أمامها وليس ابنه.. تذكرته عندما كان بعمره.. ذات نظرات الغضب وقبضة يده الصغيرة وذات عقدة الحاجب.. أشاحت بوجهها بعيدا وتحدثت بتهكم :
-أنا عمتك وغصب عنك لازم تحترمني
جز أسنانه يصدر صوتًا يدل على مدى غضبه ثم ركض إلى جدته وجلس إلى جوارها قائلاً :
-عايز اكلم بابي..
مدت يدها صوب شعره لكنه تراجع برأسه وكرر حديثه ثانية.. فتناولت الهاتف واتصلت برحيم.. مد يده الصغيرة قائلاً :
-عايز اكلمه
-اهدى يا حبيبي لما يرد بس
أجاب رحيم بعد لحظات فقالت بهدوء :
-رحيم ممكن تيجي علشان الولاد
رحيم بنبرة شك :
-حصل حاجة؟!
-لاء بس ريان زعلان وبيسأل عليك وعلى ندى
-ممكن اكلمه!
أعطت له الهاتف فوضعه على آذنه وتحدث بنبرة ترجي :
-أرجوك يا بابي تعالى انت وندى
-حاضر يا حبيبي هجيلك
-هستناك بره لحد ما ترجع
ثم أعطى الهاتف إلى جدته وركض إلى الباب.. أخذت تناديه لكنه لم يهتم فتساءل رحيم في توجس :
-فيه حاجة حصلت ضايقت ريان
نظرت إليه وهو يفتح الباب ويخرج بعدها أخذت ترمي رنا بنظرة أن تلحق بابن شقيقها وهي تقول :
-ابدا هو بس عايزكم
أخبرها بأنه سيأتي وأنهى المكالمة في حين جلست رنا على المقعد المجاور للأريكة فقالت والدتها بحنق :
-اطلعي شوفي ريان يا بنتي
-لاء خليه لحد ما يحس بغلطة ويجي يعتذر
-هتعملي عقلك بعقل طفل.. يا بنتي اطلعي انا رجلي بتوجعني ومش هقدر امشي
زفرت بقوة ونهضت متجه إلى الخارج ووقفت عند الباب لتراه يجلس على الدرج في انتظار والده.. عادت إلى المقعد ثانية وقالت بسأم :
-قاعد بره وانا مش هلح عليه علشان أستاذ ريان يدخل
-لا حول ولا قوة إلا بالله
" بعد مدة من الزمن.."
وصل إلى المنزل وصف السيارة أمام البوابة.. فنهض ريان على الفور فيما ترجل رحيم على الفور وحمل ابنه يحتضنه في قلق متسائلاً :
-أنت قاعد هنا ليه؟
-مستنيكم..
أخذ يتطلع إلى السيارة وتساءل في حزن :
-مامي فين؟!
دلف إلى الداخل مغلقاً الباب خلفه وهو يقول بهدوء مصطنع :
-هتقعد عند نانا اليومين دول علشان تعبانه شوية
-نروح لها
-لاء يا حبيبي مش هينفع
ثم قبله على وجنته وجلس على المقعد المجاور إلى الاريكة واضعًا إياه بين قدميه ينظر إلى والدته بحده قائلاً :
-ليه سايبين ريان يقعد بره؟!
-ناديته كتير يا بني ومفيش فايدة.. ريان ممكن تاكل بقى
أومأ بالنفي فمسح على شعره بلطف قائلاً :
-أنا هاكل معاك.. يلا نادي على أشرقت
-لكن يا بابي..
قطع حبل كلماته بابتسامة مزيفه :
-ندى هتزعل جدا لو مأكلتش.. وهي نسيت تلفونها معايا يعني مش هنعرف نكلمها
عقد بين حاجبيه في تذمر ثم ركض إلى الدرج من ثم صعد إلى الطابق العلوي.. تساءلت نجلاء بصوت منخفض :
-طمني ندى عاملة ايه؟!
-لسه في العناية
رفعت يديها تدعوا الله من أعماق قلبها أن يشفيها ويعفوا عنها.. تألم قلبه كثيراً لكونه تركها وعاد إلى المنزل ويشعر بالخوف الشديد من أن يستيقظ على فاجعة فراقها.. أغمض عيناه عنوة محاولا إخراج أفكار الشيطان تلك من رأسه..
عاد ريان إليه ومعه أشرقت فاحتضنهم بشدة وتساءل بهدوء :
-آسيا فين؟
أجابت أشرقت :
-نايمة يا بابي
مسك بأيديهم ونهض متجهًا إلى المطبخ من ثم دلفا إلى الداخل.. بعد ذلك بدأ في تحضير الطعام ووضعه أعلى المنضدة وبعد لحظات جاءت السيدة وفيه وقالت :
-خليك يا بني انا هحضر الاكل..
نظر إليها دون وعي فهو معهم جسد فقط ثم جلس على المقعد.. فبدأت في تسخين الطعام من جديد وقالت بحزن :
-حاولت اقنع الاولاد يتغدوا رفضوا وماردتش اضغط عليهم
اومأ برأسه فقط فبدأت هي بوضع أطباق الطعام أعلى الطاولة ثم تركتهم وغادرت.. تناول الإثنان طعامهم بينما هو يتطلع إلى الفراغ في صمت.. ولم يتناول حتى الماء..
عقب انتهائهم أخذوهم إلى الطابق العلوي واطمئن على آسيا وقبلها على جانب رأسها برفق.. ودثرت أشرقت نفسها في الفراش فقبلها على رأسها هي الأخرى ثم ذهب إلى غرفة ريان.. جلس على حافة الفراش يمسح على شعره برفق وبعد لحظات من الصمت تحدث ريان معه وقص عليه ما حدث بينه وبين عمته..
تنهد بصوت مسموع وتحدث بهدوء :
-ريان هي عمتك يا حبيبي ولازم تحترمها
-بس هي بتتكلم معايا بقسوة.. وبتجبرني على حاجة مش عايزها
-حصل خير يا حبيبي.. نام دلوقت وبكرا نتكلم
أومأ بالإيجاب فقبله على رأسه برفق وأخذ يمسح على شعره حتى ذهب الصغير إلى النوم.. نهض عن الفراش برفق وخرج مغلقاً الباب خلفه بهدوء.. كانت رنا تخرج من غرفتها وبمجرد أن رأت شقيقها تقدمت نحوه متسائلة :
-رحيم ندى عاملة ايه؟
التفت إليها وقال بحنق :
-الحمد لله.. مش تتعاملي مع ريان بهدوء يا رنا
-أه هو بقى اشتكى لك.. والله هو لو كان اتكلم معايا باحترام كنت اتعاملت معاه بهدوء
-شوفي أنا فيا اللي مكفيني علشان كده مش هتناقش معاكِ.. لكن مالكيش دعوه بولادي يا رنا
ثم تركها واتجه إلى الجناح الخاص به فزفرت بسأم وتابعت السير إلى الدرج.. وقف هو أمام الباب وشعر بالاختناق المفاجئ ثم دلف إلى الداخل وأضاء المصباح الكبير وأغلق الباب بظهره.. نظر حوله بعينين لامعتين بدموع الألم وبدماء قلبه الذي يشعر بنزيفه.. ثم اتجه إلى الاريكة وجلس عليها.. فلم يستطع أن يمدد على الفراش ورفيقة قلبه ليست بجانبه.. شعر بأنه سيجن حقًا وترك العنان لدموعه تمليء وجنتيه..
-يا رب أنا ماليش غيرها.. يا رب أجعل يومي قبل يومها
نهض عن الاريكة ودلف إلى المرحاض كي يتوضأ وخرج ليصلي وعقب انتهائه ظل مكانه يدعوا الله من أعماق روحه قبل قلبه ويلح بالدعاء كثيراً
***
" صباح اليوم التالي.."
لم ينم طوال الليل وعند الساعة التاسعة والنصف صباحاً بدل ثيابه وخرج من الغرفة.. ودخل غرفة ابنتيه لم يجد أيا منهم وأيضًا ريان.. هبط إلى الطابق السفلي واستمع إلى صوتهم يأتي من غرفة الطعام.. فاتجه إليها ووقف عند الباب ليجد الجميع حول مائدة الطعام عدا شقيقته.. رأته والدته فقالت بحزن :
-تعالى أفطر يا بني أنت على فطارك من امبارح
نظروا إليه وبمجرد أن رأته آسيا رفعت ذراعيها إليه تناديه بنبرة بكاء.. هم أن يتقدم نحوها لكنه استمع إلى ضحكات رنا العالية وهي تدخل الغرفة من الباب المفتوح على الحديقة ثم أنهت المكالمة مع صديقتها.. تحدث بصوت عنيف :
-تصدقي انك ماعندكيش دم
رفعت رأسها إليه بلهفة متسائلة :
-أنا؟
-فيه غيرك؟
رنا بامتعاض :
-ليه بقى إن شاء الله
ردت نجلاء بحده بدلا من ابنها :
-مافيش داعي للضحك والكلام الفاضي ده.. وانتِ فاهمة اقصد ايه مش عايزين نوضح
شعرت بالغضب الشديد لكونهم يوبخونها بحده بمجرد ان ضحكت مع صديقتها فقط ووجدت نفسها تقول دون وعي :
-والله لما تبقى تموت ابقوا امنعونا من الضحك
حدقت والدتها بها في ذهول في حين نظرا الجميع إليها بعدم فهم.. لكن تلك الكلمة كانت ليس هينه على رحيم بل كانت بمثابة مجموعة من الأسهم السامة اخترقت قلبه دفعة واحده أوقفته عن النبض.. جز أسنانه عنوة حتى كاد أن يكسرهما ووجد نفسه يحمل مقعدًا وقذف به على الأرض ودفع بعض زجاجات المياه في الحائط كي تنكسر إلى قطع زجاجات صغيرة.. فصرخت كلا من زهراء وأشرقت وبدأت آسيا تبكي بهستيريا وهو يقول بعنف :
-أطلعي بره البيت ده حالا
خرجت إلى الحديقة على الفور فقد حقًا شعرت بالخوف من نظرات شقيقها.. أخذ يلتقط أنفاسه بصوت مسموع جاعله من صدره يعلوا ويهبط بشدة.. في حين نظر ريان إلى والده في شك وتساءل بضيق :
-تقصد مين لما تبقى تموت؟
لم ينظر إليه وخرج دون أن يتفوه بكلمة فيما أسرعت زهره إلى آسيا وحملتها من ثم خرجت بها إلى الحديقة كي تحاول اسكاتها..
-هي مامي تعبانه؟
تساءلت أشرقت في حزن واضح فردت جدتها بنبرة خنيقة بفضل الدموع التي تحاول السيطرة عليها :
-لاء يا حبيبتي
-امال تقصد مين بالموت؟
تساءل ريان بحنق فاستندت بجبينها على قبضتي يديها لم تستطيع أن تُجيب إليه.. لينظروا إلى بعض في دهشة وقد علم ريان أن ندى مريضة ولا أحد يريد إخباره
***
" المشفى.."
ذهب إلى الطبيب كي يطمئن عليها وأخبره بأن حالتها مستقرة وتم نقلها إلى غرفة خاصة.. بعد أن أنهى حديثه معه استأذن وذهب إلى تلك الغرفة ودخل كي يطمئن عليها بنفسه.. جلس على المقعد المجاور إلى الفراش وضع كفها بين راحتي يديه يتطلع إليها بعينين لامعتين من الدموع.. ثم أطبق شفتيه على ظهر يدها مغمض عيناه لتهبط دموعه الساخنة على كفها..
-دموعك غاليه قوي
قالت كلماتها بوهن عندما شعرت بدموعه على كف يدها.. رفع رأسه إليها بلهفة ونهض عن المقعد وبيده يمسح على شعرها برفق قائلاً :
-ندى يا روحي
فتحت عينيها لتنظر إليه بوهن ليشعر بنبضات قلبه من جديد فقد نبضَ قلبه بمجرد أن رأت سوداويته وجهة قهوته.. وابتسم بالفعل فقد عادت روحه إلى بدنه من جديد بل انكتب له عُمر جديد معها.. قبلها على جبينها بحنان شديد ثم نظر إليها بلهفة وتحدث بجديه :
-كنت ميت من غيرك يا روحي.. ندى أنتِ فعلاً أغلى من روحي.. ربنا يخليكِ ليا
-بعيد الشر عليك.. ربنا يخليك ليا
أخذ يتحدث معها باشتياق كأنه لم يتحدث معها منذ قرن.. كما أنه يتأملها بتمعن شديد فحقًا مشتاقة العيون إلى ملامحها الهادئة التي تهدأ من نبضات قلبه..
دق الباب فآذن بالدخول لتدخل أميرة حاملة باقة ورد وقالت مبتسمه :
-حمد الله على سلامتك أستاذة ندى
ثم وضعت الورد على المنضدة المجاورة إلى الفراش في حين قالت ندى بهدوء :
-الله يسلمك يا أميرة
مدت يدها بالحقيبة قائلة :
-شنطتك وفيها كل حاجتك
أخذتها وهي تشكرها بامتنان ثم فتحت السحابة وأخرجت الهاتف وتفقدت جميع المكالمات وقالت مبتسمة :
-جميلة رنت عليه النهاردة اكتر من عشرين مرة
قبل أن تكمل حديثها صدح هاتف رحيم فأخرجة من جيب سرواله ليرى شاشته تضيء باسم شقيقه.. أجاب عليه وبعد تبادل السلام بينهم تساءل :
-ندى فين يا رحيم؟!.. جميلة كلمتني وبتسأل عليها
نظر إلى زوجته الحبيبة وقال مبتسما :
-دكتوره جميلة بقت بتوصل لندى عن طريقك..
نظرت ندى إليه بلهفة في تعجب في حين نهض رحيم عن مقعده قائلا :
-تعالي اقعدي يا أستاذه
-لاء اتفضل يا مستر انا هقعد على الكنبه
في حين قال علاء بثقه :
-طبعاً.. هو اخوك شوية ولا ايه
ضحك ضحكة خفيفة وأشار إلى المقعد عازمًا عليها بالجلوس بإصرار وجلس هو على الاريكة قائلاً :
-ربنا يوفقكم
جلست أميرة على المقعد وقالت بهدوء موجه حديثها إلى ندى :
-مش تاخدي بالك من الاكل قبل ما تاكلي
نظرت إليها للحظات من التعجب وقد تذكرت ذلك الطعام قائله :
-الحمد لله جت سليمة
ثم نظرت إلى رحيم الذي يخبر شقيقه بعنوان المشفى ثم أنهى معه المكالمة ونظر إليها قائلاً :
-دكتورة جميلة كلمت علاء علشان تطمن عليكِ
أومأت بتفهم ثم تساءلت في تعجب :
-رحيم أنت ليه بعتلي أكل؟!
-أنا مابعتش اكل يا ندى.. الحمد لله يا حبيبي عدت على خير
حملقت به في دهشة متمتمه :
-يعني كان فيه حد قاصد يقتلني.. طيب ليه؟
نهض عن الاريكة متجه نحوها ووقف يمسح على شعرها برفق وقال بعد أن قبلها على رأسها بحنان :
-بعدين نتكلم.. عايزك ماتفكريش في أي حاجة.. نص ساعه وهجيلك تاني
قبلها ثانية على رأسها وأوصى أميرة عليها ثم خرج متجهًا إلى غرفة الطبيب.. لكنه تقابل معه في الردهة ووقف في مواجهته متسائلاً :
-قدمت بلاغ يا دكتور؟
-اه طبعًا والمحقق على وصول
-تمام بإذن الله نص ساعه وراجع
***
عند وصوله صف السيارة أمام البوابة الرئيسية وترجل مغلقا الباب خلفه واستند بظهره عليه يشعل سيجاره.. زفر دخانها بالهواء واتجه إلى الباب ووقف يدق جرس الباب.. فتحت الخادمة بعد لحظات فدخل قائلاً :
-جيجي موجودة؟!
قالت وهي تغلق الباب :
-اه اتفضل
-هستنى هنا
اتجهت هي إلى الدرج وصعدت إلى الطابق العلوي كي تخبرها بوجوده.. وقف هو يدخن سيجارته للحظات حتى جاءت وهبطت الدرج ثم تقدمت نحوه لتقف في مواجهته بثبات ومدت يدها إليه قائلة :
-اهلا يا رحيم
سحب السيجارة من بين شفتيه ينفث دخانها بالهواء وعيناه تطلع إليها بهدوء مرعب.. ثم قبض على معصم يدها وبدأ يطفئ السيجارة في راحة يدها.. جحظت عيناه وأخذت تحاول سحب يدها من قبضته وهي تتأوه بشدة قائلة :
-رحيم حرام عليك انت بتحرقني
مازال يتطلع إليها بذات الثبات والهدوء المرعب ثم سحب السيجارة وترك معصمها قائلاً :
-نار جهنم أقوى أضعاف أضعاف يمكن تتعظي
نظرت إليه عاقده بين حاجبيها وهي تشعر بألم الحرق البسيط هذا الذي لم تتحمله فقال بهدوء مرعب :
-أنتِ خلتيني أعيش يوم من الجحيم.. غفرت لك كتير قوي لكن ندى خط أحمر.. اللي يفكر بس يؤذيها ادفنه بالحيا.. لكن للأسف أنتِ ام أولادي وهسيب القانون هو اللي ياخد حقها منك
ابتلعت لعابها في توتر وتصنعت بأنها لم تفهم شيئًا قائلة :
-مش فاهمة انت تقصد ايه
فاجئها بصفعه قوية على وجنتها جعلت من رأسها تستدير إلى الجانب الآخر وقد فلتت صرخة من بين شفتيها ونظرت إليه في ذهول.. قبض على ذراعيها عنوة حتى غرزُت انامله بهما وتحدث بفحيح :
-مفيش غيرك اللي حاول يقتل ندى بالسم
جيجي برهبة واضحة :
-لاء طبعًا ماحصلش
-كدابه.. أنتِ مفيش غيرك
هبطت دموعها على وجنتيها بغزارة واندفعت قائلة :
-أيوه انا.. واحده خطفت مني بيتي وولادي وجوزي.. كنت أفضل اتفرج وماحولش اعمل حاجة
-وأنتِ فكرة اني ممكن كنت ارجعلك تاني.. أنتِ واحده شيطانه وعمري ما ندمت على حاجة قد ما ندمت على كل ثانية عشتها معاكِ
تركها بعنف ففقدت توازنها لتسقط على الأرض تبكي بندم يحرق قلبها حيث تابع بحده :
-اللي بيحصل فيكي حلال.. أنتِ اللي بعتيني انا وولادك علشان شغلك.. ولا شغلتي بالك بيهم ولا حتى سألتي.. طيب كنتِ فكري فيهم شويه اسألي مش يمكن حد فيهم حصله حاجة.. أنانيه وقلبك جامد.. ربنا يصبر الأطفال اللي امهم زيك
رفعت عينيها إليه تطلع إليه بنظرات مؤلمة.. رماها هو بنظرة اشمئزاز والتفت متجهًا إلى الباب وخرج مغلقا إياه خلفه بعنف.. احتضنت قدميها إلى صدرها وتعال صوت شهقات بكائها
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية حب رحيم) اسم الرواية