Ads by Google X

رواية الماسة المكسورة الفصل التاسع و الاربعون 49 - بقلم ليلة عادل

الصفحة الرئيسية

     

 رواية الماسة المكسورة الفصل التاسع و الاربعون 49 -  بقلم ليلة عادل

[ بعنوان نزيف القلب ]
قصر الراوي.

غرفة هبة وياسين.
المرحاض العاشرة صباحاً
نشاهد هبة تقف أمام المرآة، تحمل بيدها اختبار حمل، ودموع السعادة تملأ عينيها. أخيرًا تحقق حلمها، وهي تحمل جنينًا في أحشائها. تمرر يدها على بطنها بخجل وتبتسم. يسمع صوت حركة بالخارج، فتسرع إلى غرفة النوم لتجد ياسين يرتدي معطفه ويحضر حقيبته للسفر.
هبة: هتسافر؟
ياسين هز راسه بإيجاب: آه، خلاص. طيارتي كمان ساعتين.
تنظر له بتردد، وكأنها تريد أن تخبره شيئًا، لكنه منشغل بحزم أغراضه.
هبة تسالت بترقب: هتتأخر؟
ياسين: لا… يعني يومين، تلاتة، أسبوع بالكثير.
تدقق النظر في ملامحه، شعر بشيء من التردد. يلاحظ ارتباكها.
ياسين دقق النظر بها: إنتِ كويسة يا حبيبتي؟
هبة: أممم… طيب… أنا كنت بفكر أروح عند ماما لحد ما ترجع.
ياسين:، معلش خليكي هنا، عشان لو حصل أي حاجة.

تصمت للحظة ثم تومئ برأسها، وابتسامة باهتة ترتسم على شفتيها.
هبة: طيب.
يغادر ياسين الغرفة، بعد أن وضع قبله على جبينها
بينما تقف هبة وحيدة، تنظر إلى بطنها بيدها المرتعشة، وكأنها تحمل سرًا كبيرًا ينتظر اللحظة المناسبة للبوح به.
المستشفى، الساعة 12م
الاستراحة
كان يجلس عزت، الذي بدا عليه الحزن والضيق والإرهاق، وطه وفريدة وابراهيم ورشدي وفايزة، يجلسون من حوله.
رشدي ينهض: أنا هقوم أجيب قهوة. حد عايز حاجة معايا؟
فريدة: هات ليّا لاتيه.
ابراهيم: وأنا قهوة سادة.
رشدي: بابا، ماما، عايزين حاجة؟
فايزة: لا.
هز عزت رأسه بصمت. فور تحرك رشدي، اقترب طه مسرعًا من عزت.

طه: بابا، كنت عايز أحكيلك حاجة مهمة عن الحادثة.
فور نطق طه تلك الكلمة، اتسعت عينا فايزة وشعرت بالتوتر. نظرت إليه وكأنها تطلب منه التوقف عن الحديث.
نظر عزت إلى طه وضيق عينيه قبل أن يبدأ طه بالكلام. في تلك اللحظة، دخل رشدي الذي استمع إلى جزء من الحديث.
رشدي: طه، تعال شيل معايا.
عزت: اصبر يا رشدي. كنت عايز تقول إيه يا طه؟
توتر طه الذي كانت عيناه على رشدي وقال: الحادثة إللي حصلت لسليم… يعني ممكن تكون ماسة هي المقصودة. أصل سليم كان مفروض عنده اجتماع وقتها.
فريدة بتعجب: هيقتلوا ماسة ليه؟
عزت بضيق: أنا مش عايز اقتراحات. لما سليم يفوق، وقتها نتكلم.
طه يبتلع ريقه ويفكر في التحدث : بابا… رشدي… أنا…
تقاطعه فايزة بسرعة بهدوء وكذب: رشدي أكيد كان متعصب، يا طه.
عزت بعدم فهم: في إيه؟
فايزة محاولة للتبرير: طه كان عايز يقولك إن رشدي عايز يجيب سالي اولاد الصياد والشعرواي في المخزن ويفضل يضرب فيهم لحد ما يعترفوا. بس طه مش موافق على الفكرة خالص.

فريدة باعتراض: طبعًا صح. إحنا مش متأكدين إنهم هما.
رشدي: هنتأكد لما نجيبهم ونجبرهم يعترفوا.
عزت بجدية: أنا مش عايز حد يتصرف من دماغه. أنا اللي هتصرف بطريقتي، وإنتم تمشوا على كلامي وأوامري دلوقتي ياسين سافر عشان يشوف ماركو، وريمون جاي بكره انا هتصرف معاه، انا عايزكم بس اليومين الجايين دول تبقوا مع صافي وعماد في المجموعه ما تسيبهمش لوحدهم خليكي معاهم يا فريده وانت يا ابراهيم.
رشدي بهدوء: أمرك يا باشا. معايا يا طه، عشان مش هعرف أشيل لوحدي.
توقف طه ثم تحرك مع رشدي، وكان يبدو عليه الارتباك قليلاً. أثناء سيرهم، قال رشدي بابتسامة شريرة:
رشدي: كنت ناوي تقول للباشا؟
طه: ده الأحسن.
توقف رشدي في زاوية وسأله بحدة: لمين بالظبط؟ ليك؟
طه: لينا ولسليم. أنت قتلت سواق التاكسي، وسواق اللي شاف الحادثة، وصاحب الكشك، وأي حد شاف اللي حصل! أنتم كده بتموتوا أي خيط يوصلنا للفاعل الأصلي.
وضع رشدي يده على كتف طه وقال بجمود ممزوج بتجبر: بص يا طه، أي حاجة ممكن توصل للباشا إن أنا حاولت أقتل سليم لازم أدمرها.

طه: لو سليم كان مات، الهانم مكنتش هتسكت.
رشدي يهز رأسه نفيًا: لا، هتسكت. واحد يموت أهون من ٣ يموتوا من ولادها، وهي كمان هتبقى معانا. أصلها كانت عارفة كل حاجة، وهي اللي حددت الميعاد بعد ما كلمه الدكتور وسالتها عن اخبارها وان هي بتفكر تخلي صافيناز تجيب بيبي والدكتوره بغبائها وقعت في الكلام وقالت لها خلي صافي تيجي مع ماسه كمان يومين الساعه 3:00. وطبعا احنا مسحنا المكالمه اصلا.
اقترب رشدي أكثر وقال: بص يا طه انت لو فكرت تفتح بوق الجميل ده تاني هندمك انا كنت هقتل الأمير الصغير بمراته الحامل عادي من غير احساس وشوفت بعيني وهما نزلين طعن ف ماسه وبيضربه سليم بالرصاصة ومافكرتش حتى اخرج مسدسى بدافع الانسانيه، مش هقولك الاخوه، تفتكر انا هيبقى صعب عليا ادبحلك ولادك الاتنين و؟
اتسعت عينا طه بحدة: أنت اتجننت؟ بتقول إيه؟ بتهددني يا رشدي
رشدي ببرود: انا سبق وحذرتك بس انت مفهمتش، اه بهددك ويوم ما لسانك ينطق بحرف، هي مكالمه صغيره للحراس، وهيدبوح ولادك، اصلي أنا مش هموت لوحدى، وساعتها خلى ضميرك ينفعك.
طه بضجر: انت حقير.
رشدي: انا بحافظ على حياتي بعدين مراتك كانت معانا عليها شر ولا ابليس، المفروض كنت اتجوزتها أنا ، هنبقى مكس شر محصلش.
طه: بكره سليم يفوق ويعرف كل حاجه ووقتها هقف اتفرج عليك وهو بيقتلك.

رشدى بشر نظر داخل عينه: ووقتها بردو اهقف اموت وبتفرج عليك وهو معلقك على سكوتك، اصل سليم مش طيب اوى كدة مش هيشفعلك انك كنت عارف وسكت حتى الباشا،
بس انت تموت لوحدك، ولا ولادك !!! وبعدين يعرف ليه ؟ إحنا كلنا لازم نتعاون عشان ميعرفش انت عشان تحافظ على حياه ولادك وانا وكلنا على حياتنا, تمام مش هفكرك تاني لسانك لو نطق ولادك هيدفعوا التمن،
خليك زى ما انت طول عمرك طه الساكت اللى بيتفرج وبس اللى بينفذ الاوامر وحاضر وطيب وبس مفهوم.
نظر له طه بأفكار مضطره وهو خائفه على اولاده يشعر بصراع داخلي بان يقول ما يعرفه او يصمت كما كان يصمت في السابق.
غرفة ماسة
كانت سعدية وسلوى ومجاهد يجلسون أمام الفراش، والطبيب يتوقف أمام حامل المحلول وهو يضع حقنة داخل المحلول. كانت ماسة في سبات عميق نتيجة كمية المهدئات التي تأخذها.
لم يمضِ سوى دقائق، وبدأت ماسة تحرك عينيها ثم فتحتهما ببطء، وسط ترقب من الجميع، فهم كانوا يخشون عند استيقاظها أن تنهار مرة أخرى.
الطبيب بابتسامة: ها عاملة إيه النهاردة؟
ابتسمت ماسة بصمت وتعب شديد، أخذت تغلق وتفتح عينيها، فيبدو أنها هذه المرة أفضل من ذي قبل.
ماسة بهدوء وبنبرة متعبة وهي تبتلع ريقها: الحمد لله، أحسن.

هرولت سعدية نحوها بسعادة حتى توقفت أمام الفراش مباشرة، فأخيرًا رأت ابنتها في وضع أفضل: حمدلله على السلامة يا بنتي.
مجاهد بسعادة: عاملة إيه يا بنتي دلوقتي؟
اقتربت سلوى منها وضمتها بسعادة غامرة: وحشتيني أوي، قبلتها من رأسها، كنت ها أموت من القلق عليكي.
كانت ماسة تحدق فيهم بصمت، لا تزال غير قادرة على النطق. حاولت أن ترفع نفسها لتجلس، فساعدتها سلوى بوضع الوسادة خلف ظهرها بلطف. جلست، ومدّت قدميها، وجهها شاحب للغاية، وعيناها محاطتان بهالات سوداء، وشفاهها مشققة، وكأنها صارت امرأة مسنّة. الحزن والألم كانا قد سلبا قوتها، حتى بدت كورد ذابل، وما زالت بعض الخدوش ظاهرة على وجهها وأسفل شفتيها نتيجة الحادثة.
الطبيب بلطف: أتمنى تكوني أحسن.
ماسة بنبرة مكتومة: عايزة أشرب لو سمحت.
الطبيب: حاضر.
جلب لها الطبيب كوبًا من الماء من على الكومودينة وأعطاه لها. احتست القليل ثم وضعته على الكومودينة.
ارتسمت على شفتي ماسة نصف ابتسامة مليئة بالألم، وكأنها تحاول إخفاء كل شيء بداخلها. جالت عيناها على أفراد عائلتها، والشعور بالعجز يتسلل إلى قلبها، فهي لا تعرف ماذا تقول. كل شيء بداخلها كان يحترق، وكأنها تغرق في بحر من الحزن.
كل ما كانت تريده وتتمنى هو أن لا يتم تنويمها مجددًا. حاولت التماسك أمامهم، متجاهلة انهيارها الذي كان يذوبها من الداخل، شعور بالفقد والوهن يعتصر قلبها، لعلها تجد مخرجًا مما هي فيه.

ابتسمت ماسة ابتسامة مزيفة مبطنة بحزن: عاملين إيه؟ وحشتوني أوي ممرت عينيها عليهم فين سليم.
جلست سلوى بجانبها ونظرت لها بعينين اغرورقتا بدموع الفرح والحزن. أحاطت بذراعيها حول رقبتها، قبلتها من خدها، وهي تمسح على خديها بحنان وتعود بشعرها للخلف، وقالت:
سلوى: إنتي اللي وحشتينا أوي والله، كنت هاتجنن عليكي. أوعي تعملي كده في نفسك تاني.
مجاهد بحنان: بس يا سلوى، متتعبيش أختك.
رفعت ماسة عينيها إلى الطبيب بدموع وضعف، ابتلعت ريقها متوسلة إياه: أرجوك، ماتنيمنيش تاني، مش عايزة أنام تاني لو سمحت.
الطبيب بعملية: طول ما إنتي هادية وقوية، مستحيل نديكي مهدئ.
ماسة بضعف وهي تحاول السيطرة على دموعها بأقصى قوة: مش ها أضعف تاني، كان غصب عني، لكن أوعدك إني ها أحاول على قد ما أقدر إني أقاوم وما أضعفش تاني.
الطبيب: إنتي فعلاً أحسن النهاردة، وطول ما إنتي قوية وبتقاومي، مستحيل نقربلك.
سعدية وهي تربت على قدميها بحنان: أنا بنتي قوية، وأنا متأكدة إنها يستحيل تخلي الحزن يتغلب عليها تاني.
مجاهد بحنان: كنا قلقانين عليكي يا قلب أبوكي، ومش عارفين نعملك إيه؟
ماسة: أسفة والله، قلقتكم عليا، بس غصب عني.

مجاهد بسعادة: الحمد لله إنك خرجتي بخير منها يا بنتي.
سعدية: والله لولا الملامة كنت زغرطت. كنا هنتجنن عليكي وإحنا شايفينك منهارة وبتضيعي مننا، مش عارفين نعملك حاجة.
كانت ماسة تنظر إليهم بصمت، والوجع يفتك بها. نيران تشتعل داخلها، وكأنها تخوض معركة عنيفة مع نفسها، تحاول بكل قوتها أن تظل هادئة وتصمد، لكي لا يضطر الطبيب لإعطائها مهدئًا مرة أخرى. كانت تحاول أن تسيطر على تلك النيران التي تأكل كل خلية فيها، لكن الألم كان أقوى من كل محاولاتها.
نهضت سلوى بسعادة: ،هكلم عمار ويوسف هيفرحوا أوي.
ماسة: هما فين صحيح؟ وسليم فين ليه مش بترده عليا هو لسه تعبان محتاجه اشوفه واطمن قلبي عليه لو سمحت.
سلوى: عمار ويوسف، قاعدين في الجنينة.
الطبيب: بنسبة لسليم، حاضر هتشوفي بس ممكن تردي على الأسئلة.
هزت ماسة راسها بنصف إبتسامة حزينة لم تصل الى عينيها.
الطبيب: حاسة بحاجة؟
ماسة بتعب: دوخة، وجسمي وجعني، وصداع.
الطبيب بعملية: ده طبيعي جدًا شوية، وكل الأعراض دي هاتروح. أخيرًا سمعت صوتك من غير انفعال وتكسير وصريخ. مش كده أجمل؟ هنعرف نتكلم بعقل.
نظرت له بنصف ابتسامة مليئة بالألم، وتنهدت بعمق. كانت على وشك التحدث، لكنها شعرت أنها لا تستطيع الصمود أكثر أو كتمان مشاعرها. حاولت أن تعبر عما بداخلها من أحزان بالكلام، لعلّها تجد في ذلك ما يهدئ نياط قلبها الذي كان يصرخ بألف آه، ويصر على أن يُسمع ألمه.

تنهدت ماسة بوجع ودموع تملأ عينيها، قالت بقهر: غصب عني والله العظيم، ماكنش بكيفي، ولا أنا كنت حابة يعني أبقى كده، أنا فجأة لقيتكم بتقولوا لي بنتك ماتت، بنتي إللي فضلت شهور وليالي مستنياها بفارغ الصبر. خلاص راحت، خلاص بح. مش هأخدها في حضني زي أي أم، وأحس بالرعشة اللي ياما حلمت بيها وتخيلت إحساسها… يعني ولا كأني حملت بيها من الأساس، زي ما جت، زي ما راحت!!
بدأت دموعها تهطل بشدة وبوجع يفتك بها، وبابتسامة حزينة ارتسمت على شفتيها، واصلت حديثها بشغف يفتك وِتِين قلبها…
أصلك ماتعرفش أنا كنت بتمناها قد إيه! أنا من أول ما اتجوزت سليم وأنا نفسي فيها، بس سليم كان خايف عليا عشان صغيرة في السن. وأول ما قال لي خلينا نجيب بيبي، فرحت أوي كأني كنت أسيرة في سجن من سنين وخلاص هاتحرر. جبتها بعد خمس سنين اشتياق…
وعشان اجيبها اخذت حقن وأدوية، غير تعب اعصابي سنه كامله وبعدين ربنا رزقني بيها، بس عشت شهور وهي بتكبر جوايا، كلها عذاب. كنت بصحى وأنام على وجع. تخيل كده حضرتك معايا؟ إنك تعيش شهور مش قادر ولا تأكل ولا تشرب، حتى بوق الماية مش طايقاه. وتقوم من أحلى نومة على غثيان وترجيع. أنا فضلت ٣ شهور برجع أول ما أصحى من النوم ودوخة. كنت با أكره أصحى، وكل ما كانت بتكبر جوايا، كل ما ألمي وتعبي بيزيد. حتى النفس الطبيعي، والله ما كنت بقدر أخده بالشكل الطبيعي. ده حتى انحرمت من أبسط حقوقي، إني أنام بالطريقة اللي تريحني… بس قولت مش مهم.
ارتسمت على شفتيها ابتسامة مشرقة بدموع…
كله يهون عشانها، بكرة بس تيجي وبضحكتها الحلوة هاتنسيني كل حاجة قاسيتها. فعلاً الأمومة مش بالساهل…
عبثت بوجهها بصدمة، واتسعت عينيها بقهر وهى تضع يدها على قلبها، وواصلت:

بس هي راحت، وما لحقتش أشوفها ولا أسمع ضحكتها، ولا أفرح بيها. وبدل ما أسمع كلمة مبروك، هسمع كلمة البقاء لله، اتحملي معلش، بكرة تجيبي غيرها. فالمطلوب مني دلوقت إني أتعامل مع خبر موتها بشكل عادي!! وإني انحرمت من غير ما أعرف شكل بنتي اللي كانت عاملة فيا كل ده كان إيه؟! بنتي اللي كبرت جوايا واتقاسمنا سوا كل حاجة: ضحكتنا، وأحزاننا، وأحلامنا، وإحساسنا. صعب، والله صعب.
ده أنا خايفة يا دكتور أشوفها في الحلم وسط مجموعة أطفال وما أعرفهاش، ها أعرفها إزاي!! ما أنا ماشوفتهاش…
مسحت دموعها التي أغرقت وجهها، أكملت مستغربة بشتات:
وفي عز كل ده، فجأة لقيتني مطلوب مني كمان أتقبل إن جوزي حبيبي، روح قلبي تعبان وممكن يروح مني وأتحرم منه هو كمان في أي لحظة، ما أقدرتش، قلبي انكسر والله، وعقلي كأن كهربته ضربت في بعض وخلته يوقف عن التفكير، روحي اتحرقت. عقلي وقلبي وروحي ما قدروش يتحملوا كل ده. ومش عارفة هيقدروا يتحملوا ويعيشوا اللي جاي إزاي. كان غصب عني، مش بإيدي والله. أنا تعبانة أوي، جوايا حزين أوي، موجوع أوي. مهما حاولت أخبي، مستحيل هقدر أخبي مراسم العزا اللي بيتم جوة قلبي دلوقتي.
كانت عائلتها تستمع لها بحزن شديد، بعين تذرف الدموع على ابنتها التي تعيش أصعب لحظات حياتها في هذا العمر الصغير، ولا يعرفون ماذا يفعلون غير الدعاء لها. فماسة في أصعب اختبار يمر به إنسان الآن، لابد أن تكون قوية لكي تمر منه بسلام.
نظر إليها الطبيب وتحدث بعقلانية ممزوجة بعطف: أنا مقدر حجم المعاناة والجرح اللي بتمري بيه، بس لازم تكوني قوية. الحياة كده، مش كل حاجة فيها فرح وسعادة، لازم يكون فيها شوية أشواك ووجع وضربات عشان تعلّمنا وتقوينا. الحياة مش سهلة زي ما إنتي متصورة، وكلنا بلا استثناء عندنا ابتلاءات ومشاكل مختلفة، بس ربنا بيمنح كل واحد على قدر استطاعته، صدقيني، إنتي هتتخطي كل اللي إنتي فيه ده، بس محتاجة شوية صبر وشوية قوة وأكيد رضا بقضاء الله. أنا مش طالب منك أبداً إنك تبطلي عياط وتكتمي جواكي، بالعكس، أنا عايزك تصرخي وتطلعي كل الألم والحزن اللي حاسة بيه. فرّغي طاقتك عشان ترتاحي، لأن طول ما عقلك حاسس بالشتات والوجع، مش هترتاحي. بس أنا عايزك تشوفي كل الأحداث اللي مريتي بيها من منظور إيجابي يا ماسة.

نظرت له ماسة بتعجب شديد وهي تعقد حاجبيها على ما يقوله! كيف يطلب منها أن ترى كل ذلك بإيجابية؟! رد الطبيب على تلك النظرة بتأكيد وهو يهز رأسه بإيجاب وعقلانية وعملية.
أيوة، منظور إيجابي. مستغربة ليه؟ لازم تقولي الحمد لله إني خرجت أنا وجوزي سالمين، حتى لو هو تعبان، بس مع الوقت هنكون كويسين وعايشين. وكويس إن بنتي ماتت قبل ما أشوفها، قبل ما أتعود على صوتها وضحكتها وأخذها في حضني وأضمها لقلبي، وأبني معاها ذكريات حلوة. ووجعك دلوقتي أهون بكتير لو كانت حور بين إيديك في الحادثة وماتت، وسليم كمان. عايزك دايماً تشوفيها كده. هي صعبة، بس مع الوقت هتلاقيها سهلة والأيام بتنسي.
مسحت ماسة دموعها وقالت بتأييد بنبرة موجعة، يبدو أنها اقتنعت قليلاً بحديثه: إنت عندك حق، أكيد ده الأفضل. إن سليم خرج من الحادثة بخير حتى لو تعبان شوية دلوقتي، بس لسة عايش. حتى لو فقدت بنتي قبل ما أشوفها، برغم شغفي وشوقي الكبير إني أشوفها لو ثانية، بس أهون بكتير لو شفتها وتعودت على حضنها وفي الآخر أتحرم منها. مرة جدتي قالت لي: كل حاجة بتتولد صغيرة وتكبر، إلا الحزن اللي بيتولد كبير ومع الوقت بيصغر، حتى لو آثاره موجودة منها ندبات، بس هنكمل ونعيش. هي الحياة كده. تنهدت بتعب ثم قالت: “أنا عايزة أشوف سليم، ممكن؟
الطبيب: هتقدري تقومي؟
ماسة بتأكيد: أيوة، هقدر.
سعدية: طب استني شوية، تاكلي لقمة والدكتور يطمن عليكي وعلى جرحك، وابقي روحي له يا بنتي، مش هاطير.
حاولت ماسة أن تنهض بتعب وتنزع الكانولا، وقالت باعتراض: أنا كويسة يا ماما، مش هينفع أسيب سليم أكتر من كده. سليم وحشني أوي، وبقالي ثلاث أيام بعيدة عنه. عايزة أبقى جنبه ويحس بيا.

الطبيب بتحذير: طيب، هاخليكي تشوفيه، بس أوعديني تبقي هادية عشان ما ناخدش مهدئ تاني.
نظرت له ماسة بضعف وهي تهز رأسها بنعم: وعد.
💞______♥️بقلمي_ليلة عادل♥️_______💞
غرفة العناية المركزة1م
في وسط الصمت المطبق، كان سليم مُعلَّقًا على الأجهزة، غارقًا في سبات عميق، في حالة لا توصف، كما لو كان الروح قد فرت منه، في انتظار معجزة.
وبعد لحظات، دخلت ماسة على المقعد المتحرك، يدفعها الطبيب النفسي بصمت. كانت ملابسها الخاصة بالعناية المركزة (الماسك، غطاء الرأس، الجاون) لا تكفي لإخفاء شحوب وجهها الذي بدا وكأن الحياة قد غادرت منه، وعيناها محمرتان، تغطيهما دموع تتناثر بلا توقف.
توقف الطبيب بجانب سرير سليم. عيون ماسة جالت عليه، وبداخلها ألم رهيب، كأن قلبها نفسه كان يئن في كل لحظة، كل نبضة فيه تتقطع من هول المنظر، بينما هو على حافة الموت. شعرت ببرودة شديدة تغزو عروقها، وكأنها سقطت في بحر من الجليد، أطرافها تتجمد، لا تستطيع الحراك، لا تشعر إلا بالعجز والضعف. كان الألم يطوقها من كل جانب، والانهيار يهدد أن يبتلعها. لم يخطر على بالها للحظة أن حالته وصلت لهذه الدرجة من الخطورة.
بنبرة ارتجفت منها الكلمات، صوتها الحزين يكاد يختنق، وعيناها اتسعتا أكثر من أي وقت مضى، كأنهما ستنزلقان من محجريهما من شدة الصدمة، أشارت بيدها نحو سليم، وصوتها خرج متقطعًا: هو، هو إزاي بقى كده!!
استدارت برأسها له بدموع: هو ليه مركب كل الأجهزة دي؟ هو في إيه؟ أرجوك ماتخبيش عليا.

نظر إليها الطبيب لثوانٍ بتفكير عميق. هي في وضع لا يسمح لها بمعرفة الحقيقة، لكن لابد أن تعرفها، لأن في عدم معرفتها للحقيقة هناك خطورة على صحتها النفسية. بعد تفكير عميق، أخذ قراره.
مسح الطبيب وجهه وقال بتوتر وهو يستنبط مدى تأثير الحديث عليها: للأسف، سليم بيه دخل في غيبوبة كاملة.
جحظت عينيها بشدة من هول الصدمة، قالت بتلعثم: “غغغيي… غيبوبة ليه؟ طب هيفوق منها إمتى؟
الطبيب بأسف وهو يزم شفتيه: للأسف، النوع ده مانقدرش نحدده.
وجهت ماسة نظراتها لسليم بقهر ودموع وهي تحرك رأسها: يعني ممكن مايصحاش تاني!
الطبيب وهو يهز رأسه بأسف: للأسف.
وضعت ماسة يدها على فمها في محاولة يائسة لوقف الزفير المدمّر، بينما رأسها يهتز برفض وقهر وحزن لا ينتهي، وعينيها مليئتان بالدموع التي تكاد تغرق وجهها. هي لا تعرف ماذا تقول، ولا ماذا تفعل،فهي في وضع لا تحسد عليه، في لحظة من الضياع الكامل. شعرت وكأنها محاصرة في مكان ضيق مظلم، كما لو أنها تقف على أشواك حادة تغرز في لحمها، يشتد ألمها مع كل خطوة، وهي تحاول أن تصرخ بصوت مكتوم، بصوت يأمل أن يصل لأحد، حتى لو كان مجرد صدى…
هل يوجد من يراها، يسمع أنينها، يمد لها يد العون؟ لكن لا، لا أحد يجيب، لا أحد يلتفت إليها. لا مفر من هذا الكابوس الذي يحيط بها، ولا مفر من هذه الغرفة التي تدور بها في دوائر مظلمة، وكأنها محكوم عليها بالبقاء هنا إلى الأبد. ولكن، هل يمكنها أن تتحمل هذا العبء الثقيل؟ إلى متى ستظل قادرة على الصمود أمام هذا الألم الذي لا ينتهي؟

تتوقف وعيناها مشدوهتين على قطعة من قلبها، توأم روحها، ملقى على فراش الموت، وكأنها تراه يغادرها في أي لحظة. وكل ثانية تمر تزيد من شعورها بالخراب. لا تستطيع حتى تخيل احتمال فقدانه، فالموت نفسه يبدو أقل قسوة من مواجهة هذا الواقع. قلبها يصرخ، لكن صوتها مكبوت. بدأت تهز جسدها بشكل يائس، تتنقل من الأمام للخلف بسرعة، في حركة مضطربة، وعينان غارقتان بالدموع التي تنهمر على وجنتيها بلا توقف، ترفض ما تراه، ترفض الواقع الذي يعصر قلبها، فقدان كل ما تحب، حتى نفسه.
كانت يدها تمسح على قدميها بحركة متسارعة، غير متماسكة، محاولاتها اليائسة للتماسك في مواجهة كل هذا الألم. هي لا تريد أن تُعطى المهدئات الملعونة مرة أخرى، تريد أن تظل واعية، رغم أن كل شيء حولها يشدها نحو الظلام. كان الطبيب يراقبها بتركيز حذر، مستعدًا لأي طارئ قد يحدث، في انتظار نوبة قد تهاجمها من جديد.
وبعد لحظات، بدأ إيقاع حركتها يهدأ. يبدو أنها أفرغت كل شحنات الألم المضطربة التي كانت تجتاحها. أبطأت من حركتها، وكأنها فقدت آخر قطرة من قوتها.
تنهدت ماسة ومسحت دموعها، وبنبرة مكتومة مبحوحة رفعت عينيها نحو الطبيب وقالت:
ممكن تسيبني لوحدي معاه؟ ما تقلقش، مش هاعمل حاجة، محتاجة بس أكون معاه لوحدي.
نظر لها الطبيب وهو يفكر، هل يتركها وهي في هذه الحالة الصعبة أم يرفض؟ لكن حالة ماسة تلك لا ينفع معها أي رفض، فمن الممكن أن يأتي بنتائج عكسية. هز الطبيب رأسه بالموافقة، لأنه مضطر لذلك. تركها وخرج من الغرفة، وقف يراقبها من النافذة الزجاجية، ومعه عشري الذي كان يتوقف في البداية ليشاهد الأمر، فهو لا يترك سليم بمفرده للحظة.

تنهدت ماسة وحركت المقعد بالقرب من الفراش، وتوقفت بالقرب من نصف سليم الأعلى.
أخذت ماسة تمرر عينيها في كل تفصيلة فيه، بقلب يعصف وينفطر. لا توجد كلمات لوصف ما تشعر به الآن، فكم تمنت أن تكون ميتة ولا ترى قطعة من روحها في هذه الحالة شبه الميتة.
ابتلعت ماسة ريقها بنبرة مقهورة، ونزيف في قلبها، ودموع تهطل بلا توقف من الوجع والقهر الذي أذاب نياط قلبها. قالت:
سليم يا قلبي، إنت وحشتني، وحشتني أوي، حاسة إني بقالي كتير ما شفتكش. ماكنتش عارفة إنك هنا وفي غيبوبة. أصلي بقالي 3 أيام نايمة من يوم الحادثة، كل ما كنت أصحى، ينيموني تاني! بيقولولي إن جالي انهيار عصبي وخافوا أعمل حاجة وأأذي نفسي، فكانوا بيضطروا ينيموني. أنا مش قادرة أشوفك وإنت كده، يا سليم، ولا أتخيل إنك ممكن ما تقومش تاني! لا، سليم، إنت هاتقوم ومش هاتسيبني. إنت وعدتني وسليم قد وعده. قلبي وجعني وأنا شايفاك كده، ومش عارفة أعمل لك حاجة. كأني متكتفة بحزام ناري بيحرق كل حتة فيا. قلبي وجعني عليك أوي،. محتاجة مسكن يمكن يخفف ألمه، بس متأكدة إن مسكنات الدنيا كلها مش هاتعمل حاجة ولا هتخففه. إنت دوايا ومأوايا، إنت روحي وكل ماليا. إنت الوحيد إللي هاتقدر تطفي النار إللي ماسكة فيا. روحي بتتحرق، يا سليم. حاسة إن كل خلية جوايا فيها نار عمالة تحرق وتاكل فيها…
إنت لازم تقاوم وتقوم عشاني يا سليم. ماسة محتجالك أوي جنبها، عشان ترجع تضحك تاني، وتلاقي نفسها. العذاب إللي أنا فيه أكبر مني. أنا ضعيفة أوي من غيرك. تايهة ووحيدة. غريبة من غيرك. أنا مش هاعرف أواجه كل ده من غير وجودك جنبي. عايزك جنبي عشان أقوى بيك، وأرجع أضحك تاني، وتهون عليا كل ده. أنا هأموت من غيرك ..

ماسة هي كمان ما تقدرش تعيش من غير سليم. (برجاء وإنهيار) وحياتي، يا سليم، قوم. وحيات ربنا لتقوم. كفاية، أنا متأكدة إنها أيام وهاترجع تاني ليا يا حبيبي…
عادت بشعرها للخلف، بشعور من الضياع والقهر، وهي تمسح دموعها التي أغرقت وجهها. بنبرة مبحوحة مخنوقة أكملت:
أنا مش فاهمة حاجة! ومش فاكرة حاجة من إللي حصلت. كل إللي فاكراه إننا عملنا حادثة، وإن حور ماتت، وإنت هنا. كل حاجة تانية حصلت نسياها ومش فهماها. بس عارف إللي قادرة أفتكره وفهماه كويس! إني كل مرة كنت أصحى فيها كنت بدور عليك إنت. بدور وأقول: فين سليم؟ فين حبيب قلبي؟ إزاي سايبني لوحدي كده! كنت مرعوبة. يقولولي جرالك حاجة؟ كفاية خبر إن بنتنا إللي كنا بنستناها أنا وإنت ماتت، (بتعجب من أمرها) بس لما صحيت النهاردة، ماعرفش كنت هادية ليه؟ وإزاي؟ ولما سألت عنك تاني قالولي إنك تعبان. كل إللي اتمنيته وقتها من كل قلبي، إنهم يرضوا يخلوني أشوفك. بس ما توقعتش إني أشوفك بأسوأ حالة لدرجة إني اتمنيت لو فضلت نايمة ولا أشوفك بالمنظر ده يا قطعة من روحي، صعب عليا أتحمل الشعور إللي حساه دقائق كمان. أنا حاسة إني مخنوقة ونفسي مكتوم. عايزة أصرخ وأصرخ وأقول ألف آه يمكن أرتاح، وأكتر حاجة معذباني، إن إزاي تبقى كده وأنا بعيدة عنك ومش جنبك! أنا آسفة يا قلبي والله ما هسيبك تاني لحد ما تفوق. إنت هاتفوق أنا متأكدة وواثقة في ربنا إنه مش هايوجعني فيك. سليم، أنا مش عارفة أعمل إيه؟ أنا موجوعة أوي والله، موجوعة أوي وتعبانة…
بدأت تبكي بشدة بشهقات وهي تتحدث بقهر بنبرة مكتومة مهزوزة…
كنت جاية أتسند عليك وأقوى بيك، وأقول لك: حور ماتت، حور ماتت يا سليم، بنتنا ماتت، ومالحقناش نشوفها ولا نعرف شكلها وملامحها كانت إزاي؟ تصور إنهم دفنوها من غير حتى ما أخدها في حضني وأشم ريحتها لثانية واحدة! ما عرفتش ريحتها إيه؟ ده أنا حتى ما أعرفش اتولدت صاحية ولا ميتة. ما لمستش جسمها! شلتها جوايا تسع شهور واتحملت كل حاجة علشانها، وفي الآخر تروح كده وما نعرفش حتى شكلها! (تبسمت بوجع) تفتكر كانت شبهي؟ ولا شبهك؟ عينيها زرقا ليا ولا خضرة ليك؟ لا بلاش خضرة! ماتزعلش عسلي يا سيدي، إنت مقتنع إنك عينك عسلي..

(تبسمت بقهر وأكملت) “… يمكن كانت شبهنا، واخدة مني ومنك! كان نفسي أشوفها أووووي لو دقيقة أو ثانية! تعرف إني حتى ما لحقش أشوفها في كفنها وأودعها وأديها قبلة الوداع؟ تصور! حرموني من أبسط حقوقي، بس أكيد كده أحسن. مستحيل كنت ها أتحمل ده، يعني بعد كل الهدوم الحلوة إللي عملتها بإيدي، وكنت بتخيلها بيهم، أشوفها في كفنها! (برفض، أشارت بيدها بلا) لا، لا، لا، حرام. كده أحسن فعلاً، حتى لو كنت بتمنى أعرف شكلها وأحفظ ملامحها عشان أقعد أقول بنتي كانت قد إيه حلوة، وزي القمر، وأحلم بيها، بس الحمد لله أنا راضية والله راضية باللي ربنا كتبهولي.. الحمد لله
(مسحت دموعها) بس أنا موجوعة أوي على فراقها، وعلى إللي حصلك. قلبي وجعني أوي، روحي بتتحرق، حاسة إن فيه حد ماسك قلبي عمال يفعص فيه من غير شفقة، لحد ما داب، وبردو مكمل من غير رحمة. أنا مش قادرة أتحمل أكتر من كده والله، تعبت وجع… غصب عني، كتير عليا إللي حصل لي، عقلي مش قادر يستوعب كل ده. أنا مش عارفة حتى أعيط على مين فيكم! واتوجع على مين فيكم! أنتم الاثنين قطعة من روحي ومني. أنا مش قادرة أشوفك كده، ولا قادرة أصدق إن حور سابتنا بعد كل ده. بس إنت لازم تعيش وتقوم يا سليم، والله ما هقدر أعيش من غيرك. أنا نفسي أترمي في حضنك وأفضل أصرخ وأصرخ لحد ما يغمى عليا، وأصحى على عيونك وإنت بتقول لي: أنا جنبك، ما تخفيش يا عشقي، كل حاجة هتبقى تمام…
مدت يدها وأمسكت بيده وأكملت بشغف ودعم:
-إنت لازم تقوم، لازم تقاوم، أنامتأكدة إنك سامعني وحاسس بيا وهاتقوم عشاني ومش هاتسيبني لوحدي أواجه كل ده، أنا بحبك أوي والله العظيم، أوعى تزعل مني ! والله العظيم أنا زعلانة وموجوعة علشانك أوي ، أوعى تفتكر وجعى على بنتنا أكبر من وجعي عليك والله أبداً، وجعي عليك أكبر من إنى أقوله، أنا لو لسة با أتنفس وواقفة على رجلي وبا أقاوم، فده علشانك إنت والله ..

مسحت دموعها وأخذت نفسها بتعب وهى ترفع عينيها لأعلى وهي تقول …
اااه يارب يارب قومهولي بالسلامة وقويني على كل ده … نظرت له مرة أخرى وقالت ..
أنا واثقة إنك هاترجعلي تاني وهتنتقم من إللي عمل فينا كدة هاستناك ومش ها أبطل استناك بحبك أوي وما أقدرش أعيش من غيرك يا أغلى من حياتي .
ضمت يده بكفيها وقربتها من قلبها وأخذت تنظر له لدقائق بعين لا ترمش بقلب يعصف من الألم وعين تهبط منها دموع الحزن، بعد دقائق من الصمت الثقيل الذي كان يملأ الغرفة.
دخل الطبيب باحترام وقال: ماسة هانم، إحنا محتاجين نغير على جرح سليم بيه ونطمن عليكي.
هزت رأسها بإيجاب وقالت: حاضر.
ثم نظرت إلى سليم وأضافت: أنا هاجيلك تاني، مش هأتأخر عليك، أوعدك إني هاقاوم وهبقى قوية على قد ما أقدر علشانك.
اقتربت أكثر بالمقعد وتوقفت بتعب، انحنت قليلاً وقبلته في جبينه، ومسحت على وجهه بأصابع يدها وقالت: بحبك أوي، قاوم على قد ما تقدر، إنت قوي.
جلست مرة أخرى على المقعد، واقترب الطبيب وأخذها للخارج.
بقلمي_ليلةعادل ⁦(⁠◕⁠ᴗ⁠◕⁠✿⁠)⁩✍️
~
عادت ماسة إلى غرفتها، حيث كانت عائلتها في انتظارها. وبعد دقائق، دخل بعض الأطباء وقاموا بفحصها للاطمئنان على صحتها النفسية والجسدية.

_ كافتيريا المستشفى٢م
كان يجلس عزت وفايزة وفريدة يحتسون الشاي. اقترب مكي.
مكي: عزت باشا، ماسة هانم فاقت وبقت أحسن ودخلت لسليم.
رفع عزت عينه له: يعني الدكتور قالك إن ممكن نتكلم معاها؟
مكي: أيوة، بس مش كتير.
توقف عزت بتنبيه: مش عايزين حد يعرف لحد ما أتكلم معاها، بالأخص المباحث. لو حد سأل، هتقول ماسة هانم لسة مش مستعدة نفسياً، ونبه على الدكاترة. سامع؟
مكي هز رأسه بنعم: أمرك يا باشا.
_ غرفة ماسة.
_ المرحاض
كانت تقف ماسة أمام الحوض وهي تغسل وجهها، تحاول إخماد القليل من تلك النيران التي تشتعل بداخلها. رفعت وجهها إلى المرآة وأخذت تنظر إلى ملامحها الباهتة والهالات السوداء أسفل عينيها. لمست وجهها بأطراف أصابعها باستهجان، فهى لم تتوقع أن حالتها مزرية لهذا الحد. كانت على وشك البكاء والضعف، لكنها أخذت تغسل وجهها عدة مرات بسرعة. رفعت رأسها، حاولت أن تهدأ وتصمد، فسليم يحتاج لها الآن أكثر من أي وقت مضى. أخرجت أنفاسًا ثقيلة متعبة، ثم جففت وجهها وخرجت إلى الخارج. كان في انتظارها الطبيب، مكي، عزت، فايزة، فريدة وعائلتها. مررت ماسة عينيها عليهم وهي تعقد حاجبيها باستغراب، فهي لا تعرف لماذا الجميع هنا.

عزت بلطف: حمد لله على السلامة يا ماسة.
فريدة بإبتسامة: إنتي النهاردة أحسن كتير.
ماسة بلطف وهي تهز رأسها: الحمد لله.
مكي: حمد لله على سلامتك يا ماسة.
الطبيب بعملية: ماسة، عزت بيه محتاج يتكلم معاكي شوية، هاتقدري؟
ماسة وهي تجلس على الفراش في زاويتهما: آه، ها أقدر.
الطبيب وهو ينظر لهم بعملية: ياريت ماتخلوهاش تتكلم كتير عن إذنكم.
خرج الطبيب، اقترب عزت حتى توقف أمامها.
عزت: ماسة، أنا محتاج أفهم إيه إللي حصل معاكم بالضبط.
ماسة وهي تعود بخصلات شعرها خلف أذنها: تقصد على يوم الحادثة؟
هز عزت رأسه بنعم، أكملت ماسة بهدوء وهي تتنهد: كل إللي قادرة أفتكره إننا كنا راجعين أنا وسليم من عند الدكتورة، وإحنا مبسوطين أوي. فجأة، وإحنا ماشيين، جت عربية نقل خبطت العربية بتاعتنا.
قاطعتها فايزة بإهتمام ممزوج بلهفة، فهي تريد أن تسمع وتعرف ماذا حدث بعد تلك الحادثة التي لها يد في إتمامها: وإيه إللي حصل بعد كده؟

أكملت ماسة: العربية فضلت تلف حوالين نفسها. أنا بعدها أغمى عليا، بعدين سليم خرجني من العربية. ما أعرفش إزاي، بس لقيتني قاعدة وسليم بيفوقني برة العربية. لما بدأت أرجع للوعي، سبني وراح يتكلم في التليفون و…
قاطعها عزت قائلاً وهو يرفع أحد حاجبيه: يعني سليم خرج من الحادثة وبخير؟
ماسة بوجع ودموع تسقط من عينيها: كل إللي قادرة أفتكره إن أنا وسليم طلعنا بنتنفس، وسليم واقف على رجليه، وفجأة فيه واحد مسكني من شعري، وواحد تاني حط أيده على بوقي ومسكني من إيديَّ الاتنين وحطهم ورا ظهري، ووقفني. وفجأة، المكان كله بقى متحاوط برجالة شبه عصابات المافيا اللي بتظهر في الأفلام الأجنبية، ماسكين رشاشات وحاطين قناع على وشهم. كل ده في ثانية. بعدين، إللي ماسكني من شعري صرخ على سليم، سليم لف له وفجأة فيه اتنين مسكوا سليم من كتفه من ورا وكتفوه..
واللي ماسك شعري ده طلع سكينة، ما أعرفش جابها منين، وطعني في بطني. وقتها، سليم صرخ بإسمي، بس كنت أخدت الطعنة التانية واترميت على الأرض. آخر حاجة سمعتها كان صوت سليم بينادي عليَّ وصوت الرصاص. بعدها ما عرفش حصل إيه، وصحيت لقيت نفسي هنا.
مكي: طب مش فاكرة أي حاجة تانية؟
ماسة وهي تمسح دموعها باستغراب: حاجة زي إيه؟
مكي بتوضيح: يعني خرجوا منين؟ حاجة حصلت وإنتوا في الطريق كانت غريبة عن كل مرة، حاجة من النوع ده.
ماسة وهي تهز رأسها بلا: الطريق كان عادي زي كل مرة بنروح عند الدكتورة وبنرجع، ولما خرجت من العربية ماكنتش في كامل الوعي، ما أعرفش العصابة دي خرجت منين كأن الأرض انشقت وخرجتهم.

فايزة وهي تنظر لهم بعقلانية وتحاول إبعاد تفكيرهم عن الحادثة إنها مدبرة بأي شكل: كده بانت الحادثة كانت عادية ودول كانوا مستنيينهم.
عزت برفض: استحالة! الحادثة دي مدبرة وكانت هي الخطة الأولى، ولما فشلت لجؤوا للخطة الثانية، بس إللي مش قادر أفهمه هو إزاي عرفوا إن سليم مع ماسة وما رحش الاجتماع؟
سعدية بدهاء: ما يمكن كانوا عاملين خطتين: حبة في الطريق بتاع الاجتماع وحبة في الطريق بتاع الدكتورة عشان لو سليم غير رأيه وراح مع ماسة للدكتورة، خطتهم ما تبوظش.
نظر لها الجميع، ويبدو أن الحديث طاب لهم، فردت عليها فريدة بتأييد.
فريدة: فعلاً ده الصح، وإللي يؤكد ده إن عددهم كان كبير، عاملين حسابهم إن الحراس ممكن يكونوا مع سليم، بس ليه خبطوا عربيته مادام كده كده ناوين يهاجموهم؟
عزت بعقلانية وذكاء: الخطة الأولى كانت مرسومة إنها حادثة تصادم عشان تبقى حادثة عادية بتحصل كل يوم، بس لما خرجوا بسلام لجأوا للخطة الثانية زي ما قولت. السؤال الأهم دلوقتي: مين دول؟ وعرفوا إزاي خط سير سليم؟ ومين إللي اتصل بالإسعاف؟ هو ده الخيط إللي هنمشي وراه.
وجه عزت نظراته لماسة قائلاً بلطف: ماسة، بكرة فيه ضابط هيجي يتكلم معاكي. اتكلمي معاه وقولي كل حاجة زي ما حكيتلي كده بالضبط.
فايزة بتعجب وهي تعقد حاجبيها: ومن إمتى بندخل الشرطة في أي حاجة تخصنا؟
عزت: عادي، ماسة عقدتها أكتر. طلعيلي معلومة، أو خط واحد ممكن نمشي وراه بعد كلامها! هي أكدت كل اللي أنا قولته: تعرضوا لحادثة مدبرة، ولما طلعوا أحياء حاولوا يقتلوهم.

مكي بجدية: أنا وإسماعيل بنحاول نوصل لأي حاجة بس مش قادرين. كل ما نمسك خيط يتقفل، محترفين وعارفين بيعملوا إيه. بس أنا شاكك إن الحريقة بتاعت الكشك كانت مرتبطة بالحادثة، إللي اتصل بالإسعاف كان من عنده أكيد، مش صدفة.
عزت وهو يهز رأسه ييأس: طبعاً مش صدفة. ده دليل عليهم لازم يتخلصوا منه. أنا حاسس إننا مش هنوصل لحاجة، والقضية هتتقيد ضد مجهول. هما لعبوها صح واتنفذت بحرفنة. (أكمل بإختناق) بقولكم إيه، أنا مش عايز أفكر في أي حاجة دلوقتي. إللي أنا مركز فيه دلوقتي وأتمناه إن سليم يفوق من الغيبوبة دي ويرجع يقف على رجليه مرة تانية. وساعتها هاقلب الدنيا عشان أعرف مين إللي عمل كده وأخليه يتمنى الموت علشان يترحم من إللي هاعمله فيه.
فريدة: بابي، بلاش الكلام ده هنا قدام ماسة هي لسة تعبانة.
توقفت ماسة بنبرة قوية تعكس مدى شعورها بنقمة الانتقام، وتحدثت باعتراض: لا يا فريدة، أنا عايزة أكون معاكم وإنتوا بتدوروا على إللي عمل فيا وفي سليم وفي بنتي كده. لازم أنتقم منهم ومن كل واحد حرمني من بنتي وخلى سليم بين الحياة والموت. لكن عزت باشا عنده حق، لازم نستنى لما سليم يفوق، هو ده الأهم. هو ده إللي لازم يهمنا الأول. بعدين هننتقم براحتنا علشان نعرف نفكر صح. سليم دايماً كان بيقول لي: المتعصب والغضبان والحزين دايماً أفكاره وقراراته بتكون غلط، لأنها نتيجة اضطراب وتشتت. بس لما بتهدي بتفكري صح وكل السكك المقفلة بتتفتح من غير تعب، وإحنا هنعمل كده.
نظر إليها عزت بدهشة، فهي تتحدث مثل سليم وبنفس طريقته، حتى في نظراته. ولما لا؟! فهو من رباها منذ أن كانت في الخامسة عشرة من عمرها، لا تعرف شيئًا عن هذه الحياة، فـسليم هو من أخذها خارج حدود القصر وواجهت هذا العالم المخيف، لكن تحت مراقبته وعينه. وقد كان لتأثير شخصية سليم عليها بالغ الأثر، وظهر هذا بوضوح شديد.

عزت معلقًا: بقيتي بتتكلمي زي سليم بالظبط، حاسس إن سليم واقف قصادي، حتى نظراته.
ماسة بثقة رفعت عينيها نحوه: ما أنا تربية سليم الراوي يا باشا، فطبيعي أكون شبهه.
عزت وهو يربت على كتفها بجبروت قال: وأنا أوعدك إني هاجيب إللي عمل فيكم كده وهارميه تحت رجلك يطلب الرحمة ودموع الندم مغرقاه.
كل هذا وفايزة تستمع إلى حديثهم، غارقة في أفكارها التي تعصف بخلايا عقلها باضطراب، والصداع الذي أصبح رفيقها الدائم منذ يوم الحادثة يزيدها إنهاكًا. كانت مرتعبة، تخشى أن يُكشف السر الذي يثقل كاهلها. لا تدري ما عليها فعله! هل تبوح بما حدث، علّ تلك المعلومة تقودهم إلى الفاعل الحقيقي؟ أم تلتزم الصمت، حفاظًا على نفسها وأولادها؟ فهي تدرك جيدًا أنهم سيكونون هالكين لا محالة إذا انكشف الأمر! وإن سامح عزت يومًا، فلن يغفر سليم أبدًا…
كانت في وضع شديد الصعوبة؛ بقبولها لهذه الجريمة، اختارت أن تغرس نفسها في الوحل، وعلمت أن الخروج منه لن يكون بلا خسائر. لكنها تدرك في أعماق قلبها أن هذا هو عقابها لموافقتها على قتل ماسة وترك رشدي ينفذ خطته، وهي على يقين من كم الكراهية والحقد المتأجج في قلبه تجاه سليم.
فايزة: طب أعتقد كفاية كده، أنا هاروح لسليم.
تركتهم وخرجت للخارج.
الكافتيريا – 4م
كانت سلوى تجلس في الكافتيريا تحتسي العصير. بعد دقائق، دخل مكي من الباب، وعندما رآها، ارتسمت على شفتيه ابتسامة صغيرة واقترب منها.
مكي باحترام: إزيك يا سلوى؟

رفعت سلوى عينيها واستدارت برأسها قليلًا تجاهه. سلوى: الحمد لله، إنت عامل إيه؟
مكي: تمام. ممكن أقعد؟
هزّت سلوى رأسها بالموافقة. جلس على المقعد المقابل لها.
مكي باهتمام: عاملة إيه دلوقتي؟ كويسة؟
سلوى بتعب: يعني… ارتحت شوية لما ماسة بقت كويسة ورجعت تاني تقف وتتكلم معانا. يمكن هي في عالم تاني مش ماسة أختي، بس أحسن بكتير من إنها تبقى منهارة كده وتعبانة وبنيمها بالمهدئات علشان نعرف نسيطر عليها.
بدأت عيناها تمتلئان بالدموع وقالت بنبرة حزينة:
أنا لحد اللحظة دي مش عارفة أستوعب وأصدق إن ممكن حد يعمل في حد كده! حتى لو عدوه. بس مش للدرجة دي! يقتلوا طفل صغير لسه أصلاً ما خرجش للدنيا.
مكي بعملية: بصي يا سلوى، أنا هتكلم معاكي بصراحة… شغلنا والحياة بتاعتنا تخليني أقولك اللي حصل لسليم ده رحمة.
نظرت له سلوى باستغراب، كأنها لم تفهم كلامه. أكمل مكي حديثه ردًا على نظرتها.
مكي موضحًا: مستغربة ليه؟ أيوة، رحمة. اللي عمل كده أكيد من أعداء سليم، وهو “رحمه” بأنه حاول يقتله. بس ربنا كان له حكمة إنه يخليه عايش. عارفة لو مش عايز يرحمه وعايز يعذّبه؟ كان سيبه عايش وما قربش منه. كان استنى ماسة تولد، وقتلهم هما الاثنين. وكان ممكن يغتصبها قدام عينيه علشان يعيشه متعذب. للأسف، العالم بتاعنا متوحش.

رغم إن سليم حاول يبعد ماسة عن كل ده، بس هم قدروا يوصلوا له. علشان كده اختاروا أكتر حاجة ممكن توجعه ودخلوا منها.
عدّلت سلوى من جلستها وسألت وهي تعقد حاجبيها: طب مين ممكن يكون عمل كده؟ أكيد فيه أكتر من شخص شاكّين فيه.
مكي وهو يهز رأسه تأييدًا: أكيد، بس أنا مش هينفع أقولك. خطر عليكي.
عادت سلوى برأسها للخلف بتوتر. سلوى: طب إنت كده خوفتني على ماسة وسليم أكتر. أكيد اللي عمل كده عرف إنهم لسه عايشين، وممكن يحاولوا يقتلوهم تاني!
مكي: ده أكيد. علشان كده أنا مش بخلي أي حد يقرب منهم. أي دكتور بيدخل، أنا أو عشري بندخل معاه. الحراس مالين المكان، وحتى إسماعيل جايب رجالته. ما تقلقيش، المكان متأمن.
سلوى وهي ترفع عينيها لأعلى: ربنا يقومهم بالسلامة يا رب، ونخلص من الكابوس ده.
مكي بابتسامة لطيفة: إن شاء الله.
قصر الراوي – 5 م
في الهول الكبير، جلس رشدي وعماد وصافيناز ومنى يتحدثون. بدا التوتر واضحًا على ملامح رشدي، الذي كان يمرر عينيه عليهم بتعجب.
رشدي بحدة: أنا مش فاهم! إزاي قاعدين كده بكل البرود ده؟ كأن مفيش حاجة حصلت! بقولكم ماسة فاقت، ولا علشان أنا اللي قمت بالليلة مش خايفين؟ أنا لو وقعت، كلكم هتقعوا معايا.

نظر له عماد بملل واضح، وقلب عينيه قبل أن يرد عليه بنبرة هادئة تحمل استنكارًا.
عماد بهدوء قاتل: ما تبطل تهددنا بقى. إحنا عارفين كويس اللي هيقع فينا هيوقع الكل معاه. وبعدين ماسة فاقت… إيه المشكلة يعني؟ كان هييجي وقت وهتفوق. كل اللي قالته ده ولا حاجة. بالعكس، هي صعبتها أكتر. (يتحدث بمكر) وخلت دماغهم كلها تروح لاتجاه واحد، إن اللي عمل الحادثة هو اللي ضربهم بالنار. خليهم يدوروا بقى، وأنا متأكد إنهم مش هيوصلوا لأي حاجة. كنا إحنا وصلنا برغم إننا عارفين كل حاجة. وبعد موت صاحب الكشك وسواق النقل وسواق التاكسي، خلاص… مافيش حاجة تخاف منها. ومستحيل يشكوا فينا، لأننا كلنا كنا موجودين في مكاتبنا وقت الحادثة. وأنا هاعرف أثبت إنت كنت فين وقتها. عايز إيه تاني؟
أضافت صافيناز بنبرة متعجرفة، وهي تقلب شفتيها بخفة من طرف أنفها بتأكيد: بالظبط يا رشدي، مافيش حاجة تخاف منها..
نظرت له باستغراب وأكملت: وبعدين رشدي بيخاف؟ ومتوتر؟ مش معقول! ده إنت بجح.
ركز رشدي نظراته الحادة في عينيها ورد بنبرة رجولية قوية.
رشدي: أنا ما بخافش ولا بيهمني. أنا بفتح صدري وبرمي نفسي في التهلكة. بس مع عزت الراوي؟ لازم أخاف! دي ملايين، يا أستاذة… ملايين. وعشان ما تروحش برة، كنت هقتل أخويا. تفتكري بقى أنا ممكن أعمل إيه عشان أحافظ على مكانتي عند الباشا؟! هي أصلًا خربانة، بس مش عايزها تخرب أكتر من كده.
عماد باختناق: ياريت بقى نقفل على الموضوع ده… الحيطان لها ودان.
منى معلقه بحدة: على فكرة رشدي بيتكلم صح وإحنا لازم كلنا نخاف ونتوتر فايزة هانم رفعت إيديها من علينا وقالت لو سليم حصل له حاجة هتقول كل حاجة للباشا، ولحد اللحظة دي سليم مافقش وفايزة مش طايقة حد فينا، ولا بتكلم حد فينا، وسكوتها وهدوءها يرعب، إحنا لازم نخاف، سليم لو فضل في الغيبوبة دي، ماما مش هتفضل ساكتة هتتكلم وقتها مش رشدي بس إللي هيدفع التمن، كلنا.

رشدي بشدة: ولسه لما سليم يفوق وبنفسه يدور على أللي عمل كدة، إحنا في مصيبة.
منى بجبروت وبرود قاتل: خلاص نتخلص من سليم وماسة ونشرب عليهم قهوة سادة.
نظر لها الجميع بإستغراب وهم يعقدون حاجبهم أكملت منى ردا على تلك النظرة بجبروت وخبث فهي تفهم طينتهم جيداً.
أيوة بتبصوا كدة ليه لازم نقتل سليم وماسة، زي ما إحنا كنا عايزين، بقولكم إيه إحنا مش هنكذب على بعض، كلنا كنا بنتمنى إن سليم يكون في العربية معاها ويموت وفرحنا أوي أن رشدي عمل كدة.
ارتسمت على شفتي صافيناز نصف إبتسامة مستخفة :وده هنعمله إزاي يا منوشة.
أجابتها منى بنفس طريقتها المستخفة: نجيب واحد تبعنا يعمل نفسه دكتور ويدخل ويحط له حقنة ونفس الكلام لماسة ونخلص من الأثنين لإن ماسة لو فضلت عايشة هتورث سليم.
صافيناز وهي ترفع أحد حاجبيها ترمقها من أعلى لأسفل بإبتسامة خبيثة مستخفة قالت بخنافة من طرف أنفها: هو إنتي ناسية يا منى إن مامي مابتسيبش أوضة سليم لثانية واحدة، حتى لما الدكتور بيدخله بتفضل واقفة وكمان بيبقى معاها يا عشري يا مكي هما عارفين ومتأكدين إن إللي حاول يقتل سليم هايحاول يقتله تاني، سواء هو أو ماسة فهما مقفلينها من جميع الإتجاهات فكرتك ساذجة أوي.
أكمل رشدي الحديث بجدية: ومش بس كدة، أي حاجة هتحصلهم هايتعرف إنه إحنا. وساعتها فايزة هاتحرقنا وأنا ماعنديش استعداد أتحرق.
صافيناز: وما تنسيش كمان يا منى إن ماسة فاقت ومجرد مافاقت جريت عليه وهي كمان مش هاتسيبه ماهي لسه عايشة جو روميو وجوليت مع بعض، قتل سليم دلوقتي مش في مصلحتنا..

نهضت بزهق وهى تمرر عينيها عليهم قالت بإختناق
بعدين فيه إيه يارشدي إنت وطه؟ إنتم بتفكروا إزاي؟؟ ماسة إيه إللي عاملين لها حساب هي دي يتعمل لها حساب أصلاً، وحتى لو سليم فاق مش هايعمل حاجة، إحنا لازم كل تفكيرنا يبقى متجه لإتجاه واحد إن إحنا نعرف مين إللي عمل كدة، علشان إللي عمل كدة بنسبة كبيرة عرف الإتفاق إللي تم بينا وتأكدوا لو عرفت إن حد فيكم كان بيلعب من ورانا هايندم.
توقفت منى ونظرت لها بحدة فهي على يقين إن صافيناز تقصدها بالحديث: ماتقولي كلامك بوضوح يا صافيناز من غير تجميل، لإن طبعاً رشدي ما يقدرش يعمل كدة، وطبعا جوزك برة الكلام هيتبقى غير مين فايزة !!! يستحيل تعملها أصبح مافيش غيري أنا وطه وأنا بقول لك ريحي نفسك يا صافيناز وماتشغليش وقتك بينا لا أنا ولا جوزي ملناش علاقة باللي حصل لسليم وماسة، لإن الموضوع ده بصراحة أكبر مننا ويستحيل كنت أروح أقول لبابا يساعدني في حاجة زي كدة لأنه هيرفض اوعى تنسى ان طه مكنش عارف حاجة ورافض.
نظرت لها صافيناز من أعلى لأسفل دون تحدث بنصف إبتسامة استخفاف على حديثها فهي أكبر وأعظم من أن تجيبها، لكن منى نظرت لها ذات النظرة فهما تفهمان لبعض جيداً.
عماد بعقلانية ممزوجة بحدة: والله أنا شايف بدل ما إحنا عمالين نخون بعض نحاول نروح نصلح أي حاجة مع فايزة علشان إحنا رقبتنا تحت إيديها.
رشدي رفع عينه نحوه: أول مرة تقول حاجة صح إحنا فعلاً لازم نطلب السماح من فايزة لأنها الوحيدة إللي هاتحمينا، ( بحقد وكراهية وغل) أقولها من ورا قلبي يا رب سليم يفوق لإنه لو مافقش كلنا هنحفر قبورنا بإيدينا .

منى: ده الموت هيكون رحمة لينا من اللي هايعمله فينا الباشا.
نظرا صافيناز وعماد لهم باختناق فتوترهم هذا يشعرهم بالاختناق فهم في بأريحية غريبه كان لا شيء قد حدث.
بقلمي_ليلةعادل ⁦(⁠•⁠‿⁠•⁠)⁩❤️
إيطاليا
مزرعة ماركو، الرابعة مساءً
تظهر مشاهد لحقول زراعية شاسعة تحيط بها مبانٍ صغيرة ذات تحصين منيع من قبل رجال أشداء مسلحين. يجلس ياسين مع ماركو أمام طاولة صغيرة في الهواء الطلق، يحتسيان الشاي الإيطالي ويتحدثان بالإيطالية.
ماركو وهو يزم شفتيه: حزنت كثيرًا عندما وصلني الخبر. كنت أريد أن آتي إلى مصر لأطمئن على سليم، لكن قبل وصولي للطائرة، جاءتني رسالة بموعد وصولك.
ياسين باحترام: أشكرك على اهتمامك يا ماركو، لكن والدي يريد مساعدتك في البحث عن المسؤول عن الحادثة. لديه شكوك في إريك وتيمو.
ماركو بعملية: عندما وصلني الخبر، بدأت بالبحث فعلاً، لكن لم أصل إلى شيء. مكي تحدث معي، وأردت أن أقدم لك هدية عند وصولك، رأس إريك وتيمو إن كانا هما المسؤولين عن الحادثة. لكن للأسف، ما زالوا خارج الشبهات، ليسوا هم، ياسين.
ياسين متعجبًا: لماذا أنت متأكد إلى هذا الحد؟

ماركو بتوضيح: إريك رجل ذكي جدًا. الكرسي الذي فاز به على طاولة الاتفاق أهم بالنسبة له من أي طموح آخر. بعد كل هذه السنوات، أصبح محترفًا في إدارة اللعبة. ولم يأخذ بثأر والده. دعني أخبرك شيئًا صغيرًا، نحن هنا لا نعمل بالعواطف مثلكم في الشرق الأوسط. نحن ندير الأمور بشكل مختلف، ياسين.
ياسين يهز رأسه بإيجاب موضحاً: لكن لا تنسَ أنه الآن “كلب وفي” لرافأييل ورئيس جامعة الحلفاء مستر باولو. لا أعتقد أن قصتنا تعنيهم بعد ما ابتعد سليم عن تلك الأعمال.
ماركو بتوضيح: لا يمتلك رافاييل ولا باولو أي مصلحة في إيذاء سليم.
ياسين بذكاء وقوة: نعم، لكن ربما إريك قام بذلك بناءً على أوامر معينة أو ربما لم ينسَ دم أبيه. ولا تقل لي أنكم تديرون الأمور بشكل مختلف، أنتم تنتقمون مثلنا وتأخذون بثأركم. ربما بعد أن أثبت نفسه طوال تلك السنوات وابتعاد سليم عن الحماية أصبح إريك يرى أنه يستطيع التحرك بسهولة، وطلب الإذن وقاموا بالموافقة وسهلوا عليه كل شيء. لهذا السبب لم نصل إلى شيء.
ماركو متعجبًا ويبدو عليه القلق: إذا كان ما تقوله صحيحًا، فهذه ستكون كارثة غير مسبوقة منذ أيام جدي. لا أحد من الحلفاء ارتكب خيانة من هذا النوع. لكن دعني أبحث أكثر. تحدثت مع ريمون وفلاريو، وسيساعدوننا.
ياسين بثقة تعكس قوة شخصيته: أنا هنا الآن، أنا ورجالي، لنبحث عن من فعل هذا بأخي. ماركو، أريد منك شيئًا صغيرًا… أن تبلغ الجميع على تلك الطاولة أن ياسين الراوي لن يتهاون في دم شقيقه.
ماركو: يوم الأحد سنعقد اجتماعًا صغيرًا. سأكون حاضرًا، وسأنقل رسالتك.

ابتسم ماركو واعتدل في جلسته: هدئ من روعك يا رجل. لا أظن أن إريك يجرؤ على فعل شيء كهذا. ولو كان متورطًا، لكان اعترف دون خوف.
ياسين: سيخاف. نحن عائلة الراوي. قوتنا تجعلهم يعيدون التفكير ألف مرة. لكنك محق، هم يتصرفون في الخفاء ويختبئون كالفئران. أما نحن، فنقف مرفوعي الرأس ونقول: فعلنا ذلك.
ماركو: كم ستبقى في إيطاليا؟
ياسين: لما بعد الاجتماع.
ماركو بذكاء : تمام. لكن أريد منك ألا تجعل كل تفكيرك ينصب فقط على إريك وتيمو. دعنا نبحث خلف الجميع
_مصر
_ المستشفى٦م
غرفة ماسة
نشاهد ماسة وهي تجلس على الفراش، وسعدية تجلس أمامها تُطعمها الزبادي، وكان باقي العائلة يجلسون من حولها.
ماسة وهي تزم شفتيها بإشمئزاز وتشير بيديها: ماما، أنا مش قادرة أكل تاني، كفاية بقى لو سمحتي.
سعدية باعتراض واستهجان: لازم تاكلي عشان تتغذي، إنتي بقالك أربع أيام عايشة على المحاليل. مش شايفة وشك بقى؟ قد اللقمة إزاي! وتحت عينك أسود إزاي؟ وعينك مش باينة، دخلت لجوة. كلي، بعدين وهو ده أكل؟ ده أنا بكرة هاعملك فرخة بلدي من اللي مربياهم، وتاكليها كلها، وابقي قولي لا يا ماسة بقى.

تنهدت ماسة، فهي غير قادرة على التحدث والمجادلة، وإذا اعترضت فلن تنتهي: حاضر، اعمليها، وهأكلها. بس خلاص دلوقتي علشان خاطري. شوية وهأكل تاني، والله العظيم.
مجاهد: خلاص يا سعدية، سيبيها على راحتها، شوية وتبقى تاكل تاني.
سعدية: حاضر يا أبو عمار.
حاولت ماسة الوقوف، فنظرت إليها سعدية من أعلى لأسفل باستغراب: إنتي رايحة فين؟
ماسة: ها أروح لسليم، هاقعد معاه هناك. أنا بقيت كويسة، لازم أكون جنبه عشان لما يفتح عينه، أكون أول شخص يشوفه.
مجاهد بحنان: ما إنتي لسة جاية من عنده من شوية، ارتاحي يا بنتي. اللي حصلك مش قليل برضه.
ماسة برجاء: بابا، أنا بقيت كويسة والله. وطبيعي إني أبقى مع جوزي دلوقتي في محنتنا دي… مش حضرتك ربتنا على كده؟ خلاص، ماتقلقوش عليا، سيبوني براحتي.
سعدية بحنان: طب استني أخوكي يوصلك.نظرت لعمار وهي تقول: وصل أختك يا عمار.
ماسة باعتراض وهي تشير بيدها: ماما، سليم جنبنا مش بعيد، بعدين خليني على راحتي.
سعدية بتعجب دون رضا: جبتي العند ده كله منين يا بت؟ أمري لله، الدكتور قال نسيبك على راحتك. اتفضلي بس هتقدري تمشي على رجلك.
ماسة اه هقدر حاسه ان انا أحسن من الصبح.

تنهدت ماسة وخرجت للخارج.
نظر عمار لآثارها بحزن: صعبانة عليا أوي.
سعدية: ربنا يهونها.
مجاهد: هي البت سلوى فين؟
سعدية: في الكافتيريا بتشرب لها حاجة.
مجاهد: أنا هاخد العيال ونمشي. خليكي قاعدة معاها، هي بكرة ولا بعده هتخرج.
سعدية: كنت لسة هقولك، إنت والعيال هنا من وقت الحادثة محتاجين ترتاحوا.
غرفة الرعاية المركزة 5م
خرجت ماسة إلى الممر، تتحرك وهي تنظر من حولها. كانت الحراسة مشددة، رجال أقوياء يحملون أسلحة أشبه برجال القوات الخاصة. مررت عينيها عليهم بتعجب، وكانت خطواتها غير متزنة إلى حد ما. اخذت تتحرك كالتائهة، بوجه ما زال شاحباً كالورد الأبيض الذابل..
أمام غرفة الرعاية المركزة من الخارج، كانت تجلس فريدة
توقفت حين راتها ماسة: عامله ايه دلوقت ايه اللي جابك؟!
ماسة: جايه اطمن على سليم.بعد اذنك

تبسمت لها فريدة، ثم ابتعدت قليلاً، دخلت ماسة للدخل كان يتوقف أمام باب الغرفة من الخارج بعض الحراس وعشري.
ماسة بلطف: عشري، أنا عايزة أدخل.
عشري: فايزة هانم جوة.
ماسة بلطف: مش مشكلة، أدخلها وقولها ماسة عايزة تدخل. كفاية عليها كده، أنا عرفت إنها ماسابتهوش خالص طول الفترة اللي فاتت. دلوقتي بقى أنا اللي هأقعد معاه ولا إيه؟
عشري هز رأسه بإيجاب: هأدخل أتكلم معاها وأسألها بعد إذنك.
تحرك عشري ودخل الغرفة، وبعد دقائق خرج ومعه فايزة.
فور خروجها، نظرت فايزة لماسة من أعلى لأسفل كأنها ستحرقها من كتر الغل والحقد، فابنها يرقد على الفراش بين الحياة والموت، وهي تقف أمام عينيها لا يوجد بها سوى بعض الخدوش والهزالان فقط. كم كانت تتمنى من داخل قلبها أن تكون هي مكان سليم… وفي نفس الوقت تعلم جيداً في داخلها مدى عشق وقرب ماسة من سليم. فماسة هي إكسير الحياة بالنسبة له، ومن الممكن قربها منه يوقظه ويعود مرة أخرى، وهذا كل ما تريده، فضغطت على نفسها من أجل تحملها لتلك الفترة حتى تنال مرادها.
فايزة بجمود: حمد لله على السلامة.
ماسة: الله يسلمك يا هانم.

فايزة بجبروت، نظرت داخل عينيها: أنا هاسيبك تدخلي، بس ده عشان أنا عارفة إنه هو قد إيه بيحبك ومتعلق بيكي.
ماسة بلطف: وبيحبك إنتي كمان.
فايزة باستهجان كأنها لا تسمعها، فهي أكبر من أن تدخل معها في أحاديث من هذا النوع: أدخلي، يمكن المعجزة تكون على إيدك ويفوق. خدي بالك كويس، فاهمة؟
هزت ماسة رأسها بإيجاب، فهي تفهم طريقتها تلك، لكنها في وضع لا تستطيع الدخول معها في مهاترات أو مشاكل من هذا القبيل، فصمتت ودخلت دون أن تتفوه بكلمة.
دخلت ماسة من الباب، وكانت في استقبالها إحدى الممرضات، قامت بإعطائها الملابس المناسبة لغرفة العناية المركزة.
على إتجاه آخر، نشاهد فايزة تقف وتتحدث مع عشري.
فايزة: أمال فين مكي؟
عشري: في الكافتيريا بيرتاح شوية وبيتعشى.
فايزة بتنبيه: خدوا بالكم كويس، أنا هاروح وها أرجع تاني، ساعتين كده… (بتحذير) عشري، روحك مش هاتكفي لو حصل لسليم حاجة.
عشري بتأكيد: ما تقلقيش يا هانم، يستحيل اللي حصل يتكرر.
نظرت له من أعلى لأسفل وتركته، وتحركت. دخل عشري للداخل وتوقف أمام النافذة الزجاجية للحراسة.

داخل غرفة العناية المركزة
نشاهد ماسة تدخل من باب غرفة العناية المركزة. اقتربت من سليم بوجع حتى توقفت بالقرب منه.
ماسة بنبرة حزينة مكتومة وهشة، وهي تمرر عينيها على تفاصيل وجهه بشوق: “أنا جتلك يا حبيبي…
اقتربت منه، وإنحنت قليلاً، مررت أطراف أصابع يديها على وجهه بعينين تذرفان الدموع، وقشعريرة هزت كل جسدها من الوجع والقهر. أكملت:
جتلك ومش هابعد عنك تاني أبداً، مهما حاولوا يفرقونا مش هَيقدروا، لأننا روح واحدة. أنا هافضل جنبك، وهأستناك تفتح عينيك اللي بموت فيهم، وهأكون أول واحدة عينك تشوفها زي ما كنت آخر وحدة عينيك شافتها ولسانك نطق باسمها…
مسحت دموعها، ارتسمت على شفتيها ابتسامة جميلة، وأكملت:خلاص بقى، مش عايزين نكد تاني…
ابتعدت ونظرت خلفها، وجدت مقعداً جلبته وجلست عليه. أمسكت يده وأكملت:
أنا هافضل قاعدة جنبك مستنياك تفتح عينك عشان تطفي نار قلبي وروحي اللي حرقاني ببعدك عني.
ظلت ماسة تجلس بجانب سليم دون كلل أو ملل حتى ساعات الليل المتأخرة، ثم عادت إلى غرفتها.
قصر الراوي 7م
الهول
كان مازال منى وعماد وصافيناز ورشدي يجلسون في الهول. بعد دقائق، طرق الباب، فتوجهت إحدى الخادمات لفتحه. كانت فايزة قد دخلت للداخل. فور دخولها، توقف الجميع ينظرون إليها باستغراب.

عقدت صافيناز حاجبيها بتعجب: مامي، خير؟ إيه اللي جابك؟ سليم حصل له حاجة؟
نظرت لها فايزة من طرف عينيها من أعلى لأسفل بضيق، ثم توجهت بصمت إلى الدرج.
ركض إليها رشدي مسرعًا: “ماما، مش بتردي ليه؟”
توقفت فايزة واستدارت، وهي تتحدث من بين أسنانها بتهكم ممزوج بتهديد: أنا مش طايقة أسمع صوت حد فيكم، خصوصا انت، ولسانكم مايخاطبش لساني طول الفترة دي. أنا ماسكة نفسي بالعافية.
رشدي باستهجان: طب فهمينا إيه اللي حصل؟ .
رمقتها فايزة من أعلى لأسفل باستهجان ممزوج بإشمئزاز: ماتقلقش على نفسك أوي كده، لو في حاجة كان زمانك عرفت.
حركت عينيها عليهم باحتقار وصعدت الدرج حتى غرفتها. وعيونهم تتابع آثارها بصمت.
وفي اليوم التالي
جاء رجال الشرطة وأخذوا أقوال ماسة في الحادثة، لكن كل ما قالته لم يساعدهم في شيء.
وبعد انتهائها، توجهت إلى غرفة العناية وظلت تجلس مع سليم حتى آخر الليل.
قصر الراوي التاسعة مساءً
مكتب عزت.

عزت يجلس على المقعد الكبير مقابل ياسين وفايزة اللذان يجلسان في المقاعد الأمامية. ياسين يبدو مرهقاً، وعيناه تحملان تعابير القلق.
عزت بحزم: يعني، ما وصلتش لحاجة يا ياسين.”
ياسين بتعب: لا، مستر مارلو قابلني لوحده. عزمني على العشا، واتكلم معايا وقال لي يستحيل يشترك مع إريك، وإنه مش مبسوط خالص من الشكوك اللي في دماغي، بإنهم ممكن يكونوا باعوا سليم، و اشتركوا مع إريك، حتى لو سليم ما بقاش معانا، في الأساس الحماية من أجل عزت، مش من أجل سليم، وهما فعلاً…دوروا وما وصلوش لحاجة. وأكد لي لو إريك وتيمو طلعوا وراها هيقتلهم ماركو بردو قالي كدة بس أنا مصدقتش.
فايزة بتساؤل: يعني إيه؟ مين اللي عملها؟ مين له مصلحة؟
ياسين يرتشف قليلاً من كوب الماء الذي أمامه:
حضرتك اتكلمت مع ريمون؟ دورت ورا ولاد الصياد والشعراوي؟
عزت بابتسامة مشكوك فيها: لا مش هم. أنا قلت لك أصلاً الموضوع أصغر منهم.
تنهدت فايزة بتوتر: طب هنعمل إيه؟
ممسح عزت عينه بتعب: مش عارف يا فايزة مش عارف كأنها اتقفلت زي الدوامة.
غرفة هبة وياسين
نرى هبة تقف في الشرفة وتتحدث في هاتفها.

هبة: مش عارفة والله يا ريتال… بس ماسة ما بتسبش سليم، ممكن يومين كده وتروحي لها. آه، هي بقت أحسن خلاص الحمد لله.
أثناء حديثها، يدخل ياسين الذي عاد للتو من سفره ..
هبة باعتذار: طب ريتال، هكلمك بعدين. ياسين لسه واصل من السفر. أوكي، باي.
تبسمت، وتوجهت نحوه وقامت بمعانقته.
هبة بشوق : حمد لله على سلامتك يا حبيبي.
كان الضيق يبدو على ياسين : الله يسلمك.
جلس على الفراش وجلست بجانبه.
هبة متعجبة: مالك؟
ياسين: ما وصلناش لحاجة للأسف الشديد.
هبة متسائلة: هو أنت أصلاً الناس اللي سافرت لهم دول مين؟ أنا ما فهمتش حاجة.
ياسين بتوتر: رجال أعمال كبار.
نظرت له هبة باستهجان: رجال أعمال كبار ولا عصابات مافيا؟
عقد ياسين حاجبيه متعجباً : ايه اللي أنتِ بتقوليه ده؟

هبة بشدة: بقول الحقيقة. ما هو اللي بيشتغل في تهريب الذهب والألماس أكيد لازم يكون عضو في عصابات المافيا. أنتم بتشتغلوا في حاجات كبيرة زي البترول، شحن البضائع، التنقيب، عن الذهب والأحجار و المعادن. كل الأعمال دي لازم يكون داخلها عصابات مافيا، خصوصاً بعد اللي حصل لسليم. دي مش أول مرة يتعرض للقتل. أنا متأكدة إنكم بتشتغلوا في شغل غير قانوني.
تنهد ياسين بانزعاج: هبة، مش وقتك خالص،،يا هبة احنا عندنا حاجات أهم بكتير من اللي أنتِ بتتكلمي فيه ده.
هبة نظرت له بتهكم: يعني إيه “مش وقتي؟ اللي أنا بتكلم فيه ده مهم! أنت ممكن تعيش نفس اللي عاشه أخوك، وأنا كمان أعيش نفس مصير ماسة! مش خايف عليا.
ياسين بضجر: إنتي عايزة إيه دلوقتي؟
هبة بقوة: عايزة أفهم…أنت بتشتغل في إيه بالضبط؟ سلاح، صح؟
ياسين نظر لها بحسم: لا، ما بنشتغلش في السلاح. إحنا شغلنا في الألماس والذهب.
هبة بشك: متأكد؟
ياسين باقتضاب: متأكد.
هبة بمكر: ما بتشتغلوش في الآثار؟
مرر ياسين عينه عليها ثم قال بتأكيد: بنشتغل في الآثار، إيه المشكلة؟ (بضجر)بصي يا هبة، ريحي دماغك، اللي شغالة دي، أنا مش ناقص. إحنا ما بنشتغلش غير في الذهب والألماس والآثار. ومش هم السبب في المشاكل اللي حصلت لسليم. دول أعداء بيكرهونا عشان ياخدوا مكانا. وسليم لأنه كان عنيد وأخدها فتح صدر، زي ما بيقولوا، حصل له كل ده. بس مين بقى؟ إحنا لسه بندور.

هبة: على أساس يعني إن تجارة الآثار مش حرام؟
ياسين: تجارة الآثار مش حرام. إيه الحرام في كده؟
إحنا ناس بندفع فلوس، وبنشتري معدات، وبنقعد ندور ده زي التنقيب عن البترول والدهب وغيره.
هبة بتعجب: هو ده بقى اللي ضحكوا عليك بيه عشان تصدق إنك مش بتعمل حاجة غلط.
ياسين بانفعال: لا، ما ضحكوش عليا. هو فعلاً مش حرام. لما تنقبي عن البترول أو الغاز أو الذهب أو الألماس، ليه ما بيكونش حرام؟ اشمعنا الآثار اللي فيها مشكلة؟
هبة: لأنها ملك للدولة.
ياسين: دي قوانين الدولة اللي عملتها، لكن في الحقيقة الآثار دي ملك لكل فرد في الشعب. واللي يلاقي حاجة ياخدها احنا ولا شغالين في مخدرات ولا سلاح عشان يبقى حرام
مسحت هبة على وجهها بملل:
عموماً، مش ده موضوعنا. الموضوع الأهم دلوقتي إنك لازم تبعد عن الشغل ده. مش خايف عليا؟ مش خايف على نفسك يحصل لك نفس اللي حصل لسليم؟
ياسين تنهد بتعب: أنا مش خايف. سليم كان عنده مشاكل مع ناس، بس للأسف ما طلعوش هما السبب.

هبة: وده معناه إن الموضوع أعمق من كده. فيه ناس تانية والموضوع بعيد عن المشاكل اللي تعرفها.
ياسين: هبة، أنا مش هقدر أبعد دلوقتي، خصوصاً في الوقت ده.
هبة بتأثر: بالعكس، لازم تبعد. لو مش عشاني، يبقى عشان الطفل اللي جاي.
نظر لها ياسين باستغراب.
ياسين: أنتِ بتقولي إيه؟
أمسكت هبة يده ووضعتها على بطنها بابتسامة:
بقولك، لازم تبعد عن الشغل ده عشان خاطر ابننا. أنا عارفة إني حامل من قبل ماتسافر، بس ما كنتش عارفة أقولك عشان اللي حصل لسليم.
تجمد ياسين للحظة قبل أن يعانقها بابتسامة مليئة بالدموع إزاي ما تقوليش!!
هبة: حسيت إن الوقت مش مناسب.
ياسين بفرحة: مجنونة يا هبة، والله العظيم.
سحبها إليه وضمها..أنتِ مش عارفة قد إيه كنت مستني اللحظة دي.
هبة وهي تمسح على خده بأصابع يديها: عشان خاطري يا ياسين، ابعد عن الشغل ده انا حاسة إن هو السبب.
ياسين:والله العظيم لاأنا متأكد، عموما حاضر بس مش هينفع دلوقتي ما تقلقيش عليا.

هبه بضيق: يخرب بيت عنادك المهم هنقول لهم ولا ايه.
ياسين نهض: استني شوية، أنا هقوم آخذ شاور واخليهم يحضروا العشا
توقفت هبة،، نظر لها ياسين للحظه ثم سحبها إليه وضمها : مبروك يا حبيبتي،،
(بحزن) مش عارف أفرح مخنوق أوي والله..
تمسح هبة على ظهره:إن شاء الله هيقوم بالسلامة وهيبقى كويس إن شاءالله.
ياسين: أنا بعد العشاء هروح أشوف سليم،، تيجي معايا؟؟
هبة: إن شاء الله،، على فكرة بكرة عندنا معاد مع الدكتور اعمل حسابك أنا عملت تست بس لكن ما رحتش للدكتور.
ياسين: تمام.
(ومر شهر كامل)
وخلال تلك الفترة، لم تترك ماسة سليم للحظة واحدة. لم تذهب إلى البيت رغم تحسن حالتها بشكل ملحوظ، ورغم محاولة عائلتها وبالأخص والدتها وسلوى إقناعها بالعودة إلى البيت والذهاب لسليم في أوقات الزيارة، لكنها كانت ترفض بشدة. كانت تريد بشدة، عندما يفتح سليم عينيه، أن تكون هي أول من يراه. كانت تشعر بالقلق إذا تركته في أي لحظة، ربما يستيقظ ولا تكون بجانبه حينها.
كانت فايزة أيضًا معها. كانت تشعر بعذاب الضمير وتشعر أنها من تسببت في كل هذا عندما وافقتهم على مخططهم.

وعلى اتجاه آخر
كان رجال الشرطة وعزت ومكي وإسماعيل يحاولون الوصول لأي شيء، لكن دون جدوى. عماد أخفى كل شيء يمكنهم من الوصول للجناة.
ومازال أيضًا عماد ورشدي، يحاولون أن يصلوا لتلك العصابة، لكن كل محاولاتهم باءت بالفشل.
وتقيدت القضية ضد مجهول بعد طلب من عزت الراوي بغلق الملف.
مجموعة الراوي 10ص
مكتب عزت
نشاهد عزت يجلس خلف مكتبه، وكان يبدو على ملامح وجهه الضيق، وكان يجلس أمامه إسماعيل ورشدي وطه وعماد وياسين يتحدثون وصافيناز وفريدة.
عزت بإختناق وهو يخبط بالقلم على المكتب ويتحدث من بين أسنانه بقهر:
يعني كده اللي عملها مش هيتحاسب؟ نفد بعملته؟ عزت الراوي مش هياخد حقه وحق ابنه؟
إسماعيل بأسف: للأسف يا باشا حرقوا أي خيط ممكن يوصلنا لأي معلومة ولسه واقفين في نفس النقطة.
ياسين بإستغراب: بس غريبة إنهم بعد محاولتهم لقتل سليم وماسة، في نفس الوقت واحد منهم راح يتصل بالإسعاف وبعدين يقتلوا صاحب الكشك.
رشدي يحاول إبعاد تفكيرهم عن تلك الفكرة: ما يمكن صدفة يا جماعة. ليه متأكدين إنهم قتلوه؟ مش يمكن حريقة عادية؟ خصوصًا إنها حصلت تاني يوم.
إسماعيل بعقلانية: لا، قتلوه. ده شغل محترفين. هما قتلوه علشان هو الوحيد اللي عارف شكل الشخص اللي طلب الإسعاف. بس ليه طلب الإسعاف من الأساس؟ دي هي اللي محتاجين نفكر فيها ونوصل لإجابة. فيه رابط بين قتل صاحب الكشك واللي اتصل.

فريدة: يمكن إللي اتصل شخص عادي مجرد شهاد.
عزت: اللي عمل كده شخص معروف لينا. ممكن يكون عمل كده تهور منه لما أعاد حساباته أو رجع للي مشغله وعرف إنه غلط فتخلصوا من الدليل الوحيد.
كان يشعر رشدي بالتوتر وهو يستمع لحديثهم، لكن حاول إخفاءه ببراعة وأخذ الحديث في مكان آخر. فهو الشخص الذي يبحثون عنه، وإذا اكتشف أمره سيذهب للجحيم.
رشدي بعملية: وبعد ما نفكر فيها، مش هنوصل لحاجة. القضية اتقفلت وفات شهر وإحنا زي ما إحنا في نفس الخطوة، وبنضيع وقت. أنا من رأيي نركز دلوقتي في شغلنا لإن فيه أكتر من مناقصة راحت مننا. ولما سليم يفوق نبقى نشوف.
صافيناز بتأييد: رشدي بيتكلم صح يا باشا. إحنا مش هافضل قاعدين نفكر ومش بنوصل لحاجة، وسايبين المجموعة تغرق. من رأيي نخلي إسماعيل ومكي يدوروا براحتهم ونركز في شغلنا.
عماد بعقلانية: صفقة الألماظ اللي ضاعت مننا أثرت علينا، لإننا كنا محتاجين لها علشان خط الإنتاج الجديد. ومش بس كده، دي خلت المنافسين يشمتوا فينا، وشايفين إننا من غير سليم ولا حاجة. وأتمنى يا باشا ما تأكدش لحد المعلومة دي، لإن ممكن يكونوا حاولوا يقتلوا سليم لإنه الشخص الوحيد اللي مسبب لهم مشاكل وتوتر في السوق، وتخلصوا منه عشان الساحة تفضى لهم. وبكده يكونوا اتخلصوا من الورقة الرابحة في عائلة الراوي.
عزت بتأكيد: لا، هما عارفين كويس إن إحنا كلنا مكناش مركزين في أي حاجة غير في سليم. وبعدين المعلومة صح جدًا. سليم أكثر شخص بيقدر يوقف المجموعة دي على رجليها. لإني خلاص مابقَتش قادر، تعبت أكتر من ٤٠ سنة وأنا موقفها وبأتحدى عمالقة السوق كله غير عصابات المافيا علشان شغلنا التاني. عمومًا، الصفقة دي مش مهمة. إنت بس اعرف لي عايز كمية قد إيه من الألماظ والذهب عشان تمشي الدنيا، وأنا هاجيبه.

هز عماد رأسه بإيجاب.
رشدي: طب والأرض بتاعة العلمين اللي كل حاجة تخصها مع سليم هتعمل فيها إيه يا باشا؟
عزت بعملية: أنا هبعت لمكي يروح يجيبها وكمان يجيب دفتر الشيكات علشان يمشي الدنيا الفترة دي. كل حاجة هتمشي زي ما سليم كان موجود بالضبط. أنا هأمسك الشغل ده مكانه لحد ما يقوم بالسلامة.
رشدي بطمع: طب ما توزعوا علينا.
عزت بشدة: أنا قولت كل حاجة هتفضل زي ما هي. زي ما سليم كان موجود. أنا متأكد إن سليم هيقوم وهيرجع كمان أحسن من ما كان. وهيسحق كل اللي قدامه. أنا حافظ سليم كويس، الضربة دي هتغير فيه كتير.
عماد: مش مهم يا باشا. أعمل اللي إنت شايفه صح. أهم حاجة نحاول على قد ما نقدر ناخد بالنا من المجموعة.
❤️______💞بقلمي_ليلةعادل💞______❤️
_ المستشفى
_ غرفةالعناية المركزة ١٢م
_ نشاهد ماسة تجلس على المقعد بجانب سليم، وهي تمسك يديه وتنظر له بعينيها بشوق قاتل، تنتظر روحها أن تعود إلى جسدها لكي يشفى أنين قلبها. وبعد دقائق، دخل الطبيب ومعه الممرضات وعشري. توقفت ماسة لاستقبالهم باحترام.

الطبيب: صباح الخير يا مدام ماسة.
ماسة وهي تهز رأسها بإيجاب وهزلان خفيف: الحمد لله.
الطبيب: شكلك مرهق أوي.
ماسة بنفي: لا، أنا الحمد لله كويسة.
الطبيب: لسة مصرة ماتروحيش؟
ماسة بحب وبابتسامة رقيقة: لا، مش عايزة لما يفتح عينه في أي لحظة ما يلاقينيش جنبه.
ارتسمت على شفتي الطبيب ابتسامة صغيرة، فقد تفهم جيدًا مدى عشقها له، ثم قال بعملية: عمومًا على راحتك، إنتي مش مسببة لنا أي مشكلة، أنا بس بطلب منك كدة لإن وجودك مالوش أي فايدة ليه. ممكن تستكفي بوقت الزيارة، لكن طبعًا براحتك. ممكن بقى تستنينا برة لحد مانغير على الجرح.
ماسة: حاضر. بتساؤل دكتور، هو مافيش حاجة ممكن نعملها يعني؟ فات شهر، مفيش 1% تحسن.
الطبيب وهو يعقد حاجبيه: إيه، فقدتي الأمل؟
ماسة وهي تهز رأسها بنفي: يستحيل، بس لو في حاجة ممكن نعملها ليه لا؟ يعني كل يوم وكل لحظة الطب بيتقدم.
الطبيب بعملية: لو في أي حاجة ممكن تتعمل صدقيني ماكناش هنتأخر. هو محتاج منك إنك تدعي له وبس.
هزت ماسة رأسها بحزن وتنهدت بتعب: تمام، أنا برة.

توجهت ماسة للخارج بعد أن خلعت الملابس الخاصة بالعناية المركزة، وتوجهت إلى المرحاض. وقفت أمام مرآة حوض الغسيل، وهي تنظر إلى وجهها بتركيز، كأنها تائهة في وسط المحيط لا تعرف أين الاتجاه الصحيح لبر الأمان. فكل الاتجاهات تؤدي إلى العدم. هي تقف مكتوفة اليدين، لا تعرف أين هو السبيل للخلاص، لكي تنقذ حبيبها، الذي اختفى رحيقه بعد الحادثة. مسحت دموعها، وأخذت تغسل وجهها، وتمرر يديها على رأسها بشعرها للخلف. ثم أخذت بعض المناديل وقامت بتجفيف وجهها. أخذت تنظر بتركيز في المرآة، يبدو أنها تفكر في شيء، حيث ارتسمت على وجهها ابتسامة واسعة، فيبدو أنها توصلت إلى فكرة ما! خرجت إلى الخارج، وتوقفت أمام الباب الخارجي للعناية في انتظار خروج الطبيب. وفور خروجه، عدلت من وقفتها وتقدمت نحوه.
ماسة باحترام: لو سمحت، ممكن كلمة؟
توقف الطبيب باحترام: طبعاً، اتفضلي.
ماسة بحماس: في فكرة مش عارفة هي ممكن تنفع ولا لأ، بس أنا عايزة أعملها.
هز الطبيب رأسه بنعم وهو يركز النظر للاستماع إليها. أكملت ماسة حديثها: عايزة أجيب شوية حاجات مؤثرات، يعني عشان أعيشه في جو إنه لسة معانا. يعني أسمعه الموسيقى اللي هو بيحبها، أحط البرفان اللي هو بيميزه، أقرأ له الكتب اللي هو بيفضلها. ممكن تعمل حاجة وتساعده إنه يفوق بسرعة. أنا شوفتها في فيلم أجنبي قبل كده، البطل كان في غيبوبة، والبطلة عملت كده معاه وبعد شوية فاق، وده جاب نتيجة.
ارتسمت على شفتي الطبيب ضحكة مكتومة على حديثها الغريب والمضحك بالنسبة له، لكنه حاول الحفاظ على تهذبه. فهو متفهم جداً لمدى لهفتها لفعل أي شيء من أجل أن يفيق من غيبوبته، فهي كالغريق الذي يتعلق بقشة من الممكن أن تنجيه من الغرق.

أجابها الطبيب باحترام: لا طبعاً، ماينفعش يا ماسة هانم، كل الكلام ده مش حقيقي. هو مش هيسمعنا، هو في عالم تاني. مهما عيشتيه في أجواء بيحبها كأنه معانا، تشغلي موسيقى، وتتكلمي معاه، وتملئي المكان كله بالريحة اللي بيميزها، مش هاحس خالص.
ماسة بتأثر: بس أنا شوفتها في الفيلم وجابت نتيجة والله.
الطبيب بلطف: مصدقك والله، بس مش كل حاجة بتحصل في الأفلام بتكون حقيقية. هما بيتخيلوا، ومش بيرجعوا للحقائق العلمية، مجرد خيال و دراما، مريض الغيبوبة أشبه بالميت، والميتين ما بيحسوش. الحاجات دي ممكن تنفع لو مريض نفسي، وبرضه مش مع كل الأمراض بتنفع. كان نفسي تكون إجابتي حاجة تانية، بس صدقيني مالهاش لازمة خالص اللي إنتي عايزة تعمليه.
شعرت ماسة بالإحباط واليأس، فآخر أمل لها ضاع. ذمت شفتيها باختناق، وهي تمسح على رقبتها بضيق، وعادت بشعرها للخلف تفكر ماذا تفعل. هل تقوم بفعلها أم تنتظر بصمت لعل سفينتها المبحرة تصل إلى مرسى؟ لكنها تشعر بداخلها أن تلك الأشياء التي تود فعلها ستفعل شيئاً. أخذت تضرب الأفكار برأسها للحظات، ثم نظرت له مرة أخرى بحماس وتأييد وقالت ببراءة:
ماسة: طب لو أنا عملت كده، هل ده ممكن يئذيه؟ عشان يعني الغرفة معقمة وكده.
الطبيب: لا، لو جبتي كتاب وقرأتيه أو شغلت موسيقى، مش هيحصل أي حاجة. ممكن بس ما ينفعش ترشي برفان.
ماسة: طب لو أنا حطيته عليه عادي؟
الطبيب: مافيش مشكلة، بس طبعاً مع التزامنا باللبس الخاص لغرفة العناية.

ماسة هزت رأسها بنعم: طبعاً، مفهوم.
الطبيب: شكلك ناوية تعملي اللي إنتي فكرتي فيه.
ماسة بابتسامة وشغف: حتى لو مش هايسمعني، حتى لو كل اللي أنا بعمله مالوش أي لازمة، وها يطير في الهوا، بس أنا جوايا إحساس بيقول لي أعمل كده. أنا عايزة أعمل كده يا دكتور، ومادام مش هيضره في حاجة، خلاص، وده المهم إنه ما يضروش، ولا إيه؟
تبسم الطبيب بلطف: مظبوط. ولو فيه حاجة هتزوديها، ابقي قولي لي عشان أقولك ينفع ولا لأ.
ماسة بتأكيد: شكراً.
الطبيب: عن إذنك.
تحرك الطبيب بعيداً، وارتسمت على شفتي ماسة ابتسامة واسعة وهي تقول بصوت وحماس: إنت هاتسمعني وهاتحس بيا، لو مش النهاردة هاتكون بكرة. لازم أبذل أي مجهود عشان ترجع لي تاني بسرعة.
اقتربت منها سلوى، وهي تنظر إليها باستغراب.
سلوى وهي تعقد حاجبيها باستغراب: واقفة كده ليه وسايبة سليم؟
ماسة: الدكتور كان بيغير على جرح سليم والمحاليل….
سحبتها من معصمها وهي تقول: بقولك إيه، تعالي نشرب حاجة وناكل. عايزاكي في خدمة.

سلوى: طيب.
الكافيتيريا
نشاهد سلوى وماسة تجلسان على الطاولة، يتناولان السندوتشات والشاي ويتحدثان.
سلوى بتأييد: هي فكرة حلوة، بس مادام الدكتور قالك ملهاش لازمة، لازمتها إيه؟
ماسة: حابة أعمل كده.
سلوى بعقلانية: شكلك ناوية تفضلي مقيمة معاه. بقيتي عنيدة. يا ماسوسة، هما أصلاً مش بيدخلوكي غير كم ساعة بس، وباقي الوقت بتفضلي قاعدة برة بتشوفيه من الإزاز. لازمتها إيه؟ ده تعب عليكي. وبعدين أمه مشيت، وبقت بتيجي وقت الزيارة هي وأخواته وأبوه. أعملي زيهم كده.
ماسة: مالييش علاقة بيهم، بعدين قولتلك عايزة لما يفوق يلاقيني جنبه مايبقاش لوحده. غير إني بكل الأنانية اللي في الدنيا عايزة أكون أول شخص يفتح عينه عليا زي ما كنت آخر شخص.
ضمت سلوى فمها بعدم رضا ويأس. فماسة لن تستمع لحديث أحد مهما حاولوا، برغم حالة الضعف والهزال التي أصبحت عليها.
سلوى: طيب، شوفي عايزة إيه وأجيبهولك.
ماسة: ها أكتبلك كل حاجة بمكانها معاك ورقة وقلم.
هزت سلوى رأسها: آه.

وضعت الساندوتش على الطاولة وأخرجت من حقيبتها نوت بوك وقلم وأعطتهم لماسة، وبدأت ماسة بكتابة ما تريد.
ماسة وهي تعطي الورقة لسلوى: أوعي تنسي حاجة.
نظرت سلوى إلى الورقة بابتسامة، وهي ترفع أحد حاجبيها باستغراب: كمان مكياج؟
ماسة بتوضيح: أممم، وشي بقى باهت أوي وتحت عيني أسود. لازم أحط حاجة عشان لما يصحى يشوفني زي آخر مرة. وأوعي تنسي الفستان اللي بوردة. وهاتيهم بكرة، ها.
سلوى: حاضر. فيه حد هناك؟
ماسة: الخدامين بس. هتروحي فيلتنا مش القصر.
سلوى: فاهمة. أخلص الأكل وأروح.
وبالفعل، توجهت سلوى إلى الفيلا، وظلت ماسة تجلس مع سليم في انتظار عودتها. وبعد وقت، جاء عزت الراوي لزيارة سليم كعادته، وبعد مجيئه ببضع دقائق، جاءت نانا خلفه. كانت ماسة قد تركت عزت بمفرده مع سليم وجلست في الاستراحة في انتظار خروجه. (نلاحظ المكان مازال مليء بالحرس.)
أقتربت نانا من ماسة وهي تخلع النظارة الشمسية: هالو ماسة.
رفعت ماسة رأسها تجاه الصوت، وعقدت حاجبيها باستغراب حين رأتها. توقفت باحترام: أهلا أستاذة نسمة.
نانا: حمد لله على سلامتك. لما جيت الزيارة المرة اللي فاتت، ما شفتكيش.

ماسة: أممم، كنت بأتغدى. إنتي جاية تشوفي سليم؟
نانا وهي تهز رأسها بنعم: أممم.
ماسة: عزت باشا جوه، ممنوع أكتر من شخص يدخل الغرفة، بس ممكن تقفي على الشباك وتشوفيه.
نانا بابتسامة: أوكيه، عن إذنك. حمد لله على سلامتك مرة تانية.
هزت ماسة رأسها بلطف، وجلست. دخلت نانا للداخل.
غرفة العناية المركزة
دخلت نانا من الباب الخارجي وكان عشري متوقفًا ومعه حارس والممرضة. فور دخول نانا، اقترب منها عشري.
نانا: إزيك يا عشري، أنا جاية أطمن على سليم بيه.
عشري بجدية: عزت باشا عنده، ماينفعش أكتر من شخص يدخل.
رفعت نانا عينيها نحو الزجاج المطل على الغرفة الداخلية للعناية المركزة التي يظهر فيها سليم على الفراش وقالت:
نانا: مش مهم. ها أستناه لما يخلص، عارفه بس.
طرق عشري على الزجاج، نظر عزت برأسه، أشارت له نانا بيديها بابتسامة. نظر عزت بتعجب شديد، نهض وتوجه إلى الخارج.
نانا: عزت باشا، أتمنى تكون فيه أخبار جديدة.

عزت بعملية: “شري، اطلع برة دلوقتي وخد الممرضة معاك.
عشري: بس يا باشا.
عزت بشدة: في إيه يا عشري؟ بقولك أطلع دلوقتي!
عشري: أمرك.
وبالفعل، خرج عشري ومعه الممرضة.
وقف عزت بضيق، وهو يجز على أسنانه بينما يخلع الملابس الخاصة بالعناية المركزة.
نانا بدلع: وحشتني يا عزت أوي.
على إتجاه آخر في الخارج
نشاهد سعدية وهي تحمل بين يديها حقيبة سوداء، وتقترب من ماسة.
سعدية وهي تمرر عينيها على ماسة باستغراب: بنت، يا ماسة، قاعدة كده ليه برة؟
رفعت ماسة رأسها نحوها بابتسامة: ماما، تعالي. عزت باشا جوه، ماينفعش حد يكون معاه غير واحد بس. فاستنيت هنا.
جلست سعدية جنبها: وما قعدتيش ليه في المكان اللي بتشوفيه من الإزاز ده؟
ماسة: عادي، حبيت أسيبه بحريته. هو مش بقاله كثير، يعني تقريبًا ربع ساعة. واللي اسمها نانا لسه داخلة له.

سعدية وهي تضع يدها أسفل ذقنها: مين نانا دي؟
ماسة بتوضيح: السكرتيرة الخاصة بتاعت عزت باشا.
سعدية: قولتيلي، بس والله ما صدقتش. وإنتي بتكلميني في التليفون وبتقوليلي هاتي أكل وإنتي جاية، قولت البنت سخنت ولا إيه؟ أخيرًا هتاكل.
ماسة بتوضيح: أنا بصراحة حسيت إن اللي بعمله في نفسي ده غلط، وإنه لازم آكل. لإن وشي بقى بهتان خالص، ودائمًا حاسة إني مدروخة ومش قادرة أمشي. وسليم لما يفوق، هيكون محتاج مراعاة.
سعدية بتهكم: لازم تحسي إن جسمك وجعك. ما إنتي خاسه ١٠ كيلو في شهر. طبيعي تحسي بكل اللي إنتي حاسة بيه ده. ما إنتي مش خاسه بصحة، بس نقول إيه؟ مفيش سمعان كلام.
ماسة بضجر: خلاص بقى يا ماما المهم جبتي لي اكل حلو معاكي.
سعدية: جبت لك حمام ورز معمر وطاجن بطاطس باللحمه مكنوش عايزين يدخلوني على الباب لقيت واحد من الحراس موجودين قلت له انا حماة سليم خلي الناس تدخلني راح مدخلني على طول
وهي تنظر من حولها .. أمال فين سلوى؟ أنا بعتهالك من بدري.
ماسة: بعتها الفيلا تجيبلي شوية حاجات. بقولك إيه؟ تعالي ننزل الكافيتيريا تحت ناكل، أنا جعت.
سعدية: طب ما تستني. أقول لعزت بيه، دي ساعة غدا وأكيد جاي من شغله بتاعه جعان.

ماسة: ماشي. هتلاقي عشري واقف على الباب، قولي له وهو يكلمه.
على إتجاه آخر
داخل غرفة العناية المركزة من الخارج
كان يقف عزت ويتحدث مع نانا.
عزت بشدة وهو يركز النظر في وجه نانا: إنتِ إزاي تيجي هنا؟
نانا بتعجب وهي تعقد حاجبيها: إيه المشكلة؟ مش أول مرة آجي أشوفه، دي المرة التانية أو التالتة تقريبًا.
عزت: وما قلتليش ليه؟
نانا بضيق ممزوج باستعطاف: هو أنا بَأشوفك إنت لسة راجع المجموعة النهاردة، ماعرفتش أتكلم معاك كلمتين على بعض لإن طول اليوم ولادك كانوا معاك. بعدين يا عزت أنا بَأحاول أتصل بيك كتير ما بتردش عليا، محتاجة أطمن عليك، مش بتقول إني الحضن الوحيد إللي بتحس فيه بالراحة!! أنا بصراحة جاية عشانك، سمعتك وإنت بتكلم فايزة وبتقولها إنك رايح لسليم، وتبقى تجيلك على المستشفى، فقلت آجي أشوفك ولو حد شافنا، عادي، جاية أزور سليم في ميعاد الزيارة.
اقتربت منه حتى توقفت أمامه مباشرة وهي تنظر داخل عينيه وتضع يديها على كتفه وتمسح بكفها عليه بحب. أكملت: أنا عارفة إنك تعبان ومخنوق، عايزة أكون جنبك في أكتر وقت إنت محتاجني فيه. غلطت أنا!!

عزت بتعب: أنا فعلاً تعبان أوي إللي حصل لسليم كسرني، حاسس إن إللي عمل كدة واقف وعمال يطلعلي لسانه ويقوللي أنا جنبك، قصاد عينك، بس مش هاتعرف توصلي. شايف ابني مرمي على السرير شبه ميت، وأنا واقف بأتفرج عليه. المرة دي الضربة فعلاً في مقتل، عرفوا يكسروني بسليم.
نانا بتفخيم: لا عاش ولا كان إللي يكسر عزت الراوي… إنت الباشا الكبير أوي إنت فوق والباقي تحت. وسليم هيرجع بس أنت لازم تكون قوي يا باشا، أوعى تخليهم يوصلوا للي عايزينه.
عزت بضعف: أنا تعبان قوي يا نانا، وللأسف رشدي وصافيناز ما صدقوا إللي حصل عشان يحاولوا ياخدوا مكانه.
نظرت له نانا بحزن وهي تمسح بكفيها على وجهه ثم ضمته بشدة.
وهنا نشاهد سعدية تقف عند الباب، تشاهد ما يحدث بصدمة واتساع عينيها. نظرت لها نانا وهي تضع رأسها على كتف عزت و…

يتبع….

 

google-playkhamsatmostaqltradent