رواية لخبطيطا الفصل الرابع 4 - بقلم عبد الرحمن الرداد
الفصل الرابع
عبد الرحمن الرداد
شغل كثيرًا حوار «رماد» الغير مفهوم والذي كان لغز يصعب حله، ظل يتجول في شوارع المدينة دون وجهة محددة فهو سلط كامل تفكيره على هذا اللغز، جلس أخيرا في مكان يُشبه المقهى واقترب منه النادل قائلًا:
- تشرب أيه يا فندم؟
رفع رأسه وأجابه بسرعة ودون تفكير:
- قهوة فرنساوي لو سمحت
رفع النادل أحد حاجبيه وردد بعدم فهم:
- أفندم؟
فهم في الحال أن المُسمى هنا مختلف لذلك ابتسم ووضح له:
- قهوة بحليب
حرك النادل رأسه بابتسامة وردد بهدوء:
- تؤمر يا فندم
وانصرف ليبقى «عبدو» وحده يفكر في هذا الأمر وظل يحدث نفسه قائلًا:
- هو قال دايرة يعني نفرض أنا بدأت الدايرة دي مين اللي هيقفلها! يووه بقى وبعدين عرف اسم الرداد منين! فالح أعمل ألغاز في أي رواية ليا وفي الحقيقة بطة بلدي مش عارف افك لغز واحد، الراجل ده معنى إنه عارف اسمي يبقى عارف إني جيت هنا عن طريق فادي واخته! طيب ما كدا لو عارف هينفيهم بس هو معملش كدا؟ ده أيه الدربكة اللي أصعب من مواد الكلية دي، فين القهوة! هي اللي هتظبط نفوخي اللي باظ ده
حضر النادل بعد وقت قصير ووضع أمامه القهوة وبدأ هو في ارتشافها بإعجاب حتى أنهاها تمامًا، رفع هاتفه الشفاف وبدأ في اللعب به بسعادة قبل أن يقوم بتشغيل وضع الطيران ويترك الهاتف في الهواء وهو ثابت مكانه، اتسعت ابتسامته وصفق بيده قائلًا:
- والله الموبايل ده أجمد ما في الكوكب
بقى مكانه لأكثر من نصف ساعة وقرر أخيرًا الرحيل، اقترب منه النادل عندما لاحظ استعداده للرحيل وضغط على شاشة شفافة أمامه قبل أن يقول بابتسامة:
- الحساب نقطة واحدة يا فندم
تذكر في تلك اللحظة أنه لا يملك المال أو عملة هذا الكوكب فوضع يده على رأسه وهو يقول بعدم تركيز:
- معاك فكة 100؟
رفع النادل أحد حاجبيه وحرك رأسه بعدم فهم قائلًا:
- مش فاهم حضرتك؟
فرك فروة رأسه بحرج وردد بصوت غير مسموع:
- وبعدين في الموقف المحرج ده بقى! أعمل أيه ما أنا مكانش ينفع بردو أقعد كدا واشرب وأنا مش معايا فلوس
نظر النادل إليه بتعجب وهو يقول متسائلًا:
- فيه مشكلة يا فندم!
في تلك اللحظة حضر «فادي» ومعه «حور، كريم» فصاح «عبدو» بأريحية:
- يااه جيتوا في الوقت المناسب، لو كنتوا اتأخرتوا كام دقيقة كنتوا جيتوا لقيتوني بمسح الكافيه، هات يا فادي الكارت بتاعك
وضع «فادي» يده في جيب بنطاله وأخرج بطاقته بعدم فهم ثم مد يده بها قائلا:
- خد
سحبها منه وقبل أن يعطيها إلى النادل لاحظ أنها بطاقة شخصية شفافة فصاح بعدم رضا:
- هو أنا هعوز بطاقتك ليه يا فادي هو أنا محبوس وعايزك تضمني! عايز الكريديت كارت اللي فيها فلوس او نقاط زي ما بتسموها
فهم قصده وصاح بصوت مرتفع:
- اها معلش مخدتش بالي
ثم اخرج بطاقته وأعطاها للنادل فأخذ منها ما يريد قبل أن يعيدها مرة أخرى إليه.
انطلقوا للخارج قبل أن تردد «حور» بعدم رضا:
- أيه اللي أنت عملته ده! أنت جاي لرماد برجليك؟ أنت اتجننت
رفع أحد حاجبيه بتعجب من طريقتها قبل أن يردد باعتراض:
- على فكرة فيه طريقة أحسن من كدا وبعدين أنا مش شغال عندك ومش مُلزم أعمل اللي أنتي عايزاه خالص، بعد اذنك
تركها ورحل بعيدًا عنهم ونظر «فادي» إلى شقيقته وقال معاتبًا:
- مكانش ليه لزوم للكلمتين دول يا حور
نظرت إلى الأسفل بضيق بعدما أدركت خطأها بينما ركض «كريم» حتى لحق بصديقه وردد بهدوء:
- فيه أيه يا عمنا أهدى شوية ومتتعصبش وبعدين الحركة اللي أنت عملتها كانت غبية الصراحة، بيقولوا شرير الكوكب وبيقتل ناس وبينفي ناس وبياكل مال اليتيم وبيشرب دم الناس بشفاطة وأنت تروحله بسهولة كدا
نظر إلى الطريق أمامه وردد بغضب:
- أهو اللي حصل بقى، صحيت من النوم لقيت حاجة في دماغي بتقولي روح وافهم عنه حاجة وروحت قلبلي دماغي ومفهمتش حاجة، هحكيلك كل حاجة بعدين
عادوا إلى المنزل مرة أخرى واعتذر «فادي» إلى «عبدو» نيابة عن شقيقته واقتربت هي منه وهي تنظر إلى الأسفل ورددت بأسف:
- أنا آسفة مقصدش ازعق أو اقول اللي قولته وعارفة إنك مش مُلزم تساعدنا بس الحكاية إني خوفت عليك مش أكتر
قبل اعتذارها وردد بهدوء:
- اللي حصل حصل، أنا مش زعلان خلاص
هنا صاح «فادي» وتحدث بسعادة:
- الحمدلله إنكم اتصالحتوا، بوسيه من خده يا حور علشان ميبقاش في قلبه لسة زعل
هنا نظر «عبدو، كريم» إليه بصدمة قبل أن يقول الأول:
- يخربيتك أنت مدرك اللي بتقوله! يبني دي أختك يعني تغير عليها وتقتل اللي يبصلها بصة وحشة، أنا مش عايز حاجة أنا مش زعلان خلاص
هنا تحدث «كريم» قائلًا:
- بتقول ايه ولمين ده مفيش امل منه خالص ده، ربنا يهديه
رفع «فادي» أحد حاجبيه وردد بعدم رضا:
- أيه يا جدعان محسسني إني بعمل مصيبة، اكيد يعني عادات كوكبكم غير عندنا وأنا مش فاهم الصراحة
ضحك «كريم» وربت على كتف «فادي» وهو يقول:
- سيبهولي يا رداد أنا هقعد معاه قعدة افهمه، مش حكاية عادات يا فادي، ربنا يعينك على المهلبية اللي في دماغك، احكيلنا بقى يا عم الحاج حصل ايه مع رماد، أنا للحظة حسيتكم صحاب
بدأ في سرد ما حدث منذ البداية والحديث الذي دار بينهما وسط دهشة الجميع بمعرفته لأسمه وتركه يرحل هكذا، استمر في قص الحوار بينهما وأنهى حديثه قائلًا:
- ويبقى السؤال هنا هو عرف منين اني الرداد؟
هز «فادي» رأسه بالإيجاب قبل أن يقول:
- فعلا دي حاجة مريبة جدا، لو عارفك يبقى عارف أنت جيت هنا ازاي بس كان زمانه هنا!
ضيق «عبدو» حاجبيه بتعجب شديد قبل أن يصيح قائلًا:
- المشهد ده حصل قبل كدا، أنا حاسس إني عشت اللحظة دي قبل كدا
هنا تحدثت «حور» وأوضحت له تلك الظاهرة:
- فيه علماء قالوا إن ده بسبب إن الإنسان قبل ولادته بيشوف حياته كلها قدام عينه وبيبقى فيه مشاهد متسجلة في الدماغ بتطلع مع حدوثها وفيه علماء تانيين قالوا إن ده نتيجة تأثير المستقبل على الماضي وطبعا ده تخاريف لأن مفيش مستقبل بيأثر على ماضي
لوى ثغره وردد بتلقائية:
- fail in matrix
رفعت أحد حاجبيها بتعجب قائلة:
- ايه؟
هز رأسه عدة مرات وأوضح لها مقصده:
- لا فيه مسلسل اتكلم عن الموضوع ده وقال إنه خطأ في المصفوفة وفعلا كان تأثير المستقبل على الماضي بس ده مسلسل يعني مش حقيقة
هزت رأسها بتفهم قبل أن تعود إلى الحوار الأول قائلة:
- أها فهمت، طيب وهتعمل أيه في رماد! أنت قوتك لسة مظهرتش وواضح إن رماد يعرف حاجة عنك أو بيخطط لحاجة
لوى ثغره وحرك رأسه بمعنى: «لم أعد أفهم شيئًا» وقال بفتور:
- مش عارف ومش فاهم، واضح إن قوتي مش هتظهر
ساد الصمت على الجميع بينما غرق «عبدو» في النوم مكانه من شدة ارهاق ذهنه بالتفكير بالأمر، بدأت دوامات صفراء وحمراء تظهر أمامه وتتحرك في شكل طولي ومنتظم ففتح هو عينيه ونهض من مكانه ليرى تلك الدوامات التي كانت تبتعد عنه، تحرك خلفها بخطوات هادئة إلى أن أن أوصلته إلى مكان أشبه بالصحراء واختفت بشكل غامض، التفت في كل الاتجاهات بحثًا عن أثر لها لكنه لم يجد شيئًا وعندما التفت إلى جهة أخرى وجده أمام عينيه، كان هو «رماد» ولكن جسده كان يهتز بسرعة كبيرة في مكانه مما جعل هيئته أشبه بالجسد الشفاف، هنا تحدث «عبدو» بصوت مرتفع:
- أنا بحلم صح! أيوة أنا نمت وفجأة لقيت نفسي هنا يبقى ده حلم
أجابه «رماد» بصوت اشبه بالصوت المتقطع بفعل اهتزازه السريع:
- لا مش حلم، دي حقيقة وأنت هنا فعلا، ممكن جسمك هناك عندهم لكن روحك أنت هنا، ده اسمه واقع ثنائي أو المصطلح المعروف وهو الاسقاط النجمي، طبعا سمعت عنه صح!
هز رأسه بالإيجاب وردد بخوف وقلق:
- أكيد سمعت وأعرف معناهم، أنا كتبت قصة عن الاسقاط النجمي
ابتسم وتقدم بسرعة كبيرة حتى وقف أمامه مباشرة وردد قائلًا:
- بس منشرتهاش، خايف الناس تصدق الخيال ويبقى حقيقة، مش كانت شخصيتك هي شخصية خالد!
ضيق ما بين حاجبيه بينما زادت ضربات قلبه وهو يقول بتساؤل:
- أنت عرفت الكلام ده كله منين! أنت مين وعايز مني ايه
- أنا مش عايز حاجة، أنت اللي عايز وجيت هنا لهدف أظن ده محدش يعرفه غيرك أنت واللي ساعدك توصل هنا، ده لو فرضنا إن حد وصلك هنا
ضيق نظراته وردد بتحدي واضح:
- لو أنت عارف عني كل حاجة كدا اكيد لازم تعرف أنا جيت هنا ازاي ولا حد جالك من الأرض عندي وقالك كل حاجة عني!
توقف جسده عن الاهتزاز وردد بصوته الطبيعي:
- اعقل الكلام يا بشمهندس، لو حد جيه زي ما بتقول هيعرف موضوع قصة جحيم المستقبل ازاي! كل حاجة ليها وقت وهتتكشف فيه، الحقيقة هتبان بتسلسل واضح، استمتع اكنك بتكتب رواية، مش بتحب الألغاز! ادي ده لغز كبير أنت بتعيشه، شطارتك بقى في حل اللغز، دلوقتي دي أول مرحة وخلي بالك أنت لو مت أو اتقتلت في المرحلة دي هتموت في الحقيقة وده مش حلم، دي أول خطوة حاول تطلع منها بخيط علشان الدايرة تكتمل
وانطلق بسرعته الخارقة من أمامه ليبقى هو وحده في هذا المكان الخالي من البشر، نظر في كل الاتجاهات قبل أن يقرر السير بحثًا عن وسيلة للخروج من هذا المكان إلى أن وجد سيارة تأتي من بعيد وتقترب منه مما جعله يقفز مكانه ويصيح بصوت مرتفع:
- يا عااالم، يااااهووو أنا هنا الحقوووني
اقتربت تلك السيارة منه حتى وقفت أمامه وأخرج شاب رأسه من النافذة وهو يقول:
- اختك موصياني عليك علشان كدا مش هسيبك وامشي رغم إنك بطيخة في التدريبات، اركب يا عبدو، اركب ومتجيبليش شلل
رفع أحد حاجبيه وفتح فمه بعدم فهم فردد هذا الشاب مرة أخرى:
- الووو يابني أنا هنا، انجز اختك نيران بتتصل أقولها اخوكي اتلبس في الصحراء وأنا السبب!
هنا تحدث «عبدو» أخيرا وردد بشئ من الصدمة:
- اختي نيران! قولي كدا أيه اللي بيحصل هنا، أنت مين؟
رفع الشاب أحد حاجبيه وردد بقلق:
- هو أنت اتلبست بجد ولا أيه! ما هو أنت اتلبست أو شارب حاجة، أنا طيف جوز أختك يابا فوق
ابتسم «عبدو» وردد بسخرية:
- طيف جوز اختي!
انفجر في الضحك ولم يستطيع تمالك نفسه بل وقع على الأرض من شدة ضحكه وسط نظرات «طيف» القلقة والمتوجسة، تابع ضحكه الشديد إلى أن قال بحذر:
- لا كدا فعلا اتلبست، يلاهوي عليا وعلى سنيني السودة ما هو مكانش ينفع اسيبه في الضلمة دي لمدة ساعة علشان فاشل في التدريبات، أبوس ايدك فوق وقول إنك كويس وبطل ضحك متخوفنيش أكتر ما أنا خايف
نهض أخيرا من مكانه واقترب منه أكثر وهو يقول:
- طيف ونيران! حقيقي؟ تصدق فيك شبه من ريان رينولدز بطريقة غريبة فعلا، يلا بينا أنا كويس بس متعملش بيا حادثة بالله عليك
تقدم واستقل المقعد الأمامي بينما استقل «طيف» المقعد الأمامي خلف المقود وردد قائلًا:
- أنت مش ملبوس بجد ولا هتقلب بينا العربية؟
رفع أحد حاجبيه وردد بعدم رضا:
- امشي يا طيف الله يرضى عليك، الواحد لما بيكتب شخصيات رواية بتبقى مختلفة على أرض الواقع خالص
رفع حاجبيه وأردف بتساؤل:
- رواية أيه ياض أنت بتكتب من ورايا ولا أيه
ابتسم وردد بمرح:
- والله أنت لو عرفت اللي فيها يا طيف مش هتقول عليا ملبوس بس ده أنت احتمال تحبسني تعاطي مخد..رات، خرجنا من هنا بالله عليك علشان أنا دماغي باظت ويادوب آخر برج طار من ساعة ما شوفتك
انطلق «طيف» بسيارته حتى وصل إلى منزله حيث يتواجد الجميع بسبب اجتماعهم في هذا اليوم هنا كعادتهم، تقدما حتى وصلا إلى البوابة وهنا تحدث «عبدو» قائلًا:
- معاك المفتاح ولا نسيته زي كل مرة يا سيادة الرائد!
وضع «طيف» يده بجيب بنطاله قبل أن يقول بتعجب:
- عرفت منين إني نسيته؟
ضحك على نظراته الحائرة وردد مازحًا:
- يا طيف أنا أعرف عنك اللي متعرفوش عن نفسك، يلا رن الجرس مش هنفضل واقفين كتير
ثم ردد بصوت غير مسموع:
- أكيد ده حلم مش حقيقة، رماد عايز مني أيه! أصل لو أنا فعلا روحي هنا يبقى كدا جسمي هناك من غير روح وبكدا هيقولوا إني....يلاهوي هيفتكروني مت!
فتحت «رنة» الباب وبدلت نظراتها بين أخيها و «عبدو» قبل أن تقول:
- نفسي يا طيف متنساش مفاتيحك وبعدين أنت جايب الكائن ده معاك ليه
رفع «عبدو» أحد حاجبيه وردد باعتراض:
- كائن! مالك يا ستي هو حد كلمك؟
صاح «طيف» ومنع شجارهما وهو يقول:
- كفاية خناق بقى أومال لما تتجوزوا هتعملوا أيه في بعض! هتولعوا في بعض بجاز؟
اتسعت حدقتي عبدو بعدم تصديق وردد بصوت غير مسموع:
- أنا كنت ناوي اجوز زاخر لرنة وبما إني في الحلم اللي أنا فيه ده اخو نيران يبقى أنا كدا طالع بدور زاخر يبقى المفروض خطيب رنة! يا حظك المهبب يا عبدو هتتجوز أم لسان طويل اللي في الرواية
هنا صاحت «رنة» على جملة شقيقها قالت برفض تام:
- مين قال إني هتجوز البني آدم ده! اقوله عايزة ايس كريم شيكولاتة يقوم جايب فانيليا! أيه الاستهتار ده
نظر «طيف» إليه وردد بصوت مرتفع نسبيًا:
- أنت ازاي تجيب فانيليا ومتجيبش شيكولاتة؟ أنت هتفضل مستهتر لغاية امتى!
بدل «عبدو» نظراته بينهما بصدمة قبل أن يردد بعد تصديق:
- حقكم عليا أنا فعلا مستهتر وزفت طين، لا طبعا مينفعش ازاي اغلط في نوع الآيس كريم، أنا استاهل الضرب إني كتبت الرواية دي، وسعوا دخلوني
تركهما ودلف إلى الداخل فوجد «نيران» التي صاحت بصوت مرتفع:
- أيه يا عبدو فينك، لازم يعني طيف اللي يجيبك
نظر خلفه حيث «طيف» وردد قائلًا:
- اصل عمو طيف كان ...
هنا نظر إليه طيف وحرك رأسه بمعنى: «لا تتحدث في الأمر» فضحك على رد فعله وتابع قائلًا:
- أصله كان بيديني شوية نصايح عن التدريب، المهم أنا جعان
هنا تحدثت «اسماء» بصوت مرتفع قائلة:
- الاكل جاهز يا بودي كنا مستنينكم، يلا بينا يا جدعان
نظر إليها وقال بابتسامة:
- تسلم ايدك يا ست الكل والنبي فراولاية الرواية
جلسوا جميعًا على السفرة وبدأوا في تناول الطعام لكن «ايمن» قطع طعامه ونظر إلى «عبدو» الذي كان يأكل ولا يلتفت بأحد، ناداه أولا باسمه وما إن انتبه إليه حتى قال بعدم رضا:
- مغلب طيف في التدريبات ليه! بيشتكي منك جامد
فكر قليلًا في إيجاد رد مناسب فهو لا يعلم شيء عن هذا الأمر وأخيرا أجابه قائلًا:
- والله يا سيادة اللواء مش حوار مغلبه بس بادئ معايا بتدريبات صعبة، المفروض يبدأ بالسهل وبعدين الصعب
رفع «طيف» أحد حاجبيه وردد باعتراض:
- يا راجل يا مفتري ده أنا كنت بخليك تنزل ضغط يعني مدخلتش لسة يعتبر في الجد، أنت عايز حد زي المقدم رماح في أيام جبروته والله ما كان هيحلك
هنا تحدثت «نيران» ووجهت نصيحتها إلى شقيقها قائلة:
- خد الموضوع جد شوية يا عبدو علشان أنت بتطلع مهمات ولازم تبقى متدرب على أعلى مستوى
تابع أكل طعامه وردد بإيجاز:
- ربنا يسهل
******
على الجانب الآخر ربت «كريم» على كتف صديقه بخفة لكي يوقظه ويذهب به إلى الغرفة ليُكمل نومه هناك لكنه لم يستجيب له فرفع صوته قائلًا:
- قوم يابني أنت نمت نومة أهل الكهف!
لم يستجيب له فهزه برفق لكن دون جدوى مما بث الرعب في قلبه وهزه بقوة لكنه كان جسد بلا روح، انخفض بقلق شديد ووضع اذنه على قلبه فوجد أن دقات قلبه قد توقفت فاتسعت حدقتي عينيه بصدمة وردد بعدم تصديق:
- لا لا مش حقيقي، لا لا عبدو عايش أنا بحلم أكيد
وقف الجميع واقتربوا منه بعد تلك الكلمات التي صدرت من «كريم»، بدأت «حور» في فحصه والتأكد من سلامته لكن حدقتيها اتسعت ونظرت إلى الجميع وهي تقول بصدمة:
- قلبه وقف!
اقتربت «ماني» منهما وهزت رأسها بعدم تصديق وهي تقول:
- ازاي يعني ده كان كويس!
هنا تحدث «فادي» وردد بوجه يحمل الصدمة:
- هو قال إن مارد عزمه على الغداء، أكيد حطله سم في الاكل
هز «كريم» صديقه برفق وهو يقول بعينان دامعتان:
- بالله عليك قوم يا عبدو، أنت كنت كويس وبتهزر من شوية حصل ايه
تملكت الصدمة من الجميع وسيطر الحزن عليهم فهم لم يتوقعوا ما حدث الآن، هم لم يضعوا بالحسبان أن هذا سيحدث وها قد حدث.
***
انتهوا من تناول الطعام واتجه «عبدو» ليغسل يده وما إن انتهى حتى عاد لكن في طريق عودته لاحظ وجود ثلاجه ففكر وحدث نفسه قائلًا:
- هو أنا لو فتحت التلاجة دي هلاقي آيس كريم رنة صح! الرواية بتتحقق يبقى اكيد هلاقيه، أما أشوف
اتجه بالفعل إلى الثلاجة وقام بفتح الفريزر الخاص بها ليتفاجئ بوجود علبة آيس كريم كبيرة الحجم، اتسعت حدقتيه بسعادة واخذها ثم أسرع إلى الشرفة ليتناولها بعيدًا عن الجميع، بالفعل بدأ في تناولها وردد بتحدي:
- بقى أنت واختك يا طيف عاملين عليا رباطية علشان جبت ايس كريم فانيليا! طيب أنا هخليكم تشدوا في شعر بعض دلوقتي
أنهى تناول الآيس كريم ثم عاد إلى الخارج مرة أخرى حيث يوجد الجميع وبدأ في التحدث طبيعًا وكأنه لم يفعل شيء وفجأة صاحت «رنة» بصوت مرتفع قائلة:
- امتى يا طيف هترحمني وتبطل تاكل حاجتي، مش كدا يا أخي هو أنت وعيالك عليا؟
رفع هو أحد حاجبيه وتقدم تجاهها وهو يقول:
- لا معلش ستوب كدا بقى هو رمي بلا وخلاص ولا أيه؟ لو كلت هقولك كلت لكن محصلش وميلا مكلتش حاجة أكيد لأنها بتخاف منك، شوفي مين اللي كل الآيس كريم بتاعك يا قطة العنوان غلط
هنا تقدم «عبدو» الذي رغب في زيادة الوضع اشتعالا ووجه حديثه إلى «طيف» قائلًا:
- بقى بتلومني يا باشا علشان جبت فانيليا وأنت أصلا بتاكل الآيس كريم بتاعها! ياه على البني آدم
هنا رفعت «رنة» صوتها ونظرت إلى أخيها قائلًا:
- أنا مش هشيل آيس كريم في التلاجة تاني ووقت ما اعوز هروح اشتري علشان فيه لصوص
تركته وذهبت وبقى هو على وجهه الدهشة وهو يردد كلمتها الأخيرة:
- لصوص!
انتقل ببصره إلى «عبدو» فوجده غارقًا في الضحك على ما يحدث فضيق حاجبيه وردد بشك واضح:
- بتضحك! شكلك كدا اللي كلت الآيس كريم وقولت توقعنا في بعض يا سوسة
أشار إلى نفسه ببراءة وردد بحزن:
- أنا؟ اخص عليك يا طيف باشا ده أنا حتى مش بحب الآيس كريم
ضيق «طيف» عينيه أكثر وقرب رأسه منه وهو يقول:
- لما تحاول تعمل جريمة نضف وراك علشان هتتقفش يا سيادة النقيب، فيه حتة شيكولاتة متمسحتش على جنب بؤك بس اشطا وربنا ما هسيبك في تدريب بكرا
مر اليوم وعاد الجميع إلى منازلهم وصعد «عبدو» إلى غرفته وألقى بظهره على السرير بإرهاق شديد، نظر إلى سقف الغرفة وردد بجدية:
- وبعدين بقى في خلاط الأحداث اللي اتحدفت فيه ده، أنا تهت وبقيت مش عارف بيحصل أيه ولا أنا هنا ليه، رماد جابني هنا علشان حاجة معينة هي أيه! معنى كدا إنه عارفني وعارف كل حاجة عني بس هفضل أقول ازاي!
غرق في النوم بعد تفكير طويل أرهق ذهنه وفي صباح اليوم التالي ارتفع رنين هاتفه فتململ في فراشه بهدوء قبل أن يتحسس بيده جواره بحثًا عن الهاتف، أمسك بهاتفه وضغط على زر الإجابة ليقول بصوت نائم:
- أيوة مين؟
أتى صوت «نيران» من الهاتف لتقول بصوت مرتفع:
- كنت عارفة إنك مش هتظبط المنبه، كويس إني اتصلت بيك، قوم اجهز علشان الشغل يابني، النهاردة فيه مهمة أنت ناسي ولا أيه
فرك عينيه بتعب وأجابها بصوته الضعيف:
- حاضر حاضر أنا صحيت أهو
انهى المكالمة ونهض من مكانه وهو يقول بعدم رضا:
- كان مالي ومال الكوكب التاني ولا رماد والهم ده، ما كنت عايش حياتي كويس واصعب حاجة بعملها هي إني أروح الكلية، ياه على البني آدم مفيش حاجة بتعجبه
مر الوقت وأنهى هو كل شيء ونزل إلى الأسفل فوجد الجميع على سفرة الطعام وتحدث «امجد» قائلًا:
- تعالى افطر معانا قبل ما تروح المديرية يا عبدو
نظر إلى ساعة يده ليرى هل تأخر أم لا فجحظت عينيه وردد بقلق:
- يلاهوي أنا متأخر، هفطر هناك بقى سلام
خرج من الفيلا وتوقف قليلا فهو لا يعرف الطريق كما أنه لا توجد وسيلة نقل!
وضع يده بجيب بنطاله وأخرج المفاتيح التي كانت بها مفتاح لسيارة فابتسم قائلًا:
- معايا عربية! اينعم مبعرفش أسوق بس اشطا نجرب
ضغط على الزر فأضاءت سيارته مع صوت موسيقى منخفض، أسرع إليها وعلى وجهه ابتسامة واسعة اختفت بمجرد أن استقل المقعد الأمامي خلف المقود، نظر حوله بحيرة فهو لا يعرف كيف يقود تلك السيارة أو يجعلها تتحرك، بدأ في الضغط على الازرار الموجودة أمامه بطريقة عشوائية حتى أدار السيارة وهنا ارتسمت ابتسامة واسعة على ثغره وهو يقول:
- السائق الماهر على وشك التحرك الآن
أخرج هاتفه ووضع عنوان وجهته على الخريطة ثم تحرك بالسيارة بسرعة في البداية لكنه سرعان ما ضغط على الفرامل واوقفها، استمر عشر دقائق يحاول السيطرة على نفسه في القيادة وبعدها تحرك إلى الخارج وسار بها إلى العمل.
بعد نصف ساعة وصل أخيرا إلى وجهته وكانت السيارة بها كسور وجروح كثيرة، ترجل منها ونظر إليها بحسرة وهو يقول:
- لا حول ولا قوة إلا بالله، العربية كانت حلوة وبتلمع باظت خالص، مكانش ينفع أسوق بردو بس الحمدلله إني وصلت ومعملتش حادثة
اتجه إلى الأعلى ثم اتجه إلى مكتب «طيف» لكنه تفاجئ بخروج الجميع من مكتب اللواء «ايمن» وهنا نظر إليه «طيف» قائلًا:
- حلو جيت في الوقت المناسب، يلا بينا هنتحرك حالا مع القوة
رفع أحد حاجبيه بتعجب وردد بقلق شديد:
- ها؟ قوة أيه؟
اقتربت منه «نيران» ورددت بجدية:
- المهمة اللي اتفقنا عليها امبارح، مخزن المخد..رات اللي في بنها، يلا بينا والبس واقي الرصاص
تحرك الجميع وبقى هو مكانه وعلى وجهه علامات الصدمة فهو لم يستخدم سلاح من قبل وهو الآن على وشك مداهمة مخزن للمخد..رات، شرد للحظات قبل أن يتحرك خلفهم وهو يدعوا الله بأن يمر هذا اليوم على خير
تحركت قوات الأمن إلى وجهتهم وكانت قوة كبيرة بسبب صعوبة تلك المهمة خاصة معرفتهم بوجود عناصر مسلحة بأعداد كبيرة، وصلت سيارات الأمن المركزي والمدرعات وبدأت اطلاق الرصاص بغزارة.
ترجل «طيف» ومعه «رماح، فهد، نيران، سيزكا» ومن خلفهم «عبدو» وتوجهوا إلى الأمام وأخذ كلٍ منهم ساتر خاص به وبدأوا في إطلاق الرصاص على العناصر المسلحة بينما بقى «عبدو» خلف حائط ضخم وردد بخوف شديد:
- يارب اصحى من الحلم ده، رماد قال لو مت هنا يبقى هموت في الحقيقة!
كان صوت إطلاق الرصاص مرتفع للغاية وتقدمت «نيران» بسرعة كبيرة وهي تطلق النيران من سلاحها الرشاش ولكن قبل أن تختبئ خلف الحائط أصابتها رصاصة فوقعت على الأرض، هنا صرخ «طيف» بصوت مرتفع:
- نيران!
ترك مكانه وركض تجاهها في مرمى إطلاق الرصاص، اتسعت حدقتي «عبدو» وردد بصدمة:
- بتعمل ايه يا مجنون هتموت؟
تقدم «طيف» وهو يطلق الرصاص بغزارة من سلاحه حتى وصل إلى «نيران» وهنا ألقى سلاحه ورفع رأسها وهو يقول بلهفة:
- نيران حبيبتي! نيران!
نظرت إلى عينيه بضعف ورددت بصوت منخفض:
- ولادنا يا طيف، خلي بالك منهم
هز رأسه بالرفض وهزها بقول قائلًا:
- لا لا يا نيران متقوليش كدا، متقوليش كدا أنتي هتبقي كويسة وترجعي معايا
ارتسمت ابتسامة هادئة على وجهها واغلقت عينيها فصرخ هو بصوت مرتفع:
- لا قومي يا نيران! قوووومي؟ نيرااااااااان!
كان «عبدو» يتابع بصدمة كبيرة ما يحدث ونهض «طيف» من مكانه بوجه شارد واخذ سلاحه وتقدم إلى الأمام دون حذر، رفع سلاحه وأطلق الرصاص في كل مكان وكان صيدًا سهلا لهؤلاء المسلحين بسبب وجوده أمامهم في مرمى بصرهم ومرمى إطلاق الرصاص، قرر «عبدو» التحرك من مكانه وركض تجاهه ليجذبه بعيدا عن الرصاص لكنه قبل أن يمسك به استقرت رصاصة بصدر «طيف»
اتسعت حدقتيه مما تراه عينيه وقبل أن يُدرك عقله ما حدث أصابته عدة رصاصات أخرى ووقع قتيلًا أمام عينيه.
ظل مكانه وبصره موجه تجاه «طيف» الذي غرق في دمائه بعد أن شهد موت زوجته منذ ثوانٍ قليلة، رفع بصره قليلًا ليجد أحد هؤلاء المسلحين يوجه سلاحه الرشاش تجاهه وبالفعل أطلق عليه عدة رصاصات ...
إلى اللقاء في الفصل القادم غدا إن شاء الله
•تابع الفصل التالي "رواية لخبطيطا " اضغط على اسم الرواية