رواية حرر هواك فالحب بات معلنا الفصل الرابع 4 - بقلم تسنيم المرشدي
« حرِر هَوَاك فَالحُب بَات مُعلنَا»
«الفصل الرابع»
***
بسم الله الرحمن الرحيم
حل السكون بين الجميع، لقد حانت اللحظة الذي يخشاها يوسف، يجدر عليه أن يأتي برد في الحال، مرر يوسف أنظاره بين الواقفين فاستشف تأثر والدته بموقفه، حتماً تشعر بما يجول في خاطره تلك اللحظة.
قطع ذلك الصمت يوسف باسترساله المتوتر من ردة فعلها:
_ علي مشى..
قطبت جبينها فلم يعي عقلها الصغير تفسير معنى رحيله وهتفت متسائلة ببراءة:
_ مشى فين؟
نهض يوسف عن مقعده فحركت لينة رأسها عفوياً معه، حمحم قبل أن يردف موضحاً لها بنبرة مهزوزة:
_ سافر، سافر عند عمكم
تجهمت ملامحها تدريجياً حين استشعرت حقيقة ما قد قيل، وقبل أن تثور بطفولة لفظت سؤالها بنبرة تهدد بالبكاء التي تحاول كتمه:
_ سافر وسابني؟
زم يوسف شفتاه ولم يقدر على مواجهة عينيها التي لم تُرفع من عليه في إنتظار إجابة صريحة منه، اقتربت منها السيدة ميمي حين شعرت بوضع ولدها الذي لا يحسد عليه، حاولت التدخل والتخفيف من عليه، جلست على الأريكة وجذبت الفتاة من ذراعها قبل أن تردف كلماتها الحنونة:
_ في حاجات مينفعش نسأل فيها، هو نصيب مقدر من ربنا ولازم نرضى بيه، أنا عارفة إنك كبيرة وعاقلة وأكيد فاهمة معنى كلامي، وعارفة كمان إنك مصدومة ومتفاجئة من الحياة اللي اتشقلب حالها بين يوم وليلة، بس بصى كدا حواليكي، هتلاقي كتير بيتمنوا سعادتك وإنهم يشوفوا ضحكتك، أنا أهو ويوسف وزياد كمان، كلنا جانبك ومش هنسمح أبداً إنه يحصلك أي حاجة وحشة طول ما إحنا فينا النفس
فرت دمعة خفية من عيناي لينة فرفعت ميمي يدها ومسحتها على الفور بأناملها، شكلت بسمة على ثغرها فظهرت بعض الكرمشة في وجهها وقالت:
_ من هنا ورايح تناديني بماما زي يوسف وزياد
شعر يوسف بأن وقته قد حان للتحدث، ابتلع ريقه ورتب كلماته قبل أن يسترسل بصوته الرخيم:
_ وكمان تقدري تعتبرينا إخواتك، إحنا هنا في خدمة السفيرة لينة
التفت يوسف برأسه حيث يقف زياد وحثه على تأكيد حديثه:
_ مش كدا برده يا زياد؟
وزع زياد أنظاره بين يوسف ولينة وداخله يرفض البتة اعتبارها شقيقته، فهي في الأساس ليست كذلك كيف وهي فقط دخيلة، كيف سيرغم عقله على الإقتناع بهذا الهراء؟
اتسعت حدقتي يوسف موحياً إليه بالتحدث لكنه لم يأبى لما يريده يوسف فعله، تقدم ناحيتهم وقال بحدة باغتة وهو يرمق لينة بطرف عينيه:
_ لأ دي مش أختى، ومش هعتبرها كدا أبدا
فر هارباً إلى غرفته ما أن أنهى جملته، تفاجئ يوسف والسيدة ميمي بتصرفه الغريب، فلم يجدوا له تفسير واضح، تنهد يوسف مستاءً فموقف شقيقه قد ضاعف للوضع تعقيداً، فكيف سيطالبه بما كان يجول في خاطره الآن بعد رفضه الصريح لقبول الفتاة؟!
لم تكترث لينة كثيراً لكلمات زياد، فيوجد ما يشغل عقلها ويلهيها عن التفكير في شأن آخر، كادت أن تهم السيدة ميمي خلف صغيرها إلا أن يوسف ألحق بها بقوله وعينيه معلقة على باب غرفة أخيه:
_ خليكي أنتِ يا أمي مع لينة، أنا هتكلم معاه
توجه بخطاه اتجاه غرفة زياد ثم طرق بابه وولج إليه قبل أن يسمح له الآخر، لم يتفاجئ زياد من وجوده، فهو كان يعد داخله في انتظار مجيئه المعتاد، توقف عند الحادية عشر حين رأى يوسف أمامه وأسبق بالحديث لينهي أي توبيخ قد يمسه:
_ قبل ما تزعق سـ...
قاطعه يوسف بنبرة عكس التي كان يتوقعها زيادة، كانت أكثر هدوءًا ورزانة:
_ قبولك بيها أو رفضك ميهمنيش، كل اللي يهمني إنك تحترمها ومتفكرش تطاول عليها ودا أنا واثق منه، أنا متأكد إنك راجل وهتقدر تشيل مسؤوليتها وقت غيابي زي ما أنا متأكد إنك هتحميها سواء كنت موجود أو لأ، بس فيه حاجة كنت عايز أقولهالك..
لم تهتز لزياد خصلة بل ظل يطالعه منتظراً مواصلة حديثه ببرود، هرب يوسف بعينيه بعيداً عنه وعرض طلبه قائلاً:
_ الأوضة دي لازم نسيبها لـ لينة
صعق زياد وحملق به مذهولاً من قراره المفاجئ، لم يخضع بسهولة وصاح عالياً مبدياً رفضه:
_ إيه؟ ليه إن شاءالله؟ سيب لها أوضتك أنت، ليه مفكرتش في كدا؟
لم يعرف يوسف أن تفكير شقيقه ساذج إلى ذلك الحد، وليكن ليوضح له حقيقة ما يتعمد التغافل عنه:
_ يمكن لأن أوضتي مساحتها أكبر من أوضتك فنقدر ننام فيها إحنا الاتنين مرتاحين، إنما أوضتك أخداك بالعافية
برفض واضح في لهجته هتف زياد:
_ قولتلك لأ، مش هسيبها لحد
على ما يبدوا أن التهاون لن يجدي نفعاً مع ذلك العنيد، عليه وضعه أمام الأمر الواقع حينذاك لن يقدر على معارضته، تنهد يوسف وببرودٍ يشوبه الأمر أردف بلهجة صارمة:
_ لم حاجتك بسرعة عشان الليلة دي لينة تنام في أوضتها الجديدة
كاد زياد أن يعيد رفضه إلا أن يوسف منعه بحركه من إصبعه محذراً:
_ خلصنا يا زياد
أولاه ظهره وخرج من الغرفة تاركاً الآخر يثور غضباً بسبب أمره الحاسم، ضرب زياد قدميه في الأرض بتذمر شديد وبعناد نظر أمامه وتمتم بغيظ:
_ والله لتشوف أنا هعمل فيها إيه
خرج من شروده وبدأ في لملمة جميع أشيائه الخاصة وهو يتأفف من حين لآخر، ناهيك عن توعده المستمر للفتاة، في الخارج بحث يوسف عن والدته والصغيرة فلم يراهن حيث تركهن.
أنتبه إلى ضجة محدثة يأتي أثرها من المطبخ فتوجه نحوه لكن قدماه قد توقفت من تلقاء نفسها حين وقع على مسامعه نحيب الفتاة الذي يتسلل من غرفة والدته، تراجع للخلف برأسه ناظراً داخل الغرفة فإذا بها جالسه على الفراش مكورة في نفسها تعانق دميتها وتبكي بألم واضح.
لم يتردد في الدخول إليها فتفاجئت به ومسحت عبراتها على الفور، تابع يوسف تقدمه منها إلى أن جلس مقابلها، بهدوءٍ في نبرته سألها:
_ بتعيطي ليه يا لينة؟ مش إحنا اتكلمنا برا وقولنا إننا عيلتك الجديدة، رجعتي تعيطي تاني ليه بقى؟
لم تجيبه بل فضلت عدم الرد فهي محرجة منه، حاول يوسف اختراق ذلك الحاجز الذي شكلته بصمتها فلم يوجد أفضل من الدُمية لكي يتحدث عنها:
_ عروستك جميلة، مين اللي جبهالك؟
رفعت رأسها بتهمل ورمقته بأعين لامعة، مرت ثانيتين قبل أن تخبره مختصرة بنبرة متحشرجة إثر البكاء:
_ أحمد
زم يوسف شفتيه بتأثر، وبعد لحظات أنتبه على صوت من خلفه فالتفت برأسه يعلم هوية الدخيل فإذا به والدته، بوجه بشوش قالت:
_ إحنا جمعنا اللي قدرنا عليه من الأوضة، هنكمل بكرة إن شاء الله
بادلها يوسف إبتسامة عذبة وعاد بأنظاره إلى لينة وبأمر قال وهو يمد يده لها:
تعالي ورايا يا لينة
بعد تردد أمسكت يده وخرجت برفقته دون علم لها بوجهته، وقفوا على باب غرفة زياد الذي خرج حاملاً لحقيبة ظهره والغضب لا غيره مرسوم على تقاسيمه، تعمد لكزها بكتفه ربما يقلل هذا شعور الغيرة داخله.
لم تعقب لينة على فعلته، لكنها تابعت بنظراتها هرولته الغاضبة إلى غرفة يوسف، رفعت بصرها على يوسف وسألته بفضول:
_ هو ماله؟ مضايق كدا ليه؟
فعل يوسف حركة برأسه تعني لا أن تكترث له، ولج الغرفة وطالع الخزانة التي باتت خالية ثم استدار إليها وأردف بنبرته الرخيمة:
_ هاتي شنطتك ووضبي دولابك، دي بقت أوضتك خلاص، أعملي فيها اللي تحبيه ويريحك
تفاجئت لينة بما قاله، الآن فهمت سبب ثورة زياد، تراجعت للخلف قليلاً وهتفت رافضة:
_ لأ دي أوضة زياد، وأنا مش عايزة أخدها منه، أنا هنام مع ماما ميمي في أوضتها
حرك يوسف رأسه رافضاً ما تقوله وأوضح لها قائلاً:
_ متهتميش لزياد هو هياخد وقته ويرجع لطبيعته تاني، تاني حاجة أنتِ بنوتة وليكي خصوصية مختلفة عن اللي اتعودنا إحنا عليه، عشان كدا لازم يكون ليكي أوضة لوحدك، فهمتي ليه لازم تاخديها؟
أماءت له متفهمة فربت هو على كتفها مشجعاً إياها:
_ طيب يلا وضبي دولابك
توجهت أنظارها إلى الخزانة وكأن طاقتها على توضيبها معدومة، استشف يوسف ما يوجد خلف نظراتها وأراد مساعدتها فهتف بمرح:
_ تحبي أساعدك يا لولي؟
أماءت له بخجل، ثم أخبرها يوسف بإحضار حقيبتها، عادت إليه بعد ثوانٍ معدودة ثم فتحتها وقامت بإخراج بعض الفساتين لتعلقها في الخزانة، كذلك فعل يوسف وساعدها في وضع بقية الثياب داخل الخزانة.
كان يبتسم من حين لآخر حين يقابله فستان وردي فهو يفضل ذلك اللون في ثياب الفتيات الصغيرات، حمحم وأبدى إعجابه معلقاً:
_ أكيد اللون دا بيكون حلو عليكي
أجابته بمشاغبة وهي تتابع ما تفعله:
_ لا لون عادي يعني، أنت بتحبه؟
أكد على سؤاله بقوله:
_ بحسه لايق أكتر على البنات عن أي لون تاني
لم تعقب على حديثه فتعجب يوسف من صمتها لكنه لم يعلق أيضاً، كاد أن يسحب ثياب أخرى لكنه تفاجئ ببعض القطع الخاصة فتراجع للخلف دون أن يطيل النظر إليهم وهتف بحرج:
_ معتش فيه كتير، وضبيهم أنتِ وأنا هكلم واحد صاحبي، لو احتجتي لحاجة أنا في أوضتي نادي عليا
"ماشي"
أجابته مختصرة فخرج على الفور وعاد إلي غرفته، لم يتفاجئ من تذمر زياد وحالته المذرية، سيعتاد لا يملك سوى ذلك، تجاهله يوسف لكي لا ينشب شجاراً بينهما وتوجه إلى فراشه، اعتلى طرفه ثم شعر بإهتزازة هاتفه فقام بالرد على صديقه:
_ عايز إيه، مكتفتش مني؟
تشدق بلال بفمه متهكما لتلك الثقة التي يحادثه بها يوسف ورد عليه ساخراً:
_ طبعاً، أصل أنا واقع في حبك
حرك رأسه مستنكراً وتابع بلهجته الساخرة:
_ أنت مشيت قبل ما تفهمني إيه اللي أنت عملته تحت دا، تطلع مين البنت دي عشان تقف قدام أهل منطقتك عشانها يا يوسف؟
تنهد يوسف مستاءً وهو يقلب عينيه، وأجابه بجمود:
_ لو كنت شوفت اللي أنا عيشته كنت هتعرف أنا مهتم بيها كدا ليه، أخوها اتقتل قدامي، ووالدتها ماتت برده قدامي وغير سفر توأمها، كل دا مش سهل أبداً عليها
بحاول أعمل أي حاجة يمكن دا يعوض لها ولو جزء بسيط من اللي راح منها، ودا مش هيحصل طول ما أنا مش بشتغل، لازم ألاقي شغل بسرعة عشان أعرف أقدم لها في المدرسة، كفاية اللي فاتها لغاية دلوقتي
أخرج يوسف تنهيدة أخرى مهمومة فالأمور ليست في صالحه، ولا يعلم كم الوقت سيستغرق لكي يجد عملاً، أنتبه إلى صديقه حين قال:
_ أبويا كان محتاج واحد يقف عنده في معرض العربيات بتاعه، روح له هناك بكرة، الشغل بتاعك من دلوقتي
اتسعت حدقتي يوسف وانتفض من مكانه بسعادة عارمة، كاد أن يهلل فرحاً إلا أنه تريث، ضبط من نبرته فباتت غير مبالية وأردف:
_ بس لازم تعرف أبوك الأول يمكن يكون حاطط مواصفات معينة للي عايزه يقف عنده
هتف بلال بثقة ملحاً:
_ قولتلك الشغل بتاعك من دلوقتي، متزيدش في الكلام، يلا أشوفك بكرة
أنهى بلال المكالمة وزفر أنفاسه براحة، بالكاد استطاع قول كلمتين وهو يكذب، عليه الآن التفكير جيداً في كيفية إخبار والده بذلك فهو حاد الطباع ويكره أن يجبره أحداً على أمر.
ألقى يوسف الهاتف على الفراش والسعادة قد غمرت قلبه، شعر بأن الله يرضيه لانه تكفل بالفتاة، إلتوى ثغره للجانب بسعادة ثم قام بخلع ثيابه واكتفى ببنطال قطني يريحه، استلقى على الفراش لعله يذهب في النوم، لكن هيهات لسعادته التى تقطع أي سيبل للنوم.
لم يشعر بالضجر تلك المرة بسبب عدم نومه بسهولة، فهناك أمراً يستحق ذلك، لم يشعر بعينين أخيه التي تطالعه بغيظ شديد فهو إلى الأن لم يهضم فكرة سحب غرفته من تحت يديه ولا يحق له الرفض فلقد قرر يوسف وأمر بالتنفيذ.
***
تجمعت بعض الطيور المتفرقة في مجموعات حتى باتوا في سِرب يجذب الناظرين إليهم، رفع بصره إلى السماء فاذا بالسواد قد اختلط بزُرقتها إثر الطيور المحلقة أسفلها.
أخذ شهيقاً عميق وهو موصد العينين، شاعراً بتلك البرودة التي تخللت أنفه، فالوقت مازال باكراً، لقد أدى فريضة الفجر، ولم يشعر بالنعاس لطالما يتدفق الحماس في الأدرينالين خاصته.
لم يبذل مجهوداً حتى واستطاع إيجاد فرصة عمل لن تتكرر مرة أخرى بفضل صديقه، هو على علم جيد بمستواهم المادي، ويدرك أن الحياة ستصبخ أفضل أمامه ما أن أتقن تلك الوظيفة، ناهيك عن حبه الشديد للسيارات النادرة التي يعمل بها والد "بلال".
أخرج زفيراً ثم ظهرت ابتسامة عفوية على محياه لتلك الفرصة الثمينة، تنهد وأخذ يستدير بجسده ودخل من شرفة غرفته التي قام بغلق بابها حتى لا يقلق أخيه.
صغى إلى صوتٍ ما في الخارج فتعجب، فليس من المعتاد استيقاظ أحدهم في ذلك الوقت خصيصاً أن ميعاد صف أخيه لم يحين بعد، قرر الخروج ومعرفة مصدر الصوت لعل أحدهم بحاجة إلى مساعدة.
أنتبه على عودة الصغيرة إلى غرفتها حاملة بيدها زجاجة ماء، تنهد براحة وكاد أن يعود إلى غرفته إلا أنه تريث حين سمع همهمات مصدرة من غرفة "لينة"، شعر بالغرابة حيال ذلك فهو يعلم أنه لا يوجد معها أحد، مع من تتحدث إذاً؟
اقترب بخُطاه إلى الغرفة دون أن يصدر ضجيجاً عالياً، توقف أمام بابها وألقى أذنيه باتجاه الباب، تحولت تعابيره إلى التعجب البالغ حين كُشف أمر الهمهمات وبات يسمعها بوضوح وهي تدندن بصوتها الطفولي، لكنه كان أكثر جُرأة، وجمالاً، نبرتها تأسر قلبه كلما أطال الإستمتاع إلى كلماتها وكأن في صوتها آلة تعزف بمفردها.
بعفوية مفرطة تشكلت إبتسامة سعيدة على ثغره، عاد إلى غرفته غير مصدق أنها تمتلك حنجرة ذهبية متميزة كالذي سمعها قبل قليل، بدل ثيابه بعد أن أدى فريضة الشروق فكان يوسف حريصاً على ألا يفوت أي صلاة.
خرج والحماس دون غيره يتغلغل داخله بكثرة، لم ينتظر استيقاظ الآخرين ورحل من المنزل، فهو لا يطيق الإنتظار حتى يبدأ في عمله الجديد.
***
استيقظ "بلال" باكراً اليوم على غير عادته، فمعروف عنه الكسل وعدم الإلتزام بأي مواعيد خصيصاً لو كان الوقت مبكراً، آثار فضول عائلته حين رآوه يخرج من غرفته يصيح من مكانه:
_ صباح الخير
أجاباه والديه في آن واحد:
_ صباح الخير يا بلال
اقتربت منه والدته عاقدة حاجبيها بغرابة وقلق وسألته وهي تتحسس جبينه:
_ أنت كويس يا حبيبي، حاسس بتعب؟
ضاق بلال بعينيه متعجباً من أمرها، تراجع للخلف وهو يجيبها:
_ أنا كويس، بتسألي ليه؟
أخبرته وهي تطالعه مستاءة من تصرفاته:
_ صاحي بدري النهاردة، مش عادتك يعني فاستغربت!
أماء برأسه وردد موضحاً سبب استيقاظه مبكراً:
_ كنت عايز ألحق بابا قبل ما يروح الشغل، عايز أتكلم معاه في حاجة
أتاه صوت والده من الخلف متسائلاً بفضول:
_ وإيه هي الحاجة اللي خليتك تقوم من بدري كدا؟
قلب بلال عينيه بضجر، فهما يعطيان الأمور أكبر من حجمها، أخرج زفيراً وتوجه ناحية والده الذي ترأس طاولة الطعام للتو، جلس بجواره ولا يعلم كيفية البدء فيما يريد التحدث به معه.
الأمر بات صعباً حين واجهه وجهاً لوجه، حاول الإسترخاء فالأمر لا يحتاج كل ذلك التوتر، حمحم ورفع نظريه على والده فتفاجئ بانتظاره لقول ما يريد، شجع نفسه وهدأ من روعه وقال بلهجة سريعة:
_ عايز منك خدمة صغيرة، تشوف ليوسف أي شغل عندك في المعرض
أظهر والده مدى استيائه من الأمر حيث هتف بتهكم:
_ والله يابني أنا عندي عمالة زايدة، لو عايز منهم شوية خد مش هبخل عليك
تفاجئ بلال برد والده الذي ألجم عقله ولسانه، فهذا ليس بوقت رفض لقد وعد صديقه وعليه أن يفي بوعده، تنهد وحاول استعطاف والده متوسلاً:
_ عشان خاطري يا بابا شوف له أي شغل بسرعة، أنا وعدته إني هشغله عندك، ومش عايز أبان صغير قدامه ومش قد كلامي
ترك والده الخبز من يده، فارت الدماء في عروقه بغضب ثم التفت إلى الجانب مطالعاً بلال شزراً، لم يمنع صوته الذي كاد أن يسحقه من شدته:
_ نعم، قولت إيه؟
وعدته! وأنت إزاي تعمل حاجة زي دي من غير ما ترجع لي؟
صاح بهم السيد سمير بينما تدخلت الأم في محاولة منها على تهدئة الأجواء المشحونة بقولها:
_ إهدى يا سمير مش كدا، بعدين ضغطك يعلى وإحنا في غنى عنه ياخويا
طالعها بغيظ عارم وعاد لهتافه بتزمجر:
_ أنتِ مش سامعة إبنك بيقول إيه؟!
ربتت على ذراعه وتابعت مسترسلة بحكمة:
_ إهدى بس وأكيد هنلاقي حل، أنت مش كنت مش قولتلي قبل كدا إن في واحد عندك تعب وطلب إجازة لمدة شهر، يعني في مكان فاضي، قصدي يعني إنك محتاج فعلاً ليوسف على الأقل الفترة دي
اعترض سمير بتجهم وعبوس:
_ وإيه اللي هيحصل بعد ما الشهر بعدي؟ هتصرف إزاي أنا مع الإتنين وقتها؟
نظرت إلى الأمام حيث ولدها ورمقته بنظرات معاتبة، أخذت نفساً قبل أن تعود بنظريها إلى زوجها مجيبة إياه:
_ أنت متعرفش بكرة فيه إيه، يمكن شغل يوسف ميعجبكش ويبقى ليك عذرك لو رفدته، أو مثلاً ممكن التاني ميجيش من أساسه
ضاق بعينيه عليها مستاءً من تفكيرها المحدود الذي لم يقنعه فهتفت هي لتنهي الحوار:
_ سيبها أنت بس على ربنا وهي هتتحل، إحنا منعرفش بكرة مخبي لنا إيه
تدخل بلال مؤكداً لحديث والدته:
_ أيوة يا بابا، الله أعلم بكرة إيه اللي ممكن يحصل، وافق يا بابا بالله عليك ومتصغرنيش
بعد تفكير طال حسم سمير رأيه في الأمر وأدلى به قائلاً:
_ قوله يجي النهاردة يقابلني
فغر بلال فاهه بسعادة مفرطة فتابع والده حديثه محذراً:
_ بس لو شغله معجبنيش مش هقول صاحبك وهمشيه، تمام؟!
أماء له بلال وردد ببلاهة:
_ اللي تشوفه يا بابا
نهض عن كرسيه بسرعة قصوة فصاحت والدته متسائلة:
_ مش هتفطر يا حبيبي؟
هلل عالياً وهو يعود إلى غرفته:
_ لأ، مش دلوقتي بعد ما أصحى
حركت والدته رأسها مستنكرة تصرفاته الخرقاء، قطع حبال أفكارها قول زوجها:
_ عاجبك تصرفاته دي؟ا دا منظر واحد عنده ٢٣ سنة؟ دا بيتصرف كأنه مراهق عبيط مش عارف يشيل مسؤولية نفسه حتى، فاكر إني هعيش له كتير وبيتكل عليا بالجامد من غير ما يخاف ويفكر إني في يوم مش هكون موجود
أسرعت زوجته مستنكرة حديثه الذي سبب الحزن لقلبها:
_ ربنا يبارك في عمرك، متقولش كدا تاني، أنا مش بقدر أسمع الكلام دا
أوصدت عينيها لبرهة ثم تابعت ما لم تنهيه:
_ هو بس بيدلع عليك لأنه الولد الوحيد على البنتين، متزعلش نفسك والأمور هتمشي زي ما أنت عايز، أدعي له أنت بس بالهداية، أنت أب يعني دعاك مستجاب
بنبرة أهدى عن ذي قبل دعى سمير قائلاً:
_ ربنا يهديه يارب
تراجع بكرسيه للخلف ثم نهض عنه متمتماً:
_ ربنا يديم علينا نعمته
رافقته زوجته إلى الباب، أنهى ارتداء حذائه وأمرها قبل أن يرحل:
_ متسيبهوش يطول في النوم يا شهيرة، نص ساعة وصحيه، خليه يجي لي المعرض
أماءت له بقبول ودعت له بقلبٍ حنون:
_ ماشي، ربنا يستر طريقك يارب
أغلقت الباب ما أن اختفى خلف درجات السُلم وعادت للبدء في أعمالها المنزلية كالمعتاد.
***
كان يجلس أمام معرض السيارات في انتظار وصول والد بلال، فلم يريد الدخول قبل منه، بعد إنتظار طال لوقت، وصل السيد سمير بسيارته الفاخرة ( مرسيدس )، فهو رجل عاشق للسيارات والدراجات الغير معروفة إلا لديه، لقد نجح في بناء إسماً مميزاً له في تجارة السيارات.
أستقام يوسف من جلسته وبقامة منتصبة انتظر قرب سمير نحوه، رحب به بحفاوة مبالغة وهو يصافحه بود:
_ إزيك يا يوسف
" الحمد لله، إزاي حضرتك يا عمي"
هتف بها يوسف بمزيج من الخجل والحماس،
بينما ردد السيد سمير:
بخير الحمد لله
ولج سمير بقامته المنتصبة إلى مكانه برفقة يوسف التي وقعت عليه الأنظار متسائلين من هذا؟
فمن يريد مقابلة سمير يأخذ موعداً قبلها بفترة حتى يتمكن من رؤيته، فمن يكون ذلك الشاب الذي نال شرف مرافقته كتفاً بكتف؟!
ولج سمير مكتبه الزجاجي الذي يشاهد منه ما يدور في المكان بكل سهولة، نظر خلسة إلى الشاشة الكائنة أمامه، والتي تُجمِع كاميرات المكان، عاد بنظره إلى يوسف وسأله بلُطف:
_ تحب تشرب إيه، شاي، قهوة، ولا حاجة تانية؟
أسرع يوسف في الرد عليه بحرج بائن:
_ شكراً يا عمي، مش عايز أشرب حاجة
أصر سمير علي شربه لشيء فقال يوسف تحت ضغط:
_ الشاي يكون كويس
أمر سمير عامله بإحضار كوبان من الشاي لهما ثم حل الصمت الذي ارتبك يوسف إثره، ابتلع ريقه وحاول فتح معه أي مناقشة لكن دون جدوى، لا يدرى ماذا أصابه؟ ربما هدوء الرجل السبب في حالته.
خرج سمير عن صمته هاتفاً بهدوء يشوبه البرود:
_ بلال قالي أنك محتاج شغل، وأنا فعلاً محتاج لشاب يعرف يتعامل كويس مع الزباين، أول حاجة لازم تقعد مع عبد الرحمن، هو اللي بيستلم العربيات من برا وعنده خلفية كبيرة عن أنواع العربيات ومميزاتها وكل حاجة تقريباً عنها، لازم تعرفهم وتحفظهم كويس عشان أنت اللي هتعرف المشتري بكل اللي يخص العربية اللي يختارها، فهمت؟
اكتفى يوسف بإيماءة من رأسه، فلم يريد أن يجادله فمن الممكن أن يستهزء به إن أخبره بمعلوماته الكافية عن السيارات وأنواعها وكذلك مميزات كلٌّ على حِدَة، نهض عن مقعده حين حضر عبد الرحمن الذي لبى نداء مديره على الفور، وجه سمير حديثه إليه بنبرة عملية:
_ يوسف زميلك هنا لسه متعين جديد، عايزك تعلمه كل اللي يخص العربيات عشان يبدأ شغله بسرعة
أوماء عبد الرحمن برأسه مراراً وأجابه بلُطف:
_ تمام
وجه نظريه على يوسف وبإبتسامة هادئة هتف:
_ تعالى معايا
تبعه يوسف بعد أن استأذن من سمير، كان يحدج بالسيارات الفخمة الكائنة في المكان بحماس مختلط باللهفة لتجربة إحداهما، إلتوى ثغره للجانب بتهكم، فهل من الممكن تجربتهم حقاً؟!
أنتبه على صوت عبد الرحمن حين أشار إلى إحدى السيارات وبدأ يشرح له مواصفاتها وبعض المميزات التي تمتلكها السيارة، أخطأ عبد الرحمن من بين شرحه فعقب يوسف معدلاً على خطئه.
نظر له عبد الرحمن بتهكم وردد ساخراً:
_ أنت عايز تعرفني إنك عارف في العربية دي؟
شعر يوسف بالإهانة من خلف كلماته وبإستياء واضح بدأ يشير إلي بعض السيارات المتفرقة عن بعضها ويخبره كل ما يخصها بطلاقة وأسلوب سلِس، انبهر عبد الرحمن به للغاية، من الأقلاء أن يرى أحدهم يهتم لتلك السيارات الفاخرة، فمن ينظر إليها ويقوم بشرائها من رجال الأعمال ذو المكانة الاقتصادية المرموقة.
حمحم عبد الرحمن بحرج وأبدى إعجابه به قائلاً:
_ طيب أنت كدا مش محتاج لمساعدة، ارجع للحاج سمير وعرفه إنك جاهز تبدأ في الشغل من الوقتي
دنى منه عبد الرحمن وهمس إليه بقُرب أذنه:
_ ومتقلقش مش هقول في حقك كلمة وحشة لو سألني عنك
تراجع عبد الرحمن للخلف وغمز إليه بعينه اليُمنى، ثم عاد إلى عمله، بينما صعد يوسف إلى مكتب السيد سمير لكي يخبره بأنه جاهز لتولي الوظيفة، تفاجئ سمير بعودته بتلك السرعة وسأله مستفسراً:
_ فيه حاجة صعبة عليك؟
استنكر يوسف سوء ظنهم به، لكنه حاول أن يكون أكثر لطافة فأردف مجيباً إياه:
_ لأ، بس أستاذ عبد الرحمن قالي أعرفك إني جاهز أشتغل من الوقتي
قطب سمير جبينه بعدم تصديق وردد مستنكراً حديثه:
_ بالسرعة دي قدرت تحفظ اللي المفروض تعمله؟
أستقام يوسف في وقفته حيث بات أكثر انتصاباً وبثقة تملكت منه قال:
_ لو حضرتك مش مصدقني، تقدر تكلم أستاذ عبد الرحمن بنفسه يقولك
"أكيد هكلمه، أنتوا بتهزروا؟!"
هتف بهم سمير وهو يهاتف عبد الرحمن الذي أجابه على الفور، فقام سمير بسؤاله بطريقة غير مباشرة عن يوسف، رُفع حاجبيه تلقائياً حين تلقى الرد الذي فاجئه، تنهد يوسف براحة حين تأكد من خلف ملامحه أنه سينال تلك الوظيفة حتماً.
تقوس ثغره ببسمة لم تتعدى شفاه حين أعاد السيد سمير الهاتف إلى مكانه ونظر إليه وأردف بعمليه:
_ مبروك عليك يا يوسف ياريت متخذلنيش، أنا بثق في عبد الرحمن جداً ومش هشكك في اللي قالوا عنك، بس أنا عايز أشوف الكلام دا بعيني
اتسع ثغر يوسف بإبتسامة هادئة لا تشبه الحماس الذي نشب داخله وأردف:
_ إن شاءالله أكون عند حسن ظنك يا عمي
حرك سمير رأسه وأشار بيُمناه إلى الباب مردداً بنبرة حازمة:
_ ودلوقتي تقدر تبدأ في شغلك
اكتفى يوسف بإيماءة من رأسه ثم أولاه ظهره وغادر مكتبه، وقف بقُرب سيارته المحببة إلى قلبه، كم آراد امتلاكها وبشدة، شعر لوهلة أنه اقترب من تحقيق هذا الحلم، فاليوم هو يقف بجوارها وغداً حتماً سيكون سائقها.
انتبه على دخول صديقه بلال الذي هلل متباهياً بصديقه:
_ حلال عليك الشغل الجديد
غمز له وواصل ممازحاً:
_ ألا قولي، بيعت كام عربية لغاية الوقتي؟
لكزه يوسف في ذراعه بقوة وهو يهاجمه مستاءً:
_ بيع إيه اللي بتتكلم عنه، أنا لسه مستلم الشغل حالاً
نظر كليهما إلى الأعلى حين جذب انتباههم صوت سمير من نافذته الزجاجية:
_ بلال، سيب يوسف في حاله وتعالى عايزك
مال بلال على يوسف وهمس له بضجر زائف:
_ لو كنت فاكر إنك ممكن تلعب أو تكسل هنا، فأنا بعرفك أهو، الراجل اللي فوق دا مش بيحب كدا أبداً
دفعه يوسف بعيداً عنه وصاح فيه بتهكم:
_ اللعب والكسل بيجوا لما أنت تيجي يا بلال، وأكيد لما أنت تمشي هما هيمشوا معاك
اتسعت حدقتي بلال على رد صديقه الذي أفحمه، لم يعلم للرد سبيل، اكتفى برمقه بذهول بينما عاود والده ندائه مرة أخرى بانفعال:
_ بلال قولتلك سيب يوسف في حاله وتعالى عندي
تقوس ثغر يوسف بإبتسامة عريضة وطالع بلال بتشفي، فلم يرضى بلال نظراته المتشفية به وهتف بأمر:
_ يلا، ارجع لشغلك يا موظف ومتلعبش
حرك يوسف رأسه مراراً بينما صعد الآخر إلى والده الذي وبخه بقوله:
_ مش فالح غير في توظيف الناس عندي، لكن مبتبصش لنفسك يمكن تشغلها هي كمان، أنت معندكش دم؟، جحش في عمرك ولغاية دلوقتي بياخد مصروف من أبوه من غير ما يتكسف على دمه!
كاد بلال أن يبدي تزمره كسابق مراته إلا أن والده ألحق به وتابع بنبرة صارمة:
_ بس أنا صبرت عليك كتير، ومش هقف أتفرج عليك أكتر من كدا من غير ما أعمل حاجة، من هنا ورايح رجلك على رجلي في أي مكان أروحه ومش هتمشي من هنا قبل ما أنا أمشي، مفهوم؟!
حمحم بلال وفغر فاهه ليعقب على ما قيل لكن والده قد أشار له بالتوقف، تعجب بلال من شرود أبيه في نافذته وتقدم نحوه حتى يعلم سر ما جذب انتباهه، تفاجئ بصديقه يوسف يتشارك الضحك مع أحد المشترين فظل يتابع مع والده مع ما يحدث في صمت.
تشدق بلال بفمه للجانب مشكلاً إبتسامة إعجاب حين قام الرجل بشراء السيارة دون مجهود كبير من يوسف مثلما يفعل غيره من العاملين، لم يشعر بنفسه سوى وهو يردد عالياً بفخر:
_ قولتلك حلال عليك يابني والله
التفت يوسف برأسه ناحية بلال وأظهر ابتسامة هادئة على محياه عكس المشاعر المضطربة التي اجتاحته، عاد برأسه إلى الرجل الذي دس يده في جيبه وأخرج منه نقوداً ثم صافح يوسف مردداً:
_ دول علشانك
رفض يوسف أخذ المال، وتراجع عدة خطوات للخلف، خشية أن يُساء فِهمه من قِبل السيد سمير، قطب الرجل حاجبيه بغرابة فلم يرفض عامل مثله نقود من قبل، رفع رأسه وصاح موجهاً حديثه إلى السيد سمير:
_ يا حاج سمير قوله ياخدهم مني
أمر سمير يوسف بعملية باغتة:
_ خد منه الفلوس يا يوسف، معلش يا سالم بيه هو لسه مستلم الشغل جديد
شكل سالم إبتسامة رخيمة على ثغره ومد يده إلى يوسف مرة أخرى، فتردد يوسف في أخذهم لكنه امتثل لأمر رب عمله وتناولهم منه ثم بلُطف قال:
_ شكراً
ربت سالم على كتفه ثم صعد إلى مكتب سمير لكي ينهي إجراءات شراء السيارة بينما نزل بلال إلى صديقه وهو يهتف بسعادة:
_ إيه يابني دا؟ دا أنت أقنعت الراجل يشتري العربية في أقل من خمس دقايق، قولتله إيه عرفني
إلتوت شفتي يوسف بثقة وأجابه بعجرفة وهو يضبط ياقة قميصه:
_ دا سر المهنة يا صاحبي، مش هتزعل طبعاً لو مقولتلكش
فغر بلال فاهه كما اتسعت مقلتيه بذهولٍ، حرك رأسه مستنكراً وصاح متهكماً:
_ شكلي كدا غلط لما عملت لك معروف، أنت ناكر للجميل يالا
ضم يوسف سبابته داخل إبهامه في شكل دائري، رافعاً بقية أصابعه في حركة تعني أنه كذلك بالفعل، توجه إلى المرحاض ثم رفع يده الممسكة بالنقود وتردد في معرفة كم عددهم لكنه حسم أمره وقام بعدهم، ابتسم حين رأى ورقة مالية قدرها مئتان جنيهاً.
دسهم في جيبه في حركة سريعة حين صغى لكلمات صديقه من الخارج:
_ يوسف تعالي أبويا عايزك
خرج على الفور وذهب إلى السيد سمير الذي شكره ممتناً ثم أنهى حديثه بإعجاب لشخصيته:
_ شكلك شاب ذكي ودا أنا شوفته بعيني، ومش بعيد عليك تخلق ليك مكانه خاصة هنا
فتح أحد أدراج مكتبه وأخرج منها ورقة قدرها مئتان جنيهاً ثم ناولها إليه وأردف:
_ كل ما بيعت عربية هتاخد زيهم، ومتقلقش هي خارج مرتبك
بإبتسامة خجولة عذبة قال يوسف ممتناً له:
_ شكراً لحضرتك، عن إذنك لو مكنتش محتاجني في حاجة تاني
أشار إليه سمير بالخروج فخرج يوسف على الفور وهو يشعر بالسعادة لكونه امتلك ذلك المبلغ في أقل من ستون دقيقة، تنهد براحة وشعر بأن الأيام المقبلة ستضحك في وجهه وسيكفي حاجة عائلته بكل ما يلزمهم وخصيصاً تلك الفتاة اليتيمة.
أنتبه على اهتزازة هاتفه في جيبه فسحبه وإذا بها والدته، ابتسم تلقائياً وأجاب على الفور بنبرة سعيدة:
_ حزري يا أمي أخدت كام من أول ساعة
أجابته بنبرة هادئة استحث منها يوسف قلقها أو ربما خوفها حين قالت:
_ تتهنى بيهم يا حبيبي
عقد ما بين حاجبيه بغرابة وتسأل في قلق تملكه:
_ في حاجة حصلت يا أمي، صوتك مش عاجبني
حمحمت وبتردد مبالغ أخبرته:
"لينة مش بتبطل عياط يا يوسف"
أردفتهم السيدة ميمي ونبرتها حزينة لفشلها في إرضائها، اضطرت إلى اللجوء لمهاتفة ولدها ربما يجيد التعامل معها، قلق يوسف مما سمعه للتو وسألها بلهفة:
_ بتعيط ليه يا أمي، إيه اللي حصل؟
***
يا ترى حصل إيه خلى لينة تعيط؟
مستينة رأيكم وتحليلكم وريفيوهاتكم ♥️
•تابع الفصل التالي "رواية حرر هواك فالحب بات معلنا" اضغط على اسم الرواية