رواية دموع مؤجلة واحتضان أخير الفصل الرابع 4 - بقلم شمس حسين
“في لحظة الحاجة…غاب الأمان”
مواقف أبويا معايا دايما طول حياتي بتأكد لي إنه مش عايزني، وإن وجودي في حياته مش مرغوب فيه، كنت دايما بحس إن ماليش مكان في حياته، كل موقف بيحصل بينا كان بيعلن فيه بشكل صريح إنه مش عايزني، ومع كل موقف قاسي كنت اتمني ماما تاخد قرار إنها تبعد بابا عن حياتي للأبد، لكن هي كانت بتعمل العكس، ومع كل موقف بيبين قسوته و أقرر إني مش هروح له تاني، هي كانت ترفض.
ماما كانت دايمًا تقول لي: “نظرة الناس ليك هتبقى وحشة… إحنا في مجتمع دايمًا بينصف الراجل وبيجي على الست…. مش عايزاكي الناس يتكلموا ويقولوا أبوها اتخلى عنها… الناس هيفكروا إنك ما عندكش ظهر يحميكي”، كانت دايمًا بتأكد لي إن وجود الأب مهم في حياة البنت، حتى لو كان قاسي، كانت بتأكدلي دايماً أنها موجودة اه في حياتي وجدو كمان موجود، لكن وجود الأب مهم مهما كانت قسوته.
مكانش ده رأي ماما بس لاء كمان كان كلام اخوالي، كانوا خايفين عليا من نظرة الناس، خايفين من تأثير شفقة الناس عليا، كانوا مش عايزين حد يقول: “شوفوا أبوها عمل فيها إيه”، كان الكل خايف على صورة بابا قدام الناس، مش علشانه، لكن علشاني أنا، لأنه أمر واقع…. هو أبويا، ومفيش مفر، لكن أنا كنت بشوف ده ظلم ليا… ليه اتحمل قسوة أبويا لمجرد كلام الناس؟ ليه أرضى بمعاملته دي؟ أنا مش عايزاه في حياتي، لكن ماما كانت دايمًا تقول لي: “مهما حصل، هو أبوكي، هيجي عليكي وقت هتبقي محتاجه وجوده هو، وانتي بنته ولما تكبري هيحس بيكي ويمكن معاملته تتغير، صدقيني هو هيبقي الأمان ليكي لأنه أبوكي”.
في يوم حصلت حادثة كبيرة وأنا في المدرسة، كانت في شارع المدرسة بتاعتي بالضبط، حصلت خناقة كبيرة بين الأهالي، تطورت لحد الضرب بالنار، وكل اللي كانوا موجودين في الشارع كانوا مرعوبين، وصلت الشرطة، والدنيا كانت مقلوبة، وكل البنات في المدرسة كانوا مرعوبين، المدير وقتها قرر إنه ممنوع أي طالبة تروح من المدرسة إلا ب ولي أمرها، وكانوا بينادوا في المساجد علشان الأهالي ييجوا ياخدوا بناتهم.
الجو كان مليان توتر، البنات واقفين في مجموعات صغيرة، وكل واحدة بتتكلم بخوف أو بتبص حواليها على أمل إن اي حد من أهلها ييجي، كان في همسات عالية وسط الصمت اللي كل شوية يتكسر بصوت ضرب النار اللي برة أو حد بيعيط، كانت اختي مرام ” من بابا” معايا في المدرسة كانت اصغر مني بسنتين، في أولي اعدادي، رحت علشان أطمن عليها، ولما لقيتها، كانت واقفة مع صحابها، قعدت معاها شوية لحد اما اطمنت عليها.
المدير كان واقف قدام البوابة، وشكله مشوش، كان بيتكلم مع عسكري من الشرطة اللي كان ماسك دفتر صغير وبيكتب أسماء الناس اللي بيدخلوا، المدير كان واضح عليه التوتر، عينيه بتتحرك بسرعة بين أسماء الطالبات اللي على الأوراق وصوت الأهالي اللي بينادوا على بناتهم، لما كان يسمع اسم طالبة، كان ينده بصوت عالي: “يا بنات، فلانة!”، وتطلع البنت وهي ماسكة إيد صاحبتها أو بتعيط، وتروح على أهلها.
كنت مرعوبة من جوايا، مش علشان الخناقة اللي برا، لكن علشان المدرسة بتاعتي بعيدة عن بيت ماما، وممكن هي ما تكونش عرفت اللي حصل، و وقتها ما كانش معايا تليفون علشان أكلمها، فكنت بحاول أطمن نفسي وأقول إن أكيد حد هيجي ياخد مرام وأنا معاها، لأن بيت بابا قريب للمدرسة.
بعد شوية، شفت بابا داخل، شكله كان غير متوقع بالنسبة لي، كان عينيه بتدور في المكان بخوف، زي ما يكون بيدور على حاجة مهمة جدًا بالنسبة له، راح ناحية المدير، وكلامهم كان سريع وكان واضح جداً إنه جاي يدور على مرام، لما المدير نادى عليها، فضلت أراقب وهي بتمشي في اتجاهه، لما وصلتلُه، حضنها بكل قوة، كأنها أمانه الضايع، ملامحه كانت مختلفة جدًا، خوفه وتحوله لراحة كان ظاهر بشكل قوي على وشه.
في اللحظة دي، أنا اتهزيت جامد، اتفزعت من حضنه ليها، ومش عارفة ليه حصلت جوايا حاجة غريبة، اتكسفت من نفسي اوي أن حسيت إن نفسي في الحضن ده… كان نفسي يجي عليا و يحضني أنا كمان، كنت عايزة احس بالامان اللي ماما كانت دايما بتقولي عليه، كنت مدايقة من نفسي اووي أن الشعور ده جوايا …أنا مقررة من زمان أن علاقتي ب بابا هتبقي حاجة علي الورق، واخده عهد مع نفسي أن أنا مش هزعل من تصرفاته معايا وهعدي.
بعدها أتحركت خطوة واحدة في اتجاههم، لكني وقفت بسرعة لما لقيته بياخدها ويمشي، مرام بصت له وشاورت عليا، اتعلقت آمالي للحظة، لكنه مشي من غير ما يبص ناحيتي، وأنا فضلت مكاني، بصيت حواليا، لقيت البنات اللي معايا بتراقب، لكن ما حدش سألني حاجة، رغم كده، حسيت كأن كل واحد فيهم عارف اللي حصل.
فجأة لقيت البنات تقريباً كلها روحوا علي البيت، مفضلش غيري، فضلت قاعدة مكاني لحد ما جيه واحد من المدرسين وقال لي: “اي يا بنتي، مش هتروحي؟” سكت ومعرفتش أرد عليه: لقيت مدرس تاني جيه وقالي :”إحنا كمان عايزين نروح” التاني رد وقالي: “إيه يا بنتي، أهلك بايعينك ولا إيه؟ إحنا بلّغنا بقالنا ساعتين ومحدش جيه”.
قلت لهم: “أنا ممكن أروح لوحدي”… كل المدرسين بدأوا يضحكوا، كنت حاسة إن الأرض بتسحبني تحت رجلي، وقال لي: ” انتي قلبك جامد بقي ده انا خايف اروح من الكارثة اللي برا دي… وبعدين ممنوع، شكلك هتباتي هنا”.
بعدها مدير المدرسة جه وقالي بهدوء: “هاتي رقم أي حد علشان نتواصل معاه، لازم نقفل ونمشي”، قلت له:” أنا مش حافظة اي أرقام”، رد عليا وقالي :” قولي لي اسمك و بياناتك ونطلع رقم من الملف”، كنت خايفة أقول له اسمي علشان ما يعرفش إن بابا جه وماخدنيش، كنت واقفة قدامه، عيوني مدمعة، وصوتي مكتوم، مش قادرة أقول حاجة، وهو وباقي المدرسين واقفين مستنين اتكلم، لكن سمعت صوت بينادي عليا من اتجاة بوابه المدرسة وبيقول:” شمس… أنا هنا”، عيني راحت لاتجاة الصوت، ولقيته خالو محمد، عيطت من الفرحة، وشاورت ب ايدي عليه، اخدني خالو في أيده، وأنا خارجة معاه حسيت لأول مرة في اليوم ده بأمان حقيقي، حسيت إن حد مهتم بيا، وإن في حد بيحميني، كنت ببصله كأني لقيت باب أمان كان مقفول عليا من زمان، اتاكدت وقتها إن الأمان مش شرط يكون من الأب… ممكن يجي من حد تاني شايفك مهمة.
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية دموع مؤجلة واحتضان أخير) اسم الرواية