رواية الغرفة المغلقة الفصل السابع 7 - بقلم نور الشامي
وكانت أفنان تصرخ بجنون و تتراجع للخلف حتى اصطدمت بالحائط وعيناها متسعتان بذهول… أنفاسها متقطعة.. وهي تشير بيدها المرتعشة إلى الفراغ أمامها وتردد بصوت مرتجف:
رقية… كانت اهنيه..انا شوفتها كانت واجفة اهنيه، بس مالها؟ ليه كانت بتبصلي كده؟!
لم تنهي افنان كلماتها انفتح الباب بقوة، ودخل إلياس بسرعة، نظر إليها بدهشة، ثم إلى السكين التي كانت تمسكها بيدها فـ هرع نحوها وأمسك بمعصمها برفق محاولًا تهدئتها مرددا:
أفنان، هدي نفسك… إيي ال حوصل؟”
كان يتحدث الياس وعينان افنان لا تزالت تبحثان في المكان بجنون، وكأنها تتوقع ظهور رقية من العدم ثم هتفت بصوت مختنق بالبكاء:
شوفتها… إلياس.. رقية كانت اهنيه … كانت واجفة جدامي.. بس كانت غريبة.. كأنها مش هي… وشها كان شاحب… وكانت ماسكة سكينة!
تجمد إلياس للحظة ثم أسرع ليضع يديه على كتفيها محاولًا تهدئتها وردد بهدوء مصطنع:
افنان.. رقية مسافرة بره مصر… أكيد ال شوفتيه ده تخيلات! يمكن تعبتي، أو واحشتيها فدماغك صورتلك إنها جدامك بس رقيه مش موجوده اهنيه اصلا
صرخت أفنان وهي تبكي مردده:
“لع… مش تخيلات.. أنا متأكدة! كانت اهنيه . كانت بتبصلي بطريجة غريبة، وإيديها كان فيها سكينة صدجني يا الياس
ارتبك إلياس للحظة لكن سرعان ما تماسك وابتسم ابتسامة هادئة ليهدئها واردف بصوت هادئ:
يمكن ضغط الأيام ال فاتت مأثر عليكي… خلينا نهدى، وأنا هفضل جمبك متخافيش انا معاكي اهه
لم ترد أفنان.. فقط حدقت فيه بعينين زائغتين.. ثم سمحت له بأخذ السكينة من يدها بينما جلست على طرف السرير وهي لا تزال تحاول استيعاب ما رأته أما إلياس فقد وقف أمامها للحظات، ينظر إليها نظرة معقدة قبل أن يشيح بوجهه بعيدًا يخفي شيئًا خلف عينين غامضتين وفي مساء يوم جديد في الاسكندريه كان يقف إلياس في شرفته في احد البيوت الخاصه به المطلة على البحر عينيه شاخصة في الأفق كأنه يبحث عن إجابة بين الأمواج المتلاطمة… كان الليل قد غلّف المدينة بسكونه.. لكن داخله كان عاصفًا. فكر في كلمات أفنان المرتبكة… في خوفها و في تصديقها الأعمى له.. وفي الكذبة التي أصبح محاصرًا بها ثم أغلق عينيه لـ لحظة.. لكن صوت خطوات خلفه جعله يلتفت بحذر كان وليد يقف هناك ملامحه مشدودة وكأن لديه ما هو أخطر ليقوله مرددا:
إلياس… لازم تاخد قرار بسرعة أفنان لازم تعرف كل حاجه في اسرع وجت قبل ما الأمور تخرج عن السيطرة أكتر من اكده
نظر إليه إلياس بحدة ثم اردف بصوت منخفض:
مش دلوجتي يا وليد . أي كلمة غلط ممكن تبوظ كل حاجة… وأفنان مش جاهزة انا جيبتها اهنيه علشان تغير جو وكل ال يهمني دلوجتي ان نفسيتها تتحسن وبس وبعدها هتبجي جاهزه تسمع كل حاجه
القي الياس كلماته لكن وليد لم يتراجع بل اقترب أكثر وردد بحزم:
وأنت؟ أنت جاهز؟ جاهز تشوف نظرة الكره في عينيها لما تعرف إنك كنت بتخدعها طول الوجت دا؟!
نظر الياس اليه بضيق وشعر وكأن قبضته تنغلق على الهواء، ثم استدار ينظر للبحر مجددًا الحقيقة بالنسبه له كانت مثل سيف مسلط على رقبته لكنه لم يكن مستعدًا بعد لمواجهة نتائجه او بالاحري مواجهه افنان التي بدأ يكن لها بعض من مشاعر الحب لها وفي الغرفه المجاوره كانت أفنان جالسه، عيناها على الطفلة النائمة بجانبها. يدها مرتجفة وهي تلمس شعر الصغيرة برفق، وكأنها تحاول التمسك بالحقيقة الوحيدة التي بدت أكيدة في حياتها الآن… لكنها لم تستطع أن تتجاهل الشك الذي بدأ يتسلل إلى قلبها فـ تمتمت بصوت بالكاد يسمع:
ليه كلهم بيكدبوا؟ وليه أنا حاسة إن كل حاجة حواليا مش صوح.. اكيد الياس مخبي عني حاجه كبيره جوي بس اي هي.. هو ليه دايما متوتر اكده وبيحاول يهرب مني.. حتي نظراته بحس انه بيهرب بنظراته انه يبصلي.. لع. اكيد فيه حاجه غلط بس هي اي.. اي ال مخبيه عني بس
وفي مساء يوم جديد في الصعيد كانت رقية تقف بجانب وائل على بعد مسافة قصيرة من منزل إلياس.. عينها تراقب الطريق بترقب والهواء البارد يهب من حولهم حتي التفتت إلى وائل واردفت بصوت حاسم:
الياس ووليد أكيد على وصول دلوجتي… راجعين من اسكندرية. ومرات عمه في البيت لوحدها لازم نغتنم الفرصة… لازم نولع في جلوبهم زي ما ولعوا في اهالينا.. لازم يحسوا بكل ال هما عملوه فينا يا وائل
نظر وائل إليها واردف بضيق:
رقية..لازم ناخد بالنا كويس جوي إحنا نبدأ بحذر جاهزه
رمت رقيه نظرة أخيرة إلى البيت قبل أن تتابع بحزم:
جاهزه ووأول خطوة هي حرق جلبه علي مرت عمخ ال بيحبها جوي وبيعتبرها زي امه
القت رقيه كلماتها ثم حركت يدها في الهواء كأنها تشير إلى بداية المعركة وبدأ وائل في التحرك يحدق في الجدران المحيطة بمنزل إلياس… ثم تحركت رقية نحو المنزل، ووائل يتبعها وعيونهم تتفحص المكان من حولهم، وكانت أيديهم تتحرك بحذر لتنفيذ خطتهم ومع مرور الوقت بدأ وائل في إشعال النار بالقرب من الجدران الخارجية للمنزل وألسنة اللهب بدأت تنتشر تدريجياً وسرعان ما لفت الأنظار أضواء النار تعكس على الجدران المظلمة مما اثار الفزع في المكان و الدخان الكثيف بدأ يلتف حول المكان حتي التهمت النيران في جميع اجزاء البيت وتجمع أهل البلد حول الحريق في حالة من الذهول والفوضى وهم يحاول بعضهم إطفاء النيران بينما يتدافع البعض الآخر من أجل النجاة من هذه النيران التي بدات تأكل الاخضر واليابس ووصلت الاسعاف والمطافي ايضا فورا وبعد لحظات توقفت سيارة إلياس ووليد أمام المدخل وهم ينظرون بأستغراب حتب خرجا بسرعة من السيارة، ووقفا في ذهول و عيونهم لا تصدق ما يحدث أمامهم.. كان الدخان يملأ الأجواء ورائحة الحريق تغطي المكان. ومازال إلياس يقف في حالة صدمة لكن سرعان ما بدأ يركض نحو البيت. وهو يردد باسم زوجه عمه ولكن وقفت الشرطي واهل البلد امامه حتي يمنعوه من الدخول واما عم وليد فـ كان يحاول تنظيم الوضع وهو يصرخ في الجموع ليبتعدوا عن المكان بينما إلياس و فرق الإنقاذ تحاول إخماد الحريق وبعد دقائق مرت عليهم كسنوات خرجوا المسعفين وهم يحملون الجثث والمصابين الخاصه بالحرس والخادمين الذي لم ينجي منهم احد تقريبا حتي ظهرت زوجه عمه المتسطحه علي هذه النقاله ثم تبعها جثتان أخريان فوقف الياس مرددا بصدمه:
لا… لا.. مش ممكن.. كل دا كابوس انا متأكد.. دا كابوس… كل دا كابوس
همس إلياس بهذه الكلمات وهو يشاهد الجثث و عيناه مليئتان بالدموع والذهول و وليد يقف بجواره يصرخ بشده وزينه تحاول تهدئته اما عند رقيه فكانت تقف من مكان بعيد قليلا وسط الجموع متخفيه هي وشقيقها وتراقب المشهد بهدوء وعيونها مشتعلة بفرح غير ظاهر رغم الفوضى من حولها. كانت تتابع كل شيء كما لو كان حلماً تحقق لها بينما كانت الأضواء الصفراء لعربات الإسعاف تتقاطع مع الظلام الحالك في الأفق… والدخان مازال يملأ الجو من حولهم، وفرق الإنقاذ تحاول إخماد الحريق الذي دمر جزءًا كبيرًا من منزل إلياس. في تلك اللحظات بدأ المسعفون في نقل الجثث إلى سيارات الإسعاف.. كانوا يمرون بجانب رقية ووائل الذين كانا يقفون في زاوية مظلمة، يراقبون الحدث عن كثب ورقيه تنظر بتركيز تام إلى النقالات التي كانت تخرج من المنزل المحترق. لحظة بلحظة، كان قلبها ينبض أسرع من قبل وكلما مرّت جثة من أمامها كانت عينها تتحقق منها لكن فجأة توقفت عيناها على الجثتين اللتين كانتا تقتربان منها على نقالة الإسعاف. كانتا مغطاتين بالكامل، لكن ما أثارها كان الوجه الذي ظهر من تحت الغطاء….. عيناهما… حتى لو كانت مغمض فهي تعرفهم جيدًا… هذه الوجوه التي طالما حلمت بعودتها لكنها لم تكن تتوقع أن ترى هذا المشهد أبدًا فاردفت بصوت منخفض، تكاد لا تسمعها نفسها:
لا… لا… دي… دي مش ممكن يكونوا هما
القت رقيه كلماتها وبجانبها وائل الذي يقف بجانبها لم يتحمل هو الآخر حتي هتف بصوت مرتعش:
“أبوي… وأمي؟
كانت رقية في حالة صدمة تامة و قلبها يتسارع حتي عقلها لا يستطيع تصديق ما تراه عينيها..فكيف حدث هذا.. وإلياس هو من قتلهم.. هي رأتهم بنفسها وهم يخرجون جثثهم المتفحكه من منزلهم القديم… لكن الحقيقة التي كانت أمامها الآن كانت أكبر من أن تستوعبها والحقيه ان إلياس قد أخفاهم في بيته طوال هذه الفترة.. خدعها كـ عادته السيئه.. لم تتحنل رقيه تكثر من ذالك وفجأه أغشي عليها فبدأ ينتبه البعض اليها وبالتحديد افنان التي رأت وائل وهو يحملها فاردفت بصدمه:
رقيه ؟!
- يتبع الفصل التالي اضغط على (الغرفة المغلقة) اسم الرواية