Ads by Google X

رواية لِبچَشان الفصل السابع 7 - بقلم عفاف العريشي

الصفحة الرئيسية

   

 رواية لِبچَشان الفصل السابع 7 - بقلم عفاف العريشي

 
                                        
                                     ( وليد نصر)     
 
كنتُ في طريقي ذات يوم إلى جناحي الخاص بحوزتي بعض الأوراق المهمة بشأن الضباط الجدد الذين انضموا مؤخراً للجيش.  
كنتُ أنظر لاسم وكأنه مألوف كان (يعقوب)  أجل هو صديقي القديم في دروس القتال والفروسية، سررت كثيراً سألتقى به بعد خمسة عشر عاماً،  
 
رفعتُ ناظريّ ورأيتها لأول مرة، كانت جميلة للغاية بزيها الأبيض الطويل وشعرها الأبيض الطويل المتطاير خلفها بحرية وضحكتها الصافية الجميلة ابتسمتُ تلقائياً حالما رأيتها تركض بطفولة، قصيرة للغاية وعيونها زرقاء صافية،  
استنتجتُ أنها من طبقة العامة وعينيها بدرجة أخف من عينايّ علمتُ فيما بعد أنها بدر ابنة الطبيب زاهر، ومنذ حينها صارت بدر ليلي.  
 
التقيتُ بها مراتٍ عدة كانت تعمل الوصيفة الخاصة بالملكة بيان زوجة الملك غيث.  
 
كنتُ أجلس في حديقة القصر ذات ليلة على الكرسي الحجري الخاص بي ورأيت فتاة تغنى بصوت عذب للغاية يجذب الأذن رغماً عنها إليه، ذهبتُ باتجاهها كانت هى بدر تقف في شرفة غرفتها بالطابق الأول بالقصر.  
 
قلتُ باسماً:  
_مرحباً بدر.  
قالت بضحكة صافية:  
_مرحباً نصر، ماذا تفعل هنا في هذا الوقت؟  
_أنا أجلس في الحديقة كل ليلة بعد الانتهاء من العمل، أتأمل السماء قليلاً.  
_فكرة رائعة هل تمانع إذا انضم رفيقُ إليك؟  
_بالطبع لا.  
 
انتظرتها بضع دقائق حتى ظهرت أمامي وهى تضع شال على كتفيها نظراً لبرودة الطقس تلك الليلة.  
قالت بهدوء: 
_هل تأخرت؟  
_لا أبداً، فلنجلس.  
كنتُ على وشك الجلوس على كرسي الحديقة لكنها هتفت صارخة:  
_لا يا وليد.  
 
وقفتُ أمامها وسحبتُ سيفي من غمده بترقب هامساً لها:  
_أبقى خلفي فقط.  
إلا أنها أخرجت رأسها من خلف ظهري قائلة بهمس:  
_أهناك شيء ما؟. لما الاختباء؟ 
 
رفعتُ حاجبي باستهجان وسألتها:  
_ولما صرختي إذن؟  
ابتسمت بغباء وقالت:  
_لا شيء فقط وددتُ الجلوس على العشب، هكذا.  
جلست على الأرض بكل أريحية، 
ضحكتُ وأنا أجلس جوارها:  
_حسناً لا بأس، تروقني هذه الفكرة.  
 
ساد صمت بيننا لبضعة دقائق، كنتُ أنا أول من كسره، 
_كيف يسير عملك؟ 
 
جاوبتني وهى تمط شفتيها بملل:  
_لا جديد العمل ممل للغاية هنا في هذا القصر ولكن الذى يقلقني حقاً هى الملكة دائماً متعبة بسبب الحمل والملك أغلب الأوقات خارج القصر في جولاته التفحصية للمدينة.  
 
قلتُ:  
_بالطبع؛ فأنا دائماً رفقته بالخارج، الوضع مضطرب للغاية ولابد من العمل المكثف في مثل هذه الأيام.  
 
تمتمت ببعض الكلمات الغير مفهومة.  
_ماذا تقولين يا فتاة؟ 
_لا شيء يا نصر لا شيء، فقط أسبك.  
_لماذا؟  
_كيف يمكن أن تكون بمثل هذه الجدية كل هذا الوقت لابد من بعض الجنون يا رجل 
_كيف؟ 
_هكذا.  
سكبت دلو من الماء البارد كان بجوارنا كاملاً فوقي وركضت إلى الداخل وهى تلوح بيدها قائلة:  
_إلى اللقاء يا وليد.  
ضحكتُ وأنا أبادلها:  
_إلى اللقاء يا مجنونة.  
 
تمر الأيام تباعاً بالشكل الروتيني المعتاد إلى أن جاء اليوم الذى التقيتُ فيه بصديقي يعقوب كان يرتدي درعاً مثلى تماماً فضي اللون والزى الحربى الأزرق والحذاء الجلدي الأبيض.  
نظر إلىّ مطولاً وقال:  
_سيدي، لقد انتهينا من الحملة العسكري اليوم لا يوجد أي مخالفة بالمدينة.  
قلتُ باسماً:  
_عملاً جيداً يا يعقوب، ولكن أريد أن أسألك سؤالاً  
_بالطبع سيدي. 
_هل تتذكرني؟ 
دقق النظر بمعالم وجهي ثم أردف:  
_معذرة سيدى، لا أتذكر أن سبق اللقاء بك قبلاً.  
 
_أنا وليد يا صديقي.  
 
قال بابتسامة مبتهجة:  
_وليد، لقد تغيرت كثيراً يا رجل!  
 
أردفتُ وأنا أحتضنه:  
_وأنت أيضاً ولكنني تعرفتُ عليك.  
 
قال ضاحكاً:  
_معذرة!، لقد كبرتُ في السن لهذا لم أتذكر.  
 
جلسنا وتحدثنا كثيراً وأخبرني انه حالما. أنهى تعليمه الأوَلىِ معي ذهب إلى شيلا برفقة والديه تم نفى والده بسبب ضربه لأحد أشخاص طبقته، وعمل مع والده حداد يصنع الأسلحة والعجلات الحربية لمدة خمس عشرة سنة إلى أن رآه ضابط بالجيش هنا يُدعى ( يونس) وطلب من والده أن يعمل في الجيش فوافق والده بصدر رحب على هذا وها هو الآن بلازورد عاصمة البلاد ضابط بالجيش تحت إشرافي الخاص.  
 
*                                          
 )                                        يونس) 
 
استمر التدريب قرابة الساعة، توقفتُ بعدما استرقتُ السمع إلى صوت صراخ من الأسفل،  
تجولت بعينايّ في المكان ورأيتُ باب حديدي خلف الجدار عليه حارسان، كنتُ أرتدى قميص عاري الكتفين لذلك لم يوقفاني أو يمنعاني عن الولوج إلى هذا النفق بعدما رأى الوسم على ساعدي.
 
كان المكان مظلماً شعرتُ بالدرج أسفلى لذا طلبتُ من الحراس جلب شعلة زيتية، أمسكتها بثبات ومازال الصوت مستمراً يخترق الأذن، صرخات أنثى واهنة، هبطتُ الدرج بهدوء وأنا أنظر في الرواق الطويل أمامي لا شيء سوى الدرج يليه باب حديدي موصد فتحته بهدوء لأرى أكثر المشاهد شناعة، أمامي فتاة يديها معلقة بأصفاد حديدة مثبتة بسقف الغرفة، شعرها المشعث البالي مثل ثيابها الرثة للغاية فستان أبيض فضفاض ولكنه أصبح أصفر رث مكبلة بإحكام تنظر للأرض بإعياء وشعرها متناثر أمام وجهها، وأمامها أحد الحراس وخلفه رجل يرتدى زي أسود اللون يُخفى وجهه بإحكام يلقن على مسامع الحارث الأوامر بكيفية تعذيبها، أمسك بخنجر صغير وغرزه في قصبة ساقها ليتعالى صوت الصراخ ويليه صمت باهت، رفعت عينها بنظراتٍ ثاقبة لعينيّ ذلك الملثم مباشرةً وقالت بوهن قوى: 
_لن اخون العهد مثلما خنته يا حقير. 
 
أشار بعينيه للحارس ليخرج، أمتثل لأوامره الاخير وخرج من باب آخر اقترب منها وهمس لم أستطع أن أسترق السمع أكثر من ذلك علقتُ الشعلة بجانب الباب وحالما خرج هو دخلتُ أنا نظرتُ لها بهدوء بينما هى تغمض عينيها بألم وقدمها النازفة تلطخ فستانها بالدماء والأتربة، قلتُ بهدوء:  
_من أنتِ؟  
 
فتحتُ عينيها بهدوء ورفعت رأسها قائلة:  
_أنا، كما ترى مسجونة تُعذب يومياً لتحقيق العدالة.  
 
_وبما أنكِ مظلومة كما تقولين لما أنتِ هنا إذن؟  
_لم أقل اننى مظلومة، ولكن ما دخلك أنت؟  
_وددتُ المساعدة لا أكثر فصراخك أصاب كل من بالقصر بالسهاد.  
لم ألقى رداً منها ، 
نظرتُ لها مطولاً، بيضاء وعينيها زرقاء بقتامة، وجهها كسائر أهل لازورد ولكن شخصيتها فريدة من نوعها.  
قالت بعدما أتيتُ لها بالماء، وساعدتها نظراً ليديها المكلبتين.  
_شكراً لك يا..  
_يونس.  
 
_أنا لونار، لم أقترف أي إثم سوى لعنة، لعنة اسمها الحب، ولكن أجزاء الحق هو الظلم؟ 
 
أمسكتُ بقطعة قماشية بيضاء كانت مُلقاه بزاوية الغرفة وخنجري وضعته على النار وأعطيتها قطعة قماشية لتضعها بفاهها، قمتُ بكي جرحها برغم صراخها المكتوم قليلاً حتى لا تلفت الأنظار لا يمكنني ترك شخص يتألم لهذه الدرجة لقد قاموا بجرح ساقها جرح بليغ وذلك لكى تخور قواها وتتحدث رغماً عنها إن لم تلفظ انفاسها الأخيرة إلى حينها.  
 
صوت فتح الباب أوقفني ألقيتُ عليها نظرة أخيرة وركضتُ خارجاً باتجاه الساحة.  
 
تنفستُ الصعداء وذهبتُ إلى جناحي فتحتُ الخزانة لأرى الكتب والعلبة الفضية اغلقتها بتأفف، جلستُ أحاول السيطرة على هواجسي ولكن قاطعني صوت طرقات على الباب سمحتُ للطارق بالدخول كان الحارس قائلاً:  
_اليوم الاجتماع سيدي بعد ساعة عليك الذهاب إلى القاعة الرئيسية فالملك في طريقه إلى القصر.  
أومأت له بهدوء، خرج وأنا خلفه إلى القاعة بعدما قمتُ بإبدال ملابسي،  كان كثير من الكهنة والشيوخ وأيضاً الضابط يعقوب بجانبه مقعد شاغر أومأ لي وذهبتُ جالساً بجواره.  
 
قال بوجه متجهم:  
_ماذا كنت تفعل بسجن القصر؟  
_لا شيء فقط وددتُ الاستكشاف لا أكثر.  
 
ضحك بسخرية وقال: 
_تتحدث وكأنك ضيف هنا يا رجل تتعرف على الخائنة من جديد وكأنك لم تمسك بها قبلاً.  
رمقته بدهشة هل أنا السبب في عذاب تلك الفتاة،  
جلس الملك وقال بصوته الأجش:  
_البلاد في حالة من الاضطراب الدائم، وحاكم شيلا ( جواد) أعلن العصيان، علينا الوصول لحل يرضى كلا الطرفين، أو لإرضاء لِبچَشان.  
 
استمر الملك بعرض المشكلة والحلول واستشارة الوزراء والقادة إلى أن استقروا جميعاً على حل واحد سيرضى كلا الطرفين ولكنه صعب للغاية.  
 
خرجنا تباعاً، أوقفني حارس آراه للمرة الأولى يرتدي قلنسوة قائلاً:  
_سيدي؟ 
_أجل.  
_اليوم هو جولة المدينة.  
_وأين سنذهب؟  
_إلى السوق ثم إلى الميناء سيدي.  
_حسناً، جهز الخيول و العربات.  
 
                              *  
 
امتطيت حصاني شهاب بمهارة وشرعتُ في التقدم متفحصاً للأرجاء، اللون الأبيض والأزرق الذى يكسو الإمارة.  
تحسستُ حقيبتي القماشية القابع بها المذكرات وقلتُ للحارس: 
_ أريد مكان هادئ؟ 
_البحيرة هى المكان الأمثل سيدي.  
_وكيف نذهب؟ 
نظر إلىّ بتعجب وقال وهو يشير إلى جهة:  
_من هنا.  
رفعتُ يدي علامة على التوقف، فتوقف الجميع بهدوء وقلتُ:  
_أكملوا أنتم العمل سأذهب بمفردي.  
أومأ لي الحارس ولكنه قال:  
_سيدي مازال أمامنا الميناء لا يبعد عن هنا كثيراً.  
_حسناً لننتهي سريعاً.  
 
ذهبنا إلى الميناء لنتفقده كان مليئاً بالسفن والمراكب الخشبية ولكن رأيتُ حاجزاً على مرمى البصر سألتُ الحارس الذى أجابني بهدوء:  
_هذا الحاجز الفاصل بين الحياة والموت، ولكن ليس فاصلاً بين جهتي المحيط المليء بالحيوانات المائية فقط حاجز للبشر فلا شيء يستطيع الخروج أو الولوج سوى الكائنات الزرقاء.
 
كان الحاجز ذو تصميم رائع للغاية أزرق اللون بالطبع ويتوسطه صورة ضخمة للطائر  
نظرتُ إلى جانبي بجهة نائية بعض الشيء كان هناك رجل يحاول الخروج من المحيط ينزف، هبطتُ من على ظهر حصاني وركضتُ لمساعدته متناسياً امر سيفي المُعلق بسرج الجواد،  
ما إن وصلتُ إليه ورفعته عن الأرض رأيت ملثماً يحاول قتلى وجنودي يقفون بلا حراك فقط يشاهدون ببرود، حاولت الدفاع عن نفسي بقدر الإمكان هذا الملثم ماهر لقد جرح كتفي واظن أنه نفسه من كان يُعذب لونار بقامته الضخمة ونظراته الحارقة،  
جثيتُ على ركبتي بحركة سريعة وقمت بضرب ركبتيه بسرعة ثم أخرجتُ خنجري وغرزته بيده زمجر بوعيد، وتركني ألفظ أنفاسي المتسارعة ولا وجود لمخلوق عدايّ وحصاني بالطبع، حتى الرجل الذى انقذته هرب، استدرتُ في مواجهة لرسمة الطائر بتجهم وتركتُ المكان ذاهباً إلى طبيب المدينة فمازالوا يبحثون عن طبيب بديل لزاهر.  
 
قام بتقطيب جرحي ببراعة، وأنا الآن أجلس أمام البحيرة، بحيرة الموتى كما قيل لي،  
مررتُ على سائر الإمارة في غضون ساعاتٍ قليلة وانتهى بي المطاف جالساً أتأمل البحيرة الزرقاء اللازوردية أمامي بهدوء، فتحتُ المذكرات واستأنفت القراءة وأنا على دراية بأن أمر الهجوم علىّ لن يمر مرور الكرام. 
****
google-playkhamsatmostaqltradent