رواية حب رحيم الفصل الثامن 8 - بقلم سمر عمر
” صدمة..”
استيقظت بحماس ونشاط اليوم ورتبت غرفتها ثم بدلت ثياب النوم بسروال جينز أزرق وكنزة بيضاء ذات حملات عريضة وعليه رسمة من إحدى الرسوم المتحركة ..مشطت شعرها القصير و وضعت من عطرها المفضل ثم خرجت لتيقظ كل من ريان وأشرقت استعدادًا ليوم دراسي جديد.. وتناولت معهما الافطار وعقب انتهائها بدأت تحضر لهم صندوق الطعام الخاص بهم ووضعت الخاص بريان في حقيبته والخاص بـ أشرقت داخل حقيبتها ثم ودعتهما وهما يستقلان حافلة المدرسة..
دخلت إلى المنزل مغلقة الباب خلفها ورأت رحيم يهبط الدرج ويغلق أزرار معطفه من عند المعصم ..استغلت انشغاله هذا ونظرت إليه بتمعن اشتياقًا له حتى تحركت مقلتيها على ثيابه ذات ذوق راقي وعالي تجعله كالأمراء ..رفع رأسه ليراها لتخفض بصرها في توتر ..فلاحت ابتسامة جانبية على ثغرة و وقف عاقدًا ذراعيه أمام صدره وقال بلطف ولكن بنبرة رجولية :
-صباح الخير يا ندى
تنحنحت واضعة يدها على عنقها قائلة بتوتر :
-صـ صباح النور
تقدم نحوها بخطوات ثقيلة بكل شموخ واعتزاز بالنفس وابتسامة عيناه تجعله أكثر جاذبية.. وقف أمامها ليخترق عطره الرجولي جميع حواسها وأخذت تفرك في يديها وهو يتفحص ملامحها بعينيه المبتسمة ثم همس بنبرة ثقيلة :
-شكلك أجمل من القمر
اشتعلت وجنتيها بحمرة الخجل ليرى ذلك الوجه الذي يشبه ورده حمراء متفتحة وبدأت سوداويته تتنقل بين وجنتيها إعجابًا بهم وبلونهم الأحمر المبهج الذي راق له كثيرًا ..لكن تذكر أن التوتر يجعلها في حالة يرثي لها ليتوقف عن الغزل بها بعينيه وأمسك بمقبض الباب وقال بجدية :
-عايز اقولك موضوع مهم
لترفع رأسها إليه بلهفة ولكن سرعان ما أدارت رأسها بعيدًا ..فلم تمتلك القدرة الكافية لتضع عيناها في عيناه وتساءلت باهتمام :
-موضوع أيه ؟!
قهقه على خجلها الزائد هذا والذي يروق له كثيرًا فلاحت ابتسامة خجولة على ثغرها وهو يقول مداعبًا :
-خلاص مش هقولك طالما لسه مش قادرة تبصي لعيوني
قطبت بين حاجبيها بتذمر قائلة :
-لاء قول أرجوك
-هقولك أول ما أرجع من الشغل علشان هي مفاجأة حلوه..
ثم أمسك يدها رافعًا إياها إلى شفتيه لتجده يطبق شفتيه على راحتها برقة بالغة خطفت أنفاسها قبل قلبها ..في حين أخذت نفسًا عميقًا يشبه شهقة خفيفة خرجت من بين شفتيها ثم سحبت يدها واعطت له ظهرها لتبتلع لعابها بصوت مسموع.. حرك رأسه في كلا الاتجاهين مبتسمًا ثم قال بجدية :
-أول ما أرجع عايزك تحضري لي قهوتي المفضلة اللي وشها يشبه عيونك وتيجيلي المكتب نتكلم بهدوء
رفعت يديها لتضعهما أعلى صدرها الذي يعلوا ويهبط بتوتر وهي تومئ موافقة فأقترب منها أكثر ووقف خلفها حتى أصبحت المسافة بينهم شبه معدومة واضعًا رأسها بين يديه وطبع قبلة رقيقة على رأسها من الخلف ثم عاد إلى الباب ليخرج تاركًا إياها تسقط فور سماعها لصوت إغلاق الباب وأخذت تلهث بصوت مسموع وتزفر لكي تهدأ قليلًا..
وبعد دقائق قليلة نهضت واقفة واتجهت نحو المطبخ عند وصولها دخلت لتجلس على إحدى المقاعد ناظرة إلى الفراغ بشرود وحديثه مستحوذ على عقلها بالكامل..
نظرت السيدة وفيه إليها للحظات لعلها تستفيق على نفسها ولكن بلا جدوى ..فقد أخذ رحيم عقلها أيضًا أصبحت الأن بلا قلب وعقل بل و روح أيضًا تشعر وكأنها جسد فقط ..جلست السيدة وفيه على المقعد المجاور لها متسائلة :
-ندى مالك ؟!
أدارت رأسها ناحيتها دون وعي هامسة :
– عايزني في موضوع مهم
تنهدت بسأم بفضل إجابتها الغير مفهومة وتساءلت :
-ندى مش فاهمة ..وضحي أكتر
لتفيق من شرودها أخيرًا وبيدها المرتعشة أمسكت بيد السيدة وفيه لتشعر بتوترها وندى تقص عليها ما حدث في الخارج منذ دقائق ..شعرت بالسعادة لسامعها لحديثها فقد علمت أن رحيم حقًا وقع في حب تلك الجميلة ولابد بأنه سيطلب يدها للزواج ..احتضنتها بحنان أموي تمسح براحتها على ظهرها قائلة :
-مبروك مقدمًا ..أكيد رحيم هيطلبك للزواج
***
أما في شركة رحيم كان يعمل اليوم بحيوية ونشاط وابتسامة عيناه قبل شفتيه مما تعجب البعض وبالأخص صديقه الذي يدعى عمرو ومديرة مكتبه ..كان دائمًا حاد الطباع ، قاسي ويتعامل معهم بجمود وجدية حتى ظهرت فتاته في حياته لتجعله مبتهج أصبح يعشق الحياة أكثر من أي وقت مضى ..
دخل على صفحة ندى الشخصية عبر تطبيق التواصل الاجتماعي “فيسبوك ” ليجد ثلاثة صور لها فقط فقام بحفظهما على الحاسوب ووضع التي كان وجهها قريب بها خلفية الحاسوب ..دخل عمرو المكتب بعد أن طرق الباب ليغلق رحيم شاشة الحاسوب على الفور ليس لأن عمرو لم يعلم بعلاقته بها ولكن لأنه يغار عليها ولا يريد أحد أن يرى صورتها وتعهد داخله أنه سيطلب منها أن تقم بحذف صورتها من على التطبيق ..
نظر رحيم إليه برسمية فغمز عمرو له بمداعبة وقال :
-أبو نسب وصل ..رؤوف بيه الشاذلي ..
لاحت ابتسامة خفيفة على شفتيه ثم نهض يرتدي معطفه وعمرو يتابع :
-طبعًا ماكنتش تعرف أن هي بنته
رفع حاجبيه وهو يقول بتأكيد :
-لاء طبعًا عارف من أول يوم شفتها فيه
ثم وقف أمامه فربت عمرو على كتف صديقه وقال بابتسامةٍ واسعةٍ :
-مبروك عليك ..هتناسب بنت أكبر واحد بيتعامل معانا
وضع سبابته على كتفه ناظرًا إليه بجدية قائلًا :
-أنا هطلب ايد ندى علشان هي ندى مش لسبب تاني
رفع عمرو حاجبيه بمرح ليبتسم رحيم له ثم تركه وغادر المكتب ثم استقل المصعد الكهربائي إلى الطابق السفلي ..عند وقوفه انفتح الباب تلقائيا وخرج رحيم متجه إلى قسم الازياء ليرى وائل يرتب الفساتين ونظر إليه للحظات ليشعر بالغضب تجاهه عندما تذكر موقفه مع ندى ثم أشاح بوجه بعيدًا ودخل يمينًا ليرى رؤف الشاذلي يجلس أمام طاولة طويلة وبجواره مساعدة رحيم والتي بمجرد أن رأته يقترب نهضت فورًا ..
وقف رؤوف الشاذلي في مواجهة رحيم الذي وقف أمامه وتصافحا ثم جلس كل منهما بجوار الأخر ..تحدثا عن العمل والتصاميم الجديدة التي سيأخذها رؤوف خارج البلاد ..بعد مضي ساعة تقريباً انتهى الحديث عن العمل وتم التعاقد معه ثم صافحة للمرة الثانية و رؤوف يقول بإعجاب شديد :
-حقيقي أنا فخور بيك جدًا ناجح في شغلك وشاب مكافح.. اتمنى ابني يبقى زيك
قدم له شكر على حديثه هذا ثم ادار المقعد في اتجاه مساعدته وطلب منها أن تذهب الأن لأنه يريده في أمر شخصي تعجبت من طلبه ثم غادرت المكان ..ليدير رحيم المقعد تجاهه ثانية وقبل أن يتحدث تساءل رؤف :
-أيه الموضوع الشخصي مستر رحيم ؟!
-الحقيقة عايز اكلمك على بنت حضرتك ندى..
قبل أن يكمل حديثه قاطعة في تعجب :
-بنتي مسمهاش ندى ..أنا بنتي روقيه ومتجوزة ومسافرة انجلترا مع جوزها
صدم من حديثه ليستقيم ظهره وتساءل لكي يتأكد :
-حضرتك عندك ولد وبنت بس ؟!
حرك رأسه بتأكيد فحدق رحيم به في دهشة للحظات ثم نهض وهو يمد يده فنهض رؤف هو الأخير وصافحه ثم استأذن منه ليغادر ..جلس رحيم مكانه ينظر إلى الفراغ قابضًا قبضته واضعًا إياها أعلى الطاولة وبدأ يعصرها تدريجيًا حتى أبيضت أنامله وجز أضراسه حتى تحرك صدغاه ..أخذ يفكر من يكون والد ندى حتى جاء عمرو وقاطع افكاره بسؤاله :
-أقول مبروك ؟!
ثم جلس على المقعد الذي كان يحتله رؤف منذ لحظات ..نظر رحيم إليه بجمود وقال بحنق :
-مطلعش أبوها
تعجب عمرو في البداية ولكن ابتسم وقال ببساطة :
-عادي يمكن تشابه أسماء
رخى أعصابه بفضل حديث صديقه أومأ تأكيدًا على حديثه ثم تساءل في حيرة :
-أمال هي تبقى بنت رؤف الشاذلي ميـ..
توقف عن الحديث عندما تذكر شيئا وفي لحظة نهض من مكانه ليغادر سريعًا تحت أنظار صديقة الذي تعجب من مغادرته بهذه الطريقة ..فيما استقل رحيم سيارته وطلب من السائق أن يذهب إلى المنزل ..
***
كانت ندى في المطبخ تصنع كعكة للأطفال وبدأت تزينها بالموز والفراولة ..استمعت إلى صوت إغلاق الباب بقوة فخرجت وفيه لتجد رحيم يتجه نحو مكتبه بخطوات سريعة وعقب دخوله دخلت المطبخ بابتسامة واسعة قائلة :
-ندى يلا رحيم وصل ..جهزي القهوة
تركت عملها وشعرت بالتوتر المفاجئ الذي أثر على معادتها لتشعر بالغثيان وقالت بصوت مبحوح :
-أنا متوترة أوي
وقفت أمامها لتمسح على وجنتيها ثم وضعت يدها على كتفها وقالت بقصد تشجيعها :
-لازم تبقي شجاعة قدامه يا ندى و تتكلمي بكل شجاعة
ابتسمت وهي تومئ بالموافقة ثم بدأت بعمل القهوة المفضلة لدي رحيم ..
أما في المكتب تناول رحيم ملف ندى وفحصه من جديد مركزًا على أسمها بعد ذلك أغلق الملف ووضعه كما كان ليستند بجبينه على قبضتي يديه مغمض العينين ..بعد لحظات دقت الباب ودخلت ندى حاملة صينية القهوة الصغيرة وابتلعت لعابها بصوت مسموع وهي تتقدم نحو المكتب ووقفت تنظر إلى الأرض بتوتر قائلة :
-جبتلك ..القهوة
قال بصوته الرجولي الحاد دون أن ينظر إليها :
-خدي قهوتك واطلعي بره
صدمت من كلماته لترفع رأسها بلهفة إليه وقد اختفت ابتسامتها فجأة وتساءلت بعدم فهم :
-أنت مش طلبت مني قهوة أول ما تيجي ؟!
تنهد بصوت مسموع وفجأة ضرب على المكتب بكف يده بقوة وصاح بغضب :
-أنتِ مابتسمعيش ..قولت لك اطلعي بره
انتفض بدنها حتى تحركت القهوة داخل الفنجان وعيناها تحدق به في دهشة وهو ينظر لها بعيون حادة كالصقر وقد لمعت بحمرة الغضب حتى خيل لها أن نظراته تلك ستقلتها ..أطرقت عيناها تاركه العنان لدموعها تهبط على وجنتيها ثم التفتت وغادرت المكتب مهرولة ..وعند دخولها المطبخ انفجرت في البكاء و وضعت الصينية أعلى الطاولة.. تركت وفيه ما في يدها لتقف إلى جوارها وأحاطت كتفها تتساءل بقلق واضح :
-مالك ؟! ..حصل أيه ؟!
احتضنتها ندى تبكي متأوه فأخذت تربت على كتفها وتهدئها حتى هدأت قليلًا بعد لحظات وجلست على إحدى المقاعد تمسح دموعها بكلتا يديها وقصت عليها ما حدث بنبرة مرتعشة أثر بكائها ..شعرت بالحزن عليها وقبلتها على رأسها بحنان فيما وقف علاء أمام باب المطبخ قائلًا :
-عايز فنجان قهوه وياريت ندى اللي تعمله
وافقت وفيه فأخبرها أنه سينتظر في غرفته ثم غادر.. مسحت على شعرها بلطف وهي تقول :
-حضري قهوة لمستر علاء وأنا هروح أتكلم مع رحيم
ثم حملت صينية القهوة وغادرت فنهضت ندى لتحضر قهوة علاء.. عند وصولها وقفت تدق الباب الذي هو مفتوح ودخلت متجه نحو المكتب ووضعت القهوة عليه وانتظرت رحيم حتى ينهي مكالمته..
-متزعلش يا انكل مختار ..أنا هتكلم معاه
ثم أنهى معه المكالمة وألقى بالهاتف أعلى المكتب ثم استند بظهره إلى المقعد واضعًا يده على جبينه.. تنحنحت وفيه ثم قالت بتأفف :
-ندى عملت أي علشان تعاملها بقسوة ؟!
أخرج من جيبه علبة سجائر ليأخذ واحده يضعها بين شفتيه ثم أشعلها ونفث دخانها في الهواء وقال بنبرة ثقيلة :
-معنديش طاقة أتكلم في الموضوع ده
جلست على المقعد المجاور للمكتب وهي تقول بإصرار :
-لازم أعرف أيه اللي حصل
زفر دخان السيجارة بزهق ثم اندفع بصوت حاد :
-الأنسة ندى طلعت بنت رؤوف جلال الشاذلي.. الراجل القذر اللي اتسبب في موت والدي
صعقت من حديثه ليهتز جسدها فجأة وكأنها أمسكت ماس كهربائي ..ثم نهضت مهرولة إلى الباب لتقم بأغلاقه ثم عادت إليه وقالت بترجي :
-علشان خطري يا بني ماتقولش لندى حاجة.. البنت ملهاش ذنب ..هي حتى قالت لي قبل كده أنها بعيدة عنه لأنه كان السبب في وفاة والدتها
قال بعصبية :
-مش طايق أشوفها في البيت
جلست لتتحدث معه بهدوء محاولة أن تهدئه وتقنعه بأن لا يخبرها بأي شيء وهو يستمع إلى حديثها بعدم وعي ..فقد كان ذهنه منشغلًا بندى لدرجة كبيرة ..
***
بعد أن انتهت من إعداد القهوة صعدت إلى الطابق العلوي متجه نحو غرفة مستر علاء و وقفت تدق الباب أذن بالدخول فأدارت مقبض الباب ودخلت فابتسم لها وهي لم تنظر إليه ..وضعت الفنجان أمام المنضدة ثم اتجهت نحو الباب فأوقفها بحديثه :
-استني يا ندى ..
تنهدت بعمق ثم استدارت بكلتها لتنظر إليه فتساءل وهو يخلع معطفه :
-أنتِ بتشتغلي هنا من أمتى ؟!
أجابت بنبرة منخفضة حزينة :
-يعني من بداية شهر اتنين كده
بدأ يفك ازرار قميصه حتى ظهرت عضلات صدره العاري فنظرت إلى الأرض وهو يتساءل :
-كنتِ بتشتغلي فين قبل كده ؟!
-كنت بشتغل في ملجأ
خلع قميصه ليضعه على الفراش بإهمال قائلًا :
-علشان كده عندك خبرة في التعامل مع الأطفال
اومأت بتأكيد على حديثه فقال :
-ندى أنا هتعشى بره النهاردة ومعايا الأولاد ..وأشرقت موافقة لكن بشرط تيجي معانا
فكرت للحظات ثم قالت بصوت مبحوح :
-بإذن الله
-تمام كوني جاهزة الساعة سابعه
فيما جاء رحيم ليقف خلف ندى وقد استمع إلى حديث شقيقه وأخذ ينقل بصره بين شقيقه وندى للحظات من الصمت لتشعر ندى بإن أحدهم خلفها لتلتفت وتفاجأت برحيم وسرعان ما أشاحت بوجهها بعيدًا.. فيما جلس علاء على الأريكة وتناول أول رشفة القهوة ثم بلل شفتيه بلسانه وقال بإعجاب :
-تسلم ايدك يا ندى
تمتمت بالشكر وخرجت وبرغم غضب رحيم منها شعر بالغيرة عليها عاصرًا قبضته ثم أغلق الباب ونظر إلى شقيقة بحده قائلًا :
-انكل مختار بيشتكي منك من أول يوم يا علاء
قال بسأم :
-أنت عارف كويس اوي أني مش بتاع شغل ..ومختار ده..
قاطع حديثه بعصبية :
-انكل مختار قد والدك اللي يرحمه ولازم تحترمه غصب عنك
تناول أخر رشفة من القهوة ونهض وقال بوقاحة :
-مش مجبر احترم حد يا رحيم ..
ثم تابع بحسم :
-في خلال أيام هرجع أمريكا وأعيش هناك ..وياريت تزود المبلغ اللي بتحطهولي كل شهر في البنك
جز أسنانه وتقدم نحوه بخطوات واسعة و وقف في مواجهته قاطبًا حاجبيه بحده وقال بعنف :
-دا أيه البجاحة دي ..الفلوس دي مش من حقك أصلًا ..أنت كان المفروض تتنازل عن حقك في المصنع ليا أنا و رنا ..لكن أن قلت معلش أخويا الكبير أي فلوس تطلع من المصنع كل شهر ابعتله نصها..
ثم تابع بعصبية مفرطة :
-أنا اللي بتعب في شغل المصنع وأنت بتاخد الفلوس على الجاهز
عقد ذراعيه أمام صدره ينظر إليه ببرود وقال بتذمر :
-رحيم راعي إني أخوك الكبير ومينفعش تتكلم معايا بالطريقة دي
-ما هي دي المشكلة ..إنك أخويا الكبير وساكت ..المفروض أنت تتحمل مسؤولية المصنع وأنا أتفرغ لشغلي كنت اتمنى تحطي ايدك في أيدي ..لكن للأسف ..
قال أخر كلماته باشمئزاز ثم التفت متجه نحو الباب و وقف يدير المقبض ثم التفت إليه برأسه وقال بحسم :
-أنا مش هزود المبلغ يا علاء ..وخد ورثك وسافر
لاحت ابتسامة خبيثة على شفتيه متسائلًا :
-وبالنسبة للشركة أتنازل عن حقي فيها برده ؟!
حدق به في ذهول لم يصدق ما يقوله ومدى طمع شقيقه وقال بهدوء عكس الغضب الذي يقطن داخله :
-أنت عارف كويس أوي إن الشركة دي بتاعتي ..أنا اللي بانتها وتعبت فيها بفلوسي
ثم خرج مغلقًا الباب خلفه بقوة حتى لا يقتله ..هبط الدرج ليجد أقدامه تأخذه إلى غرفة ندى و وقف يدق الباب فنهضت من على الفراش تأذن بالدخول.. فتح الباب ودخل مغلقًا الباب خلفه فنظرت إلى الأرض بحزن واضح ..في حين وقف رحيم أمامها يلتقط أنفاسه بصوت مسموع ينظر إليها بنظرة شبه قاتلة وقال بصوت جهوري :
-أنا رفضت قهوتك فروحتي تديها لعلاء
شعرت بالإهانة في حديثه لترفع عيناها المجروحة إليه لتتقابل مع عيناه السوداء الحادة ليرى العتاب واضحًا داخل مقلتيها ومع ذلك تمعن بالنظر داخل مقلتيها وهي تقول من بين أسنانها :
-عارف أنا ماليش نفس ابرر لك موقفي ..أفهم زي ما تفهم
كلماتها كانت كخناجر اخترقت روحه قبل قلبه وقبض على ذارعها بقوة فقطبت حاجبيها تتأوه بخفه وهو يقول بعصبيةِ الغيرة :
-أيه اللي يدخلك أوضته وتوقفي تتكلمي معاه ؟!
لمعت عيناها بالدموع ليس لأنه يؤلم ذراعها بل كلماته كانت أقوى من أي ألم تشعر به الأن وقالت بنبرة بكاء :
– قلت لك مش هبرر لك موقفي
دفعها بقوة لتسقط على الفراش واقترب منها واضعًا ركبته اليسار على الفراش مستحوذًا على يديها بقبضته مثبتهما على الفراش وأخذ صدره يعلو ويهبط بغضب شديد وهو يقول :
-ندى متعانديش معايا واسمعي اللي بقولك عليه
أغمضت عيناها بقوة تتنهد بعمق حتى برزت عظام عنقها ثم فتحتهما وقالت بصراخ ممزوج بالبكاء :
-سبني في حالي يا رحيم ..أنا مش قادرة افهمك
رخى أعصابه يفحص ملامح وجهها بحب حتى ارتكزت عيناه على شفتيها يود تقبيلها كما فعل من قبل ..فلقد أشتاق لمذاقها ولكن لم يفعل ..حرر يديها من قبضته معتدل في وقفته لترفع هي ظهرها عن الفراش تطلع إلى الفراغ بصدمة والدموع تتساقط على وجنتيها في صمت.. فقال بنبرة حاده وحسم :
-لأخر مرة هقولك أنتِ هنا علشان الأولاد بس.. أتمنى كلامي يتنفذ المرة دي
غادر الغرفة فور انتهائه من الحديث فاستقلت على الفراش تضم ركبتيها إلى صدرها تبكي في صمت وتفكر لماذا تغير معها هكذا فكان لطيف معها في الصباح ؟! ..
“بعد مدة من الزمن..”
استقبلت ندى الأطفال بابتسامة باهته حزينة وتناولت معهما الغذاء داخل غرفتها وبعد مضي ساعة جلست معهم داخل حديقة المنزل تذاكر معهم لمدة ساعتين كاملتين ثم قبلها ريان على وجنتها فابتسمت ندى واجلسته على قدميها ثم تساءلت بحزن :
-هتزعلوا لو سبت البيت ؟!
وقف رحيم عند باب الحديقة بالصدفة وأستمع إلى سؤالها ليشعر فجأة بألم داخل قلبة ليرفع يده يضعها عليه مباشرةً.. فيما قالت أشرقت بحزن :
-أيوه هنزعل طبعًا
أمسك ريان بيدها وقال بترجي :
-بليز يا ندى متسبناش
ثم نهض عن قدميها وقام بفتح سحابة حقيبته ليأخذ منها حقيبة هدايا صغيرة ومد يدها بها قائلًا :
-دي هدية جبتهالك
اتسعت ابتسامتها وأخذت الحقيبة وأخرجت ما في داخلها لتجد برولة دائرية داخلها رجل وامرأة أيديهم متشابكة ..نظرت ندى إلى ريان وهي تعبر له عن سعادتها بهذه الهدية الرقيقة الرائعة فقال :
-دي هدية عيد الأم
قطب رحيم حاجبيه متعجبًا وتقدم خطوتين ينظر إليهم فيما اختفت ابتسامة ندى تحملق به في دهشة ..في حين تناولت أشرقت حقيبة هدايا لتمد يدها بها إلى ندى بابتسامةٍ واسعة قائلة :
-كل سنه وأنتِ طيبه
لتنظر ندى إليها بلهفة وأخذت الحقيبة وأخرجت منها علبة طويلة وقامت بفتحها لتجد قلادة لونها فضي تحمل أول حرف من أسم ندى.. فابتسمت واحتضنت كل من أشرقت وريان متسائلة :
-جبتوا الهداية دي منين يا عفاريت
لتبتعد أشرقت عنها وقالت :
-طلبت من المس تساعدنا نجبلك هداية.. عارفين أن عيد الأم عدى من زمان بس ياريت تقبليها مننا
-طبعًا قبلتها..
ثم انتقلت ببصرها بينهم وهي تقول :
-متشكره جدًا ..بس أنا مش أمكم
قالت أشرقت بتأفف :
-بس أنتِ بتحبينا وأحنا بنحبك ..وعيد الأم عدى وماما مش معانا وحتى مش بتيجي تشوفنا
احتضنتهم ثانيةً وقبلت كلا من ريان وأشرقت على رأسهم ..وما حدث للتو صعب عليها فكرة أنها تتركهما برغم معاملة رحيم القاسية معها اليوم ستضطر أن تبقى من أجلهم .. أغمض رحيم عيناه ثم عاد إلى مكتبه وما راه للتو كان صعب عليه هو الأخير ..أراح جسده على الأريكة يعصر جبينه بأنامله يفكر في أولاده وفي حالهم إذا غادرت ندى ..فسؤالها لهم جعله يقلق من أن تغادر حقًا ..ولكن عندما تذكر والدها شعر بالغضب بعد أن كان سكن وقرر أن ينتقم منه في ابنته
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية حب رحيم) اسم الرواية