رواية دموع مؤجلة واحتضان أخير الفصل التاسع 9 - بقلم شمس حسين
قعدت فترة كبيرة بدور على شغل يكون مناسب ليا، وفى نفس الوقت تكون مواعيده مدايقش ماما علشان تبقي مطمنه عليا، لحد أما لقيت شركة انشاءات كبيرة عاملة تدريب للخريجين، و هيتم تعين 2 مهندسين فى نهاية التدريب، و بالفعل قدمت فى التدريب، البداية كانت صعبة شوية خاصة أن دي أول مرة انزل فيها المواقع، كنت حاسة بالخوف بعض الشئ، كنت شايفة العمال حواليا ومش قادرة افهم كل حاجة فى البداية، بس المسؤل عن التدريب كان مهندس كبير وعنده خبرة كبيرة كان بينقلها لينا ببساطه، و بالفعل بدأت اتعلم بسرعه، و مع كل مرة كنت أبقي خايفة أو متوترة، كنت بقول لنفسي أن هو ده المجال اللي حلمت بيه ولازم أكمل.
في نهاية التدريب تم اختياري علشان اتعين كمهندسة معمارية في الشركة، الشركة دي كانت ليها فروع كتير في مناطق مختلفة، وأنا كنت محظوظة إنى اشتغلت في واحد من الفروع المهمة، بقيت أشتغل علي تصميمات كبيرة واروح أماكن مشهورة، وبمرور الوقت اتأقلمت مع الشغل وتعلمت أسرار المهنة، وبعد سنتين بدأت أحقق تقدم كبير في الشركة، و نجاحات كبيرة في مشاريعي، ودايما كنت بحاول أكون في المقدمة.
كانت حياتي عبارة عن شغل وبس، وبعض الأوقات كنت بتجمع أنا وأصحابي، طبعاً كل فترة كبيرة، خصوصاً أن كل واحدة فينا عندها حياتها، وكل واحدة فينا كانت بتجري في إتجاه مختلف، “نور” كانت دايمًا الأقرب لقلبي واكتر واحدة علي تواصل بيا، بس مكانتش لوحدها “سارة” كمان اللي كانت دايما مشغولة بمشاكل البيت بعد ما اتجوزت، وبتشتكي من المسؤولية واحنا بنضحك عليها، و كمان “شيرين” اللي كانت دايمًا تحكي لنا عن مغامراتها في دبي بعد ما سافرت اول ما خلصنا جامعة، و “غادة” اللي راحت للطب بعد ما كنا في كلية الهندسة مع بعض، و”ياسمين” اللي كانت بتجهز نفسها علشان فرحها اللي قرب، كنت بستني اووي نتفق علي وقت علشان نتجمع فيه، وفي كل مرة كنا بنتجمع، كان كل شيء يرجع زي ما كان، الضحك، الحكاوي، والشعور بالراحة وكأن الوقت رجع بينا تاني لأيام الكلية.
أخر مرة اتجمعنا سوا، اللقاء ده كان مختلف، كل واحدة كانت بتحكي عن ضغوطات الحياة اللي بقوا فيها، الجواز، البيت، الاطفال و المسؤلية، كانوا شايفين إن أنا اكتر واحدة مرتاحة فيهم لأن لسه ماخدتش خطوة الجواز، لكن أنا كنت حاسة إنه مهما كان عندهم من ضغوطات أو مسؤوليات، هم لسه عايشين حياتهم براحة، بينما أنا كنت لسه محبوسة بين حاجات كتير، نور كانت دايمًا فاهماني هي اللي كانت بتحاول تقلل الكلام السلبي عن الجواز قدامي وكانت بتحاول تشجعني وتقول لي: ” سيبك من كل اللي بيقوله ده، انتي مش لازم تخافي من الجواز، لو لقيتي الشخص الصح، كل شيء هيكون أسهل”، لكن ما كنتش قادرة أقتنع بكلامها، مش لأنى مش حاسة بالحب أو العلاقات، لكن لأنه كان عندي خوف مش عارف أواجه.
في يوم كنت في الشغل، و لقيت أختي همس بتكلمني علشان تعزمني علي الخطوبة بتاعتها، طبعا باركت لها و فرحت جدا و أكدت لها أن أكيد هاجي، يوم ما كنت رايحة لبيت بابا علشان الخطوبة، كنت حاسة بخوف شوية، طبعا الفرصة الأنسب للكل عشان يعايروني ويتكلموا عني، وده اللي كنت متوقعاه، وفي قرارة نفسي كنت عارفة إن كلامهم هيبقى مش لطيف، دخلت البيت وأنا بحاول أكون هادية، لكن كل العيون كانت موجهة ناحيتي الجو كان كأنه حفلة كبيرة، كل العيلة موجودة، والضحك والأحاديث كانت مالية المكان، وقفت على جنب بحاول ألاقي لنفسي مساحة وسط الزحام والكلام اللي مالوش نهاية، لكن بدأت التعليقات حواليا زي ما كنت متوقعة: “بترفض كل اللي بيتقدم لها”، “بقت في حتة تانية خالص ومش فارق معاها الجواز”، “هي متكبرة على إيه أصلاً؟”، كلام كتير بيطير حواليا، وأنا عاملة نفسي مش سامعة، لكن الحقيقة كانت إن كل كلمة منهم كانت بتسيب أثر.
وسط الزحمة، وصل أهل العريس بدأت السلامات والتهاني، والكل انشغل بالكاميرات والصور، فجأة، لقيت واحدة ست جاية ناحيتي ست راقية جدًا، ذوقها واضح في كل حركة وكلمة، ابتسمت لي وقالت: “إزايك يا بشمهندسة شمس؟”، رديت عليها وأنا بحاول أظهر هدوئي: “أهلاً وسهلاً بحضرتك”، “قالت بابتسامة أهدى: “يمكن تكوني مستغربة أنا عرفتك إزاي؟”، هزيت دماغي:”فعلاً”، قالت:”أنا شفتك مرة قبل كده مع مامتك، وسألت عنك، وعرفت حاجات كتير عنك، ولما سمعت الكلام الحلو اللي بيتقال عليكي، قلت يا ريت لو بنتي تبقى زيك… أو حتى تبقي انتي بنتي”، كلامها فاجئني، وحسيت إن قلبي اتقبض من المدح اللي مش متعودة عليه، ابتسمتلها بصمت، لكنها كملت بحزن واضح:”حرام بنت جميلة زيك وناجحة تضيع أحلى سنين عمرها من غير جواز”، قلت لها بثبات:”مين قال لحضرتك إني برفض الجواز؟ …. أنا بس مستنية الشخص المناسب”، ابتسمت وقالت:”والدك قال لنا كده لما جينا نطلبك أنا ومازن… و طبعاً لما مازن شاف همس وقتها، أعجب بيها لأنها كانت هي اللي قدمت لنا العصير، وقررنا نتقدم لهمس، و والدك وافق، هو طبعاً كل شيء قسمة ونصيب، لكن أنا حبيتك جدا وكنت عايزة اشوفك وأقولك نصيحة، متخليش العمر يجري منك”، كلامها نزل عليا زي الصدمة حاولت أداري مشاعري بابتسامة خفيفة، وهزيت دماغي، لكن جوايا كان فيه عاصفة.
فجأة، بابا جه ناحية المكان اللي كنا فيه، وأخدني من إيدي بسرعة ودخلنا الأوضة، بصيت في عينه، لقيت فيها خوف، سألني:”الست دي قالت لك إيه؟”، رديت بثبات:”ممكن تسألها بنفسك”، قال بغضب مكبوت:”أنا بسألك إنتى، اخلصي”، قلت له بهدوء:”قالت اللي حضرتك عارفه”، سكت للحظة، وبعدين قال:”اسمعي، مش عايزين مشاكل النهارده، الناس برا، ومش عايزة فرحة أختك تتبدل، وأنتي أصلاً جالك أحسن منه ورفضتي، وأنا عارف إنك مش هتوافقي عليه، علشان كده وافقت عليه ل همس… عايزين نفرح”، بصيت له بثبات، وقلت بابتسامة صغيرة: “مبروك” وخرجت من الأوضة وأنا حاسة بخليط غريب من المشاعر، مكانش فارق معايا العريس ولا الموقف ككل، لكن كان فيه حاجة جوايا بتتوجع، كل كلمة قالتها الست كانت بتلف في دماغي زي الصدى، وكأنها بتخليني أواجه حاجات عمري ما كنت عايزة أفكر فيها، هو أنا فعلاً خايفة من الجواز؟، ولا خايفة من اللي ممكن يحصل بعده؟، فكرة إني أعيش نفس تجربة ماما كانت بتخوفني أكتر من أي شيء، الجواز بالنسبة لي عمره ما كان فرحة بفستان أبيض وزفة، كان دايمًا قلق، خوف من حب ينتهي بخذلان، يمكن عشان كده أنا دايمًا بقول إن أي عريس بيجيلي مش مناسب، أو إن الوقت مش صح، لكن هل ده حقيقي؟ ولا أنا اللي بهرب؟ بهرب من فكرة إن الرجالة زي بابا، قسوة من غير سبب.
مر الوقت، و برضو مكنتش بفكر غير في شغلي وسيبت فكرة الجواز للنصيب، وطبعا كنت طول الوقت مشغولة بتطوير نفسي في الشغل، لحد ما جاتلي الفرصة الكبيرة، مشروع من أهم المشاريع اللي اشتغلت عليها، كنت ضمن فريق مكون من 3 مهندسين، وتحت إشراف المدير المباشر ليا بشمهندس “ممدوح” اللي كان دايمًا بيشجعني من وقت ما بدأت، المشروع كان عبارة عن تصميم مبنى تجاري ضخم في كمبوند سكني جديد، كان حلم كبير ليا بس كان معاه ضغط كبير و مسؤلية اكبر، وكان لازم أكون حريصة على كل تفصيله من البداية لحد النهاية، العمل بدأ يتصاعد بسرعة، وكنا في مرحلة متقدمة من البناء، كنت بشتغل ليل ونهار على تفاصيل التصميمات والتعديلات، وكل يوم كنت بنزل الموقع أتابع كل حاجة، سواء كانت تتعلق بالأمان أو التنفيذ، وفي يوم وأنا براجع آخر تحديثات المشروع مع الاتنين مهندسين المسؤولين معايا لقيت إن في خطأ كبير في الحسابات الهندسية للجزء الخاص ل واحد من المهندسين اللي معايا، طبعاً مكانتش حاجة متوقعة أنها تحصل ووقتها المهندس المسؤل قالي:” أنا اسف جدا، أنا ملاحظتش الخطأ ده”، كمل كلامه وقال:” بس في كارثة دلوقتي أنا روحت الموقع امبارح و بدأنا في الجزء ده و بشمهندس ممدوح راجع التصميم و قالي نفذ”.
جريت علطول بلغت المسؤولين وقلت لهم المشكلة اللي اكتشفتها، وإننا لازم نوقف الشغل حالا لغاية ما نصلح الخطأ لانه كدا في خطر كبير علي الكل، نزلت الموقع وبدأت أوقف الشغل وأطلع العمال برة، وأشوف المكان بنفسي كنت متوترة جدًا، والكل كان بيحاول يعرف السبب، وأنا مكنتش عارفة إذا كان الخطأ ده هيسبب مشكلة أكبر أو لاء، كل واحد كان بيحاول يشوف حل، ووسط الهرج والمرج، وأنا واقفة كان في قطعة كبيرة من الحديد السقف سقطت فجأة، ووقعت عليا وفي ثانية جزء بسيط اتحطم، حسيت بألم شديد جداً، ومقدرتش أتحرك، الناس حوليا كانوا بيجريوا يساعدوني، آخر حاجة سمعتها كانت صوت الناس بيصرخوا، وأنا عينيا بدأت تتقفل كنت حاسة إني بفقد الوعي، وكل حاجة كانت بتدور حوليا بسرعة.
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية دموع مؤجلة واحتضان أخير) اسم الرواية