رواية عناد الحب الفصل الثاني عشر 12 - بقلم اسماء الاباصيري
12. هلاوس
تمر الايام عليهم ببطيء شديد امتلأ فيهم القصر مرة اخرى بالحزن والكآبة .. يتجاهل كلاً منهما الآخر.. لا يجلسان سوياً الا على مائدة الطعام الذي مازال آدم يقوم بإعداده نظراً لما آلت اليه حالتها من ضعف وذبول ملحوظ.
فبعد اخر حديث لهما ساءت حالتها بالتدريج حتى اصبحت تنسى معظم الاشياء حولها .. متقلبة المزاج .. عصبية اغلب الاوقات ... ولكنها مازالت تتحجج بالعمل ... مما دفع آدم لتجاهلها وتجنبها نهائياً فلا حديث بينهم سوى بخصوص العمل والذي توقفت عنه منذ فترة ليست بالقصيرة حتى انه جهز غرفة ينام ويعمل بها وتركها وحيدة بغرفتهم .
ها هو الان يجلس وحيداً بفراشه فى غرفته يفكر فى " و ماذا بعد؟" فهى لا تستجيب لأى محاولة بإقناعها للذهاب الى الطبيب فقد حدث وان طلب المساعدة من امه وصديقتها كارول للحديث معها بهذا الخصوص لكن دون جدوى.
ليبتسم بسخرية عند تذكره طلبه من والداها التحدث معها قليلاً واقناعها ليُصدم من ردهم .
فلاش باك
آدم : أسيل فى الفترة الاخيرة متغيرة ، مش على طبيعتها ... بتنسى كتير واغلب الوقت سرحانة وكمان اكلها بقى فى النازل و بقت متقلبة المزاج بشكل كبير..... اظن انه المفروض يشوفها دكتور بس هى مصرة ان كل ده ارهاق من الشغل و رافضة حوار الدكتور ده نهائي فأتمنى انكم تتكلمو معاها و تحاولو تقنوعها انها توافق
نور الدين بإبتسامة مستفزة وبعدم اهتمام : ما يمكن فعلاً يكون ارهاق مش اكتر .. متقلقش يا ادم باشا هى اكيد كويسة .
ليفكر قليلاً ويتبادل النظرات مع زوجته مكملاً حديثه بإهتمام
نور الدين : لكن بما انك قولت كده فأظن ان اسيل مبقتش تقدر تتحمل ضغط الشغل مع مسئولية الجواز الكبيرة عشان كده انا بقترح أني اتولى بنفسي إدارة الأسهم الخاصة بأيمن الله يرحمه ..... انا عارف انك مش حابب حد غريب يدخل الشركة .. مش كده ولا ايه ؟
آدم وقد فهم المغزى من حديث والدها
آدم بسخرية : مفيش داعي لده أنت قولت بنفسك انها بخير وتعبها سببه ضغوطات الشغل عشان كده شوية راحة وهتكون كويسة ان شاء الله و كمان اظن ان الاولى دلوقتي بانه يدير أسهم ايمن واللى بقت ملك لاسيل هو انا ..... على كلٍ شكراااً لضيافتكم لكن لازم امشي دلوقتى .. سلام
ليقول جملته الاخيرة و هو يهب واقفا بنية الذهاب فيقفا معه ليرافقاه الى الخارج نادمين على ضياع هذه الفرصة الثمينة من ايديهم .
نهاية الفلاش باك
ًينهض بعد فترة من التفكير متوجهاً الى دولاب صغير بالغرفة قد نقل اليه معظم ملابسه وحاجياته ليرتدي ملابسه سريعاً مغادراً غرفته بل المنزل بأكمله.
نجدها هى فى غرفتها المعتمة تتوسط فراشها ضامة قدميها الى صدرها مغمضة عيناها يرتجف جسدها بقوة من الخوف ..... لكن هى مريضة فقط لذا لما العتمة ولما الخوف ؟؟؟؟؟؟؟؟
حسناً هذا تفسيره بسيط جدااااا فإن صمتها المستمر مؤخرا وشرودها ليس الا وسيلة لتجاهل ما تراه حولها من هلاوس ....
نعم هلاوس فلقد وصل بها الحال الى تخيل اشياء حولها لا وجود لها بل تسمع ايضاً بعض الاصوات المخيفة بالطبع بجانب اعراض اخرى قد اتطلع عليها آدم حيث لم يكن بإستطاعتها اخفائها امامه .
لتنتفض فزعاً عن سماعها صوت سيارة آدم مغادرة محيط القصر فيزيد ارتجافها وخوفها ويعلو صوت بكاءها فوجود آدم فى القصر وان كان بغرفة اخري يطمئنها قليلاً لكنها الآن وحيدة وسط ما تراه وتسمعه من اشياء لا وجود لها من الاساس
ماذا حدث لها ؟ وكيف وصل بها الحال الى هذا ؟
لا تدري
لكن ما تعلمه الآن بالفعل وعلى ثقة منه هو انها مستعدة لفعل اى شئ ودفع كل ماتملك لإحضار آدم الآن الى القصر وتنعم بالامان مرة اخرى.
لم يعد آدم الى قصره الا فى السادسة صباحاً وبالطبع لم تذق بطلتنا طعماً للنوم هذه الليلة فلقد كانت تحارب اشخاص واصوات لا وجود لها سوى بعقلها فقط
مازالت تجلس بنفس الوضعية وقد تبدلت عتمة الليل بنور الصباح لتسمع طرقاً على الباب فتظنه من مخيلتها ايضاً و تتجاهله فهو امتنع عن دخول هذه الغرفة منذ فترة .. لتواجدها بها
لكن على عكس ما توقعت فها هى تراه الان يقف امامها بعد ان فتح باب الغرفة و تقدم نحو السرير عدة خطوات ليجلس على طرفه متأملاً اياها لتري فى عينيه نظرة لم تفهمها
ليقطع هذا السكوت صوته الرجولى
آدم بخفوت : عاملة ايه ؟
أسيل بسخرية : زى ما انت شايف احسن منك
آدم بهدوء متجاهلاً سخريتها : لا يا أسيل انتى مش كويسة عشان تكونى احسن منى .. قوليلي حاسة بأيه بالظبط ؟
أسيل بتهكم : ايه .. خرجت ليلة امبارح و درست الطب و جاى تطبقه عليا ؟
آدم بيأس : لا يا اسيل انا مروحتش ادرس حاجة كل اللى عملته هو انى خرجت اشم هوا شوية بعيد عن جو الشغل و البيت .. روحت بعيد عشان افكر فى حل لوضعنا ده ... مش بتبصي لنفسك فى المراية مش شايفة شكلك بقى عامل ازاى ؟
لتبتسم هى بسخرية وتتذكر آخر مرة نظرت للمرآة منذ اسبوع فرأت شخصاً خلفها يبتسم لها ثم تحول شكله الى وحش بشع بعد لحظات
أسيل : مليش مزاج ابص لها و بعدين هظبط نفسي لمين وانت بتقضي كل وقتك ما بين الشركة و اوضتك اللى نقلت ليها
آدم بحدة بسيطة :انا مقررتش اتجنبك من نفسي و بدون سبب ، انا خلاص هتجنن من تصرفاتك دى ... مش فاهم ليه رافضة اننا نشوف دكتور؟ طب اسمعيني ... انا فكرت و لقيت ان اللى فيكي ممكن يكون عضوي اكتر ما هو نفسي فخلينا نروح لدكتور عادى مش نفسي .. انتى متعلمة ومثقفة و عارفة ان كل مرض له علاج ؟ .......... ها قررتي ايه ... اخدلك ميعاد مع الدكتور؟؟؟؟
لتهز رأسها يميناً ويساراً رافضة .. خائفة هى ان يكون بها شئ لا علاج له فييأس منها ويتركها وحيدة هو الآن كل عائلتها بل هو عائلتها الوحيدة التى حظت بها بعد وفاة أيمن
فيهب واقفا ًويكمل فى غضب
ًآدم : حقيقي زهقت ... خلاص زهقت و مبقتش عارف اعمل ايه معاكي ... انا متجوزتش عشان ابقى فى الوضع ده .... ليصمت قليلاً محاولاً تمالك نفسه وعدم التفوه بما يندم عليه فى وقت لاحق
يا الله
يصرخ بها آدم قبل مغادرته الغرفة الى خارج القصر لتنهار هى و تدخل بنوبة بكاء مرير لتجعل حالها لا يختلف عن ما كانت عليه قبل وصوله والتحدث اليها.
مرت ثلاثة ايام ولم يعد الى القصر اتصلت بالشركة مساء اليوم الذي غادر فيه لكن اخبرتها كاميليا انه لم يأتى للعمل وكان اليومين التاليين لا يختلفان عن اليوم الاول فلم يذه خلالهما ايضاً الى الشركة .
تكاد تجن ان لم تكن جنت فعلاً ... تركها وحيدة لثلاثة ايام لم تذق فيهم طعماً للنوم خوفاً من هلاوسها بالاضافة الى قلقها عليه .
تجلس على الاريكة فى الظلام لتشعر بباب القصر يُفتح ثم يغلق فتهب واقفة ... تراه يتقدم نحو الدرج متجهاً الى الاعلى فتهتف بإسمه فى خفوت ليتسمر مكانه لحظة ثم يلتفت اليها بإستغراب ويتحدث محاولاً جعل نبرته غير مهتمة
آدم : ايه مصحيكي لغاية دلوقتى ؟ و قاعدة فى الضلمة ليه ؟
أسيل : كنت فين اليومين اللي فاتو ؟
آدم : مظنش انه يهمك .. انا تعباااان وعايز انام ... تصبحي على خير
ليستدير مكملاً طريقه الى غرفته ليسمعها تهمس بكلمة
أسيل: موافقة
يتوقف مكانه ويلتفت اليها مرة اخرى
آدم : قولتي ايه؟
أسيل : موافقة.... موافقة انى اروح للدكتور
لتكون هذه اخر جملة نطقت بها قبل ان تقع مغشياً عليها واخر ما تسمعه هو هتافه بإسمها
يتبع
•تابع الفصل التالي "رواية عناد الحب" اضغط على اسم الرواية