رواية فراشة المقبرة الفصل الثاني عشر 12 - بقلم اسماعيل موسى
فراشة_المقبرة
12
ربما حفظت زهره وصايا والدتها عن التنمر لكن زهره تعاملت بطريقتها الخاصه، وكان من المعتاد عودتها بوجه مشروخ او ملابس ممزقه الا انها فى النهايه نجحت فى نيل احترام الجميع، بعد السنه الثالثه لم تعد زهره مجرد طفله شهد جسدها التغيرات التى تخبرها انها أصبحت انثى كامله
لم تكن تعرف ما الذي يحدث، كان الألم خفيفًا في البداية، مجرد انزعاج في أسفل بطنها، ظنته إرهاقًا من يوم طويل. لكنها شعرت به يتصاعد ببطء، كأنه موجة ترتفع داخلها، تطرق جدران جسدها من الداخل.
جلست على حافة السرير، وضعت يدها على معدتها، شعرت بانقباض غريب، كأن شيئًا يحاول عصرها من الداخل،حاولت أن تتجاهله، لكنه ازداد حدة،كان الألم غريبًا، مختلفًا عن أي ألم شعرت به من قبل،وكأنه يأتي من عمق جسدها، من مكان لم تفكر فيه يومًا.
أرادت أن تنهض، لكن دوارًا مفاجئًا جعل رأسها يثقل. شعرت بالغثيان، بجفاف في حلقها، بوهن تسلل إلى ساقيها. مشت ببطء إلى الحمام، وهناك، حين رأت بقعة الدم للمرة الأولى، تجمدت.
لم تفهم فورًا. قلبها تسارع، وعقلها بدأ يقفز بين الاحتمالات. هل جرحت نفسها؟ هل أصيبت بشيء؟ لكنها لم تشعر بأي جرح.
لكن الهمس لم يخفف من ارتباكها. الألم عاد أقوى، كأن يدًا غير مرئية تعصر بطنها، تدفعها للانحناء. كانت الحرارة تتصاعد داخلها، خيط من العرق سال على جبينها، ركبتاها ارتجفتا.
خرجت من الحمام بخطوات مضطربة، عيناها تبحثان عن والدتها، عن أي شخص يطمئنها أن هذا طبيعي، أن هذا ليس نهاية شيء، بل بداية شيء آخر. لكنها لم تشعر بأي بداية، شعرت فقط بالألم، بعدم الفهم، بكونها وحيدة في لحظة لم تكن مستعدة لها.
في زاوية الغرفة، كانت ميمي جالسة، تراقبها بعينيها الخضراوين
كانت زهرة جالسة على الأرض، ضامة ركبتيها إلى صدرها، تنفسها متقطع وعيناها معلقتان على الفراغ، الألم لم يكن مجرد وخزات في بطنها، بل إحساس ثقيل يغلف جسدها بالكامل، لم تستطع أن تفهم، أن تستوعب، أن تتقبل.
عندما دخلت نرجس الغرفة، لم تحتج إلى السؤال. رأت الارتباك في عيني ابنتها، والتوتر في جسدها المنكمش، وعرفت،اقتربت منها بهدوء وجلست بجوارها، دون أن تسرع أو تتحدث فورًا. مدت يدها ولمست كتفها برفق.
— "أشعر بالألم... وأخاف..." همست زهرة، وصوتها كان مزيجًا من الألم والخجل.
ابتسمت نرجس بحنان ومسحت خصلات زهرة المتعرقة عن جبينها.
— "هذا طبيعي، صغيرتي، كل فتاة تمر بهذا في وقت معين من حياتها، جسدك يخبرك أنك تكبرين، أنك أصبحتِ أكثر نضجًا."
رفعت زهرة عينيها، تبحث عن تأكيد، عن تفسير يجعل كل هذا منطقيًا.
— "لكن لماذا يؤلمني هكذا؟"
— "لأن جسدك يستعد للتغيرات التي تحدث داخلك،هذا جزء من كونك فتاة، جزء من رحلتك نحو الأنوثة."
أحست زهرة بشيء من الطمأنينة، لكنها ما زالت متوترة.
— "هل سيحدث هذا دائمًا؟"
— "نعم، لكنه سيصبح أسهل مع الوقت،سأعلمك كيف تعتنين بنفسك، كيف تخففين الألم، كيف تتعاملين مع هذا دون خوف."
ثم مدت يدها وساعدت زهرة على الوقوف، قادتها إلى السرير، وأحضرت لها مشروبًا دافئًا.
— "ستكون هناك أيام كهذه، لكنك قوية يا زهرة،وهذه ليست معاناة، بل علامة على أنك تنضجين، على أن جسدك يعمل كما يجب."
ظلت زهرة صامتة للحظات، ثم هزّت رأسها ببطء، لم يكن الألم قد زال، لكنه لم يعد مخيفًا كما كان قبل دقائق.
احتضنتها نرجس، قبل أن تقول بلطف:
— "أنا هنا دائمًا، لا تخجلي من سؤالي عن أي شيء."
وفي تلك اللحظة، شعرت زهرة بأن العالم لم يعد غريبًا كما بدا قبل قليل، وأن هناك دائمًا يدًا ستظل تمتد لتمسك بها عندما ترتبك.
بعد أن هدأ الألم قليلًا، جلست زهرة على السرير، عيناها ما زالتا متردّدتين، وكأنها لم تستوعب تمامًا ما تمرّ به،والدتها جلست بجوارها، تمسّد شعرها بحنان، بينما كانت زهرة تحدّق في أصابعها المتشابكة في حجرها.
عندما دخل والدها الغرفة، نظرت إليه بتردد،لم تكن تعرف كيف سيبدو الأمر بالنسبة له، هل سيشعر بالحرج؟ هل سيراها بطريقة مختلفة؟ لكنها فوجئت بابتسامة دافئة على وجهه وهو يقترب منها، يجلس أمامها، ويمسك بيدها بلطف.
— "سمعت أنكِ مرهقة اليوم، يا صغيرتي."
كان صوته هادئًا، خاليًا من أي ارتباك، فقط دفء خالص، كما لو أن الأمر لا يحتاج إلى تفسير أو تبرير،شعرت زهرة بشيء يرتخي في صدرها، وكأن وجوده أزال جزءًا من القلق الذي لم تدرك أنها تحمله.
— "هذا جزء من رحلتك، يا زهرتي الصغيرة." قالت والدتها، ثم نظرت إلى والدها، الذي أخرج من جيبه صندوقًا صغيرًا بلون وردي ناعم.
— "هذه هديتنا لكِ." قال وهو يضعه في راحة يدها.
ترددت زهرة للحظة، ثم فتحت الصندوق ببطء، في داخله، وجدت سوارًا فضيًا رقيقًا، يتدلى منه تعليقة صغيرة على شكل فراشة.
— "إنها ترمز إلى التحوّل." قال والدها، بينما كانت أصابعه تلامس التعليقة برفق. "الفراشة تبدأ كيرقة صغيرة، تمر بمرحلة صعبة في شرنقتها، لكنها تخرج منها أجمل مما كانت عليه."
شعرت زهرة بدموع تترقرق في عينيها، لكنها لم تكن دموع خوف أو ارتباك، بل شعور بالاحتواء، بالفهم، بأنهما هنا معها في هذه اللحظة التي لم تكن تعرف كيف تتعامل معها وحدها.
ثم، دون تردد، ارتمت في حضن والدتها، التي ضمتها بقوة، ووجدت يد والدها تمسّد على ظهرها بحنان.
— "أنتِ لستِ وحدكِ في هذا،" همست والدتها.
— "نحن معكِ دائمًا." أكمل والدها.
في تلك اللحظة، أدركت زهرة أن هذا التحوّل، رغم صعوبته، ليس مرعبًا كما ظنّت، لأن هناك قلوبًا تحبها، وأذرعًا ستظل مفتوحة لاحتضانها، في كل خطوة تخطوها نحو النضج.
وعندما اختلت زهرة بنفسها أصبحت تعرف ان هذا الأمر ليس مخجل لكن هناك شيء طاريء ظهر فى عقلها
ايعنى ذلك انها باتت مستعده لأخذ ثائر والديها وعائلتها؟
•تابع الفصل التالي "رواية فراشة المقبرة" اضغط على اسم الرواية