رواية الفتاه التي حلمت ان تكون ذئبه الفصل الرابع عشر 14 - بقلم اسماعيل موسى
تحركت ماجي بسرعة، تقود نوار ولينا عبر الممرات المظلمة، كانت تعرف كل زاوية، كل مخرج مخفي، لكنها كانت تدرك أن الوقت ينفد.
“يجب أن نخرج قبل أن يكتشف كين الأمر!” تمتمت، تسابق أنفاسها خطاها.
لكنها توقفت فجأة عندما شعرت بشيء… إحساس غريب، كأن شخصًا ما يراقبهم.
استدار نوار، حواسه متوترة. “هناك من يتبعنا.”
لم يكن هذا مفاجئًا، فقد كانت تاهيلا تعرف أنهم سيهربون، وقد أعطت كين المعلومات. السؤال كان: هل وصلته بعد؟
⚝
في تلك اللحظة، داخل قصره، كان كين ينهض عن سريره ببطء، ينظر إلى تاهيلا التي كانت جالسة على الأرض أمامه، رأسها منخفض، لكنها لم تكن خائفة.
“أعد ما قلته.” قالها بصوت بارد، بالكاد يعبّر عن اهتمام.
رفعت رأسها، عيناها تشعان بوميض خفي. “نوار هرب… ولينا معه.”
لم يظهر أي تعبير على وجه كين، لكنه استدار ببطء، مدّ يده إلى سترته التي كانت معلّقة على الكرسي، وارتداها بلا عجلة.
كيا، التي كانت لا تزال على السرير، تمطت بكسل، نظرت إليه بابتسامة بطيئة. “هل ستلحق بهم؟”
أجاب دون أن يلتفت: “لا حاجة.”
ثم نظر إلى أحد حراسه. “أحضروا لي الصياد.”
⚝
لم تكن ماجي تدرك أنهم أصبحوا مطاردين بالفعل، لكن غرائزها كانت تصرخ أن هناك شيئًا خاطئًا. حين وصلت إلى البوابة الخلفية، توقفت فجأة.
“ماجي؟” همست لينا، متوترة.
لكن ماجي كانت تنظر إلى الظلام أمامها. كان يجب أن يكون الطريق خاليًا. كان يجب أن يكون المخرج آمنًا. لكن هناك… كان شخص ما يقف هناك.
شخص لم يكن يجب أن يكون هنا.
نوار تجمد بدوره، ثم شهق بحدة. “لا…”
لكن الصوت الذي جاءهم من الظلال كان هادئًا، متزنًا، مثل فأس تسقط على رأس محكوم بالإعدام.
“إلى أين تعتقدون أنكم ذاهبون؟”
ومن الظلام، ظهر وجه مألوف—وجه لم يتوقعوا رؤيته هنا.
الصياد.
كان أقوى مقاتل في القطيع بعد كين. وكان هنا الآن، يسد طريقهم بابتسامة هادئة، كأن المعركة لم تكن سوى لعبة أخرى بالنسبة له.
“هيا، لا تجعلوا الأمور صعبة.” قال وهو يخطو للأمام، كل حركة منه تنذر بالخطر.
لكن ماجي لم تنتظر.
هجمت.
⚝
انطلقت مثل سهم، سريعة وقاتلة، أظافرها تحولت إلى مخالب وهي تهاجم الصياد مباشرة، تستهدف عنقه.
لكن الصياد كان أسرع.
تحرك بمهارة، وكأنه توقع هجومها مسبقًا، تفادى ضربتها بانحناءة بسيطة، ثم دار حولها بضربة خاطفة، قبض على معصمها وأدار جسدها بعنف، دافعًا إياها نحو الجدار الحجري خلفها.
لكن ماجي لم تكن ضعيفة.
استندت بقدميها إلى الحائط، واستغلت الارتداد لتندفع مجددًا، تدور في الهواء لتوجه له ركلة إلى جانبه، جعلته يترنح خطوة إلى الوراء.
“ماجي، لا!” صرخت لينا، لكن ماجي لم تستمع.
⚝
كان نوار يراقب الصراع، يده مشدودة إلى سلاح صغير كان يحمله في خفاء، لكن الصياد لم يكن وحده.
من خلفه، تحركت ظلال أخرى.
حراس كين.
“إنهم كثيرون!” تمتم نوار، يحدق بقلق.
كانوا محاصرين.
لكن ماجي لم تتوقف.
رأت في عيني الصياد لمحة من الحذر… لم يكن يتوقع منها كل هذا العنف، لم يكن يتوقع أن تقاتل بهذه الضراوة.
وكانت هذه فرصتها.
⚝
تحركت بسرعة، انخفضت لتفادي قبضته، ثم وجهت لكمة مباشرة إلى ضلوعه، تبعتها بصفعة قوية إلى رأسه، لكنها لم تتوقع أنه سيتحملها دون أن يهتز.
أمسكها من كتفها، ثم دفعها أرضًا بقوة.
سقطت على الأرض، شعرت بألم في ظهرها، لكن قبل أن يتمكن من تثبيتها، دارت على نفسها ووجهت له ضربة بقدمها، مستهدفة ركبته.
أطلق الصياد شهقة ألم، ترنح قليلًا، لكن الغضب اشتعل في عينيه.
“لقد أخطأتِ، ماجي.”
⚝
في تلك اللحظة، قبل أن يتمكن الصياد من الهجوم مجددًا، حدث شيء لم يتوقعه أحد.
أحد الحراس سقط أرضًا. ثم آخر.
شخص ما كان يتحرك في الظلال، بسرعة لا تُرى.
“ماذا؟!” صرخ الصياد، يستدير نحو الحراس الذين بدأوا في السقوط واحدًا تلو الآخر.
ثم، ظهر…
رجل.
لم يكن مجرد مقاتل آخر.
كان آدم.
⚝
“كنت أعلم أن تاهيلا ستفعلها.” قال بصوت هادئ، يقف بجانب ماجي، يساعدها على النهوض.
نوار نظر إليه بصدمة. “كيف…؟”
لكن آدم لم يجب، بل نظر إلى الصياد مباشرة، بابتسامة باردة.
“حسنًا… لنرَ إن كنت حقًا أفضل مقاتل لديك، كين.”
⚝
⚝
الصياد لم يتراجع. على العكس، اتخذ وضعية القتال مجددًا، عيناه تضيقان وهو يحدق في آدم. كان يعلم أن آدم ليس مجرد منافس عادي. كان صيادًا أيضًا، لكنه لم يكن كأي صياد… كان صيادًا سابقًا للملوك، يعرف كيف يقاتل، كيف يصطاد، وكيف يقتل.
لكن آدم لم يكن يخاف.
“لن تكون معركة طويلة.” قال بهدوء، ثم انطلق.
⚝
لم يكن هناك تردد.
تواجه الاثنان بسرعة هائلة، كل ضربة كانت قاتلة، كل حركة مدروسة.
الهواء امتلأ بصوت التصادم، أقدامهما تحفر الأرض، كل واحد منهما يبحث عن نقطة ضعف الآخر.
الصياد وجه لكمة إلى صدر آدم، لكن آدم تفاداها بانحناءة دقيقة، ثم رد بركلة جانبية أصابت ضلع الصياد بقوة، جعلته يترنح.
ماجي، نوار، ولينا كانوا يراقبون بصمت، يعلمون أن التدخل قد يفسد الإيقاع. كان آدم في مستوى آخر، يتحرك كما لو كان يعرف ما سيفعله خصمه قبل أن يفعله.
⚝
لكن الصياد لم يكن سهلًا.
استعاد توازنه بسرعة، ثم هجم مجددًا، لكن هذه المرة بأسلوب مختلف. بدلًا من استخدام قوته المباشرة، استغل رشاقته، بدأ يراوغ، يحاول استدراج آدم إلى حركة خاطئة.
لكنه ارتكب خطأ.
آدم لم يكن فقط مقاتلًا، كان قارئًا للمعارك.
وفي لحظة واحدة، أمسك بمعصم الصياد، سحب ذراعه بزاوية مستحيلة، ثم بضربة واحدة—كسرها.
⚝
صرخة الألم ملأت المكان.
لكن آدم لم يتوقف.
استغل اللحظة، دفع الصياد إلى الحائط، ثم بدون تردد… قطع عنقه.
⚝
سقط الصياد أرضًا، بلا حياة.
كانت النهاية سريعة… نظيفة… وحاسمة.
لكن لم يكن هناك وقت للراحة.
⚝
“علينا الهرب الآن.” قال نوار، ينظر إلى الحراس الذين بدأوا يقتربون.
ماجي لم تتردد، أمسكت بيد لينا، بينما أمسك آدم بسلاحه مجددًا، يستعد لاختراق الجدار البشري الذي بدأ يتشكل حولهم.
⚝
ثم، بدأوا الركض.
⚝
الغابة كانت أمامهم، والظلام كان حليفهم الوحيد.
لكن خلفهم…
كان كين لن يرحمهم.
وكانت هذه…
بداية المطاردة.
⚝
ركضوا.
أقدامهم مزقت الأرض الرطبة، أنفاسهم تتلاحق، والغابة من حولهم تحولت إلى متاهة من الظلال والأغصان المتشابكة. لم يكن هناك وقت للتفكير، فقط الجري، النجاة، الإفلات من قبضة كين التي لن تتوقف حتى تمزقهم أشلاء.
⚝
“إلى أين؟!” صرخت لينا، بالكاد تلتقط أنفاسها.
نوار أجاب دون أن يلتفت: “الكهف… كهف لازيخ!”
⚝
ماجي شدّت على يد لينا، لم تكن تعرف القصة كاملة، لكنها سمعت الأساطير… كهف لازيخ لم يكن مجرد كهف، كان مسكنًا لروح ساحرة يُقال إنها ماتت هناك منذ قرون، لكن روحها بقيت، تحرس المكان، تحكمه، ولا تسمح لأحد بالدخول إلا بثمن.
⚝
“أنت مجنون؟!” صرخت ماجي، لكن نوار لم يرد.
⚝
خلفهم، أصوات الحراس كانت تقترب.
آدم استدار للحظة، نظر إلى الظلال المتحركة خلفهم، ثم قال بصوت بارد: “ليس لدينا خيار آخر.”
⚝
كان الطريق وعرًا، مليئًا بالجذور المتشابكة والصخور الزلقة، لكنهم استمروا، مدفوعين بالخوف… وبالأمل الضعيف بأن الكهف قد يكون ملاذهم الوحيد.
⚝
ثم، ظهر.
⚝
كهف لازيخ.
⚝
مدخله كان فاغرًا مثل فم وحش أسود، باردًا، مريبًا. الأشجار المحيطة به بدت وكأنها تميل نحوه، جذوعها ملتوية بشكل غير طبيعي، كما لو كانت تحاول الهرب لكنها عالقة في لعنة أبدية.
⚝
توقفوا للحظة عند المدخل، قلوبهم تنبض بجنون.
⚝
ثم… هبّت الريح.
⚝
كانت باردة، ليست كأي ريح أخرى… كأنها لم تأتِ من الغابة، بل من الداخل، من أعماق الكهف نفسه.
⚝
“إنها تشعر بنا…” تمتمت لينا، جسدها يرتجف.
⚝
ثم، بصوت لم يكن بشريًا تمامًا، جاء الهمس:
“من أنتم… ولماذا جئتم؟”
⚝
صوت أنثوي، قديم، محمل بصدى العصور. لم يكن يأتي من مكان محدد، بل من كل الاتجاهات، كما لو أن الكهف نفسه يتحدث.
⚝
نظروا إلى بعضهم البعض… ثم، ببطء، تقدم آدم.
⚝
“نحن هاربون.” قال بصوت ثابت. “نبحث عن مأوى.”
⚝
ساد الصمت للحظات… ثم جاء الرد.
⚝
“كل من يدخل كهفي… عليه أن يدفع الثمن.”
⚝
نوار ابتلع ريقه. “وما هو الثمن؟”
⚝
هبت الريح مجددًا، هذه المرة أكثر برودة، كأنها تمر عبر أرواح غير مرئية.
⚝
ثم جاء الرد، بصوت أشبه بالضحكة البعيدة.
⚝
“هذا… ما سأقرره لاحقًا.”
⚝
⚝
وفجأة… انفتح الكهف أمامهم.
وصوت مختلف صارم، صرخ ادم دفع الثمن مسبقآ كان يتوقع حضوركم
- يتبع الفصل التالي اضغط على (الفتاه التي حلمت ان تكون ذئبه) اسم الرواية