رواية سوء تفاهم (كاملة جميع الفصول) حصريا عبر دليل الروايات بقلم بتول عبد الرحمن
رواية سوء تفاهم الفصل الاول 1 - بقلم بتول عبد الرحمن
خرجت من شغلها في المستشفى وفي طريقها للبيت خرج في طريقها شابين قطعوا عليها الطريق، الخوف دب في قلبها خاصة أنها اتأخرت على البيت، واحد وقف في طريقها والتاني لف وراها، قلبها بدأ يدق بسرعة، حست بجسمها بيتجمد مكانه
اللي قدامها ابتسم ابتسامة مستفزة وقال "رايحة فين كده لوحدك يا دكتورة؟ متأخرة أوي النهارده!"
بصت حواليها تدور على حد ممكن يساعدها، لكن الشارع كان فاضي، حاولت تاخد خطوة لورا، لكن اللي وراها كان أسرع، قرب أكتر وقال بصوت واطي "إحنا بس عاوزين نتكلم، ليه القلق ده؟"
بلعت ريقها وحاولت تتحكم في رعشة إيديها، بتدور على مخرج، فجأه بدأت تجري وهما جريوا وراها، رجليها خانتها في آخر لحظة، اتكعبلت ووقعت على الأرض، حسّت بألم في ركبتها لكن مكانش في وقت تفكر، قبل ما تلحق تقوم لقتهم بيقربوا بسرعة، واحد منهم ضحك ضحكة خبيثة وقال "فاكرة إنك هتهربي؟!"
حاولت تتحرك، لكن قبل ما يمد إيده عليها، فجأة صوت خطوات تقيلة اتسمع من بعيد… وبعدها صوت واحد حاد وغاضب "إبعد عنها حالاً!"
عيونهم وسعت، بصّوا وراهم، لقوا شخص واقف في الضلمة، مش باين منه غير ظله الطويل، لكن نبرته لوحدها كانت كفاية تخليهم يتجمدوا مكانهم…
الشابين كانوا فاكرين إنهم يقدروا عليه، لكن في لحظة لقوا نفسهم واقعين تحت ضرباته، واحد منهم حاول يلكمه، لكنه تفاداه بسهولة وردله الضربة بقوة خلّته يترنح لورا، التاني حاول يهاجمه بس قبل ما يلمسه حتى لقى نفسه واقع على الأرض بعد ما خد ضربة قوية في بطنه، في خلال لحظات كانوا الاتنين بيترنحوا، نظرة واحدة منه كانت كفاية تخليهم يقرروا يجروا ويهربوا لكن من غير ما يبصوا وراهم
فضل واقف مكانه لحد ما اختفوا من قدام عينه، وبعدين لف ناحيتها… كانت لسه قاعدة على الأرض، نفسها سريع وعنيها مليانة خوف وصدمة، قرب منها ومد إيده ليها "انتي كويسة؟!"
قامت بسرعه وهي بتعدل حجابها، لسه قلبها بيدق بعنف من اللي حصل، سحبت نفس عميق وقالت بصوت مهزوز "أنا كويسة، شكراً."
عقد حواجبه وهو بيتأملها، كان واضح إنها بتحاول تفضل قوية، رغم إن عيونها كانت بتقول العكس، سألها "انتي تعرفيهم؟"
هزّت راسها بسرعة وقالت "لا، كنت راجعة من شغلي ولقيتهم فجأة في طريقي."
فضل ساكت لحظة، كأنه بيحاول يستوعب اللي سمعه، بعدين قال بنبرة هادية " أوصلك؟!"
رفعت عيونها ليه بسرعة وقالت "لاء، مش لازم، بيتي قريب من هنا، شكرا"
لفت بسرعة ومشيت، لكنه فضل واقف مكانه، متابع خطواتها لحد ما اختفت عن نظره، فتح فونه وابتسم بخبث وبعت رساله بتقول " تم"
وصلت البيت لقت العيله كلها متجمعين والعيون كلها متعلقة بيها، الجو كان مشحون بطريقة غريبة، كأنهم مستنينها بفارغ الصبر… لكن مش بحب، بل بترقب، بشماتة، باتهام.
جدها كان قاعد على كرسيه الكبير، ماسك عصايته، نظرته تقيلة، جامدة، كأنه خلاص قرر حاجة ومش ناوي يتراجع. عينيها دارت في الموجودين، في ناس كانت بتتجنب تبص فيها، وناس تانية كانت مستمتعة بالموقف، مستنية تتفرج على سقوطها
جدها كان قاعد في مكانه المعتاد، ماسك عصايته، نظراته جامدة وصوته خرج بحدة "كنتي فين كل ده؟"
قبل ما تلحق ترد، الست الكبيرة، عمتها ، ردّت عنه، قالت بنبرة مليانه شماته "وكمان هتسألها يا أبويا؟!"
ضرب الأرض بعصايته بقوة، فصوت الخشب على البلاط عمل صدى في المكان، صوته جه حاد وقاطع "مش عايز أسمع صوت مره فيكوا!"
البيت كله سكت، وعيونهم رجعت تتركّز عليها، مستنية ردها. أخدت نفس عميق وحاولت تخلي صوتها ثابت "كنت في المستشفى، هكون فين يعني؟"
عمتها بصّتلها من فوق لتحت، نظرتها كانت تقيلة، مستفزة، كأنها بتقول إنها مش مصدقاها، أما جدها سألها بحدة أكبر "واتأخرتي ليه؟ المفروض تكوني هنا من بدري."
بصت لباباها علشان تفهم في ايه، لكن اللي شافته كان نظرة خذلان… نظرة خلت قلبها يغرق أكتر، شدّت نفسها وحاولت تدافع عن موقفها "كان عندي عملية كبيرة وطوّلت شوية، ليه السؤال؟"
لفّ بنظره ناحية رحمة، حفيدته ، اللي كانت واقفة وعلى وشها علامات الانتصار، كأنها كانت مستنية اللحظة دي بالذات، بصّلها وقال بحزم "فين الصور يا رحمة؟"
رحمة اتحركت بهدوء، راحتله وهي ماسكة الصور في إيدها، قدّمتها له وهي بتقول بصوت بارد "أهي يا جدي، عشان كده اتاخرت "
الجد مسك الصور، وبص فيها للحظات قبل ما يرميها على الطاولة قدام ليلى، قلبها كان بيدق بعنف وهي بتلمح الصور، إيديها بدأت ترتعش لا إرادياً، لكن حاولت تفضل واقفة، مدّت إيدها وخدت واحدة من الصور، وقلبها غاص أكتر وهي بتشوف المشهد اللي حصل قدامها بس بمنظور مختلف… منظور ظالم.
الصور كانت مع الشاب اللي أنقذها، لكن الزوايا… طريقة التقاطها… كلها كانت بتدي إحساس كأنهم قريبين، كأنهم متفقين على المقابلة، كأن اللي بينهم شيء مختلف عن الحقيقة
قبل ما تلحق حتى تدافع عن نفسها، صوت جدها جه ساخط، قاطع زي حد السيف "إيه يا ليلى؟! ما عندكيش كرامة؟! ما عندكيش سمعة تخافي عليها؟!"
عقلها كان لسه مشوش، مش قادرة تستوعب إن حياتها كلها ممكن تتدمر بسبب صور اتاخدت من زاوية غلط، رفعت عيونها لوالدها، كان واقف ساكت، صامت، لكن الصمت أحيانًا بيبقى أقسى من أي كلمات
الصمت كان خانق، لكن في حد كان مبسوط باللحظة دي… رحمة، بنت عمتها، اللي كانت واقفة على جنب، عيونها بتلمع بانتصار وهي بتقول ببرود قاتل "أنا قولت أعمل الصح يا جدو وأوريك الحقيقة بدل ما تفضلوا مخدوعين."
رفعت راسها وقالت بصوت حاولت تثبّته
"دي مش الحقيقة! أنا كنت راجعة من شغلي وفي اتنين وقفوني وكانوا بيضايقوني، الشاب ده أنقذني، بس مفيش بيني وبينه أي حاجة!"
جدها ضحك ضحكة قصيرة، لكن كانت مليانة سخرية أكتر من كونها ضحكة بجد "أنقذك؟! وهي دي طريقة البنات المحترمة؟ تقفي في الشارع مع غريب وتتسندي عليه؟ بالقذاره دي"
عمتها استغلت اللحظة وضربت آخر مسمار في التابوت، بصوت ناعم لكنه سام "الصور بتتكلم، وإحنا عيلة ليها اسمها، ومش هنسمح بأي حد يلوثه."
ليلى حسّت بالدموع بتتجمع في عيونها، لكن رفضت تسيبها تنزل، بصّت حواليها، مستنية حد يوقف معاها، حد يقول كلمة، حد يصدقها، لكن الصمت كان هو الإجابة الوحيدة
جدها اتنهد بعمق، صوته جاي مليان ثقل " قراري اخدته يا ليلى، هتتجوزي بكره"
جدها نادى على والدها بحزم "جهز نفسك… لازم نرتب لجوازها قبل ما الفضيحة تنتشر أكتر!"
ليلى شهقت، صدمة عنيفة ضربتها في صدرها، كأنها تلقت صفعة قوية من الواقع
جواز؟! من مين؟! وإزاي؟!
بلعت ريقها وقالت بصوت هادي رغم إنها كانت بتحاول تسيطر على رعشة صوتها " أنا كنت في شغلي، زي كل يوم، اتأخرت شوية بس… ده مش معناه أي حاجة عشان تقرر قرار زي ده"
عمتها بصّتلها بنظرة كلها استهزاء وقالت وهي بتحرك راسها "شغل؟ لوحدك في الشارع بالليل؟! قولتلك يا حاج، البنت دي مش مننا، متربية على كيفها!"
حسّت ليلى بحرقة في قلبها، ازاي ممكن يتكلموا عنها كده؟ بس قبل ما ترد، صوت عصاية الجد ضرب الأرض بقوة تانية، صوته جه حاسم وقاطع "مش عايز قيل وقال! ليلى، هتتجوزي بكرة!"
" مش عايزه اتجوز أنا، مش بالعافيه"
بصتلها رحمه اللي كانت مستنية اللحظة دي وقالت بصوت كله شماتة "أهو ده القرار الجديد يا ليلى، مالوش رجعة."
حاولت ترد، تحاول تفهم، تحاول تقنعهم… لكن جدها رفع إيده بإشارة منها فهمت إن مفيش نقاش، قلبها كان بيدق بسرعة، عقلها بيرفض يستوعب، ولسه كانت هتتكلم، لكنه قال بجملة قتلت فيها أي أمل للمقاومة "جوازك من مراد بقى أمر محسوم."
رحمه ردت بصدمه وقالت "بس يا جدي، إزاي؟ مراد مسافر، وسامر كان طالبها من أول مرة شافها فيها!"
بصّلها بحدة، والغضب بان في صوته وهو يقول "قولت مفيش مره تتكلم! كلامي خلص."
لف للكل وقال بصوت حاسم "مراد هيوصل الليلة دي، وبكرة كتب الكتاب."
صمت ثقيل خيّم على المكان، الكلام ماكانش عاجب حد، لكن محدش قدر ينطق بحرف، كانوا عارفين إن الجد قراره ما بيتراجعش، وإن أي اعتراض ممكن يقلب عليهم الدنيا
أما ليلى، فكانت حاسه انها مخنوقه
جريت على أبوها، ركعت عند رجليه، مسكت طرف جلبيته بايدين بتترعش، ودموعها بتنزل وهي تقول بصوت مكسور "بابا، أنا معملتش حاجة عشان تجوزوني!"
قال بصوت ضعيف لكنه قاطع "جدك قال كلمته، يا ليلى."
عينيها وسعت بصدمة، دموعها زادت، هزت راسها بعنف وقالت بتوسل " بس أنا محدش يهمني غيرك!"
الكل شهق، الصدمة خيمت عليهم، كأنها قالت شيء محرم، كأنها تحدّت قوانين غير قابلة للكسر، نظرات الاشمئزاز والاستنكار اتوجهت ليها من كل مكان، والهمسات بدأت تدور بينهم
تجاهلت همساتهم وكملت " انت اللي جبتني هنا، وانت بابايا انا، انت اللي ربتني ومحدش غيرك يهمني، عمرك ما أجبرتني على حاجه، ليه دلوقتي ساكت، معقول مصدق الصور الفيك دي؟!"
أبوها أخد نفس عميق، وبصّلها بحنان مخلوط بحزن وهو بيقول بصوت واطي "أنا واثق فيكي… بس متخليش حد يشمت يا ليلى، خليني أرفع راسي من جديد"
كلماته نزلت على قلبها تقيلة، كأنها كانت مستنية منه حاجة تانية، حاجة أكتر، لكنه رغم ثقته، كان بيطلب منها تستسلم للقرار.
رفعت راسها ومسحت دموعها بسرعة، وكأنها بتحاول تخفي ضعفها، وقفت بثبات مزيف، وبصّت لجدها اللي كان متجنب يبصّ عليها، كأنها مجرد شخص غير مرئي
كانت على وشك تتكلم، على وشك تعترض، لكن قبل حتى ما تنطق بحرف، هو لفّ ضهره وسابها ومشي.
باقي العيلة انسحبوا واحد ورا التاني وسابوها لوحدها
رحمة كانت قاعده في أوضتها، غضبانة جدا من قرار جدها، ما كانش في دماغها فكرة إنه مراد يتجوز ليلى، حسّت بإن ده ظلم، وقالت بغل "مراد إزاي يتجوزها؟ أنا افتكرت هيجوزها سامر، مراد لاء، مراد ده بتاعي أنا!"
ردّت عليها أمها بصوت مليان خيبة أمل "يا خايبة، احنا كده مخلصناش، ممكن تخلصي منها لسه"
رحمة بصتلها بتعجب وقالت "إزاي؟"
أمها قعدت جنبها وقالت بخبث "لو بكره اكتشفوا إنها مش بنت، وإنها ضيعت شرف العيلة، وقتها إيه اللي هيحصل؟"
رحمة كانت بتفكر للحظة وقالت "هيقتلوها."
أمها ابتسمت ابتسامة خبيثة وقالت "بس كده، ده اللي احنا عايزينه."
رحمة استغربت وقالت باندهاش "بس إزاي؟ إزاي هنخليها مش بنت؟"
أمها بصتلها بصه حاده وقالت بصوت جاد "نفذي اللي هقولهولك واتفرجي."
ليلى كانت لسه قاعده تحت مكانها، مش قادرة تستوعب اللي بيحصل حواليها، الحيرة والألم كانوا جايين من كل مكان، فجأة، حسّت بشخص قريب منها، ولما رفعت عيونها لقيت أدهم ابن عمها واقف قدامها، نزل لمستواها كأنه مش عايز يسيبها لوحدها في اللحظة دي
"عارف إنك زعلانة، بس جدي قال كلمه والكل هينفذها من غير جدال"
صوته كان هادي ومليان تأكيد، لكنه كان صعب بالنسبة ليها "مراد هتحبيه جدا صدقيني، عارف إنك مش واخدة على الجو ده بس معلش، لو مراد مش نصيبك، عمرك ما كنتي هتتجوزيه."
ليلى بصتله بعيون مليانة دموع، مش قادرة تتحمل الكلام اللي بيقوله، هي مش عارفة، مش فاهمة إزاي كل ده بيحصل فجأة، إزاي يكون في شخص بيحدد مصيرها وهي مش قادرة حتى تاخد قرار لنفسها.
"أنا مش مستعدة..." قالتها بصوت متقطع.
"فاهمك، وأنا عارف إن ده صعب عليكِ، لكن مرات كتير لازم نواجه اختيارات ما نقدرش نتحكم فيها، جدي مش ممكن يقول حاجة من غير ما يكون واثق فيها، ومراد هيفهمك، هو مش شخص وحش زي ما انتي متخيله، مراد ده احسن واحد في العيله، جدي فعلا بيحبك أنه اختارلك مراد مع أنه كان ممكن يختار سامر، وسامر شخص سئ "
"أدهم، بس أنا... أنا مش قادرة، انا بجد مش قادره "
"أنا عارف، بس لازم تصبري شوية، اصبري وهتعرفي أن القرار مش سئ زي ما انتي متوقعه"
" شكرا لمحاولتك، معنديش اصلا وقت اعترض، مصيري اتحدد خلاص"
قالت كلامها ومشيت من قدامه بسرعه
يتبع......
بارت 1
بقلم بتول عبد الرحمن
•تابع الفصل التالي "رواية سوء تفاهم" اضغط على اسم الرواية