رواية حارة تايسون الفصل العشرون 20 - بقلم زينب سمير
' حارة_تـايسـون' حارة تـايسـون '
الفصل العشـرون ..
منذ الصباح ولحتي عم الليل وهي جالسة في الشرفة دون حراك ، قاطع خلوتها صوته الجامد وهو يقول:-
_عارف ان في مليون سؤال جواكي وانا هجاوبك عليهم كلهم ..
التفت تنظر له ، كان يقف امامها بمظهر جديد كليا عليها ، يظهر عليه الارهاق جليا ، ليس ارهاق جسدي فحسب بل نفسي يكاد يقتله من كثرة التفكير ، عينيه ظهر فيها ذبلان كبير ، تشعر من مظهره وكأنه كبر فوق عمره .. عمرا اخر
علي الرغم من تعاطفها مع حالته الا انها هتفت بجدية:-
_ياريت فعلا تجاوبني وتريحني
تنهد بتعب بائن وهو يترك مكان وقفته ، توجه لمقعد مقابل لـ الجالسة عليه هي وجلس عليه ، نظر لها و:-
_تحبي تعرفي اية بالظبط ؟
اجابت بحماس واهتمام:-
_كل حاجة عنك .. من اول ما اتولدت لدلوقتي
صمت لـ لحظات عقب جملتها ، استجمع فيها نفسه وثم راح يحكي:-
_انا جاسر فاروق الصاوي ياوعد ، ابن فاروق الصاوي واحد الدنيا لعبت معاه فجاة بالحلال وقدر يثبت نفسه ، كبر بالحلال وفكر ان كل اللي حواليه كبروا بالحلال زيه ، بالصدفة وقعت اوراق في يده بتدين اصحابه في شغل غير مشروع بالمرة ، هددهم انهم لو مبطلوش شغلهم دا هيبلغ عنهم ، اقنعوه انهم هيبعدوا ، بس فجأة لقيهم بيهددوه بعياله ، ميأسش ومخافش ، تجاهل تهديداتهم وراح بلغ ، قبل ما يدخل وصلتله رسالة بيقولوه فيها انهم خطفوا عياله .. كريم وجاسر
نظرت له بأستفهام فتابع:-
_ايوة انا واخويا .. وثق في العدالة ودخل وبلغ عنهم ، رَوّح وضميره مستريح وحاسس ان القانون هيرجعله عياله ، بس للاسف القانون كان الوجه العام لـ الفساد ، الظابط اللي مسئول عن البلاغ باع الحكاية بشوية ملاليم ، هددوه ببنته فسكت ومحي البلاغ من السجلات .. عارفة بنته اسمها اية ؟
وعـد باستفهام واهتمام:-
_اية ؟
نطق بجمود:-
_وعـد .. وعـد نصري خالد ، ابوها هو الرائد نصري خالد
طالعته بصدمة تجاهلها هو متابعا حديثه:-
_ابوكي اختار حياتك مقابل حياتنا ، مفتش ساعتين وكانوا باعتين لابويا مكاننا انا وكريم ، راح بابا لاقي كريم جثة مشرحة مفيهاش اي اعضاء وانا كنت منهار ، الصورة مكنتش بتفارق بالي ابدا وهما بيشرحوا في كريم والدكتور اللي مسك قلب كريم في ايديه ، كان لسة بينبض بين ايديه وهو بكل جبروت بيقولي شايف قلب اخوك ؟
بابا قرر يجيب حق كريم بنفسه بس ملحقش
ضحك بمرارة وعيونه لمعت فيها الدموع .. دموع غزيرة بتحرق في قلبه و:-
_مات وحصل كريم ، امي مستحملتش فراقهم فسابتني وراحتلهم بعدها ، كلهم فكروا في نفسهك وراحتهم وسابوني لوحدي مع جدة قلبها محروق ومضطرة تتماسك علشان حفيدها ، هي اضطرت تنسي علشان تعيش ، بس انا منسيتش ، كبرت وانا في بالي حاجة ، انا معنديش اللي اخسره فلازم اخسرهم هما قبل ما اموت ، الحارة اخدتها بوضع الايد ، معروفة الحارة دي انها فيها اوباش واوساخ كتير ، انها ملهاش قانون ولا كبير ، دخلتها وبقيت كبيرها بالقوة ، دخلت بالسلاح بعد موت كبيرهم اللي كان قبلي ، ضربت رصاصتين وهددت بقتل اللي هيقرب .. يومين خناق مع بعض وسَب ، ويومين متصالحين ، سنتين بالظبط وانا عايش في الحارة وكل يوم ببقي خايف لينطوا عليا ويقتلوني ، هما عايزين يعيشوا في امان وانا عايز احقق انتقامي .. فأتفقنا .. كلهم بقيوا رجالتي ، فيهم رجالة مخها توزن بلد استغليت افكارها صح ، وكنت محرص جدا علي نشر فكرة اني قتال قتلة علشان يفضل الخوف صاحي في قلوبهم وقلب الشرطة
الكل مفكر اني تاجر اعضاء واية متأكدين كمان ! في حين انا اصلا معرفش حاحة عن الحكايات دي ولا اعرف بيتصرفوا فيها ازاي ، انا نشرت الفكرة علشان بس افضل ناشر الرهبة حواليا ، كل شخص في الحارة عندي استعداد افديه بروحي .. كبرت ووصلت .. فاضل اية ؟
نظر لها وتابع ببسمة هادئة:-
_بالظبط .. فاضل اخد حق اللي ماتوا ، كنت ناوي اجيبك مع اللي شوفتيهم .. واخلص عليكي وخلاص ، بس لما دورت وراكي عجبتيني فقولت لية لا ؟ نغير الخطة معاكي شوية .. وحصل وخطفتك .. واقنعتك بفكرة اني عايز اخلف ، قولت اعيش يومين حلوين برضوا .. يوم فؤحك هو اليوم اللي خطفت فيه الاربع اطفال ، كل طفل من دول ابوه كان السبب في حالتي دلوقتي ، كلهم ابهاتم خوافه ، بتخاف من القوي ، ضعيفة وان حاولت تظهر عكس دا ، بتموت في الحرام وبتعبده ، كان لازم دول اللي اخلص عليهم ، لان دول السبب في نشر الشر والفسوق لدلوقتي ، هما سبب عذاب اي حد ، الشر موجود وبيزيد بسبب الناس دي وهيفضل يزيد طول ما الناس دي ساكتين ، كل حاجة كانت ماشية تمام .. بس انا حبيتك ، لقيتني برجع معاكي لانسان طبيعي ، بينام من غير كوابيس ، بيضحك ويفرح ويحلم ببكرة ، بقيت انسان انا مكنتش عايزه ، تراجعت في قرار الاطفال دا يوم واتنين وكتير ، لحد امبارح قولت لازم .. بس لما وقفت قدام اول طفل فيهم مقدرتش اشوفه غير كريم .. مقدرتش اقرب ياوعـد
تنهد طويلا واخذ نفسا عميقا و:-
سنيني كلها اللي جهزت فيها نفسي علشان اللحظة دي ضاعت ومبقاش ليها لازمة ، انتي اللي صحيتي فيا المشاعر ؟ ولا انا اللي كنت هعمل كدا حتي لو مظهرتيش ! مش عارف حقيقي بس اللي عرفته اني لو عملت حاجة لـ العيال دي ، قلبي هيوجعني عليهم قبل اهاليهم حتي ، في اللحظة الاخيرة عرفت ان انتقام ربنا في الاخرة هيكون اقوي واشّـد من انتقامي منهم الف مرة
وصمت بعد حديثه الطويل هذا ، صمت وعَلي فقط صوت بكاءها عليه ، كم تحمل وعانئ ، كم تفاجئت من صورة والدها البشعة التي ظهرت لها ، كم ان العالم قاسي ،
عرفت ايضا شيئا هاما .. هناك ملائكة يظهرون بمظهر الشياطين وهناك العكس
التفكير في كم عانى هذا الطفل يجعلك تبكي دون شعور ، مهما قالت لن تستطيع ان تربت علي قلبه ، مجرد تخيل الاحداث اوجع قلبها لدرجة لا وصف لها
كل ما استطاعت ان تنطقه بعد طول صمت وبكاء:-
_ينفع نكمل كلامنا بعدين ؟
تفهم حالتها فاؤما بنعم ، ما ان اشار بالموافقة حتي غادرته ، توجهت نحو فراشها وجلست عليه ، بينما ظل هو في مكانه ، ينظر لـ المكان حولت بنظرات جامدة خلفها تقبع آلاف من الحرائق
توجه لـ داخل الغرفة بعد رُبـع ساعة تقريبا ، قال لها قبل ان يغادر الغرفة:-
_لو عايزة تطلقي ياوعـد فأنا مش هرفض ، فالنهاية انا مش هغصب عليكي انك تقعدي معايا وتبقي مراتي وفي يوم ام اولادي !
. . .
بعدما غادر غرفتها توجه لغرفة مكتبه ، جلس علي مكتبه وفتح درجا فيه ، اخرج منه متعلقاتها الشخصية التي تناستها معه ، كانت ضمن متعلقاتها صورة لها ، اخذها وراح يلمس علي صورتها ببسمة حب ، يتعجب من حبه هذا لكنه بالفعل احبها ، هي التي كانت من ضمن اسباب الحياة التي يعيش فيها الان ..
الا انها استطاعت ان تسرق أنفاسه وحبه .. استطاعت ان تفعل في قلبه الافاعيل
تنهد عاليا وهو يهتف بينما ينظر لصورتها:-
_فداكي قلبي وروحي
اعاد الصورة لـ الدرج وفتح درج اخر ، كانت به صورة مرسومة لوالده ووالدته واخيه ، كان رساما رسمها له حسب طلبه ، الصورة تضمه هو ايضا بينهم ، ابتسم بدموع حارقة وهو يتأمل الصورة ، الرسام بإحترافية شديدة استطاع ان يرسم علي ملامحهم الراحة وعليه هو الحزن والمشقة في بعدهم كما طلب ..
بالفعل كان رساما بارعا استطاع ان يرسم كل ما يجول بقلبه من متاعب علي ملامح وجهه ..
هتف باسف لهم:-
_مقدرتش اخد حقكم .. سامحوني ، سامحني ياكريم
عَلي رنين هاتفه بتلك اللحظة ، اخرجه من جيبه فوجد المتصل هو رقم فوزية ، تااب بلهفة عليها فأتاه صوتها الباكي:-
_جاسر يابني طمني عليك
رد بصوت هادئ محاولا ان يطمنها:-
_انا كويس يافوز والله
قالت بدموع:-
_قلبي متوغوش عليك وحاسة انك مش بخير ، خلي بالك من نفسك كويس
جاسر بأيجاب:-
_من عيوني
اكملت بعتب:-
_وابعد عن سكتك ياجاسر ، ابعد عن العالم اللي عايز تدخله دا
تنهد عاليا وهو يهتف:-
_بعدت يافوز والله بعدت ، مقدرتش ادخله
هتفت بنبرة فرحة كأنها عروس بليلة زفافها:-
_بتتكلم جد يابني ؟
ابتسم وهو يجيبها:-
_ايوة ياست الكل
فوزية بسعادة بالغة من الطرف الاخر:-
_رضيت قلبي .. رضي الله عنك ياحبيبي ، رضيت قلبي والله
وبعد عبارات كثيرة من الحب اغلقت معه اخيرا ..
. . .
مساءا كان حزينا .. تعيسا علي البعض ، مظلما رغم سطوع قمره ، عليه وعليها ، علي علا وعلي رامز ، المساء علي الجميع كان تعيسا الا علي جعفر الذي بات ليلته مبتسما وصورة هويدا في جوف عينيه ... !
وبالصباح ..
استيقظت .. نهضت عن مكانها فوجدت الجناح فارغا ، علمت انه ترك لها المكان اطمع كي لا يضغطها بوجوده ، كانت قد قررت ماذا ستفعل ، لذا نهضت عن مكانها وتوجهت لحمامها خرجت وتجهزت ، ثم هبطت لـ الاسفل
قابلت ام السعد فسالتها عن مكانه
وكانت الأجابة انه مازال بغرفة المكتب منذ مساء الامس
دخلت لـ المكتب وجدته نائما علي الاريكة
اقتربت تيقظه بصوتها الرقيق ، تلملم وهو يتشدق باسمها بنعاس ودون شعور ، ابتسم وهي تستمع لكلماته التي تخرج بدون وعي
" بحبك ياوعد .. حبيبتي .. وعدي "
واخري واخري من ذلك القبيل
هزته مرة اخري ففتحه عينيه تلك المرة بنعاس ينظر لها بتشوش ، هتفت وهي تحاول ان ترفع جسده عن الاريكة:-
_قوم ياتايسون
رد وهو يعاود النوم علي الاريكة مرة اخري:-
_اسمي جاسر
هتفت بنفي:-
_اسمك تايسون .. انا معرفكش غير بالاسم دا
رد بصوت ناعس:-
_عايزه اية ياوعد لو عايزه تطلقي استني لما اصحي
اؤمات بالنفي بدلال وهي تتسطح فوقه وتعقد ذراعيها حول رقبته و:-
_توء ، عايزه ازور تيتا فوزية وازور قبر حمايا وحماتي
فتح عينيه ونهض فجاة فسقطت هي علي الارض ، صرخت بتأوه وهي تهتف:-
_مش تخلي بالك ياتايسون
تايسون بسعادة:-
_حماكي وحماتك يعني مفيش طلاق
قالت ببسمة خفيفة:-
_توء مفيش طلاق ، المشكلة اني حبيتك
انهضها عن الارض واجلسها بين ذراعيه وعلي قدميه:-
_انا اتحب فعلا معاكي حق
لعبت بشعيرات ذقنه المنبتة باصابعها الطويلة و:-
_مغرور
قبل إحدي وجنتيها:-
_حقي اتغر مش متحوز قمر
امسكت خصلة من شعرها ولعبت بها بغرور مصطنع فتعالت ضحكاته عليها ، قبل إحدي وجنتيها وتوجه صوب فمها وهي يهتف بنبرة ناعسة:-
_بس انا عايز العيل اللي اتجوزتك علشانه
وعـد:-
_هو انا مقولتلكش
تايسون بتعجب:-
_قولتيلي اية !
وعد:-
_اني هعاقبك علي الرعب اللي عيشتني فيه فـ الاول فمش هخلف
حملها علي ذراعيه وهو يقول:-
_لا دا احنا نشوف الموضوع دا بقي في اوضتنا
وخرج بها من المكتب وتوجه بها صوب غرفتهم بوسط ضحكاتها العالية المرحة .. ودعوات ام السعد لهم بالذرية الصالحة ودوام الحب بينهم ..
. . .
وعلي جانب اخر كان رامز يتلظي بنيران غضبه
وبعد تفكير شيطاني طويل اخذ منه ليلا كاملا هتف بنبرة غـل:-
_طالما مش نافع معاك حاجة ياجاسر الزفت فـ انا هخلص عليك بنفسي ومش هسيبك غير لما اطمن ان روحك طلعت في ايدي وووو
. . .
الله ياخد علا ورامز .. قولوا امين 🤲😌
•تابع الفصل التالي "رواية حارة تايسون" اضغط على اسم الرواية