رواية فراشة المقبرة الفصل الحادي والعشرون 21 - بقلم اسماعيل موسى
فراشة_المقبرة
٢١
رفع الرجل رأسه ببطء، نظر إلى العمدة بعيون أنهكها المرض، لكنه لم يتحرك. كأن الأوامر الصاخبة لم تصل إلى أذنيه، أو ربما وصلت لكنه لم يجد في نفسه الرغبة في تنفيذها.
زمّ العمدة شفتيه بضيق، ثم ألقى نظرة جانبية نحو التمرجي، الذي فهم الرسالة فورًا، فاندفع نحو المريض وأمسك بذراعه بخشونة، كأنه ينتزع جذعًا متيبسًا من الأرض.
— "قلت لك قوم، العمدة بنفسه واقف قدامك!"
لكن قبل أن ينهض الرجل، وقبل أن يخطو العمدة خطوة أخرى داخل الوحدة، ارتفع صوت هادئ، ثابت، لكنه حاد كحد السكين:
— سيبه
لم يكن هناك صراخ في نبرة زهرة، ولا غضب. فقط أمر واضح، جاف، لا يقبل النقاش.
التفت العمدة ببطء نحو مصدر الصوت.
ورآها.
كانت تقف بثبات، بملابسها الطبية البيضاء، يدها ما زالت ممسكة بالسماعة التي تدلّت من عنقها، وشعرها مشدود في عقدة خلف رأسها، لم يكن في مظهرها شيء خارج عن المألوف، لكنها لم تكن مثل الأخريات.
العمدة علي النزاوي كان رجلًا اعتاد أن يرى الخضوع في أعين الناس قبل أن ينطقوا بأي كلمة، لكن في عيني هذه الطبيبة، لم يكن هناك شيء من ذلك.
كانت تنظر إليه مباشرة، دون تردد، دون خوف.
لم يُجِب على الفور، بل أخذ لحظة ليدرسها،راقب الطريقة التي وقفت بها، الطريقة التي لم تنحنِ فيها، لم تتهرب فيها من نظراته.
ثم، وببطء مدروس، ابتسم.
— "الطبيبة الجديدة."
لم يكن سؤالًا، بل تأكيدًا.
أومأت زهرة برأسها دون أن تغير من وقفتها.
رفع العمدة يده إلى شاربه الطويل، مرر أصابعه عليه بتؤدة، ثم قال بصوت متثاقل:
— "نحب نعرف مين اللي بيخدم عندنا
— "الطب لا يفرّق بين الناس." ردّت زهرة ببساطة، ثم أشارت بيدها نحو الرجل الذي كان التمرجي قد أجبره على النهوض. "وهذا المريض هنا قبلك، وعليه أن يُكمل كشفه قبل أي شخص آخر، حتى لو كان العمدة نفسه."
ساد صمت ثقيل للحظات. في الركن، شعر التمرجي بالعرق يبلل قفا عنقه.
الرجال الواقفون في الزاوية تبادلوا نظرات سريعة، نصفهم ينتظر العاصفة، والنصف الآخر ينتظر المعجزة.
أما العمدة، فقد ضاقت عيناه قليلًا، لكنه لم يتحرك.
ثم فجأة، انفجر ضاحكًا.
ضحكة قوية، خشنة، تناثرت في أرجاء الوحدة الصحية كأوراق شجر في مهب ريح مفاجئة.
— "هاهاها! والله حاجة!" قال وهو يهز رأسه، ثم نظر إليها نظرة طويلة، كأنه يزن شيئًا في داخله
ثم صوب عينيه تجاه الرجل المريض، قوم اكشف دا دورك :!
تسمر الرجل فى مكانه لم يتحرك انش واحد، ارتعش جسده وبدا مثل دجاجه اغرقها المطر
قوم، مالك خايف ليه؟ خاطبته زهره بنبره صادقه
قال الرجل بتلعثم انا بقيت كويس مش عايز اكشف
صرخت زهره خايف ليه؟
دا دورك ودور إلى بعدك، محدش هياخد دور اى حد طالما انا هنا
صوب على النزاوى نظره مطوله على وجوه المرضى، نظره صارمه كلها تحذير
ثم، بخطوات بطيئة، استدار ليغادر، لكنه قبل أن يصل إلى الباب، التفت إليها مجددًا وقال:
— "هنشوفك قريب، دكتورة."
ثم خرج، وخلفه خيالات رجاله، تاركًا وراءه ثقلًا غير مرئي استقر في هواء الغرفة.
بداء المرضى يغادرون الوحده الصحيه واحد تلو الآخر
لم يتبقى ولا حتى مريض واحد
الكل رفض ان يتلقى العلاج او ان تعاينه الطبيبه زهره
وقفت زهره فى الشرفه غير مصدقه لما حدث، كانت متأكده انها فعلت الصواب
بعد لحظات قررت أن تحتسى فنجاه قهوة فدلفت تجاه الاستراحه
كان مضى ربع ساعه عندما قدم التمرجى صارخا
يا دكتوره يا دكتوره
الحقى فيه واحد بيموت
تركت زهره فنجان القهوه وركضت على غرفة الكشف
ولم تصدق نفسها، كان المريض نفسه كان عليه الدور الذى رفض ان تعاينه زهره مضرج فى دمائه ينازع الموت
•تابع الفصل التالي "رواية فراشة المقبرة" اضغط على اسم الرواية