رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الفصل السادس و العشرون 26 - بقلم فاطمه طه
يُحاوطني الأمان
والاطمئنان
حينمّا نصبح معاً
وهذا أثمن ما حصلت عليه إلى الآن.
#مقتبسة
”تدور عجلةُ الحياة بالعدل، ويُسقَى كل ساقٍ بما سَقَى، فمن زرَع الخير يجني ثماره، ومن بذَرَ الشَرّ يحصد أضراره، ومَن أحسَن يُحسَن إليه، ومَن أساء يُسَاء إليه، وما نوَى امرءٌ نيّةً إلّا ولاقَى آثارها من جِنس نوعها، فإنّ طابَت طابَ الحال، وإن ساءَت ساءَ المآل.”
#مقتبسة
“سنُخبر الطُّرقات يومًا..أنّنا قد عبرنا، برغم تيهِ الخُطى
والبُعد والتّعب”.
#مقتبسة
________________
ولجت برفقته إلى الغرفة الخاصة بهما في أحدي الفنادق في “دهب” وخلفهما أحد الشباب العاملين بالفندق وهو يحمل حقائب السفر في أحدى العربات المخصصة لهم.
تمتم حمزة وهو يخرج من جيبه أحدى الورقات النقدية ويعطيها للشاب بابتسامة واسعة مرسومة على ثغره:
-شكرًا تعبناك معانا.
ابتسم له الشاب ثم شكره ورحل غالقًا باب الحجرة خلفه بعدما وضع لهما البطاقة الخاصة بالغرفة في مكانها بجوار الباب…
بحث حمزة بعينه في الغرفة عنها ليجدها تقف ناحية الشرفة تراقب المشهد الجميل والخلاب حيث تتعانق الطبيعة مع بعضها.
وقف حمزة بجوارها محتضن خصرها بذراعه هاتفًا بنبرة خافتة:
-لولا أنك مش مطلعة باسبور كُنا قدرنا نطلع فيزا لأي حنة وسافرنا بس تتعوض ان شاء الله.
قالت سامية وهي تنظر له بحب حقيقي وكأنه الشخص الوحيد الذي يتواجد معها في الكون بأكمله كانت أعينها تفيض حبًا:
-أي حاجة معاك بالنسبالي هتكون حلوة، ومش مهم نكون فين، المهم إني معاك.
ترك قُبلة رقيقة على جبهتها هاتفًا بحب حقيقي:
-أنتِ أحلى حاجة في دُنيتي يا سامية، وربنا يقدرني واسعدك وبرضو مش هتخلى عن سفرية لينا مع بعض ان شاء الله، لما نرجع تطلعي باسبور ونسافر قريب مع بعض ان شاء الله دي من أحلى الحاجات اللي ممكن تحصل في حياتك أنك تسافري برا..
ابتسمت له وكادت تعبر عن حبها لفكرة السفر كونها ستكون معه أيضًا لكن قاطعهما هاتف سامية الذي نما صوته إلى سمعهما من حقيبتها الجلدية الموضوعة أسفل ذراعها.
تحدث حمزة بنبرة جادة وهو يسألها أثناء محاولتها لإخراج الهاتف من الحقيبة:
-مش قولتلك اقفلي الموبايل وخليكي معايا أنا وبس..
ردت عليه سامية بنبرة هادئة:
-عادي يعني محبتش اقفله علشان لو في حاجة ضرورية وماما بتطمن عليا كل شوية.
أخرجت الهاتف وحينما عرفت هوية المتصل غمغمت بابتسامة هادئة:
-هي ماما فعلا.
أجابت عليها تحت نظراته الساكنة والتي لا تشعر بها بشيء محدد غير انزعاجه من أن يقوم أحدهم بقطع لحظاتهما سويًا.
-الو يا ماما.
“ايوة يا سامية أنتم فين يا بنتي؟! الواد حسين راح ليكم عمك باعت ليكي حاجات وأنا بعت شوية أكل وحاجات معاه ليكي علشان متتعبيش نفسك تسخني بس، هو واقف قدام الشقة وبيقول أنه بيرن الجرس ومحدش بيفتح”.
توترت سامية قليلًا بسبب كلمات والدتها فهي في الصباح الباكر علمت أمر السفر حينما أخبرها بأن تحضر حقيبتها ولم يكن هناك متسع من الوقت أن تخبر أحد هي شخصيًا شعرت بالدهشة نعم أخبرها بأن هناك مفاجأة بخصوص أمر شهر العسل ولكنه لم يخبرها بأنها في الغد..
قالت سامية بتردد:
-أبدًا احنا سافرنا الصبح دهب وملحقتش أقولك.
شعرت بالضيقٍ التي حاولت والدتها أن تخفيه قدر المستطاع ولم تحسن:
“طب ليه يا بنتي مكلمتنيش؟ وعرفتيني ما أنا لسه كنت بكلمك بليل”.
تمتمت سامية بارتباك طفيف:
-أبدًا يا ماما كان بعد الفجر ومرضتش اصحيكي وقولت هكلمك لما أوصل بس أنتِ سبقتيني اهو.
“ماشي يا بنتي، ربنا يهنيكي مع جوزك؛ يلا سلام هروح أكلم الواد حسين أقوله يرجع وخلاص”…..
انتهت المكالمة على هذا المنوال حتى غمغم حمزة بنبرة هادئة:
-واضح أن مامتك لسه مفرقتش أو خدت على وضع أنك بقيتي في عصمة راجل والمفروض أن مش كل حاجة تعرفيها ليهم، احنا مش عيال صغيرة..
قالت سامية بنبرة اندفاعية:
-وهي عملت إيه يعني يا حمزة؟! هي معملتش حاجة وكل الحكاية أنها طبيعي تقلق عليا وتكلمني وهي مش بتتصل كتير يعني مرة الصبح ومرة بليل وده طبيعي أنا بنتها الوحيدة..
وضع يده على أحدى أكتافها متحدثًا بنبرة رزينة وبسيطة:
-أنا بتكلم معاكي يا سامية عادي مش كل شوية تقفشي كده، أنا مقدر أننا لسه بنحاول نفهم بعض أكتر…
وترك قبلة على أحدى وجنتيها محتضنًا أياها محاولا القضاء على أي شيء قد يعكر صفوهما…
_______________
“وبنتك يا معلم زهران ”
كأن العالم توقف عند تلك النقطة تمامًا…
كأنه أبتلع لسانه…
أن كانت مزحة أو الغرض منهل جعله أضحوكة فالامر ليس مضحك على الإطلاق بل أنه كارثة ومن أسوء المزحات التي سمعها في حياته…
صمت زهران وقتها لأنه أدرك أنه من المستحيل أن تكون مزحة..تمامًا لعدة دقائق كلماتها تتردد في أذنيه ولكنه لا يجد تعقيب مناسب كأن صوته قد ذهب وهو يتأملها كانت نسخة منها كأنها هي…
كأن الزمن قد عاد للوراء في تلك اللحظة لكن مازال هو بجسده الذي بدأ في ظهور علامات السن عليه والكبر لكن كأنها هي ميرفت مازالت أمامه شابة يافعة….
بعد دقائق من الصمت والترقب فقد زهران وعيه وأخر شيء كان قد قاله…
“الحقني يا صاحب عمري”.
وسقط مغشيًا عليه في أحضان صديقه جابر واجتمع جميع العاملين في الجزارة وبسبب الأصوات العالية جاء نضال وسلامة من الأعلى حملوا والدهم وصعدوا به…لم يكن زهران فاقدًا الوعي تمامًا بل كان في حالة غريبة فقط يطلب منهم عدم الذهاب إلى المستشفى وأن يجعلوه يصعد إلى بيته.
صعدت معهم وفاء وسط الجميع ولا شك بأنها شعرت بالضيق من أجل هذا الرجل حتى ولو كانت تراه لأول مرة…فهي شعرت بالقلق عليه..
كان زهران نائم على الأريكة ويقوم الطبيب “أحد جيرانهم” بفحصه كان قد استعاد وعيه لكنه أبعد ما يكون عن اليقظة صامت بشكل مخيف وليس من عادة زهران أبدًا حتى في أسوء الظروف.
على أحد الجوانب كان جابر يبكي بصوتٍ عالي مما جعل جهاد تشعر بالشفقة تجاهه هاتفة بتوتر هي الأخرى:
-بتعيط ليه بس يا عمو متقلقش هو هيكون كويس ان شاء الله.
هتف جابر بعدما مسح دموعه بالمنديل الورقي الذي أعطته جهاد له بعدما شعرت بالشفقة تجاهه وتأكدت من عمق الصداقة التي تتواجد بينهم:
-أنا مش زعلان ولا قلقان يا بنتي أنا فرحان؛ فرحان لصاحب أن اتحققت أمنيته وبقا عنده بنت، ما شاء الله نسخة منه..
تحدث نضال الذي يقف بجواره تقريبًا ويتابع الطبيب الذي يقوم بقياس الضغط والسكر لأبيه:
-بقولك إيه أنا على أخري، الراجل مش بينطق وأنتَ تقولي فرحان؟؟.
قال جابر بنبرة غاضبة:
-وهو أنا قولت أنك في أولك يعني؟!، صدق أنتَ فعلا متربتش زي ما زهورة حبيبي قال عليك، وبعدين متتكلمش معايا سيبني افرح واحزن مع نفسي..
كاد نضال أن يتحدث لكن منعه سلامة هاتفًا برجاء حقيقي:
-خلاص يا نضال مش وقته اللي بتعمله ده…
تمتم جابر بنبرة جادة:
-فعلا مش وقته اطمن بس على صاحب عمري اللي شكله بلع لسانه ده وهو بنفسه اللي هيجيب ليا حقي منك يا عاق.
______________
يجلس دياب مع أمه بمفردهما مر وقت طويل ولم ينفرد بها…
ذهبت إيناس إلى أحدى صديقاتها التي انقطعت علاقتهما بسبب الظروف الجديدة التي طرأت على حياة كليهما، لكن عادت العلاقة مرة أخرى وقد ذهبت برفقة أطفالها بعدما قامت بدعوتها وشجعتها والدتها على ممارسة حياتها بشكل طبيعي بدلًا من العزلة التي فرضها عليها عمرو طليقها وهي تستمر بها الآن وكأنها نهج يجب عليها الاستمرار عليه حتى لو تخلصت من السّجان…
بينما حور كانت في درسها مع هدير…
لم يستلم دياب “التوكتوك” اليوم بسبب عدة تصليحات يجب أن يقوم بها صاحبه لذلك بعدما انتهى عمله الأول في “مشويات خطاب” عاد إلى المنزل ليجلس مع والدته التي كانت تقوم بتقطيع الخضروات في الطبق البلاستيكي أمام التلفاز كعادتها…
هتف دياب بعدما جاء من الغرفة وجلس بجوارها على الأريكة العتيقة التي تخطى عمرها سنوات وسنوات لكنها مازالت محتفظة برونق عتيق وقديم لها وليست متهالكة:
-بتعملي الأكل أنتِ برضو، ما إيناس قالتلك هتيجي بدري وهتعمله لازم تتعبي نفسك؟!.
تحدثت حسنية بنبرة هادئة وهي تفسر وضعها:
-في إيه بس يا ابني هو أنا بعمل إيه يعني؟!، هو الأكل كله بيأخد إيه ساعة؟! وبعدين بالعكس أنا بتسلى بدل ما أقعد أفكر، أنا مواريش حاجة غير الأكل لكن إيناس يا عيني بتهلك نفسها كفايا عليها أصلا عيالها ونفسيتها وأنا مش بتعب ولا حاجة متقلقش عليا يا حبيبي.
كان يشعر بشكل عام بالألم تجاة والدته بعدما شهد شبابها حينما انجبته وقامت برعايته الآن يشهد أكثر فتراتها ضعفًا، لا يظن بأنه مر على والدته ظرف أسوء من هذا حتى وفاة والده كانت تحاول التماسك وقتها من أجلهم وأن تكن رجل المنزل ولو كانت لا تمتلك النقود فهو من أجل الدعم النفسي التي تقوم بتقديمه للجميع ورعايتهم.
كان يتأملها ويتأمل ما فعله بها هذا المرض اللعين الذي يدعو ألا يكتبه الله على أحد…
صدقًا لو كان يملك رفاهية الانهيار من أجل ما يحدث في والدته فقط لفعل لكن على ما يبدو أن حتى الانهيار والانفجار تلك رفاهية…
فتمر عليك أيام كثيرة تجبرك ظروفك على التوازن والتماسك والاستمرار تحديدًا لو كنت شخص تقدر المسؤولية.
قاطعت والدته تأمله لها وهتفت بنبرة جادة:
-صحيح مالك يا دياب بقالك كذا يوم مش عاجبني؟! اتكلم يا حبيبي احنا لوحدنا مفيش غيرنا.
تمتم دياب بنبرة هادئة:
-هيكون مالي يا أمي ما أنا كويس اهو كل الحكاية أن دماغي مشغولة شوية في موضوع كده.
تركت والدته الطبق البلاستيكي على الطاولة وسحبت منديل ورقي مما يتواجد في علبته على الطاولة ثم مسحت يديها به ثم ألقت المنديل في سلة المهملات الصغيرة التي وضعتها بجانبها أرضًا:
-موضوع إيه دي؟!.
كانت لهجتها لهجة أمومية بحتة أحيانًا لا تعرف هل هي نابعة من فضول أم اطمئنان أم كلاهما معًا….
تحدث دياب بتوضيح وتفسير رغم أنه يرغب في رفض عرض نضال عليه ولكنه رغمًا عنه يفكر في الأمر…
-موضوع كده أو بمعنى أصح مشروع عرضه عليا نضال.
هنا تم إثارة حواس والدته كلها فلا شك بأن مشروع قد يعرضه عليه نضال على ولدها هو شيء غريب…
ولم يقم هو بزيادة فضولها أكثر من ذلك بل أخبرها بكل شيء وحاولت حُسنية استيعاب ما يقوله وفهمه..
ختم دياب حديثه بفضول لمعرفة رأي والدته رغم أنه يظن بأنها سوف تدعم الجانب الذي يرغب في الرفض بداخله..
-إيه رأيك في اللي أنا قولته؟!.
ردت عليه حُسنية بعكس ما كان يظن تمامًا:
-دي مش محتاجة تفكير وافق طبعًا…
أخبرها دياب بمخاوفه الحقيقية:
-بتقولي إيه بس يا ماما، إزاي اوافق بالثقة دي؟! دي أخر فلوس معايا ومحدش عالم ممكن نحتاج إيه..
قالت حُسنية مدافعة عن وجهة نظرها ولأنها تدرك بأن الظروف الذي يرغب في قولها هي مرضها فهو يخشى أن تطور الحالة..
-بقولك وافق بالثقة دي علشان هو نفسه قالك فلوسك هتدفعها في الشقة ونضال يوم ما تعوزهم أو حابب تفض الشراكة هتاخدهم يعني أنا متأكدة من ده غير كمان نضال وابوه بيفهموا في المواضيع دي، مشويات خطاب معروف وبقاله أكتر من عشرين سنة واديك شايف معروف إزاي وناس كتير بتجيله.
رد عليها دياب موضحًا:
-أنا معاكي في ده، بس ده علشان هنا منطقتهم، والجزارة بتاعتهم، لكن احنا بنتكلم عن مكان جديد وفكرة جديدة تمامًا..
قالت حُسنية بنفاذ صبر من عِناده رغم أنها تعلم بأن مخاوفه تستحق هذا أخر شيء معه…
-خلاص صلي استخارة يا دياب محدش عارف الخير فين يا حبيبي يمكن ده يكون الخير ليك تكون مع صحابك، طارق ونضال ولاد حلال.
ضحك دياب من وسط همه، عتمه وزحمة أفكاره:
-يا أمي ما أنا عارف أنهم ولاد حلال هو أنا مصاحبهم ليه يعني؟ بس مفيش مانع من القلق برضو..
-معاك حق بس فكر كويس بلاش تخلي مخاوفك تخسرك وبعدين أنا مش عاجبني شغلك على التوكتوك ده لازم تسيبه وتكمل الجامعة اللي بقالها سنين بتتأجل دي، هتفرق معاك أوي يا حبيبي.
ابتسم دياب لها ثم نهض وترك قُبلة على جبهتها ثم غمغم:
-هو حور هتخلص درسها امته صحيح؟!.
ردت عليه أمه بنبرة هادئة:
-الساعة سبعة ونص كده..
قال دياب بنبرة جادة:
-ماشي أنا نازل رايح اجيبها واجي..
قالت والدته وهي تعقد حاجبيها بعدم فهم:
-ليه مهي جاية مع هدير والمكان مش بعيد؟! ريح نفسك شوية يا ابني أنتَ بتهلك روحك لازم جسمك يريح شوية..
تمتم دياب بنبرة بسيطة:
-لا هجيبها وعايز اجيب حاجة بالمرة اعدي عليهم وارجعهم معايا.
______________
رحل جابر مدركًا خصوصية الجميع في موقف هكذا واطمئن على صديقه بأنه بصحة جيدة وبدأ بالحديث أمامه، لذلك لم يرغب في أن يكون متطفلًا على وضع هكذا…
“خلوها تتكلم وتقول اللي عندها”.
كان زهران في حالة عجيبة أمامه تكاد تكون نسخة مصغرة من زوجته السابقة لولا اختلافات بسيطة جدًا…….
تجلس جهاد على الأريكة وبجوارها سلامة..
على الأريكة الأخرى جالسًا زهران أو مازال شبة مستلقي يحاول أن يستعيد توازنه النفسي قبل الجسدي…..
أما نضال واقفًا لا يرغب حتى في الراحة أو السكون ولو لمدة دقائق، حتى الثواني يرفضها لذلك قال بغضب واضح:
-هتتكلمي بكرا يعني ولا إيه؟!.
تحدثت وفاء بغضب حقيقي:
-متعليش صوتك عليا.
كان زهران يرغب في السيطرة على نضال ولكن الكلمات لا تخرج منه فهو حتى الآن لا يفهم ما يحدث……..
قاطعها نضال ساخرًا:
-المفروض واحدة جاية تخرف اخدها بالحضن ولا إيه، انطقي علشان أنا صبري بدأ يخلص..
تمتم زهران من وسط اعيائه الذي طرأ عليه فجأة حتى صوته أصبح لا يخرج منه إلا بصعوبة:
-خلاص يا نضال…
نظر نضال لهم بضيقٍ كان ينقصه حقًا مسالمة أبيه في موقف هكذا….
ابتلعت وفاء ريقها وحاولت الحفاظ على أتزانها رغم أنها على وشك أن تفقد وعيها حقًا منذ أيام وهي ممتنعة عن الطعام لا تتناول الطعام أبدًا الذي يأتوا به، حتى أخيرًا أفرجت عنها “وفاء الكبيرة” ابنة خالة والدتها وساعدتها في الهروب من سجنها في سابقة جديدة من نوعها أن تفعل وفاء شيء جيد.
-أنا بنت ميرفت ومعايا شهادة الميلاد ومعايا تحاليل تثبت أن مجدي ابن خالتها وجوزها التاني مش أبويا..
صاح نضال بغضب واضح:
-مش مشكلتنا كل ده، ازاي تيجي هنا علشان تقولي لينا كلام زي ده وتقولي أنك بنته لمجرد حاجات ملناش دخل بيها..
حاولت وفاء أخذ أنفاسها وألا تغضب من هذا الكائن المستفز وفي الوقت نفسه عدم البكاء ما مرت به خلال الثلاثة الأشهر الماضية كان من الطبيعي أن يهلكها لحسن الحظ أنها مازالت تستطيع الوقوف على قدميها:
-أمي في مرضها اعترفت ليا بكل حاجة وكتبت ليا كل حاجة باسمها قبل ما تتوفى علشان جوزها ميورثش فيها، الحاج زهران عارف كويس ثروة والدتي وأن أبوها كان كاتب ليها النص بالنص مع أخوها غير أن خالي متجوزش وهي ورثته لما اتوفى من خمس سنين، أنا مش جاية أنصب ولا جاية طمعانة في حد وكل أملاكي ورقها معايا.
تحدث زهران معقبًا على حديثها بحزن حقيقي، فهي منذ مدة تأتي في عقله:
-ميرفت ماتت!! لا حول ولا قوة إلا بالله ربنا يرحمها ويغفر لها يارب..
لا شك أن الخبر كان له صداه على زهران..
رُبما هو يخاف الموت كثيرًا..
لا يخاف أن يموت هو بقدر خوفه على مفارقة الأحباب فارق زوجته الأولى بعد والدته بوقتٍ ليس بالكبير بينهما…
بعد وفاة زوجته الأولى كان يحاول ممارسة حياته بشكل طبيعي من أجل أولاده…
حينما ذهبت إلى المحافظة التي تقطن بها ميرفت وعائلتها من أجل عطلة صيفية مع شقيقه وزوجته رأى ميرفت…
لا يدري هل وقع في حبها عند رؤيتها أم أنه كان يحتاج لامرأة تعيد الاتزان في حياته له؟! بعد فقدانه والدته وزوجته….
المرأة في حياة زهران تمثل له المنزل والألفة والونس لذلك من الصعب عليه أن يعيش دونها…
لا يتذكر كيف كانت مشاعره في البداية لكنه فيما بعد أحبها؛ أحبها حقًا لم ينوي يومًا على فراقها لولا أقاربها وتحديدًا وفاء التي كانت تتدخل بينهما بشكل قوى وكانت تصدقها ميرفت بشكل يثير جنونه وتعجبه ومن هنا تحدث المشاكل…
تحدثت وفاء بنبرة هادئة أو تظهر هكذا:
-عرفت أول مرة من شهرين ونص تقريبًا كانت ماما تعبانة في المستشفى وأنا بايتة معاها..
……عودة إلى الماضي……
قامت الممرضة بتعليق المحلول لميرفت ثم هتفت بنبرة رسمية لكنها عطوفة والبسمة لا تفارق ثغرها وهي تخاطب وفاء تحاول التهويين قدر المُستطاع:
-لو في أي حاجة أو حسيتي أن المحلول وقف رني بس علطول وأنا هاجي أنا لسه مستلمة شيفت بليل فهكون معاكم لغايت الصبح..
هزت وفاء رأسها بامتنان رغم قلة كلماتها:
-تمام شكرًا.
رحلت الفتاة ولاحظت وفاء صمت والدتها الذي طال كما طال المرض الذي هلك جسدها ويفتك بها، يأكلها بلا رحمة:
-إيه يا ماما مالك ساكتة كده ليه؟!.
ردت عليها ميرفت بنبرة ضعيفة:
-مجدي ووفاء مشيوا صح؟!.
هتفت وفاء بنبرة هادئة:
-ايوة يا ماما أنتِ نسيتي ولا إيه؟! دول مشيوا من بدري أوي..
تحدثت ميرفت بعدما ابتلعت ريقها:
-ماشي ارفعي السرير كده واعدليني علشان عايزة أتكلم معاكي كلام محدش يعرفه أو يسمعه غيري أنا وأنتِ.
فعلت وفاء كما أمرتها والدتها حتى أنها أوقفت المحلول بناءًا عن أمرها لأنه لا تريده الآن فاستعانت بالممرضة وها هي تجلس على المقعد البلاستيكي بجوار الفراش التي تجلس عليه والدتها..
-بصي يا وفاء اللي هقوله صعب تتحمليه بس دي الحقيقة فأنا بطلب منك توعديني بحاجتين..
تحدثت وفاء بتردد حقيقي وقلق واضح:
-ماما أنتِ بتقلقيني على فكرة..
هتفت ميرفت بنبرة هزيلة وضعيفة:
-اسمعيني يا بنتي أنا مش قادرة اعيد كلامي اوعديني أنك تسمعيني للآخر مهما كان كلامي صعب وفي الوقت نفسه متكرهنيش..
قالت وفاء بخوف حقيقي لكنها تفوهت بالحقيقة رغم كل شيء:
-أنا عمري ما اكرهك يا ماما إيه اللي حضرتك بتقوليه ده؟!
ابتسمت لها والدتها ثم أمسكت بكف يدها هاتفة:
-أنا كنت أصغر منك اما اتجوزت جوزي الأولاني، زهران..
غمغمت وفاء باستغراب فهي لأول مرة تستمع تلك الكلمات:
-هو حضرتك كنتي متجوزة قبل بابا؟!.
هزت ميرفت رأسها بإيجاب:
-ايوة كنت متجوزة عارفة أنه كلام غريب وجديد عليكي فاستحمليني شوية في اللي بقوله النهاردة، بس أوعى تحكمي عليا، وقتها أنا كنت غبية لدرجة إني عامية عن أقرب الناس ليا، كنت غبية لدرجة إني سمحت لنفسي امشي ورا كلام واحدة كنت فاكراها أقرب لنفسي مني لدرجة إني سميت بنتي على اسمها.
لاح القلق والخوف من تلك الاعترافات المُريبة على وجه وفاء لكنها تحاول أن تستمع إلى حديثها ولا تظهر ثورتها أبدًا بسبب مرض والدتها ولأنها تشعر بالفضول حيال ما لا تعرفه…
ويبدو أنها تقصد وفاء التي تبغضها ولم ترتاح لها يومًا…….
هتفت ميرفت بنبرة ضعيفة وهزيلة:
-أنا كنت متجوزة واحد قبل مجدي اتجوزته وأنا تقريبًا مكملتش عشرين سنة اتجوزته بسرعة حبيته وكان ابويا حابة بشكل كبير رغم أن الكل كان بيعارض ابويا أنه جوزني بالسرعة دي لواحد متجوز وعنده ولدين، بس هو يا حبيبي كان عايز يفرح بيا..
ابتلعت ريقها وهي تحاول السيطرة على الألم الذي ينتشر في جسدها كله بلا توقف:
-الحقيقة إني حبيته أوي بس كنت مفضلة عيلتي دايما عنه مفضلة وفاء عنه كنت واثقة فيها ثقة عمياء ممكن اكدب عيني واصدقها هي من كتر ما بحبها، وفاء فضلت تزن على دماغي بعد ما ابويا اتوفي بعد سنتين من جوازي، وكدبت وقالت أن جيهان بنت خالي اللي عايشة في القاهرة زهران كان بيكلمها وجيهان حلفت قدامي أن ده حصل، صدقتها واطلقت كنت وقتها حامل فيكي.
هي لا تفهم أي شيء..
لا تظن الشيء الذي فهمته هو الشيء الصحيح أبدًا…
مـسـتـحيـل..
أسترسلت ميرفت حديثها بلا توقف:
-كنت حامل فيكي واقنعتني أننا نتفق مع الدكتور ونقوله أن في مشاكل كبيرة بيني وبين جوزي ولازم يقوله أن العيل نزل وحكت له حوار مش حقيقي والدكتور خد فلوس مننا علشان يسكت وفعلا عمل اللي احنا عاوزينه محدش كان يعرف إني حامل فيكي غير وفاء حتى اخويا الله يرحمه مكنش يعرف كان وقتها ابويا اتوفى.
ابتلعت ريقها ثم قالت بنبرة جادة:
-اطلقت من زهران وهي فضلت تقنعني إني اتجوز مجدي وأنه بيحبني من زمان وأنه مستعد يسجل البنت باسمه كان وقتها اتجننت اما عرفت أن زهران بيدور على عروسة واتجوزت مجدي وخلفتك وسجلك باسمه فعلا.
كيف من الممكن أن تفعل والدتها هذا؟!
كيف تتزوج رجل وهي حامل بابنة رجل أخر…
هي كانت في فترة العدة التي تستمر حتى ولادتها لا يصح أن تتزوج برجل أخر….
حتى أنها لم تكتفِ بهذا بل قامت بتسجيلها باسم رجل أخر معتقدة طوال عمرها بأنها ابنته وهي ليست كذلك………
كانت تتحدث بلا توقف:
-الغلط مش كله عليهم أنا كمان غلطانة ويمكن أكتر منهم لكن معنديش وقت اشوف مين اللي اكتر، الصبح المحامي هيجي قبل ما هما يجوا وهكتب كل حاجة ليكي مش هخلي مجدي ووفاء يورثوني.
….عودة إلى الوقت الحاضر…..
-بعدها بكام يوم فعلا كتبت ليا كل حاجة وعملت أنا من غير ما تعرف حجة علشان اقدر اعمل تحليل DNA بيني وبين مجدي واكتشفت اني مش بنته ولما عرف اني عملت كده من وراه اتجنن، كان عندي ولو أمل بسيط يطلع اللي ماما قالته غلط كنت منتظرة النتيجة تكدب اللي قالته.
هذا ما قالته أمام الجميع بعدما أخذت تخبرهم كيف علمت بالحقيقة وأول مرة تعترف والدتها بها.
كان زهران مصدومًا…
مدهوشًا…
كأنه في كابوس…
يتمنى أن يكون كابوسًا مزعجًا وسوف يستيقظ منه..
لا يظن بأن ميرفت البريئة والساذجة في نظره قد تتصرف بتلك العدوانية أن تخفي ابنته عنه لو كانت ابنته حقًا..بل تقوم بالاتفاق مع طبيب من أجل نتائج غير حقيقية..
جـريـمـة كامـلـة الأركان.
هل كانت ميرفت بهذا السوء ولا يدري!!
على وشك أن يفقد عقله مما يسمعه حقًا..
لأول مرة في حياته أسلوبه الساخر لم يسعفه…
بل كأنه ابتلع لسانه من وهل ما يسمعه والغريب بأن هناك جزء منه يصدق بأنها قد تنتمي له تلك الفتاة…
عن أي ذنب يكفر الآن؟!!!
كأن الدنيا بأكملها أنقلبت فوق راسه..
غمغم نضال ساخرًا غير مستوعبًا ما يسمع فهو يتحدث بطريقة منطقية بحتة:
-والله المفروض نصدق القصة دي؟! عُبط أحنا بقا ولا مختومين على قفانا..
نهضت وفاء متحدثة بثورة:
-أنا معنديش مصلحة اكدب عليك ولا جاية أرمي بلايا عليكم لأني مش محتاجة منكم حاجة، أنا كنت محبوسة في بيتنا شهر كامل وأكتر مش بشوف الشارع لما واجهتهم محدش فيهم أنكر، لما عرفوا أن ماما كتبت ليا كل حاجة حبسوني في البيت بصوت ليل ونهار ومصعبتش على حد لغايت ما هربت وجيت على هنا.
ابتلعت ريقها ثم قالت بجمود وهي تنظر إلى أعين نضال النارية التي تماثلها:
-أنا مش جاية ادي مبررات للي عملته لأمي ولا اتكلم هي حرة في أسبابها لأنك زي ما شوفتها غير منطقية أنا كمان كده هي ماتت مع أسرارها وأسبابها لكن دي مش مشكلتي أنا جاية أعرف مين أبويا، رغم كل الغلط والعك اللي حصل.
تحدث نضال بنبرة غاضبة تحت صمت الجميع:
-هنعمل تحليل وهيبان أنتِ كدابة ازاي وساعتها مفيش حد هيقدر يحوش عنك.
قال كلماته ورحل إلى غرفته صافعًا الباب خلفه لا يدري ما الذي يجب عليه فعله؟!
غمغم زهران بنبرة مترددة ولكنها عطوفة إلى حدٍ كبير:
-أنزل يا سلامة افتح الشقة تحت ليها وقعدها فيها لغايت ما نشوف بكرا هنعمل إيه؟!.
ردت عليه وفاء بكبرياء نازف:
-شكرًا أنا رايحة احجز في أي فندق وخلاص..
لم يجعلها نضال تستكمل حديثها الذي جاء من الداخل هاتفًا مانعًا زهران من التعقيب:
-لا هتقعدي لغايت ما نعمل التحليل ونشوف اخرتها إيه معاكي…
تحدث زهران بخوف حقيقي لا يدري سببه هذا ما أغضب نضال كونه يتعامل معها بتلك الطريقة بل وكأنه يصدق ما يسمعه:
-خليكي هنا مدام بتقولي هناك هربتي منهم وكنتي محبوسة يعني زمانهم بيدوروا عليكي لغايت ما نشوف اللي هيحصل.
_______________
قام دياب بتوصيل هدير حتى منزل عائلة خطاب برفقة حور التي ترغب في العودة إلى منزلها لكن ذهبت عند الموقف مرة أخرى مع شقيقها الذي أخذ يخبرها بما يريده دفعة واحدة.
كان ردها هو أنها تصرفت بأنها لم تسمع شيئًا منه ورُبما هذا عن وحي خيالها وعطشها إلى النوم وجوعها الشديد لأن معدتها تطلب طعام أمها..
-يلا نروح بقا أنا تعبانة وعايزة أنام وجعانة.
جحظت عينا دياب وهو ينظر لها مستفسرًا:
-هو أنا بقالي ساعة بكلم نفسي يعني ولا أنتِ مش سمعاني في ليلتك دي؟.
تحدثت حور بعد شهقة مرحة خرجت منها ووضعت يدها على فمها:
-مش معقول يعني أنتَ كنت بتتكلم بجد؟! وعايز فعلا تجيب هدية لـريناد.
رد عليها دياب مصححًا محاولًا أن يقلل من الحرج الواقع عليه:
-أنتِ اللي هتجيبي وهتديها الهدية مش أنا، أنا بس عرفتك أن عيد ميلادها بكرا.
قالت حور معترضة وهي تعقد ساعديها:
-وأنا هجيبلها هدية منين هو أنا وارثة ولا وارثة؟!.
-أنا هديكي فلوس تجيبلها هدية نقي ليها حاجة عدلة على ذوقك أكيد أنتِ عارفاها وعارفة اهتماماتها أو بتفهمي يعني في قرف البنات ده.
تمتمت حور بنبرة جادة وهي تنظر له متفحصة ومتقمصة دور أم الزوج كما يجب أن يكون:
-وأنتِ مهتم ليه يعني؟! هي من بقية أهلك وبعدين إيه قرف البنات دي..
نظر لها دياب نظرة اخافتها وهو يخبرها بوعيد:
-أنتِ عارفة لولا أننا في الشارع كنت بطحتك بحاجة على لسانك الطويل ده، لمي نفسك، وبعدين ما أنا قولتلك اللي حصل وأنها صعبت عليا مش أكتر وأنتم المفروض صحاب ورغم أنكم رجعتم تتكلموا علاقتكم مش زي الأول ودي حاجة هتحسنها يعني.
هتفت حور بغيرة لن تنكرها مثل تلك الغيرة التي كانت تشعر بها تجاة خطيبته السابقة ليلى وأي أمرأة تقترب منه لكنها لا تفتعل المشاكل بل على العكس تكن غيرتها مضحكة نوعًا ما، من النوع الحميد:
-وتصعب عليك ليه يعني؟! هاتلي أنا هدية واوعدك هخليك تشيل احساسك بالذنب ده.
تمتم دياب بنبرة مغتاظة:
-تصدقي الغلط من عندي أنا إني كنت متخيل إني ممكن اتكلم معاكي او اعتمد عليكي في حاجة.
بدأ ضميرها يتخذ وضعه المناسب وهي تحاول قول أي شيء:
-ماشي خلاص هكون طيبة وهجيبلها هدية هات الفلوس وخلص.
-هتجيبي ليها إيه؟!.
قالت حور بعنهجية وكبرياء شديد:
-أنا حرة بقا أنتَ قولت أنا بنت وهفهم واختار على مزاجي يبقى متدخلش من فضلك هات الفلوس وخلاص.
هز دياب رأسه موافقًا وهو يحذرها:
-عارفة يا حور لو هي بس حست لو مجرد إحساس أنك مش أنتِ اللي جايبة الهدية بنفسك وأن ده كله تفكيرك لوحدك هعمل فيكي إيه؟!.
سألته حور بفضول:
-هتعمل إيه؟!.
رد عليها دياب بنبرة جادة:
-خليها مفاجأة.
هتفت حور بنبرة جادة وهي تحاول امتصاص قلقه:
-متقلقش والله أنا هظبط الدنيا…
-ولا هي تعرف ولا حد في البيت يعرف، أنا شخصيًا مش عايزك تتكلمي قدامي في الموضوع تاني، ولو لسانك ده يا حور فضل يُخر مع اللي رايح واللي جاي أنا هقطعولك.
..بعد مرور نصف ساعة..
كانت ريناد تحدق في العلبة القطيفة الأنيقة الطويلة الموضوع فيها سلسلة فضة من النوع الإيطالي يتواجد بها دلاية بسيطة على هيئة مفتاح أنيق جدًا وبه بعض الفصوص، وحقيبة جلدية مناسبة نوعًا ما، بالتأكيد ليست من علامة تجارية معروفة كما أعتادت ولكنها أنيقة ورائعة..
وكانت الهدية حقًا من اختيار حور لم يفكر دياب في أي شيء….
هي اختارت نوع الهدية والسلسلة نفسها والحقيبة الجلدية وهو قام بالدفع لكن اعجبه اختيار شقيقته فالواقع حور لديها ذوقٍ جميل وسوف تحسن اختيار هدية كهذا هو لا يحسن اختيار الهدايا بشكل عام للنساء حتى بخصوص الهدايا المتعلقة بخطيبته السابقة ليلى، كانت ايناس ووالدته من يساعدونه هو لم يكن يومًا شخص مُلم بالتفاصيل وقد يحسن اختيار هدية إلى فتاة.
تمتمت حور بحماس:
-عجبتك؟!..
ردت عليها ريناد باعجاب وسعادة حقيقية:
-تحفة بجد تسلم ايدك.
ثم وضعتها ريناد في يد بهية الجالسة على الأريكة حتى تتحسسها وقالت:
-حلوة مبروك عليكي يا ريناد.
تحدثت ريناد ببلاهة:
-بس دي بمناسبة إيه؟!.
قالت حور بعدم فهم:
-هيكون بمناسبة إيه يعني؟ عيد ميلادك طبعا مش عيد ميلادك بكرا؟ كل سنة وأنتِ طيبة.
تمتمت ريناد بنبرة جادة وابتسامة لم تفارق ثغرها حتى الآن بالرغم من دهشتها:
-وأنتِ طيبة يا حور بس أنتِ عرفتي منين؟!.
سألت حور نفسها..
من أين عرفتي يا حور؟!.
الإجابة هي “من دياب”
لكن يجب عليها أن تبحث عن إجابة أخرى فهي لا ترغب في أن يقتلها دياب وهي مازالت في مقتبل العمر وفي بداية شبابها..
هتفت حور بنبرة هادئة مع ابتسامة واثقة ترافق ثقتها التي من الغريب أنها تتحلى بها:
-من الفيس بوك عندك.
أجابتها ريناد باستغراب:
-أنتِ مش عندي غير على الواتساب.
ردت عليها حور بارتباك ولكنها حتى اللحظة الأخيرة تحاول الحفاظ على حياتها من بطش دياب:
-الاكونت بابلك.
تقوم بعمل فيديوهات على منصة “التيك توك” بالتأكيد حسابها على الفيس بوك عام..
كان هذا تحليل حور لكن قضت ريناد على جميع محاولاتها:
-بس أنا اكونت الفيس بالذات برايفت.
هتفت حور بذكاء خارق:
-أنتِ قولتيلي قبل كده..
قالت ريناد باعتراض:
-بس أنا…
قاطعت بهية هذا الحديث بسخرية وهي تلقي أحدى تعليقاتها:
-ما خلاص يا ريناد البت جايبالك هدية لازم تستجوبيها….
________________
يجلس مع زوجته في شقتهما أخيرًا…
كانت تلك الليلة على وشك عدم الانتهاء من طولها؛ والفتاة التي جاءت وظهرت لهم من حيث لا يعلمون…
أخر شيء كان يتوقعه أن يظهر لهم شيء هكذا بعد تلك السنوات التي تجاوزت العشرين تقريبًا، كان سلامة شبة رضيعًا حينما تزوج زهران “ميرفت”….
في وقت الطلاق…
كانت ميرفت حامل بالفعل ولكن عند تلك المشاكل التي حدثت وذهابها إلى المستشفى أخبرت الجميع هي وابنة خالتها بأنها قد فقدت الجنين وبالفعل كان هذا هو تقرير المستشفى وأنتهى الأمر بالطلاق ولكنها كانت متمسكة برأيها بشكل كبير..
تحدث سلامة من وسط همه وجهاد تجلس بجواره على الفراش:
-في عكوسات غريبة بتحصل أما أنا اللي جوازتي محسودة زيادة، أو أنتِ قدمك مش حلو علينا.
قذفته جهاد بالوسادة حتى أنها وضعتها على وجهه، كانت على وشك خنقه بالفعل فهو كالعادة يسخر من الموقف وهي كالحمقاء كانت على وشك أن تقتل نفسها وهي تبحث عن طريقة لمواساته..
صاحت جهاد بغضب حقيقي:
-احترم نفسك يا سلامة والله الحق عليا إني قاعدة شايلة همك..
أبعدها سلامة عنه بصعوبة هي ومعها الوسادة محاولًا أن يأخذ أنفاسه وهو يصيح بها:
-يا غبية هتموتيني، بهزر معاكي..
تحدثت جهاد بعدم استيعاب:
-تهزر معايا إيه؟! هو أنتَ ليك نفس تهزر بعد اللي حصل النهاردة.
قال سلامة بجدية:
-أنا لو مهزرتش هتجنن يا جهاد..
قدرت جهاد ما يشعر به..
سلامة يلجأ للسخرية في الغالب والمرح وبهذه الطريقة رُبما يخرج الشحنة التي تتواجد بداخله….
تمتمت جهاد رغم ذلك بصرامة واضحة وهي تنظر له بتحذير حقيقي:
-لغاية ما نتأكد هي اختكم ولا لا إياك تقرب منها ولا تتكلم معاها أنتَ سامع؟.
قال سلامة بنبرة بدت مستفزة بالنسبة لها:
-بس أنا حاسس إنها اختي معرفش ليه..
صاحت جهاد مستنكرة:
-سلامة بلاش تختبر صبري اكتر من كده أنا بقولك اهو، وبعدين البت حلوة زيادة عن اللزوم.
تمتم سلامة بجدية:
-أنا مش فاكر أمها أوي بس شوفت بعدين صور ليها مع أبويا محتفظ بيها وهي تعتبر نسخة منها بجد كأنها هي وده بان يعني لما ابويا شافها.
غمغمت جهاد بفضول وهي تنظر له:
-هو أبوك كان بيحبها؟.
رد عليها سلامة بعد تنهيدة خرجت منه:
-والله مقدرش أقول حاجة زي دي بس هي دي أول واحدة اتجوزها بعد امي شافها صدفة لما روحنا المصيف مع عمي حسب ما سمعت، كان بيحبها زي ما كانوا بيقولوا ومكنش عايز يطلقها لكنها كانت مصممة بشكل رهيب وسمعت أن في طرف تالت في الموضوع كانت دايما بتسخنها.
تحدثت جهاد رغم تأثرها بالقصة:
-مليش فيه أهم حاجة برضو أنك ملكش دعوة بيها لغاية ما نعرف أخرها إيه البت دي…
تمتم سلامة مستنكرًا ناظرًا لها بسُخطٍ:
-أنتِ دماغك وتفكيرك في عالم موازي لوحده يلا نامي يا جهاد أحسن خلينا ننام في الليلة دي..
هتفت جهاد بنبرة هادئة:
-لا نام أنتَ أنا لسه هكلم سلمى..
_____________
تقوم سلمى بغسل الصحون بعدما خلدت والدتها إلى النوم وتلك حادثة فريدة من نوعها….
لم تحدث سوى في الآونة الأخيرة قد بدأت في تغيير عاداتها من أجل أن تناسب قليلًا مع نظام يومه كما هو فعل معها.
كانت في انتظار اتصاله منذ الخامسة مساءًا لم تتلقى منه اتصال كعادته يخبرها فيه أنه سوف يأتي ليأخذها ويصلها إلى المنزل أو حتى إذا كان لن يأتِ لها فهو يطمئن على أحوالها لكن اليوم اختفى.
هذا أصابها بالغضب الشديد..
شعرت بألم في قلبها..
لا تدري هذا نابع من إعجابها به التي لم تحاول حتى الآن وصفه بأنه حب، أم نابع من شعورها الكبير بالاعتياد عليه ففي فترة بسيطة استحوذ على حياتها ملأ فراغ لم تكن تظنه موجودًا من الأساس………….
تألمت من أجل اختفاءه لمدة ساعات!!
هذا شيء ازعجها من نفسها حتى أنها قررت أنها لن تراسله أو تتصل به مهما فعل.
لكن ذهبت كلماتها إلى الجحيم وهي ترسل له رسالة عند عودتها تحاول ألا تكن بها فتاة خفيفة في نظره حتى لو كانت زوجته، كانت رسالة بسيطة جدًا منها:
“أنا روحت”
ظنت بأن بعدها سوف تجد رد أو اتصال لكن لا حياة لمن تنادي!!!
تنازلت للمرة الثانية وهي ترسل له رسالة بعدها بساعة:
“أنتَ فين؟”.
لا رد مرة أخرى هنا جن جنونها لذلك أقسمت بأنها هي من ستقوم بتنظيف المنزل وغسل الصحون وفعل كل ما تجده في وجهها…
ولم تمانع والدتها فهي أيضًا مرهقة من العمل وأصبحت أمرأة تحتاج القليل من الراحة على الأقل بعد سنوات كثيرة مارست فيها دور الأب والأم، فكانت هي الحصن المنيع لهم بعدما تركهم والدهم..
نظفت المطبخ وقامت بمسحه وأنهت كل شيء به ثم قامت بإشعال البخور وصنعت لنفسها مشروب ساخن ثم خرجت وأخذت تقلب في التلفاز وهي تتناول المشروب وعقلها بأكمله مشغول…
أخرجها من أفكارها صوت هاتفها الذي يعلن عن اتصال من شقيقتها الصغرى جهاد…
ابتسمت قليلًا على الأقل سوف تخرجها من تلك الحالة الكئيبة التي على وشك أن تقضي عليها..
أجابت عليها بهدوء:
-ألو.
“ايوة يا سلمى، لسه صاحية يعني؟ ده أنا قولت هلاقيكي نايمة من بدري”.
هي مستيقظة على أمل اتصال منه أو اعتذار يجبر خاطرها المكسور…
لم تتوقع بأنها يومًا ستكون فتاة قد تشعر بهذا الضعف لأن الرجل الذي في حياتها قد اختفى لمدة ساعات..
-أبدًا مش جايلي نوم، في حاجة ولا إيه؟!..
جاءها صوت جهاد الساخر:
“في حاجة واحدة؟! ده في حاجات وحاجات يا سلمى”.
قالت سلمى بنفاذ صبر حقيقي:
-نفسي في مرة واحدة تقولي الحاجة علطول بدل المقدمات بتاعتك دي اللي بتبقى شوية وهتخليني أتجلط.
“بعد الشر عليكي وبعدين ياستي هقولك اديني فرصة انطق”.
-اتفضلي ياستي انطقي.
قالت جهاد بتردد:
“ما أنا مش عارفة ابدأ منين الموضوع صعب أنه يتقال……
أردفت سلمى بغضب حقيقي:
-انطقي يا جهاد أمراض الدنيا كلها هتجيلي عقبال ما تقولي في إيه…
“سلمى عم زهران تقريبًا طلع عنده بنت”
ضيقت سلمى حاجبيها هاتفة بعدم فهم:
-هو إيه اللي عنده بنت؟! أنتِ بتقولي إيه؟!..
-بقولك اللي حصل أحنا طول اليوم في الموضوع ده ومحدش عارف يعمل حاجة جت بنت كده مزة وقمورة زيادة عن اللزوم قالت أنا بنت ميرفت وعم زهران تنح وبلم ومعرفش ينطق….
بعد مرور ربع ساعة تقريبًا..
كانت سلمى تقف أمام المرآة تحاول ضبط خِمارها بأي طريقة وهو مجعد بشكل لا تقبل الخروج به أبدًا لكنها لا تفكر الآن في هذا الشيء……
دخلت إلى الحجرة لتخبر والدتها بأنها سوف تهبط لكنها وجدتها تغط في نومٍ عميق مما توقعت لذلك لم ترغب في ازعاجها، أرسلت لها رسالة على “الواتساب” تخبرها بأنها هبطت إلى نضال حتى إذا استيقظت ولم تجدها في المنزل تجد رسالتها وبالتأكيد سوف تتصل بها.
هبطت من المنزل لتجد الجزارة مغلقة وهذا شيء طبيعي نظرًا لأن الساعة تجاوزت الحادية عشر مساءًا قبل منتصف الليل….
توجهت صوب مطعم “مشويات خطاب” لتسأل أحد الشباب عنه والذي كان يعلم هويتها أخبرها بأنه يجلس في مكتبه الصغير جدًا أو غرفته بمعنى أدق فهي لا تكن مكتب بالمعنى الصحيح…
لم تكن ترغب في الدخول إلا حينما وجدت هاتفه مغلق..
ذهبت إلى تلك الغرفة الصغيرة وقامت بطرق الباب طرقات خافتة، ولم تجد رد إلا بعد ثواني فتح نضال لها الباب بوجه غامض لكنه بالتأكيد غاضب ولكن يصعب عليها تحليله.
رفع حاجبيه مندهشًا حينما وجدها أمامه فهو كان يظن بأنه أحد العاملين قد جاء ليقطع عزلته وفي الواقع هي ليست بعزلة حقيقية هو لم يجد مكان قد يستطيع الذهاب فيه…
ولا يرغب في الهروب أو الاختفاء الآن..
هو يحب مواجهة الموقف لا حل آخر قد يعجبه…
أو يُرضيه…
لذلك كان يتواجد في مكانه الطبيعي…
كانت تنظر له بعدم فهم لمدة ثواني ورُبما تجاوز الأمر دقائق وكان هذا أطول تواصل بصري قد حدث بينهما لتجده يتفوه بنبرة غاضبة بعض الشيء تناسب عيناه التي كانت بلون الدم ووجهه المحتقن:
-أنتِ بتعملي إيه في الوقت ده؟! وبتعملي إيه هنا اصلا؟!.
كانت تنتظر أي تعقيب إلا هذا…
لكنها حاولت الدفاع عن موقفها بثبات محاولة الابتعاد عن تأثير عيناه القوي:
-هكون بعمل إيه جاية أطلب اوردر مثلا؟! جاية علشانك؛ ولو كنت بترد على رسايلي أو كنت عبرتني طول اليوم أنا أكيد مكنتش جيت…
كان الرواق التي تقف فيه ضيق نوعًا ما وأتى أحد الشباب الذي خرج من المطبخ المتواجد في نهاية الرواق يرغب في المرور مما جعل نضال يجذبها من معصمها إلى داخل تلك الغرفة قبل أن يغلق الباب:
-عدي يا ابني…
أستدار لها نضال بعدما أغلق الباب هاتفًا باعتراض واضح:
-برضو مهما كان السبب حتى لو كُنت أنا متنزليش من بيتكم في الوقت ده لوحدك الساعة داخلة على اتناشر.
تمتمت سلمى وهي تعقد ساعديها متحدثة بجدية محاولة قول أي شيء قد يخفي أو يغطى لهفتها…………..
كونها تعلم أن تصرفها قد يكون خاطئ من وجهه نظرها أو سلمى التي تعرفها لا تتصرف بتلك الطريقة ولكنها تتذكر كلمات جهاد عن صمت نضال واختفاءه لذلك لم تتحمل وأتت على الفور..
-جهاد قالتلي اللي حصل وأنا حبيت اجي علشان اطمن عليك…
تحدث بنبرة ساخرة، لا يدري منها أم من نفسه أو من الظروف؟! لا يعلم حقًا ما الذي يستحق السخرية أكثر من الباقي، لذلك قطع حديثها:
-إيه اللي حصل يعني؟! ظهر لينا واحدة قعدت تحكي قصة مش داخلة دماغي وابويا وسلامة ساكتين كأنهم مصدقين…
ابتلعت سلمى ريقها بتوتر وهي تحاوره بطريقة مأسوية رُبما ولكنها واقع الكثير والكثير الذين ظلموا بغير حق مع شخصيات مكانهم مستشفى الأمراض العقلية لا أن يقوموا بتكوين أسرة:
-طب ما يمكن يا نضال تكون حاجة حقيقية في للأسف ناس كتير بتعمل كده، عند المشاكل في ناس بتجنن لدرجة أنها بتعمل حاجات غريبة زي ستات تخبي على جوزها أنها حامل ورجالة من عِندها في الست اللي معاها مش بترضى العيال باسمها..
ابتلعت ريقها وهي متذكرة أحدى قصص الفتيات التي تعرفهم:
-ده في رجالة بيكونوا متجوزين قبل السن القانوني وممكن يغدروا وميرضوش يسجلوا، ربنا يكفي الواحد شر الغدر اللي من النوع ده.
قال نضال برفض حقيقي:
-أنا مش مقتنع بأنها تعمل كده أو أن في حد عاقل يعمل كده أصلا، الكلام اللي قالته ده مش داخل دماغي..
هتفت سلمى بنبرة هادئة:
-محدش عارف الحقيقة فين وبعدين مش هي قاعدة في شقة عم زهران لغاية ما تعملوا DNA قلقان ليه بقا؟!..
تحدث نضال بغضب حقيقي وهو يناظرها:
-قلقان ليه؟! دي كارثة يا سلمى أرجوكي متتكلميش زيهم وتسهلي الموضوع، ده كارثة لو جاية تنصب علينا وكارثة أكبر لو بتتكلم بجد دي واحدة متسجلة باسم راجل تاني؛ وهربانة منهم أنتِ متخيلة الوضع اللي كلكم مش فاهمينه؟ وكلكم بتحاولوا تحسنوا وتبسطوا الموضوع ولا كأنها قطة جت عند باب بيتنا.
قالت سلمى بهدوء على عكس العادة هي تحاول امتصاص غضب الشخص ال# يتواجد أمامها؛ في العادة هي تغضب حينما يتحدث أحدهم معها بطريقة لا تعجبها لكنها تحاول التماس الأعذار له:
-نضال أنا أخر حد ممكن يبسط المواضيع ياريتني بعرف أعمل كده، كل الحكاية إني بفكر معاك، قعدتك لوحدك دي مش حل.
رد عليها نضال وهو يضيق عينه:
-عادي بصفي دماغي شوية وبعدين أنا مش قاعد في هولندا ده أنا قاعد في المكان الطبيعي اللي بكون فيه كل يوم في الوقت ده.
تمتمت سلمى بسؤال غريب خرج منها:
-يعني وجودي زي عدمه في الأخر؟!.
تنهد وهو يغلق عينه ثم قال بضيقٍ حقيقي رغم كلماته التي لمست قلبها:
-لا شكرًا أنك جيتي مع أنك غلطتي في مجيتك.
سألته سلمى باستنكار وانزعاج حقيقي:
-إيه الكلام اللي مش راكب على بعضه ده.
قال نضال بجدية وصدقٍ وهو ينظر لها:
-بالعكس راكب على بعضه ومفهوم وعادي هوضحه، أنا بقيت أحسن لما شوفتك برغم إني مازالت هتجنن من اللي حصل النهاردة، لكن غلطتي في أنك جيتي علشان الوقت متأخر ومتكررهاش تاني مهما كان السبب.
تحدثت سلمى بتهور بسيط:
-مكررهاش!! عادي أنا ساعات بنزل الساعة حداشر.
رد عليها نضال باستهجان شديد وهو يناظرها:
-ده بأمارة إيه؟! أنا من ساعة ما عرفتك وأنتِ بتنامي الساعة تسعة ده أول مكالمة اتصلت فيها بيكي في حياتي تقريبًا سمعتيني مواعيد نومك..
ضحكت سلمى رغمًا عنها..
وكانت ضحكتها جميلة ونادرة..
نادرة كأنه لأول مرة في حياته يشاهد فتاة قد تضحك أو تبتسم..
كما أنها نادرة أيضًا لسبب أخر…
سلمى نادرًا ما تبتسم بل هي تفضل أن يبقي وجهها جامدًا في كل الظروف والأوقات كأن الضعف ذنب بالنسبة لها….
إظهار المشاعر ذنب…
التعبير عن حالتها ذنب…..
كلها ذنوب لا تغتفر وهي لا ترغب في أن تكون أمرأة من هذا النوع لكنها تخشى أن تكون قد تتحول تدريجيًا دون وعي منها.
شعرت بتأمله إلى ابتسامتها الشقية والصافية التي نادرًا ما تسمح لها بالخروج لذلك تنحنحت ثم حاولت قول أي شيء:
-على العموم أنا هروح خلاص، كان لازم أجي اطمن عليك واشوفك، صدقني كل حاجة هتعدي والتحليل بإذن الله يطمنكم.
تحدث نضال مستجيبًا لتغييرها الموضوع بملامح غاضبة:
-أي نتيجة هتطلع استحالة هطمني.
غمغمت سلمى وهي تسأله بجدية شديدة:
-لو طلعت اختك هتعمل إيه يا نضال؟!.
رد عليها نضال بجمود:
-مش عارف…
ثم تحدث بنبرة كئيبة وهو يأخذ ميدالية مفاتحيه ومتعلقاته الشخصية من فوق الطاولة:
-يلا أنا مش عايز اتكلم في الموضوع ده أكتر من كده الكلام خلص أو اتأجل لغايت ما نشوف هنعمل إيه بكرا، المهم دلوقتي يلا علشان أوصلك.
قالت سلمى بسذاجة:
-مش لازم تتعب نفسك.
قاطعها نضال وهو يجذبها من معصمها نحو الباب ولا يدري بأن لمسته البسيطة تلك كان لها أثر كبير يُكتب ويتم حفره في قلبها رغم عفويته:
-يلا يا سلمى مش كفاية جيتي لوحدك فكراني هسيبك ترجعي لوحدك كمان ده اللي ناقص فعلا…..
_______________
في اليوم التالي…
كانت إيناس تقوم بتحضير الطعام وفي انتظار أن يأتي دياب حتى يتناول معهم قبل أن يذهب إلى عمله الثاني…..
كانت حور تحاول المذاكرة وحل جميع واجباتها اليوم لم يكن لديها دروس…
أما الطفلين يشاهدان فيلمها المفضل ووالدتها في حجرة النوم تأخذ قيلولة..
صدع صوت هاتف إيناس الموضوع على الطاولة بجانب حور لتجد رقم غريب “غير مسجل على الهاتف” يتصل بها وأجابت حور بفضول..
-الو..
جاءها صوت أنثوي عملي من الدرجة الأولى:
-ألو، معايا مدام إيناس؟!.
ردت عليها حور بنبرة مترددة:
-ايوة أنا.
كان الرد من الطرف الأخر بسيط:
-أنا سماح من مستشفى ******** اللي حضرتك مليتي فيها الابلكيشن ان شاء الله منتظراكِ بكرا بإذن الله الساعة عشرة علشان الانترفيو..
ردت عليها حور بسعادة حقيقية:
-تمام، شكرًا..
-العفو مع السلامة..
انتهت المكالمة فنهضت حور من مقعدها وتركت الهاتف وهي تركض متوجهة صوب المطبخ تصرخ من خلف إيناس المنهمكة في تقليب الطعام:
-إيــنــاس.
انتفضت إيناس وهي تستدير لها متمتمة بفزع:
-في إيه؟! أمك كويسة؟!..
ردت عليها حور بحماس حقيقي:
-كله زي الفل جات ليكي مكالمة من المستشفى.
كانت إيناس قد نست الأمر رغم أنه لم يمر عليه الكثير أو بمعنى أصح لم تكن تدرك بأنهما سوف يتصلون بها، فهي أرسلت سيرتها الذاتية مئات المرات ولم يقبلها أي شخص كونها عديمة الخبرة…
ولم يكن لديها احتمال ولو واحد في المئة بأنهم من الممكن أن يتواصلوا معها..
-مستشفى إيه؟!.
تحدثت حور موضحة:
-مستشفي ******** بتقول أنك مليتي ابلكيشن هناك وهما مستنينك بكرا الساعة عشرة.
هتفت إيناس بدهشة حقيقية فهي ظنت بأن المتقدمين كثر وبالتأكيد مؤهلاتها أو حتى خبرتها العملية سوف تمنع قبولها لأنها حسب ما علمت بأنهم يبحثون عن شخص يسد الفراغ الذي خلف:
-أنتِ بتتكلمي بجد؟!.
قالت حور بنبرة هادئة:
-اه والله ههزر ليه؟! وبعدين مالك مخضوضة ومستغربة ليه يعني أنهم كلموكي مهوا أي مكان في الدنيا في احتمال قبول أو رفض مش كله رفض يعني…
تحدثت إيناس برفض حقيقي:
-يعني المكان بعيد عليا أصلا ومجاش في بالي أنهم ممكن يقبلوا ده بالصدفة وأنا رايحة اسأل على الدكتور الورقة اتحطت قدامي ومجاش في بالي إطلاقًا انهم ممكن يكلموني أصلا.
هتفت حور بذكاء:
-يمكن ده نصيبك يا إيناس أنتِ بقالك كتير بدوري على شغل وجت ليكي على أهون سبب أهو..
جاءت والدتهما من الخلف قائلة بفضول وبسمة مرسومة على ثغرها تطمئن بها بناتها حتى ولو كانت في أضعف حالاتها.
-هو إيه اللي جت ليها على أهون سبب دي؟!.
تمتمت إيناس باستغراب:
-أنتِ صاحية يا ماما؟ ده أنا كنت هصحيكي لما دياب يجي.
هتفت حُسنية بنبرة هادئة:
-لا معرفتش أنام يدوبك فرضت جسمي بس ولما سمعت حور صوتها عالي قولت أجي اشوف في إيه؟!.
ردت عليها حور على الفور:
-متظلمنيش أنا بس الحماس كان واخدني يا ماما، إيناس جالها شغل في المستشفى اللي حضرتك بتروحيها وعايزينها تروح تعمل مقابلة.
قالت حُسنية بفرحة حقيقية:
-أنتِ بتتكلمي بجد؟! يعني كلموكي؟…
كانت بالفعل إيناس في ذلك اليوم أخبرت والدتها بما حدث معها وظلت تدعو لها بأن يتم قبولها…
تمتمت إيناس وهي تعقد ساعديها:
-أيوة كلموني بس أنا مش هروح اشتغل زي ما شرحت لحضرتك أسبابي وقتها..
هتفت حُسنية بحنان:
-روحي وجربي يا بنتي وشوفي الدنيا اهي فرصة وجاتلك تخرجي من اللي أنتِ فيه وتعرفي الدنيا كده بدل قعدة البيت وبعدين أنتِ مش أول ما تروحي هيشغلوكي يعني، وأنتِ بقالك كتير بدوري لما جات ليكي مش عايزة تروحي..
في ذات الوقت كان دياب يصعد على الدرج…..
مر على الطابق الأول..
ثم الثاني..
قبل أن يصعد إلى الطابق الثالث الخاص بشقتهما استوقفه الأمر حينما خرجت ريناد التي كانت متربصة في الشرفة تنتظره وما ان رأته حتى خرجت على الفور….
-السلام عليكم.
قالها دياب حينما رأها..
ردت عليه ريناد بنبرة رقيقة:
-وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
ثم غمغمت:
-استنى يا دياب ممكن تاخد الطبق ده.
أخذ منها دياب الطبق هاتفًا بنبرة هادئة:
-ماشي كل سنة وأنتِ طيبة.
-وأنتَ طيب…
هز رأسه بإيجاب ثم صعد وهو يحمل الطبق لكنها استوقفته في منتصف صعوده:
-شكرًا على الـهـديـة…..
•تابع الفصل التالي "رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم" اضغط على اسم الرواية