رواية عشق لاذع الفصل التاسع والعشرون 29 - بقلم سيلا وليد
الفصل التاسع والعشرون
عشق لاذع الجزء الأول من الفصل
باسم الذكريات الباقية
أكتبك نصاً يؤرقني كل ليلة
باسم الحنين الذي ينهشني
الروح للروح مشتاقة
باسم الوجع الذي يعتريني
أنت الداء والدواء
باسم الامبالاة التي تعتريك
اهديك نصِفي وجزئي فبعضُ منكِ مني
و باسم النص أنتِ جزء من النص وأنا المفقود
فقد ظننت بك خيراً وظني كان وهما .
جئتك لتنقذني من الضياع ،، وجدتك بئراً ليس له قرار .
رأيتك طوق نجاة ،،، فكنت لي الهلا"ك .
حسبتك موطناً لي وأمان ،،، فما كان منك إلا الضياع .
❈-❈-❈
بجناح ياسين
خرج من مرحاضه، توقف يتطلع إليها، التزم الصمت وسار بعض الخطوات، حمحم ، لتناظره ولكنها، مازالت على حالتها التي تركها بها، تقدم خطوة إليها ولكنه تراجع مرة أخرى، ولج لغرفة الملابس بملامح جامدة وغصة تمنع تنفسه من حالتها، أخرج قميصًا باللون الأسود ، امسكه ينظر إليه لعدة لحظات، ثم قبض عليه، عندما شعر بليلته كلونه
آهة طويلة كانت ابلغ ما يشعر به ..ارتدى ثيابه سريعًا واتجه إليها، اقترب من الفراش وتحدث
-عاليا!!
أغلقت جفونها بوهنًا شديد، وصوته كهواجس تفتت قلبها، اليوم فقط تيقنت من عشقه، ضغطت فوق شفتيها كيف لها أن تحب جلادها، كيف نبض قلبها لمعذبها، خمس شهور بجواره تمنت بعدها ألا يجري العمر بها
استمعت لهمسه مرة أخرى باسمها، شهقة خرجت من أجواف مرارة الألم
لم تستدير إليه ولم تعريه إهتمام، اقترب منها وجلس على عقبيه يرسمها بعينيه الصقرية
-عاليا لازم نتكلم ...أردف بها بصوتًا هادئ رغم النيران التي تقبع بصدره
-طلقني!!
آلمه حالتها خاصة بعدما وجد اثار مافعله به، أطبق على جفنيه مكورًا قبضته ، ابتلع غصته وتحدث :
-أنا وعدت كريم هنفضل متجوزين فترة،
لجمت بصاعقة حديثه ورغم ماشعرت به اعتدلت تجذب الغطاء واشارت إلى باب الغرفة:
-اطلع برة مش عايزة اشوف وشك، كلكم مقرفين، كلكم ..صرخت بها مما جعله اعتدل متجها يجذب أشيائه الخاصة وهرول للخارج كالمطارد
ارتفع صوت بكائها بنشيج تضع كفيها على أذنها كلما تذكرت حديثه الموجع لقلبها
خرج ياسين سريعًا متجهًا لسيارته، قابله عز يدقق النظر بحالته
-ياسين مالك فيه حاجة ؟!
استقل سيارته دون حديث وتحرك من أمامه ..ظل يراقب تحرك السيارة إلى أن خرجت من البوابة
تجولت انظاره إلى شرفة عمه التي حاوطها الظلام، علم أنه قد يكون غافيًا، تحرك إلى منزله مرة أخرى ..ولج للداخل وجد زوجته تجلس تداعب طفليهما ..انحنى يطبع قبلة على رأسها
-مساء الحب ياقلبي
رفعت رأسها تنظر إليه بإبتسامة باهتة، ثم أشارت على طفلها
-شوف ابنك شوية، لما اخليهم يحضروا العشا، اتأخرت قوي
امسك كفيها وجذبها حتى أصبحت بأحضانه:
-أكلت مع جنى حبيبتي، لو جعانة اكل معاكي تاني
خرجت من أحضانه وتسائلت بنبرة حزينة:
-عز لسة عمو مُصر على طلاقهم، انا مش متحملة الفكرة نفسها، ازاي جنى وجاسر هيقدروا
جلس عز بقلب مثقوب الهموم والألم بآن واحد ثم أجابها بنبرة متحشرجة بالحزن:
-أنا خايف على جنى قوي يارُبى، جنى بتحب جاسر بجنون، أول مرة مفهمش بابا ليه مُصر على الطلاق
فرد جسده يتوسد ساقيها وأغمض عيناه هاتفًا:
-بيقولي عايز يعالجها، تخيلي بابا مفكر جنى مريضة بحب جاسر
مسدت على خصلاته بحنو وبدت على ملامحها الحزن
-حبيبتي جنى اتعذبت كتير، وجاسر مش هيسكت ياعز، انا خايفة من مواجهة بابا وعمو بسبب جاسر وجنى مبقتش فاهمة حاجة
مسح على وجهه بغضب ثم اعتدل جالسًا:
-نفسي اعرف ليه جاسر مخبي إن الواد مش ابنه، وكمان ساكت على فيروز ليه يارُبى هتجنن ، من وقت ماعرفت نفسي ادخل جوا دماغه دي، وليه عمو سايبه يعمل اللي عايزه، وازاي قدر يبعد جنى عنه، اكيد فيه حاجة كبيرة
-ازاي الولد مش ابنه ياعز، للأسف الولد ابنه
بتر حديثهم صوت بكاء طفلهما، اعتدلت ربى متجهة إليه تحمله بأحضانها تربت على ظهره تقوم بتهدئته مع هزها الحنون له حتى غفى مرة أخرى
جالت بنظرها إلى زوجها الذي اتجه إلى الشرفة
وضعت طفلها بمهده، ثم صاحت على مربيته
-خُديه، طلعيه اوضته وخلي بالك منه، ثم اتجهت إلى زوجها الذي وقف شارد يتطلع للخارج بنظرات تائهة مكسورة
وضعت كفيها على كتفه
-عز !!..استدار إليها
-ايه رأيك ننقل عند بابا كام يوم ياروبي، انا مش هرتاح هنا واختي هناك تعبانة وحزينة، خايف عليها، خايف تعمل في نفسها حاجة
اقتربت حتى توقفت أمامه واحتوت كفيه تربت فوقهما
-حاضر ياحبيبي، بكرة نجهز حاجتنا وننقل فترة هناك، بس مش هقدر ابعد عن هنا كتير، وكمان متأكدة أن عمو صهيب مش هيتحمل يشوف حزن بنته، بكرة نعرف ايه اللي خلى جاسر عمل كدا ..رغم عارفة ومتأكدة أنه روحه في جنى يبقى أكيد فيه حاجة اكبر من حبه ليها، ممكن يكون حد بيهدده ..هزت رأسها رافضة حديثها
-حتى لو حد بيهدده برضو مش منطقي أنه يبعد عنها، مش عارفة أفكر ياعز بجد
تنهيدة عميقة بوخز يرافق أنفاسه وهو ينظر للخارج يتذكر تلك الأماكن التي كانت تعج بضحكاتهم وسعادتهم منذ أيام ..استمع ل رنين هاتفه، رفعه مجيبًا على والده :
-"عز "..تعالى لي ، جاسر طلق جنى
هزة عنيفة أصابت جسده حتى أحس بقبضة تعتصر صدره قائلاً:
-ايه!!..وجنى عاملة ايه ؟!
اجابه على الجانب الآخر صهيب:
-تعالى لأختك ياعز..قالها وأغلق الهاتف
رفع عيناه لزوجته واغروقت بالدموع
-أنا رايح لأختي ياربى، جاسر طلقها
شهقة خفيضة خرجت من فمها تهز رأسها مرددة بدموع عيناها
-جاسر!!.. ياحبيبي يااخويا
تحرك عز متجهًا إلى سيارته بخطوات متعثره، داخله نيران تحرق العالم بأكمله، كور قبضته يضغط بأسنانه
-وآهه ..صرخ بها يخرج عصارة آلامه وحزنه الذي تسرب بداخله
تحرك بالسيارة ونظرات ربى عليه، توجهت ربى سريعًا إلى والدها
-بابا..صرخت بها ، كان غافيًا بالأعلى بعدما تناول إحدى ادويته ..خرجت غزل من غرفة مكتبها بلهفة الى ابنتها
-"ربى "مالك حبيبتي..واقفة كدا ليه !!
ارتفع نشيجها وهوت على الأريكة
-جاسر طلق جنى ياماما
سقطت الأشياء التي تحملها من يديها، وزاغت عيناها بالمكان
-يعني ايه؟!..صهيب كسر ابني!!
استيقظ جواد على صوت ربى وحديث غزل
وضع كفيه على وجهه يغمض عيناه مرددا:
-ليه ياصهيب كدا، ليه مُصر انك تكسر الولد ..اعتدل جالسًا على فراشه، يمسح على وجهه وحزن العالم قبع بداخل صدره، جذب هاتفه وهاتف ابنه
عند جاسر
بعد نطقه لتلك الكلمة التي شقت صدورهما، رغم بساطتها إلا أنها كفجوة بركانية اتلهمت قلوبهما حتى أصبح رمادًا
استقل سيارته بسرعة جنونية ، من يرى سرعتها يزعم بطيران اطرها ظنا من قائدها الانتحار لا محالة ...ظل يقود دون هدى، حتى وصل لأحدى الاماكن المرتفع بجانب القلعة
ترجل من سيارته بأنفاسه المحترقة، نيران فقط كل ما يشعر به، ناهيك عن شعوره بإختتاقه بطوقٍ من نيران
هوى على الأرضية الترابية بركبيته وصرخة عالية بآهة كادت أن تبتر احباله الصوتية...صرخات مرتفعة تشق لها الصدور، حتى انسابت عبراته بقوة ، يبكي بشهقات كالطفل الذي فقد والديه
استند على سيارته برأسه يحتضن ركبتيه، ودوترك لدموعه الانسياب، وكل ما يراه حالتها التي فتت قلبه لشظايا،اطبق على جفنيه بقوة حتى شعر بتمزقها
وضع كفيه على صدره متألمًا من تلك الوخزات التي تساحب أنفاسه وكأنها خناجر مدببة..دقات عنيفة تقتلع صدره وهو يهمس باسمها
-جنى!!..سامحيني
أغمض عيناه متذكر حديث والده بعد
فلاش باك
بمنزل صهيب
-جاسر لو طلعت من الباب دا إنسى انك إبني...استدار مذهولًا من ردة فعل والده قائلا
-بابا بلاش إنت كمان لو سمحت، مراتي مش هتنازل عنها..احتضنت جنى ذراعه بقوة تختبأ خلفه بعدما تحرك صهيب إليها ينزعها من جاسر
توقف أمام عمه يشير بيديه:
-عمو اللي بتعمله مش صح، انا مكنتش في وعي، لو سمحت بلاش تهدم حياتنا
ربت صهيب على كتفه:
-حياتك مش مع بنتي ياابني، جاسر ابعد عن بنتي حبيبي ، انا النهاردة عايشلها، بكرة ياعالم، بلاش اتركها في الدنيا ذليلة ياحبيبي
تراجع يحتجزها خلفه
-ليه ياعمو، ليه تقول كدا، انا بذل جنى!!
-جاسر!! اكيد انت عارف أنا بحبك صح وعلشان خاطر عمك اللي بيحبك اثبتلي حبك لبنتي لو إنت بتحبها، بنتي مش بتحبك زي ماانت متصور، بنتي مريضة بيك
استمع لصوت بكائها وهي تحتضن خخصره ، فذهب عقله وصاح بغضب وصوت مرتفع بوجه عمه
-أنا راضي بكدا، محدش له دعوة
اقترب منه صهيب يحدجه
-راضي بإيه يابن جواد، راضي بنتي تفضل مذلولة بحبها ليك، راضي تفضل حزينة العمر كله وهي شايفة حبيبها مع واحدة تانية، اعقل ياجاسر وابعد عن البنت، وزي ماكنت راجل معايا واتجوزتها لما طلبت منك ، خليك راجل وطلقها
-مستحيل!!
انا مستحيل اذلها دي حبيبتي وروحي ومراتي ..ضمها لأحضانه يلثم فوق رأسها
-عمري مافكرت اوجعها، بس حظنا كدا، والله ماخنتها ياعمو، ولا أقدر اعملها دي بنت عمري قبل ماتكون بنت عمي، بلاش تكسريني بمراتي ياعمو لو سمحت
❈-❈-❈
-جاسر إنت اتجوزت بنتي باتفاق ودلوقتي أنا اللي بطلب منك تطلقها، انت دلوقتي ليك ابن ياحبيبي، وبنتي مش يتيمة علشان تفضل مكسورة طول حياتها
-صهيب..صاح بها جواد مشيرًا إليه
-بلاش غلط يابن ابويا، مش ابن جواد اللي يذل ست، لو دي تربيته كان أولى أنه يذل فيروز مش مراته
التفت صهيب إليه وتحدث دون جدال:
-جواد عايز بنتي، وحقي، انا مش مرتاح ياجواد، طول ما فيروز في حياة ابنك انا مش مرتاح، وبنتي مش هترتاح، انا كنت حاسس فيه حاجة من زمان بس كدبت نفسي، ودلوقتي لو سمحت لو ليا خاطر عندك خليه يطلقها
اقترب جواد من صهيب وتوقف أمامه
-النهاردة يابن حسين الألفي هأكدلك أن خاطرك فوق خاطر ابني، بس اعرف انك السبب في اللي هيحصل بعد كدا
جاسر!! هتف بها جواد
-مستحيل يابابا مراتي مش هطلقها..اقترب جواد من وقوفهما
واتجه إلى جنى المتشبثة به
-جنى عارفة عمك بيحبك صح، وبيحبك كتير كمان، زي مابحب جاسر بالظبط
هزت رأسها رافضة حديثه، تحتضن ذراع جاسر بقوة مردفة من بين شهقاتها
-مش عايزة أطلق ياعمو، عايزة أعيش مع جوزي ..اتجهت بنظرها لوالدها
-بابا لو سمحت..جاسر مظلوم، وأنا عارفة بموضوع الولد من زمان
صاعقة قوية نزلت فوق رأسه فاقترب منها بغضب، يجذبها بعنف:
-كفاية إهانة وذل يابنت صهيب، ايه فين كرامتك، بقيتي معدومة الكرامة ، راضية بكدا ليه، دي تربيتي ليكي، رفع نظره لجواد
-ترضى لبنتك كدا ، رد عليا تردلها الإهانة وتكون معدومة الكرامة كدا
اخر كلام عندي ياجواد، ابنك يطلق بنتي وانا هعرف اعالجها كويس
الصفحة التالية
الفصل التاسع والعشرون
2
جذب جواد جاسر بقوة
-حاضر ياصهيب، هنعملك اللي يرجع كرامة بنتك..خلي عمك يعالج بنته من مرض حبك ياجاسر زي مابيقول
..توقف جاسر يوزع نظراته بينهما حتى استقرت على زوجته التي بأحضان والدها ثم استدار وتحرك مهرولا للخارج وخلفه جواد
تركت والدها وتحركت خلفه تبكي بصوت مرتفع، حتى قابلها عز الذي ولج بسيارته بخروج جواد وجاسر
وصل إلى حي الألفي ..استدار برأسه إليه:
-انزل حبيبي لازم نتكلم ..هز رأسه بالرفض
-بابا أنا تعبان وعايز ارتاح
ربت على كتفه وهتف
-اعمل زي ما قولتلك ياجاسر هتريح الكل ياحبيبي، شهر واحد، عمك يراجع نفسه، وانت كمان تكون خلصت قضيتك ورجعت، واتخلصت من فيروز، امسك العصاية من النص ياجاسر وراضي جميع الأطراف
أشار على صدره وهتف بنبرة حزينة
-ودا يابابا، وجعه اعالجه ازاي، ازاي هقدر انام ومراتي بعيد عني، ازاي هرتاح وانا عارف انها تعبانة
-اقعد معاها وفهمها، فهمها انت ناوي على ايه
تراجع بجسده ينظر لوالده:
-بابا لو سمحت عايز افضل لوحدي ممكن!!
-جاسر!!
-بابا !!..لو سمحت
ترجل جواد من سيارة ابنه
-شوف هتعمل إيه وأنا معاك، بس اي خطوة هتعملها لازم تقول لجنى عليها ياجاسر، بلاش تعمل حاجة وتسبها كدا
أومأ برأسه واستدار بسيارته
متجها لمكتب راكان ...وصل بعد قليل
-فاضي!!
أشار بيديه بعدما أغلق جهازه المحمول
-ايه اللي رماك عليا
أخرج من جيبه فلاشة وتحدث:
-عايز اعرف مين دول من غير ما أظهر في الصورة
وضع راكان الفلاشة بجهازه وقام بتشغيلها للحظات، ثم نزع نظارته الطبية وتحدث بصوته الرخيم :
-دول مجمعين الكل ..تمام هشوفلك مين دول، وتقريري هيكون عندك
اقترب متكأ على مكتب راكان
-فيه معلومة مش متأكد منها بس حستها طعم علشان يعرفوا انا براقبهم من خلال فيروز ولا لا
استمع راكان بتركيز ثم تسائل:
-ليه عايزين الولد دا، السؤال دا اللي مفروض تشغل بالك بيه
تنهيدة عميقة أخرجها بأنفاسًا ثقيلة ثم أجابه:
-علشان اكتب على فيروز، وبعد كدا اضطر اوافق على شروطهم بعد طبعا ماتورطني دا اللي قدرت أوصله
-دا ايه الغباء دا؟!
-مش مقتنع ازاي تورطك وهي عارفة قوة جواد الألفي، لا الموضوع اكبر من كدا
-ممكن عن طريقها يهربوا مخدرات
ضيق راكان عينيه متسائلاً :
-تقصد ايه مش فاهم ؟!
-معندكش قهوة ولا إيه ؟!
ضحك بصوت مرتفع قائلاً:
-لا كريم يابن الألفي..قالها واستدعى الساعي لطلب قهوته
فتح الجهاز مرة أخرى واستمع بإهتمام ثم رفع رأسه يضرب كفوفه ببعض
قائلاً:
-ياولاد الكل...ب ، هي وصلت لكدا
اشعل سيجاره يهز رأسه ، ثم نفث تبغه ينظر لراكان
-فهمت اللعبة !!
نهض راكان متجهًا إليه ثم جلس لمقابلته:
-يعني الولد يكون خيط الارتباط اللي يربطوك بيه، وبعد كدا يزقوا فيروز بادمانك علشان يحركوك زي ماهم عايزين
نفث تبغه يهز رأسه ثم هتف
-اعتبره حصل
طالعه راكان بذهول
-أكيد مجنون، لا طبعا، تبقى غبي وعبيط..دول عندهم الغلطة بموتة، وعايزين مركزك ياغبي
وصل الساعي بقوتهما، ووضعها أمامهما
ارتشف بعضها ثم أشار بيديه
-اقولك سر ولازم على أساسه تركز
اومأ راكان متفهًا
-وصلوا لمراتي، ومش بس كدا، صوروها، وحطلوها حاجة في القهوة، تفتكر بعد ما عملوا كدا هسكت
برقت أعين راكان، وشعر بصدمة مما جعله غير قادر على التفوه وهو يستمع معاناته
-ودا حصل إزاي؟!
انت مش مأمن بيتك كويس ياجاسر!!
ابتلع ريقه الجاف بصعوبة
-جنى فتحت جاليري بقالها فترة، انا مخونتش اللي معاها وللأسف اللعب كله في الجاليري دا
مسح على وجهه بعنف حتى لايضعف أمام راكان فهز رأسه
-القضية دي عمري كله ياراكان، ومكنش ابن جواد لو مركعتهمش واحد واحد
هز رأسه رافضا حديثه
-جاسر دي مخاطرة وانت لما قولت الفكرة الاول قولتلك بلاش دا كان مجرد انك تدخل وسطيهم، اما اللي بتقوله دا صعب لا مش صعب دا موت، ممكن تشوف حد تثق فيه
ارتشف باقي قهوته ، وطالعه بحزنًا لون ملامحه وامتزج بنبرته الرخيمة
-بابا ميعرفش علشان افضل اثق فيك دي حاجة ، الحاجة التانية ياحضرة المستشار مراتي امانة عندك ،انا عارف بابا مراقب خطواتي محتاج منك تشوشر عليه شوية لحد ما ادخل عشهم
❈-❈-❈
طالعه بنظرات خرساء لبعض الوقت ثم نهض من مكانه متجهًا لمقعده
-مش موافق، وأول مايحسوا انك بتضحك عليهم أول واحد هيضروه ابوك ، ثانيا مراتك هتكون ضحيتهم بلا منازع ، وانت لسة قايل وصلولها
-أنا وجنى هنطلق !!
-نعم يااخويا، دا انت أهبل وعبيط يالا، ملعون الشغل اللي يعمل فينا كدا
قوم روح يالا مش عايز غباوة
اقترب ينظر لمقلتيه
-بلاش إنت اللي تقول كدا، ايه ناسي نورسين ولعبك عليها، دا حتى لسة موضوع الفرح مالي الجرايد
هز رأسه موافقه الرأي ثم تحدث بإستبانة:
-بص ياجاسر، الموضوعين مختلفين، انا كانوا خانقين جدي وابويا بورق مهم ، وانا راجل قانون مكنش ينفع اقابلهم بالبلطجة..يعني ابويا كان اكتر واحد هيتأذي، متنساش أنهم مدخلينه في كل أعمالهم القذرة بألعابهم القذرة
ولولا رحمة ربنا مكنتش عرفت، انت ليه عايز تعمل كدا علشان تقوي نفسك وتبينلهم انك ابن جواد بجد، بس دا هيدمر حياتك، فكر كويس قبل اي حاجة
توقف جاسر يضع سلاحه بخصره وحمل هاتفه قائلاً
-غلطان ياحضرة المستشار، بعمل كدا علشان وطني اولا مش علشان اثبت اني ابن جواد، علشان ولادك وولادي فيما بعد، علشان اللي يغلط يعرف أن البلد فيها قوانين تعاقب
انحنى يستند بذراعه على المكتب وغرز عيناه بمقلتيه وأردف:
-علشان عدل ربنا، كل ظالم وله نهاية، وكلكم راع ومسؤل عن رعيته ياحضرة المستشار، مش علشان خايف على مراتي بس أو اعيش سعيد ، اسيب شوية مهربين وتجار أسلحة يدمروا شباب لمستقبل أمة، انزل الشارع وشوف الولد لسة مكملش خماستشر سنة وبيحشش ياراكان، غير قضايا الاغتصاب في الاطفال، غير الأسلحة اللي بقت في العشوائيات ..ايه ياراكان ماتخلي حد غيرك يقولي الكلام دا،
لو تفتكر قبل موضوع جنى أنا كنت مقرر..بس الصراحة منكرش عمو صهيب صعب عليا، حاولوا مرة يغتصبوها بسببي والمرة التانية عايزين يموتوها بسببي برضو، أي أن كان انا ولا بابا، بس السبب واضح،
راكان دول وصلوا لاخت جواد، عارف معنى دا ايه، معناه أنهم سابقينا بخطوة، انا مش هستنى لما اقوم الصبح اشوف اختي أو مراتي أو بنت عمي على مصيبة..وانا مش هستسلم عايزين يموتوني يموتوني، بس برضو مش هعمل اللي عايزينه
استدار متحركًا ثم توقف مستديرًا
-صدمتني النهاردة للأسف، لاني اكتشفت أن قضيتك خاصة بعيلتك مش بوطنك ...قالها وتحرك سريعًا من أمامه بخطوات مهرولة كالذي يهرب من مستقبل حسم له
بعد عدة أيام
استيقظ على صوت هاتفه
-أيوة ياعمو!!
-جاسر ناوي على ايه ياحبيبي، احنا اتفقنا ياجاسر مش كدا ، مش مستعد أضحي ببنتي لو سمحت
-خلاص ياعمو، هعملك اللي حضرتك عايزه، اتمنى تقدر تحافظ عليها ياعمو، ومتندمش
تنهد صهيب بألمًا
-سامحني يابن اخويا، معنديش غير بنت واحدة، عارف ظلمتك بس غصب عني وانا مش متحمل اشيل جواد هم فوق همه، خليهم مفكرين زي ما اتفقنا
-حاضر ياعمو، لكن مراتي لو حصلها حاجة وهي عندك مش هسامحك
-جاسر مش هتبقى مراتك، انا خيرتك وانت اخترت، وانا كمان من حقي اختار بنتي واخاف عليها
وانت شوفت يابن جواد اتعمل فيها في وسط بيتك وكمان وسط حراستك، مش هتحمل بنتي يعملوا فيها حاجة
انا ضاع مني جنى قبل كدا ياجاسر، سامحني يابني دي نور عيوني، وعلشان تقدر تحافظ على بنت عمك، عارف بضغط عليكم انتوا الاتنين بس صعب بعد اللي شوفته اسكت ياجاسر
آلامه قلبه على صوت عمه الحزين، فهتف قائلاً :
-اتأكد ياعمي لو مش خايف عليها مستحيل اسبها، وحياة وجع قلبي دا لأدفعهم التمن غالي، وحياة جنى عندي ماهرحمهم
-حبيبي بلاش.. ابعد عن الناس دي مؤذية، بلاش تخليني اقول لجواد ياجاسر، انا لسة عند وعدي، لو سمحت خاف على نفسك، ابوك مش حمل وجعك يابني
الصفحة التالية
الفصل التاسع والعشرون
3
احس بألم حاد بكامل جسده والألم يخترق روحه كلما تذكر ما فعلوه بزوجته دون وعيها، فتابع بنبرة يرجوها التوسل
-حضرتك وعدتني ياعمو، وعدتني بابا مش هيعرف حاجة
-مش موافق ياجاسر..صرخ بها صهيب
ثم تحدث بصوت مرتعش
-اسمعني حبيبي، كل اللي عليك هتننازل عن القضية دي وتبعد، وهم حرين مع الباقي، مش مجبر يابني، زمان كانوا هيقتلوا ابوك، حبيبي اسمع مني واعملهم اللي عايزينه،
صمت للحظات متسائلا :
-هم عايزين ايه
-عمو لازم اقفل دلوقتي وهعدي عليك بالليل ، وامانتك جنى ياعمو، اعرف اني اتخليت عن روحي علشان روحي تبقى سعيدة، وعلشان متجيتش تقولي ضيعت بنتي، بنتك هتبقى في رعاية ربنا اولا ثم في رعايتك
-في آمان الله ياحبيبي
خرج من شروده على رنين هاتفه ..بأيدي مرتعشة مرر أنامله على اسمها الذي أنار فوق شاشته بصورتها
نعم محبوبة قلبه، رفع الهاتف وبصوت جعله متزنًا
-جنى!!
شهقات فقط تصيب اذانه، شهقات وصلت لآذانه كصوت رعد اصابه بالصمم ..حاول الحديث ولكنه كالذي أصيب بشلل ولم يعد يتحكم بحروفه
لحظات من الصمت المريب بشهقاتها التي اخترقت صدره كالسهام القاتلة فهمس بتقطع
-حبيبتي بلاش توجعي قلبي، جنى خلي بالك من نفسك
همست بتقطع :
-خيرتني ياجاسر، خيرتيني بين بعدك وحياتك، نسيت اقولك يابن عمي الاتنين واحد عندي
ساحت دموعه على وجنتيه يستمع لحديثها الذي مزق روحه..استرسلت بصوت متقطع :
-شايف جنى هتعرف تعيش بعيدة، ليه عملت كدا، ليه موتني بايدك ياجاسر
-جنى!!..همس بها
نهضت من فوق فراشها صارخة كالمجنونة
-اخررررص مش عايزة اسمعك، وعدتني مش هتسبني ومع أول مشكلة رمتني، وعدتني بالسعادة ومشفتش منك غير الوجع ..انا بكره نفسي قوي علشان وثقت فيك، بكره نفسي علشان بحبك، بكره قلبي اللي مش عارف يوقف عن النبض باسمك، ليه بحبك الحب دا كله
ليه ياجاسر ، ربنا يسامحك يابن عمي
ربنا يسامحك
-جنى اسمعيني ..عمو عنده حق، مش هتحمل وجعك ياقلبي، انا افتكرت الليلة اياها، وكنت متأكد الولد ابني، مش عايز اوجعك، عيشي حياتك ياجنى وانسيني
-بكرهك ياجاسر، بكرهك علشان انت كذاب، سمعتني، بكرهك علشان بتضحك عليا.. هوت بركبتيها على الأرض
جز على قبضته يكتم شهقاته وصوتها الممزق لقلبه، حاول ألا ينهار أمامها فهتف بصوت جعله متزنًا
-عملت الصح، مش هينفع نكمل مع بعض
❈-❈-❈
قاطعته هادرة تزيل عبراتها بعنف:
-جاسر تعالى خدني، كفاية بقى، انا قولت يومين وهترجع تاخدني، مش ترجع تموتني، حبيبي بيتنا وحشني، مش قادرة اعيش بعيدة، انا هسامحك بس متوجعنيش كدا..انا بعشقك ياجاسر
انفاس حارقة فقط تخرج من جوفه، وترجيها وعشقها له الذي بعث قشعريرة بجسده، ود لو أمامه الان لحطم عظمها بأحضانه
سحب نفسًا قويًا لتثبيط بكائه الذي تجلى بصوته
-مقدرش ازعل عمي ياجنى، مقدرش اوجعه، ومقدرش افرق بين ابويا وبين عمي، مش عايز بعد السنين دي كلها وابويا بيبني العيلة اهدمها علشان نفسي، زمان اتخليت عنك علشان عيلتي ودلوقتي بتخلى عن قلبي وسعادتي علشان عيلتي، وأنتِ كمان لازم تعملي زيي، احنا مش لوحدنا ياجنى، لازم نضحي
استمعت لطرقات على باب غرفتها
-جنى افتحي الباب ياماما، ياله ياجنى
صرخت بقهر شق قلبه وانزفه
-بكرهكوا كلكوا، مش عايزة اشوف حد ..سمعتني ياجاسر ، بكرهكوا كلكو وانت اول واحد ..قالتها هاوية على الأرض وتساقط هاتفها تبكي بنشيج
دفع عز الباب حتى كسره، وولج إليها بقلبًا مذعورًا خوفًا من أن تضر نفسها
وجدها جالسة على الأرضية تحتضن ركبتيها وتبكي بنشيج ..احتضنها بقوة
-جنى حبيبتي، خلاص ياقلبي ..تشبثت بعنقه تبكي بمرار الألم
-خدني من هنا ياعز، مش عايزة اشوف حد، ابعدني ياعز ..اقتربت والدتها تجذبها ببكاء ام منفطر قلبها على فلذة كبدها
-حبيبتي اهدي ياقلبي، أن شاءالله كله هيكون حلو..ضربت على صدرها تصيح ببكاء
قلبي مولع نار ياماما، عملت ايه في الدنيا دي علشان اتغدر من الكل
ليه كلهم دبحوني ياماما، بنتك عايزة تموت وترتاح ..صرخت بقوة تبكي بصوت مرتفع قائلة
-ياااااارب..ضمتها نهى تمسد على ظهرها
-حبيبتي يابنتي ..اهدي حبيبتي بكرة كله هيعدي..نهضت. بدأت تحطم في كل مايقابها
-بكرهكوا كلكم ..سمعتني يابابا، بكرهكوا كلكم، حتى جاسر بكرهوا، مبقتش عايزة أعيش في الدنيا الظالمة دي ..خلاص تعبت مبقاش فيا حال، وعلى لحظة ذهب عقلها جذبت مقصها تقطع شريانها، صرخ عز يشير بيديه
-حبيبتي اهدي، خلاص هعمل اللي أنتِ عايزاه جنى ياقلبي بلاش تعملي كدا، هتموتي كافرة، فين ايمانك..
تراجعت للخلف ودموعها تنساب كزخات المطر
-مبقتش عايزة الدنيا دي مبقتش عايزاها ياعز
ظل يهدئها بيديه ملوحًا:
-عايزة تسبيي عز ياجنى، هونت عليكي، مش بتحبي اخوكي
قالها وهو يتجه إليها بخطوات بطيئة
-جنى ياقلبي، هعملك كل اللي إنتِ عايزاه، سيبي المقص
هب جاسر فزعا بعدما استمع الى أحاديثهم وقاد السيارة بسرعة جنونية
كان يقف على باب الغرفة يطالع أفعالها بصمت ومحاولات عز مازالت مستميتة حتى وصل إليها وجذبها من كفيها
احتضنها يطالع والده بنظراته الحزينة..مسد على خصلاتها
-اشش..اهدي حبيبتي، تحرك بها إلى الفراش ..وساعدها بالتسطح قائلًا:
-ماما ..سبيها ترتاح، تحركت نهى إليها
-سبني مع اختك ياعز!!
-ماما!!..طالعته بغضب
-قولت سبني مع اختك، ايه مبتسمعش، اقفل الباب وراك ..قالتها وتحركت حتى تمددت بجوارها على الفراش تمسد على خصلاتها
رفعت رأسها تضعها بأحضانها
-جنى حبيبة ماما، ايه رأيك تتكلمي مع ماما
هزت رأسها رافضة وهمست بنبرة متحشرجة باكية:
-ماما عايزة أنام، لو سمحتي، انحنت نهى تلثم جبينها
-نامي ياروح ماما ..انا معاكي، عايزة أقولك كل حاجة في الدنيا دي نصيب يابنتي، مش عايزاكي تكوني ضعيفة
شهقة خرجت من جوفها تضع كفيها على فمها
-موجوعة قوي ياماما، حاسة بنار بتحرقني ومش عارفة اطفيها، الوجع دا هيفضل كدا
استندت نهى على ذراعيها ومازالت تداعب خصلاتها بحنو اموي قائلة:
-حبيبتي حاسة بيكي، بس مش دي اخر الدنيا، عارفة انك بتحبي جاسر، بس النصيب وقف لحد كدا، ربنا مش رايد انكم تبقوا مع بعض
أطبقت على جفنيها وصوره أمام ناظريها
-ماما !! عايزة اموت انا تعبت مبقتش متحملة ..قالتها وهي تغلق عيناها بوهنٍ
وضعت كفيها تقرأ بعض الأيات القرآنية حتى غفت وآثار دموعها على وجنتيها..أزالت نهى عبراتها تبكي بصمت على حال ابنتها الوحيدة
استمعت إلى صرير سيارة بالأسفل علمت بوصول جاسر، نهضت تجذب غطائها عليها
-ربنا يصبرك يابنتي ويحنن قلب ابوكي عليكي ..قالتها وتحركت للأسفل بعدما تيقنت من نومها ..
ولج جاسر للداخل يبحث عنها كالمجنون
-جنى فين ياعمو، عملت في نفسها ايه
توقف عز بعدما وجد حالة والده الرثة
قاطعته نهى
- نامت ياحضرة الظابط..وياريت تمشي من هنا قبل ماتحس بوجودك
ذهب ببصره لصهيب الشاحب، ثم اتجه لنهى
-عايز اشوفها ياطنط نهى لو سمحتي
طالعته للحظات بصمت موجع ثم أشارت له بالصعود
-نهى !! هتف بها صهيب الذي رجع بجسده للخلف مغلقًا عيناه بآلم يتسرب بصدره قائلًا:
-بنتك مطلقة، يعني بقت محرمة على ابن عمها
استدارت متحركة متجهة إلى غرفة ابنتها بعدما وجدته يأكل درجات السلم بخطواته غير مكترث لحديثهما، دفع الباب وولج للداخل..تسمر بمكانه وكأن الأرض تسحب من تحت أقدامه وهو يرى وجهها الشاحب وعبراتها التي تنسدل على وجنتيها بمنامها ..خطى للداخل، همست نهى تجذبه من ذراعه
-جاسر مينفعش..أخرجها، وأغلق الباب خلفه واتجه لملاكه الغافي ..علم من حالة نومها أنها فاقدة للوعي
جثى على ركبتيه أمامها مقتربًا من وجهها
-جنجونة قلبي.. سامحيني ياجنة حياتي..مرر كفيه المرتعش على وجهها يزيل عبراتها ووضع رأسه بجوار رأسه يتنفس أنفاسها مطبق على جفنيه يهمس لها
-قلبي بيحترق ياجنى، عايز ادمر الكون كله، أنا ضعيف قوي قوي، ياريت افوق من ابشع كوابيسي، قوليلي اعمل ايه وانا مخنوق بسياج من نار، دنى حتى وضع جبينه فوق جبينها وآهه حارقة بنيران عذابه
-بموت بصمت يابنت عمي، حبيبك بيموت بصمت، سامحيني واعرفي مستعد احرق الكون كله علشان اشوف ابتسامة من عيونك، مش عايز أعيش العمر كله مقهور عليكي وعلى عمو، افديكي بروحي ياأغلي من روحي
اقترب حتى لامس ثغرها بخاصته
-مبقاش ليا حق فيكي، لا لا يعني مبقتيش ملكي، آآآه ..قالها بشهقة خرجت رغمًا عنه، هب من مكانه يطالع نهى التي توقفت تبكي على ماصار إليهما..أشار عليها يزيل عبراته بقهر
-فوقيها مغمى عليها، عيونك ماتنزلش من عليها ياطنط لو سمحتي
الصفحة التالية
الفصل التاسع والعشرون
4
❈-❈-❈
سحب كفيها باسطًا إليها عطرها
-فوقيها ، سحب عز ذراعه
-جاسر لو سمحت..نزع نفسه منه
-ياله ياطنط نهى طمنيني عليها، قربت نهى قنينة العطر من أنفها وحاولت إيفاقتها ولم تتحكم في عبراتها، استمعت لهمسها باسمه
-جا...سر..آه
استدار متجها للخارج يتخبط بخطواته، بمقلتين كالشلال وقلب يتهشم من الوجع يحاصره وخزات تشحذ روحه كبلور تهشم بقوة إعصار، حالة انهيار تامة تملكت منه، توقف يلتقط أنفاسه لعل يسحب بها خليطًا من الهواء الممزوج برائحتها العبقة أزال عبراته بظهر كفيه، توقف صهيب أمامه وانسابت عبراته رغمًا عنه
ألقى نفسه بأحضانه وارتفع صوت بكائه
-مش قادر ياعمو، انا بندبح ياعمو ليه بيحصل معايا كدا، ياريتني مُت ولا اتوجعنا م كدا
ربت صهيب على ظهره، ثم أخرجه من احضانه، يحتضن وجهه
-حبيبي أنا آسف، بس غصب عني ، والله يابني غصب عني، مش حمل تعب تاني
أزال عبراته وهز رأسه
-تمام ياعمو، بكرة ورقة طلاقها هتكون عندك ..قالها وخرج متجهًا لسيارته
استمع الى رنين هاتفه
-أيوة ياياسين !!
-جاسر إنت فين، انا في بيتك
قاد سيارته قائلاً :
-في الطريق، قالها وتحرك متجهًا إليه
وصل بعد قليل، وجده جالسًا أمام المسبح ، تحرك حتى هوى على المقعد
-عامل ايه؟!..مش المفروض تسافر بكرة العريش
تراجع بجسده ورفع رأسه ينظر للسماء
-عاليا !!
اشعل سيجاره وبدأ ينفثها قائلًا:
-مالها !!
اعتدل بجسده قائلاً:
-طلع ابن عمها بيضحك علينا، البنت مظلومة، يعني معملش فيها حاجة ومقربش منها ياجاسر
-طب ما دا معروف يابني،انت لسة واخد بالك من الموضوع دا ..توقف يطالعه لبعض الوقت ثم تحدث:
-استنى هي عاليا حكتلك ولا عرفت ازاي !!..ابتعد ببصره عنه، ثم اتجه يجذب منه سيجارته ينفثها بغضب حتى أصبح صدره محترق كرمادها
ظلت نظرات جاسر تحاوطه حتى توقف واتجه للمسبح
-عايز اعوم شوية، بما إن مراتك مش هنا ماتيجي نغطس شوية
مازالت عيناه متسلطتان بقوة تحاوطه، ثم رفع ذقنه
-مردتش عليا،عرفت منين؟!
ألقى هاتفه وقام بنزع قميصه وقفز بالمسبح دون حديث
ابتسامة ساخرة تجلت بملامح جاسر فنهض متجهًا للداخل ، استمع لرنين هاتفه رفعه مجيبًا
-أيوة يابابا!!
-حبيبي تعالى عايزك
-آسف تعبان وهنام، ياسين هنا على فكرة
مسح جواد على رأسه بإرتجافة يديه فهمس بصوت مجهد
-تعالى مامتك مقومة الدنيا حريقة هنا من وقت ماعرفت انك طلقت جنى
ذهب ببصره لياسين الذي يسبح كمحارب للمياه، فأجاب والده
-حاضر، نص ساعة واكون عند حضرتك
❈-❈-❈
صعد غرفته وهوى بجسده على فراشه، تجولت عيناه بالغرفة الجديدة التي شعر ببرودتها كجثة الموتى، فرد جسده وذراعيه ثم همس لنفسه:
-هتتحمل الوجع دا ازاي ياجاسر، إزاي هتقدر تعيش بالطريقة دي، قبض بكفيه على الفراش ونهض معتدلًا يفتح جهازه المحمول يشاهد بعض المشاهد التي أرسلت لعمه للضغط عليه
مشهد خلف مشهد لزوجته، توقف ببصره على أحدًا ما، جذب هاتفه سريعًا
-جواد!!..
اجابه على الجانب الآخر
-أيوة ياجاسر، إنت كويس
-كويس ..اسمعني كويس عايزك تعمل زي ماهقولك بالظبط
قص له المطلوب ..نقر جواد على مكتبه ثم أجابه:
-مين قالك كدا، ماهو لازم نتأكد، وبعدين هو مش أهبل علشان يقرب من ظابط
ارجع خصلاته بعنف وصاح به:
-لا عملوا أكتر من كدا، اسمعني وركز كويس، انا وجنى أطلقنا دلوقتي وعلاقتي بعمو بصهيب مش كويسة، فأنت هتعمل اللي طلبته من غير كلام
زفر جواد متأففًا وهتف بنبرة اعتراضية:
-بقولك دي بعيدة عن الشغل، مستحيل يحطوها في دماغهم وبعدين زمان خبر طلاقك نزل في كل الصفح ياحبيبي مالوش لزوم اللي هتعملوا، بلاش تضيع وقت على الفاضي على الولد دا .. ومستحيل يضر جنى أو غيرها، يارب ترتاح
-اعمل اللي طلبته وريحني ياجواد لو سمحت
مسح وجهه بجانب كفيه وهتف بملامح ممزوجة بالحزن والألم:
-جواد انا واثق في ذكائك، لازم تجبلي الولد وتعرفلي تبع مين بالظبط، وخليك ورا البت الكاستمر كمان
-تمام ..هشوف هعمل إيه وارد عليك
نهض متجهًا لخزانته وقام تبديل ثيابه، استنشق رائحتها العالقة بقميصه، وضعه بالخزانة واغلقها مستديرا بظهره عليها، دقات عنيفة كادت تصيب صدره بذبحة صدرية كلما تخيل أنها لم تعد ملكه، استدار يضرب بكفيه على الخزانة وآهات مرتعشة كحال جسده حتى استمع لرنين هاتفه مرة آخرى
اتجه إليه بحالة مزرية يطالعه، ثم رفعه وأجاب
-قول
-الولد وقف شوية قدام الحي دقايق والمدام خرجت، معرفش قالها ايه خلاها تضربه، هو طبعا ماسكتش وحاول يرد عليها في الوقت دا حضرة الظابط وصل وشافها، صمت للحظات وتحدث:
-سمعت بيقول كلام مش كويس
زي ايه..تسائل بها جاسر!!
حمحم الرجل وقص عليه مااستمع إليه
-عايزه، تجبهوله من تحت الارض، الصبح الاقيه عندي في البيت..قالها وأغلق الهاتف، ثم هاتف أحدهم
-عاملة ايه واخبار البيبي
ابتسمت بسعادة على سؤاله فنهضت من مكانها قائلة:
-معقول إنت بتسأل عن ابننا، وضع سلاحه بخصره وأجابها متهكمًا:
-طبعا، الاول مكنتش متأكد، دلوقتي لازم اطمن، تحرك للأسفل ومازال يهاتفها
-خلي بالك منه، انتِ متهمنيش اللي يهمني اللي في بطنك ..قالها وأغلق هاتفه هامسًا:
-حقيرة، شيلتيني ذنوب سنين لسة معشتهاش ياحقيرة ..تجول ببصره يبحث عن ياسين ..صاح بصوته
-ياسين!!
خرج من المطبخ وهو يحمل كوب كاستر يتناول منه
رمقه بصمت حتى اقترب منه قائلًا:
-مراتك مدلعاك ياسيدي، حتى وهي طفشانة منك مظبطاك حلويات
ضيق عيناه واقترب منه ونظراته تحاصره
-إنت عامل إيه يالا..جلس وبدأ يلوك من الكاستر، يهز أكتافه
-مقولتليش هترجع جنى إمتى، صمت رافعًا بصره إليه
-هو ليه عمك صهيب مقتنع إن الولد ابنك، هو ميعرفكش ولا ايه
جذب منه الكوب وصاح على الخادمة
-منيرة!!
هرولت إليه :
-نعم ياباشا!!
أشار لها على الكوب ثم هتف:
-دخلي دا، وروحي مش هرجع الليلة، وقت مااعوزك هتصل
-ومدام جنى ياباشا مش هترجع
ابتعد ببصره عنها واجابها:
-لأ..مدام جنى مبقتش هترجع، خدي حاجتك معاكي، انا مش هرجع حاليا على البيت
نهض ياسين بعدما غادرت منيرة واقترب منه:
-جاسر!!..اوعى تكون
قاطعه وهو يجذب مفاتيحه ونظارته
-اطلقنا، كل واحد راح في طريقه
-يخربيتك..قالها ياسين هادرًا
بدأ يثور حوله، يضع يديه على رأسه مذهولًا
-ايه اللي عملته دا؟!
-دبحت البت اللي بتموت فيك، غبي غبيييييي ..صاح بها
تحرك ولم يكترث لصياحه، وتحدث:
-رايح حي الألفي، لو حابب تروح، لو لا يبقى اقفل على نفسك كويس للحرامي يخطفك يابن جواد
توقف يراقب تحركه مذهولًا، يهز رأسه مستنكرًا مافعله:
-يالهوي عليك ياجاسر، ناوي على ايه
هرول خلفه وجذبه من ذراعه
-ناوي على ايه، ماهو ماقنعنيش بعد الحب دا كله تطلقها، دا البت مريضة بيك، ولا إنت ..
جاسر مبتردش ليه، عارف عمو صهيب ضغط عليك، بس مكنتش تسمع منه، كان شوية وهيهدى
نزع ذراعه ثم فتح باب سيارته
-لو خلصت نمشي،
توقف أمامه بعدما أغلق باب السيارة
احتضن أكتافه
-اسمعني ياجاسر لو سمحت
عارف عمك مصدوم وحقه، وعارف أنه ضغط عليك، وكمان فيروز ، بس جنى ذنبها ايه ..اقترب منه وتعمق بنظراته عله يكتشف مايخفيه أخيه
-أنا مش مصدق أنها هانت عليك، ولو بتفكر أنه طلاق لفترة تبقى غبي، لأنها وقتها مش هتسامح هتشوفك كسرتها
ابتسم بسخرية لم يستطع مدارتها وأشار بيديه:
-قولي لو مكاني هتعمل ايه وابوك بيخيرك بينك وبينه، وعمك بيخيرك بينه وبين ابوك..قولي لو مكاني هتتحمل تهدم اللي ابوك بيبنيه سنين علشان سعادتك، مفكر هتبقى سعيد تبقى اهبل ياياسين
السعادة الحقيقية لما تشوف اللي حواليك سعيد، حبيتك نفسها لما تلاقي نفسها منبوذة من الكل علشان فكرت في نفسها، هتكره حياتها معاك
بلاش تقول كلام وانت مش فاهم حاجة
لكمه بصدره وصاح بغضب أعمى
-لا هكون مرتاح علشان اخترت سعادتي، هعرف اتنفس وانام كويس وحبيبتي جنبي، هقدر اقاوم الصعوبات وهي بتقويني، قلبي هيبقى مرتاح وانا شايف صباحي بيها، مش علشان غيري يعيش مرتاح انا اموت
-غلط ..صرخ بها جاسر..قبض على ذراعيه يهزه بعنف
-غلط ياحضرة الظابط اللي بتفكر فيه، سعادة العيلة هي سعادتك اللي بتقول عليه دا مينفعش، انت مش عايش لوحدك، حق ابوك عليك تريحه، حق امك عليك تبقى شايفة سعادة ولادها وهم حواليها مش مطرودين من العيلة، حق اخوك عليك لما تبقى كبيره اول حد يفكر يلجأله انت مش يبقى غرقان ياياسين ..ودا اللي بعمله دلوقتي
ضرب على صدره وهتف بنبرة مكتومة
-نصيبي كدا، نصيبي اتألم علشان اشوف غيري سعيد، نصيبي ابقى كبير جواد الألفي علشان استحق اشيل اسم جواد الألفي، نصيبي يكون ليا اخوات بيحبوني وانا لازم احبهم، نصيبي يكون ليا عيلة وقت مااقع الاقي اللي يسندني، مش لما اقع اكون وحيد
عرفت ليه رضيت بكدا، مش انا اللي افرق الأخ من اخوه، ولا احزن امي واخليها كل ليلة نايمة ودموعها على خدها..اقترب ونظر داخل مقلتيه
-فوق ياياسين واعرف احنا تربية مين وقت ماتحس بكسرك هتلاقي اللي يقويك ..قالها واتجه إلى سيارته قائلا
-اركب عربيتك وتعالى ورايا، ولينا قاعدة مع بعض ..
يتبع بقية الفصل
الفصل التاسع والعشرون
عشق لاذع
الجزء الثاني من الفصل
بالأسكندرية
ولجت نغم بقهوة زوجها إلى غرفة مكتبه
-حبيبي نشرب قهوة ولا مشغول
أشار لها بيديه
-تعالي يانفم..تحركت بقدحين من القهوة حتى وصلت إلى طاولة دائرية بشرفة مكتبه، وجلست تنتظره، أنهى مايفعله ثم رفع هاتفه
-جواد ..جبتلك قرار البت دي
استمع جواد إليه بإهتمام ثم تحدث:
-ريان انا عارف الحاجات دي كلها، عايز شغلها اللي برة، وكمان ايه علاقتها بفيروز، اتقابلوا في روسيا فعلا ولا هنا في مصر.. أنا ممكن ادور واجبها من دقايق بس مش عايز أظهر في الصورة فهمتني
حك ريان ذقنه وصمت يستمع إليه ثم تحدث:
-دا بقى عايز يوسف علشان هو اللي يعرف يوصلها بحكم أنه مسافر انجلترا والبت دي اكتر مكان بتتردد عليه هناك
نهض جواد من مكانه وتحرك إلى نافذة غرفته بعدما استمع لصوت سيارة ابنه وتحدث
-لا ماينفعش يوسف هنا، فيه واحد تاني هيعرف يجيب قرارها
-ليه البنت دي ياجواد بالذات فيه حاجة يعني
تنهيدة عميقة محملة بالهموم المثقلة ثم أجابه
-بعدين ياريان، نسيت اباركلك ياجدو، بلغ سلامي للولاد، وان شاءالله في اقرب وقت هجيب غزل ونيجي
-ليه حاسس انك مش عايزني اعرف حاجة ياجواد
هز جواد رأسه
-ابدا..طبعا انتوا هتكونوا هنا الجمعة لخطوبة الولاد، ولا غيرت كلامك مع حازم
جلس ريان بجوار نغم وابتسم يجيبه
-إن شاءالله ربنا يتمم اللي فيه الخير
آمن جواد على حديثه قائلاً:
-اللهم آمين
طالعته نغم متسائلة:
-فيه حاجة ماله جواد؟!
ارتشف قهوته يهز رأسه قائلا:
-مفيش دا بيعتذر عن عدم وجوده سبوع قصي، عنده مشاغل
دققت النظر بزوجها ثم نهضت وبدأت تقوم بعدل بعض اللمسات الخفيفة لكتفه
-كتفك لسة واجعك ولا ايه، ..ابتسم عليها فجذب كفيها يقبلها:
-نغم جاسر طلق جنى، ارتحتي كدا،جواد مش عايز غنى تعرف وهي لسة والدة علشان متزعلش على اخوها ويأثر عليها، فقالي افهم بيجاد يقولها اي حاجة علشان متضغطش أنها تسافر القاهرة ..كدا عرفتي ياحبي، بلاش بقى شغل الأطفال دا
زوت مابين حاجبيها متذمرة
-ايه اللي بتقوله دا، انا كنت عايزة اطمن علشان اول مرة غزل ماتحضرش قلقت مش اكتر، بس استنى هنا هو جاسر دا بيلعب ولا ايه، شوية يتجوز دي ويطلقها وشوية دي ويطلقها، الواد حقيقي مش قادرة أفهمه
نهض ريان بعدما أنهى قهوته وأشار إليها بالخروج
-حبيبتي روحي المطبخ شوفيهم خلصوا احتياجات السبوع ولا لا، وابعتيلي بيجاد ، روحي ياقلبي اشغلي نفسك بدل ماتشغلي دماغي
زمت شفتيها ثم اقتربت منه تتلاعب بزر قميصه وتحدثت بنبرة أنثوية:
-دا ليا ياريان، خلاص نغم بقى حديثها تقيل على قلبك
-نننننغم ..بقيتي جدة ياروحي سبيني اشوف شغلي، وحضري نفسك علشان هنسافر القاهرة الأربع
رفعت نفسها تطبع قبلة على وجنتيه
-عارفة انك مخبي حاجة عليا ، هسيبك لحد ماتيجي تحكيلي ..قالتها وتحركت للخارج
جلس على مقعده ونظر بشرود حوله يتذكر حديث جواد، لا يعلم لماذا انتابه شعور الخوف على أحفاده..همس لنفسه
-ليه دايما رجال الشرطة حياتهم مهددة بالخطر، دا جزاة اللي عايز البلد دي تبقى نضيفة، ياترى الضربة هتجيلك منين ياجواد، امسك قلمه يطالع شاشته على تلك البنت التي أمامه
-إنتِ ايه حكايتك وليه بتحفري ورا جاسر..ولج بيجاد إليه
-ريو باشا ماهذا الهدوء المستغل، اين نغمتك ..هل فلسعتها لكبر سنها، وبحثتُ عن شبل صغنن
القاه بالقلم الذي بيديه
-بقيت اب لطفلين يابغل ولسة مفيش احترام
قهقه بيجاد بصوت مرتفع يضرب كفيه ببعضهما
-اللي غيران مننا يعمل زينا، قالها غامزًا لوالده، ثم جذب مقعدًا وهتف
-بقولك ياكبير، بدل طلبتني يبقى غرقان وعايز اللي يوصلك الشط بأمان، بس اسمعني انا كل خطوة ليا بدولارات كتيرة
ارتفعت حواجبه ثم تسائل
-خلصت مسرحيتك يابغل..
اقترفت شفتيه ابتسامة ثم رفع كفيه
-اينعم لماذا طلبكم المكوث أمامكم سيدي القاضي
تأفف ريان ثم نصب عوده وتوقف
-اسمعني يابيجاد وبطل هزارك الاهبل دا ..حماك اتصل واعتذر مش هيحضر السبوع
هب فزعًا من مكانه وتسائل بإستفسار:
-ليه!! تعبان ولا ايه؟!
جلس راكان يضع ساقًا فوق الأخرى واستأنف حديثه:
-أيوة بالظبط كدا، عايزك تقول لغنى باباكي تعبان ، علشان تصرخ وتعيط وتقول لازم اروح اشوف ابويا مش كدا
اختتم ريان حديثه بعيونًا يملؤها الاستنكار من أفعال ابنه
جلس بيجاد بمقابلته بعقل مشتت مما جعله قائلا
-بابا هو حضرتك عيان!!
-استغفر الله العظيم يارب، لا وبيقولي بيجاد هيتصرف، دا حلوف يتصرف ازاي
اقترب منه وأشار بيديه
-اسمعني يابيجاد كويس وشوف هتعرف تقول لمراتك ايه علشان متزعلش ..
ارتسم الألم داخل مقلتيه ثم نهض من مكانه والغضب والحزن تجلى بملامحه
-لا الموضوع كبير، عمو صهيب ماياذيش بنته بالشكل دا، ايه اللي حماي مخبيه، استدار ينظر لوالده
-حضرتك مخبي عليا حاجة
أشار لجهازه على فتاة يبدو عليها انها من أصول أجنبية..ضيق عيناه متسائلًا:
-مين دي؟!
مسح ريان على أنفه ، ثم سحب نفسًا وطرده
-البت دي في ورقها انها بنت تاجر قماش من اسكندرية، راحت لجنى على أنها ترسمها لأنها بتعشق رسومتها، بما أن جنى ليها صفحة على الانستا وبتعرض لوحتها عرفت توصلها بسهولة، الكلام دا من فترة بسيطة، قربت من جنى وبدأت تروحلها الجاليري كتير،
-وبعدين؟!..ايه المشكلة
نقر ريان على مكتبه وتعلقت عيناه بأعين بيجاد:
-البت دي طلعت على علاقة على رجل اعمال فيروز بتشتغل معاه
هز بيجاد كتفه
-ودي فيها ايه ..؟!
مسح ريان على وجهه بعنف ناظرًا لابنه:
-فيه يوم البت دي كانت عند جنى في البيت بعد ماكانت معها في الجاليري وقعدت ساعتين كاملين، واختارت وقت سفر جاسر لاسماعلية، وكمان وجود ياسين في بيت ابوه، جواد عارف بوجودها وكلم جنى وقتها قالتله معايا شغل ياعمو هكلمك لما اخلص وبعدها تليفونها اتقفل ساعتين
استند بيجاد على مكتب والده غير مستوعب مايدور بذهنه
-قصدك ايه يابابا، أن البنت دي تكون عملت حاجة في جنى، طب ازاي وجنى عندها شغالين، وكمان جاسر عنده كاميرات دا ظابط غير عمو جواد ازاي عرف انها في بيت بنته وسابها
دا كله حلو يابن ريان
-جنى دايما بترسم عند حمام السباحة ودي مفهاش كاميرا، أما جواد ازاي سابها، هو مسبهاش كان بيحفر وراها بالفعل بس كل ما اللي ظهر بنت جاية سياحة لمصر ومن اصول مصرية بنت تاجر قماش، ابوها سمعته طيبة ووووو
ضيق بيجاد عيناه متسائلا
-بابا هو حضرتك عايز توصل لايه
-مش أنا اللي عايز اوصل، دلوقتي البت دي اختفت واخر مرة كانت مع جنى في بيتها، بس المصيبة اللي اتعرفت بعدها أن البنت دي مش بنت الراجل اللي دخلت بيه مصر، فهمت يابغل
-اوبااااا..يعني جاسر طلق جنى تهديد منهم
-لا..قالها ريان، ثم استأنف قائلا
-صهيب ميعرفش دا كله، هو بس عارف موضوع الولد ، ولا حتى جاسر، اللي بيدور جواد، هو ضغط على ابنه لما حس فيه حاجة غلط ،
مش مقتنع ياحضرة المنشاوي، وبقولك اهو دا اللي عمو جواد عايز يفهمولنا، فيه حاجة في النص ودي مع حمايا بس ..قالها واستدار قائلًا
-هنزل القاهرة حالا، لازم اعرف ايه اللي بيحصل هناك
-بيجاد انت مجنون، هتسيب مراتك ، هقولها ايه
-خرج يشير بيديه
-قولها راح شغل، وآه الراجل التاجر دا لازم نعرف هو فين في اسكندرية، واشمعنا الراجل دا بالذات ياحج منشاوي، حمايا مش عبيط علشان يبعد ويقولك دور، اكيد بيرسم لحاجة
قالها بيجاد وخرج متجها لزوجته بالأعلى
❈-❈-❈
ولج الى غرفته وجدها استيقظت، اسرع إليها يساعدها بالنهوض
-رايحة فين حبيبتي..أشارت لحمام
-هروح اجهز زمان بابا وماما على وصول، يرضيك بابا يقعد يقولك عامل في البت كدا
قهقه عليها يضمها لأحضانه، ثم لثم جبينها
-غنون انا اتصلت بحمايا دلوقتي وقولتله ميجيش، علشان احنا الاسبوع الجاي نروح نقعد كام يوم هناك، ايه رأيك وكمان داخلين على العيد الكبير اهو علشان نقضي العيد معاهم
ابتسمت بسعادة
-بجد يابيجاد، يعني هننزل القاهرة
رفع حاجبه ساخرًا
-يخربيت سنينك يابيجاد، اللي يسمعك يقول حابسك، دا إنتِ يوم هنا وتسعة وعشرين يوم هناك
عانقته تضع رأسها على صدره
-ربنا مايحرمني منك ياأجمل جوز في الدنيا
احتضن وجهها وغمز بعينيه
-طيب مفيش بوسة لاجمل راجل في الدنيا، دنت منه إلا أنها ابتعدت عندما استمعت إلى صوت ابنها ..تراجعت تنظر بمهده قائلة
-قصي صحي، هشوفه ..
زفر متأففًا:
-قصي..!!روحي ياختي لقصي
ضحكت بنعومة وهي تحمل ابنها
-دا حبيبي، شبه بابا قوي، صح
تحرك لمرحاضه قائلا
-اهو الواد دا خانقني من وقت ماعرفت أنه شبه حمايا..توقف مستديرًا إليها
-غنون عندي شغل مهم حبيبي، وممكن اتأخر لو احتجتي حاجة كلميني ينفع، أما لو مش عايزة خلاص بلاش
مسدت على رأس ابنها مبتسمة ثم رفعت عيناها لزوجها:
-بالتوفيق ياحبيبي، وبعدين عمو ريان وطنط نغم هنا، متشغلش بالك
الصفحة التالية
الفصل التاسع والعشرون
6
بالقاهرة
وصل جاسر إلى منزل والده، ظل بالسيارة لبعض الوقت..استمعت غزل لسيارته التي كانت تنتظر وصوله على أحر من الجمر..هرولت إليه ثم توقفت تطالعه
ظلت نظراته على والدته لبعض الوقت، حتى فتحت ذراعيها إليه مع إنسياب عبراتها ، ترجل من السيارة وعانقها بنظراته الحزينة حتى اقترب منها جذبته لأحضانها مع تأوهاتها المؤلمة مماتشعر به، عصرته بأحضانها تمسد على ظهره
-حبيبي!! أغمض عيناه، كم هو شعور مريح وانت تجد راحتك بضمة من والدتك، كانك تضم العالم باكمله، هنا راحة ربانية لم يعلمها سوى من فقدها..ربي ارحم كل اب وام
عانقته بشدة وارتفعت شهقاتها:
-حبيبي عامل ايه؟!
شعور قاسي عندما تشعر بالعجز عن الرد، دمعة انبثقت من عينيه، يحبس أنفاسه داخل صدره وهو يتراجع بعيدًا عن أحضان والدته، رسم ابتسامة وهمس بصوت متقطع:
-كويس حبيبتي.. الحمد لله ، رفع نظره لوالده الذي خرج على صوت غزل إليه بالشرفة، استدار جواد واتجه لداخل غرفته حينما فقد رؤية غاليه بذاك الضعف
وصل ياسين بسيارته يوزع نظراته بينهم، ترجل من سيارته بخروج أوس وربى من المنزل..هرولت ربى إليه تبكي بصوت مرتفع:
-جاسر!!..استدار إليها برأسه مبتسمًا
-بتعملي ايه هنا ياشبر ونص ..ألقت نفسها بأحضانه تلكمه بكتفه :
-أنا مش شبر ونص ياحضرة الظابط، حاوطها بذراعه يرفعها وهو يضحك بصوت مرتفع
-طب شبر ونص، وياريت شبر ونص، دا شبر وأقطع ..ضحكت بصوت مرتفع تعانقه قائلة
-راضية والله راضية بدل دا هيسعدك ياحبيب اختك..بتر ضحكته على حديثها ثم انزلها بهدوء يطبع قبلة على جبينها وهتف
-أنا كويس حبيبتي ياله هاتي ايهم لخالو، جذبته غزل من ذراعيه تدفع ربى بعيدًا:
-ابعدي عن اخوكي ياروبي
توقف ينظر لوالدته مستفهمًا:
-ماما أنا كبير وواعي مافيه الكفاية، ومش أول واحد ولا اخر واحد يطلق
قالها بنبرة حزينة واتجه للداخل يربت على كتف أوس هامسًا
-أنا كويس..ضغط أوس على كتفه:
-عارف انك كويس، ومتأكد إنك هتبقى احسن، مش ولاد الألفي اللي ينكسروا
اومأ بإبتسامة حزينة وتحرك للداخل
سحبته غزل للأريكة وجلست بجواره
-قولي ياحبيبي ايه اللي حصل معاك، عمك صهيب ضغط عليك علشان تطلق مراتك مش كدا
احتوى كفيها يلثهمها:
-ممكن ماتتعبيش نفسك، أنا كويس، وعمو شايف أن دي راحة بنته وحقه لو سمحتي ياماما، مش عايز اتكلم في الموضوع دا..نهض من مكانه فهتفت هادرة
-ليه خايف على بنته، هو صهيب تايه عن تربية اخوه، اقتربت منه تنظر إليه
-حبيبي أنا مقهورة عليك، قولي ايه اللي حصل علشان عمك يصر على الطلاق، انا مش غبية لاني عارفة صهيب اكتر واحدة، مستحيل يهدم بنته غير لو فيه حاجة كبيرة
-ماما ..ماما حبيبتي لو سمحتي سبيني عايز ارتاح
لمعت عيناها بالاعتراض
-وياترى هترتاح يابن غزل، دنت تلكزه بكتفه وهدرت به
-ازاي توافق تطلق مراتك ، ايه عايز الكل يشمت في تربيتي يقول ضعيف وقدروا عليه
-غزل ..صاح بها جواد الذي هبط بصعوبة درجات السلم يشير إليها:
-سيبي الولد، خليه يرتاح، ثم اتجه ببصره لابنه
-اطلع ارتاح ياجاسر دلوقتي والصبح نتكلم ..قبل رأس والدته قائلاً:
-أنا كويس ياست الكل، ولو زعلانة على طلاقي فدا نصيبنا وانتهى
-كذاب يابن جواد..استدارت لجواد وأشار له
-مكنش غزل ياجواد اللي معرفتش ايه سبب الطلاق دا
وصل جواد إليها واقترب منها
-فيه اكتر من ابنك يبقى له ولد من الحرام يادكتور، خلي عز يجي يوقف قدامك ويقولك اسف اصلي محستش بنفسي، شعورك وقتها ايه
توسعت عيناها بذهول وأردفت بتقطع:
-يعني الولد ابن جاسر فعلا ياجواد، استدارت إليه تحدجه بنظرات حزينة
-يعني الولد طلع ابنك بالفعل، طب ليه ماسقطوش، دا ابن حرام وانت مكنتش حاسس..تحرك إلى غرفته بخطوات متعثرة يريد الاختلاء بنفسه فقط..صعد لغرفته يود لو يراها تنتظره بإبتسامتها ..
❈-❈-❈
على بعد بعض المسافات ولج لغرفته وجدها تغفو فوق الفراش بهدوء، تحرك للمرحاض بخطوات متمهلة حتى لايوقظها من غفوتها ..
وصل بعد قليل إليها نظر لفراشه الذي تغفو فوقه والى نومها، جلس على عقبيه أمامها، ظل يدقق النظر بها يرسمها بعينيه، مرر أنامله على وجهها يرفع خصلاتها الذهبية من فوق عيناها
حرك أنامله على وجهها بالكامل حتى وصل لشفتيها المكتزة، مازالت اثاره عليها..هب سريعًا متجهًا للداخل بعدما فقد سيطرته على نفسه وتحرك مشاعره لتقبيلها..ولج لغرفة أخرى وهو على الأريكة يمسح على وجهه بعنف
-ايه الضعف دا، من امتى وأنت ضعيف كدا، امسك هاتفه وهاتف صديقه:
-كريم لازم نتقابل
اجابه كريم
-إنت مش هتسافر بكرة العريش يابني
-هقابلك بعد ساعة في الكافيه ..قالها وأغلق دون حديث
صباح اليوم التالي استيقظ على رنين هاتفه
-جاسر باشا الواد عندك في البيت ..
-تمام ..قالها ونهض متجهًا لقضاء فرض ربه
قابلته غزل وهي تعد طعام الإفطار:
-حبيبي الفطار جاهز..تناول شطيرة من الجبن ثم اقترب يقبل يديها
-صباح الفل ياست الكل، انا عندي شغل لازم امشي دلوقتي
أمسكت كفيه وتحدثت بحنو اموي
-اقعد أفطر حبيبي..رفع عيناه إليها وتخيل زوجته وذهب بذاكرته :
-جاسر ممكن تفطر وتبطل شرب الزفت دا، هزعل منك بجد..جذبها لأحضانه يحاوطها بذراعه يضع ذقنه فوق رأسها يحتضنها
-حبيبتي كفاية بس اشوفك كل صباح دا لوحده يشبعني..خرجت من أحضانه ترفع ذراعيه تلفها حول عنقه
-طب علشان ابتسامتي الحلوة دي، حبيبي هيقعد يفطر معايا علشان حبيبته نفسها تتفتح وتفطر ..قالتها وهي تشب على أصابعها تطبع قبلة بجانب شفتيه قائلة بمشاكسة:
-ودي عربون الصباح الحلو، ولما تفطر هتلاقي حاجة اجمل
قاطع ذكرياته الأليمة صوت والدته تضع كفيها على كتفه
-حبيبي رُحت فين..ارتدى نظارته وهرول للخارج سريعا دون حديث
ظلت تطالع خروجه بتلك الحالة حتى جلست على المائدة تضع رأسها بين راحتيها تبكي قائلة؛
-ليه ياصهيب، ليه تعمل في الولاد كدا
بالأعلى بغرفة ياسين جمع اشيائه بحقيبته، ثم اتجه لجلوسها جذب مقعدٍ وجلس بمقابلتها
-عاليا لازم نتكلم
وضعت رأسها على ركبيتها
-عايزة امشي من هنا، وديني عند جنى، ومفيش مكان هيجمعنا تاني لحد مانطلق
اومأ متفهمًا ثم تحدث:
-لازم تحكي لي ايه اللي حصل وليه الواد دا قال عليكي كدا
طالعته متهكمة ثم أشارت عليه مشمئزة
-كان ممكن في الأول احكي لك، بس دلوقتي انا مابكرهش قدك، اقتربت من وجهه وحدجته بنظرات ساخطة
-انت وخالد شبه بعض، الفرق اللي بينكم أن شيطانه ظاهر للقدامه، أما إنت خبيث مفكر نفسك ملك والكل لازم يقول امين ..انا بكرهك ياياسين حتى بكرهك اكتر من خالد، هو صورني عريانة، وانت استبحت روحي ودبحتها، النتيجة انكوا واحد..قالتها ونهضت متجهة للحمام تضع كفيها على فمها تمنع شهقاتها، فتحت المياه وجلست بملابسها تبكي بشهقات مرتفعة، وصلت إليه بالخارج مزقت نياط قلبه ..هب من مكانه يجذب حقيبته بعدما وضع لها بعض الأشياء على الكومودو
عند جاسر دلف للداخل وجده ملقي على الأرضية، أشار بعينيه للرجل
-قومه..رفع خالد نظره إليه متسائلاً :
-إنت مين وأنا بعمل ايه هنا، انا هبلغ عليكم شكلكم عصابة
جلس على المقعد أمامه ثم اشعل سيجاره ينفثه بوجهه وتحدث بنبرة فظة مخيفة:
-فين الفلاشة اللي عليها صور عاليا يالا
تراجع بجسده مرتجفًا وهتف
-عاليا مين..!!جذب جاسر عنقه يهمس له بفحيح :
-اسمعني يالا، مبحبش اعيد كلامي مع الزبالة كفاية ليك الفخر انك قاعد قدامي وبتتكلم ودا شرف لصعلوك زيك
ابتسم خالد ساخرًا وتسائل:
-وياترى الحلو مين؟!
حك ذقنه ثم مسح على أنفه ينقر على ظهر مقعده وعيناه تخترقه:
- الحلو امم !!قالها جاسر زامًا شفتيه ثم نهض وعلى حين غرة قام بإطفاء سيجاره بعنقه ، صرخ خالد فانحنى يهمس له
-جاسر الألفي، احفظ الاسم دا كويس علشان اجلك إن شاءالله
تراجع خالد وارتفعت ضحكاته
قصدك اخو عريس البت اللي بتموت فيا..صفعة قوية مما جعله يسقط من قوة صفعته
جذبه من خصلاته يدفعه بالحائط بقوة
وزمجر غاضبًا:
-فين الفلاشة يالا..مش هعيد كلامي تاني ..وصل إليه الرجل
-جاسر باشا الدكتور وصل
قربه إليه من خصلاته وهمس بجوار أذنه :
-هخليك بعد كدا لما تشوف بنت تمشي من الشارع التاني، ومش عايز الفلاشة
ركله بقدمه حتى سقط يصيح على رجُله
-جهزه للدكتور..زحف يتشبث بساقيه
-هعملك اللي انت عايزه بس بلاش تعمل كدا وحياة اغلى حاجة عندك
دفعه بقدمه بقوة يشير إلى الرجل
-فهّم الدكتور هيعمل ايه، قالها وهو يجمع اشيائه
صرخ خالد قائلًا:
-الفلاشة عندي في المكتب وكل الصور في الخزنة، ورقم الخزنة هقوله لك
أشار للرجل بالتوقف
-استنى يااشرف، خد اللي بيقول عليه وهاتهم، وبعد كدا اشوفه صادق ولا بيلعب بينا
اقترب خالد منه ذليلا قائلاً:
-والله مابكذب ياباشا ..تحرك للخارج ثم أشار للرجل بالخروج قائلاً:
-قدامك عشرين دقيقة وتكون هنا، لازم امشي ..
مرت الأيام ثقيلة على الجميع حتى مر قرابة شهر والحال كما هو عليه،
عند جنى حبست نفسها بغرفتها وأصبحت جسدًا بلا روح بعينين هالكتين ظللت ببحر دموعها التي لم تجف ، وقلب يتهشم من الحزن والخذلان، تنظر لهاتفها تود لو تستمع لصوته الحنون، ليته يعلم كم إشتياقها له، ليته يعلم كم نبضات قلبها باسمه
ليته يعلم كيف تأن روحها كوتر آلته الذي قُطع بسبب ماتلاقته من عذاب بعده، حتى أصبحت لا تشعر سوى بتلك الوخزات التي تضرب صدرها وينخر عظامها نخرًا
احتضنت نفسها كالجنين ..ولج ابيها يطالعها بحزن اختلج روحه اقترب يمسد على خصلاتها
-جنى!! هتفضلي كدا يابنتي..لم تطالعه وكأنه لم يكن موجودًا ..ظل لدقائق ثم استدار متحركًا للخارج ، قابلته نهى
-هروح أشوف عز شكله تعبان
أشار بكفيه إليها حتى وصلت إليه
-عز جاي في الطريق، ابتلع ريقه وهتف
-جاسر كمان جاي يطمن عليها، انا رفضت بس عارف أنه مش هيسكت، هطلع ارتاح شوية..قالها وتحرك من أمامها بجسد خاوي من الحياة
الصفحة التالية
الفصل التاسع والعشرون
7
وصل جاسر بعد فترة، ولج للداخل متلهف بحث عنها بمكانها ولكنه لم يراها..هرول للداخل، قابلته نهى تعقد ذراعيها
-فين جنى ياطنط نهى، عايز اطمن عليها
اقتربت منه وهدرت به تلكزه بصدره:
-النهاردة بس اقدر اقولك انت خسارة فيك حبها، لما عمك طلب تطلقها ووقفت قدامه، فرحت وقولت تستاهل حب جنى ياجاسر، يومين بس ياجاسر ورجعت وطلقتها، ازاي قلبك قدرت يطوعك وتنطقها يابني، ازاي قدرت توجع قلبها كدا
بنتي بتموت بسببكوا، انا مش مسمحاك ياجاسر، سمعتني مش مسمحاك على وجع بنتي ودلوقتي بقولك امشي من هنا ماعندناش اللي بتسأل عليه، جاي بعد شهر تسأل ، ريح نفسك ياحضرة الظابط بنتي مش عايزة تشوفك
قاطعهم وصول عز الذي هرول عندما وجد والدته بملامح غاضبة أمام جاسر
-ماما في ايه ؟!
أشارت على جاسر:
-قول لابن عمك يبعد عن بنتي، هو طلقها وكل واحد راح لحاله
استمعو لصوت حذائها خلفهم، هبطت تجر حقيبتها ..
❈-❈-❈
اقترب منها يقف أمامها يرسمها برماديته، لقد اشتاق إليها حد الجنون، كيف مُنع من احتضانها اليوم وتحطيم عظامها، حاوط وجهها وعيناه تبحر بملامحها كقبطان سفينة متمكن من الابحار، حتى دنى من وجهها هامسًا لها بقلبًا متلهف بالأشتياق
-جنى وحشتيني
انزلت كفيه وتراجعت متوقفة بجوار عز :
-عز أنا همشي من هنا، مش عايزة اقعد هنا..ثم استرسلت تبتعد ببصرها عنه
اشتريت بيت في مكان بسيط، حبيتك تعرف بس مش اكتر
اقترب صهيب الذي وصل على حديثها الذي نزل على رأسه كصاعقه، جذبها من ذراعها بحنو ابوي
-عارف انك زعلانة مني، حبيبتي بكرة تعرفي عملت كدا علشان بحبك
رفعت عيناها تطالعه بحزن وهتفت بصوت ضعيف:
-بابا أنا مش زعلانة منك، لو سمحت سبني مع نفسي، احتضنت ذراع عز ثم ابتعدت ببصرها للبعيد قائلة:
- لازم ابني نفسي بعيد عن الكل، لازم الاقي جنى اللي ضيعتها من سنين في وهم
اقترب منها ثم توقف أمامها
-جنى عاملة ايه، عايز اتكلم معاكي
استدارت بعيدًا وتحركت تجر حقيبتها
-كويسة ياحضرة الظابط..كتر خيرك، انا مش عايزة اتكلم مع حد ..
-أنا مش موافق ياجنى
رفرفت بأهدابها تمنع نفسها من احتضانه فابتعدت وهدرت بصوت مرتفع
-محدش له دعوة بيا، أنا كبيرة مافيه الكفاية
منع تحركها يضغط على ذراعها:
-جنى!!
دفعته بقوة ، انت مالكش دعوة بيا، سمعتني ، انا هبني جنى لو حدها ..اقتربت منه تلكزه بكتفه
-اخر واحد له حق يتكلم معايا، ثم رفعت نظرها لوالدها
-جنى القديمة ماتت، وزي ما حضرتك قولت ، عالجي نفسك منه، انا هعالج نفسي من نفسي ..قالتها وارتدت نظارتها وتحركت بعض الخطوات ثم رجعت إليه تطالعه بعيناها الذائبة:
-مبروك ياجاسر ورقة الطلاق وصلتني، عقبال ماتوصلك ورقة وفاتي
حاول الثبات بصعوبة فلقد مزقته اربا، استدار ينظر إليها وداخله يحترق غضبًا من ظروفه
ربت عز على كتفه ثم تحرك خلفها وهو يشير لوالده بالهدوء
ظل لدقائق يطالع إختفاء السيارة حتى اقترب منه صهيب
-جاسر!!
التفت إليه ينظر إليه بقلبًا يئن وجعًا
-مش زعلان منك ياعمو، قالها وتحرك سريعًا من أمامه ..
مرت عدة آيامًا آخر سريعا، هناك من تغير حاله للأفضل وهناك من اتعبته الحياه من عشقًا لاذع يقبض نبض قلبه
توقف بشرفته يرتشف قهوته السادة التي أصبحت مشروبه المفضل مثل حياته ..استمع الى طرقات على باب غرفته
-جاسر باشا مدام فيروز جت تحت، اومأ برأسه وأشار إليها بالخروج ..فتح هاتفه للمرة التي لا يعلم حسابها ليهاتف سارقة قلبه
تجلس بغرفة مكتبها تشاهد بعض التصميمات على جهازها بتمعن، استمعت لرنين هاتفها، طالعته وكأنها تنتظر تلك النغمة التي تعيد لروحها رونقها، والنبض لقلبها، مررت أناملها على صورته التي اشتاقت إليها كثيرًا
لمعت عيناها بالدموع عندما فصل الرنين واختفت صورته من أمامها
آه خفيضة خرجت من جوفها محملة بكم الوجع والاشتياق معًا، تذكرت تلك الأيام الماضية التي فقدت تنفسها من فراقه، تراجعت بجسدها تغمض عيناها تحاول أن تنظم ذاك النبض الذي اخترق صدرها بالأشتياق..استمعت مرة أخرى لهاتفها ابتسامة لاحت على ثغرها ظنا أنه ولكن ذهبت خيباتها عندما وجدتها عاليا، سحبت نفسًا وزفرته بهدوء
-أيوة ياعاليا!!
على الجانب الآخر اردفت
-جنجونة فينك ياحبي..
تنهيدة مثقوبة بالألم اجابتها
-خارجة من الشركة ورايحة حي الألفي
قفزت بسعادة
-قولي والله!!
ابتسمت جنى عليها ونهضت تحمل حقيبتها
-اه ياقلبي لازم أودع العيلة، انا هسافر على طيارة عشرة بالليل
توقفت مصدومة تهز رأسها برفض
-لا ياجنى وحياة جاسر عندك بلاش تعملي كدا
تحركت حتى وصلت سيارتها واستقلتها
-لولو سامحيني ياقلبي، لازم ابعد عن مصر..صمتت لبعض اللحظات وتسائلت بقلب يئن من فراقه
-جاسر في حي الألفي ياعاليا
ابتلعت غصتهاواجابتها
-جاسر عند ياسين بقاله يومين، معرفش ليه، بس ياسين بقاله فترة منزلش
اومأت جنى متفهمة ثم تحركت بسيارتها ..وصلت بعد قليل إلى حي الألفي ..ولجت إلى منزل حازم ببداية وصولها، قابلها جواد على باب المنزل
-جنى!!
ايه الزيارة الحلوة دي
حيته بابتسامة ثم تسائلت:
-عمتو مش هنا ..هز رأسه
-خرجت مع تقى وطنط غزل يشتروا شوية حاجات لخطوبتها، أنتِ عارفة حفلة خطوبتها اتأجلت لحد مافارس يرجع ودا شرط خالو جواد
استدارت متحركة ثم تحدثت:
-هروح أشوف عمو..
-جنى؟!..توقفت منتظرة حديثه، اقترب حتى أصبح أمامها:
-ليه اطلقتي إنتِ وجاسر
-ميخصكش ياجواد اسفة، حاجة بيني وبين جوزي
دنى خطوة ونظرها إليها بإبتسامة ساخرة
-جوزك!! ايه ياجنى مفكرة هقولك بطلي جنان، لا انا هقولك فوقي جاسر طلقك
هاجت عيناها من حديثه فاقتربت منه ونظرت لداخل مقلتيه
-دا خيالك المريض اللي بيوهمك بكدا، اللي بينا مش ورقة ولا كلمة بتتقال يابن عمتي ، أشارت على قلبها
-دا بينبض علشانه وبس، ومش معنا الورقة اللي بينا ضاعت، هقولك ضاعت بس ياجواد ومصيرنا نلاقيها وروحي تتلائم بروحه تاني
قالتها وتحركت بجسد مرتجف من قوة المشاعر التي هاجمتها من مجرد حديثها عنه، توقفت تمسح عبراتها، لحظات تسحب نفسا طويلا وولجت للداخل وجدت جواد يخرج من منزله:
تجمد جواد بوقوفه عندما وجدها أمامه، همس اسمها
-جنى!!..تحركت إليه تلقي نفسها بأحضانه
-وحشتني ياعمو، وحشتني قوي
قبل جبينها يحتوي وجهها بين راحتيه
-روح عمك عاملة ايه..هرولت إليها عاليا
-جنى ..تركت عمها مستديرة إليها
-لولو وحشتيني..ضمتها عاليا بمحبة ثم قبلتها على وجنتيها
-زعلانة منك، وكمان زعلانة قوي، عايزة تسافري والله هزعل
-تسافر فين؟!..تسائل بها جواد
اقتربت منه
-جاية اودعك ياعمو، مابقتش عايزة اقعد في مصر ، هروح فرع الشركة اللي برة، واهو عز وأوس يرتاحو من السفر شوية
-باباكي موافق!!
هزت رأسها بالموافقة :
-الاول كان رافض بس خلاص لازم ابدأ من جديد
جلس جواد ونظر للبعيد يهز رأسه
-حقك يابنتي، ربنا يوفقك
اقتربت تطبع قبلة على وجنتيه
-عمو شكله زعلان مني
ربت على كفيها
-لا حبيبة عمو ..ربنا يوفقك
أمسكت كف عاليا وتحركت للداخل
-هشوف ياسمينا
اومأ برأسه، فتحركت للداخل
بعد قليل وصل جاسر وجد والده جالسـًا بملامح وجمة ووجه شاحب، اقترب منه
-وحشتني ياحضرة اللوا
-رفع نظره إليه
-حمد الله على السلامة ياحبيبي، عامل ايه واخوك
جذب المقعد وجلس أمامه
-كويس، بس مش هيرجع الايام دي، دنى من والده
-بابا تعرف عيلة في العريش اسمها عيلة التميمي
رفع عيناه مستفهمًا
-مش فاهم سؤالك
نهض من مكانه وتحدث مشاكسًا
-لا دا شكل الدكتورة مش مرعياك ياحضرة اللوا
انا هطلع اخد شاور، عريس بقى ياحضرة اللوا
دقق النظر إليه ثم تسائل:
-لسة مُصر على اللي ناويه
اومأ له
-اه ومتحاولش لأني مش هسمع كلامك
استدار متحركًا للداخل، فأغمض جواد عيناه هامسًا له
-جنى هتسافر ياجاسر..تجمد جسده وأحس بوجع يغزو اضلعه وكأن أحدهم شق صدره لنصفين ..فاستدار لوالده
-مسافرة فين ومين قالك !!
اشغق والده عليه كثيرا فنهض متجهًا يقف أمامه
-جاسر رجع مراتك ياحبيبي وأنا هتصرف مع صهيب
-لا يابابا، انا مش هرجع جنى، طرقنا اختلفت ربنا يسعدها
-وأنا بقول كدا برضو يابن عمي
أصيب بشلل بكامل جسده وهو يستدير إليها ببطئ..نغمة صوتها ياالله لقد اشتاق اليها حد الجحيم
اقتربت منه رغم كلماته التي طعنها بها برمح مشتعل وتوقفت أمامه
-عندك حق يابن عمي ، طرقنا اختلفت
ولازم كل واحد يعيش بحريته، ويختار اللي يسعده
اشتعلت حدقتيه كجمرات ملتهبة ، واقترب منها يجذبها بغضب:
-يختار ايه ياختي..ابتسامة لاحت على وجه جواد، فتحرك مبتعدا، يشير لعاليا
أما هو جذبها بقوة حتى اصطدمت بصدره، ودنى من وجهها يود أن يصهرها بقبلاته، تحكم بنفسه وهو يضغط على خصرها
-طيب يابنت عمي مش لما تحضري فرح ابن عمك النهاردة
كلماته فتتها لشظايا وارتجف قلبها قائلة :
-مبروك يابن عمي بالرفاء والببنين ، ولا ليه ماهو انت عندك البنين
نزل بجسده يضع رأسه بحجابها
-لسانك هيتقص ياجنجون، ارتجف جسدها بقوة تدفعه بغضب
-ابعد ياجاسر مينفعش كدا متبقاش مجنون..رفع رأسه ونظر لعيناها القريبة هامسًا بأنفاسًا لاهثة:
-جنى أنا بموت، بلاش تموتيني اكتر
نزعت نفسها منه، ثم تحركت إلى سيارتها دون حديث آخر
❈-❈-❈
تحركت وعيناها تنساب بقوة على وجنتيها ، ارتفعت شهقاتها، استمعت لرنين هاتفها، أزالت دموعها وتوقفت بجانب الطريق
-أيوة ياماما
-جنى باباكي تعب ونقلنها المستشفى حبيبتي ، ضغطه والسكر علي والدكاترة طلبوا متابعته
-أنا جاية حبيبتي
مساء اليوم وصلت فيروز لمنزل جاسر
ولجت للداخل بإبتسامتها، تشير للعاملة
-حطي الشنطة هنا..نظر بساعة يديه
يتذكر حديث يونس بالأمس وهو يتابع معها حملها
-الجنين توقف نبضه بالفعل، بكرة بالكتير هتلاقيه نزل، وكمان لو جابت احسن دكتور في العالم محدش هيعرف أنه بفعل فاعل
-المهم اللي بعده يايونس
لو قصدك على الرحم متخافش كله تحت السيطرة، المهم متجبهاش عندي ارميها في أي مستشفى علشان ماانقذهاش قالها بضحكة
نهض من مكانه واتجه للخارج حيث جلوسها مبتسمة
خرج من شروده على حديثها
-حبيبي المأذون مجاش ليه ..اقتربت تحتضن ذراعيه
-سعيدة قوي ياجسور وكمان مبسوطة علشان خرجت ماما، ووعد مني هتغير علشانك ياحبيبي
ابتسم ساخرًا وابتعد عنها ، ثم جلس يضع ساقًا فوق الأخرى
-اقعدي يافيروز علشان الوقفة غلط عليكي..استمع الى صوت والدتها بجوارها تلك الفتاة التي يبحث عنها والده منذ شهرين
-مين دي يافيروز، تسائل بها جاسر بخبث
اقتربت منها تضمها قائلة:
-دي شيري ياحبيبي بنت أنكل ناجي كانت مسافرة بقالها عشرين سنة، ونزلت مصر
اومأ متفهما ثم نظر بساعته يصيح على أحد رجاله
-شوف المأذون اتأخر ليه
قطع حديثه ، صرخات فيروز تحتضن بطنها وتصرخ بصوت مرتفع والدماء تنسدل من بين ساقيها ، رفعت نظرها لوالدتها مذهولة
-ماما ..إلحقيني شكلي بسقط، لا ، جاسر إلحق ابنك
جلس يضع ساقًا فوق الأخرى وتحدث
-خليه ينزل ياروحي، مش يمكن دا انتقام ..اقتربت منه متألمة
-تقصد إيه ياجاسر، نهض من مكانه
-مبروك ياقلبي شكلي هكون أب الليلة قبل جوازنا
اه صرخت بها حتى وصلت سيارة الإسعاف التي طلبتها والدتها
توقفت أمام الطبيب
-الولد دا لازم يجي يادكتور مهما يحصل ..تحرك الطبيب لغرفة العمليات، جلس متهكمًا ونظرات سحر تحرقه، اقتربت منه
-ايه السبب في نزيفها
نصب عوده متوقفًا
-ليه هي بنتك كانت قاعدة معايا، اسأليها شوفيها عملت ايه، هي كانت متحكمة بنفسها أصلها بنت ..صمت للحظة ثم انحنى يهمس لها
-بنت مجرمين وسحر بتاعة السجائر
قالها وتحرك لتلك الفتاة ..دنى منها
-قولتيلي اسمك ايه..فركت كفيها تنظر لسحر لتنقذها ، اقتربت منها سحر ولكن توقفت مستديرة عندما أردف الطبيب
-المدام اللي جوا عايزاكي يامدام
تحركت سريعا اليها، بينما توقف جاسر يجذب تلك الفتاة لخارج المشفى
-لو سمعت صوتك هعمل منك كفتة، أشار لأحدهما
-وصلها لسيادة العقيد، اقترب منها
-صورتك حلوة ياشيري، بس عارفة شعرك الاصفر احسن
قالها واتجه إلى الداخل، وصل لتلك الغرفة التي يوجد بها فيروز، استمع لصرخاتها
-ابني مات ياماما، ايه اللي حصل
أمسكت الطبيب
-عايزة اعرف ازاي الجنين مات يادكتور سمعتني
عند ياسين امسك هاتفه وكرر اتصالاته بها
-نظرت لتلك الشاشة، ثم امسكته وأجابت
-نعم، بتتتصل ليه
-هرجع بعد يومين جهزي نفسك علشان هتزوري اهلك
اعتدلت بجلوسها مع خفقان قلبها
-ليه !! بابا كويس وماما
تنهد بحزن وأجابها
-كويسين متخافيش، حبيت اعرفك علشان تعملي حسابك في شغلك، لانك هتقعدي شوية هناك
توقفت وانسابت عبراتها رغم عنها.
-إنت مخبي عليا حاجة ياياسين
أغمض عيناه متأثر بهمسها باسمه فأردف دون وعي منه
-متخافيش هم كويسين خلي بالك من نفسك، وبلاش تنامي معيطة وشك بيورم
ابتلعت ريقها ثم حمحمت مردفة
-هقفل عندي شغل
-عاليا ...همس بها ، صمت تستمع إليه
-أنا آسف...ابتسمت بسخرية ثم تحدثت
-مفيش داعي للأسف ياحضرة الظابط
اومأ برأسه قائلاً
-خلاص كلها كام شهر وترجعي لحضن ابوكي، ولا كأنك عرفتيني في يوم من الأيام
هزة عنيفة جعلت جسدها يرتعش من حديثه ،
-إن شاءالله هقفل ،سلام
نظر أمامه بشرود يشعر بآنين تذكر حديث جاسر له
-الواد مصورها وكان طالب منها توقيع من ابوها وحاجات تانية، عشمها بالحب وزي ماانت عارف البنت كانت صغيرة واتعلقت بيه وضحك عليها لحد ماصورها وهددها
زوى حاجبه متسائلا:
-إنت عرفت إزاي دا كله
امسك تفاحته ينظر إليها ثم غمز لها
-هي قالتلي ..القاه بالوسادة بوجهه
-بارد ورخم
تسطح جاسر على العشب يقهقه عليه
-ايه ياملك الهكسوس الصنارة غمزت ولا ايه
تسطح بجواره وتنهيدة عميقة خرجت من جوفه:
-أنا قفلت قلبي ياجاسر مبقاش ليا مزاج في حاجة
-مط جاسر شفتيه ثم هتف
-يعني الفرسة دي هتضيعها
هجم ياسين عليه وهو يقهقه بصوت مرتفع
بعد مرور عدة أيام ولجت للداخل تصرخ به
-جاسر، هقتلك سمعتني، اكيد انت السبب في اللي حصلي، وقف أمامها يضع كفيه بجيب بنطاله وأطلق صفيرًا
-مبروك يامدام فيروز، التالتة تابتة وقضاء ربنا عادل ..اقتربت منه تجذبه من قميصه
-إنت السبب صح ، انا فقدت الأمومة بسببك صح ..انحنى يهمس لها
-اه انا اللي نزلت الولد، وانا اللي دمرتلك امومتك اصلك متستهليش ليه يبقى في امهات زبالة زيك في الدنيا
ثارت غاضبة واقتربت منه محاولة صفعه..جذبها من خصلاتها، صفعة تلو الأخرى فلقد نجحت بإخراج وحشه الكامن، واشعلت نيران صدره بجيوش غضبه .. ف جذبها من خصلاتها يجرها خلفه حتى وصل بها لحديقة منزله
-خد البت دي ارميها في أي زنزانة مقرفة، واعملها قضية ،ركلها بقدمه ثم بصق عليها
-اتجننتي ياحقيرة علشان اتجوزك..نهضت متألمة فمازالت تئن من عمليتها، ثم توقفت
-يبقى اعمل فيا حاجة وطليقتك الأمورة هتكون على كل صفحات الميديا..جن جنونه واقترب منها كاد أن يحرقها بنيران غضبه
تراجعت عندما توقف الرجل أمامه
-جاسر باشا، بتستفز حضرتك..أشارت عليه
-الأول كنت بحوش عنك الموت علشان بحبك لكن دلوقتي اشرب بقى يابن جواد، خليهم يصفوك علشان استمتع بجثتك
دفع الرجل كالمجنون وتحرك إليها ولكنه توقف عندما وجد سيارات جيب سوداء تحاصر منزله
ترجل بيجاد من سيارته وهو يتحدث بهاتفه
-خلاص ياغنى هروح اجيبه من قفاه، وهنزل خبره بالجرايد ..مطلوب القبض على مطلق مُز نرجعه لمراته
والله موتي هيكون على ايدك أنتِ واخوكي
توقف وهو يرى ملثمون يهرولون إلى منزل جاسر..غنى اقفلي وصلت هكلمك بعدين
-عمو جواد إلحق جاسر، فيه مجرمين محاصرين بيته
هب فزعًا من مكانه ثم اغلق وهاتف باسم
-دقيقتين بس والاقي قوة عند ابني في بيته سمعتني ياباسم، هموتك لو حصله حاجة
تحرك سريعا لسيارته استمع لرنين هاتفه عدة مرات
-ايه ياراكان مردتش اعرف اني مشغول
-التميمي هرب من السجن ياحضرة اللوا، وجاسر متحفظ بيه ، اسف لاني شاركته في كدا، كان لازم اقولك
-آآه ...صرخ بها جواد وهو يقود سيارته كالمجنون
يتبع ...
•تابع الفصل التالي "رواية عشق لاذع" اضغط على اسم الرواية