Ads by Google X

رواية جعفر البلطجي الجزء (3) الفصل الثالث و الخمسون 53 - بقلم بيسو وليد

الصفحة الرئيسية

            


 رواية جعفر البلطجي الجزء (3) الفصل الثالث و الخمسون 53 - بقلم بيسو وليد

 وَأَجمَلُ أَيّامِ الفَتى زَمَنُ الصِبىوَ،
خَيرُ الصِبا ما كانَ في الحُبِّ،

نامِيارَعى اللَهُ أَيّامي الَّتي قَد أَضَعتُها،
فَكُنتُ كَأَنّي قَد أَضَعتُ فُؤادِي.
_إيليا ابو ماضي.
___________________
لحظةُ الثأ’ر أفضل لحظات المرء وأكثرها سعادةً..
فلذ’ةُ تلك اللحظة لم تكُن مِن السهل أن ينا’لها هكذا فلأجلها د’فع الكثير مِن عُمـ ـره وتحمـ ـل الكثير مِن الأذ’ىٰ والشـ ـر والحـ ـقد الذي كان يتو’ارث بين بني البشـ ـر على مر العصور حتى أصبح د’اءًا ملعو’نًا ليس مِن السهل أن يتخلـ ـص المرءُ مِنهُ حتى وإن د’فع عُمره ثمـ ـنًا با’هظًا فلن يكون شيئًا بجوار آخرٍ أراد أن يثأ’ر لنفسه كي يمضي قُدُمًا ورؤية الحياة التي حُرِ’مَ مِن لذ’تها..
<“لحظاتٍ مجـ ـنونة وأنفا’سٌ محبو’سة،
فاليوم يُزَفُ عد’و الملك بين ساكني الممـ ـلكة.”>
لحظاتٍ مجـ ـنونة ضر’بت الجميع في مقتـ ـل وأصا’بتهم بالذ’هول التا’م، أنفا’سٌ محبو’سة وأعيُنٍ مجحـ ـظة وأفواهٍ تكاد تُلا’مس الأرض، فاليوم جاء كالر’ياح الموسمية يضر’ب الحارة وأرجاءها بهذا الحد’ث المشهود، فاليوم كان يُزَفُ عد’و الملك بطريقةٍ مختلفة وفريدة مِن نوعها أمام ساكني الممـ ـلكة، تر’قبٍ لِمَ سيحد’ث وحما’سٌ طغـ ـى على الوجوه والنفو’س..

بدأ يُزَف العد’و على الطريقة المصر’ية التقليدية المتناولة في شوارعها العتـ ـيقة وحواريها الجميلة، اليوم تشهـ ـد حارة درويش وساكنيها عن حد’ث هذا اليوم العظيم، الذي فيهِ يُزَف “فـتوح الجـ ـزار” كما قالوا أبناء الحارة وهم يتهامسون فيما بينهم، كانت “بيلا” تجذ’به بعـ ـنفٍ وهي تُشـ ـدد على قبـ ـضة يديها الممـ ـسكة بخصلا’ته وهو يصر’خ أ’لمًا محاولًا إبعا’دها عنهُ في محاولة فا’شلة مِنهُ، تعا’لت أصوات الصغار بمختلف الأعمار يُهـ ـللون ويُشجعون “بيلا” على ما تفعله أسـ ـفل نظرات الذ’هول النابعة مِن هذا الثلاثي..


جذ’بته بعـ ـنفٍ وعلى حين غرّ’ة أو’قعته على ظهـ ـره أر’ضًا ليعـ ـلو معها تأ’وه العا’لِ والقو’ي مغمض العينين ومنكـ ـمش الوجه بعدما أنتشـ ـر الأ’لم بجميع أنحاء جسـ ـده، في هذه اللحظة أقتربت “نـورهان” رفقة أخيها الأكبر يقتـ ـحما تلك الدائرة لرؤية ما يحد’ث لتصيـ ـبهم الصد’مة بلا شـ ـك مثل الجميع، وضعت “نـورهان” كفها على فمها مجحـ ـظة العينين وهي تراه يتسطـ ـح على الأ’رض لا يقد’ر على النهوض، تبادلت هي وأخيها النظرات فيما بينهم ثم نظرا إليهِ فقد كانا ينتو’يان المجيء وخصيصًا أخيها كي يُلـ ـقنه در’سًا قا’سيًا على ما فعـ ـله مع شقيقته ولَكِنّ يبدو أن أحدهم يثأ’ر الآن..

جاءت “فاطمة” وظهرت في الصورة أمام الجميع وبيدها العـ ـصا الخـ ـشبية التي كانت مع هذا الحـ ـقير الذي ها’جم “يـوسف” بها في المقا’بر تقف على الجهة المقابلة إلى “بيلا” التي مازالت لم تشعر بالرضا بعد لتأخذها مِنها وهي تنظر إلى “فـتوح” الذي حينما حاول النهوض كانت تر’دع فعله ذاك وهي تُسـ ـقط العـ ـصا على قد’مه مثلما فعل هذا الحـ ـقير الذي أرسله إلى زوجها ليقـ ـضي عليهِ، الجميع يُشاهد سواء في الأسفـ ـل أو الأ’على مِن بينهم “هـناء” و “شـاهي” اللتان أصا’بتهما الصد’مة جليًا بلا شـ ـك..


أسقطتها مِن جديد ومعها تعـ ـلو صر’خاته أ’لمًا تشـ ـق الجد’ران بسـ ـبب قو’تها، وقبل أن تضر’ب الثالثة توقفت وألتفتت إلى زوجها الذي كان ينظر إليها مصد’ومًا لا يُصدق ما يراه وكأن عـ ـقله توقف عن أستيعا’ب ما يحد’ث حوله ليسمعها تسأله بنبرةٍ حا’دة قائلة:
_ضر’بك كام واحدة؟.
لا يسمعها كل ما يسمعه طـ ـنين أذنيه، يشعر أن عـ ـقله مغـ ـيبًا عن العا’لم بأكمله ليُخرجه مِن حالته تلك ز’جرة “سـراج” لهُ والذي قال بنبرةٍ خا’ئفة:
_رُد يا عمّ أنتَ فقـ ـدت النطـ ـق ولا إيه؟ أنا عارف الصد’مة و’حشة بس لدرجة إنها تخر’صك يعني !!.


نظر لهُ “يـوسف” كالمغـ ـيب يسأله عن هوية الما’ثلة أمامه قائلًا:
_مين دي؟.
_أحـ ـيه طلـ ـع فقـ ـدان ذا’كرة مش نُطـ ـق؟ “يـوسف” متخو’فنيش عليك يا صاحبي الصد’مة و’حشة أنا عارف بس مش للدرجة دي.

هكذا جاوبه “سـراج” مصد’ومًا ومتحـ ـسرًا على وصل لهُ صديقه ليأتي صوت “فاطمة” هذه المرة والتي صا’حت بهما بنفا’ذ صبرٍ ليجاوبها “سـراج” سريعًا خو’فًا مِنها قائلًا:
_٥ يا رَ’يسة بعون الله.
_حلو وهو واخد كام ضر’بة دلوقتي يا “بيلا”؟.
هكذا سألتها “فاطمة” بجديةٍ وهي تنظر لها لتُشير إليها “بيلا” بالسبا’بة والو’سطى وهي تر’مق “فـتوح” بشـ ـرٍ عظـ ـيم ثم أسقـ ـطت الثالثة تليها الرابعة فورًا تليهما صوتها الغا’ضب تشفي غـ ـليلها مِنهُ قائلة:
_قر’فتنا فعيـ ـشتنا بقى يا أخي حرام على أ’هلك أر’حمنا !!.


أنهـ ـت حديثها صا’رخةً بهِ لتُسقـ ـط الخامسة ومعها السادسة التي خـ ـتمت بها بقولها:
_والـ ٦ دي هدية مِني ليك يا ابن الجـ ـزار، عشان تفكر تيجي على أسيا’دك يا را’جل يا صو’رم.
أقتربت “فاطمة” وهي تثـ ـني سا’عديها كي تتسـ ـلم دورها قائلة:

_”بيلا” ضر’بت أنا أشَـ ـفي الخـ ـروف بقى.
أنهـ ـت حديثها وهي تنز’ع خُـ ـفّها وتبدأ بضر’ب “فـتوح” بهِ دون توقف قائلة بتشـ ـفي:
_فاكر الشبشـ ـب دا يا “فـتوح” يوم ما جر’يتك زي النسو’ان مِن “عباس” العطار لغاية هنا وأتحامـ ـيت فالمحل بتاعك زي الفا’ر المبلو’ل فجُـ ـحره وجبتك ساعتها فتـ ـحتلك قـ ـرنك بيه، المرة دي على را’سك وجسـ ـمك وكُل حتة عشان تحر’م تيجي على ر’جالتنا تاني يا عد’يم الر’جولة والنخـ ـوة لمَ تدي مراتك الحا’مل علـ ـقة مو’ت يا جر’بوع عشان فضـ ـحت ****** طب قولي أنتَ طـ ـينتك دي إيه؟.


تعا’لت الضحكات تر’ج أرجاء الحارة وهم يشاهدون ويستمعون إلى ما يحد’ث ويُقال لتنقلـ ـب الأجواء في لمـ ـح البصر بقدوم “فتحـي” و “عـصفورة” و “حـد’يدة” وبقية الر’جال الذين ينتموون للعصا’بات بأسلـ ـحتهم المختلفة يُحاوطونهما مغـ ـلقين عليهم دائرة الهر’ب، جاورت “فاطمة” “بيلا” وهي تنظر حولها ترى أن لا مكان للهر’بِ مِنهُ، نظرت مِن جديد إلى “فتحـي” لتقول بنبرةٍ سا’خرة:

_وقال يقولك ر’جالة بشـ ـنبات وهما ميعرفوش عنها غير يلمـ ـوا شوية عيا’ل ما’سكة سلا’ح ويحا’صروا أتنين ولا’يا.
مـ ـصمصت شفتيها مشفـ ـقةً وهي تُكمل حديثها قائلة:
_يا عـ ـيني بجد، مِن ر’جولتك يا “فتحـي” حا’سة نِفـ ـسي غَـ ـمة عليا مِن شكا’رة الشها’مة اللي واقفة قدامي … يلا أنتَ وهو مِن هنا بدل ما تهـ ـب فد’ماغي أجيبلكم أ’جل النطـ ـع دا اللي عاملين فيها ر’جالة وجايين تاخدو حـ ـقه مِن أتنين ولا’يا فاكرينا هنخا’ف ولا إيه؟.
خرج “حـسن” في هذه اللحظة إلى شـ ـرفة منزلهِ حا’ملًا إ’ناء كبير الحجـ ـم ملـ ـيء بالمياه الباردة والثلو’ج المجـ ـمدة ينظر إليهم يروا عد’م أهتـ ـزازهم ليقول بنبرةٍ حا’دة وعا’لية:
_يلا يا’ض يا خا’يب مِنك لِيه مِن هنا بدل ما أعمل معاكوا الغـ ـلط.
توجهت الأنظار جميعها إليهِ وهم ينظرون لهُ ليأتي قول “فتحـي” الذي أشار إليهِ بالسلا’ح الأبيـ ـض قائلًا بنبرةٍ حا’دة وغا’ضبة:
_فـ ـكك مِني عشان مش ناقـ ـصاك أنتَ كمان على المسا.
_لا يا حيـ ـلة أُ’مّك أنا هخليها تبقى نقـ ـصاني عشان فيها نَفَـ ـر ناقـ ـص.
أنهـ ـى “حـسن” حديثه السا’خر وهو ير’فع الإ’ناء ويقم بسـ ـكب ما فيه عليهم جميعًا لتشو’م حالة مِن الهر’ج والمر’ج في لمـ ـح البصر، خرج “لؤي” في هذه اللحظة إلى شُـ ـرفته وهو يحـ ـمل نفس الإ’ناء ليقم بسـ ـكب ما فيهِ عليهم كذلك وهو يقول بنبرةٍ عا’لية:
_”حـسن” دَ’لَق عليكم ميَّة نضـ ـيفة ينضـ ـف ****** ومش هقول إني هـ ـد’لُق ميَّة **** عشان هو دا أصـ ـلكم يا عيلة الجـ ـزار.

ر’فعت “فاطمة” رأسها في هذه اللحظة تُطا’لع زوجها بسعادةٍ طا’غية وبسمةٌ وا’سعة على ثغرها لتُرسل إليهِ قْبّلة هو’ائية وهي تقول بنبرةٍ سعيدة:
_حبيبي دا، إصمالله عليه يطلـ ـعلك مِن تحـ ـت الأر’ض زي العفر’يت يعمل اللي شوفتيه دا.
أبتسمت “بيلا” بزاوية فمها وهي تراهم يعودون مِن جديد وعلى ر’أسهم “فتحـي” الذي كان يُلـ ـقي على مسامعهم السُبا’ب البذ’يء كعادته الو’قحة بعد أن تبـ ـللت ملابسه بالكامل هو ومَن معهُ، في هذه اللحظة تحرك “سـراج” متوجهًا إليهما وقد لَحِـ ـقَ بهِ “يـوسف” الذي تحا’مل على نفسه وتحرك بخطى شبه وا’سعة حتى يتخـ ـذ دور الحا’مي الأول إلى زوجته التي أصا’بت ضر’بتها لهُ بفعـ ـلتها المبا’غتة تلك ليُلا’زمه “جـاد” كما المتو’قع مِنهُ..
اقتـ ـحم تلك الدائرة يفـ ـرض هيـ ـمنته وشخصيته على الجميع كما المتو’قع واقفًا أمام زوجته مواجهًا “فتحـي”، جذ’بت “بيلا” “فاطمة” خلفها وتر’قبت ما سيحد’ث بين “فتحـي” وزوجها، نظر “فتحـي” إلى “يـوسف” وقال بنبرةٍ حا’دة مفعـ ـمة بالغـ ـضب:
_أظن العـ ـيب معروف على مين، يعني مفيهاش ز’علة مِن الرد.
أبتسم “يـوسف” بسمةٌ سا’خرة بزاوية فمهِ وقال:
_وهو النطـ ـع ناو’ي ياخد حـ ـقه مِن ٢ ولايا ولا إيه؟ طب دي عيـ ـبة كبيرة أوي فحـ ـقك يا د’كر.
أنهـ ـى حديثه سا’خرًا وهو ير’ميه بنظراتٍ مشمـ ـئزة لتجاوبه “فاطمة” مغتا’ظة وهو تر’كل “فـتوح” بقد’مها في معد’ته ليعلـ ـو صرا’خه المتأ’لم تزامنًا مع قولها بنبرةٍ مغتا’ظة:
_هما كدا يا “يـوسف” يا خويا، بيشوفوا نفسهم رجا’لة لمَ يجيبوا حبة عيا’ل بسلا’ح وفاكرين كدا ر’جولة وشها’مة، أنا شايفة إنك تفـ ـتح مشروع أنتَ والر’جالة وتدوهم كورسات على الأقل تستنفعوا مِنهم بحاجة.

تحرك واحدٍ مِن ر’جال “فتحـي” حينما ضـ ـربت “فاطمة” “فـتوح” را’فعًا سلا’حه الأبـ ـيض منتو’يًا على الثأ’ر ليوقفه قول “يـوسف” الصار’م الذي تَلَبْـ ـستهُ شخصية “جـعفر” الحبيبة التي كانت هذه لحظاتها المفضلة:
_وعهـ ـد الله اللي هيعمل فيها د’كر وير’فع إيده على و’احدة فيهم لاكون مخليه عِبـ ـرة قدام الناس دي كُلها وأظن الكُل عارف أنا هعمل إيه لا هيـ ـهمني حد ولا هعمل أعتبا’ر لأي واحد اللي يتعـ ـدى على حُر’مة بيتي يبقى حفـ ـر قبـ ـره بإيده ولو على الحكو’مة يا “فتحـي” فمتقلـ ـقش يابا، واخد تصر’يح ومعايا وا’سطة تقـ ـيلة، الد’كر بقى فيكم يقربلهم.
جاء صوت “ثـريا” التي نصـ ـفته أمام الجميع وجعلته علامة مُميزة حينما قالت بنبرةٍ عا’لية:
_تسلم فُـ ـمك يا “يـوسف” عداك العيـ ـب وأزَ’ح يا حبيبي الدور والباقي على كتاكيت عيلة الجـ ـزار اللي كان قَدَ’مها شؤ’م علينا جتـ ـهم دا’هية فيهم جيرة تعـ ـر صحيح.
ألتفت إليها “فتحـي” وأشار إليها بالسلا’ح خاصته وهو يقول بنبرةٍ خـ ـشنة:
_أتلـ ـمي يا و’لية يا خـ ـرفانة أنتِ بدل ما أعملها معاكي وأحصـ ـرك على دُ’كانتك الكحيا’نة دي.
جُـ ـن جـ ـنون “حـسن” حينما تو’اقح معها “فتحـي” ولذلك أشتـ ـدت أعصـ ـابه وقبل أن يهجُـ ـم عليهِ منـ ـعته يد والدته التي تخصـ ـرت يدها الأخرى خصـ ـرها وشهـ ـقت بأسلوبٍ سو’قي وقالت بنبرةٍ عا’لية سو’قية:
_حو’شي يا حارة درويش جه اليوم اللي أخا’ف فيه مِن تهـ ـديد ابن المبـ ـقعة الكبير … د’كر ر’جلك تجيبك يالا وأنا هوريك الخـ ـرفانة هتعمل فيك إيه يا *** الر’جالة، دُ’كانتي دي أنضـ ـف مِن دُ’كانتك الـ**** اللي مـ ـليان مخد’رات بالكو’م يا شـ ـمام، متخلنيش أفـ ـضح تاريخكم الـ*** بقى قدام الناس أنا محتر’مة وما’سكة نفسي بالعا’فية اسكوت يا لسا’ني بقى.

أتسـ ـعت البسمةُ على ثغر “يـوسف” الذي كان ينظر إليها ويستمع لها متفاخرًا بها لينظر إلى “حـسن” يومض جـ ـفنه الأ’يسر لهُ بخـ ـفةٍ والذي نظر إليهِ في هذه اللحظة وكأنه يخبره لا تقلـ ـق عليها تعلم كيف تجلب حـ ـقها دون مساعدة، ألتفت إلى زوجته التي كانت تقف خلفه تأخذه حا’ميًا إليها ليقول بنبرةٍ هادئة ما’ددًا كفه إليها:
_الشو’مة يا عسولة بعد إذنك.
أعطته إياها دون أن تتحدث ليأخذها هو قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_تسلم الأيا’دي يا حياتي، جو’اكي رو’ح “جـعفر” أبهرتني.
أبتسمت هي بسعادةٍ حينما نجحت خـ ـطتها لتُعانق ذراعه بذراعيها تُلثم كتفه واضعةً رأسها عليهِ بعدها ليأتيها سؤاله حينما نظر إلى القابع بجواره على أر’ضية الحارة قائلًا:
_أتكيـ ـفتي ولا لسه؟.
ر’فعت رأسها تنظر لهُ لتُحرك رأسها تنفـ ـي سؤاله ثم أعاد سؤاله على “فاطمة” التي أعطته نفس الإجابة ليُعطيهما الإشارة الخضـ ـراء وهو يتلمـ ـس العـ ـصا بأنامله قائلًا:
_طب يلا سمي الله أنتِ وهي وبالشبشـ ـب وعلى د’ماغ اللي خـ ـلفوه وتتو’صوا أعملوا الحاجة بضميـ ـر عشان بييجي يأ’نب بليل.
نظرت كلتاهما إلى بعضهما البعض وأتسـ ـعت بسمتهما لتقتربان مِن “فـتوح” الذي كان يسـ ـعى للنهوض بعدما تعر’ض لو’صلة ضر’ب عنـ ـيفٍ لم يتلقاه قط ليراهما تعودان مِن جديد تُطا’لعانه بشـ ـرٍ، تر’قب هو فعـ ـلهما ليرى “فاطمة” عادت تنز’ع خُـ ـفّها مِن جديد وهي تقول ببسمةٌ وا’سعة ونبرةٍ متشـ ـفية:

_جالك المو’ت يا تا’رك الصلاة، بسم الله حلا’ل الله أكبر.
أنهـ ـت حديثها واسقـ ـطته عليهِ وشاركتها “بيلا” التي كانت تنتقـ ـم لزوجها أسفـ ـل نظرات الجميع لتتشـ ـكل دائرة أخرى كانت كالحـ ـصن المنيـ ـع إليهما بعد أن جمع “لؤي” أصدقائه أجمع وبأياديهم أسلـ ـحتهم الحبيبة يفر’ضون حما’يتهم على هاتين السيـ ـدتين اللتان أبر’حت هذا الحـ ـقير در’سًا قا’سيًا، أقتحـ ـمت “ثـريا” تلك الدائرة ترى هذا الحـ ـقير ينا’ل جزءًا صغيرًا مِن عقا’به لتُهـ ـلل عا’ليًا بسعادةٍ كبيرة تقوم بتلحينها قائلة:
_يا “فـتوح” يا عبيـ ـط جابتك الحـ ـريم.
رددوا صغار الحارة خلفها وهم يُصفقون عا’ليًا بسعادةٍ كبيرة وحما’سٍ طـ ـغى على وجوههم الصغيرة، أبتسم “يـوسف” ونظر إلى “فتحـي” الذي كان يقف في مواجهته ينظر إليهِ بغضـ ـبٍ جم ونظراتٍ مشـ ـتعلة تكاد تحر’قه ليُطا’لعه “يـوسف” مبتسم الوجه ليقول بنبرةٍ متشـ ـفية:
_دا حاجة صغيرة كدا، تدُل على الجحـ ـيم اللي هيشوفه أخوك على إيدي إن شاء الله، سبق وبدأ اللعب معايا وأنتَ عارف اللي بيلعب معايا النا’ر بتحر’قه، اللي حصـ ـل لأخوك دا ردًا على اللي عمله معايا فالتُر’ب ولسه اللي جاي تقيـ ـل أوي … وأنتَ والـ ٢ اللي معاك دول تقفوا تتفرجوا بدل ما تاخدو مِن الحُبّ جانب، اللهم بلغت اللهم فأشهد.
أنهـ ـى حديثه محذ’رًا إياه بصراحةٍ تا’مة ومعهو’دة كما أعتاد ليلتفت بعدها إلى زوجته موجهًا حديثه إليها هي و “فاطمة” قائلًا:
_كفاية يا أُمّ “ليان” أنتِ وأُمّ “نورسين” تسلم إيديكم ما يجيبها إلا حر’يمها.
توقفت كلتاهما وهما تنظران إليهِ بتشـ ـفي لتُطلق “فاطمة” ز’فيرة قو’ية ثم نظرت إليهِ وأبتسمت قائلة:

_كله عشان خاطر أخويا برضوا يا “يـوسف”، المهم أتراضيت؟.
أنهـ ـت حديثها متسائلة ليجاوبها هي مطصنعًا عد’م الوضا قائلًا:
_يعني، عارفة ليه عشان مشاركتكوش فالليلة دي لو كُنْت معاكم كُنْتي هتلاقيني متكـ ـيف، بس تسلم الأيا’دي طـ ـفيتوا نا’ري شوية.
أبتسمت “فاطمة” ونظرت إلى “بيلا” التي كانت لا تقـ ـل عنها شيئًا والتي أقتربت مِن زوجها تر’تمي داخل أحضانه محاوطةً خصـ ـره بذراعيها واضعةً رأسها على صد’ره لتشعر بهِ يضمها في غضون ثوانٍ تزامنًا مع قوله متفاخرًا بها:
_مأ’ثرتيش يا رو’ح قلبي، هي دي “بيلا” الجبا’رة اللي مد’فونة جواكي ومخرجتش غير لمَ “يـوسف” أتأ’ذىٰ.
_وأنتَ عايزني أبقى عارفة اللي أذ’ىٰ جوزي حبيبي وأسكوتله؟ أنتَ شايفني كدا؟.
هكذا ردت وهكذا سألت وهي تر’فع رأسها حتى تتثنى لها رؤيتهِ لينظر هو إليها في هذه اللحظة مبتسم الوجه ثم نفـ ـى حديثها الأخير بإماءة خـ ـفيفة مِن رأسه ثم لثم جبينها بقْبّلة حنونة وعاد يضمها مِن جديد قائلًا بوجهٍ مبتسم:
_لا يا رو’حي طبعًا أنتِ طلـ ـعتي بـ ١٠٠ را’جل وتسـ ـدي فأي حاجة كمان، مش هخا’ف عليكي بعد كدا خلاص أنا أتطـ ـمنت عليكي.
اقترب “لؤي” مِن “فاطمة” التي هندمت حجاب رأسها ونظرت إليهِ ليضمها هو إلى أحضانه قائلًا بوجهٍ مبتسم:
_أنا قولتلهم يا جدعان “فطومتي” ميتخا’فش عليها محدش صدقني، تسلم الأيا’دي يا حياتي أتو’صيتي بيه أوي النهاردة.
أبتسمت “فاطمة” بعد أن وضعت رأسها على صد’ره وقالت:

_أنتَ عارفني يا “لؤي” ما بصدق فالحاجات دي، وهو يستا’هل بأ’مانة يعني.
ربت على ظهرها برفقٍ بوجهٍ مبتسم لتر’فع هي رأسها تنظر إليهِ قائلة بنبرةٍ متسائلة:
_بس إيه رأيك فيا، عجبتك مش كدا؟.
نظر هو إليها وأبتسم لها مجيبًا إياها بنبرةٍ صا’دقة قائلًا:
_عجبتيني أوي يعني، كيفـ ـتيلي د’ماغي يا “فطومي”.
غمـ ـرتها السعادة وشـ ـددت مِن ضمتها إليهِ دون أن تتحدث لينظر هو إلى صديقه الذي أبتسم إليهِ وومض لهُ بجـ ـفنه الأ’يسر بعـ ـبثٍ ليبتسم إليهِ دون أن يتحدث، اقترب “سـراج” مِنهُ ليقف أمامه قائلًا:
_يلا يا صاحبي عشان نروح المستشفى، أمشي.
نظر إليهِ “يـوسف” وأعطاه أما’ءة صغيرة مِن رأسه ثم حاوط كتفي زوجته مستـ ـندًا عليها لتحاوطه هي بذراعها تسا’نده تجاه السيارة وهي تقول:
_عجبتك مش كدا؟.
نظر إليها بطر’ف عينه وأبتسم لها ثم وقال بنبرةٍ هادئة:
_بقولك “جـعفر” أتكـ ـيف باللي عملتيه تقولي عجبتك؟!.
أوقفهم صوت “فتحـي” الغا’ضب الذي صا’ح بعلـ ـو صوته موجهًا حديثه إلى “يـوسف” قائلًا بتو’عد:

_مش هتعـ ـدي يا “يـوسف”، الرد هيو’جعك أوي خلّي بالك.
توقف “يـوسف” ثم ألتفت إليهِ لتـ ـمنعه “بيلا” مِن أن يذهب خو’فًا عليهِ وهو مصا’بٌ بتلك الطريقة ليجاوبه بنبرةٍ با’ردة قائلًا:
_اللي عندك أعمله يا هـ ـفأ أنتَ والمهز’أ اللي مر’مي زي الخـ ـروف المشـ ـفي عالأرض دا، عا’لجوه عشان هكمل عليه لسه عايز عضـ ـمه نا’شف عشان يستحمـ ـل اللي هيجـ ـراله بعد كدا.
أنهـ ـى حديثه ثم تركه وذهب بمساعدة زوجته وابن عمّه لهُ أسـ ـفل نظرات الجميع وأكثرهم “فتحـي” الذي كان يستشـ ـيط غضـ ـبًا بلا شـ ـك بعد أن نجح “يـوسف” للمرةِ التي لا يعلمها في الثأ’ر مِنهم وجعلهم يخسـ ـرون كر’امتهم أمام الجميع بأ’قل مجهو’دٍ مِنهُ كالمعتاد، ألتفت هو وذهب إلى أخيه يساعده على النهوض هو والر’جال والذي كان يتأ’لم بشـ ـدة بسـ ـبب الأ’لم الذي اقتـ ـحم جسـ ـده بدون سابق إنذ’ار..
أدار “سـراج” سيارته ورحل أسفـ ـل نظرات الجميع إلى المشفى، ولجت “شـاهي” تبحث عن هاتفها وخلفها “هـناء” التي قالت:
_أهدي بس يا “شـاهي” حاجة بسيطة إن شاء الله.
أخذت “شـاهي” هاتفها وبدأت تعـ ـبث بهِ بأيدي مر’تعشة بعد أن رأت حا’لة ولدها تلك ترد عليها بنبرةٍ تملؤ’ها الخو’ف الشـ ـديد:
_أهدى إيه بس يا “هـناء” مراته و “جـاد” سا’ندينه وهو مش قا’در يتحرك وتقوليلي أهدى أنا لاز’م أعرف في إيه ومكلمنيش ليه وحكالي حاجة.
أنهـ ـت حديثها وهي تضع الهاتف على أذنها تنتظر تلقي الإجابة التي لم تأتي بكُل تأكيد لتقول بنبرةٍ متو’ترة:
_مبتردش عليا ليه يا “يـوسف”، طبعًا ليك حـ ـق متردش عشان مش هتلاقي حاجة تقولها.

أعادت مهاتفته مِن جديد أسـ ـفل نظرات “هـناء” التي أخذت هاتفها وقالت:
_أنا هتصل بـ “بيلا” جايز ترد وأعرف مِنها اللي حصـ ـل.
زفـ ـرت “شـاهي” بتو’ترٍ شـ ـديد حينما لم تتلقى الرد لتبدأ بمهاتفة “جـاد” لرُبما يأتي جوابه ويُطمـ ـئن قلبها ولو قليلًا، وكما توقعت لم يُجيبها لتفهم أن ولدها قد مـ ـنعه فماذا تنتظر مِنهُ غير ذلك، جاءها جواب “هـناء” التي قالت بنبرةٍ يا’ئسة:
_وهي كمان مش بترد عليا.
ألتفتت “شـاهي” إليها تنظر لها لتقول بنبرةٍ متو’عدة:
_حلو أوي، يبقى هو اللي قالهم ميردوش عليا، ماشي يا “يـوسف” حسا’بي معاك بعدين على الرُ’عب اللي معيـ ـشهولي دلوقتي دا ولا حاسس بيا.
ربتت “هـناء” على كتفها برفقٍ وقالت بنبرةٍ هادئة:
_جايز مش عايزك تعرفي عشان عارف إنك هتخا’في عليه أوي ومش هتتـ ـحملي تشوفيه تـ ـعبان قدامك، هو بيتصر’ف بناءًا على مشاعر اللي قدامه تجاهه يعني لو حد بيخا’ف عليه أوي مبيحبش يز’ود خو’فه أكتر يمكن الطريقة مش صح بس عامل حسابك، أستني شوية وهو هيكلمك ويطـ ـمنك عليه بنفسه.
جاوبتها “شـاهي” والخو’ف يحتضن قلـ ـبها على ولدها وهي تقول بنبرةٍ لو’عة:
_حتى ولو يا “هـناء” أنا أُمّه هخا’ف عليه طول الوقت حتى مِن نفسه، أبني همـ ـجي ومبيفكرش فأي حاجة بيعملها بيتهو’ر ومبيعملش بنتايج تهو’ره دا فالآخر ولا حتى بيفكر فيا كلمته مرة وقالي أنا كدا مِن زمان ومتعود بس أنا مش متعودة ومش هعرف أتعود غصـ ـب عنّي أنا بخا’ف عليه هو وأخته دول غا’بوا عنّي العُمر كُله يا “هـناء” أفتكرتهم راحوا لـ “عـدنان” وسابوني لوحدي أو أتعـ ـرضوا لأي حاجة لقدر الله أنا كُنْت مش عا’يشة مِن قبلهم صدقيني، أنا كُل يوم قلبي كان بيتقـ ـطع ورو’حي بتتجـ ـلد والخـ ـنقة ممو’تاني عليهم، مكُنْتش عارفة أنا عا’يشة ليه، إيه الحاجة اللي عا’يشة عشانها ما هي راحت خلاص، ولمَ رجعولي، لمَ رجعولي ودخلوا عليا هما الـ ٢ حسيت إني بحلم، حسيت إني مو’ت وأتحا’سبت ودخلت الجـ ـنة معاهم، محسيتش بيهم غير لمَ جر’ي هو عليا وأتر’مى فحُضني وقتها حسيت إني بحلم مستحـ ـيل يكون أبني وبنـ ـتي لسه عا’يشين..

_فو’قت وهو بيعيط جوه حُضني ومش مصدق نفسه ولا أنا مصدقة اللي بيحـ ـصل، مصدقت بقوا فحُضني يا “هـناء” معنديش أستعداد أخـ ـسر واحد فيهم، حتى “عَـليا” أعتبرتها بنـ ـتي، هي ملهاش ذ’نب فاللي حصـ ـل كانت ضحـ ـية زي ما ولادي كانوا ضحـ ـية، لولاها مكانوش فضلوا عا’يشين هي اللي هر’بتهم مِن أُمّها … وبعد دا كُله بتقوليلي أهدى وأستنى يا “هـناء”؟ أنا أرضى الأذ’ىٰ لنفسي بس مرضاهوش لواحد فيهم صدقيني.
أنهـ ـت حديثها وأنخر’طت في البكاء المـ ـرير، بينما كانت “هـناء” تستمع إلى حديثها الذي آ’لم قلبها بلا شـ ـك ولا’مس رو’حها فهي تشعر بها وكانت في إحدى الأيام محلها وتعلم كيف يكون هذا الشعور قا’سٍ على الأم، ضمتها إلى أحضانها ممسِّدةً على ظهرها بحنوٍ تو’اسيها دون أن تتحدث فلا بكلمات العالم أجمع أن تُربت على قلـ ـبها المر’تعد الد’امي بكُل تأكيد..
وبعد مرور ساعة.
تعا’لت الطرقات على باب المنزل لتخرج “هـناء” مِن الغرفة المجاورة إلى باب الشقة تفتـ ـحه لترى “عـماد” أمامها في أول لقاءٍ بينهما، جحـ ـظت عينيها بعد’م أستيعا’ب ليُصـ ـيبها الهـ ـلع فور رؤيته لتقول بنبرةٍ مر’تعبة:
_سلامٌ قولٌ مِن ربٍ رحيم، هما الأمو’ات بيرجعوا أزاي تاني.
تعجب “عـماد” كثيرًا مِن حديثها ولذلك عقد ما بين حاجبيه متعجبًا وهو ينظر لها ليراها تبتعد عن مر’ماه تعود إلى الخلف وهي تصـ ـيح بها قائلة بنبرةٍ مر’تعدة:
_يا “شـاهي” ألحـ ـقيني، جوزك طـ ـلع مِن التُر’بة وجاي يزورك.
أصا’بته الصد’مة بلا شـ ـك حينما أستمع إلى حديثها ذاك لتجحـ ـظ عينيه قليلًا غير مصدقٍ لِمَ يسمعه ليُحاول إيضاح الأمر لها بقوله الهادئ:

_لا أنتِ فاهمة غـ ـلط أنا مش..
قامت ببَتـ ـر حديثه دون أن يُكمل قوله حينما قالت برُ’عبٍ:
_وكمان بتتكلم وتبـ ـرر، لا لا لا أنا أكيد مو’ت وبتحاسـ ـب دلوقتي.
أغـ ـلقت الباب سريعًا بو’جهه برُ’عبٍ تزامنًا مع قولها السريع:
_أعوذُ بالله مِن الشيـ ـطان الر’جيم، أنصر’ف.
لجـ ـمته الصد’مة وجعلته كالأحجا’ر الصـ ـلبة بسـ ـبب ما حد’ث منذ لحظات، شعر بأن عقـ ـله توقف عن التفكير ولسانه لُجِـ ـمَ بسَوْ’ط حينما رأى خو’فها وصد’متها مِنهُ، فيما ولجت هي سريعًا إلى الداخل لتراها تجلس في الشرفة شاردة الذهن، أقتربت مِنها بخطى سريعة لتقف أمامها قائلة بنبرةٍ لا’هثة ومر’تعدة:
_ألحـ ـقيني يا “شـاهي” طلـ ـع مِن التُر’بة وجه يشوفك.
أستفاقت “شـاهي” مِن شرودها لتنظر إليها متعجبة مِن قولها وخو’فها ذاك لتسألها جا’هلةً الأمر قائلة:
_مين دا اللي طـ ـلع مِن التُر’بة وجه يشوفني؟.
_جوزك يا اختي، واقف على الباب بره وبكُل تلقائية قال إيه عايز “شـاهي”.
هكذا جاوبتها “هـناء” مند’فعة وهي تلهـ ـث بعنـ ـفٍ وتنظر إليها لتستغرق “شـاهي” ثوانٍ تُفكر في حديثها لتشعر بالتعجب ولذلك نهضت ونظرت إلى الأسـ ـفل لترى سيارة “عـماد” مصفوفة أسـ ـفل البِنْاية لتُصـ ـيبها الصد’مة في الحال لتبدأ بر’بط حديثها بما تراه لثوانٍ معدودة لتنظر إليها مجحـ ـظة العينين قائلة بنبرةٍ متسائلة:

_أنتِ قفـ ـلتي الباب فو’شه؟.
_أيوه مستنياني أضايف مـ ـيت أنتِ مجـ ـنونة؟.
هكذا صا’حت “هـناء” بوجهها وهي مازالت مصد’ومة مِن حديثها ولذلك قبل أن تجاوبها “شـاهي” منـ ـعها صوت جرس المنزل الذي رن عا’ليًا لتُقرر “شـاهي” الولوج لتمـ ـنعها يد “هـناء” التي أوقفتها قائلة بتر’قبٍ وتساؤل:
_أنتِ هتعملي إيه؟.
أجابتها “شـاهي” وهي تُبعد كف “هـناء” القا’بض على ر’سغها قائلة بنبرةٍ مذ’هولة:
_هفـ ـتح الباب دا “عـماد” أخو “عـدنان” التوأم.
أصا’بت الصد’مة “هـناء” بلا شـ ـك وجحـ ـظت عينيها على وسـ ـعهما وهي تشعر أنها لا تستطيع أستيعا’ب ما يُقال لها وما يحدُ’ث حولها وكأنها لا تنتمي إليهم ولا تعلم ماهية البشـ ـر مِن حولها، جلست على المقعد بجسـ ـدٍ متر’اخٍ تنظر حولها بتيـ ـهة لا تُصدق ما سمعته لتُيقن أنها أر’تكبت خـ ـطًأ فاد’حًا بلا شـ ـك، وضعت كفيها على رأسها التي أنكـ ـستها إلى الأسفـ ـل تُفكر كيف ستقم بإصلا’ح ما قامت بإفسا’ده منذ قليل..
خرجت “شـاهي” وأتجهت بخطى هادئة إلى الباب وهي لا تعلم كيف ستُصلح ما قامت “هـناء” بإفسا’ده الآن، فتـ ـحت الباب وأبتسمت إليهِ حينما رأته أمامها لتُرحب بهِ فورًا حينما قالت:
_أهلًا أهلًا يا “عـماد” خطوة عزيزة أدخل.

أبتسم إليها “عـماد” حينما رآها أمامه ليولج بخطى هادئة ووقف بجوار الباب الذي أغـ ـلقته هي ودَعَته إلى الداخل قائلة بترحابٍ:
_أتفضل يا “عـماد” أنتَ مش غريب.
سار “عـماد” خلفها لتشير إليهِ تجاه المقعد دون أن يتحدث ليجلس هو بهدوءٍ وهو ينظر إلى أرجاء المنزل التي كانت هادئة وجميلة تُر’يح العين والر’وح وتَسكُن العـ ـقل، نظر إليها بعدما جذ’به صوتها الهادئ قائلة بنبرةٍ متسائلة:
_تحب تشرب حاجة؟.
أبتسم هو وقال بنبرةٍ هادئة ممازحًا إياها:
_ينفع تسأليني سؤال زي دا برضوا معقولة محفظتنيش كُل دا؟.
أبتسمت هي وجاوبته بنبرةٍ هادئة قائلة:
_تصدق عندك حـ ـق، هعملك كوباية الشاي اللي بتحبها.
أنهـ ـت حديثها ثم تركته وذهبت إلى المطبخ تاركةً إياه يطوف بعينيه في أرجاء المكان يُثني على رُقيه وبساطته، لأول مرة يجلس في بيوتٍ كتلك بعد أن قـ ـضى حياته بأكملها في منزل العائلة الكبير؛ لأول مرة يشعُر بهذا الد’فئ، لأول مرة يشعُر بالرا’حة في بيوتٍ غريبةٌ عنهُ، والآن عَلِمَ لِمَ ابن أخيه مُتعـ ـلقٌ بهذه الحارة وير’فض تركها، سقـ ـطت عيناه على تلك الصورة التي كانت موضوعةٌ على سطـ ـح الطاولة التي تجاوره ليعتدل في جلستهِ متأملًا إياها ليرى “بيلا” مِن ضمن هؤلاء الذين يتواجدون بها، رأى “أكرم” وعلى يسا’ره “بيلا” التي كانت تحتضنه وعلى يمـ ـينه “كايلا” التي كانت نسخةٌ مصغرةٌ مِنها تضمه كذلك وثلاثتهم يضحكون بأتسا’عٍ إلى الكاميرا..

أبتسم حينما رأى هذا الد’فئ والحُبّ النا’بع مِن تلك الصورة ثم نظر بعدها إلى الصورة التي تجاورها ليراها تعود إلى نفس الشا’ب ومعهُ هذه المرة “هـناء” التي كانت تحاوط خصـ ـره بذراعيها واضعةً رأسها على صد’ره ضاحكةً وهو يضمها بذراعه الأ’يسر ويضحك إلى الكاميرا، أتسـ ـعت بسمتهُ وأخذ تلك الصورة ينظر إليها بتمعـ ـنٍ يرى لمـ ـعة عينيها ورو’نقها وكأنها فتا’ة العشرين المكان لا يتـ ـسع لأجـ ـنحتها حتى تُر’فرف عا’ليًا..
ترك عيناه تتفر’س في معالم وجهها التي حينما رآها أزد’ادت نبـ ـضات قلبه عا’ليًا تلقائيًا وثمة شيءٌ ما أهـ ـتز بعـ ـنفٍ بداخلهِ مثل الز’لزال الذي يضر’ب البلاد بدون سابق إنذ’ار، هذا الشعور هو يعلمه جيدًا، سبق وخا’ض تجربته معهُ ولم ينصـ ـفه الحظ حينها، فقد خد’عه بمظهره وكشـ ـف عن حـ ـقيقته بعد فوا’ت الأو’ان، لا يعلم لِمَ عاد هذا الشعور يُلاز’مه مِن جديد وماذا يُريد مِنهُ، أيُعقـ ـل أن يُعيد تلك التجربة مِن جديد مع سـ ـيدةٍ أخرى لرُبما تكون هي التي كان يبحث عنها ولم يجدها..
خرجت “شـاهي” وهي تحمـ ـل كوب الشاي إليهِ لتراه يُمسك بالصورة وينظر إليها بشرودٍ، أقتربت مِنهُ بخطى هادئة للغا’ية لتراها تعود إلى “هـناء” وولدها البكـ ـري، نظرت مِن جديد إلى “عـماد” نظرةٍ ذات معنى ثم أقتربت الخطى المتبقية لتضع الكوب على سطـ ـح الطاولة وتعود للجلوس على المقعد المقابل إليهِ، د’ققت النظر معهُ ترى شروده بالصورة بطريقةٍ فا’ضحة تراها عليهِ لمرتها الأولى فلم يكُن هكذا مع “زيـنات” وهذا بدأ يُنذ’رها بشيءٍ ما ستتأكد مِنهُ عمَّ قريب..
أنتشـ ـلتهُ مِن شروده ذاك حينما قالت بنبرةٍ هادئة:
_مالك سر’حان كدا ليه فالصورة، عجبك شكل “أكرم” أوي كدا؟.

أنهـ ـت حديثها بسؤالٍ خـ ـبيث وهي تنظر إليهِ نظرةٍ ذات معنى، وعنهُ فقد أستفاق مِن شروده ذاك على صوتها الهادئ ونظر إليها ليُصـ ـيبه التو’تر الشـ ـديد واضعًا الصورة مكانها بأيدي مر’تعشة ليُجيبُها قائلًا بنبرةٍ حاول جعلها هادئة قدر المستطا’ع:
_مفيش، الصورة شـ ـدتني بس.
حركت رأسها برفقٍ حتى لا تُسـ ـبب إحر’اجًا لهُ وقالت بنبرةٍ هادئة:
_دا أسمه “أكرم” أخو “بيلا” الكبير، والبنـ ـت دي أسمها “كايلا” توأم “بيلا”.
أبتسم “عـماد” حينما نظر إلى الصورة التي تجمع ثلاثتهم سويًا ليقول بنبرةٍ هادئة بعد أن نظر إليها:
_أول ما شوفتها أفتكرت صورتي مع “عـدنان” الله يرحمه، حلوين أوي ما شاء الله عليهم.
أبتسمت “شـاهي” وهي تنظر إلى الصورة لثوانٍ معدودة ثم عادت تنظر إليهِ لتقول بنبرةٍ هادئة للغا’ية تتر’قب ردود أفعاله حينما قامت بإفصا’ح هوية “هـناء”:
_ودي بقى “هـناء”، أُمّهم.
رأته ينظر إلى الصورة تلقائيًا ويبتسم لتُكمل هي مبتسمة الوجه حينما رأت نظراته إليها قائلة:
_”هـناء” بقت أخت مش بس صديقة، طيبة أوي وحنينة لمَ كُنْت بضـ ـعف وأقعد أعيط تيجي توا’سيني وتحضني، أنا بشكُر الظروف اللي عرفتني عليها واللهِ.
_مش دي اللي قفـ ـلت الباب فو’شي مِن شوية وأفتكرتني “عـدنان”؟.

سألها مبتسم الوجه بعدما تذكّر ردة فعلها وقهقه بخـ ـفةٍ لتقهقه هي كذلك حينما تذكّرت كذلك ردة فعلها لتجاوبه بوجهٍ ضاحك قائلة:
_أيوه هي، معلش أعذُ’رها أصل أنا كُنْت مفرجاها على صور “عـدنان” ونسيت أقولها إن عنده أخ توأم فلما شافتك قدامها خا’فت.
ضحك بخـ ـفةٍ حينما تذكّر ردة فعلها مِن جديد ليقول بنبرةٍ ضاحكة:
_لا عادي بتحـ ـصل كتير مع غيرها مكانتش أول واحدة يعني أنا حا’سس بصد’متها.
_أستنى هقوم أجيبها وأجي عشان مُحر’جة تخرج بعد الموقف دا.
هكذا جاوبته “شـاهي” وهي تنهض ثم تركته وأتجهت إلى الشرفة بخطى هادئة لتجدها تجلس على المقعد والتو’تر مسيـ ـطرًا عليها لتُطلق ز’فيرة قو’ية ثم قالت بنبرةٍ هادئة:
_قومي معايا يا “هـناء” عشان أعرفك على “عـماد”.
جحـ ـظت عينين “هـناء” على وسـ ـعيهما حينما أستمعت إلى حديثها لتنهض تقف أمامها تُطا’لعها بتو’ترٍ وقـ ـلقٍ شـ ـديد لتقول بنبرةٍ تكتـ ـسيها الخجـ ـل:
_لا يا “شـاهي” مش هقد’ر أطـ ـلع، أنا هنا وهمو’ت مِن كسو’في أومال لو شوفته بقى؟ وبعدين هقوله إيه بعد ما قفـ ـلت الباب فو’شه؟ لا لا خلاص روحي قوليله أي حاجة، قوليله نايمة.
ر’متها “شـاهي” نظرةٍ ذات معنى لتقول بنبرةٍ هادئة:
_لا طبعًا عايزاني أكد’ب عليه مش هيحـ ـصل، وبعدين أنا فهمته وهو مقالش حاجة بالعكـ ـس “عـماد” دا لذيذ ومش قفو’ش وبشوش تعالي بس ومتخا’فيش أنا جنبك ما مسيركم تتقابلوا.

أنهـ ـت حديثها ثم أمسـ ـكت بكفها وجذ’بتها خلفها دون أن تتحدث وهي تُشـ ـدد مِن قبـ ـضتها على كفها بعدما شعرت بها تُحاول الهر’ب مِن هذه المو’اجهة لتعود إلى “عـماد” مِن جديد وهي معها بعد أن أستسـ ـلمت للأمر الو’اقع وتركت نفسها لأمو’اج البحـ ـر تُحركها كيفما تشاء، نظر إليها “عـماد” ثم نهض بهدوءٍ وبصره مُعـ ـلقٌ عليها يراها أجمل بكثيرٍ عن الصورة ليعلم مِن أين أتت الفتا’تين بهذا الجمال..
_”عـماد” أعرفك، “هـناء” أطيب وأجد’ع صاحبة وأخت … ودا “عـماد” يا “هـناء” توأم “عـدنان” جوزي بعتبره برضوا أخ جد’ع وطيب جدًا على فكرة.
أنهـ ـت “شـاهي” حديثها مبتسمة الوجه وهي تنظر إلى كليهما ترى خجـ ـل “هـناء” وتهرُ’بها مِن نظرات الآخر، وعلى الجهة المقابلة ترى بسمةُ “عـماد” الهادئة ونظرته المصو’بة تجاه الأخرى، مد كفه إليها وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_أهلًا بيكي يا “هـناء” أتشرفت بمعرفتك حـ ـقيقي.
نظرت هي إلى كفه الممد’ود ليز’داد تو’ترها وخجـ ـلها ولَكِنّ في الأخير يجب أن تُرحب بهِ فهذا ضيفٌ الآن في منزلها، مدت كفها تُصافحهُ لتشعر بقشـ ـعريرة تسري في أنحاء جسـ ـدها حينما لا’مس كفها النا’عم الد’افئ كفه البا’رد، جاوبته بنبرةٍ هادئة للغا’ية وهي تنظر لهُ قائلة بخجـ ـلٍ طغـ ـى على وجهها:
_الشـ ـرف ليا.
جلسوا ثلاثتهم مِن جديد وقـ ـصَّت عليهِ “شـاهي” ما حد’ث وهو كان في هذه اللحظة الطر’ف الأكثر إنصاتًا، وحينما أنتهـ ـت دام الصمت بينهم هنيهة مِن الوقت يُفكر فيما حد’ث وما الذي تعـ ـرض إليهِ ابن أخيه ولا يُريد الإفصا’ح عنهُ حتى هذه اللحظة ويتهر’ب مِنهُ، طا’ل الصمت بينهما قليلًا خلاله كان يُفكر “عـماد” فيما حد’ث ليقول بنبرةٍ هادئة يقطـ ـع هذا الصمت القا’تل:

_كدا في حد متر’بصله، ومفيش غيره الوا’د اللي قولتي عليه كَـ ـل علـ ـقة المو’ت دي، طب ليه يعمل كدا؟ ليه توصل بيه يمو’ته مش فاهم أكيد في بينـ ـهم حاجة.
جاءه جواب “شـاهي” على حديثه قائلة بنبرةٍ هادئة جا’هلةٍ الأمر:
_مش عارفة يا “عـماد” صدقني، لحد دلوقتي متكلمش معايا فحاجة ولا قالي إيه علا’قته بالناس دي، مش عارفة بجد وهمو’ت مِن خو’في عليه وهو مبيردش عليا ولا مخليهم يردوا عليا وأنا هتجـ ـنن هنا قولت أكلمك جايز تعرف تاخد مِنُه حاجة أو على الأ’قل يطمـ ـني عليه.
أطـ ـلق “عـماد” ز’فيرة قو’ية ليقول بنبرةٍ هادئة وهو يُخرج هاتفه مِن جيب سترته:
_أنا هكلمه دلوقتي هشوفه فين متقـ ـلقيش بس بدل ما هكلمه هو مباشرةً هكلم “جـاد” عشان مبيعرفش يخـ ـبي عنّي حاجة وهيضـ ـطر يقولي ونفهم إيه اللي حـ ـصل.
وافقته “شـاهي” الرأي فو’رًا خصيصًا أنهُ مضى ساعة ونصف تقريبًا على آخر مكالمة مِنها حتى تكون بعـ ـيدةٌ عن دائرة الشـ ـك، دام الصمت بينهم قليلًا ثم جاء قول “عـماد” يقطـ ـع هذا الصمت جا’ذبًا أنتباههما حينما جاوبه ابن أخيه ليقول بعد الترحاب بينهما:
_فينك يا “جـاد” مستنيك تيجي الشركة مِن الصبح عشان الشغل اللي فو’ق د’ماغنا دا مجيتش ليه؟.
جاوبه “جـاد” في هذه اللحظة حينما قال بنبرةٍ هادئة معتذرة:
_معلش يا عمّي حـ ـقك عليا واللهِ بس أنا مشغـ ـول دلوقتي مش فا’ضي.

نظر حينها هو إلى “شـاهي” نظرةٍ ذات معنى ليعتدل في جلستهِ مستندًا بمرفقهِ على قد’مه قائلًا بنبرةٍ متر’قبة:
_وإيه اللي شاغـ ـلك عنّي يا بيه وكمان بتقولها فو’شي كدا.
جاءه الرد سريعًا ينـ ـفي ذلك حينما قال بنبرةٍ متلـ ـهفة:
_لا لا واللهِ ما اقصـ ـد خالص أنتَ حبيبي يا عمّي مقد’رش على ز’علك … كُل الحكاية إن “يـوسف” تـ َعبان أوي وأنا معاه فالمستشفى عمل أ’شعة على كتفه ور’جله الشما’ل وكان في خـ ـلع أصلًا فالكـ ـتف بس الدكتور ر’ده تاني يعني الحمد لله أينعم “يـوسف” كان بيمو’ت مِن الو’جع حرفيًا بس الحمد لله كـ ـتفه تمام دلوقتي إنما الر’جل بقى الدكتور بيقول تمز’ق فالأر’بطة واخد ضر’ب شـ ـديد أوي عليها كتبله على علاج يمشي عليه وشوية وهنتحـ ـرك أنا مع “سـراج” دلوقتي بنجيبله العلاج أهو وهنرجع الحارة بس أو’عى تقول حاجة لعمتي “يـوسف” منـ ـبه ومش عايزها تعرف حاجه.
لا يُنـ ـكر أن الصد’مة قد أصا’بته بلا شـ ـك حينما أستمع إلى حديث ابن أخيه وبات هذا واضحًا على تقا’سيم وجه “عـماد” التي تبد’لت في لمـ ـح البصر حينما جاءه حديث ابن أخيه الصاد’م يُخبره ما تعـ ـرض لهُ “يـوسف” على أيدي هؤلاء الو’حوش، شعرت “شـاهي” في هذه اللحظة بالخو’ف الشـ ـديد الذي عاود يُعا’نق قـ ـلبها حينما رأت تبدُ’ل تقا’سيم وجه “عـماد” التي لم تُنذ’رها بالخير البتة ولذلك نظرت إليها “هـناء” تُهدأها وتُطـ ـمئنها لتنظر إليها وكأنها تُخبرها _أرأيتِ ما حد’ث؟_
أنهـ ـى “عـماد” المكالمة بعد دقائق معدودة ليترك هاتفه على سـ ـطح الطاولة أسفـ ـل نظراتهما لهُ ليأتي صوت “شـاهي” التي قالت بنبرةٍ هادئة متر’قبة تسأله عن ولدها:

_في إيه يا “عـماد”؟ قالك حاجة مش كدا؟ أبني جر’اله إيه قولي علشان خاطري حتى لو هو اللي قايل محدش يقولها قولي وطـ ـمن قـ ـلبي وبر’د النا’ر اللي جوايا.
صعو’بة الموقف كان أكبر مِن أي شيءٍ..
في هذه اللحظة كان بين شتا’تين مِن أمره لا يعلم إلى مَن يجب عليهِ أن ينحا’ز، أيُخبرها بما عَلِمَه ويتجا’هل تحذ’يرات ابن أخيه إليهِ بعد’م معرفتها للأمر، أم يُخبرها ويترك السا’حة إليهم في النها’ية وكُل واحدٍ يلقـ ـى مصـ ـيره، شعر بالحيـ ـرة الشـ ـديدة بلا شـ ـك حينما رأى خو’فها الشـ ـديد على ولدها ليعلم أن الأمر لن يكون هـ ـينًا عليها البتة حينما تتلقى ما حد’ث إليهِ..
أطـ ـلق “عـماد” ز’فيرة قو’ية يُخرج معها تو’تره الشـ ـديد لينظر لها لثوانٍ معدودة يراها تتأهـ ـب لسماعه والقـ ـلق يكاد يأ’كلها حـ ـية ليأتي قول “هـناء” هذه المرة حينما وجهت حديثها إليهِ قائلة:
_قولها وطـ ـمن قلـ ـبها، دي هتتجـ ـنن عليه مِن الصبح.
قـ ـصَّ عليها “عـماد” ما حد’ث واخبره بهِ ابن أخيه وكانتا الطر’ف المستمع في هذه اللحظة، وحينما أنهـ ـى حديثه رآها تنخر’ط في البكاء بعدما عَلِمَت ما حد’ث مع ولدها الحبيب ليشعر بالحز’ن لأجلها في هذه اللحظة، نظرت إليها “هـناء” وشعرت بالحز’ن لأجلها ولذلك حاوطتها بذراعيها توا’سيها وتطـ ـمئنها أنه سيكون بخيرٍ، فيما كان “عـماد” يلتز’م الصمت يُفكر فيما حد’ث ليُقـ ـرر مجالسة ابن أخيه حينما يعود ويفهم ما حد’ث معهُ بالتفصـ ـيل فهذا لن يمـ ـر مرور الكرام بكُل تأكيد.

________________________
<“قسو’ة الحياة تكشـ ـف صلا’بة المرء،
وكان هو يحظى بِقُد’رة تحـ ـمُل لا وصف لها.”>
كانت قسو’ة الحياة ودرو’سها قو’يةٌ على عـ ـبدٍ ضـ ـعيف مثله..
كان كالطـ ـير الحُـ ـر أراد أن يُر’فرف ولم يجد سـ ـبيلًا يد’فعه لفعل ذلك، وحو’شٌ مفتر’سة ظنوه عد’وًا إليهم وما كان هو سوى بطـ ـيرٍ صغير يتجول ويُز’قزق عا’ليًا بصوته الجميل..
كان يجول في الغرفة ذهابًا وإيابًا يحـ ـمل صغيره على ذراعه يهـ ـدهده برفقٍ وصوت الراديو يعلـ ـو قليلًا بصوت الشيخ “مشاري” بصوته العذ’ب الهادئ يتلو ما تيَّسر مِن سورة “يـوسف” التي كانت أحب السور إلى قـ ـلبه، رأى صغيره قد غر’ق في بحو’ر أحلا’مه الور’دية بعد مرور القليل مِن الوقت لتعلـ ـو بسمةٌ هادئة ثغره حينما رآه نائمًا بهذا الهدوء والسلام ليُلثم جبينه الصغيرة بقْبّلة حنونة ثم وضعه على فراشه بهدوءٍ شـ ـديد حتى لا يستيقظ..
د’ثره جيدًا ثم أطمـ ـئن عليهِ وعلى حبيبة الفؤ’اد ليُلثم وجنتها الصغيرة بقْبّلة حنونة ثم خرج مِن الغرفة وأتجه إلى غرفتهِ ليرى “تسنيم” تستعد لأخذ قيلولةٌ صغيرة كذلك ليراها تجلس وتستعد للاستلقاء على الفراش ليمـ ـنعها هو ويجعلها تنهض مِن جديد أسفـ ـل نظرات التعجُب التي تُطا’لعه بها لتراه ينظر إليها قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_شكلي هفضل أفكرك كُل شوية يا “تسنيم”، قولتلك قبل كدا يا حبيبتي قبل ما تيجي تنامي بالذات تنفـ ـضي المكان اللي هتنامي عليه براحة وتسمي الله ٣ مرات عشان الحا’جات اللي بتكون موجودة، ثانيًا في حديث للرَسُول الكريم ﷺ مُهـ ـم جدًا برضوا..

قالَ رَسولُ اللهﷺ مَن قال حِين يأوي إلى فراشه..
•لا إله إلا اللّٰه وحدهُ لا شريك له لهُ المُلكُ ولهُ الحَمد وهو علىٰ كُل شيءٍ قدير.
•لا حولَ ولا قُوة إلا بِاللّٰه العلي العظيم.
•سُبحان اللّٰه والحمدللّٰه ولا اله إلا اللّٰه واللّٰه أكبْر.
غُفِرَت لهُ كلُ ذُنوبِه وخَطاياه وإن كانتْ مِثلَ زبَد البَحر.
هفكرك بيها كُل يوم قبل ما تنامي عشان متنسيش حا’كم أنا عارف د’ماغك فَو’تت خلاص مِن كُل حاجة.
أنهـ ـى حديثه ممازحًا إياها بوجهٍ مبتسم ليراها تبتسم كذلك وجاوبته مصرحةً عن ذلك حينما قالت:
_بصراحة عندك حـ ـق، أنا د’ماغي فَو’تت فعلًا واللهِ.
قهقه هو على ردها عليهِ ليضمها إلى د’فئ أحضانه محاوطًا إياها بذراعيه ما’سحًا بكفه على خصلا’تها السو’د’اء كد’كونة الفحـ ـم مطـ ـلقًا ز’فيرة قو’ية مِن جو’فه، فيما وضعت هي رأ’سها على صد’ره وحاوطت خصـ ـره بذراعيها تنعـ ـم بهذا الد’فئ الذي أصبح إد’مانًا لها لا شـ ـك في ذلك هنيهة مِن الوقت قبل أن تقطـ ـعه هي بقولها الهادئ:
_أنا مش عارفة مِن غيرك مين كان هينصـ ـحني وينـ ـبهني كُل شوية يا “رمـزي”، ربنا يباركلي فيك وتفضل جنبي على طول تفكرني بكُل حاجة.
أبتسم هو ثم جاوبها بنبرةٍ هادئة للغا’ية قائلًا:

_دا واجبي يا حبيبة قلبي، أنا حـ ـقيقي بحاول أجتهـ ـد أكتر والطريق لسه طويل عايز أفضل مكمل فيه آه في عو’ائق كتير أوي هتوا’جهني بس لاز’م أكون قدها وموقفش عند حاجة مُعيَّنة، وبحاول أخدك معايا على الطريق واحدة واحدة مينفعش أشـ ـدك مرة واحدة كدا، مش هتكوني حابة الطريقة دي ومش هتنفـ ـذي حاجة طالما أنا فا’رض عليكي أسلوب يخليكي تهر’بي فعشان كدا بحاول مِن الوقت للتاني أشـ ـدك أكتر معايا لحد ما تتعودي واحدة واحدة وتلاقي نفسك حابة تقربي أكتر وتعرفي أكتر وأكتر، كُل حاجة بتيجي بالهـ ـداوة والمُسا’يسة عُمر ما في حاجة جَت بالإجبا’ر.
تتفهم ما يُحاول إيصاله إليها فهي تفهمه مِن نظرة عين وحركة وفعـ ـل، هو بالنسبةِ إليها كتابٌ مفتو’ح تستطيع قراءة محتواه دون أن يفـ ـصح هو عن ذلك، ولذلك جاءه جوابها المتفهم حينما قالت بنبرةٍ هادئة:
_فهماك وفاهمة قصدك إيه، وأنا معاك واحدة واحدة هتلاقيني باجي أسألك بنفسي كمان ووقتها هتز’هق مِني.
_مقدرش أز’هق مِنك يا “تسنيم” دا أنا أز’هق مِن أي حد إلا أنتِ.
هكذا جاوبها مُصر’حًا إليها ما يكمُن في جبـ ـعته ليراها تر’فع رأسها عا’ليًا حتى تُتيـ ـح إليها رؤيته بشكلٍ أوضح لتُطا’لعه قليلًا بعينيها اللتان لم تفشـ ـل في أ’سره كلما طا’لعته، تلك البند’قيتين المسكـ ـرتين اللتان كانتا فـ ـتنةٌ سقـ ـط هو في بحو’رها كالغر’يق دون أن يجد مر’سىٰ؛ كان زاهِـ ـدٍ في الأ’مس، واليوم أصبح مفتو’نًا وعا’شقًا لفـ ـتنتها، أقترب مِنها بهدوءٍ ليُلثم وجنتها بقْبّلة حنونة وهادئة مستغـ ـلًا هذا الهدوء المحـ ـيط بهما فيبدو أن منذ باكورة هذا اليوم والإز’عاج يأتيه طارقًا بابه مِن كُلِ جانب..
أبتسمت هي وأغـ ـلقت جفنيها تحظى بهدوء تلك اللحظة قبل أن يأتي ما يُعـ ـكر صفو’ها كالمعتاد مِن أصدقائه تحديدًا وكأنهم أتفقوا جميعهم على إفسا’د لحظاتهما السعيدة تلك التي يتمنى أن ينا’لها هو ولو قليلًا فقط، وحينما أبتعـ ـد عنها فر’قت جـ ـفنيها لتنظر لهُ قليلًا قبل أن تقم بمغا’زلته بتخا’بثٍ حينما قالت:

_بس قولي بقى إيه الحلاوة دي كلها، شبه صنية البسبوسة اللي بالمكـ ـسرات الطا’زة اللي لسه طا’لعة مِن الفـ ـرن.
ضحك هو عا’ليًا على حديثها غير مصدقٍ لِمَ رآه وسَمِعَه أسـ ـفل نظراتها التي كانت تتابعه مبتسمة الوجه لينظر إليها بوجهٍ ضاحك وعينين ملـ ـتمعتين قائلًا بنبرةٍ ضاحكة:
_دا أنا بتعاكـ ـس عيني عينك كدا بدون حيـ ـاء ولا خجـ ـل خلاص راحوا لحال سبيـ ـلهم؟ وبعدين ولمَ أنا أبقى طبق البسبوسة أنتَ تبقى إيه يا غزال.
أنهـ ـى حديثه الذي أتخذ منهـ ـجية التخا’بث معها لتبدأ ضحكاتها تعلـ ـو حينما شعرت بأنامله تسير على خصـ ـرها تحاول مقا’ومته والهر’ب مِن هذا الحصا’ر الذي فر’ضه هو عليها؛ فيما هو أحب أستغـ ـلال تلك الفرصة وأ’بى تركها، كانت تر’جوه بتركها كي تلتـ ـقط أنفا’سها الها’ربة ليتركها هو بالفعـ ـل بعد دقائق قليلة ليراها تجلس على طر’ف الفراش تُحاول ألتقا’ط أنفا’سها الها’ربة وهي تُز’يل عبراتها بكف يدها ليجاورها هو كذلك دون أن يتحدث، لحظات قليلة مرت لتعاود هي النظر إليهِ بعدما عادت نظرات التخا’بث تحاوط مُلقتيها لتضر’به برفقٍ بكتفها على كتفه قائلة بنبرةٍ ما’كرة:
_مش هتقولي برضوا الحلاوة دي جاية منين دا أنا كدا هرجع أغير تاني خلّي بالك يعني.
نظر إليها مجددًا وأبتسم ليجاوبها بنبرةٍ هادئة:
_هنجيبه منين يعني يا غزال ما تخلي الليلة دي تعد’ي على خير بقى.
ضحكت هي بخـ ـفةٍ ثم عانقت ذراعه وشبـ ـكت أناملها الر’فيعة بأنامله كذلك ووضعت رأسها على كتفه قائلة بنبرةٍ هادئة مستنكـ ـرة:
_وهو أنا عملت حاجة يعني أنا بعاكـ ـس بس، خليك كدا على طول ظا’لمني وجاي عليا أكمني غـ ـلبانة بقى.

أستنـ ـكر حديثها بالكامل ليعقد ما بين حاجبيه ليقول بنبرةٍ سا’خرة:
_أنا جاي عليكي وبظـ ـلمك يا غـ ـلبانة؟ أقسم بالله ما هتكلم ولا هرد عليكي لحد ما نشوف آ’خرة جبـ ـروتك عليا دا هيوصلنا لفين.
كانت كلماته الأخيرة بمثابة الضغـ ـط على زر الإنذ’ار لها..
ر’فعت رأ’سها بحركةٍ سريعة تنظر إليهِ نظراتٍ حا’رقة لترى أخرى تؤكد لها قوله لتطـ ـبق على أسنا’نها وهي تسأله بنبرةٍ حا’دة قائلة:
_أنتَ شايف كدا؟ أنا جبـ ـروت يا “رمـزي” بعد دا كله؟.
_آه جبا’رة هجيب حاجة مِن عندي يعني وهتبـ ـل عليكي كد’ب !!.
جاوبها بمصدا’قيةٍ شـ ـديدة لا يعلم أنها ستر’ميه معها في الهلا’ك، رآها تبتعد عنهُ وهي تنظر حولها وتتو’عد لهُ أسـ ـفل نظراته التي كانت تُر’اقبها جا’هلًا ما تريده، نير’انها عادت تشتـ ـعل داخل قفـ ـصها الصد’ري لتأخد الوسادة وتعود لهُ مِن جديد وتقا’سيم وجهها تد’ل على الشـ ـر ليتر’قب هو ما ستـ ـفعله ليقول بنبرةٍ هادئة متر’قبة:
_هتعملي إيه يا مجـ ـنونة؟ لا هتشتغلي فالجـ ـنان فأنا أجـ ـن مِنك خلّي بالك.
حاول تهـ ـديدها وإخا’فتها ليرى بسمتها الخـ ـبيثة قد أرتسمت على ثغرها لترد عليه بفـ ـعلٍ بدلًا مِن قولٍ حينما ها’جمته وبدأت بتسـ ـديد الضر’بات المتتالية لهُ دون توقف تفـ ـرض عليهِ سيـ ـطرتها وحصا’رها وهو كان كما المحا’رب الذي أستسـ ـلم في سا’حة حر’بُه بعد أن تمت محا’صرته مِن الجميع منتظرًا تلقي مصـ ـيره الأبدي، وعنها فقد أستغـ ـلتها فرصة ذهبية لها كي تنتـ ـقم مِنهُ على هذا الحديث الذي قاله حتى لا يُعيد تكراره على مسا’معها مرةٍ أخرى، وعنهُ فقد تركها تفعل ما تريد دون أن ير’دع أفعا’لها فهذا ما كان يُريده أن تفعله منذ بادئ الأمر وها هو نا’ل مُراده.

_________________________
<“أ’بى الاستسـ ـلام ور’فع سـ ـيفُه يُحا’رب،
حتى أختر’ق سـ ـيف الحبيب ظـ ـهره غد’رًا.”>
مُحا’ربٍ نبـ ـيل، أ’بى الاستسـ ـلام في سا’حة الحر’ب..
ر’فع سيـ ـفُه عا’ليًا يصر’خ بعـ ـلو صوته بعد أن أستيقظت رو’حُ الانتقا’م بداخلهِ يُعلن عن عودة الرو’ح مِن بعد النز’يف، حا’رب وقتـ ـل وقا’وم حتى يظل واقفًا على قد’ميه شا’مخًا كاللـ ـيث لا يمو’ت ولَكِنّ يظل مقا’تلًا لآخر دقيقة حتى كانت ضر’بته القا’ضية التي تلقاها في ظـ ـهره مِن الحبيب الذي أعطاه ضر’بته الغا’درة..
كان يجلس على مكتبه الذي حظى بهِ كي يبدأ مِن جديد حياته الجديدة الخاصة بهِ يعمل بعد أن ساعده أخيه الأكبر وأتى لهُ بعملٍ كي ينشغـ ـل بهِ ويبدأ حياته بشكلٍ أفضل، مرتديًا حُـ ـلته الكحـ ـيلة الأنيقة وقميصٍ أبـ ـيض اللو’ن ور’بطة عنـ ـقٍ كحـ ـيلة، عاد تدريجيًا إلى هـ ـيئته القد’يمة التي كانوا يعتادون عليها، عاد وز’نه الطبيعي ونـ ـمت لحـ ـيته الخـ ـفيفة تُعطيه مظهره الوسيم ويُصفف خصلا’ته البُـ ـنية بشكلٍ أنيق يُتابع الأرقام والاحصا’ئيات الموجودة على شاشة الحاسوب الذكي أمامه..
صدح رنين هاتفه الموضوع على سطـ ـح المكتب يعلـ ـو لينظر لهُ يرى أسم أخيه يُنير الشاشة ليترك ما يفعله ويأخذ الهاتف مجيبًا إياه قائلًا بوجهٍ مبتسم:
_يا هلا يا هلا، شوف مين بيتصل دلوقتي كُل شوية.

مازحه كما أعتاد ليأتيه الجواب مِن أخيه الذي قال ضاحكًا:
_تصدق وتؤ’من بالله أنا عيـ ـل وا’طي عشان بسأل على عـ ـيل ند’ل زيك.
ضحك “حليـم” بعد أن تلقى الرد المتو’قع ليقول بنبرةٍ ضاحكة:
_حبيبي منتحر’مش مِن سؤالك يا غا’لي واللهِ.
_طـ ـمني الشغل ماشي تمام ولا في حاجة وا’قفة قصادك؟.
هكذا سأله “صـلاح” بعد أن أراد الاطـ ـمئنان عليهِ ليأتيه الجواب الذي أرا’ح قلـ ـبه مِن أخيه حينما قال:
_متقـ ـلقش الشغل عسل واللهِ ومر’تاح على الآخر، حا’سس إني ببدأ مِن أول وجديد لحياة تانية مختـ ـلفة أنا اللي بحد’د فيها عايز إيه بدون قيو’د مِن حد.
أبتسم “صـلاح” وأجابه بنبرةٍ هادئة بعدما نا’ل مُراده قائلًا:
_الحمد لله هو دا اللي كُنْت محتاج أسمعه مِنك عشان أر’تاح وأتطمـ ـن إنك تخـ ـطيت … شـ ـد حيـ ـلك بقى عايزك تجيبلي عروسة عايزين نفرح بيك.
أبتسم “حليـم” وجاوبه بنبرةٍ هادئة يرد عليهِ قائلًا:
_أدعيلي أنتَ بس يا “صـلاح” هتيجي بس واحدة واحدة، محتاج أحـ ـس إني عا’يش وليا أهـ ـمية ورأيي مهـ ـم فأي حاجة، واحدة واحدة كُل حاجة هتيجي متقلـ ـقش.
أطلـ ـق “صـلاح” ز’فيرة قو’ية وقال بنبرةٍ هادئة يوافقه الرأي:

_عندك حـ ـق، أعمل اللي ير’يحك ويبسطك يا “حليـم” مش اللي يبسط غيرك، أنتَ صاحب القر’ار فحياتك سواء الشخصية أو العملية وأنا فضـ ـهرك متقلـ ـقش أد’خُلها بقـ ـلب جا’مد وميهمـ ـكش.
_يعني لو و’سعت عادي يعني أصل متتعشـ ـمش على الهدوء دا كتير.
مازحه “حليـم” بوجهٍ مبتسم ليتلقى الرد مِن أخيه الذي قال:
_يابا لو هتد’مر الدنيا د’مر وأنا وراك ميهمـ ـكش.
وبعد القليل مِن الحديث بينهما أنتهـ ـت المكالمة ليترك “حليـم” هاتفه كما كان ويعاود العمل مِن جديد ليوقفه الطرقات الهادئة على الباب، سمح للطارق بالولوج لتولج “ريـم” لهُ قائلة:
_في حد جه محتاج يقابلك يا “حليـم”.
عقد “حليـم” ما بين حاجبيه وقال متسائلًا وهو ينظر لها:
_مقالش مين يا “ريـم”؟.
حركت رأسها تنفـ ـي ذلك قائلة بنبرةٍ هادئة:
_لا مرداش يقول أسمه، مستنيك بره.
حرك رأسه برفقٍ ثم نهض تاركًا أغراضه ومكتبه موجهًا حديثه إليها قائلًا:

_خلي بالك لحد ما أرجع.
حركت رأسها برفقٍ توافق على حديثه لتولج إلى مكتبه مغـ ـلقةً الباب خلفها بهدوءٍ تنظر إلى أرجاءه بكُل هدوءٍ، سارت بخطى هادئة وهي تنظر حولها برغم أنها تعلم كُل صغيرة بهِ ولَكِنّ أغراضه أضافت لمـ ـسةٌ خاصة بلا شـ ـك، جلست على مقعدهِ تنظر إلى أغراضه وتلك الصورة الجميلة التي كانت موضوعةٌ على سطـ ـح المكتب تعود إلى “حـليم” وأخويه ووالدته، أتسـ ـعت بسمتها وهي ترى هذا الد’فئ المحاوط بالصورة وهذا الحُبّ الكبير الذي لا’مس قلبها..
صدح رنين هاتفه عا’ليًا يُعلنه عن وصول رسالة عبر التطبيق الشهير “واتساب” لتنظر لهُ مِن بعيد لتلمـ ـح صورته مع أخيه الأكبر وهما متعانقين لتعلم أن عائلته تحظى بمكانةٍ كبيرة للغا’ية بقـ ـلبه، لا تُنـ ـكر أنها إنجذ’بت لهُ في تلك المُدة التي جاء فيها يعمل معهم ولَكِنّ كما قر’رت أن تخـ ـفي ذلك بدا’خلها وتتعامل معهُ كزميلٍ حتى ترى إلى أين سيوصلها هذا الشعور..
فيما خرج “حليـم” وتوجه إلى صالة الإنتظار ليرى ظـ ـلٍ كبير بعض الشيء يعود إلى شخصٍ ما جالسٍ على الأريكة ينتظر قدومه، ولذلك أزد’اد فضوله أكثر لمعرفة هذا الشخص ليقترب الخطى الفا’صلة بينهما حتى وقف أمامه وقال بنبرةٍ هادئة حينما لم يرى وجه الآخر:
_قالولي إنك طلبت تشوفني.
لحظات ور’فع الآخر رأسه ينظر لهُ في نفس اللحظة التي جحـ ـظت فيها عينين “حليـم” بعد’م أستيعا’ب وهو يراه أمامه يعود مِن جديد غير عا’بيءٍ لِمَ قد يلحـ ـق بهِ، تجمـ ـد جسـ ـد “حـليم” مكانه وهو يراه عاد ليُعيد إليهِ الذكريات السو’د’اء مجددًا وكأنه يأ’بى تركه يعيـ ـش حُـ ـرًا كما تعيـ ـش بقية العصافير الحُـ ـرة التي تر’فرف في السماء الوا’سعة بلا قيو’دٍ مُحـ ـكمة تقـ ـيد حركتها، تسا’رعت نبـ ـضات قلبه وعادت ذكريات الماضي تُها’جم الحاضر والمستقبل تزامنًا مع قوله الغير مصدق:

_أنتَ، أنتَ تاني يا عد’يم الإنسا’نية؟.
نطـ ـق بها “حليـم” بعدما أحتـ ـدت وتيرة أنفا’سه وتضا’ربت مشاعره السـ ـلبية مِن جديد وكأنه أيقن بأن الماضي لن يتركه يحظى بحياةٍ ور’دية مثلما رسم، أيقن بأن الماضي يغيـ ـب ولا يمو’ت.
______________________
  
google-playkhamsatmostaqltradent