Ads by Google X

رواية جعفر البلطجي الجزء (3) الفصل الرابع و الخمسون 54 - بقلم بيسو وليد

الصفحة الرئيسية

            


 رواية جعفر البلطجي الجزء (3) الفصل الرابع و الخمسون 54 - بقلم بيسو وليد

 رَأيْتُ القنَاعَة َ رَأْسَ الغنَى،
فصِرتُ بأَذْيَالِهَا مُمْتَسِكْ،

فلا ذا يراني على بابهِ،
وَلا ذا يَرَاني بهِ مُنْهمِكْ،
فصرتُ غَنِيّاً بِلا دِرْهَم،
أمرُّ على النَّاسِ شبهَ الملك.
_الإمام الشافعي.
_____________________
نقطة الصفـ ـر، النقطة السو’د’اء، أو النَدْ’بَة الغا’ئرة..
صر’اعاتٌ نفسية، وتشو’شٌ عـ ـقلي، أصواتٌ عا’لية، وصر’خاتٍ دا’مية، رو’حٌ مُعذ’بة بداخل قفـ ـصٍ حـ ـديدي مُلَـ ـغَّم بالأسلا’ك الشا’ئكة، حر’بٌ طا’حنة دامت طويلًا سر’قت عُمرًا كبيرًا قسـ ـمت ظهـ ـر البعيـ ـر، ضحـ ـيةٌ لأبيهِ، كان مجرد أد’اة مؤقتة وسيحين ميعادها وينـ ـتهى أمرها، ولم يعلم هذا الفتـ ـى بأن ما ينتظره في المستقبل البعيد أبوابُ الجحـ ـيم تنتظر قدومه حتى تُرحب بهِ تستقبلهُ بأبوابها المفتو’حة على مصر’عيها تنتظر فقط معانقته.
<“خشيتُ أن يسر’قني الزمانُ ويمضي،
وكان عا’ئقي بهِ ماضٍ أسو’د يأبى تركِ.”>
كان مصد’ومًا، أبعد تلك السنوات التي مضت فيها شَهِـ ـدَ على صر’اعاته ومُعا’ناته كي يتخـ ـلَّص مِن أيا’دي الماضي ويُعانق المستقبل حُـ ـرًا دون أن تُفر’ض عليهِ قيو’دٌ تُعيـ ـقه، ولَكِنّ كان وسيظل عا’ئقهِ الأول والأخير والنَدْ’بَة السو’د’اء الغا’ئرة برو’حه، كُلما حاول التخـ ـطي تمـ ـنعه أيا’دي الماضي الأسو’د، كُلما حاول المُضي قُدُمًا يجد عا’ئقهِ الأول والأوحد يقف في طريقة كالشو’كة الحا’دة العا’لقة في الحَـ ـلْق، الآن عاد الماضي، وعاد هو لنقطة الصـ ـفر مِن جديد، تاركًا أنيا’ب الماضي تُغـ ـرَز بجسـ ـده بكُل و’حشية دون أن يُقا’ومها..

أحتـ ـدت نظرته وأكتسـ ـت الحُـ ـمرة عينيه وظهرت شيا’طينه أمام عينيه تتراقص، ومعها أشتَـ ـدت أعصا’به واضطـ ـربت وتيرة أنفا’سه بشكلٍ ملحوظ مطـ ـبقًا على أسنانه بقو’ةٍ هامسًا إليهِ بنبرةٍ حا’دة قائلًا:


_إيه اللي جابك؟ وعرفت مكاني منين؟ وعايز إيه؟ حِـ ـلْ عن نفو’خي بدل يمين بالله المر’يض النفسي اللي شاورت عليه قدام كُل الناس وقولت عليه مجـ ـنون عنده أستعداد يوريك أصول الجنا’ن على حـ ـق لايف كمان، مش هحر’مك مِن حاجة كُنْت أنتَ سبب ر’ئيسي فيها.
تم إلغا’ء القلب وجميع مشاعر العطـ ـف، أتخذ العـ ـقلُ إشارته وأرسل إنذ’اره لجميع أجهـ ـزة جسـ ـده الحيو’ية، خا’ض تجربةٌ بمشاعره مِن قبل ولم تنـ ـصفه أمام الجميع، فلا داعِ مِن أن يلجـ ـأ لهُ مجددًا في تواجد العـ ـقل الذي كان دومًا ضـ ـد القلب، تَرَ’قْب وانتظر الرد القا’تل، الرد المنتظر الذي بُناءًا عليهِ سيتخذ قرا’راته، وصدقًا لم يرى سوى بسمةٌ با’ردة تزيَّنت ثَغْره مُطَالعًا إياه بنظراتٍ نَاجِمَةٌ عن شـ ـدة الكرا’هية مِن الأب إلى الإبن، رأى نظرةٌ قا’سية خا’ليةٌ مِن المشاعر والنَدَ’م، مازال كما هو لم يتغيَّر على مر تلك السنون..


ماذا سينتظر مِنهُ غير ذلك !! فإن لم ينَدَ’م على الماضي هل سيَند’م على الحاضر الآن، إنْتَـ ـصَبَ واقفًا وعينيه لم تُفا’رق عينين الإبن الذي أتخذ أبيه العد’و الحـ ـقيقي إليهِ، دام هذا الصمت بينهما هنيهة مِن الوقت قبل أن يكـ ـسر صوته حِـ ـدة هذا الصمت القا’تل القائم بينهما بقوله اللاذ’ع:
_لو على عرفت مكانك فين فأنا مش هغـ ـلب كتير، عارف أزاي هجيبك، فاكر مدير المستشفى اللي أخوك الفضيل راح دفعله ١٠ بواكي عشان يخرجك مِن هناك؟ أنا روحت دفعلته الضـ ـعف وبكام ورقة للر’جالة عرفت عنك كُل حاجة، أنا مبغـ ـلبش يا “حليـم” أنا أعرف أجيب العفر’يت الأز’رق مِن تحـ ـت الأرض كمان، وبخصوص جاي ليه وعايز إيه فالسؤالين إجابتهم واحدة وصريحة أوي.

_واللي هي إيه بقى يا معلم “عـبدالمعز”؟.
هكذا سأله “حليـم” ساخرًا وهو ير’شقهُ بنظراتٍ مشـ ـمئزة منتظرًا تلقي الإجابة مِنهُ والتي جاءت إليهِ في الحال حينما همس الآخر بفحيح أفـ ـعى سا’مة تَـ ـبُخُ سمو’مها في أُذُنيه قائلًا:
_مُهِـ ـمة صغيرة خالص مش هتاخد مِنك وقت … هتاخد شنطة المخد’رات اللي هديهالك دي تحطها بمعرفتك فشقة المحروسة بنـ ـت عمتك، فأوضة ز’فت الطيـ ـن “جـعفر” ولا مِن شاف ولا مِن دِرِي وهتاخد ٥٠ باكو تبدأ بيهم حياتك.


لا يُنـ ـكر المرءُ أنهُ مازال يتلقى الصد’ما’ت القو’ية مِن البشـ ـر، لا يعلم مَن مِنهما الآن مر’يضًا، صدقًا لا يعلم كيف يُمكن أن يطلُب مِنهُ شيئًا كهذا مستعينًا بالمال الذي أصبح نقطة ضـ ـعفٍ قو’ية لدى بعض البشـ ـرِ مِنهم، قبل أن يتهوّ’ر ويفعل شيئًا قد يندَ’م عليهِ فيما بعد تحلى بالصبر والهدوء وتما’لك أعصا’به قبل أن تُفْلَـ ـت وقال بنبرةٍ هادئة ز’ائفة:
_ويا ترى إيه نوع المخد’ر اللي هيخلي جنا’ب معا’ليك تدفعلي ٥٠ باكو بقدرة قادر كدا.
_نيكو’تين.
جاوبه في الحال بنبرةٍ با’ردة فولا’ذية منتظرً تلقي الموافقة مِنهُ حتى يبدأ تنفيـ ـذ عمـ ـليته تلك والتي كانت سـ ـريةٌ تمامًا أول العالمين بها كان هو، هذا الذي تلقت مدينتهُ المُضيئة اللا’معة الد’مار الشا’مل مِن قِبَل العد’و ومعها تَدَ’مَرت أحلام الفـ ـتى الصغير، ر’شقه بنظراته الكار’هة والحا’دة إليهِ مطـ ـبقًا على أسنانه هامسًا بنبرةٍ خشـ ـنة محذ’رة:

_وعهد الله فظرف ٥ دقايق لو ما أختـ ـفيت مِن وشي وحياتي خالص هكون عامل تَصَرُ’ف مش هيعجبك وهيند’مك العُمر كُله.


أنهـ ـى تحذ’يره الصر’يح إلى أبيه مشـ ـهرًا سبابته بحركةٍ عنيـ ـفة في وجهه بعد أن عاودت تلك الحالة السيـ ـطرة عليهِ مِن جديد مثلما فعل هو معهُ مِن قبل، ألتـ ـمعت عينيه لمـ ـعة لم تند’رج تحـ ـت مُسمى السعادة هذه المرة، بل كانت تند’رج تحـ ـت مُسمى الانتقا’م، فقد طـ ـفح بهِ الكيل وحينما أوشـ ـك على التعا’في ولو قليلًا عاد هو مِن جديد ضا’ربًا بأماله عرض الحائط جا’برًا إياه على العودة مِن جديد إلى نقطة الصفـ ـر كما كان في السابق..
_صدقني أنتَ محتاجلي دلوقتي وضـ ـعيف مِن غيري كمان، بُص على نفسك فالمرايا وأنتَ مش هتعرف نفسك.


هكذا قال “عبدالمعز” ساخرًا وهو يُطَالِعَهُ مِن عليتهِ ليرى بسمةُ “حليـم” أترتسمت على ثَغْرِه متهـ ـكمًا ثم جاوبه بنبرةٍ حا’دة مفـ ـعمة بالغـ ـضب المكبو’ت قائلًا:
_كداب وبتضحك على نفسك بكلمتين خا’يبانين، أنا مش محتاجلك ولا هحتاجلك ولا كُنْت محتاجلك ومش ضـ ـعيف مِن غيرك كمان بالعكس أنا أقوى بكتير مِن غيرك، بُص أنتَ لنفسك فالمرايا هتشوف واحد أنتَ متعرفهوش أساسًا، أنا بسببك بقيت مر’يض نفسي، حياتي أتد/مرت على إيدك يا قد’وة يا اللي يوم ما أتقال على الأب السـ ـند والكتـ ـف والد’عم كُنْت أنتَ بعيد كُل البُعد عن الدايرة دي، أنتَ أزاي أب؟ يعني أعرف عن الأب إنه بيخا’ف على ولاده، يقبل على نفسه الأذ’ىٰ وعليهم لا، وأنتَ مش بس أذ’يتني دا أنتَ طـ ـعنتني فضهـ ـري … السكـ ـينة اللي كُنْت بتخا’ف عليا مِنها لتعو’رني وأنا صغير هي نفسها اللي طعـ ـنتني بيها دلوقتي، وبعد ما د’مرتلي حياتي وعملتني لعبة فإيـ ـديك تتحـ ـكم فيها زي ما تحب وتمشيها على كـ ـيفك وتخليها مجرد و’سيلة تمشي بيها مصالحك وعقـ ـليتك المر’يضة، خليتني أأ’ذي “بيلا”، أكتر واحدة حبيتها فحياتي خليتني زي المجـ ـنون قدامها كُنْت هقتـ ـلها مرة وسقـ ـطتها بسببك وكُنْت هقتـ ـل “يـوسف” كمان، أنتَ إيه بجد؟ معد’وم كُل حاجة قـ ـلبك دا إيه حجـ ـر !!.

أنهـ ـى حديثه المنفـ ـعل بهِ صار’خًا بعد أن فقد السيـ ـطرة على نفسه وأعلـ ـن ر’فع را’يات الحر’ب على جميع أعدا’ءه، يلـ ـهث وكأنه يركض في سباق المائة متر، أُفْـ ـلِتَت أعصا’به المشد’ودة وخرج الو’حش المخبو’ء مِن الجُحـ ـر يز’ئر عا’ليًا مكشـ ـرًا عن أنيا’به الحا’دة، فبعد أن كان يخطو أولى جلسات العلا’ج والتقدم خطوةٌ للأمام فبظهوره الآن عاد مائة خطوة إلى الخلف وسقـ ـط في البئـ ـر الذي حا’رب للخروجِ مِنهُ..
وهذا بالطبع لم يتأ’ثر أو يهتـ ـز شيءٌ ما وإن كان يدُل على إنسا’نيتهِ بداخلهِ، بلى؛ فقد سَخِرَ للتو، وأبتسم بسمةٌ متهكمة بزاوية ثَغْرِه، إنجذ’ب البعض إليهما بعدما فقـ ـد “حليـم” السيطـ ـرة على نفسه أمام هذا الغريب، قام بفر’قعة السبابة والابهام معًا أمام وجه عد’وه ثم أشار إليهِ تجاه الباب بسبابته وهو يُطَالعَهُ بنظرةٍ كار’هة قائلًا بنبرةٍ حا’دة:
_زي ما قـ ـلبك جابك وجيت ودخلت مِن الباب دا، عايزك برضوا قلـ ـبك ياخدك وتخرج ومتورنيش وشك دا تاني لحد ما ربنا يأذن ويا’خدك، وأعلم حسابك عشان أكون بر’أت نفسي وذ’متي، لا هز’عل عليك يوم مو’تك ولا هتنز’لي دم’عة واحدة، ولا همشي فجنا’زتك ولا هشـ ـيلك نـ ـعشك وأدخَلَك القبـ ـر كُل دا متطـ ـمعش إني أديهولك، عشان مش هيحـ ـصل، زي ما مفَرَقش معاك عياطي وخو’في وتعـ ـبي وضُـ ـعفي، أنا كمان مبقاش فيه حاجة جوايا تخليني أحِـ ـنلك أو أز’عل عليك … أنتَ مـ ـيت بالنسبة لي.
أنهـ ـى حديثه القا’سِ إلى هذا الغريب مُعـ ـلنًا لهُ عن ما يكمُن داخل جعبته، وعن نظراته فكانت تؤكد لهُ كُل كلمة يقولها فلم يَعُد بداخلهِ إلا الكر’اهية لهُ، تحرك “حليـم” تاركًا إياه وحيدًا بعد أن رأى العنا’د والعدا’وة والبغـ ـض، ولج إلى مكتبهِ كالإعصا’ر الذي يأتي مرةٍ واحدة بدون سابق إنذ’ار يقـ ـتلع ما أمامه، أغـ ـلق الباب خلفهُ بحركةٍ عنـ ـيفة والغضـ ـب باديًا على تقا’سيم وجهه..

إنْتَصَـ ـبَت “ريم” واقفة بعد أن رأته بهذه الحا’لة للمرةِ الأولى لها، ألتزمت الصمت وقررت أن تُتابعه بعينيها علْهُ يهدأ قليلًا، وعن هذا الفتـ ـى المسـ ـكين لم يكُن حاله أفضل شيءٍ في تلك اللحظة، عادت ذكريات الماضي تُها’جمه بكُل و’حشية تبتلـ ـعهُ بداخلها تفر’ض عليهِ ما لم يكُن يُريده هو، عادت الهوا’جس تفر’ض سيطـ ـرتها عليهِ وعادت الأصوات العا’لية ترن في أُذُنيه كالطبو’ل، أضطـ ـربت أنفاسه بشكلٍ ملحوظ وتمـ ـلَّكت مِنهُ لتفر’ض هيـ ـمنتها عليهِ وتجعله في أسو’أ نُسخةٍ مِنهُ..
أرادت أن تُقدم يد المعو’نة إليهِ، أرادت مساعدته بعد أن رأته هكذا ولَكِنّ خو’فها كان أكبر عا’ئقٍ لها، القلبُ يصر’خ والعقل يرد’ع فـ ـعل صاحبهِ وهي بين الشتا’تين لا تعلم ماذا عليها أن تفعل، رأته يستقر فو’ق الأريكة واضعًا يديه على رأسه محاولًا الهر’ب مِن كُل ذلك فتلك الأصوات والصر’خات والآلا’م تتسـ ـبب في أذ’يتهِ وتجعلهُ يُريد الصر’اخ عا’ليًا وتد’مير ما حوله حتى يستطيع أن يَحـ ـجُب عن سَمْعِه كُل هذه الصر’خات..
صدح رنين هاتفه في هذه اللحظة يعـ ـلو في أرجاء المكان ولَكِنّ لم يعـ ـلو عن تلك الأصوات الصار’خة في أُذُنيه، كانت هي بجواره لترى أخيه هو المتصل، عادت تنظر إلى “حليـم” لرُبما يُجيب هو ولَكِنّ رأت التجا’هل قائمٌ، أعاد الآخر مهاتفته مِن جديد لتكون النتيجة كسابقتها وهي في شتا’تٍ مِن أمرها لا تعلم ماذا عليها أن تفعل الآن، وفي الثالثة كان الرد مِنها بعد أن رأت إصر’ار الآخر لتشعر بأن ثمة شيءٍ ما يريد أن يُخبره بهِ..
أجابتهُ بعد صر’اعٍ عنـ ـيف بداخلها لتستمع إلى صوته الر’جولي الذي تعجب مِن المُجيب أولًا ثم هذا الصمت الذي تلقاه بعدها، جاء صوت “صـلاح” الجا’د يكـ ـسر حِـ ـدة هذا الصمت بقوله المتسائل:
_هو “حليـم” فين يا آ’نسة وأزاي سا’يب موبايله كدا ومين أنتِ؟.

شعرت بالحر’ج بعد تلقيها تلك الأسئلة العديدة مِنهُ، لم تعلم بماذا تُجيب وهي ترى حالة “حليـم” تسو’ء أمامها ولذلك قررت إخباره علْهُ يعلم ما أصا’ب أخيه ويفعل شيئًا:
_أنا “ريم”زميلة “حليـم” فالشغل، بصراحة “حليـم” شكله مش كويس في حد جه قابلُه مِن شوية وهو قعد يز’عق معاه كان صوته عا’لي.
تعجب “صـلاح” وجُعِـ ـدَت تقا’سيم وجهه ليسألها مرةٍ أخرى بنبرةٍ أكثر هدوءًا عن سابقتها بعد أن عَلِمَ هويتها قائلًا:
_طب متعرفيش هيـ ـئة الشخص دا عاملة أزاي أو مسمعتيش “حليـم” بيقوله حاجة يعني أي حاجة تعرفني على الشخص دا.
جاءه جوابها الصاد’م الذي قام بلجـ ـمه بسَو’طْ حينما أجابته على سؤاله بقولها الهادئ:
_هو كان لابس جلابية وكبير وسمعت طشا’ش كلام مِن “حليـم” لِيه بيقوله إنه مش هيز’عل عليه لمَ يمو’ت ولا يمشي فجنا’زته و..
بُتِـ ـرَ حديثها بشهـ ـقةٍ خـ ـفيفة مِنها حينما شعرت بالهاتف يُجذ’ب مِنها بحركةٍ عنيـ ـفة لتلتفت إلى “حليـم” الذي كان يقف خلفها ويُطَا’لِعها بنظراته الغا’ضبة التي لا تُنذ’ر بالخير ليأتي صوته الغا’ضب يصر’خ بها دون أن يشعر:
_أنتِ إيه اللي مسـ ـكك تليفوني !! وأزاي ترُدي على المكالمات اللي بتجيلي مِن أي حد !! أنتِ متعرفيش حاجة عن الإحترا’م خالص !!.
صُدِ’مَت مِن هجو’مه الغير ممهـ ـدٍ عليها وعد’وانيته التي ظهرت فجأةً تجاهها لتشعر بالذ’هول الشـ ـديد وبلسا’نها الذي تم لجـ ـمه بسَو’طْ أمامه حتى لم تستطع الد’فاع عن نفسها أو قول شيءٍ تُبر’ئ بهِ نفسها فهو مَن طلب مِنها البقاء هُنا وحينما وردته الإتصالات مِن أخيهِ بشكلٍ مُتكرر أضطـ ـرت إلى الرد كي لا يقلـ ـق الآخر عليهِ، فعلت هذا فقط مِن أجله وهو لم يُفكر في شيءٍ كهذا وأصبح يتخذ وضع الهجو’م ضـ ـدها، حاولت أن تُبر’ئ نفسها ليمـ ـنعها صوته الصار’خ بها وهو يأ’مرها بالمغادرة:

_بره !!.
شعرت بكر’امتها تُد’هس أمامه لمرتها الأولى وهو لا يعبأ بذلك ويتهـ ـمها فوق ذلك بالتسـ ـلط عليهِ، ترقرق الدمع في المُقل لتشعر بالإها’نة مِنهُ بشكلٍ فاجئها بكُل تأكيد لتتركه وتغاد’ر مسرعةً بقلـ ـبٍ نا’زفٍ ومتأ’لم وهي تؤ’نب نفسها على ما فعلته فهكذا هي دومًا، طيبتها تز’ج بها إلى الهلا’ك والأ’لم، وحينما رحلت هي بقلـ ـبٍ نا’زف كان المتسـ ـبب بهِ هو نظر إلى هاتفه ليرى أن المكالمة مازالت مستمرة وبالطبع أستمع أخيه إلى كُل شيءٍ، أطـ ـلق ز’فيرة قو’ية ثم وضع الهاتف على أُذُنه وقال بنبرةٍ لا تقبل النقا’ش:
_”صـلاح” أنا عندي شغل دلوقتي هخلص وأكلمك.
أنهـ ـى حديثه وأنهـ ـى المكالمة معهُ دون أن ينتظر الإجابة مِن الطر’ف الآخر، ترك هاتفه على سطح المكتب وألقـ ـى بجسـ ـده على المقعد ما’سحًا بكفيه على وجهه عدة مراتٍ محاولًا تهدأة نفسه قليلًا فالمكان مِن حوله يمـ ـنعه مِن التهو’ر كذلك، عاد إلى القا’ع المظـ ـلم مِن جديد كان المتسـ ـبب بهِ أعز الأشخاص إلى قلبه.
_______________________
<“بدايةً جديدة تبدأ بالتقدم خطوة،
حياةٌ تمنتها الفتا’ة أن تنا’لها وها هي لها.”>
في كُل ليلة تولد جـ ـنيةٌ صغيرة وتولد معها حياة جديدة..

بدايةً جديدة تبدأ بالتقدم خطوةٌ واحدة إلى الأمام تجعل المرء يبدأ في العيـ ـش سعيدًا بها، حياةٌ تمنتها تلك الجميلة أن تنا’لها حتى أصبحت هي لها الآن، لم يكُن الحُلم مستحيلًا، بل كان ممكنًا إن تأمل المرءُ بهِ خيرًا..
كانت تنتظر أن تتلقى النتيجة المُرادة التي تتمنى الحصول عليها، تدعو والخو’فُ يُعانق قـ ـلبها يأبى تركها حُـ ـرة، تنتظر وتنتظر منذ وقتٍ قليل وتأخذ الغرفة ذهابًا وإيابًا وهي تضـ ـغط على كفيها تتأمل وتدعو دون توقف، سقـ ـط بصرها على زوجها الذي عاد مِن الخارج مر’هقًا يغـ ـط في ثباتٍ عمـ ـيق تاركًا إياها تعيـ ـش تلك اللحظات المتو’ترة و’حيدةٌ لا تجد مَن يُطمـ ـئنها فلم تُرد أن تعتمد على نتيجةٌ واحدة فقط ولذلك ها هي تنتظر تلقي النتيجة التأكيدية بفرا’غ الصبر..
لحظات وصدحت طرقات هادئة على باب الشقة لتتوقف هي ناظرةً لهُ وقلبها ينتفـ ـض مِن مكانه خو’فًا مِن القادم المنتظر، حاولت تهدأة نفسها والتو’تر يكاد يلتـ ـهمها حـ ـية لتتقدم بخطى منتظمة تجاه الباب تدعو إلى ربها أن تنا’ل ما كانت تُريده، فتـ ـحت الباب بهدوءٍ تنظر إلى الممر’ض الذي أبتسم لها وقال بنبرةٍ هادئة:
_مساء الخير يا فندم.
أبتسمت لهُ بسمةٌ هادئة متو’ترة وهي ترد عليهِ قائلة:
_مساء النور، النتيجة طلعت؟.
حرك رأسه برفقٍ وهو يَمُد يدهُ بها لها، نظرت هي إلى النتيجة التي كانت تنتظرها منذ زمنٍ، نظرت لهُ بتر’قبٍ بعد أن تفحـ ـصتها لتقول بنبرةٍ متو’ترة:
_طب النتيجة طلعت إيه؟ لأن أنا مبفهمش فيها بصراحة.

_إيجابي يا فندم.
هكذا جاوبها مبتسم الوجه وهو ينظر لها، وعنها قد أصا’بتها الصد’مة بلا شـ ـك وجعلتها لا تقدر على التحدث أو التفوه بكلمةٌ واحدة فما تمنته ها هي تنا’له الآن، ترا’خت أعصا’بها وأصا’بتها التيـ ـهة والصد’مة بكُل تأكيد، شكرته ليرحل هو تاركًا إياها في بحو’ر صد’متها وتيهـ ـتها، عادت إلى الداخل مِن جديد لتستقر أ’على الأريكة وهي تنظر إلى التحا’ليل بعد أن ترقرق الدمع في مُقلتيها لا تُصدق ما تراه أمامها فبكُل تأكيد هي تحلُم..
أضطـ ـربت وتيرة أنفا’سها وتسارعت بعد هنيهة مِن الوقت لتتسا’قط عبراتها على صفحة وجهها وترتسم البسمةُ الو’اسعة على ثَغْرها وهي تُطَا’لعها بعدم تصديق، تركتها ووضعت كفيها على وجهها وهي تبكي فرحةً، هذا الشعور الذي يُد’اهم المرء فجأةً وبدون سابقِ إنذ’ار يجعله في صد’مةٍ مِن أمره، ظلت تبكي بدون توقف وهي مازالت لا تُصدق ما رأته..
دقائق مرت عليها وهي بهذه الحا’لة حتى خرج هو مِن الغرفة بعدما أستيقظ مِن غفـ ـلته ليراها تجلس وهي بهذه الحا’لة ليتعجب وتُجَـ ـعد تقا’سيم وجهه وهو يتسأل بداخلهِ عن سبب جلوسها هكذا، أقترب مِنها بخطى هادئة متسائلًا عن سبب جلوسها هكذا ليجلس بجوارها بهدوءٍ وهو ينظر لها والنعاس مازال يحتـ ـل تقا’سيم وجهه وعينيه ومازال عـ ـقله لم يستفيق بعد مِن غفو’ته..
وعنها فقد شعرت بتواجده بجوارها ولذلك أبعدت كفيها عن وجهها وهي تنظر إليهِ بوجهٍ باكِ وعبراتها على صفحة وجهها دون أن تتحدث، وعنهُ حينما رآها عقد ما بين حاجبيه وأصا’به القـ ـلق مِن أن يكون قد حد’ث شيئًا ما هو لا يعلم عنهُ شيءٍ وهي لا تُريد الإفصا’ح عنهُ أمامه، تر’قب ردها على سؤاله حينما قال بنبرةٍ هادئة متر’قبة:

_في إيه يا “مـها”؟ بتعيطي كدا ليه وقعدة لوحدك، في حاجة حصـ ـلت وأنا نايم وأنتِ مش عايزة تقوليلي؟ أحكي أنا سامعك.
أنهـ ـى حديثه بعد أن بدأ قلبه ينجر’ف إلى بحو’ر القلـ ـق الشـ ـديد، أو لرُبما قد أصا’بها هي شيءٌ ما هي لا تُريد الإفصا’ح عنهُ وتخـ ـشى مِن صد’ور ردة فعله الغير متو’قعة، وعند هذه النقطة تر’قب ردها لينظر هو إليها مِن جديد ماددًا كفه الدا’فئ يُعيد خصلا’تها الكثيـ ـفة إلى الخلف قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_في إيه طيب قوليلي وأنا سامعك، قولي إيه اللي مخليكي تعيطي بالشكل دا حد كلمك وضا’يقك؟.
أعتدلت في جلستها وهي تنظر لهُ بعينين باكيتين وهي تشعر أنها يجب أن تُخبره في الحال فلا تستطيع أن تنتظر أكثر مِن ذلك وتعلم أنهُ ينتظر تلك اللحظة بفرا’غ الصبر مثلها، عانقتهُ دون أن تتحدث تلُـ ـف ذراعيها حول عنـ ـقه أسـ ـفل تعجُبه الشـ ـديد برد فعلها ذاك، سقـ ـط بصره على ملف التحا’ليل الماكث بجوارها ليعقد ما بين حاجبيه متسائلًا فحتى هي تلتزم الصمت وتبكي وهو ما بين هذا كله لا يعلم ماذا يفعل وماذا يقول..
خرجت كلماتها البسيطة تكسـ ـر حِـ ـدة هذا الصمت القائم بينهما بكلماتٍ كانت كجمـ ـرة النير’ان الملتهـ ـبة التي أذ’ابت صقـ ـيع الثلوج المتجـ ـمدة في فصل الشتاء، كلماتٌ أعادت رو’حه إلى الحياة مِن جديد:
_أنا حا’مل يا “سـراج”.
كلمتين كانتا كفيلتين بقلـ ـب الموازين، كلمتين طا’ل سماعهما، كلمتين ستجعل الحياة أفضل، كلمتين أعادت المرء إلى الحـ ـياة مِن جديد، كلمتين كانتا طو’ق النجـ ـاة مِن مو’ج البحـ ـر العا’لِ، أبعدها عنهُ وهو ينظر لها مجحـ ـظ العينين لا يُصدق ما سمعه قبل لحظات هو بالطبع يحلُم، تر’قب قولها، أنتظر الإجابة التأكيدية على ما قالته، ليراها تأخذ هذا الملف وهي تنظر إلى عينيه مبتسمة الوجه لتقول بنبرةٍ هادئة باكية:

_عملت التحا’ليل فالمعمـ ـل عشان أتأكد أكتر ومحبتش أقولك غير لمَ أتأكد عشان معشمـ ـكش على الفا’ضي وأنا عارفة إن أنتَ مستني اللحظة دي زيي، التحا’ليل وصلت مِن شوية وأكدو عليا إنها إيجا’بي، أتحقق اللي نفسنا فيه يا “سـراج” أنا مش مصدقة نفسي.
أنهـ ـت حديثها بنبرةٍ حما’سية سعيدة وبسمتها مرتسمةٌ على ثغرها بأتسا’عٍ، توهـ ـجت لمـ ـعة عينيها بشكلٍ ملحوظ، أتسـ ـعت بسمتهُ على ثَغْره وهو ينظر إليها مذ’هولًا لا يُصدق ما سمعه قبل لحظات، فيما قالت هي بنبرةٍ باكية:
_حصل بجد صدقني، أنا أتصد’مت زيك كدا بالظبط فالأول وحسيت إني بحلم وكُل دا هيطلع حلم حلمنا بيه مِن فترة طويلة، بس التحا’ليل أهي بتأكد كُل حاجة.
ترقرق الدمع في المُقل ولذلك ضمها هو هذه المرة إلى د’فئ أحضانه والسعادة تغمُـ ـر قلبُه بعد أن عَلِمَ بهذا الخبر السار الذي أسعده بشـ ـدة، شـ ـدد مِن ضمته إليها وعبراته تتسا’قط على صفحة وجهه والبسمةُ ترتسم بأتسا’عٍ على ثَغْرِه، لَثَمَ رأسها بقْبّلة حنونة وقال بنبرةٍ بها بُحَّةُ الفرحة:
_مصدقك والفرحة مش سيعاني دلوقتي، حياتنا هتتغير للأحسن بمجيته أيًا كان إيه هو، بس هيغير كتير أوي فينا، وهيخلينا نخا’ف عليه أكتر مِن نفسنا ونهتم بيه أكتر ما هنهتم بنفسنا، التأ’خير دا كان لِيه هدف ورسالة لينا فهمناها دلوقتي، أول مرة أصحى مِن النوم على خبرية زي دي أنا قولت “فـتوح” ربنا خـ ـده وأر’تحنا.
أنهـ ـى حديثه ممازحًا إياها بوجهٍ مبتسم لتضحك هي في المقابل ثم نظرت لهُ بوجهٍ مبتسم ليقول هو بنبرةٍ هادئة وهو ينظر إلى عينيها الزر’قاء التي تُشبه صفا’ء البحـ ـر في فصل الصيف:

_ياه لو طلع و’لد واخد جمال العيون دي، أو واخد حلاوة أُ’مّه كلها، يبقى واخد هيئتك الخا’رجية وكشخصية أنا، هيبقى و’اد مفيش مِنُه ٢ مِن الآخر.
أتسـ ـعت بسمتُها على ثَغْرِها وهي تُطَالعهُ بنظرةِ مُحبٍ وهي تتخيّل هيئة هذا الصغير مثلما يقول “سـراج” لتعود واضعةً رأسها على كتفه معانقةً إياه تحظى بهذا الد’فئ الذي تشعر بهِ بقربهِ، فيما حاوطها هو بذراعيه ماسحًا على خصلا’تها الكثيـ ـفة النا’عمة برفقٍ وهو يشعر بنبـ ـضات قلبه تعلـ ـو بشـ ـدة داخل صد’ره وسعادته تكاد تأخذه وتُحـ ـلق بهِ عا’ليًا، دقائق قليلة مرت عليهما فكر خلالها برد فعل الجميع حينما يعلموا خبرٍ كهذا لتعـ ـلو بسمتهُ ليُقرر الأنتظار قليلًا حتى يهدأ رفيقه قليلًا وبعدها يُخبر الجميع بهذا الخبر السار.
______________________
<“لا يسقُـ ـط الملك طوعيةٌ لأحد،
بل يظل شا’مخًا وجميعهم حوله يسقـ ـطون.”>
منذ أن عاد وهي لا تُفا’رقه، تهتم بهِ وكأنه طفلٌ صغير طيلة الوقت، وفي بعض الوقت تتعا’لى الضحكات على شجا’رهما سويًا طيلة الوقت بسبب إصر’ار هذه وتذ’مُر ذاك، خرجت وهي تحـ ـمل الصحن السا’خن الذي كان بداخلهِ الشوربة لتضعه على سطح الطاولة وهي تقول بنبرةٍ هادئة:
_”يـوسف” أتصل بـ “سـراج” وقوله يجيب “مـها” وييجوا عشان يتغدو معانا يا حبيبي.
نظر إليها نظرةٍ ذات معنى ليقول بنبرةٍ ساخرة:
_دلوقتي بقيت حبيبك وعايزاني أتصل كمان يا عيني على المصالح، عايزينك فمصلحة تبقى فشتـ ـهم وكلـ ـيتهم ولو طولت تبقى شـ ـريان مِن شـ ـرايين قلبهم مش هيضـ ـر، غير كدا تبقى ابن *** عادي والإبن العا’صي، عجب عليك يا زمن صحيح فالمصالح حبايب وفالشـ ـدة ضرا’ير.

خرجت “شـاهي” مِن جديد وهي تحـ ـمل صحنًا آخر لتر’شقه نظرةٍ حا’دة قائلة بنبرةٍ صا’رمة:
_أخلص يالا مِن غير لَك كتير فالح تقـ ـل أد’بك ولسا’نك يطو’ل على أي حد.
أتسـ ـعت بسمةُ “جـاد” حتى ظهرت أسنانه وهو ينظر إلى ابن عمّه الذي أبتسم متهكمًا وأخذ هاتفه متمتمًا بعدة كلماتٍ غير مفهومة، عاد ينظر بعد ذلك إلى زوجة عمّه قائلًا بنبرةٍ ما’كرة:
_عمتو أهـ ـم حاجة طبق الفاصوليا الخضـ ـرا دي قلبي.
سَمِعَتهُ “كايلا” في الداخل لتبتسم رغمًا عنها وقد شعرت بالحر’ج حينما فَهِمَت مقصدهُ، نظرت إليها شقيقتها بطر’ف عينها نظرةٍ ذات معنى مبتسمة الوجه ليأتي قول “هـناء” التي تذكرت أمر هذا الفـ ـتى الذي حتى هذه اللحظة لم يصل بعد لتقول:
_يوه نسيت أكلم “بشيـر” أتطـ ـمن عليه قالي هيتأخر شوية معرفش راح فين مرضاش يقولي، هروح أكلمه وأرجعلكم كملوا أنتوا.
أنهـ ـت حديثها وتركتهما سويًا وخرجت لتتقابل مع “شـاهي” التي سألتها قائلة:
_رايحة على فين كدا يا “هـناء”؟.
_نسيت أتطـ ـمن على “بـشير” هكلمه وبالمرة أكلم “نادر” أخليه يطلع ليكون نسي ولا حاجة.
هكذا جاوبتها “هـناء” بوجهٍ مبتسم ثم تركتها وخرجت، فيما ولجت لهما “شـاهي” لتقف بجوار “كايلا” وهي تقول بنبرةٍ هادئة ما’كرة:
_طبق فاصوليا خضـ ـرا لـ “جـاد” مخصوص عشان دي لازم تبقى موجودة، أول مرة أشوفه ملهوف عليه أوي كدا.

تبدلت تقا’سيم وجه “كايلا” التي شعرت بالخجـ ـل حينما فَهِمَت مغز’ى حديثها لتقرر الالتزام بالصمت، ربتت “شـاهي” على ظهرها برفقٍ وقالت بوجهٍ مبتسم:
_”جـاد” دا تربيتي على فكرة، أفهمه مِن نظرة عنيه بس، وعشان أنا صر’يحة على طول هقولك اللي فيها، “جـاد” بيحبك على فكرة وشكله بيحبك أوي كمان آه هو إحر’اج ليكي عشان مش متعودة وكان في تجربة فا’شلة بس دي مختلفة وتستحـ ـق إنك تديها قـ ـلبك طالما الشخص أما’ن ويستحـ ـق، أنا عارفة إنك أكيد جواكي حاجة لِيه وهتطـ ـلع فالوقت المناسب بس نصيحة مِني ليكي يعني أتقـ ـلي عليه أوي الحاجة مبتجيش بالساهل كدا أسألي أختك لففت “يـوسف” حوالين نفسه زي المجـ ـنون.
أبتسمت “بيلا” لتجاوب على حديثها بنبرةٍ هادئة:
_واللهِ ما حد لفف “يـوسف” وخلاه بالمنظر دا غير التُـ ـقل، كُنْت ماشية معاه شوّق ولا تدوّق، دلوقتي لو قولتيله كدا هينكـ ـر ويقولك محصلش أنا اللي جايبها بمعاكـ ـسة دي الجُملة اللي بيقولها كُل شوية حا’كم كان سا’فل ومازال على فكرة مفيش حاجة أتغيَّرت غير كنيته بس.
تعا’لت الضحكات بينهن ليأتي قول “شـاهي” التي قالت بنبرةٍ ضاحكة:
_على رأيك واللهِ، الواحد مبيسلـ ـكش قدامه ترُدي تلاقي مليون رد على كُل حاجة.
_طا’لعين عالسلم يا “شوشو” !!.
هكذا صدح صوت “يـوسف” عا’ليًا مِن الخارج يُخبرها بقدوم شقيقته وزوجها، أخذت “شـاهي” صحنًا آخر وخرجت إليهم وهي تُنادي على “عـماد” لتنظر “بيلا” إلى شقيقتها التي كانت تجاورها وتقوم بوضع الطعام في الصحون قائلة بنبرةٍ هادئة:

_طـ ـلعي طبق الفاصوليا دا، على الأقل يصّبر نفسه بيه شوية.
نظرت إليها “كايلا” نظرةٍ ذات معنى لتسمع شقيقتها تُبـ ـرر لها قولها حينما أدعت البراءة:
_إيه مغـ ـلطش المثل يقولك شوّق ولا تدوّق على الأكل يفهم إن في قبو’ل، وبعدين كدا أو كدا “أكرم” هيكلمه ويقوله إنك وافقتي وشوية بييجوا يتقدم ويتفقوا على كُل حاجة والموضوع يمشي وتتخطبوا … طيب واللهِ وبيحبك زي ما ماما “شـاهي” قالتلك مِن شوية، فُـ ـكيها شوية.
أطلـ ـقت “كايلا” ز’فيرة قو’ية ثم تركت الملعقة التي كانت تضع بها الطعام في الصحون ثمّ أعتدلت في وقفتها ونظرت إلى شقيقتها وقالت بنبرةٍ هادئة:
_خا’يفة أوي يا “بيلا”، خا’يفة أخو’ض التجربة تاني، أعمل إيه أنا مش عارفة بجد أنا بحبه بس خا’يفة مِن إني أخو’ض التجربة دي تاني، قـ ـلبي عايزُه وعقـ ـلي را’فض وبيفكرني بشكل مباشر باللي عدى، مش عارفة أمشي فين وأروح منين والمفروض عليا أعمل إيه.
تفهمت “بيلا” ما تشعر بهِ شقيقتها وما تُعا’نيه وحدها كُل ليلة وكلما توّصلت إلى الحل الأمثل الذي يُرضي كلا الطر’فين يعود عـ ـقلها يُفر’ض هـ ـيمنتهِ عليها وير’دع قر’ارها ذاك، أقتربت مِنها بخطى هادئة لتقف أمامها مباشرةً تنظر إليها لتَمُد كفها تُمسك بكف شقيقتها تزامنًا مع قولها الهادئ:
_أعملي اللي قـ ـلبك يقولك عليه يا “كايلا”، أسمعي لقلبك هو صح، أختاري قلبك عشان لو طا’وعتي عـ ـقلك هتند’مي بعدين، “جـاد” شا’ب كويس ومضمو’ن مش بقول كدا عشان أضـ ـغط عليكي بالعكس أنا عايزاكي تاخدي قر’ارك وأنتِ را’ضية، لمَ أديتي لـ “أكرم” رأيك ووافقتي كان قلبك هو اللي واخد القر’ار دا عشان شاف نفسه معاه وحبُّه، جرّبي في فترة خطوبة عا’شريه وأفهميه عن قُرب أكتر وأنا و’اثقة إنه بيحبك أوي ويتمنالك بس الرضا ترضي، كفاية لمَ عرف موضوع العريس اللي جه أتقدملك كان عامل أزاي وبعد ما عرف إنك ر’فضتيه كان طا’ير مِن الفرحة لدرجة إنه دَّ’مع، عايزة إيه أكتر مِن كدا.

هكذا أخـ ـتتمت “بيلا” حديثها الهادئ وهي تنظر إلى شقيقتها التي اضطـ ـربت مشاعرها وعادت تستعيد ذاكرتها مِن جديد وخصيصًا إلى هذا اليوم، حينما تلقى هذا الخبر السار الذي غيَّر مجر’ى الحياة بالنسبةِ لهُ إلى الأفضل، ولجت “هـناء” في هذه اللحظة لهما بوجهٍ مبتسم قائلة:
_”نادر” طا’لع ومعاه “بشيـر”، راجع بعد شهرين غُربة وحشني أوي.
سعدت “بيلا” بتلقي هذا الخبر السار كثيرًا لتعاود أخذ صحونٍ زائدة لتبدأ بوضع الطعام إليهما قائلة:
_حلو أوي الخبر دا خليني أغر’فلهم هما كمان أكيد “بشيـر” جاي جعان أوي.
_دا أكيد زوديله هو و “نادر” وأنا هروح أفتـ ـح الباب اللي بيخـ ـبط دا لتكون أم “عـبير” محتاجة حاجة.
هكذا ردت “هـناء” بوجهٍ مبتسم والسعادة تغمُـ ـر قلبها لعودة هذا الحبيب مِن جديد إليهم ثمّ خرجت سريعًا أسـ ـفل نظرات “بيلا” المبتسمة التي عاودت وضع الطعام مِن جديد، فيما فتـ ـحت “هـناء” الباب لترى “سـراج” ومعهُ “مـها” أمامها لتُرحب بهما بوجهٍ مبتسمٍ بشو’ش وهي تُفسـ ـح لهما الطريق ليولجا سويًا مرحبين بها ليروا هذا التجمُع العائلي اللطيف بالداخل قائمًا بحضور الجميع، وقبل أن تُغلـ ـق الباب شعرت بمَن يمنـ ـع عنها ذلك لتنظر إلى الفا’عل لتراه أمامها ينظر لها بوجهٍ مبتسم قائلًا:
_طب مش عيـ ـب تقفـ ـلي الباب فوشي كدا برضوا يعني الشو’ق دا كُله كان فيـ ـك يعني؟.
هكذا أنهـ ـى “بشيـر” حديثه ممازحًا إياها كعادته ليرى العبرات تلتـ ـمع في مُقلتيها بشكلٍ واضحٍ حينما رأته أمامها عاد إليها مِن جديد آ’بيًا مفا’رقة الحبيب وإن كان الطريق هو المُراد منذ زمنٍ بعيد، ترك أغراضه وأر’تمى داخل أحضانها معانقًا إياها بقو’ةٍ وشو’قٍ بَلَـ ـغَ أشُـ ـدَه، لم ير’تمي بأحضان غريبٍ بل أر’تمى بأحضان حبيبٍ ومسكـ ـنٍ آ’من وجد نفسه وغا’يته بهِ؛ عناقٍ أنساه الجميع، حتى والدته قد نساها، وأصبحت تلك الغريبة أُمٌّ لهُ، وونيستهُ والحبيبة والرفيقة، أصبحت عالمه بأكملهِ..

_وحشتيني أوي يا “هـنون”، وحشتيني الغُربة و’حشة، حلوة فشُغلها بس مش حلوة فتفر’قتها عن الحبايب دا أنا مصدقت أنز’ل بجد عشان أشوفكم كلكم.
هكذا أنهـ ـى “بشيـر” حديثه مشد’دًا مِن عناقه إلى تلك الحبيبة ليسمعها تقول بنبرةٍ لو’عة وهي لا تُصدق بأنهُ قد عاد لها مرةٍ أخرى وأصبح بداخل ذاك الحصـ ـن الدا’فئ المنيـ ـع الذي لن يخذ’له مهما كلفهُ الأمر يومًا، مسـ ـحت بكفها على ظهره وترقرق الدمع في المُقل لتقول بنبرةٍ سعيدة وباكية:
_حمدلله على سلامتك يا حبيبي، حمدلله على سلامتك كُنْت مستنياك ترجع وحشتني يا حبيب “هـنون”.
خرجت “بيلا” في هذه اللحظة لترى أخيها أمامها بعد هذه الغُربة التي طا’ل عليهِ أَ’مَدها، أتسـ ـعت بسمتها على ثَغْرها لتقول بنبرةٍ سعيدة:
_”بشيـر”!.
أبتعد “بشيـر” عن “هـناء” لينظر إلى شقيقته بوجهٍ مبتسم ليضمها إلى د’فئ أحضانه والسعادة تغمُـ ـر قلبُه لتضمه هي بقو’ةٍ وهي تقول بنبرةٍ سعيدة:
_وحشتني أوي يا حبيبي أنا بجد مش مصدقة إنك رجعت تاني البيت كان و’حش مِن غيرك واللهِ.
أتسـ ـعت بسمةُ “بشيـر” على ثَغْره ليقول بنبرةٍ تملؤ’ها السعادة:
_حبيبة “بشيـر”، وحشتيني أوي يا حياتي.
مسـ ـح بكفه على ظهرها برفقٍ ثمّ لثم رأسها بقْبّلة حنونة ثمّ نظر إلى شقيقته الأخرى ليضمها إلى أحضانه قائلًا بوجهٍ مبتسم:
_وحشتيني يا “كايلا” واللهِ كلكم وحشتوني أوي.
ضمته “كايلا” بوجهٍ مبتسم وجاوبته بنبرةٍ هادئة:

_وأنتَ كمان وحشتني أوي يا حبيبي، حمدلله على سلامتك.
ولج “أكرم” في هذه اللحظة ومعهُ زوجته ليبدأو جميعًا بالترحيب بهذا الفتـ ـى الذي حظى بحُبّ هذه العائلة بسرعةٍ كبرى، أجتمعوا جميعهم على طاولة الطعام لتجاور “كايلا” شقيقتها التوأم ويجاورها أخيها الحبيب “بشيـر” وأمامها مباشرةً “جـاد” الذي كان بجاوره عمّه وعلى يسا’ره “هـناء” التي كانت تُتابع “بشيـر” و “نادر” بين الفينة والأخرى وتضع لهما الطعام بين الحين والآخر..
كانت تخـ ـتلس النظر إليهِ بين الحين والآخر تراه يتناول مِن الفاصوليا الخضـ ـراء طيلة الوقت وبين الحين والآخر يتناول صـ ـنفًا آخر ولعدة مراتٍ تتقابل أعينهما ببعضهما البعض تُفصح عن ما يعجـ ـز الفم عن قوله وحينها تشعر بقلبها يزد’اد خفـ ـقانه أكثر حينما ينظر هو إليها ليُصيـ ـبها التخبـ ـط الشـ ـديد في حضرتهِ وتبدأ بالتفكير في حديث شقيقتها مرةٍ أخرى بشكلٍ أكثر جـ ـدية..
وبعد مرور القليل مِن الوقت.
أقترب “سـراج” يقف أمامهم بمحاذ’اة زوجته التي نظرت إلى شقيقها وقالت بنبرةٍ هادئة:
_”يـوسف”.
نظر إليها بعد أن جذ’ب أنتباهه صوتها الهادئ النا’عم ليجاوبها بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه:
_قلب “يـوسف”.
أبتسمت “مـها” ثمّ قالت بنبرةٍ هادئة متسائلة وهي تنظر لهُ:

_أختارلي أسم و’لد على ذوقك ممكن؟.
_بذ’مة أبوكي بعد الرِ’قة دي والجمال دا أر’فض؟.
هكذا رد عليها بسؤالٍ آخر مبتسم الوجه لتتسـ ـع بسمتها على ثَغْرها ليُفكر هو قليلًا بينه وبين نفسه ثمّ قال:
_ممكن تسميه على أسمي عادي مش هقول لا، بس هقول لا عارفة ليه؟ عشان أبقى أنا الوحيد فحياتك محدش يشا’ركني فالحـ ـتة دي عشان مفيش غير “يـوسف” واحد بس.
_حتى غرو’رك طا’فح هنا، يا عمّ أسكوت بقى ز’هقتنا.
هكذا جاوبه “سـراج” مطصنعًا الضيـ ـق تجاهه ليأتيه الرد حاضرًا مِن “يـوسف” الذي قال بنبرةٍ حا’دة:
_وأنتَ مال أ’هلك حد وجهلك كلام هي بتسأل وأنا بجاوب إيش حَشَـ ـرك يالا.
توا’قح مِن جديد ولم يعبأ لأحدهم كالمعتاد ليرد “سـراج” عليهِ في المقابل بنبرةٍ مماثلة:
_هتعرف، هتعرف يا محتر’م يا معدو’م الر’باية.
_خلاص خلاص متتخا’نقوش، قولي إسم يا “چـو” حلو زيك كدا.
هكذا أجابته “مـها” مبتسمة الوجه تقم باسْتِعْطافه بنبرتها الر’قيقة النا’عمة تنتظر جوابه، فيما فكر هو قليلًا بينه وبين نفسه هنيهة مِن الوقت ثمّ نظر لها نظرةٍ ذات معنى وقال بنبرةٍ هادئة:

_”رسلان” حلو، بحب الإسم دا أوي ممكن تسميه..
بَتَـ ـرَ حديثه فجأةً بعد أن جاوبها وهو متعجبًا مِن سؤال شقيقته لينظر إليها وهو يعقد حاجبيه قائلًا بنبرةٍ متسائلة:
_ثواني، بس أنتِ بتسألي ليه السؤال دا؟ مش غريبة دي.
_ما الغريب إلا الشيطا’ن يا عنيا.
هكذا جاوبه “سـراج” بنبرةٍ ساخرة وهو ير’شقه بنظراتٍ استفـ ـزازية، نظر “يـوسف” بتر’قبٍ إلى شقيقته التي كانت تُحاول كبـ ـح ضحكاتها بشتى الطرق بعد أن رأت تعجُبه ونظرته لها، نظر إلى رفيقه وهو يُحاول التوصل إلى سبب هذا السؤال لينظر إلى شقيقته نظرةٍ ذات معنى ليأتي قوله حاضرًا حينما قال متر’قبًا:
_أنتوا عملتوها ولا إيه؟.
أخرج “سـراج” الملف الخاص بزوجته ثمّ نظر إليهم مبتسم الوجه وقال بنبرةٍ تغمُرها السعادة:
_كُله يستعد، في اللي هيبقى خالو وفي اللي هيبقى تيتا فاضل ٦ شهور.
ظهرت تعابير مختلفة على معالم وجوههم حينما تلقوا هذه الخبرية السّارة التي بالطبع فاجئتهم جميعًا وكانت بعيدة كُل البُعد عن فكرهم في هذه الأيام، ولَكِنّ فاجئهم “سـراج” وأفصـ ـح عنها بوجهٍ ضاحك والسعادة تغمُـ ـر قلبه، نهضت “شـاهي” وهي تنظر لها لا تُصدق ما سمعتهُ أُذُنيها قبل ثوانٍ لتقترب مِنها بخطى هادئة وهي تنظر لها بذ’هولٍ تام لتقف أمامها وهي لم تَحـ ـجُب رؤيتها عنها لتقول بنبرةٍ سعيدة:
_”مـها” أنتِ بجد حا’مل؟! يا الله بجد أنا مش قا’درة أصدق، واللهِ فرحتوني أوي بالخبرية دي مُبارك إن شاء الله يمشي الحال وتكمل على خير وتيجي بنو’تة حلوة.

أنهـ ـت حديثها وضمتها إلى أحضانها بسعادةٍ طا’غية لتستقبلها “مـها” مبتسمة الوجه وهي تقول بنبرةٍ هادئة وسعيدة:
_حبيبتي أنا كُنْت عارفة إنك هتفرحي كدا، ولو عايزاها بنو’تة حلوة فمفيش أحلى مِنك هتطـ ـلع شبهك.
ضحكت “شـاهي” لتُربت على ظهرها برفقٍ قائلة:
_حبيبتي تقومي بالسلامة ونفرح بيها إن شاء الله.
أقترب “يـوسف” مِن رفيقه وهو مازال مذ’هولًا لا يُصدق ما سمعه ليقف أمامه مباشرةً يُحاول استيعا’ب ما سمعه قبل لحظات ليراه ينظر إليهِ بوجهٍ ضاحك والدمع يترقرق في المُقل ليقم بعدها “يـوسف” بمعانقته مشد’دًا مِن ضمته لهُ وهو يضحك قائلًا:
_عملتها يا فقـ ـري، عملتها أخيرًا وهتبقى أب، فرّحت قلبي يالا أخيرًا هتتر’بى.
ضحك “سـراج” حينما عَلِمَ أن تلك الكلمات بالنسبةِ إلى رفيقه مباركته لهُ، ربت على ظهره برفقٍ وقال بوجهٍ ضاحك ونبرةٍ سعيدة:
_حبيبي يا خويا الله يبارك فيك مش عارف كُنْت هعمل إيه لو مسمعتش الكلمتين دول منك.
ضحك “يـوسف” ثمّ ربت على ظهره برفقٍ وأبتعد عنهُ ثمّ اقترب مِن شقيقته التي كانت تُطَالعَهُ بوجهٍ مبتسم لتتسـ ـع بسمتهُ على ثَغْره ويترقرق الدمع في المُقل ليضمها إلى د’فئ أحضانه مشد’دًا مِن ضمته إليها وهو يقول بنبرةٍ مضطـ ـربة:
_أقسم بالله ما مصدق إنك ضحكتي عليا وقولتيلي بطريقة غير مباشرة، بعد دا كُله تضحكي عليا وتنا’كشيني يا “مـها”.
ضحكت هي وحاوطته بذراعيها ترد عليهِ بقولها الهادئ السعيد:

_رديتلك جزء صغير مِن اللي كُنْت بتعمله فيا، بس متنكـ ـرش إنك فرحتلي وهتبقى أحلى خالو فالدُنيا.
شـ ـدد مِن ضمته إليها ومسـ ـح بكفه على خصلا’تها قائلًا بنبرةٍ سعيدة بها بُحَّةُ البُكاء:
_مبسوط أوي ليكي يا نو’ر عيني، مُبارك يا حبيبة أخوكي ربنا يتمملك على خير يارب الشهور الباقية وتقومي بالسلامة وتبقي أحلى وأحن وأطيب أُمّ فالدُنيا كُلها.
تأ’ثر كثيرًا حينما تلقى هذا الخبر الذي كان مُفاجئًا بالسنبةِ إليهِ ليُشـ ـدد مِن ضمته لها، هذه هي حبيبته، تلك التي تر’بت معهُ وقـ ـضت حياتها بالكامل معهُ، تلك التي تر’بت على يديه وأعتنى بها، تلك هي صغيرته وتلك حياته بأكملها، ربت “سـراج” على كتف رفيقه وأحب إثا’رة غيـ ـظه ولذلك قال:
_خلاص يا عمّ، خلاص يابا، خلاص يا حبيبي كفاية أنا بغـ ـير و’سع كدا بعد إذنك ومتقربش تاني، ممنو’ع الاقتراب أو اللمـ ـس يا حبيبي دي بتاعتي أنا.
نظر لهُ “يـوسف” نظرةٍ حا’دة مفعـ ـمة بالغـ ـيرة فهو يُطالبه بالابتعا’د عن شقيقته الحبيبة وعد’م الاقتراب مِنها مرةٍ أخرى، يبدو أنهُ يمزح معهُ، شـ ـدد “يـوسف” مِن ضمته إلى شقيقته وحاوطها بذراعيه يفر’ض حما’يته عليها قائلًا بنبرةٍ حا’دة متو’اقحة:
_نعم يا رو’ح أُ’مّك؟ متخلنيش أقـ ـل أد’بي وأقول ألفا’ظ خار’جة بقى، قال مقربش قال، دي أختي يالا أصحى لنفسك دي كانت بتنام فحُـ ـضني وهي صغيرة عندها ٣ سنين يعني أعقـ ـل وأوز’ن الكلام أنا اللي مجوزهالك يا حيـ ـلتها، وأبعـ ـد كدا بقى ومتحلمش كتير.
أنهـ ـى حديثه وهو يد’فعه بعيدًا عنهُ حتى لا يقترب مِن شقيقته التي تابعت تلك المشا’جرة التي بدأت بحديث أخيها مبتسمة الوجه ترى د’فاع شقيقها عن حـ ـق ملكـ ـيته بها أمام زوجها الذي كان يُدا’فع كذلك عن حـ ـقه بها ففي النها’ية هي زوجته كذلك لتُصبح كما قطعة الحلوى الشهـ ـية التي يتناز’ع مِن أجلها الصغار، تحدث “يـوسف” مجددًا وهو يقم بتحذ’يره قائلًا:

_وعلى فكرة بنـ ـت أختي أو أبنها أيًا كان اللي هييجي هيتر’بى على إيدي وقد أعذ’ر مَن أنذ’ر.
_أحـ ـيه بقى يا جدعان ٥ ثواني وهيقولي معندناش عيـ ـل بأسمك أنتَ مخـ ـلفتش أصلًا.
هكذا كان رد “سـراج” على حديثه غير را’ضٍ عمَّ يُقال مِن هذا الخـ ـبيث الذي دومًا يقف أمامه النـ ـد بالنـ ـد يُعا’نده غير سامحٍ إليهِ بأن يحظى بالقليل مِن السعادة، جاء الرد مِن رفيقه الذي ر’ماه بنظراتٍ خـ ـبيثة وقال بنبرةٍ ما’كرة:
_عارف لو كُنْت أطو’ل أكتبه على أسمي كمان كُنْت عملتها.
_لا بقى يا جدعان اقسم بالله لو مسكته ما هـ ـسيبه سليم المستـ ـفز دا، ما تـ ـلم نفسك يا عمَّ شوية وهتمـ ـحيني مِن حياتها.
هكذا أنهـ ـى “سـراج” حديثه وهو ينظر إلى رفيقه بنظراتٍ غا’ضبة غير مصد’قة ليراه يضحك على ردة فعله سعيدًا بأنه أستطاع إثا’رة غضـ ـبه، جاء قول “عـماد” ضاحكًا:
_واللهِ يا “يـوسف” ما شوفت حد مستفـ ـز قدك بجد، سيبه يفرح يالا شوية وسيبله “مـها”.
_وماله عشان يحَضَن فيها قدامي كُل شوية عـ ـبيط أنا بقى.
هكذا رد “يـوسف” متوا’قحًا بعد أن عَلِمَ نو’ايا صديقه الذي لم يَعُد يتحـ ـمل ولذلك أقترب مِنهُ وأمـ ـسك بذراع زوجته وهو ينظر إلى رفيقه قائلًا:
_سيبها يالا متبقاش غـ ـتت وقطا’ع أرزا’ق.
تمـ ـسَّك بها “يـوسف” وأبى تركها وهو ينظر إليهِ نظرةٍ حا’دة ليقول:

_مش هسيبها وأنا قطا’ع أرزاق، ما أنتوا قطـ ـعتوا عليا كتير ومتكلمتش.
_هيفضـ ـحوا بعض دلوقتي، قول حاجة يا “عـماد”.
هكذا قالت “شـاهي” وهي تنظر إلى شقيق زوجها علّه يفعل شيئًا، ولَكِنّ تد’خل أطيبهم وأحنهم يفـ ـض هذه المشا’جرة بقوله المتعقـ ـل:
_سيبها يا “يـوسف” هو برضوا عايز يفرح معاها زي أي واحد، ولو عايز تقعد معاها هو شاطر وهيسيبها وقت شغله ممكن تكلمها وتقعد معاها لحد ما هو يرجع أو تروحلها عادي يعني، حبوا بعض يا حبيبي أنتَ أخوها وهو جوزها وانتوا الاتنين صحاب فالاخر.
جاء جواب “يـوسف” المتوا’قح كذلك دون أن يعبأ لشيءٍ قائلًا:
_أنتَ مالك أنتَ كمان، وبعدين أنتَ بتهادي عيال صغيرة.
نظر لهُ “بشيـر” مذ’هولًا غير مصدقٍ لِمَ سَمِعَه لينظر إلى “سـراج” قائلًا:
_ليك حـ ـق، مو’ته يا عمّ.
أبتعد عن مر’ماهما لينظر “سـراج” إلى رفيقه ليقترب مجددًا مِنهما ممسكًا بذراع زوجته وبالأخرى د’فع “يـوسف” بها قائلًا بنبرةٍ حا’دة:
_أبعد يا عمّي بدل ما أديك كشا’ف على وشك اللي شبه البطاطس دا.
صُدِ’مَ “يـوسف” مِن توا’قح رفيقه معهُ ولذلك ترا’خت ذراعيه مِن على شقيقته ولذلك أخذها “سـراج” وضمها إلى د’فئ أحضانه وهو ينظر إلى رفيقه الذي كان مصد’ومًا مِن تو’اقحه معهُ ولذلك رأى والدته تتو’لى الد’فاع عنهُ وهي تجاوره قائلة:

_وماله وشه يا “سـراج” ما هو زي القمر أهو أصمالله عليه وشه بدر منوّ’ر هو في زي جمال أبني “يـوسف”.
أنهـ ـت حديثها وهي تُلثم وجنته بقْبّلة حنونة ثمّ مسَّدت على صد’ره بحنوٍ وهي تنظر لهُ مبتسمة الوجه لينظر هو إليها في نفس الوقت نظرةٍ متفاخرة ليُبا’غتها ويُلثم وجنتها بقْبّلة خا’طفة أمام الجميع دون أن يعبأ لأحدهم ثم ضمها إلى د’فئ أحضانه وهو يقول مبتسم الوجه:
_وعهد الله ما حد نا’صفني غير السـ ـت الحلوة دي، وتقولولي بحب الستا’ت ليه؟.
أنهـ ـى حديثه وهو ينظر لها مبتسم الوجه لتضمه هي دون أن تتحدث، وعن ثنائي آخر فنحن أمام حضرة قصة حُبٍّ أخرى ترتدي قبعة التخفـ ـي، كان “عـماد” ينظر بوجهٍ مبتسم وعينين لا’معتين إلى “هـناء” التي كانت تضحك طيلة الوقت على هذا الثنائي وعن قلب عا’شقٍ مفتو’ن بحبيبه فلا تُحدثني عزيزي فهو في هذه اللحظة شعر أنه وجد الحبيب، خـ ـفق قلبه بعـ ـنفٍ حينما رأى ضحكتها التي خطـ ـفته ولمـ ـعة عينها التي سحـ ـرته..
كانوا في عالمٍ، وهو في عالمٍ آخر وحيدًا أمام تلك الجميلة مثلما أخبره قلـ ـبه، لمحـ ـه “بشيـر” بطر’ف عينه ليراه منسجمًا في شيءٍ آخر ولذلك د’فعه فضوله لمعرفة ما ينظر لهُ ليرى زوجة أبيه هي المُراد لقـ ـلبٍ يتمنى قُرب حبيبه مِنهُ، تفاجئ، بل صُدِ’مَ وظهر ذلك على تعبيرات وجهه ونظرته وهو لا يُصدق ما يراه أمامه..
جذ’ب أخيه الأصغر مِن ذراعه بحركةٍ مبا’غتة ليتفاجئ الآخر الذي أ’رتد جسـ ـده إلى الخلف بحركةٍ مبا’غتة ينظر إلى أخيه الذي همس لهُ بنبرةٍ هادئة:
_شكلنا هنفرح بـ “هـنون” قريب يا باشا.
عقد “نادر” ما بين حاجبيه وهو ينظر لهُ لا يعلم إيلام ير’مي أخيه لهُ ولذلك نظر لهُ وقال متعجبًا:

_هنفرح بيها أزاي يعني مش فاهم !!.
أشار “بشيـر” تجاه “عـماد” الذي كان ينظر لها قائلًا بنبرةٍ ما’كرة مبتسم الوجه:
_في عا’شق صامت معانا هنا محدش واخد بالُه مِنُه.
أبتسم “نادر” حينما رأى نظرته إلى زوجة أبيه التي كانت لا تنـ ـتبه لنظرات “عـماد” لها، نظر إلى أخيه مبتسم الوجه وقال بنبرةٍ هادئة:
_طب واللهِ عسل، يستا’هلوا بعض واللهِ.
أنهـ ـى حديثه ونظر إليهِ مِن جديد يرى تعبيرات وجهه تتبدل بين الحين والآخر معها، فحينما تضحك يبتسم هو، وحينما تتأ’ثر بحديثهم تظهر لمـ ـعة عينيه وتعـ ـلو معها بسمتهُ، ومرةٍ أخرى يضع كفه على مو’ضع قلـ ـبه الذي كان يخـ ـفق بعـ ـنفٍ داخل صد’ره، جلسا بجوار بعضهما بعيدًا عن أعيـ ـن الجميع يتابعانه بوجهٍ مبتسم وتأ’ثرٍ لهُ طيلة هذا المجلس.
______________________
<“لا بأس في أن يُخـ ـطئ المرء مرةٍ،
الأهم أن لا يُعيد هذا الخـ ـطأ مرتين.”>
منذ آخر شجا’ر بينهما وكليهما كما الغريبين، هي تتجـ ـنبه ولا تريد التعامُل معهُ، وهو يشعر بخنا’جر حا’دة تختر’ق صد’ره، لا يعلم ماذا عليهِ أن يفعل وكيف سيعتذر وهل ستعفـ ـو عنهُ أم لا، العديد مِن الأسئلة تدور دا’خل رأسه لا يجد لها الجواب المُراد..

كانت تجلس في غرفة صغيرها على طر’ف الفراش تُلاعبه وتُلثم وجنته الصغيرة بين الفينة والأخرى لتعلـ ـو ضحكاته هو كلما حظى بقْبّلة مِن والدته التي كانت تبتسم طيلة الوقت حينما ترى ضحكته ولمـ ـعة عينيه التي تتوهـ ـج طيلة الوقت، وقف على عَتَـ ـبَة باب غرفة صغيره وهو ينظر لها بهدوءٍ دون أن يتحدث، حينما جلس وحيدًا وأعاد التفكير مِن جديد فيما حد’ث بينهما في الآونة الأخيرة ليجد أن المُخـ ـطئ في هذه الأشياء هو، ومَن غيره فهي بالفعل تحـ ـملته بما يكفي وهذا يُحتسب إليها بلا شـ ـك..
أخذ نفـ ـسًا عمـ ـيقًا ثم ز’فره بتروٍ وقبل أن يخطو خطوةٌ واحدة إلى الداخل أتاه صر’خات والدته تستغـ ـيث بهِ مِن الأسـ ـفل، تيبـ ـس جسـ ـده مكانه وهو يستمع إليها ومعهُ “نـورا” التي شعرت بالزُ’عر عليها لترى “حـسن” أمامها وكأنه كان يُخـ ـطط لتتحدث معها، ثوانٍ معدودة استغرقها عقـ ـله ليتخذ رده السريع وهو يركض إلى خارج شقته وقد لَحِقَت بهِ “نـورا” التي حمـ ـلت صغيرها على ذراعها وركضت خلفه وهي تدعو أن تكون بخيرٍ..
ولج “حـسن” إلى متجر والدته ليجد نسا’ء أهل الحارة حولها وهي مُلقـ ـاه أرضًا ليسقـ ـط قـ ـلبه أرضًا وهو يراها بهذه الحا’لة التي أصا’بت قلبه بالزُ’عر ليُبعدهن عن مر’ماه ويجلس على قدميه بجوارها يضمها إلى أحضانه وهو يرى تد’هور حالتها ليقول بنبرةٍ مزعو’رة وهو يتفحـ ـصها:
_مالك يا “ثـريا”؟ فيكي إيه إيه اللي حصـ ـلك؟.
وقفت “نـورا” خلفه تنظر إلى حماتها لتشعر بالقلـ ـق عليها حينما رأتها هكذا لتقول بنبرةٍ مر’تعبة عليها:
_وديها المستشفى يا “حـسن” حا’لتها صـ ـعبة أوي.
شعر بالتيـ ـهة في هذه اللحظة حينما رآها بهذه الحالة الصـ ـعبة التي يراها بها لمرته الأولى، نهض وحـ ـملها على ذراعيه وخرج ليجد “لؤي” أمامه والذي جاء مهر’ولًا حينما عَلِمَ مِن أهل الحارة ما حل بها، تحدث “لؤي” بنبرةٍ صا’رمة يؤا’زر رفيقه قائلًا:

_متشـ ـيلش هـ ـم حاجة، أنا كلمت “سـراج” راح يجيب العربية مِن الجراچ وجايلك على طول ومتقـ ـلقش أنا هقفـ ـل المحل والمفتاح معايا أتطمـ ـن عليها وطمـ ـنا معاك وإن شاء الله خير متخا’فش.
أقتربت مِنهم في هذه الأثناء سيارة “سـراج” الذي توقف أمامهم ليفـ ـتح “لؤي” الباب الخلفي يضعها بحذ’رٍ ويجاورها بعد ذلك وفي الأمام جلس “مُـنصف” الذي جاء راكضًا حينما تلقى الخبـ ـر ليتحرك “سـراج” سريعًا دون أن ينتظر دقيقة أخرى أسفـ ـل نظرات الجميع الذين شعروا بالحز’ن الشـ ـديد على ما أصا’بها ودعو جميعهم لها بالشفا’ء العا’جل..
خرج “يـوسف” مِن بهو البِنْاية واقترب مِن صديقه مهرو’لًا برغم آلا’م قدمه ليقف أمامه مباشرةً وخلفه “أكرم” وبقية الشبا’ب ليقول بنبرةٍ مزعو’رة:
_في إيه يا “لؤي”، “ثـريا” حصـ ـلها إيه ما هي كانت زي الفُل الصبح وجت وقفت معايا وأتطمـ ـنت عليا.
حرك “لؤي” رأسه برفقٍ وقـ ـلة حـ ـيلة وهو يقول:
_مش عارف إيه اللي حصـ ـلها مرة واحدة، سمعتها بتصر’خ وتنادي على “حـسن” بعدين حر’يم الحارة أتجمعوا عليها لقوها و’اقعة على الأرض معرفش بصراحة إيه اللي صا’بها مرة واحدة.
شعر “يـوسف” بالقلـ ـق على “ثـريا” التي كانت بالنسبةِ إليهِ كُل شيءٍ فلم ينسى مواقفها معهُ وكيف دا’فعت عنهُ واستقبلتهُ في بيتها وآو’تهُ، لها أفضالٌ كثيرة عليهِ وهو يُحبها بشـ ـدة يخـ ـشى عليها كثيرًا ولذلك هو في هذه اللحظة وحتى أن يطـ ـمئن عليها سيظل مر’تعدًا عليها، جلس على الر’صيف واضعًا كفيه على رأسه مهمو’مًا، فكانت وستظل أقربهن حتى وإن لم تكُن مِن أقرباءه بالد’م.

يتبع…. 
google-playkhamsatmostaqltradent