رواية جعفر البلطجي الجزء (3) الفصل السادس و الخمسون 56 - بقلم بيسو وليد
تَعَلَّمْ فَلَيْسَ الْمَرْءُ يُولَدُ عَالِمًا،
وَلَيْسَ أَخُو عِلْمٍ كَمَنْ هُوَ جَاهِلُ،
وَإِنَّ كَبِيرَ الْقَوْمِ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ،
صَغِيرٌ إِذَا الْتَفَّتْ عَلَيْهِ الْجَحَافِلُ،
وَإِنَّ صَغِيرَ الْقَوْمِ إِنْ كَانَ عَالِمًا،
كَبِيرٌ إِذَا رُدَّتْ إِلَيْهِ الْمَحَافِلُ.
_الإمام الشافعي.
_____________________
لم يكُن الفشـ ـل نهاية الطريق يومًا قط..
ولم يكُن اليأ’س محطة أخيرة في حيا’ة المرء، بل كُل تلك اللحظات والمشاعر كانت البداية لحياة جديدة، حياة أفضل وخطوة جديدة نحو مستقبلٍ مشرق ونجاحاتٌ باهرة تنتظر المرء، فقط ينتظره أن يخطو خطوةٌ واحدة إلى الأمام، خطوةٌ واحدة فيـ ـصلية معها تتغيَّـ ـر الحياة بأكملها مِن حوله، كان يُريد فقط أن تُمَد لهُ يَد المعو’نة..
<“لا بأس في أن تفشـ ـل وتسـ ـقط،
ولَكِنّ المحا’رب لا يخسـ ـر معا’ركه.”>
يجلس برفقتهم بعد أن تبادلوا المزحات الطريفة فيما بينهم وهدأت الأوضا’ع قليلًا، يستمع إلى عمّيه وهما يشرحان لهُ طبيعة العمل وماذا عليهِ أن يفعل وكيف تسير الأوضا’ع في تلك الشركة الضـ ـخمة التي تحتاج إلى موظفين كُثُر للعملِ فيها، وكان يجاوره “سـراج” يستمع إليهم بصفته زوجًا لشقيقة رفيقه وإبنة أخويه..
_بس كدا هي دي طبيعة شُغلنا، أنتَ هتستـ ـلم المصنع هو أوريدي أتفتـ ـح والأجهـ ـزة موجودة والعمال جاهزين نا’قصنا بس د’ماغك الألماظ دي وهنبقى فحتة تانية خالص.
هكذا أنهـ ـى “راضـي” حديثه وهو ينظر إلى ابن أخيه الذي كان يلتز’م الصمت طيلة الوقت بعد أن حبذا الاستماع إليهما وفي الأخير يتسأل عن ما يجـ ـهله كيفما يشاء، وصدقًا جاء سؤاله الهادئ بخصوص شقيقتيهِ قائلًا:
_طب بالنسبة لـ “مـها”، “مـها” أكيد مبتفهمش فالشغل دا ومش هتعرف تنز’ل يعني هو قرا’ر نزولها دا مش بتاعي طبعًا بتاع “سـراج” هو حُـ ـر بس أنا بتكلم فحتت أزاي هتد’ير الجزء بتاعها، و “عَـليا” أختي برضوا ليها نصـ ـيب زينا حتى لو بابا مكتبلهاش حاجة أنا مش هقبل أخد حاجة مش حاجتي فعايزها هي اللي تمـ ـسك الجزء بتاعها بنفسها محدش غيرها، عايزها تعمل لنفسها كيا’ن وتسـ ـتقل فحياتها المهنية عشان أنا أبقى مـ ـطمن عليها.
أنهـ ـى حديثه وهو ينظر إليهما سويًا ينتظر ردًا مِنهما لا يخيـ ـب ظنه بهما، فهو قد أتخـ ـذ هذا القـ ـرار حتى وإن لم يجد الدعم مِن مَن حوله، ولَكِنّ على غير العادة تلقى الموافقة مِنهما دون أن يأخذ أحدهما الوقت للتفكير في هذا الأمر ليأتي قول “راضـي” الهادئ يكسـ ـر حِـ ـدة هذا الصمت بقوله:
_كلامك مظبوط يا “يـوسف” منقد’رش نغلـ ـطك، “مـها” حُـ ـرة فحـ ـقها وهي مسؤ’ولة مِن را’جل فقرا’ره يوافق على نز’ولها أو لا فكُل الحالتين هنحتر’م رأيه، وبالنسبة لـ “عَـليا” أختك فبرضوا كلامك صح، بصراحة معرفش إيه اللي يخلي “عـدنان” ميكتبلهاش حاجة بس معرفش بجد، جايز كان خا’يف على حاجته مِن أُمّها، لأن لو هو كان كتبلها حاجة فكانت أُمّها مش هتسكوت وهتلـ ـعب فد’ماغها وتنقـ ـلهم بإسمها وتبيـ ـعهم وتكسبلها قر’شين حلوين وتخـ ـلع، وارد يكون دا كان تفكيره الله أعلم بس إحنا مش هنرضى بالظُـ ـلم ولا إن حد مِننا ياكل حـ ـقها ودي حركة حلوة عرفتني إن عينك ملـ ـيانة، هي لو عايزة تنزل معندناش مشـ ـكلة هنقعد نفهمها زي ما فهمناك دلوقتي ولو عايزة تبدأ تنزل طبعًا دا حـ ـقها فالآخر.
شعر “يـوسف” بالر’احة تغمُـ ـر قلبه حينما أستمع إلى حديث عمّه الذي أر’اح قلبُه بلا شـ ـك، أطلـ ـق ز’فيرة قو’ية يُخر’ج معها خو’فه الذي تَلَـ ـبَدَ بداخلهِ ثمّ وافق على حديثه وقال بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه:
_تمام، أنا هتكلم معاها أول ما أرجع وهكلمكم أأ’كد عليكم لمَ أخُد الرد مِنها … وأنتَ يا “سـراج” رأيك إيه فحوار “مـها”؟.
هكذا أنهـ ـى “يـوسف” حديثه وهو ينظر إلى صديقه الذي كان يجاوره متسائلًا، ومعهُ شعر بنظرات كلًا مِن “عـماد” و “راضـي” نحوه ليبتلـ ـع غصـ ـته بتروٍ وجاوبه بنبرةٍ هادئة:
_لو عليا أنا معنديش أي مشـ ـكلة، تنز’ل وتشتغل لو حابة همـ ـنعها ليه يعني؟ المهـ ـم ميكونش فيه مجهو’د عليها لحد بس أما أوديها للدكتورة ونشوف هي هتقول إيه.
جاوبه “عـماد” في هذه اللحظة بنبرةٍ هادئة بعد أن قر’ر طـ ـمئنته بقوله:
_لا متقلـ ـقش مش هيكون في مجهو’د عليها هتكون قعدة فمكتبها وشغلها كُله يا إما على الكمبيوتر أو لو في ميتنج وهي موجودة هتكون جنب “راضـي” وشُغلها برضوا هيكون على الآي باد يعني مش هتعمل أي مجهو’د متقـ ـلقش.
تفَّهم “سـراج” حديثه ولذلك جاوبه مِن جديد بنبرةٍ هادئة:
_تمام هكلمها فالموضوع لما أروَّح مِن الشغل وهقولها لو وافقت هكلمك وأقولك ولو كدا تنزل مع “يـوسف” مِن بُكرا.
شعر “يـوسف” بالفخر تجاه صديقه الذي لم يُخـ ـيب ظنه بهِ، نظرةٍ متفاخرة وبسمةٌ هادئة أرتسمت على ثَغْره لينظر لهُ “سـراج” بعد أن شعر بنظراته نحوه ليرى الابتسامة تُزَين ثَغْره ولذلك بادله بأخرى هادئة ليشعرا الأخوين بالرضا والرا’حة بعدما وصلا إلى مبتغا’هما، هُنَيْهة مِن الوقت وجاء صوت “عـماد” الذي نظر إلى “سـراج” وقال بنبرةٍ هادئة متسائلة:
_إلا قولي يا “سـراج”، “يـوسف” قالي مِن فترة إنك شغال على صـ ـفقة روبوتات، كلمني عن المشروع دا لو مش هضا’يقك يعني.
نظر لهُ “سـراج” في هذه اللحظة ونفـ ـى حديثه سريعًا بهزَّ’ة صغيرة مِن رأسه تزامنًا مع قوله:
_لا خالص مفيش إز’عاج خالص، هو أنا بصراحة شغال على الموضوع دا بقالي سنة، الموضوع وما فيه إن إحنا بنصمم روبوتات تسهل الدُنيا عالشركات الكبيرة لو داخلة على صـ ـفقة ومحتاجة معلومات كبيرة عشان تقدر تعرف الخصـ ـم كويس وتد’رسه، الروبوتات دي هتكون الداتا بتاعتها كبيرة بحيث لمَ تخزن معلومات لكذة شركة مع بعض متضطـ ـرش إنك تمـ ـسح الداتا، بأختصار الروبوت دا بيجمعلك كُل المعلومات عن المنا’فس ليك أو المتعاقد معاك فصـ ـفقة مِن أول ما الشركة أتفـ ـتح حتى الوقت الحالي وبيعرفك كسب آخر فترة قد إيه وخسـ ـر إيه وإيه نقا’ط القو’ة والضعـ ـف وهل الشركة قو’ية وتستا’هل تدخل معاها صـ ـفقة ولا لا دا غير إنه بيجيبلك المعلومات الكاملة عن ما’لك الشركة وتاريخه كويس ولا لا وهل ممكن الصـ ـفقة تنجح ولا تفشـ ـل وكمان لو حابب تجيب موظفين بروفيشنال وعلى مستوى عا’لي بيعملك سيرش سريع فـ ٥ دقايق بيجمعلك فيهم الموظفين الجامدين بمعنى أصح ويعرضهم عليك..
_دا غير إن بطاريته مِنُه فيه بيجيلك ومعاه الشاحن بتاعه والشحن بيقعد يوم كامل وبيشحن بسرعة وممكن تفصـ ـله طول الليل، هو زيه زي البنـ ـي آدم بالظبط ممكن يكون معاك فالبيت ولو في أي إيميل ممكن يجيلك مِن خلاله، هيو’فر وقت ومجهو’د فإنك تاخد يومين مثلًا عقبال ما تجمع المعلومات عن المنافـ ـس هو بيقوم بكُل حاجة لوحده وبيو’فرلك كُل حاجة تحتاجها مِنُه وممكن يطبعلك إيميلات كمان، مشروع أتمنى إنه ينجح واللهِ بعد التعـ ـب دا كُله.
نال هذا الحديث إعجاب كلًا مِن “عـماد” و “راضـي” الذي نظر إلى أخيه نظرةٍ ذات معنى فهمها الآخر الذي أعاد قوله مِن جديد:
_وا’ثق إنه هينجح صدقني، الروبوت دا لُقـ ـطة لأي شركة خصوصًا إن دلوقتي بقى في تز’وير فالمعلومات وسر’قة غير طبيعية وبنضـ ـطر كُل شوية نمشي واحد شكل، ممكن الموضوع دا يساعدنا أكتر ويو’فّر علينا وقت ومجهو’د كبير، بس أنتَ هتخلـ ـص أمتى المشروع دا؟.
أنهـ ـى حديثه متسائلًا بعد أن أثنى على عمله الذي نال إعجابه بلا شـ ـك ليتلقى الإجابة فورًا مِن “سـراج” الذي قال بنبرةٍ هادئة:
_قرّبت، حاليًا بنقـ ـفله يعني على نُّصْ الشهر كدا هيكون جاهز بس هجرّب واحد الأول كدا وأشوف دُّنيته إيه عشان لو محتاج أي تعديلات فالسيستم بتاعه ألحـ ـق أظبطها، ممكن ينزل على أول الشهر إن شاء الله.
أعجبه “عـماد” حديثه وبشـ ـدة وظهر هذا على معالم وجهه بوضوح ولذلك قال بنبرةٍ هادئة:
_حلو أوي، بالتوفيق إن شاء الله الموضوع يمشي وتعدي على خير وتكـ ـسر الدُّنيا أنتَ ابن حلا’ل وتستا’هل كُل خير، بس ممكن اللي هتجرّبه دا تجيبهولنا هنا الشركة، حابين نشوف نظامه إيه لأن أنا و “راضـي” بنفكر يعني فالموضوع دا وبدل ما نجيب واحد مِن بره أنتَ موجود وتستفيد أحسن.
أبتسم “سـراج” لهُ بسمةٌ هادئة ثمّ قال بنبرةٍ هادئة مجيبًا إياه:
_عيوني يا عمّي أنتَ تؤ’مر مش هبخـ ـل عليكم يعني.
أنهـ ـى حديثه ثمّ نظر إلى ساعة يده ليراها أصبحت العاشرة والنصف لينظر إلى رفيقه قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_”يـوسف” أنا لاز’م أمشي عشان متأخرش عليهم أكتر مِن كدا.
حرَّكَ “يـوسف” رأسه برفقٍ موافقًا على حديثه لينهض “سـراج” مودعًا إياهم ليأتي قول “راضـي” هذه المرة بعد أن نظر إليهِ:
_متنساش تزورنا بقى بعد كدا سواء هنا أو فالشركة.
أبتسم لهُ “سـراج” بعد أن صافحهُ وقال بنبرةٍ هادئة:
_أكيد إن شاء الله، عن إذنكم.
أنهـ ـى حديثه ثمّ تركهم وأتجه إلى باب المكتب ليوقفه قول رفيقه العا’لِ الذي مازحهُ وهو ينظر لهُ:
_مش عايزني أجي أوّصلك يا سي “سـراج”؟.
ألتفت لهُ “سـراج” ينظر إليهِ نظرةٍ ذات معنى ثمّ أبتسم إليهِ وجاوبهُ بنبرةٍ ساخرة وقال:
_لا يا مستر “يـوسف” شكرًا وفرها لغيري.
أنهـ ـى حديثه ثمّ تركهم وغادر مغـ ـلقًا الباب خلفه أسفـ ـل نظراتهم التي كانت تتابعه حتى أختـ ـفى مِن أمامهم، نظر “يـوسف” إلى عمِّه “عـماد” الذي نهض كذلك وهو يوّجه حديثه إلى أخيه قائلًا:
_وأنا هاخد “يـوسف” أوديه المصنع وأنتَ شوف حوار الصـ ـفقة دا يا “راضـي” وأنا هجيلك تاني.
حرَّكَ “راضـي” رأسه برفقٍ متفهمًا حديث أخيه الذي فور أن تلقى الجواب المُراد ألتفت ينظر إلى ابن أخيه قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_تعالى معايا يا “يـوسف” عشان تشوف المصنع زي ما أتفقنا.
أنهـ ـى حديثه وأخذه وخرجا سويًا أسفـ ـل نظرات “راضـي” الذي نظر مِن جديد إلى شاشة حاسوبه بتركيزٍ شـ ـديد حتى يُتابع آخر ما توَّصلوا إليهِ لأجل تلك الصـ ـفقة التي يعملون عليها طيلة الأسبوع بعد أن أخذت الكثير مِن التـ ـعب والمجهو’د الشا’ق بكُل تأكيد.
على الجهة الأخرى.
بمكانٍ يقـ ـع على بُعد دقائق مِن الشركة الرئيسية..
كان يتواجد هذا المصنع الكبـ ـير الذي سيُديره “يـوسف” بنفسه مِن اليوم فصاعدًا، مصـ ـنعٌ كبير بكُل ما تحـ ـملهُ الكلمة مِن معنى بداخلهِ العديد مِن الأجهزة اللاز’مة والعاملين الذين لا حصـ ـر لهم ينتظرون مجيء مديرهم الجديد حتى يُرحبون بهِ..
دقائق قليلة مرَّت ووصل “يـوسف” رفقة “عـماد” الذي أبتسم حينما رأى المصنع قد فُـ ـتِحَ مِن جديد ليقول بنبرةٍ هادئة:
_المصنع دا يا “يـوسف” كان أبوك ما’سكه فيوم مِن الأيام، كان مخليه ماشي زي الألف، مِن ساعة ما أتو’فى وهو مقفو’ل، بظهورك رجع تاني يفتـ ـح وبيوت ناس كتير أتفتـ ـحت تاني.
طا’فَ “يـوسف” بعينيه على المكان مِن حوله وكذلك المصنع الذي جذ’ب أنظاره بلا شـ ـك وجعل الفضول يز’داد بداخلهِ لرؤيتهِ مِن الداخل، ولجا سويًا إلى الداخل وهو يخطو أولى خطواته في المكان ينظر إلى ما حوله مذهولًا مِمَّ يراه، لا يُصدق أن والدهُ كان يملُـ ـك هذا المصنع في إحدى الأيام مِن قبل، ومع ولوجه وتَعَمُـ ـقِهِ داخله كان إنبهاره بالمكان يز’داد رويدًا رويدًا، فيما كان يُتابعه “عـماد” طيلة الوقت مبتسم الوجه يرى ردود أفعال هذا الفـ ـتى الذي ذُهِلَ بلا شـ ـك حينما رآه..
أنتبـ ـهوا جميع العاملين في المصنع إلى وجودهما ولذلك أجتمعوا جميعًا أمامه ملتز’مين الصمت منتظرين التعرُف عليهِ وتلـ ـقي الأو’امر مِنهُ، وعنهما فقد توقفا مكانهما أمام هؤلاء العاملين لينظر “يـوسف” إلى عمِّه الذي تفَّهم ما يُريد ابن أخيه أن يقوله ولذلك قال هو بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه:
_مُبارك عليك يا “يـوسف” المصنع والشركة، واثـ ـق فيك وفقدراتك وعارف إنك هتكمل مشوار “عـدنان” الله يرحمه وتعـ ـلىٰ أكتر وأكتر.
نظر لهُ “يـوسف” نظرةٍ ذات معنى ثمّ قال بنبرةٍ هادئة:
_أنا كُل مدىٰ بتصد’م بجد، مش قا’در أصدق لسه إن كُل دا بيتحـ ـقق قصاد عـ ـيني.
تفَّهم “عـماد” قول ابن أخيه ولذلك جاوبه بنبرةٍ هادئة بعد أن نظر إليهِ وقال:
_عارف، بس نركن التفاجؤ دا دلوقتي على جنب عشان عندنا شُغل دلوقتي ولا إيه قولك يا معلم؟.
أنهـ ـى حديثه متسائلًا وهو ينظر إليهِ نظرةٍ ذات معنى ليبتسم “يـوسف” ويُحرِّك رأسه برفقٍ يؤكد على حديثه بقوله الهادئ:
_عندك حـ ـق يا مَعْلَّـ ـمة، على الله أتفضل قول كلمتك.
نظر “عـماد” إلى جميع العاملين نظرةٍ هادئة ثمّ قال بنبرةٍ عا’لية وجا’دة يقوم بتقديم ابن أخيه لهم:
_مِن فترة قولنالكم إن في مدير جديد هيمـ ـسك المصنع وهيشرف عليكم كلكم، النهاردة أنتم مش معاكم أي واحد، أنتم معاكم “يـوسف عـدنان المُحمدي” ابن الأستاذ “عـدنان المُحمدي” رحمةُ الله عليه، “يـوسف” مِن النهاردة المدير بتاعكم أتمنى ميجيش يشتـ ـكيلنا مِن حد فيكم وأتمنى محدش يضا’يقه بأي وسـ ـيلة الشُغل شُغل هنا معروفة اللي مش عاجبه يتفضل مش هنمـ ـنع حد اللي بيروح هييجي مكانه ١٠، أتمنى تشرفوني قدامه.
أنهـ ـى حديثه وهو ينظر إليهم جميعًا ليرى الموافقة مِنهم في الحال على ما قاله إليهم قبل لحظات، شعر بالرضا ثمّ نظر إلى “يـوسف” الذي قال بنبرةٍ هادئة:
_معلش يا عمّي أستسمـ ـحك أتكلم معاهم شوية.
نظر إليهم “يـوسف” بعد تلقى الجواب مِن عمِّه ثمّ قال بنبرةٍ هادئة يُقدم نفسه إلى الجميع:
_صباح الخير عليكم جميعًا، معاكم “يـوسف عـدنان المُحمدي”، أنا مبسوط إني أتعرفت عليكم جميعًا وإن شاء الله هكون مديركم هنا أتمنى أكون خـ ـفيف على قلوبكم..
صمت هُنَيْهة مِن الوقت وهو ينظر إليهم ثمّ أكمل حديثه وقال بنبرةٍ هادئة وعا’لية بعض الشيء:
_أنا فالشغل جَـ ـد مبحبش الهزار والدلع، هتشتغل بضمـ ـيرك وتعمل اللي عليك هشـ ـيلك على راسي وهحتر’مك، غير كدا معنديش الكلام دا، حياتك الشخـ ـصية حاجة والعملية حاجة تانية أي ظر’ف حَرِ’ج يستدعي إنك تغيـ ـب تقولي وأنا هتفهم الوضع ومش همـ ـنع حد بالعكس، لمَ تعاشـ ـروني هتعرفوني أكتر وهتعرفوا طبعي، حابب بس أوضحلكم كام نقـ ـطة مهـ ـمين بالنسبة لي أولهم، أنا مش عشان لابس بدلة وكرفاتة أبقى بيه، أنا زيي زيك بالظبط بس طبيعة عملي بتحكُـ ـمني ألبس كدا، أنا شخص زيي زيكم، عا’يش فحارة زيكم، باكل وبشرب زيكم، بلبس زيكم، حالي على قدي زيكم، قاعد فشقة فمكان شعبي زيكم برضوا، مش دايمًا المظهر الخار’جي بيعبَّر عن حالتك، اللي قال خدوا بالمظا’هر كدا’ب، لو يعرف إيه اللي جوه المظا’هر دي هيد’فن نفسه بالحـ ـيا..
_أنتَ عا’يش عيـ ـشة غيرك غـ ـني ونفسه يجرّب يعـ ـيشها، أنتَ أحسن مِن واحد أغنـ ـى مِنك ومش مبسوط، أنتَ بتتـ ـعب عشان الجنيه عكـ ـس اللي بيجيله عالجا’هز، منحاولش نبُص لمظاهر غيرنا ونحـ ـكم عليها عيـ ـشة البني آدم دا، أنتَ متعرفش إيه اللي جوا’ه وإيه اللي حصـ ـله عشان يبقى كدا، على فكرة البدلة اللي أنا لابـ ـسها دي ومخلياني فنظركم بيه مراتي اللي مشتريهالي، أنا قبل ما أجي هنا أشتغلت كُل حاجة تتخيلوها وأتمر’مط مِن صُغري وبدأتها صـ ـبي فقهوة وأنا عندي ٦ سنين يعني وا’عي وفاهم الدُّنيا بدري أوي، عشان كدا الواحد بيتعلم يشيـ ـل مسؤ’ولية مِن صغره عشان يكون كدا دلوقتي..
_ثانيًا، أنا هنا مش هقعد تحـ ـت التكييف وحاطط ر’جل على ر’جل وبتابعكم، أنا مِن تاني يوم هتلاقوني جاي بلبس غير رسـ ـمي وبشتغل معاكم، ليا فالحدا’دة والنقا’شة والسـ ـمكرة والسبا’كة وكُل حاجة تخطـ ـر على بالكم، دا أنا، الشا’ب البسيط اللي بيحا’رب عشان خاطر بيته وأهله يكونوا مر’تاحين، أنا بحب الصـ ـنعة وإيدينا فإيد بعض هنطـ ـلع أحسن ما عندنا، ثالثًا بقى أنا مبحبش الر’سميات خالص، يعني جَو بيه وباشا وأستاذ وكُل الكلام الما’سخ دا مش فقا’موسي أنا أحب أبقى بلدي حتى فشغلك آه عادي مش عيـ ـبة ولا غـ ـنيمة، مش هفر’ض عليكم قيو’د يعني ليكم مُطـ ـلق الحُـ ـرية تنا’دوني بأي حاجة حتى لو بأسمي كدا أشطا أوي، متفقين ولا في أي إعتر’اضات؟.
أنهـ ـى حديثه متسائلًا وهو يظر إلى الجميع نظرةٍ ذات معنى ليرى الرا’حة والسعادة هما عنوانين صريحين لهم، ولذلك تلقى الموافقة في الحال على حديثه بترحابٍ ليبتسم إليهم جميعًا ثمّ قال:
_على بركة الله، كدا إحنا بقينا حبايب خلاص وبعون الله اللي جاي أحسن إن شاء الله، مِن بكرا هبدأ معاكم شغل والنهاردة هنقعد ندردش سوى مع بعض عشان الجَـ ـد كُله هيبدأ مِن بُكرا.
ومِن جديد عاد يتلقى الموافقة مِنهم ليُشير إليهم بالذهاب ليعودوا جميعهم إلى أماكنهم، فيما نظر “يـوسف” إلى عمِّه مبتسم الوجه والذي كان ينظر لهُ كذلك بوجهٍ مبتسم ليقوم بمعانقتهِ مربتًا على ظهره برفقٍ قائلًا:
_عا’ش عليك يا معلم، حطـ ـيت النقـ ـط على الحروف تستا’هل يتقالك معلم مِن غير كلام.
أتسـ ـعت البسمةُ على ثَغْر “يـوسف” ليقم هو كذلك بالتربيت على ظهره دون أن يتحدث ليشعر بالر’احة ويبدأ بتفا’ؤل الخير فهذه بُشـ ـرى سارّة بالنسبةِ إليهِ خصيصًا أنهُ بدأ يخطو أولى خطواته نحو الطريق الصحيح الذي كان يضـ ـله طيلة الوقت، تلك هي أولى خطوات النجاح، وتلك هي مكانته الحـ ـقيقية وهذه هي غا’يته.
______________________
<“لا خير في را’عٍ قـ ـسىٰ على الحبيب،
ولا في قريبٍ كان كالحـ ـصن المنـ ـيع.”>
لا كان الخير في را’عٍ قسـ ـىٰ على الحبيب، ولا كان في قريبٍ حَسِبْتَهُ في إحدى الأيام حصـ ـني المنيـ ـع، فلا كان الخير يكمُن يومًا في بني البشـ ـر، فإن حَسِبْتَ أن الخير كان بداخل البشـ ـر مِن حولك يومًا، فتأكد أنهُ يجب عليك مراجعة نفسك مرةٍ أخرى؛ لرُبما تُخـ ـطيء..
كان “حليـم” يجلس أ’على المقعد الخـ ـشبي في مكانٍ شبه منعز’لٍ عن العالم، يُفكر في ظهور هذا البغـ ـيض الذي رآه أمامه مِن العد’م، يتذكر كلماته التي كانت تُطْرَ’ق بداخل رأ’سه وترن في أُذُنيه كطبو’ل الحر’ب العا’لية، مازال مستمر في طريق الهلا’ك، مازال يظن أنهُ سيُحـ ـقق غا’ياته، مازال يظن أنهُ يثـ ـق بهِ، وعند هذه النقـ ـطة أبتسم بسمةٌ ساخرة بزا’وية فَمِهِ يسـ ـخر مِن تفكيره السذ’ج في منظوره، فيُريد أن يفر’ض سيطـ ـرته عليهِ مِن جديد ويتحـ ـكم بهِ كاللُعبة ماذا يظن نفسهُ فاعلًا؟..
وبالقربِ مِنهُ توقفت سيارة سو’د’اء اللو’ن ذات مار’كة شهيـ ـرة ثمّ ظهر “صـلاح” في الصورة يرى أخيه يجلس أمام البحـ ـر الو’اسع ينظر لهُ بهدوء يراه لأول مرة، أغـ ـلق سيارته ثمّ أقترب مِنهُ بخطى هادئة بعد أن حا’دث العديد مِن معارفهِ حتى يستطيع التوَّصُل إليهِ بعد ما حد’ث في صبيحة اليوم، وقف أمامه وهو يعقد ذراعيه أمام صد’ره ينظر إليهِ دون أن يتحدث، فيما كان “حليـم” شارد الذهن وعقـ ـلُه مُغـ ـيبًا عن الو’اقع بلا شـ ـك فهذا وا’ضحٌ بشـ ـدة أمام “صـلاح” الذي لا يعلم ما أصا’به وفي نفس الوقت يشعر بالضـ ـيق الشـ ـديد مِنهُ بسـ ـبب ما فعله مع رفيقته “ريـم”..
_وآخرتها إيه بقعدتك دي عشان أكون فاهم؟.
أنهـ ـى “صـلاح” حديثه متسائلًا وهو ينظر إلى أخيهِ الذي أسْتَفَاقَ مِن شروده على سؤاله لهُ لير’فع رأسه برفقٍ لهُ وهو ينظر إليهِ نظرةٍ هادئة دون أن يتحدث يرى نظرات الإتها’م مصوَّ’بةٌ نحوه مِن أخيه الذي كان غير را’ضٍ عمَّ في صبيحة اليوم، لحظات وأطلـ ـق “حليـم” ز’فيرة قو’ية وانْتَـ ـصَب واقفًا أمامه وهو يقول بنبرةٍ هادئة يرد على سؤاله بسؤالٍ آخر:
_ولا أي حاجة، إيه اللي مضا’يقك فقعدتي مش فاهم؟.
_كُلك على بعضك مضا’يقني، عصـ ـبيتك المفر’طة الصبح فالتليفون، ز’عيقك فـ “ريـم” وإها’نتك ليها على الفا’ضي، ضـ ـيقك وإنفعا’لك وقفـ ـلانك السـ ـكة فوشي، تقريبًا دول ميضا’يقونيش وأنا بأ’ڤور؟.
هكذا رد عليهِ “صـلاح” بنبرةٍ حا’دة وهو ينظر لهُ نظرةٍ ذات معني بعد أن أخبرهُ بما يشعر بهِ نحوه وما فعله في صبيحة اليوم مع تلك المسـ ـكينة التي حاولت تقديم المساعدة ولو بجزءٍ بسيط، وعن “حليـم” فقد أطـ ـلق ز’فيرة قو’ية يُخرج معها ضـ ـيقه البائن على معالم وجهه، دام الصمت بين الطر’فين هُنَيْهة مِن الوقت ثمّ نظر إليهِ مِن جديد وجاوبه بنبرةٍ هادئة وعينيه كانت متصـ ـلة بعينين أخيه الذي أنتظر سماع حديثه حتى يفهم ما حد’ث مع أخيه:
_عايز تعرف إيه اللي حصـ ـل وبز’عق ليه وحا’رق د’مي أوي كدا؟ الباشا الفضيل اللي شا’يل أنا وأختك إسمه جالي الشركة النهاردة وعايز يرجع يتحـ ـكم فيا تاني واخدني واحد مِن الشما’ل اللي يعرفهم عارض عليا ٥٠ با’كو الله أعلم جايبهم منين وقال إيه عايزني أخد شنطة النيكو’تين أحُطها فشقة “يـوسف” وأأ’من أنا مستقبلي بفلوس حر’ام، عرفت بقى محر’وق د’مي ليه؟ مجاش ند’مان ولا ضمـ ـيره بيعذ’به إطلاقًا، أنا أستنيت أشوف الند’م فعنيه، أستنيته يعتذرلي ويند’م على اللي عملُه، بس أنا تو’قعت حاجة مِن دول عشان أعرف أرجع أحبُّه تاني، بس أنا لقيت قسو’ة فعنيه خلتني أقسـ ـىٰ عليه أنا كمان وأعا’نده..
قام بِبَتـ ـر حديثه بعد أن اضطـ ـربت صوت أنفا’سه وو’تيرة صوته، ترقرق الدمع في المُقل وهو ينظر لهُ بعد أن خا’رت قو’اه أمام أخيه وبدأ يضـ ـعف رويدًا رويدًا أمامه مستـ ـسلمًا للأمر الو’اقع، فيما كان “صـلاح” ينظر إليهِ مجحـ ـظ العينين لا يُصدق ما سَمِعَه قبل هُنَيْهة، إنهُ بالتأكيد يحلُم هذا ما أخبر نفسه بهِ وهو يشعر بأن الوقت قد توقف بهِ عند هذه اللحظة، فيما أكمل “حليـم” حديثه قائلًا بنبرةٍ غَلَبَـ ـتها القسو’ة:
_أنا مش هز’عل يوم ما يجيلي خبر مو’ته، ولا هتنز’ل دمعة واحدة عليه ولا هير’مشلي جـ ـفن حتى، ولا همشي فجنا’زته ولا هشيـ ـل نَعْـ ـشُه، أنا قر’فان إني شا’يل إسمه أقسم بالله، قر’فان مِن نفسي عشان أنا أبنه، حا’سس إني متو’سخ ومش عارف أنضـ ـف رغم إني معملتش حاجة، مش مر’تاح ولا عارف أر’تاح ورو’حي بتتعذ’ب كُل يوم عن اليوم اللي قبله، تـ ـعبت يا “صـلاح” أقسم بالله أنا عايز أعـ ـيش ومش عارف أعـ ـيش زي أي حد حواليا.
أنهـ ـى حديثه وسقـ ـط جسـ ـده على المقعد بعد أن خا’رت قو’اه وأصبح يشعر بالضـ ـعف يستو’لي على جسـ ـده ونفسه، عاد مرةٍ أخرى إلى نقـ ـطة البداية، عاد بعد أن بدأ يتعا’فى، عاد ينتـ ـكس مرةٍ أخرى بعد أن بدأ يتعا’فى مِن بعد الد’اء، فيما كان “صـلاح” ينظر إليهِ وهو لا يُصدق ما سَمِعَهُ، كان ينظر إليهِ يُحاول استيعا’ب ما قيل ولا يستطيع فكيف استطاع أن يصل إليهِ الآن بعد كُل هذا؟ نظر إلى أخيه نظرةٍ ذات معنى وقال بنبرةٍ هادئة متر’قبًا جوابه:
_هو عِرِّف منين مكانك؟.
_راح لمدير المصحـ ـة د’فعله الضـ ـعف وقاله كُل حاجة.
هكذا جاوبه “حليـم” دون أن ينظر إليهِ لينظر “صـلاح” لهُ نظرةٍ ذات معنى ثمّ شعر بالتفاجؤ يُسيـ ـطر عليهِ، نعم لقد أصا’بته الصد’مة بلا شـ ـك، مسـ ـح بكفه على خصلا’ته إلى الخلف وأطـ ـلق ز’فيرة قو’ية وقال بنبرةٍ هادئة وهو ينظر بعيدًا عن مر’ماه:
_حلو أوي، أنا ليا تصرف تاني مع *** الفلوس دا، إن ما وريته مبقاش أنا، وسيب حوار أبوك دا عليا أنا هعرف أتصرف معاه، قوم يا’ض ومتضـ ـعفش كدا أنتَ أخو “صـلاح” يا’ض أنشـ ـف شوية، وعد مش هخليه يقرَّب مِنك تاني، كلمة را’جل لرا’جل، أهدى وصلَّـ ـح اللي عملته بعد إذنك، “ريـم” معملتش حاجة كُل اللي عملته إنها طـ ـمنتني عليك مش أكتر الغـ ـلط عندك ولاز’م تعتذرلها عشان أنتَ أها’نتها، أكيد مش هتقبل “حامـد” يهيـ ـن “بهيـرة” أختك مش كدا برضوا؟.
أنهـ ـى حديثه وهو يبتعـ ـد عن أخيه ينظر لهُ نظرةٍ ذات معنى ليُعطيه “حليـم” الجواب المُراد بهزَّ’ة خفيفة مِن رأسه دون أن يتحدث ليرد عليهِ “صـلاح” يقول بنبرةٍ هادئة:
_مكانش قصدي أجر’حها يا “صـلاح” صدقني، أنا حتى مش عارف أنا أزاي عملت كدا بجد، أضا’يقت أوي لمَ قعدت مع نفسي تاني وفكرت فيها، أول ما أشوفها هعتذرلها أكيد وهحاول أصلَّـ ـح الوضع شوية.
أبتسم لهُ “صـلاح” ورَبَتَ على ذراعه برفقٍ مستـ ـحسنًا قوله ليرد عليهِ بنبرةٍ هادئة قائلًا:
_الله يفتـ ـح عليك هو دا الكلام المظبوط، يلا بقى عشان نرجع البيت “أزهـار” عاملة الأكل اللي بتحبه وو’صيتني مرجعش غير وأنتَ معايا، يلا أتحرك قدامي.
أنهـ ـى حديثه وهو يد’فعه برفقٍ أمامه مبتسم الوجه ليتحرك “حليـم” أمامه بوجهٍ مبتسم دون أن يتحدث موافقًا على حديثه متجهًا إلى سيارته أسـ ـفل نظرات أخيه الذي توقف مكانه يُتابعهُ بعينيه حتى رآه أخذ سيارته، وقد تحرك هو الآخر خلفُه منتو’يًا على إصلا’ح ما قام هذا الغريب بإفسا’ده مثلما قال بداخلهِ فلا يُريد أن تسو’ء الأمور أكثر مِن ذلك.
_____________________
<“صاحب العِز’ة والسُـ ـلطة كان زاهِدٍ،
حتى ظهرت صاحبة الفـ ـتنة تُقـ ـعهُ في شبا’كها.”>
لا يعلم ماذا أصا’به في الآونة الأخيرة..
ففي الأمس كان زاهِدًا، بعد أن قضى حياته بعيدًا عن بحو’ر الفتـ ـنة، إختار الزُهدِ وعا’ش على نهـ ـج خُطاه، حتى ظهرت تلك الفا’تنة واسقـ ـطتهُ في بحو’ر الفـ ـتنة حتى أصبح أمامها لا يجد ملجـ ـأ للهر’بِ مِنها..
ولج إلى شقتهِ ليرى الهدوء يكسو المكان مِن حوله، أغلق الباب خلفه ثمّ ولج إلى الداخل يُلـ ـقي نظرة على المطبخ ليراه فارغًا ولذلك أستنتج أن تكون بالغرفة، وعنها كانت تقف أمام المرآة تنظر إلى إنعكا’س صورتها بها بوجهٍ مبتسم تنظر إلى هيئتها التي تثق أنها ستنال إعجابه بلا شـ ـك، ثوانٍ وشعرت بهِ يولج لها مغـ ـلقًا الباب خلفهُ لتراه مِن إنعكا’س المرآة، فيما نظر هو لها وتصـ ـلب جسـ ـده محله وهو يراها بتلك الهيئة أمامه لمرتها الأولى تقريبًا..
كانت ترتدي فستانًا أسو’د اللو’ن لامعًا وتركت خصلا’تها السو’د’اء اللا’معة تنسدل خلفها وأخيرًا وجهها الجميل الذي كان يُزينه القليل مِن الزينة النا’عمة بالإضافة إلى أحمـ ـر الشفاه الذي أصا’ب عقله بالجـ ـنون، صد’مته بهيئتها تلك بلا شـ ـك وجعلته ينظر لها مذهولًا غير مصدقٍ ما يراه أمامه، وعنها فقد أتسـ ـعت بسمتُها على ثَغْرها وهي ترى ردة فعله تلك لتكسـ ـر حِـ ـدة هذا الصمت بقولها الهادئ:
_مالك في إيه بتبُصلي أوي كدا ليه؟.
سار أمامها خطواتٍ قليلة تاركًا هاتفه على سطـ ـح الطاولة ثمّ أستقام في وقفتهِ وابتلـ ـع غصتهِ بتروٍ وقال بنبرةٍ هادئة:
_مفيش، أتفاجئت بس مش أكتر.
_طب مقولتليش رأيك، عجبك؟.
هكذا سألته وهي تنظر لهُ بوجهٍ مبتسم لتراه بدأ يقترب مِنها بخطى هادئة حتى وقف أمامها ونظر لها نظرةٍ ذات معنى هُنَيْهة ثمّ قال بنبرةٍ هادئة:
_إيه الجمال دا كُله؟ دا إحنا عدينا مرحلة الجمدان على كدا.
أبتسمت هي لهُ وجاوبته بنبرةٍ هادئة قائلة:
_دي عشان عيونك حلوين بس يا شيخ “رمـزي”.
_طب هو أنا مينفعش مبقاش شيخ دلوقتي وأبقى “رمـزي” عادي عشان بصراحة أحتمال مفضلش مؤدب كدا كتير.
هكذا جاوبها مبتسم الوجه وبنبرةٍ خـ ـبيثة وهو ينظر لها لتضحك هي على حديثه ثمّ جاوبته بنبرةٍ ما’كرة وقالت:
_ودا ينفع برضوا يا شيخ “رمـزي” يا قد’وة متبقاش شيخ، إخص لا خلاص خذ’لتني.
أتسـ ـعت بسمتهُ على ثَغْره ليحاوط خصـ ـرها بذراعيه وقد جاوبها مبتسم الوجه وقال:
_خلاص يا جميل ولا تز’عل هبقى شيخ بس مش محترم إيه رأيك؟.
خـ ـبيثٌ ولا يعلم للاستسـ ـلام غا’ية، فهي مَن بدأت في اللُعبة وهو أحبَّها إذًا فلتتحـ ـمل عو’اقبها، أقترب مِنها بهدوءٍ يُلثم خَدِّها بقْبّلة هادئة حنونة ثمّ أبتعد عنها ينظر إلى عينيها اللتان كانت تنظران إلى عينيه لترى بسمتهُ تتسـ ـع على ثَغْره ثمّ قال متسائلًا:
_بس قوليلي يا “تسنيـم”، إيه اللي قَومها فد’ماغك عشان تفاجئيني المفاجأة الحلوة دي، دا على كدا بقى هاجي أتفاجئ كُل يوم بالحلاويات دي؟.
نظرت لهُ بوجهٍ مبتسم ثمّ جاوبته وقالت بنبرةٍ هادئة:
_لو عايزني أفاجئك كدا معنديش ما’نع يا شيخي يا قمر أنتَ.
ضحك هو هذه المرة على حديثها ليعاود لثم خَدِّها مرةٍ أخرى بقْبّلة أكثر تعـ ـمقًا عن سابقتها ثمّ نظر لها ليراها تبتسم لهُ ليجاوبها بنبرةٍ هادئة قائلًا:
_بصراحة بقى آه، المفاجأة جَت على هوايا وأنا غاويتها بأ’مانة يعني.
_خلاص كُل يوم هتيجي هتلاقيني مستنياك كدا، بس قولي أنتَ حلو النهاردة عن كُل يوم كدا ليه؟.
هكذا سألته في نهاية حديثها وهي تنظر لهُ ليجاوبها هو في الحال قائلًا بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه:
_عشان أنا معايا القمر بنفسه واقف جنبي أهو أزاي مبقاش حلو بقى.
أتسـ ـعت بسمتُها على ثَغْرها ولم تجاوبه ليقـ ـطع لحظتهما تلك رنين هاتفه الذي صدح عا’ليًا يُعلنه عن إتصالٍ هاتفي مِن رفيقه، نظر هو لهُ ليُطـ ـلق ز’فيرة قو’ية قائلًا بنبرةٍ تملؤ’ها الضيـ ـق:
_قَطَّا’ع الأرزاق وصل، حسبي الله ونعم الوكيل.
هكذا قال ثمّ أخذ هاتفه وجاوبه بنبرةٍ حا’دة قائلًا:
_خير إن شاء الله أتفضل.
دام الصمت هُنَيْهة بعد أن أستمع “يـوسف” إلى نبرة صوت صديقه ليُبعد الهاتف عن أُذُنه ينظر إلى الساعة ليراها التاسعة والنصف ولذلك عاد يضع الهاتف على أُذُنه وقال بنبرةٍ خبـ ـيثة:
_إيه يا شيخنا، هو أنا قطـ ـعت عليك اللحظة ولا إيه بس لسه بدري يعني مستعجل على إيه.
عنـ ـفهُ “رمـزي” بنبرةٍ حا’دة وهو يجاوبه قائلًا:
_ولا بقولك إيه بلا’ها قلة أد’بك دي، وبعدين وأنتَ مالك إيه البجا’حة دي ومتصل ليه.
_تصدق أنتَ اللي بجـ ـح، أنا متصل عشان أخد رأيك فحاجة وأنتَ اللي بترد عليا بخـ ـنقة كدا فطبيعي أكون قطـ ـعت عليك اللحظة.
هكذا جاوبه “يـوسف” بنبرةٍ با’ردة وهو يقود السيارة ليأتيه جواب “رمـزي” الذي قال بعد أن أستغفر ربه سـ ـرًا:
_أتفضل أسأل عايز إيه وبسرعة.
أبتسم “يـوسف” بعد أن أستطاع استفـ ـزازه وقال بنبرةٍ هادئة:
_بقولك إيه عايز أخد رأيك فحاجة عشان أنا مبفهمش أوي فالحاجات دي، عايز أجيب هدية لـ “بيلا” عشان..
قام “رمـزي” بِبَتـ ـر حديثه وهو يقول بنبرةٍ حا’دة:
_وأنا مالي إنك مبتعرفش تختاري يا عمّ هاتلها مصحف وسبحة.
جُعِـ ـدَت معالم وجه “يـوسف” الذي قال مستنكرًا حديثه:
_مصحف وسبحة؟! ليه حد قالك إنها طا’لعة عُمرة؟ “رمـزي” عارف إنك مستعجـ ـل عشان تقفـ ـل بس أنا أهـ ـم دلوقتي يا حبيبي مش هفضل أحب فيك يعني عالتليفون وعشان أنتَ بتفهم أكتر فالحاجات دي عننا وعا’طفي عننا أكتر فلجـ ـأتلك … النهاردة عيد جوازنا أنا و “بيلا” السادس وبصراحة إحنا مكُناش بنحتفل بيه يعني كانت الظر’وف مش أحسن حاجة بس دلوقتي حابب إني أفاجئها ومش عارف أجيبلها إيه أو المفروض أعمل إيه.
تفَّهم “رمـزي” حديث رفيقه ولذلك أطـ ـلق ز’فيرة قو’ية وجلس على طر’ف الفراش وقال بنبرةٍ هادئة وهو يرى خروج زوجته مِن الغرفة:
_فهمتك خلاص، شوف إيه أكتر حاجة بتحبها أو نفسها فيها ومجابتهاش، ممكن تجيبلها سلسلة حلوة.
_جبتلهم كلهم سلا’سل وفاجئتهم ساعتها، عايز حاجة جديدة.
هكذا جاوبه “يـوسف” بنبرةٍ هادئة ليدوم الصمت بينهما قليلًا ثمّ جاء حديث “رمـزي” الذي قال بنبرةٍ هادئة:
_ممكن أي حاجة بسيطة مش لاز’م تكون غا’لية كُل ما كانت الحاجة بسيطة كُل ما كانت أحلى وزا’دت المحبة بينكم أكتر، الحاجات دي مش بتتقا’س بالماديات يا “يـوسف” دي بتكون خار’جة مِن القلب وأنا عارف إنك فاهم دا كويس بس عارف إنك فنفس الوقت عايز تجيبلها حاجة مُميَّزة، ممكن تجيبلها أي حاجة ليها علا’قة بمستحضرات التجميل أو بمعنى أد’ق منتجات العناية أو إزا’زة برفان تحطها فالبيت، عندك حاجات كتير أوي يا “يـوسف”، ولو عايز حاجة مفيش مِنها ٢ يبقى حاجة بر’ه الصندوق، بمعنى إنك ممكن تجيبلها حاجة تفضل معاها طول الوقت متفا’رقهاش.
شرد “يـوسف” في حديث رفيقه الذي لرُبما أعطاه بعض الأفكار بعد أن كان يشعر بالتيـ ـهة وهو لا يعلم ماذا يجلب وماذا يفعل ولذلك شكره وقال بنبرةٍ هادئة:
_شكرًا يا “رمـزي”، هفكر فكلامك شوية لسه محددتش هجيب إيه بصراحة لسه تا’يه بس هشوف، وشكرًا يا شيخ “رمـزي” تاني مرة وتقدر تروح ترحرح مِن غير إزعا’ج.
أنهـ ـى حديثه ساخرًا مِنهُ ليأتيه جواب رفيقه في الحال حينما قال:
_شوف الو’اد قال هو كمان مش هيرحرح، على أساس إن عيد جوازه مش النهاردة يعني.
ضحك “يـوسف” بقلة حـ ـيلة حينما أستمع إلى حديثه ليجاوبه بنبرةٍ ضاحكة قائلًا:
_حاضر يا سيدي، هحب لأخي ما أُحبّ لنفسي يارب تكون راضي عنّي عشان لو مش راضي الليلة مش هتمشي خلي بالك أهـ ـم حاجة رضاك.
_لا متخا’فش راضي عنك ربنا يستر عليك بس عشان حا’سس إن غشُـ ـميتك هتفضـ ـحنا النهاردة.
هكذا جاوبه “رمـزي” بعد أن شعر بالقلـ ـقِ مِنهُ ليجاوبه “يـوسف” بنبرةٍ ساخرة وقال:
_لا متخا’فش أوي كدا يا حبيبي هو أنا بعاملها زي ما بعاملكم؟ هنستعـ ـبط بقى.
_طب اتفضل شوف هتعمل إيه واقـ ـفل بقى متبقاش ر’خم.
هكذا جاوبه “رمـزي” بعد أن شعر بالضـ ـيق مِنهُ وبدأ الشك يتسـ ـلل إلى قلبه أن رفيقه يفعل ذلك عمـ ـدًا، ولذلك ضحك “يـوسف” وقال بنبرةٍ هادئة:
_حاضر خلاص هقفـ ـل عشان مقطـ ـعش رزقك أكتر مِن كدا، أشوفك بُكرا إن شاء الله.
أنهـ ـى “رمـزي” المكالمة مع رفيقه ثمّ أغـ ـلق هاتفه لأنه يعلم رفيقه جيدًا ويعلم أنهُ سيُهاتفه مرارًا وتكرارًا كعادته ثمّ ترك هاتفه ونهض يبحث عنها وعادت البسمةُ ترتسم على ثَغْره مِن جديد.
______________________
<“سر’قه الحُبّ وأسقـ ـطهُ في شبا’كه،
وما هو سوى بمُحبٍّ يسير خـ ـلف قلبه.”>
كان يجلس مع أخيه بعد أن شعر بالمـ ـلل لجلوسه و’حيدًا طيلة الوقت وكُل واحدٍ مِنهما يعبـ ـث في هاتفه حتى شعر “نادر” بالمـ ـلل ولذلك تركه على سـ ـطح الطاولة ونظر إلى أخيه وقال بنبرةٍ هادئة:
_أنا ملـ ـيت، أنتَ مملـ ـتش ولا إيه؟.
جاوبه “بشيـر” بنبرةٍ هادئة وهو يعـ ـبث في هاتفه دون أن ينظر لهُ وقال:
_يعني.
_أنا هقوم أعمل قهوة تشرب معايا؟.
هكذا سأله “نادر” ثمّ انْتَصَـ ـب واقفًا ليأتي جواب “بشيـر” الذي قال بنبرةٍ هادئة:
_آه ياريت يا “نادر” حا’سس إني مصد’ع ومش قا’در بجد.
تركه “نادر” وذهب إلى المطبخ ليبدأ بإعداد كُوْزين مِن القهوة، لحظات وولج لهُ “بشيـر” الذي أستَنَدَ بجسـ ـده على الجدار بجواره يُتابعهُ بعينيه هُنَيْهة حتى كـ ـسر هو هذا الصمت بقوله الهادئ المتسائل:
_محبتش قبل كدا يا “نادر”؟.
ألقـ ـى بسؤاله وأنتظر الجواب مِن أخيه الذي تفاجئ مِن هذا السؤال المفاجئ ولَكِنّهُ جاوبه بنبرةٍ هادئة وقال:
_كان مجرد إعجاب مش حُبّ.
_مين دي بقى؟.
هكذا سأله “بشيـر” مِن جديد وهو يُتابعهُ بهدوءٍ شـ ـديد ليأتيه الجواب مِن جديد مِن أخيه الذي قال:
_كانت ز’ميلة ليا فالكلية، مجرد إنجذ’اب وراح لحاله مكونتش حا’سس بمشاعر صاد’قة مِن ناحيتها، ومؤخرًا عرفت إنها هتتخطب والموضوع كان بيني وبين نفسي يعني محدش غريب عرف الموضوع.
_بُكرا تلاقيها.
هكذا جاوبه ثمّ ألتزم الصمت هُنَيْهة حتى كسـ ـر “نادر” هذا الصمت مجددًا بقوله المتسائل:
_وأنتَ حبيت قبل كدا ولا لسه عالأبيـ ـض؟.
لم يتفاجئ “بشيـر” بسؤال أخيه فهو يعلم أنهُ كان سيسأله نفس السؤال ولذلك جاوبه بنبرةٍ هادئة وقال بعد أن عادت صورتها تظهر أمام عينيه:
_سابقًا مكانش فيه، بس دلوقتي آه، حـ ـسيت بحاجة بتشـ ـدني ليها غصـ ـب عنّي، علا’قتنا كانت فالأول قط وفا’ر طول اليوم بنتخا’نق ومبنطـ ـقش بعض وبنتجا’زىٰ كُل شوية مِن المدير، بس لمَ تـ ـعبت مرة وكُنْت بمو’ت أصلًا كُنْت طا’عن نفسي طعـ ـنتين بدون و’عي مِني جَت زارتني وفضلت قعدة معايا شوية وبعدها بدأنا نقرَّ’ب مِن بعض لحد ما أتشـ ـدينا لبعض بس محدش فينا أعتر’ف للتاني لسه.
أبتسم “نادر” في هذه اللحظة وقال بنبرةٍ هادئة وهو يقوم بتقليب القهوة على مَوْ’قِد الغا’ز:
_أنتوا عملتوا زي ما المثل ما بيقول، ما محبة إلا بعد عد’اوة فعلًا، بس أنتَ ليه مفكرتش تقولها يعني مش هتفضلوا أنتم الاتنين ساكتين كدا كتير وهي مستحـ ـيل تيجي تقولك فأنتَ اللي هتبدأ.
_عارف، بس أنا مش عارف هقولها أزاي، بتلـ ـغبط قدامها أوي وبتو’تر غصـ ـب عنّي.
هكذا جاوبه “بشيـر” بعد أن أعتدل في وقفتهِ وأخذ كُوْز القهوة مِنهُ ليأتيه جواب “نادر” الذي قال ساخرًا:
_خلاص يا حبيبي أستنى لحد ما تضيـ ـع مِنك عشان تعرف تقولها تحت تأ’ثير الصد’مة.
دام الصمت بينهما قليلًا بعد أن تحدث “نادر” ليأتي بعد هُنَيْهة سؤال “بشيـر” الذي نظر لهُ وقال:
_عندك حـ ـق، خلاص لو كدا أنا ممكن أكلمها ونتقابل فأي كافيه وأقولها.
_كلمها دلوقتي وقولها إنك عايز تقابلها فموضوع مهـ ـم جدًا ومينفعش يتأ’جل ومتـ ـلمحلهاش بحاجة خليك جَـ ـد ولمَ تيجي هتكون مخضو’ضة أكيد وخا’يفة فأنتَ بقى قوم بدورك وصا’رحها بكُل حاجة واحدة واحدة وشوف هي ردها هيكون إيه.
هكذا جاوبه “نادر” الذي تحدث بنبرةٍ هادئة وهو يقوم بسكـ ـب القهوة في الكُوْز خاصته ثم ألتفت لهُ وهو ينظر إليهِ ليرى التخبـ ـط على معالم وجه أخيه الذي تردد قليلًا ولَكِنّ رآها فرصة مناسبة لهُ ولذلك قال بنبرةٍ هادئة:
_عندك حـ ـق كلامك صح، وأنا بصراحة كُنْت بفكر بقالي شوية فالموضوع دا وعايز أخُد خطوة فعلا’قتنا مع بعض، هعمل زي ما قولتلي وأشوف الدُّنيا فيها إيه.
أبتسم لهُ “نادر” مستحـ ـسنًا فعله ثمّ قال بنبرةٍ هادئة:
_شاطر هو دا الكلام المظبوط، وإن شاء الله نفرح بيك قريب.
أبتسم لهُ “بشيـر” ثمّ خرجا سويًا إلى غرفة المعيشة يجاوران بعضهما يشاهدان التلفاز سويًا ولَكِنّ قبل ذلك هاتفها “بشيـر” أسفـ ـل نظرات أخيه المتر’قبة وأنتظر جوابها الذي لم يطول كثيرًا وجاءه صوتها الهادئ ليقول هو بنبرةٍ هادئة:
_أزيك يا “بثينـة” عامله إيه؟ أنا بخير الحمد لله طـ ـمنيني عليكي، دايمًا يارب بقولك إيه، كُنْت عايز إننا نتقابل بُكرا فالكافيه، عايز أتكلم معاكي فموضوع مهـ ـم بصراحة، لا مش هينفع على التليفون لاز’م نتقابل، هقابلك فكافيه عالنيـ ـل هبعتلك اللوكيشن عالواتس، هستناكي يا “بثينـة”.
أنهـ ـى حديثه وهو ينظر إلى أخيه الذي أستحـ ـسن فعله ليتلقى الموافقة مِنها في الحال ليُنـ ـهي هو المكالمة بعد هُنَيْهة ثمّ نظر إلى أخيه الذي قال مبتسم الوجه:
_براڤو عليك، قعدة جَـ ـد تقول فيها كُل اللي جواك وأمورك هتمشي.
حرك “بشيـر” رأسه بتفَّهم ثمّ أعتدل في جلستهِ وقال بنبرةٍ هادئة:
_شغلنا يا عمّ التلفزيون دا خلينا نشوفلنا أي فيلم بدل قعدتنا دي.
وبالفعل قام “نادر” بتشغيل التلفاز وبدأ بمشاهدته رفقة أخيه بعد أن جاورا بعضهما في جلسةٍ لطيفة وهادئة يحظيا ببعض الهدوء الذي لم يكُن سوى رفيقهما حتى تأتي تلك السا’حرة تخطـ ـف واحدٍ مِنهما إلى عالمها الخاص.
____________________
<“لحظةٌ هادئة تأتي فجأةً لنا لتسر’قنا،
وكان هو يبدأ مِن جديد معها حياته.”>
لحظةٌ هادئة تأتي فجأة لنا لتسر’قنا في هفـ ـواتها..
تسر’قنا إلى عالمٍ آخر ور’دي وجميل كُنْا نَحلُم بهِ دومًا، وكان هو في حضرتها يخطو أولى خطواته يبدأ معها مِن جديد حياته..
كانت تجول في الغرفة ذهابًا وإيابًا بعد أن هاتفها وأخبرها أن تقوم بتجهيز نفسها حتى يعود وهي لا تعلم لِمَ، أو لرُبما هي تعلم ولَكِنّها تُنـ ـكر حد’سها، كانت في الشقة و’حيدة بعد أن جاءت والدته وأخذت الفتا’تين مثلما طلب هو مِنها، وقفت أمام النافذة تنظر إلى الخارج لترى سيارة سو’د’اء تُصَف أسـ ـفل البِنْاية لتُد’قق النظر لها تراه هو، عقدت ما بين حاجبيها ولَكِنّها ولجت إلى الخا’رج تنتظره..
فيما أغـ ـلق هو السيارة ثمّ طا’فَ ببصره عليها برضا لينظر إلى “أسمـ ـر” الذي كان يقف في المقهى ليقترب مِنهُ حا’ملًا بيده حقيبتين خاصة بالهدايا ليقول:
_عا’ش مِن شافك يا “أسمـر”.
ألتفت لهُ “أسمـ ـر” وأبتسم فورًا ليصافحه قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_حبيبي يا صاحبي واحشني.
ضمه إلى أحضانه ليُربت “يـوسف” على ظهره برفقٍ وقال بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه:
_وأنتَ كمان واحشني يا صاحبي إيه أخبارك.
_أنا زي الفُل يا صاحبي.
هكذا جاوبه “أسمـ ـر” بوجهٍ مبتسم ليقول “يـوسف” بنبرةٍ هادئة:
_دايمًا يا صاحبي، بقولك إيه عايزك تاخد بالك مِن الحـ ـتة اللي واقفة هناك دي.
أنهـ ـى “يـوسف” حديثه وهو يُشير إلى سيارته لينظر لها “أسمـر” ليُصـ ـيبه الذهول ليعاود النظر إلى صديقه قائلًا:
_دي بتاعتك بجد؟!.
أكد “يـوسف” على حديثه بهزَّ’ة خـ ـفيفة مِن رأسه مبتسم الوجه، فيما قال “أسمـ ـر” بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه:
_أيوه يا عمّ الله يسهلك، حِـ ـتة جا’مدة بصراحة، متقلـ ـقش عليها الحِـ ـتة جوه عيني.
أبتسم “يـوسف” بسمةٌ هادئة ثمّ رَبَتَ على كتفه وشكره وذهب إلى شقتهِ، فيما كانت “بيلا” تنتظره وهي لا تعلم أين ذهب، هُنَيْهة ورأته يولج مغـ ـلقًا الباب خلفه لتنظر هي لهُ ثمّ رأته يقترب مِنها بخطى هادئة مبتسم الوجه ليترك الحقائب على المقعد ثمّ ضمها إلى د’فئ أحضانه قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_طبعًا مقد’رش أنكـ ـر إنك وحشتيني النهاردة.
أبتسمت هي ثمّ حاوطته بذراعيها ومسـ ـحت على ظهره قائلة:
_أكيد طبعًا، متقد’رش تنـ ـكر حاجة زي دي.
أتسـ ـعت بسمتهُ على ثَغْره ثمّ أبتعد عنها قليلًا ينظر لها ثمّ عاد خطوتين إلى الخلف وهو ينظر إلى الفستان خاصتها ليقول بنبرةٍ ما’كرة وهو يُثني على هيئتها:
_بَطَـ ـل أقسم بالله وما في فجمالك ولا حلاوتك يا عسل أنتَ.
ضحكت هي حينما أستمعت إلى تغزلاته بها لتراه عاد يقترب مِنها مجددًا محاوطًا خصـ ـرها بذراعيه وهو ينظر إلى عينيها البُـ ـنية التي لم تفشـ ـل في أن تأ’سره ليقول بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه:
_النهاردة يوم حلو، اليوم اللي بدأت فيه حيا’ة جديدة، ورحلة جديدة، اليوم اللي كُنْت بتمنى إنُه ييجي وجه فعلًا بعد عذ’اب، اليوم اللي كسبت فيه أغـ ـلاهم على قلبي.
أبتسمت هي بسمةٌ هادئة وهي تنظر إلى عينيه الخضـ ـراء الصا’فية لتقول بنبرةٍ هادئة:
_طلعت لسه فاكر مش ناسي.
_بذمتك دا يوم يتنسي برضوا يا عسلية، بقولك واخد بَطَـ ـل إيه يا سـ ـتي.
هكذا جاوبها مستنكرًا قولها ثمّ أقترب مِنها يُلثم خَدِّها قْبّلة حنونة ثمّ قال بنبرةٍ هادئة:
_الغزالة رايقة النهاردة على الآخر على فكرة والدُّنيا عا’ل العا’ل.
قا’طعه رنين هاتفه الذي صدح عا’ليًا يُعلنهُ عن أتصالٍ هاتفي ليشعر بالضيـ ـق ثمّ أخرجهُ مِن جيب سترته الكحـ ـيلة ليراه “رمـزي” ولذلك جاوبه بنبرةٍ حا’دة قائلًا:
_متصل ليه يا نيـ ـلة أنتَ هو تقـ ـطيع أرزاق وخلاص !!.
_شوفت بضا’يق أزاي يا “چـو”؟ دا كان شعوري لمَ أنتَ أتصلت.
هكذا جاوبه “رمـزي” مبتسم الوجه ونبرةٍ مستـ ـفزة ليأتيه الجواب مِن رفيقه الذي قال بنبرةٍ حا’دة:
_بقولك إيه يا شيخنا، عديها بدل ما عديهالك أنا أحسنلك، وبعدين إيش عرَّفك إني هنا؟.
_أبدًا، شوفتك وأنتَ طا’لع قولت أخُد فُرصتي المرة دي.
هكذا جاوبه “رمـزي” مبتسم الوجه ليجاوبه “يـوسف” بنبرةٍ تملؤ’ها الضـ ـيق وقال:
_طب لم دورك بقى بدل ما أجيلك وأقفـ ـل أحسنلك.
_هتخو’ني يا “يـوسف” عيني عينك كدا؟.
هكذا رد عليهِ “رمـزي” متصـ ـنعًا الصد’مة ليتفاجئ “يـوسف” الذي أستمع إلى حديث رفيقه ولذلك جاوبه بنبرةٍ مذهولة قائلًا:
_أخو’نك؟ ولا أتعد’ل أحسنلك وأظـ ـبُط أنتَ هتخـ ـيب ولا إيه يا شيخ؟.
_لا يا حبيبي ما أنا دلوقتي شيخ بس قلـ ـيل الأد’ب المحتر’م دا الصبح ما أنا أكيد مش هفضل محتر’م ٢٤ ساعة يعني.
هكذا جاوبه “رمـزي” مفسرًا لهُ الأمر ليُطـ ـلق “يـوسف” ز’فيرة قو’ية ثمّ صا’ح بهِ وقال:
_يا عمّ أقفـ ـل بقى يخر’بيت الغتا’تة.
أنهـ ـى حديثه وأغـ ـلق المكالمة بوجهه دون أن ينتظر تلقي الرد ثمّ أغلـ ـق الهاتف تمامًا وتركه ليعاود النظر إلى زوجته مبتسم الوجه تزامنًا مع قوله:
_كُنْا بنقول إيه بقى يا جميل؟.
_كُنْت بتقولي على عيد جوازنا.
هكذا جاوبتهُ “بيلا” بوجهٍ مبتسم ليقول هو بنبرةٍ هادئة:
_أيوه صح، أول ما قولت الغزالة رايقة النهاردة.
وفو’ر أن أنهـ ـى حديثه صدح رنين هاتف المنزل الأرضي يعلـ ـو ليشعر هو بالغـ ـضب مطـ ـبقًا على أسنانه قائلًا بنبرةٍ حا’دة:
_مصمم أنتَ تبو’ظلي اليوم.
تركها وأتجه نحو الهاتف ير’فع سماعته بعـ ـنفٍ مجيبًا إياه بنبرةٍ حا’دة قائلًا:
_وبعدين مع أ’هلك بقى هو أنا كُل ما أقول الغزالة رايقة النهاردة تفـ ـصلني بمكالمتك عايز أكمل !!.
جاءه قهقهات “رمـزي” حينما استمع إلى حديثه ليجاوبه بنبرةٍ ضاحكة وما’كرة في آنٍ واحد قائلًا:
_أقسم بالله أنا جامد وما في مني ٢، شوفت، اللي كُنْت بتعمله فينا طـ ـلع عليك أزاي عشان تتسحـ ـب مِن لسا’نك تاني وتقولي حاجة.
_يا عمّ انا ابن *** إن قولتلك على حاجة تاني، أقفـ ـل بقى.
أنهـ ـى حديثه ثمّ أغـ ـلق المكالمة لتعلـ ـو معها ضحكات “رمـزي” الذي كان سعيدًا بشـ ـدة لمضا’يقته، فيما نظر “يـوسف” إلى الهاتف هُنَيْهة لير’فع سماعته مجددًا واضعًا إياها على سطـ ـح الطاولة وهو يقول ساخرًا:
_عشان لو الذكاء خدك أوي يا ابن “إبراهيم”.
عاد مجددًا إلى “بيلا” التي كانت تضحك على أفعا’ل “رمـزي” وضيـ ـق زوجها البا’ئن على نبرة صوته، وقف أمامها ثمّ قال بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه:
_المرة دي ندخل فالجَـ ـد على طول عشان ابن الفصـ ـيلة دا فصـ ـلني.
أنهـ ـى حديثه ثمّ أنحـ ـنى بجذ’عه وأخذ الحقيبة الأولى ثمّ استقام في وقفتهِ ونظر لها وقال بنبرةٍ هادئة:
_”يـوسف المُحمدي” مبينساش حاجة تخصه معاكي أنتِ بالذات.
نظرت هي إلى الحقيبة ثمّ أخذتها مِنهُ وأخرجت العُلبة الكحيـ ـلة مِنها ثمّ فتـ ـحتها أسفـ ـل نظراته لتجحـ ـظ عينيها قليلًا بعد’م استيعا’ب لا تُصدق ما تراه أسفـ ـل نظراته التي كانت تُتابعها مبتسم الوجه ليقول بنبرةٍ هادئة:
_الهدية الحلوة دي عشانك، وا’ثق إنها هتعجبك.
فتـ ـحت هي العُلبة الكحـ ـيلة لترى قلادة ذهبية اللو’ن لا’معة على شكل القلب، تفاجئت “بيلا” بشـ ـدة وهي تنظر لها لتُخرجها مِن العُلبة بهدوءٍ تتفـ ـحصها بسعادةٍ طا’غية فهذه هي نفسها التي رأتها على التطبيق الشهير “فيسبوك” وأخبرته حينها أنها أعجبتها بشـ ـدة، ليأتي هو اليوم يُهـ ـديها إياها، قامت بفـ ـتح القلب الذي إنقسـ ـم إلى نصفين لتجد صورة تجمعهما سويًا يوم زفافهما وصدقًا لقد أختار الصورة الأقرب إلى قلبهما، ترقرق الدمع في المُقل وهي لا تُصدق أنهُ أهدا’ها إليها اليوم لتنظر لهُ مبتسمة الوجه دون أن تتحدث بحرفٍ واحد..
فيما كان يُتابعها هو مبتسم الوجه يرى سعادتها بها ليقول بنبرةٍ هادئة:
_دي أول مرة تتمني حاجة وأجيبهالك على طول.
أرتسمت بسمةٌ حنونة على ثَغْرها لتحاوط عـ ـنقه بذراعيها تضمه دون أن تتحدث ليحاوطها هو كذلك بذراعيه دون أن يتحدث والابتسامة تُزين ثَغْره بعد أن رأى ر’دة فعلها حينما جلبها إليها، مسـ ـح بكفه على خصلا’تها نز’ولًا إلى ظهـ ـرها فهو كان يُريد أن يرى سعادتها تلك وهي لم تبخـ ـل عليهِ في ذلك، دقائق معدودة وأبتعدت عنهُ تنظر لهُ بوجهٍ مبتسم وعينين ملتـ ـمعتين لتقول بنبرةٍ غمـ ـرتها السعادة:
_حلوة أوي يا “يـوسف”، أنا متو’قعتش إنك ممكن تجيبها واللهِ أنا ساعتها قولت كدا عشان بس كانت عجباني وقولت أكيد هتعجبك أنتَ كمان بس بجد أنا متو’قعتش إنك هتعملها بجد وتجيبها، أنا عُمري ما أستنيت مِنك مُقابل بالعكس كُل اللي عملته دا عشان بحبك وفنفس الوقت دي واجباتي، مكونتش مُنتظرة مِنك مقابل غير حُبّك بس.
حاوط شطـ ـري وجهها بكفيه الد’افئين ونظر إلى عينيها مباشرةً وقال بنبرةٍ هادئة حنونة:
_وأنا كُنْت عايز أديكي ولو جزء بسيط مِن حـ ـقك، أنتِ وقفتي جنبي كتير واستحـ ـملتيني كتير أوي وكُنْتي معايا على المُـ ـرة قبل الحلوة وعيـ ـشنا أيام صـ ـعبة وعديناها سوى، معقولة بعد كُل دا ميكونش فيه تقدير مِني ليكي؟ دا أنا أبقى معنديش د’م بأما’نة.
أبتسمت هي بحُبٍّ لهُ ثمّ اقتربت مِنهُ تُلثم خَدِّه بقْبّلة حنونة وقالت بنبرةٍ مُحبة:
_أنا بحبك أوي يا “يـوسف”.
_و “يـوسف” معرفش يحب غيرك.
هكذا جاوبها بنبرةٍ مُحبة وصا’دقة وهو ينظر لها ثمّ بعدها نظر إلى القلادة وأخذها مِنها قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_تعالي ألبسهالك عايز أشوفها على ر’قبتك.
أنهـ ـى حديثه مبتسمًا ثمّ أقترب مِنها ليقف خلفها مبـ ـعدًا خصلا’تها على جنب ثمّ قام بإلبا’سها القلادة بهدوءٍ وحينما أنتهـ ـى أعاد خصلا’تها مجددًا ثمّ أدارها لهُ وهو ينظر لها ليراها جميلة وبشـ ـدة وهي تُعانق عـ ـنقها ولذلك نظر لها وقال بنبرةٍ خبـ ـيثة وهو ينظر لها نظرةٌ ما’كرة:
_مش بقولك بَطَـ ـل مصد’قتنيش.
ضحكت هي على حديثه ولم تستطع أن تُجيبه بكُل تأكيد ليأخذ هو الحقيبة الثانية ثمّ نظر لها وقال بوجهٍ مبتسم:
_ودي برضوا عشانك، أتمنى تعجبك.
_أي حاجة بتجيبها بتعجبني مش محتاجة إني أقولك يعني.
هكذا جاوبته بصرا’حةٍ تا’مة ليبتسم هو ثمّ أطـ ـلق ز’فيرة قو’ية وقال بطا’عةٍ لها:
_أكيد طبعًا وأنا شاهـ ـد كمان يا سلام.
نظرت لهُ قليلًا ثمّ تركت الحقيبة برغم أن فضولها يد’فعها لمعرفة ما بداخلها ولَكِنّها قررت أن تُنفـ ـذ ما تُريده ولذلك أمسكت بكفه وسحـ ـبته برفقٍ خلفها دون أن تتحدث إلى المطبخ ليقف هو ينظر لها بعد أن تركته هي ووقفت ممسـ ـكةً بالغطاء البلا’ستيكي ثمّ ر’فعته عا’ليًا ونظرت إلى “يـوسف” الذي نظر إلى قا’لب الكعك الذي أعدتهُ هي بنفسها اليوم لأجل هذا اليوم ليقترب مِنها يجاورها في وقفتها وهو ينظر إلى القا’لب ليسمعها تقول بنبرةٍ هادئة مبتسمة الوجه متسائلة:
_إيه رأيك؟ أنا اللي عاملة الجاتوه دا، قولت حتى لو نسيت أفكرك أنا بس لقيتك فاكر ومخـ ـطط كمان تفاجئني، إيه رأيك حلو مش كدا؟.
_ومِن أمتى عملتي حاجة و’حشة يا “بيلا”.
هكذا رد عليها بنبرةٍ هادئة محاوطًا إياها بذراعه الأيـ ـمن لتنظر لهُ بوجهٍ مبتسم ثمّ قالت متسائلة:
_طب قولي بقى يا حلو، مين فينا هيقـ ـطعه؟.
_نقـ ـطعه إحنا الـ ٢ سوى.
هكذا جاوبها وهو يسـ ـحب السـ ـكين ليجعلها تُمسكها أولًا بيدها اليُسر’ى ثمّ أمسك هو بكفها بكفه الأيـ ـمن وبدأ بتقطـ ـيعه سويًا فلم يكُن أحدهما يتو’قع أن يصلا إلى هذه المرحلة مِن قبل، ولَكِنّ ها هما اليوم وصلا ومازالا يُكملان الطريق معًا، تركها لتضع هي تلك القطعة بالصحن الز’جاجي أسفل نظراته التي كانت تُتابعها لتُعطيه صحنه والشوكة ثمّ عادت تقـ ـطع لنفسها قطعة أخرى ثمّ وضعتها في الصحن لتسمعه يقول بعد أن أثنى عليها وقال:
_خطـ ـيرة، مش بقولك مبتعمليش حاجة و’حشة.
أبتسمت هي وقالت بنبرةٍ هادئة:
_بالهنا والشفا على قلبك يا حبيبي، إلا قولي صحيح العربية اللي جيت بيها دي بتاعت مين؟.
_عربيتي.
نظرت لهُ نظرة استنكار ليجاوبها هو حينما أكمل وقال:
_عمّي “راضـي” أدهاني قالي دي بتاعتك، ولقيته مطلعلي الرُ’خصة برضوا.
_طب دا كويس أوي، شكلها حلو عجبتني.
هكذا جاوبته بنبرةٍ هادئة مبتسمة الوجه وقبل أن يجاوبها صدح رنين هاتفها يُعلنها عن أتصالٍ هاتفي لينظر هو إليها حينما رأها تستعد للخروج لتمـ ـنعها يده قائلًا:
_خليه يرن.
_أزاي أفرض حد عايزني.
هكذا جاوبته ثمّ تركته وخرجت ليلحق هو بها تاركًا الصحن خاصته كذلك، فيما وقفت هي بعد أن أخذت هاتفها لتجدها “تسنيـم” عقدت حاجبيها متعجبةً وقبل أن تُجيبها شعرت بالهاتف يُخطَـ ـف مِنها لتلتفت لهُ متعجبة لتراه يُغلق المكالمة ومعها الهاتف لينظر لها قائلًا:
_مش “تسنيـم” دا الز’فت “رمـزي” وبيتصل بيا مِن عندها ليكي عشان أنا قا’فل موبايلي ورا’فع سماعة الأرضي، وأنتِ كمان أقفلي موبايلك.
أنهـ ـى حديثه ثمّ أغلق هاتفها كذلك أسفـ ـل نظراتها المذهولة، فيما ترك هو الهاتف على سـ ـطح الطاولة ثمّ نظر لها مبتسم الوجه دون أن يتحدث، يبدو أن أحدهم جعله يفقـ ـد عقله مؤخرًا.
يتبع….
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية جعفر البلطجي ) اسم الرواية