Ads by Google X

رواية شظايا قلوب محترقة الفصل السادس و الثلاثون 36 - بقلم سيلا وليد

الصفحة الرئيسية

   

 رواية شظايا قلوب محترقة الفصل السادس و الثلاثون 36 - بقلم سيلا وليد 

“اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك ”
“أنا العاشق الذي لا يتوقف عن الحكي… لكن حين أراكِ، تُصبح كل الكلمات مجرد عبء، والصمت صلاة.”
وان فقدتك فليس لدي ما اخسره اكثر ..
وان بقيت فلا شيء قد اتمناه بعدك ..
صرت أراك حين لا أراك
تباً لقلب صار يهذي من هواك
أيكون عشقي طرف من جنون
أهو جنون إن لم أرى في الدنيا سِواك ؟
قبلَ قليل توقَّف بجوارِ أرسلان وعيناهُ تتجوَّلُ بالمكان، وهو يتحدَّثُ إليه:
-يعني ممكن ماتعيَّدشِ هنا؟..
نفثَ سيجارتهِ وأومأ له، ثمَّ أردفَ بنبرةٍ ثقيلةٍ لا يعلمُ لماذا يشعرُ بالرَّيبة:
-إلياس خلِّي بالك من غرام طول ماأنا مش موجود، أنا وصِّيت عليها إسحاق وعارف أنَّه مش هيقصَّر معاها، بس أنا حاسس إنَّها أخدت على ميرال بسرعة، علاقتها هيَّ وملك حلوة بس مش زي ميرال، فاهمني؟..
ربتَ على كتفهِ وأومأ له قائلًا:
-متسافرشِ لوحدك لو عايزني أسافر معاك..قاطعهُ دون تكملةِ حديثه:
-لا طبعًا، تسافر فين؟..دا شغل، يعني الغلطة بموتة، والدنيا كويسة إن شاءالله، فيه واحد من فريقي واخده معايا..
استدارَ إلياس مستندًا على السياجِ الحديدي:
-أنا مش قادر أنسى أوَّل مرَّة اتقابلنا فيها هناك، كنت ممكن تتكشف..
-علشان غلطت واتسرَّعت في حاجة، متخافشِ عليَّا وبعدين دي أقدار، لولا الغلط دا مكناش قرَّبنا من بعض، أنا فاكر علاقتنا مكنتش أحسن حاجة..
استدارَ إلياس بعينيهِ على زوجتهِ مجيبًا:
-علشان شغلنا مش واحد، فكان صعب إنِّنا نتعرَّف أو نقرَّب من بعض..المهم اسمعني كويس، رؤى اتفقت مع راجح على حاجة، وأنا مش عارف إيه هيَّ، بس في نفسِ الوقت خايف منها منكرشِ دا، هيَّ كانت عايزة تسيب البيت بس أصرِّيت تفضل تحتِ عين أمِّي، وخصوصًا بعد ماعرَّفت بابا بزيارتها، مقدرتش أقول لماما، إنتَ عارف ممكن تعمل إيه..
لفتَ نظرهِ أخذُ رؤى ليوسف وتحرِّكها به، ظلَّت نظراتهِ عليها مرَّةً وعلى ميرال التي وصلت إليهم:
-هنتمشَّى شوية في البازارات اللي هنا، يوسف مع رؤى أخده ولَّا هتخلِّي بالك منُّه؟..
-متبعديش عن الحراسة..
-حاضر..قالتها وخطت خطوتينِ إلا أنَّهُ قبضَ على رسغها وسحبها إليه:

-ميرال تليفونك فين؟..
-تليفوني، ليه؟..في الشنطة، عايزه؟..
-خلِّيه في إيدك، ومتبعديش زي ما قولتلك..
-حاضر، متخافش هشوف الأنتيكات دي، شكلها عجبني، لو مش عايز أتحرَّك خلاص..
-لا، روحي بس خُدي بالك من نفسك..
ابتسمت وأومأت بعينيها:
-متخفشِ عليَّا حبيبي مش هبعد..
-حبيبك وفي الشارع، روحي ياميرال بدل ماأغيَّر رأيي..استدارت وتحرَّكت متَّجهةً إلى غرام تشعرُ بالسعادة وتدعو من الله أن يديمها عليها..
عانقت ذراعَ غرام التي رمقتها مبتسمة:
-مالك يابنتي؟. اللي يشوفك كدا يقول فازت باليانصيب..
-أعمل بيه إيه ياغرام اليانصيب دا من غير روحي..توقَّفت غرام عن الحركة تنظرُ إليها متسائلة:
-حاسة بكدا، اتصالحتوا مش كدا؟..
خطت وعيناها تلمعُ بالسعادة، وقلبها ينتفضُ بالعشقِ تهزُّ رأسها:
-مش موضوع اتصالحنا، الموضوع أكبر من الصلح، أصل ممكن تكوني زعلانة وتتصالحي وحياتك تفضل زي ماهيَّ، بس إحنا داوينا بعض، كلِّ جرح في قلوبنا التاني دواها، شعور حلو على أدِّ ماحسِّيت بمرارةِ الفراق بس نسيت كلِّ حاجة، كأنِّي فقدت الذاكرة وبأنِّب نفسي وبعاتبها على كلِّ دقيقة مستمتعش بيها.
-عندك حق ياميرال، أنا في أوَّل جوازي تعبت..بس قرَّرت أبني حياتي بنفسي من وقت ماتأكِّدت من حبِّ أرسلان ليَّا..
غمزت ميرال بعينيها:
-أرسو دا عسل يتحب من غير حاجة، خلِّي بالك منُّه يابت..
-بت، وعسل وأخلِّي بالي من جوزي، طيب لاحظي أنا بغير..

ابتسمت قائلة:
-ربِّنا يسعدك حبيبتي إنتي جميلة ورقيقة وتستاهلي واحد زي أرسلان، رغم معرفتي بيه قريبة بس حسيت إنِّي أعرفه من زمان أوي، أقولِّك سر، بعرف أتكلِّم معاه من غير خوف، ممكن أقولُّه اللي تاعبني وماقولش لإلياس..بس دلوقتي مبقتشِ أخاف من حاجة، هدوَّر على سعادتنا وبس..أنهت حديثها بعدما وصلوا إلى ملك وإيمان:
-ها ياحلوين ناوين تعملوا إيه؟..هنلفِّ شوية بس بلاش نبعد عن المربَّع دا، علشان الحراسة وكمان علشان ميتغضبشِ علينا ونروح..
-تعرفي أنا حبِّيتك أوي، شكلك بيوتي وعسل..قالتها ملك..
أشارت على نفسها تنظرُ الى غرام:
-بتعاكس أهو..ضحكت غرام تضمُّ ملك إليها:
-ملوكة دي ملاك، اسم على مسمَّى يابنتي، بتهوِّن عليَّا ساعات، اتَّجهت بنظرها إلى غادة المتوقِّفة مع إسلام وتساءلت:
-غادة مش جاية ولَّا إيه؟..أجابتهم إيمان:
-هتيجي بس إسلام نادلها..عانقت ميرال كفَّ إيمان وتحرَّكت قائلة:
-إيمي عروسة وعايزة أجبلها هدية الخطوبة، خطوبتها في العيد وأنتوا معزومين بصفتي أختها الكبيرة مش كدا إيمي؟..
أومأت قائلة:
-أحسن أخت في الدنيا، قاطعتهم غادة التي وصلت للتو:
-أنا بغير لاحظي أه..شاكستها وهي تجذبها لأحضانها:
-إنتي الحب الكبير ياصغنن، هيَّ الصغيورة وإنتي الصغيرة.
-لا والله..نطقت بها بضحكةٍ وتحرَّكوا إلى داخلِ إحدى المتاجر..
كانت تقفُ على بُعدِ بعضِ الخطواتِ وهي تحملُ يوسف، سالت دمعةً من عينيها حينما شعرت بأنَّها غير مرغوبٍ بها، خطت متحرِّكةً تنظرُ على واجهةِ المحلات، استمعت إلى رنينِ هاتفها:
-بابا، حضرتك عامل إيه؟..

-فكَّرتي في اللي قولته لك..توقَّفت منتفضةً حينما تذكَّرت لقاءها به بالأمس:
خطت إلى داخلِ الفيلا تنظرُ إلى روعتها بانبهار، تدورُ حول نفسها:
-دا بيتك!..اقتربَ منها وتصنَّعَ الحنانَ يحاوطها من ذراعيها:
-شوفي دي كلَّها بتاعتي، وعندي غيرها كمان..وكان عندي أكتر وأكتر بس ابنِ فريدة أخد كلِّ حاجة..
-قصدك مين الياس؟!..بس إلياس مش محتاج عنده كتيير..
تراجعَ إلى الخلف وتصنَّعَ الألمَ و الحزنَ باقترابِ رانيا منهما وتحدَّث:
-مش عايز حد يكون أحسن منُّه في عيلة الشافعي، من وقت ماعرف إنِّي عمه وهوَّ هيتجنِّن وعمل قضايا، حتى خلَّى بنتي تكرهني وتشهد عليَّا، تعرفي أختك عملت إيه؟..دخَّلتني السجن علشان صدَّقته هوَّ وفريدة، فريدة اللي خطفتها وطردت أمِّك وهيَّ حامل فيكي، وأخدت أخوكي منها وكانت هتهرب بيه مع ميرال لولا رانيا هاجمتها وأخدته منها غصب عنها، ضربت رانيا لحدِّ ماأُغمى عليها وخطفت ميرال وطفشت.
-مستحيل طنط فريدة تعمل كدا، دي طيبة وحنينة أوي، وبعدين ماحضرتك خطفت إلياس وأرسلان..
-كذب..قالتها رانيا التي اقتربت منها ونظرت إلى راجح واستطردت:
-فريدة كانت حرباية، جوزها مات ومشيت على حلِّ شعرها، باعت واحد للظابط اللي متجوزاه دلوقتي، والتاني باعته لناس أغنيا علشان تعرف تعمل اللي نفسها فيه، وقبضت تمنهم بدليل مثبوتين بأسماء العيل بتاعتهم، ولمَّا راجح حاول يلمَّها ومقدرش عليها خلِّيته يتجوَّزها، ماهي بنتِ عمِّي ومينفعشِ سيرة عمِّي تكون على ألسنة الناس، عمرك شوفتي ست تطلب من جوزها يتجوِّز عليها؟..أنا عملت كدا علشان أحمي سيرة عمِّي، بس هيَّ الحيوانة رفضت النعمة وفضلت زي ماهي، ولمَّا مسكتها كذا مرة حبِّت تنتقم منِّي، خطفت بنتي وضحكت علينا وقالت إنَّها موِّتتها، وهربت بيها، ولو مش مصدَّقة روحي البلد واسألي، الكل بيحتقر أيِّ واحدة اسمها فريدة بسببها.
-مش معقول، أومال ليه أخذتني عندها بعد ماعرفت إنِّي بنتِ سمية؟..
-علشان تداري على اللي عملته في أمِّك، بنقولك طردتها بالليل وهيَّ حامل فيكي؛ بعد ماطلبت من أبوكي يطلَّقها أو أمُّك تنزِّل اللي في بطنها، أومال إنتي مفكَّرة بتصرف عليكي ليه؟.،وابنها جايب لك بيت ليه؟..علشان تغفر لذنبها..

-معقول!!
-مش بس كدا، أمِّك راحت لها الدار وطلبت منها تاخدك لراجح علشان خافت من راجح ليقتلها..بس هيَّ أخدتك بعد ماوعدتها هتودِّيكي عنده، بس رميتك في الدار إيه رأيك؟..
-طيب ليه حرام تحرمني من أبويا، مش كفاية أمِّي ماتت مريضة..
-لازم تنتقمي لأمِّك اللي ماتت بحسرتها عليكي، خصوصًا بعد ماراحت الدار علشان تسأل إنَّك وصلتي لأبوكي ولَّا لأ، وهيَّ كذبت عليها وقالت لها إنِّك موتِّي في حادثة..أمِّك ماتحمِّلتش، ماتت من الزعل والمرض بعد مارمتها في مستشفى حكومي زبالة..
انسابت دموعها غير مصدِّقة ماتستمع إليه..غمزَ راجح إلى رانيا واقتربَ يحاوطُ كتفها:
-متعيطيش حبيبتي واللهِ لآخد حقِّك وحقّ أخوكي اللي الحيوان إلياس ساجنه ظلم، بعد ماخافوا أفضحهم هدِّدوني بيه وسجنوه ظلم..
-أنا ليَّا أخ تاني غير يزن؟..
-يزن مين اللي أخوكي دا!؟
يزن..مش فاكرة اسم باباه إيه، هوَّ أخدني عنده قاعد في مكان بعيد كدا، إلياس قالي دا أخوكي و ..
قطعَ حديثها حينما إردفت رانيا:
-شوفت ياراجح لسة بيعملوا ألعاب حقيرة على البنتِ اليتيمة، دلوقتي أكيد عرفوا إنِّ طارق عرف مكانها في الدار علشان كدا سجنوه، إيه ياراجح هتفضل ساكت، قتلوا هيثم قبلِ كدا، ودلوقتي عايزين يقتلوا طارق، وبينتقموا من البنتِ الحزينة دي، لازم تتصرَّف، وترجَّع ميرال وتاخد حقِّ البنت دي..جذبتها رانيا لأحضانها وتصنَّعت البكاء:
-ياحبيبتي يابنتي، خايفة عليكي يغسلوا مخِّك زي ماغسلوا مخ ميرال بالأدوية اللي فريدة بتدهالها..
-أدوية إيه؟…قطعَ حديثهم راجح وهو يحاوطها بين أحضانه:
-رؤى حبيبة أبوها هتساعده ننتقم من فريدة وابنها..
-انتقم من إلياس..ضيَّقت رانيا عيناها وأردفت بخبث:
-إيه دا!!أوعي تكوني بتحبِّيه إنتي كمان؟!..

ارتبكت تبتعدُ عنهما قائلة:
-عايزني أعمل إيه؟..
-تبعدي ميرال عنُّه..قالتها رانيا..
رمقها راجح بحدَّة وتمتم:
-بصي حبيبتي، عايز أأذيهم زي ماأذونا كلِّنا، عايز في الأوَّل كلِّ أخبارهم، تاني حاجة ميرال ترجع لحضني زيك، التالتة بقى ابنِ فريدة يطلَّع أخوكي من السجن..
-ودي أعملها إزاي؟..
-تجيبي حفيدي وأسَومه عليه.
إيه أخطف يوسف!!لا طبعًا…قالتها باعتراض، فأشارَ بعينيهِ إلى رانيا التي اقتربت منها:
-دا حفيدنا، يعني مش هنعمل فيه حاجة، إحنا عايزين ننقذ طارق، وكمان هيكون في مصلحتك..
-إزاي مصلحتي مش فاهمة؟..
-دلوقتي الولد لمَّا يتخطف هيحمِّل ميرال المسؤولية، وهتحصل بينهم مشاكل، وإنتي الملاك البريء، هتحاولي تقرَّبي لمَّا تدخَّلي الشك لميرال..بسبب اللي هيعمله فيها وإنتي وشطارتك بقى، أكيد فاهمة..
خرجت من شرودها على صوتِ راجح
-رحتي فين يابت؟..
-معاك يابابا، عايزني أعمل إيه؟..إحنا وصلنا من شوية..
-عارف وشايفك، قرَّبي من ميرال وإديها الولد دا أو تظاهري بكدا، وأنا هتصرَّف.
-حاضر..قالتها وهي تتلفَّتُ حولها، واقتربت من ميرال المنشغلة مع غادة وملك بالتحف..التفتت ميرال بعدما استمعت إلى صوتِ رؤى:
-ميرال تعالي خُدي يوسف بيعيَّط.
أومأت وربتت على كفِّ غادة:

-اختاري دي شكلها حلو لمَّا أجيب يوسف، لم تُكمل حديثها واستمعت إلى صوتِ مشاجرات، وحدثَ هرجٌ ومرجٌ وصراخٌ بالمكانِ مع استنفارِ الحرس، واتِّجاههم إلى ميرال يحاوطونها بعدما تحرَّك إلياس سريعًا يهاتفهم؛ وعيناهُ على رؤى التى اختفت في الزحام..
أرسلان لازم نتحرَّك من هنا..قالها إلياس وهو يتحرَّكُ سريعًا يتابعُ مع فريقِ أمنه:
-أمِّنوا مدام ميرال بسرعة..هرولت ميرال اتِّجاهَ ابنها وهي ترى رؤى تبتعدُ به وتحاوطهُ بذراعيها، بعدما اقتربَ منها رجلانِ ذو بنيةٍ ضخمة، علمت من هيئتهم أنَّ من أرسلهم راجح، هزَّت رأسها مبتعدة:
-لا لا..خلاص ابعدوا مش هتاخدوه، قالتها ببكاء وهي تصرخُ باسمِ إلياس..إلَّا أنَّ أحدهم لطمها بقوَّةٍ على وجهها حتى شعرت بتخدِّرِ وجهها من قوَّةِ الصفعة، هنا تيَّقنت أنَّ مافعلته ذنبًا كبيرًا بحقِّ إلياس..جثت على الأرضِ تحاوطُ يوسف بجسدها وتصرخُ باسمِ إلياس، إلَّا أنَّ أحدهم جذبها من خصلاتها بقوَّةٍ يدفعها بعيدًا مع بكاءِ الطفل، وصلت إليهم ميرال تدفعهُ بقوَّةٍ من فوق طفلها، غمزَ للرجلِ الآخر ليسحبها يشيرُ إليه:
-لازم نتحرَّك بسرعة، ولكن رؤى تشبَّثت بساقيهِ وهي تصرخُ باسمِ إلياس بعدما جذب الطفل، الآخر سحب ميرال بقوة، ازدادَ صوتُ الطلقاتِ الناريةِ مع تحرك الرجل وأخذِه للطفل، ومحاولةِ الآخرِ سحبَ ميرال التي دفعتهُ بساقيها بقوَّة، واقتربت بتمزيقِ وجهه، حاولَ صفعها إلَّا أنَّها دفعتهُ بقوَّةٍ بمنطقتهِ المحظورة، مع وقوفِ رؤى التي ضربتهُ بحقيبتها، التفتَ إلى ميرال بعدما اعتدلَ يتحدَّثُ بفحيح:
-لقد أخذتي من وقتي أيَّتها العارهة..قالها مقتربًا منها إلَّا أنَّهُ لم يُكمل حديثه، بعدما استقرَّت تلك الرصاصةِ برأسهِ ليقعَ صريعًا أمام ميرال..
رفعت نظرها الى إلياس الذي أشارَ لحرسهِ بحمايتها مع ركضهِ خلف أرسلان، الذي وصلَ إلى الممرِّ خلف الرجلِ وهو يهرولُ بالطفل، مع نظراتِ راجح بالطرفِ الآخر، فانطلق بسيارته يتحدث مع القناص
-اسحبوه برة الزحمة، اخطفوا اي حد من القرايب وانتظر تليفون..توقَّفَ إلياس بأحدِ الأركانِ وأطلقَ رصاصتهِ لتستقرَّ بظهرِ الرجلِ الذي يركضُ للهروب، مع وصولِ أرسلان برصاصتهِ الأخرى لتستقرَّ بساقهِ ليسقطَ على الأرضِ بالطفل، التقطَ أرسلان الطفلَ الذي سقطَ من بين يديه، يضمُّهُ محاولًا تهدئتهِ مع وصولِ إلياس يتلقَّفهُ منهُ بلهفة، ينظرُ إليه بتفحُّص، حاول ارسلان تهدئته قائلا:
-إن شاء الله كويس متخافش، ممكن بعيَّط من الوقعة، نظرَ إلى الرجلِ يشيرُ إلى يوسف:
-خد يوسف لميرال، خلِّي بالكم منهم، ثمَّ تحدَّثَ بسماعته، لاقترابِ الحرس منه..أومأ له الرجلُ وحملَ الطفلَ متَّجهًا إلى ميرال، بينما ظلَّ هو ينظرُ للرجلِ بعدما ركلهُ بقدمهِ لينظرَ إلى وجههِ بتفحُّص، رأى وشمًا بعنقه، رفعَ نظرهِ إلى أرسلان الذي أردف:

-مرتزقة..أومأ له بوصولِ بعض فريقهِ إليه:
-نضَّف المكان كويس، أيِّ حد مشكوك فيه اقبض عليه..ثم أشارَ إلى الرجلِ الآخر:
-اتصلوا بالإسعاف وخدوا الزبالة دي..
-تمام يافندم، تحرَّك يفحصُ المكانَ بعينيهِ الصقريةِ مع بعض رجالِ فريقه،
توقَّف مستديرًا بعدما استمعَ إلى بكائها، هرولت تُلقي نفسها بأحضانهِ وهي تحملُ طفلها:
-إنتَ كويس؟..
-ميرال اهدي أنا كويس أهو ..خرجت من أحضانهِ تفحصُ جسدهِ ثمَّ بكت قائلة:
-إيه صوت ضرب النار دا ؟..
-ميرال اهدي إحنا في الشارع، أنا كويس وابنك في حضنك..
هزَّت رأسها بالنفي وارتجفت شفتيها من البكاء:
-كانوا هيخطفوا يوسف ياإلياس..
-ويوسف في حضنك أهو ..نهدى بقى..
وصلَ أرسلان بجوارِ الفتيات:
-ميرال ادخلي الكافيه اقعدي جوا شوية وراجعين..
رفضت تعانقُ ذراعه:
-لا مش عايزة، عايزة أكون معاك.
أشارَ أرسلان إلى غرام التي اقتربت تأخذُ الطفل:
-حبيبتي اهدي، تعالي اشربي حاجة وهمَّا شوية وهيجوا..
-فين رؤى؟…تساءلَ بها إلياس..

التفتَ أرسلان في كافَّةِ الاتجاهاتِ قائلًا:
-معرفش، غرام فين رؤى؟..ردَّت غادة:
-وإسلام مش موجود كمان..
تحرَّكَ أرسلان سريعًا بعدما التقطت عيناهُ إحدى السياراتِ السوداءِ يتحدَّثُ بجهازه، بينما توقَّفَ إلياس متجمِّدًا..وعيناهُ تخترقُ الرجل الذي يضعُ السلاحَ متوجِّهًا إلى إسلام يسحبهُ إلى السيارةِ السوداء..
تحرَّكَ يهاتفُ أحدهم:
-اقفل المدخل محدش يخرج، دقائقَ عصيبة حتى تسلَّلَ الرعبُ إلى قلوبِ الجميعِ بعد اختفاءِ ارسلان وإلياس..
توقَّفَ رجالُ الأمنِ يحاصرونهم مع بكاءِ ميرال وارتجافِ جسدها؛ ولا يخلو أمرَ الخوفِ لدى غرام التي بدأت تنهار وتسلل الألم إلى احشائها، حتى شعرت بالتقيؤ..فرفعت نظرها إلى ميرال الحاضرةِ الغائبةِ وعيناها على المدخل، فترةٌ مرَّت كالسيفِ على العنقِ ليظهرَ أرسلان أخيرًا وهو يتحرَّكُ بجوارِ إسلام ..دفعت غرام الرجلَ وهرولت إليه:
-إيه اللي حصل؟..
-على العربيات..هكذا أردفَ بها أرسلان، بوقوفِ ميرال تنظرُ إلى المدخل الذي دلفَ منه أرسلان…هرولت غادة الى إسلام تحتضنهُ وتبكي:
-حبيبي إنتَ كويس؟..ضمَّ رأسها قائلًا:
-أه حبيبتي..
-فين إلياس؟!
-خطفوا رؤى وهوَّ وراهم، لازم نتحرَّك من هنا..
-إنتَ سبت أخوك لوحده؟..قالتها ميرال باعتراض
زفرَ أرسلان بغضبٍ يشيرُ إلى السيارة:
-لازم نتحرَّك من هنا ياميرال مش عايز دلع، جوزك مش عيِّل دا ظابط أمن دولة..
تراجعت تضمُّ ابنها وتمتمت بنبرةٍ باكية:

-انا مش ماشية غير لمَّا إلياس يجي، مش هتحرَّك.
اقتربَ إسلام محاولًا الضغطَ عليها:
-ميرال عايزة تستني لمَّا يجوا وياخدوا ابنك، لازم نتحرَّك..
نظرت إليه بألمٍ يخنقُ روحها وتحدَّثت بنبرةٍ متألِّمة:
-عايزة أطَّمن عليه ياإسلام..
-وبعدها لك بقى..قالها أرسلان بغضبٍ ينظرُ بساعة يده:
-كلُّه على العربيات مش عايز اعتراض..جذبتها غادة من ذراعٍ وإسلام من الآخر، يسحبونها إلى السيارةِ مع دموعها التي لم تنقطع..
تحرَّكَ وعيناهُ على كافَّةِ الأرجاءِ مع ارتفاعِ رنينِ هاتفه:
-أيوة يافندم؟..
-اتحرَّك بسرعة من المخرجِ التاني، بسرعة ياأرسلان…
-حاضر، إلياس؟..تساءلَ بها..
-شريف خرج له، مينفعشِ تظهر معاه، سمعتني..توقَّفَ مقاطعًا إيَّاه:
-حضرتك عايزني أسيب أخويا!!
-أرسلان..صرخَ بها اسحاق وهدرَ معنِّفًا إياه:
-ارجع على البيت فورًا من غير ولا كلمة.
-تمام..قالها وأغلقَ الهاتف، ثمَّ صعدَ السيارةَ وتحرَّكَ بها بسرعةٍ جنونية، ليصلَ إلى فيلا السيوفي:
-انزلي ياميرال.
-إلياس، عايزة أطَّمن عليه لو سمحت ياأرسلان.
التفتَ إليها بجسده:

-انزلي وأنا هطمِّنك، يالا علشان ألحق أروح له..أومأت ونزلت تحتضنُ طفلها مع نزولِ غادة وإسلام..
أشارَ إلى إسلام:
-روح مع عربية الحراسة وصِّل إيمان وملك وغرام، لازم أروح مشوار مهم..
-حاضر..قالها إسلام وتحرَّكَ إلى السيارةِ التي بها ملك.
بمنزلِ يزن:
توقَّفَ أمام المنزلِ بعد اتصالِ أرسلان به، اقتربَ من السيارةِ بنزولِ إيمان:
-فيه إيه؟!رجعتوا ليه بسرعة؟..
نزلَ إسلام بعد دخولِ إيمان وردَّ قائلًا:
-حدِّ هاجمنا وكان هيخطف يوسف وميرال..
-راجح؟!..طيب ميرال والولد كويسين؟..
-أومأ له قائلًا:
-كويسين الحمدُلله، بس رؤى اللي اتخطفت وإلياس وراها، هوصَّل ملك.. سلام نتقابل بعدين.
-سلام..قالها ودلفَ للداخلِ وجدَ أختهِ جالسةً على الأريكةِ تنظرُ بشرود، اقتربَ منها وجذبها لأحضانه:
-حبيبتي إنتي كويسة؟..
لفَّت ذراعيها حول خصرهِ وانهارت بالبكاء:
-خفت أوي يايزن، كان فيه ضرب نار كتير، والشرطة جت، فيه ناس ماتت وناس كانت بتصرخ، وكانوا هيخطفوا ميرال، مين دول يايزن؟..
احتضنَ وجهها ولثمَ جبينها قائلًا:
-حبيبتي اهدي، دول تلاقي ناس كانوا عايزين فلوس ولَّا حاجة من إلياس، انسي خالص والحمدُلله أنُّهم كويسين، قومي غيَّري هدومك، وأنا هتِّصل بإلياس علشان أطَّمن على رؤى..

-حاضر، هوَّ معاذ نام؟..
ربتَ على ظهرها مبتسمًا:
-لا برَّة، بيلعب بالعجلة مع صحابه، قومي يالَّه غيري..
نهضت متَّجهةً إلى غرفتها، خرجَ إلى خارجِ المنزل ورفعَ هاتفه:
-أيوة ياإلياس ميرال ورؤى كويسين؟..
-كويسين..هكلِّمك بعدين ..قالها وأغلقَ الهاتف، جلسَ أمام المنزلِ يزفرُ بغضب، يكفي مايشعرُ به من فراقِ معذِّبته، رجعَ بجسدهِ على الجدارِ وشردَ بذكرى ليلتهِ الوحيدةِ التي أُنعمَ بها بأحضانها، ليتهُ كان يعلمُ أنَّها نقطةَ اللقاءِ والفراقِ في ذلك الوقت، ربَّما دعا ربِّهِ أن تطولَ لتصبحَ سبعين خريفا، أغمضَ عينيهِ بعدما ضربت ذاكرتهِ تخيُّلاتهما مع بعضهما البعض، همسها باسمهِ الذي أذابهُ وجعلَ قلبهِ كطبولِ حرب، كوَّر قبضتهِ يشعرُ بالجنونِ وصدى صوتها كصدى عويلٍ جامح..حاوطَ رأسهِ بين راحتيهِ يضغطُ عليها علَّهُ يخرجُ من شرنقةِ ذكرياتهِ معاها، جذبَ الهاتفَ ونظرَ إلى رقمها ورسائلهِ التي لم تصلَ إليها، استمعَ إلى وقوفِ سيارةِ كريم أمامهِ وترجُّلهِ منها سريعًا:
-إيه اللي حصل في الحسين وفين إيمان؟…أشارَ إلى الداخل قائلًا:
-اهدى إيمان كويسة، قصَّ له ماصارَ ليشهقَ بفزع:
-معقولة يوصل به الحال يخطفهم علني..نفثَ دخانَ سيجارته:
-دا مش مجرَّد خطف بس، لا عايز يعرَّفنا أنُّه أقوى وقادر عنِّنا، وصل مرَّة لبيت كلِّ واحد فينا ودلوقتي يخطفها في وسطِ الحراسة
أومأ كريم متفهِّمًا لعبةَ راجح القذرة، ثمَّ حمحمَ متسائلًا:
-لسة مفيش أخبار عن رحيل؟.،
هزَّ رأسهِ بالنفي متمتمًا:
-أرسلان قالي هيوصلَّها، بس بعد اللي حصل النهاردة معتقدشِ أنُّه سأل، المهم عايز مدير حسابات كويس، ومحامي أثق فيه، علشان هنزل الشركة من بكرة، مش عايز تنهار في غيابها، غير لازم أواجه راجح، مدير أعمال رحيل اتَّصل وقال راجح طالب اجتماع،

ياإمَّا يشتكينا في المحاكم..
-وانتَ ناوي على إيه؟..
نفثَ دخان سيجارتهِ في الفراغ ونطقَ بشرود:
-على كلِّ خير إن شاءالله.
بسيارةِ إلياس وهو يتحدَّثُ بجهازه:
-شريف إنتَ فين؟..
-وراك ياإلياس، إنتَ متأكِّد العربية دي فيها رؤى؟..
-أيوة..قابلني من المنعطف وخلِّي بالك، لازم العيال دي تتمسك..
-راجح معاهم؟..تساءلَ بها شريف..
-معتقدتش مشفتوش، المهمِّ اقطع الطريق وخلِّي بالك من القنَّاص ليكون معاهم..
-تمام هوصل وأشوف أسلحته وأقولَّك..
-على خيرة الله ..
بعد فترةٍ وصلت السيارةُ إلى مصنعٍ مهجورٍ بالطريقِ الصحراوي…في حين توقَّفَ شريف بعدما فقدَ أثرهم إلى أن وصلَ إليه إلياس:
-إزاي، لازم يعدُّوا من هنا..
-معدوش، من وقت مافصلت معاك وإحنا هنا..
دارَ حول نفسهِ يمسحُ على وجههِ بغضبٍ مرَّة، ثم يركلُ عجلَ السيارةِ مرَّةً أخرى..
-يعني إيه؟..دول لازم يدخلوا هنا علشان يوصلوا الطريق الرئيسي..توقَّف عن الحديثِ وتراجعَ ينظرُ بمفترقِ الطرقِ التي تبعدهم بعض الكيلومترات..ركضَ إلى سيارتهِ يشيرُ إليه:
-تعالَ لازم ندخل الطرق المتطرِّفة دي، بدل ماعدوش من هنا يبقى مش هيوصلوا لفيلا راجح، دول غيَّروا سيرهم …

بعد دقائقَ توقَّفت سيارتهِ أمام أحدِ الطرقِ الفرعيةِ التي تؤدي إلى عددٍ من الاتِّجاهات…وصلَ أرسلان إليهِ بعد معرفتهِ بما صار..
توقَّفَ متخصِّرًا ينظرُ بكافَّةِ الطرق، ثمَّ حكَّ ذقنهِ وسحبَ نفسًا يشيرُ إلى أحدِ الطرق:
-دا رايح على مكان سكني، صعب يمشوا منه علشان الحملات الأمنية..ودا طريق زراعي آخره النيل، يبقى مفيش غير دا.. طريق لمنطقة صناعية معظمها مصانع..إيه رأيك؟..
-معنديش رأي ياأرسلان، لازم نمشي فيه لأنُّه فعلًا دا أكبر احتمال..
بعد دقائقَ وصلوا إلى ذلك المصنعِ المهجور، تفحَّصت أعيُن َالجميعِ المكانَ بالكامل..
ترجَّلَ أرسلان مبتعدًا عنهم، وتجوَّلَ بخبرتهِ يتفحُّصُ المكانِ بعينِ المخبر، بينما ظلَّ إلياس وشريف في مكانٍ مظلمٍ إلى حدٍّ ما مع فريقهم الأمني..وصلَ أرسلان إلى أحدِ المصانع، توقَّفَ أمام حارسها:
-معلش يابلدينا، أنا توهت في المكان، كنت جاي أقابل راجل.. صاحب مصنع هنا عارضه للبيع، وعربيتي عطلت، متعرفشِ ورشة هنا؟..
أجابهُ الحارس:
-المكان دا كلُّه مصانع يابني، مفهوش ورش..
-طيب متعرفشِ المصنع اللي هنا معروض للبيع فين؟..أو فيه شارع يخرَّجني على العمومي يمكن ألاقي ورشة ولَّا حاجة..
-لا يابني، الشارع دا بس، اللي هنا مصانع شغالة زي ماإنتَ شايف، ومفيش حد بيبع مصنعه..
تنهَّدَ أرسلان متسائلًا:
-يعني المصانع دي كلَّها شغالة ومفيش حاجة واقفة فيها؟..شردَ الرجلُ لبعضِ اللحظاتِ ثمَّ أردف:
-هوَّ فيه مصنع بس دا قديم أوي، يعني مش عارف صاحبه هيبيعه ولَّا لأ..
-أيوة ماهو كان قايلي أنُّه قديم، أنا عايز حاجة زي كدا..ألاقيه فين المصنع دا؟..
أشارَ إليهِ الرجل:
-بص هتمشي من هنا يمين، بعدين هتاخد شمالك وعلى أوَّل شارع هتلفِّ يمين..هتلاقي المصنع في الوش..

-شكرا يابلدينا..قالها وهو يخرجُ بعض النقودِ يعطيها للرجلِ ثمَّ ربتَ على ظهرهِ شاكرًا، وتحرَّكَ إلى المصنعِ الذي وصفه، ليصلَ إليه يتفحَّصهُ بمكانٍ مظلمٍ من خلالِ منظاره، ضغطَ على شفتيهِ يهمسُ لنفسه:
-مصنع أحذية، ودا بتاع مين ياترى؟..والعيال دي جت هنا صدفة ولَّا مرتبينها؟..
رفعَ هاتفهِ وحدَّثَ أحدهم:
-اعرفلي المصنع دا بتاع مين بسرعة، وقفل إمتى وليه قفل، كلِّ حاجة وأنا معاك خمس دقايق..قالها وأغلقَ الهاتفَ ثمَّ هاتفَ إلياس:
-انزل من العربية..قالها ثمَّ وصفَ إليه المكان..
دقائقَ معدودة ووصلَ إليه، أشارَ لمحاصرتهم للمصنع ودخولهم بهدوءٍ بعدما علمَ لمن يكون ..
بالداخلِ عند رؤى:
توقَّف أمامها رجلًا ذو بنيةٍ ضخمةٍ يشيرُ إلى الهاتف:
-تحدَّثي أيَّتها الساقطة..نظرت إلى الهاتفِ لتظهرَ صورةَ راجح أمامها:
-دا اتفاقنا يابنتِ راجح، تبعيني..
-أنا مش بعتك، بس مقدرتش، ميرال مالهاش ذنب، ولا الياس، ليه عايز تخطف ابنهم؟..إنتَ جدُّهم، ليه انا مش مصدَّقة اللي بتقوله؟..مستحيل طنط فريدة تعمل كدا، نسيت أقولَّك، أنا عارفة كلِّ حاجة..إنتَ ضحكت عليَّا، أنا مكنتش طالبة غير حمايتك وأحسِّ إنِّ ليَّا عيلة..
-يعني إيه يابنتِ سمية؟..هتطلعي تحفة زي أمِّك وتمثِّلي الفضيلة، هتتصلي بإلياس علشان ينقذك، ياأمَّا وحياة أمِّك الغالية هخلِّي التيران اللي عندك دول يتسحَّروا عليكي، سمعتي يابت؟..ياله اتِّصلي بيه خلِّيه يجي ينقذك، وبعد كدا اتِّصلي بميرال وعرَّفيها أنُّه هيموت لو مجاتشِ في المكان دا..
سقطَ الهاتفَ منها وبدأت تبكي:
-مش هتِّصل بيه، وعايز تموِّتني موِّتني، إنتَ طلعت زي مابيقولوا عليك..
-مارتن عرَّفها إزاي تعصي أوامري، هدية منِّي ليك بس بالراحة عليها..قالها وأغلقَ الهاتف…ربي ماذا يحدث قرائي الاعزاء، هل كلَّ من أنجبَ أبًا، بلى قرَّائي، فليس كلَّ من أنجبَ يُسمَّى أبًا..

فأن يكونَ لك أبًا سيِّئًا قد يكونُ جرحًا، ولكن أن تتعلَّمَ ألَّا تكونَ مثله هو أعظمُ الانتصارات، فالأبوُّةُ أفعالٌ وحنان، الأبوُّةُ أن تعلِّمني كيف ألجأُ إلى الحقِّ والصدق، وليس أن أنحرفَ عنه..
الأبوُّةُ طمأنينةٌ تُزرعُ بالقلب، ضوءًا ينيرُ طريقك، يحملُ عنك ثقلَ الأيامِ دون أن تشعر..
الأبُ حبِّهِ لا خيانةَ به، يدًا تحتضن، وجرحًا يلتئم ودفئًا للبرد، وكتفًا يُستند، قلبًا يسامحُ دون مقابل، يدًا تمتدُ بالعطاءِ دون انتظار،
أفعالًا تبقى في الذاكرة خالدة، حبًّا صادقًا دون بوح، ومشاعرَ فيَّاضةً دون وجع..
فقسوة القلب من علامات غضب الله تعالى على الإنسان؛ لأن هذه القسوة تظهر بسبب كثرة المعاصي والذُنوب، ويُعاقب الله تعالى صاحبها بنزع الرحمة من هذا القلب القاسي، وجاء عن مالك بن دينار أنه قال: “قسوة القلب عقوبةٌ للعاصي، ونزع الرحمة منه دليلٌ على غضب الله تعالى من صاحبه”…
اللهم ارزقنا الرحمة والرضا والغفران يارب العالمين ..وعافنا واعفو عنا”
اللهم لا تسلط علينا انفسنا، اللهم أعنا على أنفسنا واجعلنا اولادنا قرة اعيننا
“اللهمَّ ارحم والدي رحمةً واسعةً واجعل قبرهِ نورًا وضياء.”
.
تراجعت بجسدها تبكي بشهقات بعدما اقتربَ منها الرجل:
-ماذا بكِ أيَّتها الساقطة..بتر حديثه عندما استمعَ إلى طلقاتٍ نارية:
هبَّت من مكانها تصرخُ باسمِ الياس، دفعها الرجلُ بقوَّةٍ لتصطدمَ بالحائطِ حتى هوت متأوِّهةً في الارض، تحرَّكَ للخارجِ وتمَّ تبادلُ النيران..دقائقَ عصيبة لتنجحَ قوُّاتُ الشرطة بالسيطرة، دلفَ أرسلان يبحثُ عن رؤى، بينما تحفَّظَ إلياس على ذلك الشخصِ قائلًا:
-علمتُ أنَّك تبحثُ عنِّي، فوصلتُ إليك أقرب حتى لا تشعرَ بالتعب..
تهكَّمَ الرجلُ بالسخريةِ من حديثه:
-لا تقلق، يبدو أنَّك شجاع..
-بلى..يبدو أنَّك الضعيف أيُّها الخنزير..

حاوطَ أرسلان جسدَ رؤى التي تتحرَّكُ بصعوبة، وقعت عيناها على إلياس الواقفِ أمام ذلك الجدارِ البشري..همست اسمه، اتَّجهَ بنظرهِ إليها:
-أهلًا أستاذة رؤى، حمدَالله على السلامة، يارب الضيافة تكون نضفك عقلك الزبالة، قرَّبي حسابنا بعدين..هزَّت رأسها باكية تتمتم:
-واللهِ ماعملت حاجة..استدارَ يشيرُ إلى فريقه:
-خدوا المجرمين دول، وخلُّوا بالكم من عريس الليلة، وياريت بسلاحه الحلو دا.
-لن أصمتَ عن أفعالكم الشنعاء، سوف..قاطعهُ إلياس وهو يصفعه بسلاحه وثار زعابيب غضبه:
-صوتك مزعج أيُّها العربجي..
خدوا الحيوانات دي من هنا..وقعت عينُ رؤى على أحدِ المتسلِّلين موجِّهًا سلاحهِ على صدرِ إلياس، دفعت أرسلان وركضت باتِّجاههِ لتقفَ أمامهِ وتتلقَّى تلك الرصاصة التي اخترقت صدرها، حدثَ هرجٌ ومرجٌ ومحاولةِ المجرمينَ الهروب.. ولكن تمَّت السيطرةُ على الوضعِ بعدما أطلقَ أرسلان رصاصتهِ بذلك الرجل حينما لمح َأثره..بينما نظرَ إلياس إلى رؤى التي سقطت بين ذراعيهِ ودموعها تنسابُ تهمسُ بخفوت:
-سامحني، واللهِ ماعملت حاجة..قالتها وأغلقت عينيها..حملها سريعًا يصيحُ بشريف:
-العيال دي تتاخد عندنا، مش عايز تدخل من الشرطة..قالها وغادرَ المكان وهو يحملها بين ذراعيه.
بعد قليلٍ وصلَ إلى المشفى..ترجَّلَ من السيارةِ سريعًا، متَّجهًا إلى الداخلِ
يحملها باقترابِ أحدِ المسعفين بالسريرِ المتحرِّك..
قبل وصول ارسلان إلى إلياس …
وصلَ أرسلان إلى فيلا السيوفي، ترجلت ميرال إلى الفيلا بحالةٍ من الانهيار، قابلها مصطفى الذي علمَ بما صارَ من الفريقِ الأمني:
-حبيبتي فين جوزك؟..رفعت عيناها التي غطَّتها الدموع:
-معرفشِ ياعمُّو، كانو خاطفين إسلام ورؤى، أنقذوا إسلام وهوَّ معرفشِ راح وراهم..وصلت فريدة تلهثُ بعدما دلفت المربية بيوسف يبكي وعلمت ماصار، نظرت في كافَّةِ الأرجاء، رأت سيارةَ أرسلان تغادرُ المكانَ بأقصى سرعة، اقتربت من ميرال وأمسكت ذراعيها:
-إلياس فين؟..وأرسلان راح فين؟..

انسابت عبراتها بصمت، تهزُّ رأسها بالجهل..حاوطَ أكتافها مصطفى وسحبها للداخل:
-حبيبتي، اهدي شوية وهيرجعوا إن شاءالله، والحمدُلله إنِّ يوسف معاكي..
توقَّفت تنظرُ إليه:
-هوَّ فيه أب يعمل في بنته كدا؟! أنا مش مصدَّقة الراجل دا إزاي يكون منزوع منه الرحمة كدا، وكمان في رمضان!!
ربتَ على ظهرها:
-دا مش أبوكي حبيبتي، ادخلي وحاولي تهدي علشان ابنك، اتَّجهَ بنظرهِ الى فريدة:
-خديها واعمليلها حاجة تشربها، وأنا شوية وراجع..
توقَّفت أمامهِ مذعورة:
-إنتَ رايح فين؟..كفاية الولاد..
-فريدة بلاش جنان، لازم أعرف إيه اللي حصل، إنتي ناسية دا شغلي، شوفي بنتك المنهارة وحفيدك اللي بيعيَّط..قالها وتحرَّكَ سريعًا متَّجهًا إلى سيارته..
جلست فريدة تجذبها لأحضانها تحاولُ تهدئتها، رغم أن بداخلها انهيارًا يؤدي إلى موتها ، فكلَّما تذكَّرت ماصار ينتفضُ قلبها رعبًا على أبنائها..مرت الساعات ثقيلة على قلب فريدة رغم محاولة غادة التخفيف عليها، تظاهرت أنها على مايرام حتى لا تدخل الريبة إلى قلب ميرال، نهضت من مكانها تقف في الشرفة وتدعي الله بسريرتها أن يحفظ ابنائها وزوجها، استدارت بعدما استمعت إلى شهقات ميرال تهمس باسم إلياس..اقتربت وجلست تحاوط جسدها بأحضانها
-حبيبتي إن شاءالله هيرجع كويس..رفعت عيناها المبتلة بدموعها
-مش هيسيبه ياماما، هو قالها وحلف لي مش هيسيبه …رغم انتفاضة قلبها وذعره إلا أنها ملست على خصلاتها
-مش هيقدر حبيبتي اللي خلى ربنا حفظهم اكتر من تلاتين سنة، هيخلي واحد قلبه مليان بالحقد زي راجح يقدر عليهم، انا واثقة في ايماني بربنا
قاطعهم صوت سيارة ارسلان، لتهتف غادة …ارسلان جه ، هبَّت من مكانها حينما علمت بوصوله، نظرت خلفه:
-فين إلياس ياأرسلان؟..
أشارَ بيديهِ أن تهدأ وأردفَ بدخولِ إسلام من الخارج:

-اهدي، هوَّ كويس، اقتربت فريدة تتطلَّعُ إليه بقلبِ الأمِّ المذعورة على فلذةِ كبدها:
-أخوك فين حبيبي؟ وليه مجاش معاك؟..
-حبيبتي هوَّ كويس، بس رؤى اتصابت
وهوَّ أخدها المستشفى..
شهقةٌ أخرجتها ببكاء:
-إنتَ بتضحك عليَّا ياأرسلان صح؟..أنا عارفة إنِّ راجح مش هيسيبه في حاله..
-تعالي ياميرال، هاتي يوسف الدكتور يشوفه، وتروحي لإلياس..
-أخوك كويس مش كدا؟..قالتها فريدة بلسانٍ ثقيل..
اقتربَ يقبِّلُ رأسها:
-واللهِ كويس ياستِّ الكل، لازم نطمِّن على يوسف علشان وقع، إلياس قال أخده للدكتور، وإن شاء الله رؤى إصابتها متكنشِ خطيرة..
-ياحبيبتي يابنتي وإزاي اتصابت يابني؟..
معرفشِ ياماما..لمَّا إلياس يجي اسأليه، وصلت إليهِ ميرال وهي تحملُ طفلها، تلقَّفهُ منها يشيرُ إلى المربية:
-خلِّيكي هنا..قالها وتحرَّكَ إلى الخارجِ وميرال تلاحقه..وصلَ بعد قليلٍ إلى المشفى، ترجَّلت سريعًا بجوارِ أرسلان الذي يلاحقُ خطواتها السريعة وهو يحملُ الطفل:
-ميرال اهدي، قولت لك جوزك كويس..
صعدت للطابقِ المنشودِ تاركةً إيَّاهُ
أمامَ غرفةِ العمليات كان يجلسُ منتظرًا انتهاءَ الطبيبِ من العملية، رفعَ نظرهِ بعدما ردَّدت اسمهِ في أوَّلِ الممر:
-إلياس..نهضَ من مكانهِ على تحرُّكها السريعِ الذي تحوَّلَ إلى ركضٍ مع دموعها وهي تُلقي نفسها بأحضانه:
-خفت عليك كتير، إنتَ كويس؟..
-اششش اهدي حبيبتي أنا كويس، زي ماإنتي شايفة كدا، المهم إنتي عاملة إيه؟..وفين يوسف؟..

دفنت نفسها بأحضانهِ كأنَّها تستمدُّ قوَّتها من هذا الحضنِ ولم تنطق بحرفٍ واحد، وصلَ أرسلان إليهما متسائلًا:
-رؤى عاملة إيه؟..
جذبَ ميرال إلى أحدِ المقاعدِ وأجلسها:
-ميرال إحنا كويسين، خلِّيكي هنا هاخد يوسف الدكتور يشوفه..
توقَّفت قائلة:
-هاجي معاك…أومأ لها وسحبها من كفَّيها ناظرًا إلى أرسلان:
-خليك هنا..أومأ موافقًا وتحرَّك، استمعَ أرسلان إلى رنينِ هاتفه:
-أيوة حبيبتي..تنهَّدت بهدوء:
-إيه الأخبار؟..إلياس ورؤى كويسين؟..
-أه حبيبتي، شوية وهعدِّي عليكي أخدك، ملك عاملة إيه؟..
-كويسة الحمدُلله، صلِّت ونامت أنا عندها في الأوضة، بس طنط صفية اللي قلقانة يبقى كلِّمها وطمِّنها..
-حاضر، خُدي بالك من نفسك لحدِّ ماأرجع لك..لا اله إلَّا الله..قالتها وأغلقت الهاتف..
جلسَ قائلًا:
-محمد رسولُ الله..مسحَ على وجههِ بهدوءٍ يعكسُ غضبهِ القابعَ بصدره، ظلَّ يهزُّ ساقيهِ نتيجةً لما يشعرُ به..دقائقَ واستمعَ إلى رنينِ الهاتفِ مرَّةً أخرى:
-مابقتشِ بتسمع الكلام، قدَّامك نصِّ ساعة وتكون عندي..
-حاضر..قالها وأغلقَ الهاتفَ يجزُّ على أسنانه:
-وبعدهالك ياإسحاق، نفسي أعرف ليه بتبعد راجح عنِّي، هتحملَّك لحدِّ إمتى..متأكِّد إنَّك اللي ورا هروبه كلِّ مرَّة، بس ليه؟..
تراجعَ بجسدهِ يرجعُ خصلاتهِ بغضبٍ مع زفرةٍ حارقة:
-أخرتك قرَّبت ياراجح، أقسم بربِّ العزَّة محدش هيرحمك منِّي..

بغرفةِ طبيبِ الأطفال..بعدما قام بفحصه:
-كويس مفهوش حاجة..
-بس دا وقع على راسه يادكتور..قالتها ميرال بريبة..ابتسمَ الطبيبُ مجيبًا:
-عادي الأطفال بيوقعوا من فوق السرير، هوَّ عنده قدِّ إيه دلوقتي؟..
-أربع شهور وأسبوعين…قالها إلياس دون تفكير..رفعت رأسها تنظرُ إليه مبتسمةً على أنَّهُ يعلمُ عمرَ ابنه..اقتربَ يمسحُ على خصلاتهِ الناعمة:
-مفيش ضرر من الوقعة يادكتور؟..
-لا هوَّ كويس، مفهوش حاجة، هكتب له على شوية فيتامينات علشان يقوِّي الكالسيوم كمان..
بعد فترةٍ وصل إلى غرفةِ العناية التي تُحتجزُ بها رؤى، توقَّفَ أرسلان على دخوله ينظرُ بساعةِ يده:
-لازم أمشي دلوقتي، أنا مسافر بكرة، خلِّي بالك من نفسك، ومش عايز خناقات مع راجح لحدِّ ماأرجع..
ابتسمَ إلياس وجذبهُ من ذراعهِ متحرِّكًا للخارجِ بعدما أشارَ إلى ميرال بالدخول:
-خلِّيكي هنا هنزل خمس دقايق وراجع،
الحرس برَّة متخافيش..ضمَّت ابنها وخطت إلى سريرِ رؤى، نزلت ببصرها على رقودها، جذبت المقعدَ وجلست بجوارها وهي تضمُّ ابنها..بسطت كفَّها تزيحُ خصلاتها من فوقِ عينيها، لا تعلمُ لماذا رقَّ قلبها إلى سكونها بدونِ حركة، لماذا أخذها راجح بانتقامه؟. ألم يلين قلبَ الأبوَّةِ الذي بداخلهِ على ملاكهِ البرئ..انفرجت شفتيها بابتسامةٍ ساخرةٍ تتذكَّرُ مافعلهُ بها، تهمسُ لنفسها:
-وليه تصعب عليه؟..دا كان هيقتل ابني في بطني، إزاي الراجل دا جامد أوي كدا؟!!..
استمعت إلى خطواتِ إلياس خلفها، نهضت من مكانها وعيناها على جسدِ رؤى الساكن:
-هيَّ إصابتها خطيرة؟..حاوطَ خصرها يجذبها إليه، ثمَّ ضمَّها بأحضانهِ هي وطفلهما هامسًا بصوتٍ عميق:
-وحشتوني أوي..رفعت رأسها تنظرُ لداخلِ مقلتيه:
-وحشناك ولَّا خوفت علينا؟..سحبها للخلفِ إلى أن هوى على السريرِ المقابلِ لفراشِ رؤى:

-الاتنين ياميرال، لازم أقلقك يعني..ملسَ على رأسِ طفله ثمَّ جذبهُ من بين ذراعيها:
-هاتيه بدل نام..وضعهُ بهدوءٍ وعيناهُ تفترسُ ملامحه، مرَّرَ أناملهِ على تورُّمِ وجنتيه..كوَّرَ قبضتهِ كلَّما تذكَّرَ أنَّه كان سيخسره..تعمَّقت بمقلتيهِ وذهبت ببصرها لكفِّهِ الذي يضغطُ عليه..فتراجعت بجسدها تدفنُ نفسها بأحضانه، ثمَّ رفعت يديهِ تلفَّها حولها:
-خوفت عليك أوي حبيبي، كدا تمشي من غير ماتطَّمني عليك؟..طيب مش خوفت علينا؟..تراجعَ بجسدهِ يجذبها لأحضانه، وتنهيدةٌ عميقةٌ من جوفِ آلامه على ماشعرَ به منذ ساعاتٍ قليلةٍ قائلًا بهمسٍ مرهق:
-لو كنت شاكك واحد من عشرة هيصيبك أذى بعد ماأمشي ماكنتش مشيت..تمسَّحت بصدرهِ كقطَّةٍ أليفةٍ تحاولُ أن تمنعَ دموعها أمامهِ لتتساءل عمَّا صار برؤى..
قصَّ لها ماصار ..هبَّت معتدلةً تتساءلُ بذعرٍ تجلَّى بملامحها:
-يعني لو موقفتش قدَّامك كنت زمانك…
اعتدلَ يحاوطُ وجهها وحاولَ امتصاصَ خوفها:
-ميرال..العمر أقدار بإيد ربِّنا، أوعي تفكَّري رؤى أنقذتني، لسة ليَّا عمر وأجل، ومهما أعمل احتياط لو ربِّنا رايد أموت في حضنك دلوقتي هموت.
شهقةٌ أخرجتها وهي تضعُ كفَّيها فوق خاصَّتهِ تهمسُ بدموعٍ لم تتحكَّم بمنعها:
-اسكت ياإلياس، مش عايزة أسمع حاجة، قالتها وارتفعَ صوتُ بكاءها..ضمَّها لأحضانه، ثمَّ طبعَ قبلةً عميقةً فوق جبينها:
-مش بقول كدا علشان تعيَّطي، بعرَّفك إنِّ الأعمار بيدِ الله، سبيها على ربِّنا أوعي تفكَّري حد بيحمي حد من الموت تمام ..
لفَّت ذراعيها حول خصرهِ ووضعت رأسها بصدرهِ وكأنَّها صمٌّ بكمٌ لا تستطيع أن تسمعَ أو تنطقَ بشيئ، لا تريدُ سوى أن تشعرَ بحنانِ أحضانه..نظرَ بساعته، فتمدَّدَ على الفراشِ وجذبها لأحضانهِ يمسِّدُ على ظهرها:
-حاولي تنامي شوية..استرخي وانسي أيِّ حاجة..افتكري حاجة واحدة بس ابنك في حضنك وكويس ودا أهمِّ حاجة…أغمضت عينيها تريدُ أن تصرخَ بوجههِ أنَّهُ أهمُّ من كلِّ الأشياءِ التي تمتلكها..رفعَ أناملهِ يحرِّرُ خصلاتها من تحت حجابها، ثمَّ تخلَّلت أناملهِ بها يمشِّطها وسحبها بقوَّةٍ حتى لم يفصل بينهما سوى أنفاسهما، وأغمضَ عينيهِ ليذهبَ بنومهِ دون مجهود..بينما ظلَّت مستيقظة، رفعت ذقنها على صدرهِ تنظرُ إلى ملامحهِ الرجولية، ثمَّ مرَّرت أناملها على وجههِ تدفنُ رأسها بعنقهِ تحمدُ ربَّها أنَّهُ موجودًا بحياتها، استمعت إلى رنينِ هاتفه، لتجذبهُ من سترتهِ التي قامَ بخلعها ووضعها على الفراشِ بجواره:

-أيوة ياماما، لا كويسة هيَّ نايمة، في العناية بس الحالة مستقرَّة..نظرت إلى إلياس الغافي وتابعت حديثها:
-نايم لمَّا يصحى هخلِّيه يكلِّمك، واللهِ ياحبيبتي نايم، هوَّ كويس، والصراحة صعبان عليَّا مش عايزة أصحِّيه، ابتسمت على طفلها الذي يتثاءبُ وأكملت:
-أه حبيبتي يوسف زي الفل، ونايم بيتاوب كمان، لحظة هصوَّرهم وأبعتها..
حملت يوسف ووضعتهُ فوق صدرِ والده، وتراجعت ملتقطةً صورةً تجمعهما، ثمَّ أرسلتها إلى فريدة:
-شوفي ياستِّ ماما ابنك وحفيدك، اتأكدي من الصورتين كدا، إلياس الكبير وإلياس الصغير..مرَّرت فريدة أناملها على صورتهما وابتسمت قائلة:
-ربِّنا يباركلك فيهم ياحبيبتي، متنسيش تتسحَّروا، أوعي تنامي علشان مترحشِ عليكي نومة، خلِّي حدِّ من الولاد ينزلوا يجبلكم سحوركم، ولَّا أبعت لكم حاجة..
-لا حبيبتي، ساعة بس إلياس ينام شوية وأصحِّيه..تصبحي على خير..
قالتها واتَّجهت ببصرها لمتيِّمِ قلبها وطفلها الغالي..أمالت تقبِّلُ جبينه، ثمَّ وضعتهُ بمكانهِ تداعبُ وجنتيه:
-حبيب مامي عايز ينام، رفرفَ الطفلُ أهدابهِ ثمَّ فتح عينيهِ مبتسمًا، حملتهُ واعتدلت بجلوسها تهمسُ إليهِ بخفوت:
-الصغنَّن مش جعان ولَّا إيه، لازم نتغذَّى كويس علشان صحِّتنا تبقى كويسة أوي أوي أوي..قالتها وهي تداعبهُ بأنفها، رفعَ الطفلُ كفَّيهِ يحاوطُ وجهها ويبتسم..أعدلت نومهِ وقامت بإرضاعهِ ونظراتها ترسمُ كلَّ إنشٍ به، ثمَّ تنظرُ لذاك الغافي..انتهت من إطعامه، ثمَّ وضعتهُ بمكانه، وتمدَّدت تستندُ على مرفقيها تداعبهُ بصوتها الحنون، إلى أن فتحَ إلياس عينيهِ ينظرُ إلى ظهرها الذي تواليهِ به..وهي تهمهمُ بصوتها الرقيقِ حتى غفا الطفل، اعتدلَ جالسًا وذهبَ ببصرهِ إلى رؤى، نهضَ من مكانهِ متَّجهًا إليها بعدما استمعَ إلى همهماتها..توقَّفت معتدلةً وتساءلت:
-فيه حاجة ولَّا إيه؟!
لا مفيش، تأثير المخدِّر، هنزل أجيب لك حاجة تاكليها قبلِ الفجر..
-اسمها هتجبلنا ياحبيبي مش أجبلك..أشارَ إلى الحجاب:
-البسي حجابك علشان هخلِّي الدكتور يجي يشوف رؤى..
بعد فترةٍ انتهت من طعامها وكعادتها محاولاتها بتناولهِ لبعضِ الطعام …
مرَّت الساعاتُ إلى أن فتحت رؤى عينيها بضعف..تنظرُ حولها تهمسُ باسمِ إلياس..وقعت عيناها على الفراشِ المقابلِ وجدته غافيا بأحضانِه ميرال..أغمضت عينيها مرَّةً أخرى وفتحتها اعتقادًا أنَّها تحلم، ظلَّت نظراتها عليهما، لتنسابَ عبراتها تبتعدُ بنظراتها عنهما..تململَ بنومهِ ثمَّ فتحَ عينيهِ ينظرُ إلى سريرها بعدما استمعَ الى شهقاتها ..أعدلَ ميرال يضعُ رأسها فوقَ الوسادةِ ثمَّ نهضَ متَّجهًا إليها:

-حمدَالله على السلامة..
أومأت بعينيها دون حديث..أمالَ بجسدهِ مقتربًا منها:
-حاسة بإيه؟..فيه حاجة بتوجعك؟..
هزَّت رأسها بالنفي وحاولت التحدُّثَ ولكنَّها لم تقو..ربتَ على ذراعها:
-خلاص اهدي وبطَّلي عياط، شوية هشوف الدكتور، الرصاصة بعيدة عن الصدر يعتبر قريبة من الكتف..الحمدُ لله مجتشِ في الصدر..
استيقظت ميرال على صوتِ إلياس فاعتدلت سريعًا متَّجهةً إليها:
-رؤى حاسة بإيه؟..ألف سلامة عليكي.
-أنا كويسة، بس صدري وجعني..
ملَّست على شعرها بحنانٍ وتمتمت:
-معلش حبيبتي مكان الرصاصة، بس الحمدُلله الدكتور طمَّني إمبارح وقالِّي مش خطيرة، ياله فوقي بسرعة علشان فيه حاجات كتيرة نعملها مع بعض..
انسابت عبراتها تنظرُ إلى إلياس وتمتمت:
-أنا مش خاينة، أنا رحت له أه..أشارَ بسبباته:
-مش عايز أسمع حاجة، اهتمي بصحِّتك دا أهمِّ حاجة دلوقتي..قالها وتراجع يسحب ميرال بعيدًا، جمع خصلاتها المتناثرة، واغلق ثيابها
-لما تكوني نايمة وقت ماتقومي تبصي على هدومك يامدام ..ذهب ببصره إلى طفله
-الواد دا مفجوع على طول كدا
ابتسمت تلكزه
-ابعد عن الولد، اياك تغلط فيه، دا حبيب مامي ..ضغط على خصرها حتى صرخت واردف
-حبك ..وضعت أناملها على شفتيه قبل أن ينطق قائلة:
-حبني إلياس وبس ..تعرف تقول كدا

رفع حاجبه ساخرا من كلماتها
– هو انت ليه بتحسسني اني اخرص، اتعدلي علشان انا صايم
-طيب الصايم له وقت بيفطر يااستاذ صايم عايزة اعرف هتعمل ايه
استمع الى طرقات على باب الغرفة، فأشار إليها بالحركة
عند ارسلان
نهض من مكانه على اتصالات اسحاق التي لم تنقطع، جذب هاتفه وتحرك للخارج، استقل سيارته يهاتف أحدهم
-فين دلوقتي!!
-تمام ..قالها واغلق الهاتف وتحرك إلى وجهته، بعد دقائق وصل إلى أحد المنازل التابعة إلى راجح بعدما علم بوجوده بها..بداخل المنزل كان يجلس مع أحدهم يتحدث بأحد أعماله ..قاطعه أحد الرجال
-ارسلان الجارحي دخل بالعربية الساحة ياباشا..هب من مكانه يشير إليهم
-اياكو يدخل بأسلحة سمعني لو رفض موتوه ..لم يكمل حديثه بعدما دفع الباب بقدمه ووصل إليه بخطوة يدفعه بقوة حتى سقط على المقعد، انحنى يحاوط جسده وهمس بفحيح واعين تطلق لهيبا من النيران
-عد ايامك على الدنيا ياراجح ياشافعي، علشان انا اتحملتك اكتر من اللازم، وحياة رحمة ابويا اللي مشفتوش لادفنك بايدي حي، هدوقك مرارة ايام، هخلي عيشتك نار ..قالها وهو يخرج قداحته ولم يستغرق ثواني ليرفعها إلى خصلاتها يشعلها، ليهب يصرخ يشير إلى حرسه الذي أصابه ارسلان برصاصة اخترقت صدره دون نقاش، والتفت إلى الرجل الجالس يغمز له
-حلو الرصاصة دي اخر واحدة في المسدس عايزها ولا اديها لصاحبك
صرخ راجح الذي اشتعلت النيران برأسه ليتجه إلى المرحاض سريعا..أشار ارسلان إلى الرجل بالخروج ثم اقترب من مكتب راجح وقام بإشعال النيران به ثم خرج من المنزل وكأنه لم يفعل شيئا تاركا راجح بالداخل
بفيلا راجح بعد ساعات:

ترجَّلَ من السيارةِ تقطعُ خطواتهِ الأرض، وصلَ إلى الداخل:
-فين رانيا؟..تساءلَ بها..
أجابتهُ الخادمة:
-خرجت ياباشا، أشارَ إليها بالخروجِ ثمَّ رفعَ هاتفه :
-المدام فين؟..
– فيلا الدمنهوري ياباشا بقالها ساعة جوَّا..ألقى الهاتفَ بالجدارِ حتى سقطَ متهشِّمًا، وبدأ يدورُ حولَ نفسه:
-آه ياحيوانة، بس الحقِّ مش عليكي، الحقِّ عليَّا إنِّي سامحتك من أوَّل مرَّة، بتلعبي عليَّا يارانيا، عايزة تضحِّي بيَّا مع اللصِّ بتاعك..طيب اصبري عليَّا..
اتَّجهَ إلى جهازهِ وهاتفَ المحامي الخاصّ به:
-عايز الحسابين يكونوا حساب واحد..
صمتَ وتساءل:
-معرفتش بنتِ المالكي فين؟..
-بندوَّر ياباشا..صاحَ بغضبٍ وهدرَ معنِّفًا إيَّاه:
-صحصح يامتر، البنتِ دي لازم تظهر وإلَّا هغرق البضاعة لازم تخرج على الشحن قبلِ مالحكومة تشمِّ خبر.
-اهدي ياراجح، أنا بدوَّر عليها ويزن السوهاجي قالب الدنيا عليها، فياريت تهدى كدا، علشان هيَّ لازم تظهر..
-طيب اسمعني، الحساب المشترك مع رانيا حوِّله كلُّه لحسابي اللي في سويسرا، أه وإيَّاك تشكِّ في حاجة..
وصلت لإيه في قضية طارق؟..قولت هنشوف حدِّ يساعدنا وبقالك شهرين ولا حس ولا خبر..
-هيحصل، بس فيه حاجة جت في بالي هتكون مكسب للكل..
أنصتَ إليهِ قائلًا:
-سامعك…حمحمَ المحامي قائلًا

-تتصالح مع ابنِ السيوفي، أنا شايف دا لمصلحتك، قاطعهُ مزمجرًا:
-تعرف تسكت ولَّا لأ، ابنِ السيوفي خسَّرني كلِّ حاجة، ومش بس كدا، خرب بيتي واتفق مع ابنِ السوهاجي ونقل أملاكي باسمه، وبتقولِّي أتصالح معاه!! دا لازم يموت.. والتاني ولع في المكتب اللي فيه كل المخططات
-راجح إنتَ اللي هتكسب، قولِّي كدا هتكسب إيه لو قتلته؟..
أطلقَ ضحكةً وتوسَّعت أعينهِ بالغدرِ والخسَّة:
-لأنُّه السبب في تدمير راجح، راجح بقى عند الكلِّ واطي ومجرم، أمُّه أخدت شبابي وولادي يامتر، وهوَّ كمِّل على سمعتي، أنا مكنشِ قصدي نوصل لكدا، بس همَّا اللي بدأوا والبادي أظلم، هاخد حقِّي منهم واحد واحد، وأوَّلهم فريدة لمَّا أحسَّرها على ابنها وأطفِّي ناري، وأقطع نسلِ الغالي من الدنيا ..قالها وأغلقَ الهاتفَ يجلسُ على المقعدِ يحتوي رأسهِ بين راحتيه:
-لازم أقطع نسلك ياجمال، وحياة كلِّ وجع اتوجعته بسببك لازم أقطع نسلك، عملت لك إيه علشان تعمل فيَّا كدا؟..كنت ليك أخ وسند، وفي الآخر تعمل في أخوك كدا..ياخسارة يابنِ أبويا، أخدتني بذنبِ أمِّي..بس يالَّه ابنك بردو هياخدوا بذنبك..
دلفَ رجلًا ذو بنيةٍ ضخمة:
-المصنع انكشف ياباشا، وقدروا يوصلوا للبنت..
هبَّ من مكانهِ ولم يشعر بنفسهِ سوى وهو يجذبُ سلاحهِ ويطلقُ رصاصتهِ لتستقرَّ بصدرِ الرجل، وصرخَ يحطِّمُ كلَّ مايقابله..
عند رانيا:
جلست تحتسي مشروبها أمامَ أحدِ الرجال:
-وبعدين بقى، هنفضل نعيد في الموضوع، قولت لك مش عايزة راجح يموت دلوقتي، وهوَّ لو شاكك فيك كان زمانه قالِّي..نهضَ من مكانهِ واتّّجهَ إلى ماحرَّمهُ الله يسكبهُ بكأسه، ثم تجرَّعهُ مرَّةً واحدة، مسحَ فمهِ بظهرِ كفِّهِ ينظرُ إليها نظراتٍ جحيمية:
-لحدِّ إمتى يارانيا؟..أنا صبرت عليه علشان كنت مفكَّر أنُّه ميعرفشِ إنِّ أخوه هوَّ السبب في قتلِ أبويا..توقَّفت وخطت إلى وقوفهِ تستندُ على ظهرهِ تتلاعبُ بثيابه:
-إنتَ وعدتني مش هضُرُّه، وأنا مكنتش أعرف واللهِ ياحبيبي، مش عايزة تعب السنين دي كلَّها يعدِّي، خلينا نصبر لحدِّ مايخلَّص على ابنِ فريدة الأوَّل..

حاوطَ جسدها يجذبها بقوَّةٍ لحضنهِ وضغطَ عليه:
-ابنِ جمال يارانيا مش ابنِ فريدة لوحدها، ومتفكريش هسيب الواد اللي شبه أبوه، هيجي دوره بس نخلص من المصيبة الكبيرة..
-وبعدين بقى هنرجع نزعل من بعض، حاوطت عنقهِ تملِّسُ عليهِ وأردفت بدلالٍ أنثوي:
-إحنا اتفقنا وإنتَ وافقت، رانيا مالهاش خاطر عندك..قالتها بغنج..ليقتحمَ ثغرها كالمفترسِ يدفعها بقوَّةٍ ليفعلَ ماحرَّمهُ الله…
بعد فترة جلست على الفراشِ تنفثُ سيجارتها تنظرُ له:
-عندي خطَّة حلوة هتخلِّينا نضرب عصفورين بحجر واحد، بسِّ ياريت المرَّة دي تسمع كلامي ومش تنفِّذ من دماغك، علشان إنتَ السبب في اللي إحنا فيه، لو سمعت كلامي من الأوَّل كنا زمنَّا مرتاحين..
شحنة الأسلحة اللي راجح حاطط فيها كلِّ فلوسه، دي هيخرَّجها في بضاعة العمري على إنَّها أجهزة إلكترونية، بلاغ لابنِ فريدة بمكان البضاعة في وجود راجح..طبعًا مش هيصدَّق يمسك عليه حاجة، وهنا واحد هيخلَّص على التاني؛ وإحنا نخلَّص على الباقي والحجَّة قتلوا بعض بسببِ الماضي، وإحنا نخرَّج البضاعة ولا من شاف ولا من دري…إيه رأيك؟..
-اسكتي يارانيا، عارفة لو عمِّي عرف الهبل اللي بتقوليه دا، أوَّل حاجة هيعملها هيضربني برصاصة، إنتي ناسية الأسلحة دي شريك فيها، غير طبعًا راجح، اللي عمِّي بيركَّبه عليَّا، تفتكري هيضحِّي بيه؟..
-أوووه ماهو لازم تفكَّر مش هتفضل دلدول لعمَّك..أنا خايفة يكون هوَّ اللي قتل أبوك علشان ياخد مكانه مش جمال ولا راجح..
-قومي روحي يارانيا شكل دماغك لسعت.
بمنزلٍ قديمٍ بإحدى القرى النائية بمحافظةِ القاهرة..دلفت بعدما خلعت نظَّارتها تنظرُ لتلك المتكوِّمةِ بأحدِ الأركانِ تنظرُ بشرودٍ بنقطةٍ وهميَّة:
-ازيك يادينا..هبَّت مستديرةً تنظرُ إليها بجسدٍ منتفض، تراجعت بعيدًا عن مرمى بصرها وهي تحاوطُ جسدها..أفلتت أحلام ضحكةً صاخبة:
-اهدي ياستِّ دينا مش هعمل فيكي حاجة، بالعكس أنا جاية أتِّفق معاكي، ومش بس كدا هرجَّع لك ابنك..
نظرت إليها بصدمةٍ فأومأت أحلام برأسها:
-تتنازلي عن كلِّ حاجة كتبها إسحاق ليكي ولابنك، وكمان ترفعي قضية خلع عليه بدل رفض الطلاق، هوَّ فقد الأمل بعد ماقلب الدنيا عليكي، دلوقتي أنا عملت لك ورق مضروب، هتسافري ايران، شوفتي أنا كريمة إزاي، وكمان هتاخدي ابنك معاكي ومش عايزة أشوف وشِّك ولا وشُّه

-ابني عايش، معقولة عايش!!
-أيوة ومش حبِّ فيه، علشان لقيت ابني الذكي كاتب كلِّ أملاكه باسمه وفي حالة موته كلِّ أملاكه هتروح للجمعيات الخيرية..وعملك الوصي عليه، وإنتي هتتنازلي ياإمَّا مش هتشوفيه..
-فين التنازل دا؟..بس أشوفه الأوَّل..
رفعت هاتفها وأردفت:
-هات الولد وادخل يابني..
عند اسحاق:
استمعَ إلى رنينِ هاتفه:
-أيوة فيه جديد؟..على الجانبِ الآخر:
-أحلام هانم في قرية عند ستِّ بسيطة بتبيع سجاد يدوي، بس الغريب الستِّ دي عجوزة..
-اسمها إيه الستِّ دي بسرعة؟..
-منيرة الأحمدي..هبَّ من مكانه:
ردد الاسم بينه وبين نفسه، ثم أردف:
-طيب خلي بالك وشوفها بتعمل ايه، والست دي اعرف عنها كل حاجة
بمنزلِ آدم:
جلسَ بجوارها يحتضنُ كفَّيها، يراقبُ ملامحها بعيونٍ تفيضُ حبًّا، وكأنَّها أجملَ ما رأت عيناه…انتفضَ قلبهِ كلَّما تذكَّرَ أنَّهُ سيصبحُ أبًا، شعرَ بسعادةٍ لم يعهدها من قبل…لا يعلمُ هذا الشعورِ لأنَّهُ لم يكن مجرَّد طفلٍ قادم، بل كان جزءًا منها، قطعةً من روحهما معًا.
فتحت عينيها بتثاقل، فوقعت نظراتها عليه، لتجدهُ ما زال مستيقظًا، يتأمَّلها بابتسامةٍ لم تفارق شفتيه..رفعت يدها تلامسُ وجنتهِ برقَّة، فشعرَ بقشعريرةٍ تسري في جسدهِ من أثرِ لمستها..

– “إنتَ لسة صاحي؟” همست بها بصوتٍ ناعس، فابتسمَ أكثر، وقبَّلَ راحةَ يدها بحنان:
– “أنام إزاي بعد الخبر الحلو ده؟” قالها بصوتٍ أجشٍّ مليءٍ بالسعادة.
اعتدلت في جلستها تنظرُ إليه باستغرابٍ ممزوجٍ بدهشة، وكأنَّها لا تصدِّقُ فرحتهِ العارمة:
– “معقول، دا كلُّه علشان أنا حامل؟”
لم يمهلها فرصةً للحديثِ أكثر، سحبها برفقٍ بين ذراعيهٍ لتقبعَ في أحضانه، يستنشقُ عبيرها، يحاولُ حفظَ لحظةِ السعادةِ تلك للأبد..شدَّدَ من احتضانها، ثمَّ همسَ قرب أذنها بصوتٍ اختلطت فيه النشوةُ بالعشق:
– “مكنتش عايز غير كدا…يكون ليَّا ابن من البنتِ الوحيدة اللي حبِّيتها بعمري.”
شعرت بقلبها يخفقُ بقوَّة، رفعت رأسها لتنظرَ إلى عينيهِ التي تلمعُ بمزيجٍ من الحبِّ والفخر، لكنَّها سرعان ما غيَّرت نظرتها بخجلٍ وهي تهمسُ بتردُّد:
– “آدم، بجد فرحان؟ أصلي..مكنتش منتظرة الحمل خالص..وكنت باخد وسيلة، مكنتش جاهزة…”
رغم كلماتها التي أزعجتهُ ولكنَّهُ لن يغضب، بل طبعَ قبلةً طويلةً على جبينها، ثمَّ احتضنَ وجهها بين يديه، وأجبرها برفقٍ على النظر إليه:
– “حبيبتي، ربِّنا أراد..نحمد ربِّنا، وده أكبر رزق لينا، وأنا معاكي في كلِّ خطوة، مش هسيبك أبدًا.”
شعرت بالأمانِ من كلماته، و ابتسمت تجذبُ يدهُ تضعها على بطنها بحنان، حاوطَ جسدها ولمعت عيناهُ بالسعادةِ يردفُ بحنانٍ :
– “إن شاء الله هنجتاز كلِّ حاجة سوا، الحمل والكلية والتعب…عارف إنَّها هتكون فترة صعبة عليكي، بس واثق إنِّك قدَّها..وأنا معاكي، عمر ماهيكون في حاجة تقلقك طالما أنا جنبك.”
دمعت عيناها دون أن تشعر، لم تكن تتوقَّعُ كلَّ هذا الاحتواء..فوضعت يدها فوق يده، على بطنها، وأغمضت عينيها وهي تهمسُ بحب:
– “طول ما إنتَ معايا، مفيش حاجة تخوِّفني.”
فابتسمَ آدم، وهو يدركُ أنَّ هذه كانت بدايةً جديدةً لحياتهما، بدايةَ حبٍّ يكبر… تمامًا كما سيكبرُ طفلهما بداخلها.
توقَّفَ يشيرُ إليها:
-أحلى سحور لأحلى مامي، مش عايز حركة طول ماأنا موجود..أفلتت ضحكةً ناعمةً ليتوقَّفَ مستديرًا:

-لا، إحنا متفقناش على كدا يادكتورة، أولًا علشان ابننا يجي بخير وثانيًا إحنا في رمضان..
بعد عدة أيام بمنزلِ إلياس..
خرجت من المطبخِ بعدما أملت أوامرها على الخدم، دلفَ إسلام بجوارِ غادة:
-عاملة إيه ياأمِّ يوسف؟..ياربِّ الفطار يكون حلو ويتَّاكل بس.
خطت إليهما تأخذُ الوردَ من أيدي غادة:
-وإنتَ داخل عليَّا فاضي، مفيش حتى وردة..
اتَّجهَ إلى الأريكةِ وألقى نفسهِ عليها قائلًا بمزاح:
-لا تقيلة عليَّا، وبعدين علشان هتفطَّرينا عندك هتاخدي حقِّ الأكل؟..قطعَ حديثهم دلوفِ يزن بجوارِ إيمان ومعاذ..ركضت إليه:
-حمدالله على السلامة ياحبيبي..ضمَّها بحنانٍ أخوي:
-عاملة إيه حبيبتي؟..وحبيب خالو عامل إيه؟..هرولت غادة إليه بعد نزولِ المربيةِ تجذبه:
-حبيب عمِّتو ..أنا جيت ياروحي..وصلت إليها إيمان:
-هاتيه شوية ياغادة بليز بحبِّ البيبهات أوي..بينما حاوطَ يزن أكتافها وتحرَّكَ إلى إسلام:
-إلياس هنا ولَّا في الفيلا؟..
-زمانه جاي، رؤى هتخرج النهاردة، راح مع ماما فريدة يجيبوها.
-أيوة عارف إنَّها هتخرج ..توقَّفت تطالعهُ متسائلة:
-إنتَ ليه مزرتهاش؟..سألت عليك على فكرة..
-زعلان منها ولازم أربِّيها كويس، وعايزك تنشفي معاها، البنتِ دي مش عجباني..وفكرة إنَّها راحت تتِّفق معاه عليكي دي مجنناني..
-هيَّ معذورة برضو يايزن، أنا سمعتها مرَّة بتتكلِّم مع غادة..صعبت عليَّا بجد.
ضمَّها بحنانٍ أخوي، ثمَّ حاوطَ أكتافها وتحرَّكَ للداخلِ يردِّد:

-برضو السماح الكتير بيجيب أخطاء حبيبتي..سيبك من رؤى وقوليلي عاملين أكل إيه؟..وبلاش جوزك ينطلي..فاكرة عمل معايا إيه آخر مرَّة جتلك؟..
قهقهت بصوتٍ مرتفعٍ وذهبت بذاكرتها
قبلَ شهر..
جلست أمام المسبحِ بعد سباحتها، سحبت هاتفها تردُّ عليه، اقتربت الخادمة:
-مدام ميرال الباشمهندس جه..أغلقت الهاتفَ وسحبت روبها ترتديه، ثمَّ خطت للداخلِ قائلة:
-هغيَّر هدومي، قدِّمي له حاجة..
صعدت إلى غرفتها لبعضِ الدقائق ثمَّ هبطت الى الأسفل:
-يزن…توقَّفَ يفتحُ ذراعيه إليها، ركضت بأحضانه:
-وحشتني كدا تغيب دا كلُّه..سحبَ كفَّيها واتَّجهَ بها إلى الأريكة:
-آسف كان عندي شوية شغل وانشغلت، بس إيه اللي عملتيه دا؟..ينفع تعملي كدا مع إلياس؟..
-ممكن مانتكلمش في الموضوع دا، المهم عملت إيه؟ وفعلًا رجَّعت رحيل تاني..أومأ مبتسمًا وحاولَ تغيير الموضوع:
-المهم عاملة غدا إيه؟..جاي أتغدى معاكي ولَّا أرجع للبتِّ إيمان يمكن ألاقيها مخبية بطة كدا ولَّا كدا..
شهقةٌ أخرجتها، تطالعهُ بذهولٍ ثمَّ ارتفعت ضحكاتها
-يالهوي يايزن بتاكل بط!!دقَّقت النظرَ إليه ثمَّ ملَّست على أكتافه:
-العضلات دي من البط..
ابعدي يابتِّ بامتخلِّفة إنتي..قاطعََ نشوة حديثهما صوتهِ الصاخب:
استدارت تطلَّعُ إلى دخولهِ الجنوني،
خلعَ نظارتهِ يشيرُ إلى يزن:
-جاي ليه من غير إذن؟..قالها مقتربًا منه، ثمَّ جذبها بعيدًا عن مرمى ذراعيه..ابعدي ياختي، متنسيش إنِّك لسة مراتي..

ابتسمَ يزن بمشاكسةٍ ولمعت عينيهِ بخبث، لينحني يجذبها ويضمُّها إلى أحضانه:
-دي أختي، عايزني استأذن آجي بيتها ولَّا إيه ياحضرةِ الظابط، وبعدين إنتَ اللي جاي هنا ليه؟..على ماأظنِّ أنُّكم انفصلتوا، حبيبتي مش إنتي قولتي كدا؟..
وصلَ إليه بخطوةٍ واحدةٍ يجذبهُ من ثيابه، وجرِّهِ لخارجِ المنزل يدفعهُ بقوَّة:
-على بيتكم ياحبيبي، ولمَّا تحب تيجي تتِّصل وتستأذن وأنا بعدها أفكَّر تستاهل تشوفها ولَّا لأ..
-إيه اللي بتعمله دا؟..دا أخويا..
استدارَ يرمقها بنظراتٍ ودَّت لو أحرقتها:
-خوا ياخدك، اطلعي شوفي ابنك، ولَّا الأحضان الكتيرة عجبتك؟..
اقتربت منه تصرخُ به:
-إنتَ اتجنِّنت، بتطرد أخويا من بيتي!!
اقتربَ منها يطبقُ على ذراعها:
-البيت دا بيتي، أدَّخل اللي أدخَّله ومسمعشِ صوتك سمعتي ولَّا لأ..
-ميرال..صاحَ بها يزن ودنا يحاوطُ ذراعيها ينظرُ إلى إلياس:
-زمان هيَّ كانت وحيدة ياإلياس، عارف إنَّها مراتك، بس دلوقتي الوضع اختلف، شايف إنِّكم مش متفقين، علشان كدا ياريت الانفصال بهدوء..
لم يُكمل حديثهِ عندما لكمهُ إلياس بقوَّةٍ ودفعهُ إلى أن سقطَ على الأرضيَّة، التفتَ على صراخها:
-إيه عايزة تطلَّقي؟..
نظرت إليه بألم انبثق من عينيها وتسائلت :
-هوَّ عمل إيه لدا كلُّه؟..شعر بالجنون وهدر بها:
-كلمة واحدة وبس وأنا هنفِّذ، عايزة تطلَّقي ياميرال؟..
انسابت دموعها على وجنتيها وارتجفَ جسدها؛ تطالعهُ بنظراتٍ تعني الكثيرَ من الغضبِ منه ثمَّ استدارت وصعدت إلى الأعلى..

خرجت من شرودها على صوتِ يزن:
-روحتي فين حبيبتي؟..
-ليه عملت كدا اليوم دا في إلياس
امال هامسا
-كنت عايز اتأكد أنه بيحبك ولا تملك وخلاص، اصل شخصية إلياس دي صعب تتحب
ترقرقت عيناها بالدموع
-بس هو بيحبني يايزن ..ربت على كتفها مرددا
-جدًا ياميرال، بيحبك وبيخاف عليكي اوي، حاولي تمتصي غضبه، على فكرة أنا لو مكانه بعد اللي عملتيه مكنتش هسامحك
-بس ارسلان اللي طلب مني اقول كل حاجة لوكيل النيابة ..
قالتها بدخولِ إلياس بجوارِ فريدة التي تحاوطُ رؤى..اقتربت منها:
-حمدَالله على السلامة يارؤى..
-أومأت لها دون حديث، بينما أردفَ إلياس:
-عامل إيه يايزن؟..
-كويس الحمدُلله، ذهبَ ببصرهِ إلى رؤى:
-هيَّ عاملة إيه دلوقتي؟..كويسة؟..قالها وصعدَ إلى غرفته، ساعدتها ميرال بالجلوس:
-ارتاحي حبيبتي، هبعتلك كوباية عصير، ربتت فريدة على كتفها قائلة:
-حبيبتي خلِّيتيهم يعملوا الأكل اللي قولت لك عليه؟..
-قصدك الأسماك؟..أه منال عملتهم حبيبتي، فين بابا مصطفى؟..جلست بجوارِ رؤى قائلة:
-بيعمل تليفون خلِّيهم يجهِّزوا السفرة المغرب هيدن

-حاضر، هشوف إلياس ونازلة…صعدت إلى الغرفةِ وجدتهُ يخرجُ من الحمَّام:
-إيه اللي أخرَّك كدا؟..اتَّجهَ إلى غرفةِ الملابسِ وأجابها:
-كان عندي شوية، أمسكتهُ من كتفهِ العاري:
-قابلت راجح مش كدا؟..نظرَ إلى كفِّها المتشبِّثِ به:
-أنا صايم ياميرال ابعدي عنِّي، ولا مبشفشِ القرب دا إلَّا في الصيام؟..
جزَّت على أسنانها وضربت بقدمها متحرِّكةً للخارجِ وهي تتمتم:
-مفكَّرني عبيطة، ماشي يابنِ طنط فريدة..
وصلَ إلى المائدةِ يوزِّعُ نظراتهِ عليها:
جمبري واستكوزا، مطَّ شفتيهِ ينظرُ إلى فريدة التي تبتسم، جذبَ يزن الطعامَ من أمامه:
-واللهِ أنا نفسي مفتوحة، ابنك بيدلَّع..ظلَّت نظراتهِ على الطعامِ لفترةٍ ثمَّ رفعَ نظرهِ إلى والدته:
-لازم آكل من دا؟..
-يجعلك ماأكلت أنا جعان..ضربهُ على كفِّه:
-إيدك يامتخلِّف، شوية وهتاكل دراعي..
-وآكل دراعك ليه؟..ناقص تسمُّم، مش كفاية متحمِّل وجودك، لو كنت موجود قبلِ جوازك من أختي مكنتش وافقت..
-هطردك لو مالمِّتش نفسك.. غمز يزن قائلا:
-وأنا عبيط علشان أسيب الأكل دا..
وصلت ميرال وهي تحملُ سلطةَ الخضرواتِ تضعها على المائدةِ تشيرُ إلى الخادمة:
-هاتي أكل رؤى، طالعتها بحنانٍ قائلة:
-عملت لك الأكل اللي بتحبِّيه..

-عاملة لرؤى الأكل اللي بتحبُّه، وعاملة لجوزك إيه؟..نظرت إلى فريدة التي أردفت:
-اللي قدَّامك مفيش غيره..
ظلَّت نظراتهِ على ميرال التي هربت من محاصرته..انحنى يجذبُ ذراعها بعنف:
-جمبري واستكوزا..قطعَ حديثهم وصولِ مصطفى ينظرُ للطعام:
-جمبري، ليه؟!!مش خير..
تراجعَ بجسدهِ ينظرُ لوالده:
-عندنا واحدة بتتوحَّم عليه، قالها ونهضَ يلقي محرمته..
-حسابنا بعدين…قالها وخطا بعيدًا عن المائدة..هرولت خلفهِ مع ضحكاتِ يزن:
-متزعليش منِّي ياطنط فريدة بس ابنك دا مش وشِّ نعمة والله..
-إلياس استنى، ينفع كدا تقوم من على السفرة في وجود عمِّي ويزن؟..
-أقعد غصب عنِّي يعني، إيه الأكل دا؟.. بتعاندي وخلاص.
اقتربت تتلاعبُ بملابسهِ ونطقت بنبرةٍ خافتة:
-أقدر برضو، أنا عارفة إنَّك مابتحبش الجمبري، بس واللهِ ماما فريدة اللي أصرِّت أعمله النهاردة، علشان خاطري جرَّبه، أنا برضو ماليش فيه، بس عايزة أجرَّبه معاك إيه رأيك؟..
تعلَّقت عيناهُ بدلالها ثمَّ انحنى يهمسُ لها بعضَ الكلماتِ..مما جعلها تدفنُ وجهها بصدرهِ تبتسمُ بخجل، رفعَ ذقنها وتحدَّثَ قائلًا:
-هنجرَّب الجمبري ولَّا أروح أفطر برَّة؟..
لكمتهُ تضحك، حاوطَ خصرها وتحرَّكَ إلى الطاولة، رفعَ يزن رأسهِ وأردف:
-إيه دا، إنتَ مش كنت غضبان يابني؟..
 
google-playkhamsatmostaqltradent