Ads by Google X

رواية راما الفصل السابع و الثلاثون 37 - بقلم اسماعيل موسى

الصفحة الرئيسية

   رواية راما الفصل السابع و الثلاثون 37 - بقلم اسماعيل موسى


بدأت الأيام تتسلل بهدوء، مثل قطرات المطر التي تمحو آثار الغبار عن النوافذ، ومعها بدأت أطلال الماضي تتلاشى ببطء، تتراجع إلى الخلف، تبهت كصورة قديمة لم تعد تحمل نفس الثقل في قلب جين.

كان بدر مثل ضوء خافت في غرفة مظلمة، لم يجبرها على النسيان، لم يطلب منها أن تتوقف عن الشعور، لكنه كان هناك، دائمًا، بصبره الذي لا ينفد، بحضوره الذي لا يطالب بشيء سوى أن تكون كما هي.

لم يكن حبًا جامحًا، لم يكن صاخبًا مثل العواصف التي دمرت حياتها سابقًا، لكنه كان شيئًا أعمق—حبًا يشبه الجذور، يمتد بعمق، يمنحها ثباتًا لم تختبره من قبل.

كان يعاملها كأنها شيء ثمين، ليس لأنه خائف من فقدانها، بل لأنه يراها حقًا، يفهمها، يتقبلها.

"بدر، لماذا تحبني؟"

سألته ذات ليلة، وهي مستلقية إلى جانبه، تستمع إلى أنفاسه المنتظمة، وكأنها تحاول فهم هذا الحب الهادئ الذي منحها إياه.
ولأن المرأه بلا شك أكثر كائن على وجه الأرض يسأل لماذا تحبنى؟ فأن الاجابات المختصرة لا تفلح 

ابتسم، لم يتعجل في الرد، فقط أخذ يدها بين يديه وقبل أطراف أصابعها، ثم همس:

"لأنكِ أنتِ، لا أكثر ولا أقل." ثم اردف، اعتذر فأنا لست فالح فى قول الكلمات الجميله

في تلك اللحظة، أدركت أن الحب الحقيقي ليس في المحاولات المستميتة لإرضاء شخص آخر، ولا في الخوف من الرحيل، بل في أن تجد من يختارك كما أنت، دون أن تضطر إلى أن تكون نسخة مشوهة من نفسك.

ومع مرور الأيام، وجدت جين نفسها تتغير دون أن تدرك،
لم يعد الماضي يلاحقها بنفس الشراسة، لم تعد تستيقظ فزعة من كوابيس قديمة، لم تعد تشعر أن الحب معركة يجب أن تكسبها أو تخسرها.

لم تكن سعيدة طوال الوقت، لكنها كانت بخير، وكانت هذه المرة الأولى التي تشعر فيها أن "كونها بخير" كافٍ تمامًا.

أما آدم، فكان مجرد ظل تلاشى في الخلفية، لم يعد له مكان في قصتها، لم يعد اسمه يبعث أي رجفة في قلبها.

لقد كانت هنا، مع بدر، مع حاضرها، وأخيرًا، كانت مستعدة للمضي قدمًا.

مضت الأيام مع بدر في إيقاع هادئ لكنه ثابت، حياة لا تخلو من اللحظات الصغيرة التي تصنع الدفء، ولا من التحديات التي تكشف عن جوهر العلاقة بينهما.

لم يكن زواجًا مثاليًا، لم يكن كل شيء فيه سهلاً أو بسيطًا، لكن ما ميّزه هو أنه كان حقيقيًا، متزنًا، بعيدًا عن الدراما التي استهلكت التى تصور كل شيء ورديآ جدا لحد الازعاج 

كان بدر يستيقظ قبلها دائمًا، يحضر قهوته ويجلس على الشرفة يقرأ الجريدة أو يتأمل الشوارع الهادئة.
أحيانًا كانت جين تستيقظ على رائحة القهوة، فتجد نفسها تتجه نحوه دون تفكير، تجلس بجانبه بصمت، يتشاركان كوبًا واحدًا وهي لا تزال شبه نائمة.

لم يكن يزعجها بالكلام، فقط وجوده الهادئ بجانبها كان يكفي.

"كيف تنجح في أن تكون هذا الكائن الصباحي؟"

سألته ذات مرة وهي تتثاءب، فضحك وأجاب:

"وكيف تنجحين في أن تكوني بهذا البطء في الاستيقاظ؟"

لمحت في عينيه ذلك المزاح الخفيف الذي بدأ يدخل بينهما مع مرور الوقت، ذلك النوع من الألفة التي لا تحتاج إلى الكثير من الكلمات.

في بعض الليالي، كانا يجلسان في الشرفة يتحدثان عن كل شيء، وأحيانًا عن لا شيء، كانت جين تخبره عن طفولتها، عن الأشياء الصغيرة التي نسيتها منذ زمن، عن الكتب التي كانت تقرأها، عن الأيام التي شعرت فيها أنها تائهة.

وكان بدر يستمع، دائمًا يستمع، لم يكن يحاول أن يصلحها، أو يعيد تشكيلها، فقط كان هناك، يسمعها كما لم يسمعها أحد من قبل.

لم يكن بدر من النوع الذي يحب البقاء في مكان واحد لفترة طويلة. ذات يوم، استيقظت جين لتجده يحزم حقيبة صغيرة.

"إلى أين؟"

"رحلة قصيرة، نحتاجها."

لم يكن الأمر مخططًا له، ولم تكن بحاجة إلى سبب، فقط وجدت نفسها بعد ساعات في سيارة بصحبته، يستمعان إلى موسيقى قديمة، يضحكان، يقفان عند مطاعم صغيرة على الطريق، يتذوقان أطعمة جديدة.

كانت الرحلات معه مختلفة عن أي شيء عاشته من قبل، لم يكن يبحث عن الفخامة، ولم يكن يخطط لكل تفصيل، بل كان يترك للأشياء أن تحدث كما هي، وهذا ما أحبته جين فيه.

بالطبع، لم تكن الحياة دائمًا سهلة، كان هناك أيام تتشاجر فيها معه على أشياء صغيرة—نسيانه إطفاء الأضواء، أو تركه للصحف مكدسة في كل مكان، أو حتى طريقته في القيادة.

لكن أكثر ما كان يميز بدر هو أنه لم يكن يتشبث الخلافات، لم يكن يصر على الفوز بأي جدال، كانت جين أحيانًا تتوقع أن يحتد، لكنه كان يبتسم ويقول ببساطة:

"حسنًا، لا بأس. لن أكررها."

وكان يكررها بالطبع وسيكررها، لكنها كانت تحب هذه الطريقة الهادئة التي يحل بها الأمور، دون صراخ، دون دراما زائدة.

لم يكن هناك لحظة محددة شعرت فيها أن حبها لبدر أصبح يقينًا، بل كانت سلسلة من اللحظات الصغيرة—عندما ضبطت نفسها تفكر فيه خلال يومها دون سبب، عندما أصبحت تعتاد على وجوده لدرجة أنها لا تتخيل الصباحات دونه، عندما شعرت أنه المكان الوحيد الذي تنتمي إليه.

لم يكن حبًا يشبه النيران التي تحرق كل شيء في طريقها، بل كان كالماء، يتسلل إلى كل جزء من حياتها بهدوء، دون أن تدرك متى بدأ بالضبط، لكنه كان هناك، وكان حقيقيًا.

وفي إحدى الليالي، بعد يوم طويل، جلست جين بجانبه على الأريكة، وضعت رأسها على كتفه، وأغلقت عينيها.

"أنا سعيدة."

لم تقلها باندفاع، لم تقلها لتقنع نفسها، بل لأنها شعرت بها حقًا.

أحاط بدر كتفيها بذراعه، قبل جبينها همس:

"وأنا أيضًا."
....... 

كان صباحًا هادئًا حين شعرت جين بوخزة خفيفة في معدتها، لم تهتم في البداية، لكنها ازدادت حدّة مع مرور الوقت. حاولت تجاهلها، ظنّت أنها مجرد إرهاق أو توتر بسيط، لكن الألم بدأ يتكرر على مدار الأيام التالية، أحيانًا مفاجئًا، وأحيانًا خفيفًا كظلّ لا يرحل.

في إحدى الليالي، كانت جالسة بجانب بدر تشاهد فيلمًا عندما شعرت بتقلص مفاجئ جعلها تضع يدها على معدتها دون وعي. لاحظ بدر ذلك على الفور.

"هل أنتِ بخير؟" سألها بقلق.

"مجرد ألم بسيط، لا تقلق."

لكن عينيه كانتا تقولان إنه لن يقتنع بسهولة.

"منذ متى تشعرين بهذا؟"

حاولت التهرب، لكنها عرفت أنه لن يتجاهل الأمر.

"منذ بضعة أيام... لكنه ليس شيئًا مهمًا."

نهض من مكانه وأمسك بيدها بلطف، لكنه كان حازمًا.

"غدًا صباحًا سنذهب للطبيب."

لم تجد في نفسها القوة لتجادله، فوافقت بصمت.

•••

في صباح اليوم التالي، جلست جين في غرفة الفحص، تشعر بغرابة الموقف، لم تتوقع أن تجد نفسها هنا بسبب شيء ظنّت أنه مجرد إرهاق عابر او عن ذلك المرض اللعين عاد إليها مره اخرى 

بعد الفحص، نظر الطبيب إليهما بابتسامة هادئة قبل أن يقول الجملة التي لم تتوقعها جين أبدًا:

"جين، أنتِ حامل."

شعرت كأن الغرفة بأكملها صمتت للحظة. نظرت إلى بدر الذي بدا وكأنه لم يستوعب الكلمات في البداية، ثم اتسعت عيناه بدهشة خالصة.

"أنا… ماذا؟" تمتمت جين وكأنها غير متأكدة مما سمعته.

ابتسم الطبيب وأعاد تأكيده بلطف:

"أنتِ حامل في أسابيعك الأولى. هذا هو سبب الأعراض التي شعرتِ بها."

لم تعرف جين بماذا تشعر. المفاجأة؟ الفرح؟ القلق؟ خليط غريب من كل شيء. نظرت إلى بدر مجددًا، فرأت كيف تحول وجهه من الدهشة إلى سعادة خالصة، كأن الكون كله انحصر في هذه اللحظة وحدها.

أمسك بيدها وضغط عليها برفق، وكأنه يخبرها أن كل شيء سيكون على ما يرام.

"هل أنتِ بخير؟" سألها بصوت هادئ، يراقب ملامحها بتركيز.

استغرقت لحظة قبل أن تبتسم أخيرًا، ابتسامة خفيفة لكنها مليئة بالدهشة، ووضعت يدها على معدتها كأنها تحاول استيعاب الحقيقة.

"أنا… لم أكن أتوقع هذا."

ضحك بدر، ضحكة دافئة خرجت من أعماقه، ثم مال ليقبل جبينها.

"ولا أنا… لكنه أجمل خبر سمعته في حياتي."
  • يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية راما) اسم الرواية 
google-playkhamsatmostaqltradent