رواية سوء تفاهم الفصل الرابع 4 - بقلم بتول عبد الرحمن
سوء_تفاهم
كانت شايفة الصور قدامها ومصدومة، إزاي؟ إزاي الصور دي اتاخدت؟ إحساس بالرعب مسك قلبها، عينيها فضلت تتنقل بين الصور بسرعة، رفعت وشها لجدها وقالت بصوت متقطع، بالكاد طالع منها
"والله العظيم أنا متفاجئة زيي زيكم... معرفش ده حصل إزاي!"
محدش من الموجودين كان مصدقها، كل العيون كانت بتبصلها باشمئزاز واستنكار، قلبها كان بيخبط في صدرها بقوة، بصت لأبوها برجاء، عينيها مليانة دموع وقالت بسرعة "وأنت يا بابا لازم تصدقني! أنا معرفش مين اللي بيعمل معايا كده، بس والله في حد عايز يأذيني!"
جدها وقف ببطء، ملامحه كانت غامضة، لكن صوته وهو بيتكلم كان كفاية يهزها من جوا "ياريت الموضوع اقتصر علينا وبس... البلد كلها معاها الصور دي، يعني الفضيحة بقت بجلاجل!"
الدنيا لفت بيها، اتصدمت لدرجة أنها حست أنها هتقع من مكانها، همست بصوت مش طالع منه غير الذهول
"يعني إيه؟ ومين عمل فيا كده؟ حد يفهمني!"
رحمة اللي كانت واقفة في الركن بتراقب الوضع بعيون خبث، دخلت في اللحظة المناسبة وقالت بنبرة كلها انتصار مستتر
"ما أنا قولتلك يا جدي... شوفته معاها امبارح."
قبل ما تكمل، جدها لفّلا بسرعة، نظرته كانت زي السيف وهو بيقول بصوت غاضب حاسم "لو واحدة اتكلمت، هربيها من اول وجديد إزاي تحترم اللي بيتكلموا! اللي محدش طلب منه كلام... مسمعش صوته!"
رحمة اتجمدت مكانها، ليلى بصّتلها بكره واضح في عينيها وقالت بصوت مليان غضب وقهر "شفتي مين معايا؟!"
رفعت الصور في وشّهم وهي بترعش، وبصّت للكل وقالت بانفعال "أنا مكنتش فايقة أصلًا! شوفوا... شوفوا الصور! مكنتش في وعيي!"
جدها بصلها بنظرة تقيلة، ملامحه كانت متحجرة وصوته خرج ببرود جارح "وده الأنيل... إنك مكنتيش صاحية والصور بتتاخد، عارفه ده معناه ايه؟!""
هزّت رأسها بعدم تصديق، الدموع كانت على حافة عينيها وقالت بصوت متحشرج "الصور دي أكيد مش حقيقية... والله ما أعرف ده حصل إزاي!"
اتنهد جدها بعمق، نبرته كان فيها شيء من اليأس وهو بيقول "ولو حتى احنا صدقناكي... أهل البلد هيصدقوا؟ هنلفّ على البلد واحد واحد ونقولهم كدب؟!"
حست الدنيا بتلف حواليها، رجليها ما كانتش قادرة تشيلها، قعدت على أقرب كرسي، وحطت راسها بين إيديها بتعب وانهيار، قبل ما تقدر ترد، عمتها دخلت في الحوار بصوت مليان غضب "ولسه بتتكلم معاها يا أبويا؟! لو واحدة مننا مش هتعمل كـ..."
قبل ما تكمل، صوت الجد ارتفع بشكل حاد وحاسم "خدي بنتك وامشوا من هنا!"
عمتها اتجمدت مكانها، عيونها اتسعت بصدمه وقالت بانفعال "إيه؟!"
بصلها ببرود وصوت قاطع "زي ما سمعتي... قولت مش عايز أسمع صوت واحدة فيكم! الباقي ساكت، أشمعنا إنتي وبنتك اللي بتولّعوا الدنيا؟! هي خربانة أصلًا!"
عمتها كانت على وشك تردّ، لكن لما شافت نظرة الجد، بلعت غضبها وقالت بامتعاض "خلاص، مش هتكلم... لما نشوف آخرتها!"
لف ناحية ليلى، كانت ملامحه غامضة وهو بيسألها بحدة "إيه يا ليلى... مش هتقولي حاجة؟!"
ليلى قامت ببطء، عينيها كانت ميتة، مفيهاش أي حياة، وقالت بصوت خالي من أي مشاعر "اللي حضرتك شايفه مناسب... اعمله."
في اللحظة دي، مراد دخل، ملامحه كان عليها أثر توتر، لكنه كان بيحاول يبان هادي وهو بيقول بجدية "محدش بقى معاه الصور دي خلاص، اتطمن يا جدي."
الجد لفّله، عيونه كانت مليانة تفكير عميق قبل ما يرد بصوت تقيل "وهنمحي الصور من ذاكرتهم إزاي؟!"
مراد بصّ لجدّه بثبات وقال بصوت هادي لكنه قاطع "مش مهم تتمحي من ذاكرتهم... هينسوا مع الوقت."
جدّه ردّ عليه بحدة، غضبه كان واضح في كل حركة من حركاته "بعد إيه؟! هينسوا بعد إيه؟!"
مراد زفر بضيق وقال ببرود "وده يهم في إيه؟!"
صوت الجد كان قاطع وحاسم وهو بيرد
"يهم طبعًا... دي فضيحة!"
مراد خطا خطوة لقدام، وقف قدام جده مباشرة، ملامحه كانت جدية وصوته ثابت وهو بيقول "وانت ناوي على إيه يا جدي؟! إيه اللي في دماغك؟!"
الجد بصله بجمود وقال بدون تردد "لو انت هتتجوزها يبقى الدخلة بلدي."
صدمة ضربت ليلى بكل قوة، حسّت إن الدنيا سحبت الأرض من تحت رجليها، عينها وسعت بذهول، ولسانها اتربط من الصدمة، قبل ما باباها يقدر يردّ، كان صوت مراد سبق الكل وهو بيقول بحسم وغضب واضح "على جثتي! مستحيل حاجة زي دي تحصل!"
الجد زمّ شفتيه بغضب وقال بحدة "وهنلمّ الفضيحة دي إزاي؟!"
مراد رفع حاجبه باستهزاء، صوته كان فيه تحدي وهو بيرد "إن شاء الله عنها ما اتلمّت! هو أنا اللي هتجوز ولا الناس؟!"
الجد سكت لحظة، كان بيفكر بعمق، عيونه كانت بتلمع بالغضب والتردد قبل ما يقول بجدية "خلاص... مش هتبقى بلدي، بس لازم نسكتهم، وإلا لازم تتجوز سامر!"
مجرد ذكر اسم سامر خلى مراد يتوتر، عيونه اشتعلت غضب وهو بيقول بصوت واطي لكنه حاسم "جهزوا نفسكم... كتب الكتاب في معاده عادي، وأي طريقة تانية غير الدخلة البلدي أو فيها اهانه لليلى، أنا موافق... علشان نسكت الناس زي ما حضرتك بتقول!"
قال كلمته الأخيرة، وبدون أي نظرة زيادة، لفّ ومشي، سايب وراه قنبلة موقوتة...
بمجرد ما مراد خرج، ليلى انسحبت بهدوء على أوضتها، عقلها مشوش ودموعها محبوسة في عينيها، مش قادرة تستوعب اللي بيحصل، الدنيا كلها بقت فوضى حواليها، والكل بدأ فعلاً في تحضيرات كتب الكتاب، ماعدا واحدة بس كانت واقفة بتغلي من جوه... رحمة
كانت قاعده مع امها، والغضب باين على وشهم، ماكنتش مصدقة إن خطتها فشلت، وإن ليلى لسة واقفة على رجليها.
رحمة عضت شفايفها بغيظ وقالت لأمها وهي بتتمتم بحدة "شايفة؟ خطتك مجابتش نتيجة!"
أمها زفرت بضيق وهزت راسها، نبرتها كانت مليانة استياء وهي بتقول
"سامر اللي غبي! البنت كانت قدامه، حد قاله يبقى جبان ويمشي!"
رحمة رفعت حاجبها بسخرية وقالت
"والله لو شوفته مش هسيبه! ده حظها إيه ده؟! كل ما أفكر إنها هتقع، ألاقيها نجت!"
عضت على أسنانها وعيونها كانت بتلمع بنار الانتقام، هي ما بتخسرش، ومستحيل تسيبها تفلت منها بسهولة...
ليلى كانت قاعدة في أوضتها، عقلها مشوش ودموعها بتنزل بهدوء، مش قادرة تستوعب اللي بيحصل حواليها، فجأة الباب خبط بلطف قبل ما يتفتح وتدخل أم مراد بابتسامة ودودة
ليلى بسرعة وقفت باحترام، لكن أم مراد رفعت إيدها بإشارة إنها تقعد وقالت بصوت حنون "اقعدي يا حبيبتي."
ليلى بلعت ريقها وقعدت جنبها، قلبها مقبوض، لكن الست مدّت إيدها وطبطبت على كتفها بحنان، صوتها كان كله دفء وهي بتقول "متزعليش، أنا عارفة إنك مقهورة ومش مصدقة اللي بيحصل، بس أنا متأكدة إن كل ده خير، جوازك من ابني مراد هيكون أحلى حاجة حصلت في حياتك."
ليلى كانت بتسمع كلامها، بس عقلها كان مشغول بأفكارها، مكنتش متخيلة نفسها في الموقف ده أبدًا.
أم مراد كملت بابتسامة مطمئنة "اعتبري الموضوع سوء تفاهم بسيط، وصدقيني في الآخر هتكتشفي إنه كان أحلى سوء تفاهم يحصل، متخليش حد يشمت فيكي يا بنتي"
ليلى رفعت إيديها ومسحت دموعها بسرعة، وبصتلها بعيون مترجية وقالت "يعني انتي مصدقاني؟! أنا معرفش حاجة عن الصور اللي كل شوية تتبعت لجدي دي، والله امبارح ك..."
قبل ما تكمل، أم مراد قاطعتها بنبرة حاسمة لكن مليانة طيبة "متبرريش يا ليلى، أنا مصدقاكي من امبارح، بس متكلمتش عشان قرار جدك دخل مزاجي."
ابتسمت ابتسامة دافية وكملت "مش هلاقي لمراد ابني لا أغلى ولا أحلى منك، ربنا يهنيكي يا حبيبتي."
حطت إيدها على خد ليلى بحنان وقالت "قومي اغسلي وشك، خدي دش بارد ينعنشِك، واستعدي لليوم، وخليكي متطمنة، مراد عمره ما هيجبرك على حاجة انتي مش عايزاها."
سابت ليلى تفكر في كلامها وخرجت، وسابتها في دوامة مشاعر متناقضة، بين الخوف، والارتياح، والشك...
ليلى فضلت قاعدة شوية، عقلها مشوش ومشاعرها متلخبطة، كلام أم مراد كان مريح، لكنه في نفس الوقت خلّاها تحس إنها محاصرة، وكأنها بتتدفع في طريق هي مش متأكدة منه.
بعد لحظات، قررت تقوم تاخد دش زي ما نصحتها، يمكن يخفف من التوتر اللي حاساه، المايه البارده ساعدتها تهدى شوية، لكنها لسه مش قادرة تتخيل إنها خلال ساعات هتكون متجوزة مراد، الشخص اللي بالكاد بينهم أي تعامل.
بعد ما خلصت، خرجت من الحمام ولقت الخدامة مستنياها بعلبة فيها فستان أبيض بسيط، أنيق، لكن مش مبهرج، واضح إن كل حاجة كانت متجهزة بسرعة، وده زوّد إحساسها إنها ملهاش رأي في أي حاجة بتحصل.
لبست الفستان بهدوء، والخدامة ساعدتها تلف طرحتها ، كانت حاسة إنها روبوت بيتم تحريكه من غير ما يكون عنده خيار.
مع المغرب، بدأ الضيوف القريبين يتجمعوا في البيت، وكان واضح إن العيلة كلها مستنية اللحظة دي، الرجاله في القاعة الكبيرة، والستات في جناح تاني، وأم مراد كانت قاعدة جنبها، ماسكة إيديها كأنها بتطمنها، رغم إنها هي نفسها كانت متوترة.
رحمة كانت واقفة بعيد، عيونها مليانة غضب مكبوت، مش مستوعبة إزاي ليلى خرجت من المصيبة اللي كانت مجهزاهالها، وإزاي في لحظة، بدل ما تبقى مفضوحة ومنبوذة، بقت عروسة في بيت العيلة،
مراد كان في القاعة، قاعد جنب جده، اللي كان هادي لكن نبرة صوته وهو بيكلم الشيخ كانت حاسمة، مراد نفسه كان هادي ظاهريًا، لكن داخله كان عاصفة، هو اللي اقترح يتجوزها عشان يلم الموضوع، لكن دلوقتي وهو قاعد بيستعد يقول "قبلت"، كان حاسس إنه داخل على مرحلة مش عارف نهايتها إيه، الشيخ بدأ إجراءات كتب الكتاب، ووسط صمت الجميع، مراد نطق بكلمته الأولى "قبلت الزواج من ليلى عبد الرحمن."
في اللحظة دي، ليلى حسّت إنها فقدت آخر جزء من حريتها
دخلت أوضتها بخطوات مرعوبة بعد اطول ليله عدت عليها، اي بنت بتستنى اليوم ده بس هيا لاء، أول ما دخل وقفل الباب جسمها اتنفض، قلبها كان بيدق بسرعة، وبصتله بعيون مليانة رعب
قرب منها بخطوات هادية بس تقيلة وقال بصوت ثابت "أنتِ عارفة أنتِ هنا دلوقتي ليه، صح؟"
هزت راسها بعنف، حاسة نفسها مخنوقة، الكلام مش قادر يطلع من بوقها، ملامحها كانت بتصرخ، حتى لو صوتها ساكت
لاحظ ارتباكها، فقال بنبرة أهدى شوية "طب قولي الحقيقة، وأنا هصدقك."
عينيها دمعت، كانت حاسة بالقهر بس لازم تدافع عن نفسها حتى لو عارفة إن محدش هيصدقها، بصوت مرتعش قالت "أنا دكتورة محترمة... إزاي تشكوا فيّا الشك البشع ده؟ ليه بالطريقة دي؟ لو كلكوا شاكين فيّا، كان ممكن تودوني لدكتورة تكشف عليا، بس مش كده... مش بالطريقه دي"
اتنفس ببطء وكأنه كان بيحاول يختار كلماته "أنتِ في المنيا يا ليلى... يعني عمرهم ما هيقتنعوا بالكلام ده وانتي عارفه كده كويس، هنا كلهم تقليديين، وأظن أنتِ عارفة هما مستنيين إيه، صح؟"
رجفة جسمها زادت، حسّت إن الأرض بتضيق حواليها وقالت بصوت مختنق
"طب... ولو مطلعتش زي ما أنتم عايزين؟ لو طلعت فعلًا... ضيّعت شرف العيلة؟ هتقتلونِي؟!"
بصلها شوية، ملامحه كانت متجمدة، وكأنه بيفكر في حاجة مش قادر ينطق بيها وبعدين قال بحسم "عمري ما هسمح بحاجة زي دي تحصل، خلينا نكون متفقين... أنا مصدقك، ومصدق إنك أشرف من الشرف نفسه، وبالرغم من إنهم مستنيين تحت يعرفوا... مش هقرب منك يا ليلى."
بصتله بعدم فهم، عقلها مش قادر يستوعب كلامه، قالت بصوت مشحون بالضياع "ومين هيسمحلك متقربش؟ أنا دلوقتي بقيت مراتك، حتى لو مش عايزاك، بس مضطرة أنفذ كلامهم… مضطرة أورّيهم دليل شرفي، عمرك ما هتعرف تقف قدامهم."
بصلها بصه طويلة، كأنه كان بيحاول يحفظ ملامحها، أو يمكن كان بيحاول يلاقي الكلمات الصح قبل ما يقول بصوت هادي لكنه مليان وجع " محدش هيجبرك تعملي حاجه انتي مش عايزاها، مقدرتش اقف قدام جدي واعترض، بس طول ما احنا هنا ولوحدنا انا مش هحكم عليكي زيهم، انتي في امان"
وقف قدامها، عيونه مليانة حاجة هي مش قادرة تفسرها، يمكن شفقة؟ يمكن غضب؟ يمكن شيء أعمق بكتير من أي حاجة تقدر تفهمها دلوقتي،كمل كلامه بنبرة هادية لكنها قوية "مش عايز أكسرك زيهم، عشان كده مستحيل أبقى قاسي وأقضي عليكي."
سكتت لحظة، حسّت كأن الدنيا لفت بيها، مش قادرة تفهم قصده، رفعت عيونها ليه وقالت بضعف "يعني إيه؟"
فضلت واقفة في مكانها، عيونها معلقة عليه، بتحاول تفهم اللي بيدور في دماغه، فجأة، اتحرك ناحية الكومود، مسك المنديل الأبيض اللي كان متني فوقه، وعينيه كانت باردة، كأنه حسم أمره خلاص
يتبع.........
بقلم بتول عبد الرحمن
بارت 4
•تابع الفصل التالي "رواية سوء تفاهم" اضغط على اسم الرواية