Ads by Google X

رواية رحماء بينهم الفصل الرابع و الخمسون 54 - بقلم علياء شعبان

الصفحة الرئيسية

  رواية رحماء بينهم الفصل الرابع و الخمسون 54 - بقلم علياء شعبان 

الفصل الرابع والخمسون]]
رواية 
•~•~•~•~•~•~•~•
"كُلما زادت شرارة اشتعال عشقي المُلتهب لها.. كُلما أتت بحفنة من التراب وألقتها على قلبي".
•~•~•~•~•~•~•~•
أخبروني تلك الليلة بأن العَجزَ صار حليفي للأبد وأن أيامي لن تفلح إلا بعون الجميع لي وأن ساقيَّ تم استبدالهما بشقيقتيَّ، كُنتُ المُتسبب الوحيد فيما تعرضتُ له لأنني أهوج نزق والطيش أسلوبي؛ هكذا قِيل لي عند سؤالي الجنوني "كيف فقدت قدرتي على السير؟" وأنا أُجاهد بلا قوة لتحريك قدميَّ.
أنا شابٌ قعيدٌ فقد قدرته على السير وفقد في هذه اللحظة كُل شيءٍ يدفعه للحياة؛ فتحول من طير رفراف لا تهدأ مساعيه وسعيه ومرحه إلى سجينٍ لازم كرسيًا لا يبرحه إلا وقت نومه، وكأن لفقدان ذاكرتي نفعًا يصطف في صالحهما؛ فمرحبًا باليأس ثم الخذلان لكُل الذين وضعنا جلَّ ثقتنا بهم وكانوا الأجدر بدعمنا ولكنهم لم يفعلوا وتركونا نعاني ويلات الألم وحدنا!
-صباح الفل يا سوسو؟؟
أردف "عُمر" بابتسامة مراوغة عريضة وهو يسير صوب "سهير" ثم يدغدغ خِصرها فانتفضت هي بضحكة وردت:
-صباح النور يا عُمر يابني.. خضيتني يا بني.
عُمر وهو يقترب أكثر منها ثم ينظر بشهية مفتوحةٍ إلى المائدة التي تعدها "سهير" ويقول مبتلعًا ريقه:
-عاملة فطار أيه بقى؟؟؟ أنا رجعت من الجيم امبارح كنت زي الغول اللي عايز ياكل الأخضر واليابس بس سيطرت على نفسي في الدقيقة الأخيرة.
كوَّرت "سهير" فمها وتساءلت متوجسةً:
-الدقيقة الأخيرة إزاي يعني؟؟؟
عُمر بضحكة متسعة:
-كنت قاطم حتة من ساندويتش برجر چامبو ولسه هكمل بس ربنا قدرني وسيبته على الرخامة هنا.. إلا هو فين بصحيح علشان أكمله.
مطت "سهير" شفتيها بامتعاضٍ وردت:
-رميته للقطط يا بني.. أنتَ هتاكل ساندويتش بايت مثلًا.. وبعدين أنا على حد علمي.. البرجر غلط مع الرياضة.. بالنهار بقى ولا بالليل مش هتفرق!
باغتها على فجأة يدغدغ خِصرها مرة أخرى وهو يقول ببسمة عابثة:
-بهزر معاكِ يسطى.. المهم وَميض فين؟؟ برن عليها علشان تيجي أذاكر لها شوية بس مش بترد!
تهللت أسارير وجهها حينما تذكر ابنتها وبدأت تلاحظ اهتمامه الشديد بالأخيرة ثم تلو شفتيها غيظًا من ابنتها التي لا تعتبره سوى شقيقٍ فحسب!
تنحنحت "سهير" وأردفت مرتجلةً من وحي رغبتها:
-تليفونها بعافية شوية وبيعلق وإنتَ عارف إني مش معايا أجيب لها غيره.. غير كدا هي سألت عليكِ امبارح بالليل وطول ما إحنا قاعدين بتتكلم عنك وبتجيب سيرتك بالخير.
أومأ "عمر" وتابع بابتسامة هادئة:
-عيني ليها.. بكرا يكون عندها تليفون جديد.
ابتسمت "سهير" له ابتسامة ممتنة قبل أن يبتعد خطوتين ثم يقول بتساؤل مُهتمٍ:
-أمال فين ست الحبايب؟؟؟
سهير وهي تلتفت إلى الطعام الذي بين يديها ثم ترد بهدوءٍ:
-مع عثمان بيه في المكتب وبقالهم نص ساعة 
أومأ "عُمر" ثم غادر مُسرعًا وصعد الدرج بخِفة ومرونة كبيرة، فكان يقفز من هنا وهناك ينثر بهجته في كُل مكانٍ، وصل باندفاعٍ إلى باب المكتب وقبل أن يطرقه تحولت بسمته الواسعة إلى ملامح متجهمة وسرت رجفة عنيفة في سائر جسده وجحظت عيناه في نتوء وصدمة حينما سمع صراخ والده في هذه اللحظة يقول مهتاجًا:
-قولت لك مليون مرة يا نبيلة دول ولادي أنا وأنا المتحكم الوحيد في مستقبلهم واختياراتهم.. أنا أبوهم بس إنتِ مش أمهم.. ليه بتجبريني أجرحك بالحقيقة دي علشان بتدخلي في اللي ملكيش فيه؟؟؟
تهدجت نبرة صوتها وهي تصرخ فيه بحنقٍ:
-إنتَ بتعايرني علشان مش بخلف يا عثمان؟؟
عثمان وهو يهتف محتدًا بالغضب:
-لو عايز أعايرك كنت عايرتك من زمان يا نبيلة وقررت أتجوز عليكِ واحدة تانية أخلف منها وأجيبها تعيش معاكِ في القصر وخلاص بس إنتِ عارفة إني بحبك وقصة الحب اللي بينا مينفعش تنتهي علشان ما بتخلفيش وعارفة إن من أهم مميزاتك إنك بنت حسب ونسب ومكانتي الاجتماعية متسمحليش اتجوز واحدة أقل منك حسبًا ونسبًا.
شعر "عُمر" بدوار يجتاح رأسه بأكملها فسحب كفه عن مقبض الباب وتحرك مُبتعدًا مُتخبط الخطى يهبط الدرج مرة أخرى بينما يتمتم بتيه سيطر على أفكاره المبعثرة:
-إزاي؟؟؟؟
تجمدت أطرافه ولكنه أجبرها على السير فمشى بتثاقل ظهر جليًا في احتكاك قدميه بالأرض ولا تخرج من بين شفتيه سوى:
-إزاي؟؟ إزاي مش عيالها؟ أمال إحنا عيال مين؟؟
اتجه بخطوات مذبذبة صوب سيارته وما أن وصل إليها حتى صعد داخلها فورًا ثم فعلها لينطلق بها على الفور وهو يحك جبينه الذي أصابه ألمًا جارفًا كاد أن يفتك به، حرك ذراعه حركات عشوائية مبعثرة وهو يبحث عن شيء ما ليجده أخيرًا داخل درج السيارة وكأنما التقط روحه في اللحظة الأخيرة فترك المقود لثوانٍ ملتقطًا قداحته ثم أشعل بها السيجارة المستقرة بين شفتيه، رأى أن علاج ألمه يكمُن في هذه السيجارة الملفوفة وداخلها نوع من المُخدرٍ الفعال الذي يخدر مشاعره تمامًا ويبقيه يترنح بانسجامٍ ونشوةٍ، لقد اقترب من إتمام شهر كامل بلا مخدرات وكان هذا عهده لنفسه ولكنه ضعف في هذه اللحظة عن المقاومة وعاد إلى عادته السيئة مرة أخرى، كان "عثمان" يبغضه بشدة لعدم تحمله المسؤولية ورفضه استلام عمله بالمصنع والشركة وبقائه بلا فائدة يتناول الخمر والمخدرات، بدأت الرؤية تتشوش أمامه وأضحى الطريق غائمًا فأخذ يترنح بسيارته بين السيارات حتى خرجت إطارات السيارة عن مسارها وسارت صوب منحدرٍ عالٍ الارتفاع ليسقط بالسيارة في الحال، كان بقائه على قيد الحياة مُعجزة ولكنه تشبث وقاوم حتى نجح ولكنه نجاح يصاحبه عاهة دائمة ولو كان يعلم بها لما قاوم وتشبث حتى لا يكون عالة على أحدٍ وهو الذي كان يومًا ما يمتلك من القوة والكبرياء والمرح ما لا يمكنك نزعهم منه، وكان لُطفٌ الله بعبدٍ تاب توبة صادقة هي النجاة له فقبل شهر من الحادثة تحول تحولًا مبهرًا فقرر العمل كمدرب لإحدى الفرق الخاصة بكرة السلة وتوقف عن تناول كُلِّ شيءٍ في يؤخر تقدم خطواته وبدأ يستعيد قوامه الممشوق وبنيانه الراسخ.
سألت دمائه تجري من حوله وبأُعجوبة تم إسعافه ثم استعاد وَعيه وسط مُباركات ودموع الجميع إلا والده الذي سدد له طعنة مُميتة في منتصف قلبه حينما وقف مشحونًا يصيح مُنفعلًا:
-وإنتَ سليم كُنت ضدي ورافض تستلم مني المسؤولية وحشاش وكنت بقول مع الوقت كل دا هيتعالج بس راح أملي فيك راح بعد ما بقيت عاجز.
فتح "عُمر" عينيه على وِسعهما وهو ينظر إلى ساقيه ويجاهد بألم في تحريكهما ثم يصرخ غير مُصدقٍ في انهيارٍ:
-لأااااااااااااا.. رجلي!!!!
هرولت "سكون" إليه باكيةً لتحتضنه بقوة كي تؤازره في مصابه، كان قلبها يتصدع مع كل صرخة منه وتتدفق الدموع بغزارة من عينيها، فهرولت "شروق" إلى كفه تُقبل باطنه بمواساة وحُزن شديدين وبعد ذلك علموا بأنه فقد جزءًا من ذاكرته يخص اللحظات الأخيرة قبل الحادثة وبعض الأجزاء الأخرى من حياته، ربما أنكر ما سمع وقرر أن يركنه إلى قسم المخلفات بعقله حتى لا يتألم كلما تذكره.
“في الحاضر"
نفس المشهد يتكرر، انقلبت السيارة التي جاءت لنقله إلى البيت وصار عاليها سافلها، بينما بقى هو أسفل أنقاضها تسيل خيوط الدماء من كافة أنحاء جسمه وشريط ذكرياته تحديدًا الذي أنكرها وفقد قدرته على تذكرها يمر في لمح البصر أمام عينيه، بدأت أنفاسه تخفض تدريجيًا فبدا لا يُقاوم هذه المرة على الإطلاق، عادت ذاكرته إليه وعاد السؤال المصدوم من جديد يتردد على شفتيه الداميتين:
-إزاي؟؟
كان يغلق عينيه ويفتحها في استسلامٍ وصوته يئن ألمًا يتفاقم مع كل ثانية يعيشها أسفل هذه الأنقاض ولا يعلم تحديدًا إن كان هذا الألم منبعه الحادثة أم الذاكرة؟!
لحظات وبدأ يسمع أصوات من حوله ولكنه فقد الكثير من الدماء فغاب عن الوَعي فورًا.
•~•~•~•~•~•~•~•
نظر من مرآة السيارة بحرصٍ واهتمامٍ قبل أن يختار المكان المُناسب لصف سيارته، هدأ من سرعتها ثم أوقفها في نظامٍ بمكانها قبل أن يلتفت بملامحٍ مسرورةٍ إلى زوجته ويقول بحسمٍ:
-طلبتي نخرج نشم هوا.. إليكِ الكُرنيش يا ستي.. يعني الهوا كله وعم فرغلي وحُمص الشام.
تدبرت "وَميض" ابتسامة واهية لإبعاد انتباهه عن حالة الصدمة التي تعيشها.. صدمة يكسوها الغضب والغيظ.. تنحنحت في خفوتٍ وقالت:
-خلينا في العربية أحسن علشان محدش يضايقك من الناس ونفقد خصوصية اللحظة وتصوير ومدح ونقضي الليل كله كدا!!
اتسعت ضحكته قبل أن يرفع أحد حاجبيه ويقول بمكرٍ:
-دي غيرة تقريبًا!!
ذكرتها عِبارته بالصورة التي رفعها على صفحته قبل قليل، زوت ما بين عينيها قبل أن تلتفت بكُليتها إليه ثم تردد بحنقٍ:
-هو إنتَ مش شيخ؟؟
أومأ متوجسًا جديتها مترقبًا متابعة حديثها؛ فقالت من بين أسنانها المُطبقة:
-والناس اللي بتتابعك عارفة إنك شيخ!!!
أومأ مرة ثانية فاستكملت:
-والكل عارف إنك مش بس شيخ.. دا إنتَ شيخ ومتجوز كمان؟؟
صاح بانفعالٍ خفيفٍ:
-اخلصي.. خشي في الموضوع على طول.. مش هنقضيها إنتِ تسألي وأنا أهز دماغي!
التوى شدقها غيظًا وأردفت باختناقٍ:
-ليه بقى التعليقات السخيفة دي؟؟ يعني أيه شيخ يتقال له "إنتَ مُز؟؟؟".. يعني أيه يتقال لك من بنت "دا إنتَ عسل نحل" والتانية كاتبة لك "مثنى وثلاث ورباع وأنا جاهزة؟؟".. جاهزة لأيه الحربوئة؟؟ من كام يوم كانت كاتب لك كومنت بتقول لك "أحبك أخي في الله".. حبها بورص العاهة.
فتح فمه على وِسعه يستقبل كلماتها الساخطة في دهشة، بدت كبركانٍ ثارت حممه وكانت عيناها تشع غضبًا وُحرقةً، أسرع على الفور بالقبض على كفيها بكفيه ثم مال يقبلهما الواحد يليه الآخر وهو يقول بابتسامة عريضة:
-كل دا كتماه في نفسك؟؟ حقك عليا وعلى راسي.
أطرقت في حُزن فرفع بصره إليها من جديدٍ وقال:
-بس أنا عايز ألفت انتباهك لنقطة مهمة.. أنا مش بقرأ الكومنتات دايمًا لأني مش بكون فاضي.. واللي إنتِ قولتيه دا اتفاجأت بيه الصراحة.
وَميض بغيظٍ ترد:
-قولت لك اللي ماسكين الصفحة دول مش كفاءة، سيبني أنا أديرها؟؟
تليد بضحكة عالية بعض الشيء وهو يمسح على ذقنه:
-يبقى هتبلكِ نص متابعين الصفحة وتتخانقي مع النص التاني.. ودي بقى كانت العظة من عدم تولي المرأة مقاليد الأمور الهامة.. علشان مشاعرها تأتي في المركز الأول وشيطانها بيلعب في دماغها صَلَح.
رفعت أحد حاجبيها وسألته متوجسةً:
-أيه صَلَح دي؟؟
تليد مضيفًا بضحكة مازحة:
-دي لعبة كدا بنهري واحد ضرب بالقفا ويفوز لو قال مين اللي ضربه.. زي الشيطان بالظبط ما بيعمل في دماغكم.. بتدوه قفاكم يشعوطه ضربًا مُبرحًا على أمل الفوز والأسترونج عيوطة غيورة.
التوى شدقها حنقًا، لوَّحت بكفها في امتعاضٍ ثم أشاحت بوجهها تتطلع نحو النافذة المغلقة، قبل أن تتنهد تنهيدة ممدودة بعُمقٍ وتقول بنبرة متراخية حزينة:
-تليد إنتَ ناوي تسافر وتسيبني؟؟
كان يلف وشاحًا حول عنقه وفمه حتى لا يتعرف عليه أحدٌ مستعدًا للترجل من السيارة وشراء الحمص الساخن والحار، التفت إليه بعينين دافئتين وأردف بحسمٍ:
-مُستحيل.. أنا بيعت الدنيا كلها من زمان واشتريتك.. اشتريت وجودك جنبي ونومك في حُضني وريحة شعرك وضحكنا طول الليل.. امشي واسيب مني يا عبيطة!!
التفتت إليه بعينين تلمعان بشغفٍ وسعادةٍ قبل أن تسأله:
-أمال ليه ما ردتش عليهم بالرفض لحد دلوقتي؟؟؟
أومأ مُجيبًا بثباتٍ:
-كُنت مِركز معاكِ الفترة اللي فاتت ولكن وَعد بمُجرد ما نرجع البيت هبعت لهم ميل بالرفض.
تهللت أسارير وجهها متناسيةً غير ناسيةٍ ما أزعجها في المنزل قبل قليلٍ، اتسعت ضحكتها ففرح لذلك وقبل أن يترجل من السيارة قالت بهدوءٍ:
-أنا هفتح الشباك بقى علشان أشم الهوا!!
أومأ موافقًا ثم ترجل من السيارة متوجهًا إلى عربة الحُمص بينما نظرت هي أمامها وشردت في كيفية التعامل مع الصدمة التي تعرضت لها؟؟ إن كان وِسَام هو من فعل ذلك؟؟ فمن موله بهذا التسجيل الخاص جدًا؟؟ لم يكُن بينهما أشخاص غرباء ذلك اليوم ولا يوجد تفسيرًا منطقيًا واحدًا سوى أن "سهير" هي الممولة لهذه الحادثة، تنهدت "وَميض" بقوةٍ قبل أن تلتفت ناظرةً عبر النافذة من جديد لتُبصر رجلًا يصف سيارته بجوارها ثم يمعن النظر فيها بنظرات جريئة للغاية، امتقع وجهها قبل أن تقول بحنقٍ:
-في حاجة يا أستاذ؟!! أيه التتنيحة دي؟
الرجل وهو يرميها بغمزة من عينيه ويرد:
-مساء الجمال.. بشبع عيني من حلاوتك.
حدقت فيه بعينين متسعتين في ذهولٍ قبل أن تقرر النظر أمامها وتجاهله كي لا تحدث كارثة الآن، نفخت بغيظٍ حينما وجدت إصراره على التغزل الجريء بها فقال وهو يبلل شفته السفلى بطرف لسانه:
-ما تيجي تركبي معايا؟؟ هعجبك أكتر من اللي إنتِ جاية معاه؟؟
تجهمت ملامحها بانفعالٍ ناقمٍ ولكنها لم تلتفت إليه وظلت تنظر أمامها لتحجيم ومنع كارثة على وشك الاندلاع، لم يكف عن الكلام بل تمادى وهو يخرج بجسده من نافذة سيارته ثم يمد ذراعه نحوها مُحاولًا لمس جسدها، خرجت منها شهقةً خفيضةً وهي تبتعد قليلًا، كان "تليد" ينتظر دوره ثم جاءه اتصالًا عاجلًا فأجاب وما أن التفت للاطمئنان عليها حتى رأى ذلك الرجل يدنو من نافذته ثم يدخل بجسده إلى النافذة الخاصة بالسيارة، هرع مندفعًا إليها بغضبٍ مُتفاقمٍ قبل أن يضغط على جسد الرجل ثم يصيح آمرًا بصوتٍ جهوريٍ:
-اقفلي الإزاز عليه.
كانت "وَميض" متسمرةً في مكانها من شدة الصدمة، ابتلعت ريقها بالكاد ثم انتفض جسدها حينما وجدته يرمقها بنظرات نارية ويصيح بها بصوت رخيمٍ:
-بقول لك اقفلي الإزاز على جسمه.
أومأت في خوفٍ، رفع تليد جسد الرجل ليبقى مُعلقًا بنهاية النافذة بينما رفعت الأخيرة زجاج النافذة حتى التصق ببطن الرجل وأصبح عالقًا بالنافذة يقاوم للهرب، هرول "تليد" مستديرًا ثم ركب داخل السيارة وقام بسحبها حتى أصبحت خلفه وبقى هو مقابلًا لوجه الرجل الذي تلون جلد وجهه وهو يقاوم مقاومة ضارية للفرار وهنا أردف "تليد" بأنفاس مُشتعلة نارية:
-مالك قلبت مِعزة؟؟ ما كُنت راجل أوي من شوية ومعندكش مشكلة تلمس ست متخصكش!!!
كانت يد "تليد" تضغط على مقبض الزجاج حتى لا يهبط بحركات الرجل ويستطيع الهرب، تابع الرجل بنبرة حانقة مُهددة:
-أنا معايا رجالة لو جُم وشافوا اللي بتعمله معايا هيدبحوك ويدبحوها.
ضغط "تليد" على مقبض الزجاج أكثر ليشتد على بطنه قبل أن يقول بأنفاس ثائرة من بين أنيابه المطبقة:
-طيب خليك كدا لحد ما ييجوا ولا أقول لك.. تعالي أفسحك!!
ابتلعت "وَميض" ريقها بصعوبة بالغة قبل أن تهبط برفقٍ على كتفه وتقول خوفًا:
-خلاص يا تليد علشان خاطري؟؟ سيبه وخلينا نمشي من هنا؟؟؟
أومأ "تليد" سلبًا في إصرار وعينين حادتين ثم قال بصوتٍ أجشٍ:
-أبدًا والله ما يحصل.. الأول أفسحه.
ضغط "تليد" بقوةٍ على دواسة البنزين لتنطلق السيارة بسرعة رهيبة، شهقت "وَميض" شهقة مصدومة بينما ظل الرجل يصرخ في فزغٍ ليلتفت إليه "تليد" تارة وتارة إلى طريقه ثم يصيح بحدةٍ:
-أيه رأيك في الفُسحة؟!!
صرخ الرجل بنبرة مرتجفةٍ:
-هموت.. نزلني!.. نزلني يا باشا.. أبوس إيدك.. نزلني وهعتذر لها!!
أومأ "تليد" موافقًا قبل أن يرميه بنظرات ساخطة نارية ويقول:
-تمام.. هنزلك.. بس قول أنا مش راجل وعيل!!
صرخ الشاب مستجيبًا بانصياع لإنقاذ نفسه:
-أنا مش راجل وعيل.
ابتسم "تليد" ابتسامة صفراء قبل أن يمد كفه يخبط بقوة على صدغ الشاب ثم يضيف ببرودٍ:
-شاطر.. قول لأمك تربيك أكتر من كدا.. المجتمع شبعان عاهات.. ودي بقى علشان تلمس حاجة مش بتاعتك.
في هذه اللحظة أدار مقبض الزجاج بقوة أثناء اقتياد سيارته ليهبط عن جسد الأخير ثم بقوة دفع جبينه ليسقط من السيارة أثناء سيرها بعد أن هدأ سرعتها للدرجة التي تربيه ولا تؤذيه.
تنفست "وَميض" الصعداء وهي تضع كفها على قلبها الخافق بين ضلعيها بعُنفٍ بينما أسرع هو بإزالة الوشاح عن وجهه قبل أن ينفخ حانقًا وهو ينظر إليها بنظرات ساخطة ويقول بحدةٍ:
-إنتِ إزاي سبتيه لحد ما تمادى وحاول يلمسك من غير ما تصرخي أو تلفتي انتباهي!!
وَميض بنبرة مُختنقةٍ:
-مكنتش عايزاك تعمل مشكلة وبعدين إنتَ تعاملت بعنف مع الراجل وكنت هتموته، المفروض إنك شيخ يعني تتحكم في أعصابك أكتر من كدا؟؟
صاح "تليد" محتدًا بالغضب نحوها:
-أعصابكم إنتوا أعصاب طبيعية والشيوخ اتوزع عليهم أعصاب بلاستيك؟؟ الشيخ دا بني آدم عادي جدًا مش ملاك بأجنحة.. طبعًا بنغلط وبننفعل.. بتطلبي مني أكون هادي في موضوع يتنافى تمامًا مع فطرتنا؟؟ شوفته بيحاول يتعدى عليكِ؟؟ اخاصمه يعني وأقول له يا وِحش وأبان كلبوب علشان أنا شيخ!!!
كلماته كانت مُرضيةً لمشاعرها، انفجرت فجأة ضاحكةً مما يقول بينما رمقها بغيظٍ مكتومٍ ثم تابع بلهجة باتت أكثر هدوءً:
-ماشي اضحكي.. مش هنكد عليكِ أكتر من كدا.. بس حسابك عسير معايا.
وَميض بضحكة صفراء تقول:
-عسير قصب ولا برتقان؟؟؟
تليد بوجه متجهمٍ:
-عسير بطعم الدم اللي هشربه منك.. بلاش ألشات سخيفة علشان بتهدد الصحة الإنجابية لأي راجل.
حدقت فيه مصدومةً وتساءلت بفضولٍ كبيرٍ ظهر في ومضاء عينيها:
-إزاي؟؟
تليد وهو يضحك ضحكة خفيفة ثم يرد:
-تفاصيل خادشة للحياء مالناش دعوة بيها.
تنحنح بخشونةٍ قبل أن يرمقها بطرف عينيه ثم يقول بلهجة ماكرةٍ:
-على فكرة أنا ليا حاجة عندك وعايزها؟؟.
تساءلت مندهشة ببلاهة:
-حاجة أيه؟؟ إنتَ ما ادتنيش حاجة خالص أخليها معايا؟؟
كور قبضة يده ثم ضغط على شفته السفلى بغيظٍ مكتومٍ قبل أن يتابع بصيغة أخرى:
-قصدي في حاجة كانت لازم تكمل ووقفنا في النص؟؟ واخدة بالك إنتِ ولا أنا ربنا ابتلاني!!
حكت "وميض" جبينها بأطراف أناملها ثم مطت شفتيها ورددت ببلاهة:
-وكتاب الله ما خدت منك حاجة ولا وقفت بيها في حتة!!
أخرج زمجرة مُنفعلة من شِدةٍ الغيظ قبل أن يردد في حنقٍ:
-أيه وكتاب الله دي؟؟ وَميض بلاش كلام بالإشارة علشان إنتِ الـIQبتاعك ذهب بلا عودة.. وَميض عايز أخلف وكدا أنا على آخري!!
تخضبت وِجنتاها وأشاحت بنظراتها مُسرعةً للجهة الأخرى في خجلٍ دون أن تتفوه بكلمةٍ؛ فصاح متوجسًا في قلقٍ:
-أحب على ايدك الصمت دا مُخيف.. اوعي تقولي إننا هنعيد من الأول خالص!!!.. كدا عقبال ما تتهيئي للموضوع من تاني هكون أنا شاب اسم الله عليا في مقتبل العمر وربيع الخمسين.. أبوس إيدك انقذي موقفي الإنجابي بحتة عَيل ابثه شكواي منك يا شيخة.
وضعت كفها على فمها تضحك متوارية عن عينيه قبل أن تقول بخفوتٍ:
-إحنا فعلًا محتاجين بيبي يحكم في صداماتنا بالعدل ووعد عليا إن قلب مامته هييجي في صفي على طول.
تليد بضحكة مازحة من جانب فمه يقول:
-مُنتهى العدل ما شاء الله.
في هذه اللحظة توقف "تليد" بسيارته أمام بوابة المزرعة ليجد والده يهرول مسرعًا خارج البوابة، ترجلا من السيارة بينما هروب "تليد" إلى والده يلتقط كفه ثم يتساءل بتوجسٍ:
-رايح فين يا بويا؟؟
خفق قلب الشيخ "سليمان" وهو يردد بتوترٍ:
-عُمر عَمل حادثة يابني.. خُدني لعنده بسرعة.. بسم الله الحافظ.. احفظه يارب.. اسألك سلامتك يا كريم.
توتر "تليد" في فزغٍ قبل أن يلتفت بعينيه إليها ثم يقول بلهجة حاسمة:
-ادخلي إنتِ يا وَميض.
سار بخطوات مسرعة نحو السيارة بينما تابعت "وَميض" وهي تفرك كفيها معًا في قلقٍ:
-ابقى طمني!!
أومأ قبل أن يُدخل والده بالسيارة ثم يستدير ويستقر أمام عجلة القيادة وبعدها ينطلق بسرعة رهيبة إلى المستشفى.
بدأت تفرك كفيها بسرعة أكبر ونظراتها تتوزع بتبعثر من حولها في توجسٍ مما يدور في عقلها من رغبة جامحةٍ في الانتقام والمواجهة، ابتلعت ريقها بصعوبة قبل أن تتحدث إلى نفسها بنبرة مترددةٍ خائفةٍ:
-لازم أروح له علشان أواجهه.. لازم يعرف أني عرفت القذارة اللي عملها.. ولازم أعرف جاب التسجيل من ماما سهير فعلًا ولا مِن مين؟!
نفخت بقوةٍ وهي تنبش مقدمة رأسها بطرف إصبعها في حيرةٍ قبل أن تقول في خوفٍ تخلل نبرة صوتها المرتجفة:
-بس تليد محرج عليا أتواصل معاه؟؟ بس دا حقي ولازم أخده منه.. ما هو أنا مش رايحة علشان اقضي معاه اليوم يعني أو نخرج كصُحاب زيّ زمان.. أنا رايحة علشان أبهدله وأفهم الليلة كُلها مشيت إزاي؟؟؟
تنفست الهواء داخلها بعُمقٍ قبل أن تحسم أمر الذهاب إليه ومطالبته بتفسير لِمَ يجري، لوحت لسيارة أجرة ثم استقرت داخلها بعد أن أملت السائق العنوان لينطلق إليه على الفور.
•~•~•~•~•~•~•~•
كانت تتابع الأخبار بمزاجٍ عالٍ وابتسامتها لا تُفارق ثغرها أبدًا، تقرأ ردود الأفعال والتي كلها تصطف في صالحها فيبدو أن "عثمان" السروجي لم يكُن محبوبًا من قِبل أحد سِوى زوجته الأنانية؛ هكذا تدعوها "نجلا" التي بغضتها دائمًا لأنها أرادت إرضاء نفسها وأُمومتها على حساب سيدات أُخريات ولم تنظر إلى حال قلوبهن بعد أن اكتشفت أنهن مجرد حاوية لزوجها.
-هتفضلي ماسكة التليفون كدا ومش هتاكلي؟!
أردف "ماكسيم" مرددًا في ضيقٍ وهو يناولها شطيرة فأخذتها منه وهب تقول بابتسامة ظفرٍ:
-أنا الأيام دي شبعانة ذاتيًا.. فرحتي باللي بيحصل مش مخلياني عايزة حاجة تاني.
افتر ثغر "ماكسيم" عن ابتسامة هادئة قبل أن يسأل بفضولٍ:
-ويا ترى بقى أيه خطتك الجاية، ما هو السعادة دي وراها تخطيط جُهنمي.
قضمت من الشطيرة ثم مضغتها بهدوءٍ قبل أن ترد بملامحٍ واثقةٍ وأكتاف عالية:
-لايف.. هعمل لايف.
قطب ما بين حاجبيه ثم ردد بحدةٍ وتوجسٍ:
-لايف ليه؟؟ مش قولنا محدش يعرف إنك ليكِ علاقة بحاجة؟؟
نجلا بابتسامة هادئة وهي تضع الشطيرة في صحنها وتستكمل:
-لازم نولع الأجواء أكتر من كدا وبعدين أنا مستعجلة أنزل بالكارت التاني.
رفع أحد حاجبيه وتساءل متوجسًا:
-أيه بقى الكارت التاني؟؟
رمقته بطرف عينيها وهي تقول بابتسامة ثابتة:
-هتشوف بنفسك دلوقتي لمَّا أبدا اللايف بس أكتب الكومنت دا.
وجدته كتب على صفحته الرسمية بأن ما يحدث ما هي إلا حملة ممنهجة عليه للإيقاع به والتشهير بسمعته؛ فكتبت ترد عليه:
-“دي مش حملة ممنهجة.. دي أنا".
انتهت بعد أن أرادت لفت انتباهه لصفحتنا الشخصية ثم تنحنحت باستعداد قبل أن تعدل هيئتها من شعر وملابس ثم تضغط أيقونة البث المباشر لتبدأ مُدته، تنحنحت في هدوءٍ قبل أن تتكلم بثباتٍ:
-أنا نجلا.. باختصار واحدة من ضحايا عثمان السروجي واللي مش معروف عددهم.. وطالعة النهاردة علشان احكي لكم قصة عن ظُلم وطُغيان البني آدم دا ومعايا مُستندات وأوراق مهمة جدًا ومن موقعي هذا بقدم بلاغ للنائب العام ضد عثمان السروجي لضبطه وإحضاره وسؤاله عما نُسب إليه من اتهامات في حقي وحق ستات تانية كتير وأنا عندي ما يُثبت وجود ضحيتين تاني غيري!.
كان "ماكسيم" يتابع كلامها المباشر في صدمةٍ، بلاغ منها للنائب العام؟؟ يبدو أن نجلا ستمتص دمه كله وتبقيه رُفات، إذا وصل هذا البث لأعدادٍ كبيرة من الناس فسوف ينتهي ذلك الوعد للأبد.
قررت "نجلا" أن تضرب بقبضة من حديدٍ لاغتيال ما بقى من مناصرين ومؤازرين له، شرعت تحكي قصة خادمة تم استباحة عرضها دون إرادتها مرورًا بإنجابه ثلاثة أطفال من أُمهات مختلفة ونسبهم إلى زوجته التي لا تُنجب ومخاطبة الطب الشرعي بإجراء فحوصات للمدعوة "نبيلة السروجي" ومطابقتها مع ابنائها الثلاثة وأشارت إلى حملها منه وسرقة طفلتها منها وقدمت بلاغًا علنيًا تطالب فيه بإثبات نسب ابنتها إليها ثم أظهرت التحليل الذي أجرته وطالبت بالتأكد من صحته والإسراع في اتخاذ الإجراءات اللازمة مستغيثةً بالجهات الحكومية راغبةً في تحقيق العدالة لها ولِغيرها من ضحاياه.
التفتت تنظر إلى وجه "ماكسيم" الذي أطال النظر داخل هاتفه مصدومًا قبل أن يرفع بصره إليها فتوترت "نجلا" التي قررت إنهاء البث ثم تساءلت بقلقٍ كبيرٍ:
-في أيه يا ماكسيم؟؟
ماكسيم مجيبًا في ذهولٍ:
-عُمر عَمل حادثة؟؟
شهقت بقوةٍ قبل أن تهب من مكانها ثم تسأل بتوترٍ وهي تجري اتصالًا عاجلًا به:
-وكاسب؟؟ كاسب فين؟؟ ربنا يسترها عليه وعلى كاسب.
انتظرت حتى نهاية الجرس ولم تجد ردًا منه فنبشت مقدمة رأسها بطرف إصبعها ثم ردت بلهجة ثابتة:
-مش بيرد.. حاول تعرف لنا مكان المستشفى اللي موجود فيها!!
•~•~•~~•~•~•~•
جلست إلى مائدة الطعام في سطح السفينة وجلس صديقها الجديد الذي تعرفت عليه على متن السفينة في المقعد المقابل لها، تنفست الهواء إلى رئتيها بعُمقٍ قبل أن تتناول شوكتها ثم تلتقط بها الطعام في صمتٍ فقطب هو ما بين حاجبيه وتساءل بحرصٍ:
-إنتِ كويسة يا سكون؟!
رفعت بصرها إليه ثم أومأت إيجابًا وعلى محياها ابتسامة باهتة وقالت بعد تنهيدة طويلة:
-كويسة، بس قلقانة على عُمر.. كُنت بكلمه من شوية وفجأة ما ردش مع إنه شاف الرسالة.
أومأ الأخير متفهمًا وقال بلهجة ثابتة:
-أكيد انشغل في حاجة تانية ووقت ما يفضي هيرد عليكِ.
افتر ثغرها عن ابتسامة أوسع ثم تابعت بهدوءٍ:
-بما أني ما صدقت لقيت حد لا أعرفه ولا يعرفني علشان أحكي له كل حاجة حصلت في حياتي ويسمعني بكل الاهتمام دا؛ فلازم أقول لك إني مُمتنة ليك.
بادلها ابتسامة لينة ورد:
-أنا اللي مُمتن إنك وثقتي فيَّا وأتمنى علاقتنا تدوم بعد الرحلة ما تخلص.
أجابته بترحاب شديدٍ:
-دا شرف ليَّا بس..
سكتت هنيهة ثم أطرقت برأسها تنظر إلى طبقها وبعد ذلك أضافت بخفوتٍ:
-أنا محتاجة أفكر في عرضك أكتر ومن غير ضغط!!
مدَّ كفه يلتقط كفها المستقر على الطاولة وهو يقول بلهجة لينة ثابتة:
-وأنا مش هضغط عليكِ.. أتمنى تشوفي فيَّا بعد تفكير شريك الحياة المناسب.
تدبرت ابتسامة باهتة وهي تسحب كفها على الفور قبل أن تلتقط هاتفها وتقرر ارسال رسالة أخرى لشقيقها الذي ربما غاب عن باله الرد على رسالتها السابقة، كتبت بأناملٍ مُرتجفةٍ وارسلت الرسالة ثم ظلت تنظر بإمعان في انتظار قراءته لها.
•~•~•~•~•~•~•
جلس على ساقيه أمام غرفة العمليات، وضع رأسه بين كفيه منهارًا لا تقوى قدماه على حمله، أجهش ببكاء مريرٍ وكأن العالم أظلم للأبد في وجهه، كان يتابع تحركاته بربط هاتفه بهاتف "عمر" لمعرفة مكانه طوال الوقت بغرض الاطمئنان عليه والوصول إليه بسهولة، نظر إلى برنامج مراقبة الأخير على هاتفه فوجده موجودًا في مكان ناء وبقى فيه لوقت طويلٍ، استبد به القلق وأسرع بالسيارة إلى ذلك المكان ليجد السيارة مقلوبة بشكل مُريبٍ ومجموعة من الناس يضمدون جراح رجلين وحينما هرع إليه يصيح باسمه قاموا بإعطائه أشياء الجرحى التي وجدت بحوزتهم من هاتف وحافظة نقود وهوية وغيرهم، جاءت عربة الإسعاف وركب "كاسب" معهم حتى وصل بهم إلى المستشفى ليطلب الطبيب إدخالهم غرفة العمليات فورًا.
بدأ "كاسب" يضرب رأسه بكلا كفيه شاعرًا بالندم لعدم اصطحابه إلى البيت بنفسه وقلبه يشتعل بنيران الخوف من فقده بعد أن كَرس عُمره كله في البحث عنه، فهل من العدل أن يفقده قبل أن يجتمع به حتى؟؟، جاء "عثمان" وزوجته مُهرولين بقلوب هلِعة صوب غرفة العمليات وما أن رآه "عثمان" حتى هرع إليه يصيح محتدًا بالغضب:
-إنتَ بتعمل أيه هنا؟؟
نهض "كاسب" واقفًا في مكانه يقابل هجوم الأخير بعينين تقدحان بالشرر وما أن قبض "عثمان" على عنقه حتى فعل الأخير أيضًا، اشتدت قبضتي "كاسب" على عنقه بانتقامٍ ناري قبل أن يردد بصوت أجشٍ:
-ادعي إن عُمر يقوم بالسلامة وإلا قسمًا بالله هحرقك وإنتَ صاحي.. عليكِ تتمنى الموت يا عثمان بس مش هتنوله.
عثمان وهو يحدق فيه بنظرات نارية ويصيح:
-إنتَ أيه أصلًا اللي جايبك هنا؟؟ بتعمل أيه مع ابني، بتحرضه عليَّا؟؟ 
كاسب وهو يهدر بلهجة صارمة:
-أنا هنا في مكاني الصحيح.. أنا هنا علشان ليا فيه زيّ ما إنتَ ليك بالظبط!!.
في هذه اللحظة جاء الشيخ وابنه مهرولين إليهم لفض الاشتباك الذي تجمع على إثره من بالمستشفى جميعًا، تدخل "تليد" محاولًا إبعادهما بينما صاح "عثمان" مستنكرًا:
-إنتَ ليك في ابني أكتر مني!!
أومأ "كاسب" ثم أردف بابتسامة نارية:
-وردة الفيومي؟!!!.. الممرضة؟!! فاكرها!
زاغ بصر "عثمان" للحظات قبل أن ترتخي قبضته عن عنق الأخير وهو يستجمع ذكرياته مع هذا الاسم جيدًا ليباغته "كاسب" قائلًا بلهجة شديدة:
-أنا كاسب الفيومي.. خال عُمر!!!!!!!!!
يتبع

 •تابع الفصل التالي "رواية رحماء بينهم" اضغط على اسم الرواية

google-playkhamsatmostaqltradent