رواية الماسة المكسورة الفصل السابع و الخمسون 57 - بقلم ليلة عادل
[بعنوان: ما بين اللين والقسوة ]
كان رشدي يقف في الخارج أمام الباب يسترق السمع، جز على أسنانه بغيظ وقلب وجهه والغل يحرق قلبه، توجه إلى مكتب صافيناز
-مكتب صافيناز
-كانت تجلس صافيناز خلف مكتبها تراجع بعض الأوراق، دخل رشدي دون أن يطرق الباب، رفعت عينيها نحوه باستغراب.
صافيناز بإستهجان: ايه يا رشدي الطريقة إللي إنت دخلت بيها دي، ماتبطل بقى أسلوبك البيئة ده.
رشدي بعصبية: إحنا في مصيبة يا صافيناز.
توقفت صافيناز بترقب وهي تنظر له: في أيه؟
رشدي: الهانم.
اتسعت عينا صافيناز برعب وهي تخرج الكلمات بصعوبة: أوعى تكون حكت للباشا حاجة.
هز رشدي رأسه بلا: ماحكتش بس عملت مصيبة أكبر.
صافيناز بغضب: ما تتكلم يارشدي إنت هتفضل تنقطني بالكلام بالقطارة؟
رشدي بتوضيح: طلبت من الباشا إنه ينقل حق الإدارة لكل الأسهم بتاعته وبتاعتها لسليم.
جلست صافيناز باهتزاز وصدمة: بتقول ايه؟
ضربت بكفها على المكتب بغل جزت على أسنانها:
-احنا لازم نبلغهم، ونتجمع عشان نشوف هنعمل ايه في المصيبة دي (رفعت الهاتف)
رشدي: بتتصلي بمين
صافيناز: بعماد، وإنت كلم طه هنتقابل في الشقة بتاعتك.
رشدي: تمام
💕__________بقلمي_ليلةعادل__________💕
((بعد وقت))
-منزل رشدي الثالثة عصراً.
شقة فاخرة على الطراز الحديث، تتناسب مع شخصية رشدي المنحلة والمجنونة.
في الرسيبشن، يجلس كل من طه، منى، عماد، صافيناز، ورشدي، يتحدثون عن ذلك الخبر.
منى بدهشة وتوتر: ده كده إعلان كامل ونهائي إن سليم هو اللي هيبقى الوريث.
عماد يسأل بريبة: إنت متأكد يا رشدي من اللي إنت سمعته ده؟
رشدي، بحقد واضح: أيوه متأكد، مستنيين يوم ما
يرجع سليم للمجموعة عشان يفاجئوه بالموضوع.
صافيناز، بضيق شديد: أنا عايزة أفهم… يعني كل اللي الباشا كان بيعمله معانا من سنين كان كذب؟ وإنه كان بيدينا فرصة نثبت نفسنا بس عشان يضحك علينا؟! يعني حتى لو كنا نجحنا، بردو مكنش هيفرق معاه؟ كأنه ماخلفش غير سليم بس!
رشدي، بتهكم وكراهية: عشان ماحدش تاني يسألني ليه حاولت أقتله… لأني كنت عارف! كنت عارف إن الباشا مش شايف غير سليم، وإننا ولا حاجة بالنسباله. عادي جدًا إنه ينفينا، يستغنى عننا، يخلص علينا كإننا مش ولاده أصلاً!
طه يعترض بغضب: يا جماعة، إيه اللي بتقولوه ده؟ بابا بيحبنا كلنا، واختياره لسليم لأنه فعلاً هو اللي يستحق، وإنتم كلكم عارفين إنه يستحق، بلاش بقى نضحك على نفسنا.
صافيناز تنظر له باستهجان: طه، لو سمحت ماتتكلمش. ولو كنت موجود هنا، فإنت موجود عشان إنت عارف الحكاية من أولها لآخرها وبس.
رشدي يؤيدها وهو ينظر لطه نظرة بحده: بالظبط كده، ياريت بقى تقعد ساكت.
طه ينظر لهم باستهجان،: أنا مش هستحملكم كتير، لإنكم بقيتوا حاجة لا تطاق.
رشدي يقترب منه قليلًا، ثم يهمس له بنبرة تهديد: وأنا مش عايزك تنسى اللي إنت عارفه.
نظر له طه بغل وكره، فهو يفهم جيدًا مايقصده رشدي… إنه يذكره بتهديده لأبنائه.
منى، محاولة تغيير الحديث: المهم دلوقتي، هنعمل إيه؟
رشدي يضحك بسخرية: خلاص، مافيش حل يا منى. إحنا بقينا كلنا موظفين، وهناخد شوية فتافيت من سليم، مصروف كل أول شهر. هيلعب بينا زي الشطرنج، ومش بعيد قريب أوي تلاقيه بيلعب معانا لعبة الصياد، عشان يخلص علينا واحد واحد.
صافيناز تنظر إلى عماد بحدة؛ ماتقول حاجة يا عماد، هو إنت هتفضل ساكت؟
عماد، بعد لحظة صمت: أنا بحاول أفكر. إنتوا عاملين تزعقوا وتتعصبوا ومش مديين فرصة إننا نهدى ونفكر بالراحة في المصيبة دي. هو إنتم فكرتوا بس في الفلوس؟ مافكرتوش إن ده ممكن يكون إنذار؟ الهانم ممكن تروح تقول للباشا كل حاجة، وساعتها الباشا هيحرقنا صاحيين! أو حتى يخليه ينقل الأسهم بتاعتكم باسمه.
صافيناز بقهر: دي تبقى مصيبة لو عملت كده وأخدت الأسهم بتاعتنا.
منى، بفحيح أفعى رقطاء: أنا عندي فكرة جهنمية، بس محتاجة منكم قلب جامد.
رشدي، بابتسامة ساخرة: تفتكري بعد اللي عملناه يبقى قلبنا مش جامد؟
منى، بثقة تتحدث بدهاء: اسمعوا اللي هيعمل التوكيل ده للباشا هو المحامي، إحنا بقى هنحضر توكيل صغير بحق الإدارة لحد فيكم، صافيناز أو رشدي، وده في حالة موت سليم. هنخبيه وسط الأوراق، هنحط من فوق ورقة عادية، وهنلزق من تحتها ورقة التوكيل بتاعنا بطريقة معينة، من فوق ظاهر له حاجة، لكن من تحت هو بيمضي على حاجة تانية. وبعد ما يمضي، هنفكهاونخليها معانا، وأكيد الأوراق دي الباشا هيخبيها يا في الخزنة بتاعته اللي في القصر، يا في خزنة المكتب. وأعتقد إن صافيناز عارفة الرقم السري.
عماد، بتفكير عميق: بس انتي نسيتي حاجة مهمة، إن المفروض الإدارة دي تتنقل للباشا بعد موت سليم.
منى، بحزم: لا طبعًا، لأن التوكيل هيبقى نقل نهائي بحق الإدارة، وبكده كمان الباشا مالوش لازمة، لا هو ولا الهانم.
طه، متعجبًا: إنتوا عايزين تعملوا إيه؟! إنتوا اتجننتوا؟ وبعدين، إنتوا عايزين تقتلوا سليم تاني؟!
منى، بجبروت: ممكن هو اللي يموت لوحده لو اقنعنا يعمل العمليه عشان يرجع زي زمان.
طه، بعصبية: أنا مش موافق على اللي إنتوا بتعملوه ده! كفاية بقى، إنتوا ما بتستكفوش! أنا همشي وما ليش دعوة بأي حاجة ممكن تحصل، إنتوا فاهمين؟! أنا بره ألعابكم القذرة دي.
حاول التحرك، لكن توقف حين استمع لصوت رشدي.
رشدي، بتهديد: بقول لك إيه يا طه، مش هقول لك تاني، ملكش دعوة، ولو لسانك ده نطق بحاجة… إنت عارف اللي هيحصل.
نظر له طه من أعلى لأسفل باختناق، ثم رحل.
منى، بغضب: رشدي، مش كل شوية هتهددنا بالأولاد!
رشدي، بمكر توقف امامها وهو يمثل الحنان: هو انتي بتصدقي؟! أنا بقول كده بس عشان أخوفه، عشان مايتكلمش. إنتي عارفة جوزك جبان، ممكن يروح يقول للباشا والهانم كل حاجة، وساعتها كلنا هننتهي. أنا ماقدرش أعمل في أطفال أبرياء أي حاجة، هو أنا للدرجة دي ما بحسش؟
منى، بتهديد: أوعى تكون بتضحك عليا، أنا مش سهلة يا رشدي.
رشدي، بضحكة ساخرة: إحنا عارفين كلنا إنك مش سهلة يا منى، وكل حاجة بتمشي من تحت إيديكي، ما تقلقيش. المهم دلوقتي، هنختار مين نعمله التوكيل ده… أنا عجباني الفكرة.
صافيناز، بابتسامة خبيثة: وأنا كمان عجباني الفكرة.
نظرًا لبعضهما بخبث، فهم يفهمان بعضهما جيدًا، فاختيارهما لطه لم يكن عشوائيًا، بل لأنه الطرف الطيب والأضعف بينهم، وسيعرفون جيدًا كيف يتلاعبون به.
صافيناز، ببرود: طه هو اللي هيبقى له حق التوكيل، مش منى، مع إنها صاحبة الفكرة.
منى، باستهجان: واشمعنا يعني؟ قلبكم فجأة بقى بيحب طه؟!
رشدي، بابتسامة ماكرة: إحنا بنثق في طه كويس جدًا، وعارفين إنه مستحيل ياكل حقنا.
عماد، محذرًا: بس الأهم طبعًا مايعرفش أي حاجة يا منى، الكلام ده سر ما بينا. ابقي قولي له إن صافيناز أخدت التوكيل، وروحي بقى الحقي المجنون ده قبل ما يعمل أي حاجة، ونبهي عليه ما يقولش حاجة للباشا.
منى، بثقة: خلاص، ماشي، ما تقلقوش، إنتوا بس جهزوا العقد، وأنا هخلي طه يمضي عليه بمعرفتي.
خرجت منى، تحمل حقيبتها، تغادر المكان وهي تشعر بالسعادة، معتقدة أن الإدارة أصبحت لزوجها، وبهذا أصبحت لها. طمعها أعماها، فهي لا تفكر إلا في الفلوس، ولم تستوعب أن رشدي وصافيناز يلعبان بها، وأنهما يخططان لجعلها هي وطه يتحملان مسؤولية التوكيل بالكامل. لم تخطر ببالها ولو للحظة أنهم يجهزونهما ليكونا كبش فداء لو حدث أي خطأ، لتقع هي وطه في الفخ ويدفعا الثمن وحدهما، بينما يظل الباقون بأمان.
فور خروجها، ضحك عماد بخبث، ثم قال وهو ينظر إليهما بمكر: ده أنتم الاثنين ديابة! لبستوها عشان لو اتقفش، يبقى طه هو اللي عملها، ومنى هي اللي لاعبة في دماغه.
صافيناز، بجدية: المهم دلوقتي إحنا لازم نكلم حد في مكتب المحامي، عشان نعرف وقت ما الأوراق تجهز، ناخد خبر ونحط التوكيل ده فيه.
رشدي، بحزم: سيبي الموضوع ده عليا، أنا هعرف أوصل بطريقتي. جهزي إنتي بس عقد التوكيل، وأهم حاجة يكون فيه بند ينقل حق التوكيل بشكل نهائي لطه بعد موت سليم.
عماد، مؤيدًا: اتفقنا.
رشدي: بس إنتوا نسيين حاجة مهمة دلوقتي، مشكلتنا إن سليم خد الإدارة، وأكيد الفترة اللي هيكون فيها ماسك كل حاجة هيبهدلنا.
عماد، مفكرًا: مضطرين نتحمل ونطاطي، ونقول حاضر وأمرك يا سليم، وإنت صح ونكبره، بس ما نزودهاش، يفضل شايفنا عادي، لكن طبعًا إنت يا رشدي مش هتقدر تستحمل، وهتتضايق وتعترض، وإنتِ كمان يا صافي لازم يكون ليكي رد فعل، بس بشكل طبيعي، عشان ما نكشفش نفسنا.
رشدي، بضيق: طب وبعد كده؟
عماد، بابتسامة خبيثة: وبعد فترة، لما الهانم تبطل تركز معانا، لأن الهانم شكة فينا وحاطة عينيها علينا، ومش بعيد تكون بتراقبنا، ساعتها نخليها تهدى من ناحيتنا، ونبدأ نشتغل عليها في ماسة. كل ما تركّز مع ماسة، كل ما عينيها تروح من علينا، زي زمان. وساعتها نشوف إزاي نتخلص من سليم، بس المرة دي لازم فعلاً زي ما قالت منى، تكون العملية متكاملة وما فيهاش ثغرات ونقنعه يعمل عملية.
رشدي: يبقى مافيش غير إننا نستغل إن سليم ناوي يعمل عملية، ونستغل ياسين أو فريدة في اقناعه يعملها بسرعه.
صافيناز: صح، لأنه لازم يرجع تاني يقف على رجله بدل ما يبقى أبو عكاز، ورجليه بتوجعه، وبيعرج، وما بيخلفش.
ضحكوا جميعًا بخبث، بينما تتضح معالم الخطة الشريرة أكثر فأكثر.
صافيناز، بحذر: بصوا، إحنا لازم نرتب لكل حاجة بالراحة، ما نستعجلش، بس لازم نخلص من موضوع التوكيل الأول، عشان وقت ما نخلص من سليم، تكون كل حاجة متحضرة، بامضته هو شخصيًا.
رشدي بتوتر: بس إحنا كده هنحارب الباشا والهانم؟
صافيناز، بثقة: هنحاربهم، وإحنا معانا كل حاجة. وساعتها رجال المافيا هيحمونا، لأنهم مش بيهتموا غير بحاجة واحدة… الفلوس.
عماد: صح.
فيلا ماسة وسليم السادسة مساءً.
كان سليم جالسًا على المقعد في الحديقة، محاطًا بالصمت، إلا من صوت أنفاسه العميقة ودخان سيجارته المتطاير في الهواء، عينيه غارقتان في التفكير، وأمامه فنجان قهوة لم يلمسه، صار باردًا ليس مثل مشاعره المحرقه في الفترة الأخيرة.
كان غارقًا في دوامة من الأفكار، يشعر بثقل الأيام التي مضت. عصبيته الزائدة مع ماسة، غضبه غير المسيطر عليه، شعوره بالعجز… كل شيء كان ينهشه من الداخل. كيف وصل إلى هذه الحالة؟ متى أصبح الرجل الذي يفقد أعصابه بسهولة؟ سليم الراوي لم يكن يومًا كذلك، لم يكن يومًا ضعيفًا أو مستسلمًا.
أخذ نفسًا عميقًا من سيجارته، عازمًا على شيء واحد… لا، لن يبقى هكذا أكثر. لا يمكن أن يظل كنيران تحرق كل من يأتي امامها، بينما من دمر حياته يسير حرًا. عليه أن يستعيد قوته، أن ينهض، أن ينتقم… لماسة، ولنفسه أيضًا.
اقترب مكي بهدوء، سحب كرسيًا وجلس بجانبه، ضرب على ساقه بخفة وقال بابتسامة جانبية: عامل إيه؟
رفع سليم عينيه إليه بصمت قبل أن يجيب بصوت منخفض: الحمد لله.
مكي وهو ينظر إلى يده: ما شاء الله، الهزة شبه اختفت.
نظر سليم إلى يده، حرك أصابعه ببطء قال بمرارة: آه، بس لما بمسك حاجة لفترة طويلة ساعات بترجع.
هز مكي رأسه بتفهم: معلش، فترة وهتعدي المهم إن رجلك دلوقتي بقت أحسن.
ظل سليم صامتًا للحظات، ينظر إلى قدمه، قبل أن يقول بصوت هادئ لكنه يحمل داخله مرارة: أحسن!، رجلي أحسن… بس عمرها ماهترجع زي الأول، حتى لو العكاز ده بعد فترة مش هحتاجه، عمري ماهرجع حياتي زي ماكانت قبل الحادثة.
تنهد ببطء، ثم أضاف وهو ينظر أمامه بشرود:
عارف، حاسس إن حياتي بعد الحادثة حاجة، وقبلها حاجة تانية خالص… كأني شخص تاني. أنا نفسي حاسس إني اتغيرت، بحاول أرجع، بحاول أقاوم، بحاول أكون سليم بتاع زمان… حتى سليم اللي قبل ما يعرف ماسة بس مش عارف كاني واقع جوه بير ما لوش نهايه.
نظر له مكي بتركيز، ثم ابتسم نصف ابتسامة وقال بثقة: أنا متأكد إنك هترجع، بس محتاج تهدى…
أشار إلى يده نحو جبينه:
ده كمان محتاج يهدى شوية.
ضحك سليم بسخرية خفيفة ثم نظر له: أنا بفكر أعمل حاجة لماسة… كاعتذار، وحاول أخرجها من المود اللي هي فيه النهارده.
هز مكي رأسه موافقًا: فكرة كويسة.
سليم وهو يعقد حاجبيه بتفكير جاد: كمان بكرة هرجع المجموعة، فحضّر الحراسة، وحضّر نفسك… هتكون معايا إنت وعشري. وجهّز لي كل الأوراق اللي محتاجها.
مكي بإيجابية: تمام، أعتبر كل حاجة جاهزة كدة خطوه كويسه جداً كدة نقدر نقولك الملك رجع.
نهض بثبات، وكأنه استعاد جزءًا من نفسه القديمة.
قبل أن يتحرك، قال بصوت هادئ لكنه يحمل قرارًا واضحًا: عايزك تعمل لي شوية أنوار بسيطة… وعلّق لي هنا مرجيحة بأحبال، حطّي عليها لمبات صغيرة… عايز جو لطيف، ساعة كفاية.
نظر إليه مكي بتمعن، ثم ابتسم بثقة: اعتبره حصل.
أومأ سليم برأسه بإيجابية، ثم خطا بعيدًا، تاركًا خلفه أثرًا من الحسم، وكأن داخله بدأ يستعيد توازنه من جديد.
💕________________بقلمي_ليلة عادل◉‿◉
قصر الراوي
غرفة السفرة الفاخرة السابعة مساءً
الطاولة ممتدة بأطباق مزينة بعناية،عزت يجلس على رأس الطاولة، وإلى جانبه فايزة، بينما يجلس باقي العائلة، غمزه عماد لصافيناز كي تبدا في التحدث عن ما حدث اليوم لنقل لسليم الاسهم قالت.
صافيناز تنظر نحو فايزة تتسال: ها يا مامي… إشمعنا دلوقتي؟ إيه اللي حصل الصبح ده؟
منى بفضول واضح: وإحنا إزاي مانعرفش؟ إزاي اتفاجئنا؟
ردت فايزة بصوت ثابت وواثق: أنا أعمل اللي أنا عايزاه، ومحدش ليه دعوة… وأختار الوقت اللي أنا عايزاه أقول فيه.
رشدي يرفع حاجبه بسخرية طفيفة: إنتِ هتعترضوا ولا إيه؟
يبتسم جانبيًا قبل أن يضيف: ده مش اعتراض
ده مجرد سؤال، ولا احنا كمان مش من حقنا نسال
عزت بقوة وديكتاتورية: لا، من حقكم تسألوا، أنا وفايزة قررنا القرار ده، ومش عايز مناقشة. مفهوم؟ ولا عندكم أي مشكلة؟
صافيناز وهي تشرق من كاس: هو إحنا نقدر حتى لو عندنا.
ياسين: وينظر إلى عزت قائلاً؛ هو ده الصح اللي كان لازم يحصل من زمان يا باشا.
فريدة تومئ موافقة: فعلاً… أحسن حاجة حصلت.
يعود الجميع لتناول طعامهم كأن شيئًا لم يكن، بينما ينظر عزت إلى فايزة بصمت، مدركًا أنها لا تتصرف إلا بحساب.
– فيلا سليم وماسة التاسعة مساءً
ـ الحديقة
نرى الحديقة مضاءة بإضاءة هادئة، تمنح المكان لمسة دافئة دون تكلف. طاولة خشبية قصيرة تزينها أوراق ورد حمراء، وبجوارها مقعدان متقاربان. على الأرض، استقر سبت من الخوص، بينما على بُعد خطوات، تدلت أرجوحة خشبية مربوطة بحبال، ولفّ حولها حبل من اللمبات الصغيرة متعددة الألوان، تضيف للمشهد روحًا ناعمة.
وقف سليم في المنتصف، يتأمل التفاصيل من حوله، ممسكًا بعكازه. كان يرتدي بنطالًا منزليًا وتيشرت بسيطًا، ورغم بساطة مظهره، إلا أن وسامته المعتادة لم تخفت. للحظة، مرر نظره حوله، كأنه يتأكد أن كل شيء على ما يرام، قبل أن يرفع عينيه باتجاه باب الفيلا الزجاجي.
خرجت ماسة من الباب المطل على الحديقة، ترتدي بيجامة ستان باللون الموف، وقد رفعت شعرها في كعكة لأعلى، تاركة بعض الخصلات تتدلى على وجنتيها. اقتربت من سليم وهي تعقد حاجبيها متعجبة حتى توقفت أمامه.
ماسة بنبرة لطيفه: حبيبي، في إيه؟
رمقها سليم بابتسامة جذابة عاشقة، مد يده وأمسك كفها، وقربه إلى شفتيه، ثم وضع قبلة رقيقة عليه بوقار، وهو يسلط عينيه عليها، قبل أن يقول بهدوء:
مافيش، حبيت أقضي معاكي وقت لطيف… يعني عشاء رومانسي.
نظرت ماسة من حولها باستغراب قبل أن تعلق بمزاح لطيف: والكام لمبة دول هي دي الرومانسية؟ مع الوردتين اللي خطفتهم من مامتهم وحطيتهم على الترابيزة؟ مش حرام عليك؟
تبسم سليم: ماعرفتش أعمل حاجة أكتر من كده، وبعدين كل ما كان أكثر بساطة، كل ما كان أكثر جمالًا… (غمز لها مازحًا) خلاص، اتعودتي على الحاجات الكبيرة المبهرجة ياقطعة السكر؟
تبسمت ماسة بلطف، ثم قامت بقرص خده بمداعبة، وهي تقول بحب: أنا بنغشك يا كرملتي، أي حاجة بتعملها بتعجبني… بس ده بمناسبة إيه؟
سليم وهو يركز عينيه داخل عينيها الزرقاء التي يغرق في عشقهما، وضع يديها عند قلبه بحب، قال بصوت يملؤه الاعتذار والأسف:
ـ اعتذار من قلبي…
ثم ووضع يده على قلبها، أكمل بوتيرة متأثرة:
لقلبك… اعتذار من قلب سليم لقلب ماسته الحلوة على كل اللي فات. أنا عارف إن الفترة اللي فاتت كنت سخيف بزيادة، عصبي، وبزعلك. وأكتر من مرة بوعدك إني هحاول أمسك نفسي وأتمالك غضبي، لكن كل وعودي كانت بتتبخر في الهوا. بس خليكي واثقة ومتأكدة إنه غصب عني، وإني معترف بغلطتي مش بنكرها، وإني أكيد هرجع زي ما كنت… سليم حبيبك، كراميل اللي متهونيش عليه يزعلك ثانية واحدة.
تبسمت ماسة بحب، وهزت رأسها برفض وهي تقول برقة: ماتعتذرش يا سليم، أنا فاهمة ومقدّرة مشاعرك، ولو مكنتش هتحملك دلوقتي هتحملك إمتى؟! الإنسان الحقيقي بيبان وقت الأزمات، وعايزة أقولك على حاجة، كل ده هيعدي، وكل ده هينتهي قريب، أنا واثقة في ربنا.
مسح سليم على يدها التي كانت على قلبه، وقال بثقة وهو يركز النظر داخل عينيها بعشق:
أنا عارف إنه هيعدي، لأني متأكد طول ما إحنا مع بعض، كل حاجة هنعديها سوا، هنعدي كل الصعوبات طول ما إحنا ماسكين في إيد بعض.
أمسك يدها التي كانت عند قلبه بانضمام، ثم رفعها إلى شفتيه ووضع قبلة دافئة في منتصف كفها، وهو يبتسم لها بعشق جامح.
اغرورقت عينا ماسة بالدموع، ومدّت وجهها نحوه بتأثر، وضعت يديها على خده وهمست:
هو ده اللي كنت بحاول أقنعك بيه طول الفترة اللي فاتت…
تقدّمت خطوة، تدقق النظر داخل عينيه بعشق، وقالت بنبرة متأثرة وعقلانية:
الحمد لله إحنا لسه مع بعض يا سليم، أنا وأنت خرجنا من الحادثة بخير، ولسه بنتنفس، مافيش حد فينا اتحرم من التاني، عايز إيه تاني؟! حتى لو خسرنا حور، وإني موجوعة عليها، وحاسة إن حتة من قلبي ومن روحي راحت معاها، بس… بس إنت لسه معايا، لسه جنبي. يمكن خسارتنا كبيرة أوي، بس خسارتك إنت بالنسبة لي هلاك، خسارتك هي موتي، أنا ماقدرش أعوضك، ماقدرش أعيش من غيرك.
تنفست بعمق، قبل أن تكمل بصوت يرتجف:
أنا عارفة إن اللي حصلنا يهد جبال، بس إحنا مع بعض…
تبسمت بأمل، ثم أضافت بصوت دافئ:
ماحدش فينا اتحرم من التاني.
نظرت إليه بعينين ممتلئتين بالدموع، وقالت بصوت خافت لكنه واثق:
عارف إيه اللي خلاني أبقى قوية حتى لو شوية صغيرين؟ وصامدة لحد اللحظة دي؟ هو إنت… إنك عايش، إنت سر تمسكي بالحياة. بعد ماعرفت اللي حصلنا، وجودك هو اللي خلاني أستمر…
توقفت لحظة، قبل أن تسأل بحذر:
طب قول لي يا سليم… اللي إحنا فيه دلوقتي على قد ما هو صعب، بس لو كنت فوقت من الغيبوبة ولقيتني مش موجودة و—
فور نطقها بهذه الكلمة، وضع سليم يده على فمها مسرعًا، وقرب وجهه منها بشدة، اتسع بؤبؤ عينيه التي ترقرق الدمع بهما، وقال بتأثر شديد:
هشّش… أوعي تنطقي بيها…
هزّ رأسه عدة مرات برفض، ثم واصل بصوت مرتجف:
أنا مستحيل أتخيل حاجة ممكن تبعدني وتحرمني منك، أوعي تقوليها تاني، أنا أضعف حتى من إني أسمعها… أنا كمان، اللي مخليني عايش ومستمر ولسه بقاوم هو وجودك يا ماسة.
وضعت ماسة يدها فوق يده، وقالت برجاء حنون:
أوعدني إنك تحاول تاني، مش عشاني والله، عشانك يا سليم. إنت لو فضلت تزعق وتتعصب سنين مش شهور، مش هيغيّر حاجة. أنا عارفة إن ده السبيل الوحيد اللي بتخرج بيه وجعك وغضبك، ومش هقول لك ماتتعصبش، لكن اتعصب على أي حاجة غير رفضك للي إنت فيه.
توقفت لحظة، ثم نظرت إليه بعينين مليئتين بالحب والحكمة، قبل أن تهمس:
إنت عارف يا سليم إيه اللي ناقصك؟
نظر لها سليم بعينين متسائلتين، كأنه يطلب منها الجواب بصمت. أكملت ماسة:
الرضا… إنك ترضى باللي ربنا كتبهولك، وتقول
الحمد لله… الحمد لله إني صحيت بخير، وإني بقدر أقف على رجلي، حتى لو هفضل لفترة مؤقتة بمشي بعكاز. الحمد لله إني قادر أدخل الحمام لوحدي، الحمد لله إني بقدر آكل لوحدي حتى لو مراتي حبيبتي بتساعدني لفترة صغيرة. الحمد لله إني بقدر أنام من غير ألم، الحمد لله إن ماسة موجودة، الحمد لله على نعم كتير عندك، غيرك بيتمنى ربعها.
ضغطت على يده بلطف، وأكملت بعينين مليئتين بالأمل:
قول الحمد لله وارضى، وشوف الحياة واللي حصل لك من ناحية تانية. كله هيعدي، زي ما إنت قولت. طول ما إحنا مع بعض وماسكين في إيد بعض، هنقدر نعدي كل حاجة، عشان إحنا بنقوّي بعض، وبنكمل بعض… صح؟
هز سليم رأسه بنعم، قبل أن يسحبها إلى أحضانه، يضمها بقوة وكأنه يخشى أن تفلت من بين يديه. صوته خرج عميقًا، يحمل في طياته وجعه وغضبه:
عارفة… يمكن لو وصلت للي عمل فينا كده، هاهدَى شوية. وأنا أوعدك، الحتة اللي راحت من روحك وقلبك، هرجعهالك تاني. يوم ما أجيب لك اللي عمل في بنتنا كده، وفيكي كده، تحت رجلك… وتاخدي حقك بنفسك
ابتعدت ماسة قليلًا عنه، تنظر له برفض ودموع تلمع في عينيها:
بس أنا قولتلك لو مقابل إنك تجيب حق حور، إني أخسرك… فأنا مش عايزاه! سليم، انتقامك مش هيرجع حور، وأنا هكسب إيه لما تنتقم وتسيبني لوحدي؟! وحياتي عندك، تاخد بالك من نفسك، أنا مش حمل خسارتك… والله هموت فيها!
تشبثت بوجهه، تضغط على وجنته بأنامل مرتعشة، وهمست بدموع متوسلة:
أوعى يا سليم… هعيش ليه ولمين؟! أوعى تضحي بنفسك، وحياتي، وحياة حبنا… ورحمة حور، توعدني إنك مش هتعرض نفسك لأي حاجة ممكن تأذيك! أوعى ياسليم… هعيش ليه ولمين؟! أوعى
نظر لها سليم بعينين تلمعان بالدموع، ثم هزّ رأسه بإيجاب، وهمس بصوت مكتوم:
أوعدك… إني هاخد بالي من حياتي، عشانك.
شدها إليه، يضمها بقوة وكأنه يريد أن يزرعها داخله، يروي عطش قلبه الذي جف من الألم. كانت ماسة أيضًا تضمه بقوة ولهفة، تبحث عن دفئه، عن الأمان الذي يسكن بين ذراعيه.
أخذا يعانقان بعضهما بقوة، يهدئان أنين قلبيهما المتعبين، حتى ابتعدت ماسة قليلًا، مسحت دموعها، ثم قالت بابتسامة جميلة، تحاول كسر أجواء الحزن:
ماسة بمزاح محبب: بقول لك إيه… إنت عامل لي الأجواء دي كاعتذار؟ وعشان نخرج من مود الكآبة والحزن ده، صح؟
هزّ سليم رأسه بإيجاب، وتبسم بجاذبية ساحرة. أكملت ماسة بمرح، وهي تشير بيدها نحو السَبَت:
طيب يلا نحتفل… ها، البتاع ده فيه إيه؟
تقدّم سليم، وأحنى ظهره ليفتح السَبَت، لكن ماسة تحركت فورًا لمساعدته. نظر لها بنظرة حادة، وصوته خرج ببحة رجولية صارمة: ماسة… أنا هعمل كل حاجة لوحدي.
رفعت ماسة يديها باستسلام، وهي ترفع حاجبيها بمزاح: بس بس… صلّي على النبي! إنت بتتحول على طول! خلاص، اعمل اللي إنت عايزه… وأنا هقف هانم!
ثم أخرجت له لسانها بمشاكسة، لتنتزع منه ضحكة خافتة، تخفف بها ثقل اللحظة.
سليم بمزاح وهو يشير إليها: بالظبط، خليكي كده واقفة هانم.
ثم أخرج زجاجتين من العصير، وغمز لها بمرح، قائلاً: عصير برتقال بالجزر اللي بتحبه قطعة السكر.
تبسمت ماسة له بابتسامة مشرقة، بينما وضعهما على الطاولة. أكمل سليم بإخراج سندوتشين، قائلاً بحماس:
ودول بقى سندوتشات جبنة براميلي باللانشون والزيتون، وعليهم شرايح شيبسي بالشطة والكاتشب.
زادت ماسة من ضحكتها بحماس، وقالت بمرح: الله الله، أنا جعانة!
مدّت يدها لتمسك بأحد السندوتشات، لكن سليم ضربها على يدها بلطف، وقال بالتركي وكأنه يتحدث مع طفلته: yuk, yuk، اصبري لحد ما أخلص.
ماسة تضحك وهي تتحسس ظهر يدها بألم مصطنع: آاه، إنت بتضرب بجد يا سليم!
سليم بصرامة مرحة: أيوه، بطلي طفولة لما أخلص.
ضيّقت ماسة عينيها وغمغمت بتذمر مشاكس: رُخم!
ابتسم سليم وهو يخرج سندوتشات أخرى، قبل أن يقول بنبرة محببة: ودول بقى برجر بالكاتشب والمايونيز وشوية مستردة، وعليهم خس زي ما قطعة السكر بتحب.
صفّقت ماسة بحماس، وابتسامتها العريضة زادت وجهها إشراقًا: الله يا حبيبي! بس اشمعنا ده لونه أحمر؟
سليم بلطف: عشان ده بتاعي، عليه فلفل، وإنتِ ما بتحبيش الحاجة الـ سبايسي.
ثم نظر لها متسائلًا بمزاح: تفتكري إيه اللي جاي؟
ماسة تنظر لأعلى وكأنها تفكر، ثم تبتسم بخبث: لايون بالكاتشب!
هز سليم رأسه بإيجاب وأخرج أكياس الشيبسي، ثم أكمل متسائلًا: طب واللي جاي؟
وضعت ماسة يدها أسفل ذقنها بتفكير، وقالت: غزل بنات؟
هز سليم رأسه نفيًا، فأكملت على ذات الوتيرة: مارشميلو؟
رفع سليم حاجبيه بنفي: تؤ.
ماسة بتحدٍ: شوكليت؟
سليم بابتسامة جانبية: برضو لا.
زمت ماسة شفتيها وهي تفكر بتركيز: اممممم… مصاصة بطعم الكولا!
سليم بغمزة: قربتي.
اتسعت عيناها كالطفلة، وصاحت بحماس وهي تصفق: يبقى جيري كولا!
تبسم سليم على ولدنتها، وأخرج كيسًا، لكن في لمح البصر، مدت ماسة يدها بسرعة، وخطفته من بين يديه وفتحته.
سليم متفاجئًا: ماسة، استني لما أ…
لكنها كانت قد فتحته بالفعل، وأكلت واحدة بتلذذ وهي تبتسم.
سليم بيأس من طفولتها: أنا مالحقتش أكمل الجملة.
مدت ماسة يدها ووضعت واحدة في فمه بحنان: كل كل، طعمه جامد أوي.
سليم وهو يتناولها مبتسمًا: مش هتبطلي طفولة.
اقتربت منه حتى توقفت أمامه مباشرة، ثم ضمته بدلال وهي تتمايل بين ذراعيه، وقالت بصوت ناعم: مش بتحب طفولتي؟
نظر لها سليم بابتسامة جذابة، وقال بصوت دافئ: بموت فيها يابنوتي الحلوة.
ثم وضع قبلة على خدها وهو يربت على كتفها، قبل أن يقول بحنان: يلا تعالي نقعد.
أمسك يدها وسحب لها مقعدًا برقي.
ماسة بتلقائية: استنى أساعدك الأول.
تنهد سليم بضجر، فهي باهتمامها به تجعله يشعر بالعجز، وهو لا يحتمل ذلك الإحساس.
رد ببحة رجولية وهو ينظر لها بعينيه العميقتين: احنا قولنا إيه؟ أنا لو محتاج مساعدة، هطلبها منك إنتي، مش من حد تاني، تمام؟
ماسة ببراءة: حاضر.
جلست وجلست بجانبه، تبسم لها متسائلًا وهو يتأمل ملامحها بحب: عشقي، مبسوطة؟
ماسة بسعادة: أوي.
سليم: يارب دايمًا أشوفك مبسوطة.
مد يده وأمسك يدها، ثم وضع قبلة داخل كفها، وتساءل باهتمام: تحبي تاكلي إيه عشان أفتح لك؟
نظرت ماسة للسندوتشات بحيرة: مش عارفة! محتارة آكل إيه الأول؟
نظر سليم للسندوتشات، وقال بحسم: كلي اللانشون بالجبنة، (بتذكر) أنا صح عامل شاي، عارفك بتحبي تاكليهم بالشاي.
مد يده للأسفل بجانبه، ووضع الترمس على الطاولة، ثم صب الشاي في الأكواب. كل هذا وما زالت ماسة تفكر بماذا تبدأ، فأكمل سليم: ها، وصلتي لقرار؟
ماسة بحماس: اممم، أنا هاكل اثنين سوا.
رفع سليم أحد حاجبيه بتعجب: ودي هتعمليها إزاي بقى؟
ماسة بمزاح بطريقتها القديمة قالت بثقة: هتشوف حالًا يا سليم بيه، ما تستصغرنيشي. وضحكت ببلاهة.
سليم وهو يضحك: وريني يا ماستي الحلوة.
فتحت ماسة أكياس الاسترتش من على السندوتشات، وأمسكت واحدًا في يدها اليمنى والآخر في يدها اليسرى، وأخذت تتناول قطعة من كل ساندوتش. ثم قالت: كراميلي، افتح لي كيس الشيبسي.
هز سليم رأسه بيأس من ولدنتها، وفتح لها الكيس، وقال: والله العظيم إنتي مجنونة، طب كلي واحد واحد.
ماسة بتذمر: سليم، إحنا لوحدنا، سيبني آكل بالطريقة اللي تريحني. سيبك بقى من جو الإتيكيت بتاعكم ده، مش بياكل معايا عيش يا بابا.
سليم تبسم موضحًا: مش إتيكيت، بس ماينفعش تاكلي اثنين سوا، مش حلو.
ماسة بمرح: أنا هخليه حلو. بقولك إيه، مالكش دعوة، كل أكلك.
بدأت ماسة تتناول قطعة من كل سندوتش بتلذذ وتشرب الشاي، بينما كان سليم يشاهدها وهو يضحك بخفة على ولدنتها التي يعشقها. ثم نظرت له وقالت: أنا هاكل الجبنة الأول، بعدين البرجر عشان أحلي. هو أنت جايب لي من كل ساندوتش واحد بس؟
سليم: لا، في ثاني في البوكس، خلصي دول بس.
ماسة: ماشي، أصلي جعانة أوي.
أكملت أكلها، وبعد دقائق وقعت عيناها على الأرجوحة، فوقفت متسعة العينين وقالت باندهاش: سليم، مين اللي جاب المرجيحة دي هنا؟
سليم: أنا طلبت يعملوها لك، عشان عارف إنك بتحبي المراجيح اللى بالحبل.
توقف أمامها، ومد يده وقرص خدها بمداعبة: عارف إن مراتي طفلة صغننة.
ماسة بحماس: طب أنا هروح أتمرجح.
أمسكها سليم من يديها وقال بأمر: كملي أكلك الأول.
ماسة باعتراض: بقول لك إيه، مش وقت شخصية بابا خالص اللي بتتقمصها دي، وسع كده.
سحبت يديها وتوجهت إلى الأرجوحة، تبسم سليم بيأس وذهب خلفها، ووقف أمامها وقال معلقًا: صح، مش هتعقلي مهما كبرتي.
ماسة وهي تجلس: لف ومرجح من سكات.
تبسم سليم بطاعة: هلف وهمرجح، حاضر.
وبالفعل بدأ سليم في دفعها، لكن بهدوء.
ماسة باعتراض: متمرجح عدل.
دفعها سليم بقوة، لكن ليست كبيرة، فنظرت له ماسة بطرف عينيها وقالت: الله يا ابني، ما تمرجح عدل بقى! إنت بتحسس عليها؟
نظر لها سليم بتحدٍ: أهو يا لمضة.
دفعها بقوة أكبر قليلًا.
ماسة بتلقائية وبدون انتباه: ما تمرجح بمرجلة يا سليم.
فور نطقها تلك الكلمة، اتسعت عيناها، ووضعت يديها على فمها، وأخذت تحرك عينيها بسرعة بارتباك. لقد نطقتها بعفوية شديدة.
نظر لها سليم باستغراب وهو يرفع حاجبيه: إنتي قولتي إيه؟
ابتلعت ماسة لعابها بتوتر: قصدي بقولك زوق جامد.
تبسم سليم، ومال عليها بنصف جسده من الخلف للأمام، ونظر لها وأحاط صدرها بذراعيه وقال: قولتي إيه؟
تبسمت ماسة بخجل: بقولك زوق.
سليم: أيوه، أزوق بإيه بقى؟
ماسة وهي تضحك: زوق يا روح قلبي.
سليم وهو يضحك على طريقتها التي توضح مدى ارتباكها: إنتي بتضحكي ليه؟ قوليها، خايفة ليه؟
ماسة بضحك: أنا مش خايفة، بس بقول لك زوق جامد، مش بشويش.
سليم بلطف وهو يضحك معها: لا، قولتي زوق بإيه؟ قولي، متخفيش.
ضحكت ماسة محاولة قولها، همست بخجل: بمرجلة.
سليم بأمر: علي صوتك؟
انفجرت ضحكة ماسة وقالت بصوت أعلى: بمرجلة.
تعالت ضحكات سليم، ثم سألها بمكر: طب إنتي خايفة تقوليها ليه؟ ما تقوليها بصوت عالي، حاضر يا ماسة، هزقك بمرجلة. (ضحك عليها.)
عدل من وقفته، وقال: مستعدة؟
ماسة تشبثت في الحبال وفردت قدميها في الهواء بحماس: آهاا.
سليم وهو يحذرها بمزاح: هزوق بمرجلة، بس متعيطيش، هاا؟
ضحكت ماسة… وبالفعل قام سليم بدفعها بقوة.
ماسة وهي تضحك بصوت عالٍ: سليم، بالراحة!
سليم وهو يستمر في دفعها بقوة، قال بمزاح: مش إنتي اللي قولتي أزوق بمرجلة؟ أهو بزوق بمرجلة عشان تبطلي لماضة.
ماسة وهي تضحك وتحاول التمسك بالحبال جيدًا: مش بمرجلة أوي يعني، هههه، نص نص… سليم، بالراحة بجد، هقع!
ضحك عليها وأخذ يستمتع بدفعها وهما يضحكان. وبعد وقت، توقفت ماسة أمامه.
ماسة وهي تلتقط أنفاسها: يلا، تعالى أقعد.
سليم وهو يهز رأسه رفضًا: لا، أنا مش عايز أتمرجح.
ماسة بإصرار وهي تمسك يده: أنا مش باخد رأيك، هتتمرجح يعني هتتمرجح، يلا أقعد.
ساعدته على الجلوس، ثم أمسكت بالعكاز وبدأت بدفعه.
ماسة بحماس: بقالنا كتير ماتمرجحناش.
سليم وهو يتأملها: امممم، فعلاً.
ماسة وهي تدفعه بنشاط: ابقى تعال نروح الملاهي.
سليم بابتسامة هادئة: حاضر.
أخذت ماسة تدفعه وسط ضحكاتهما، وبعد وقت توقف سليم وتوقفت ماسة أمامه وأعطته العكاز.
ماسة وهي تنظر من حولها، ثم التفتت إليه بسعادة:
أنا مبسوطة أوي يا روحي ربنا يخليك ليا… أمال فين الحراس؟
سليم وهو يتلاعب في خصلات شعرها المبعثرة على وجنتيها، عاد بها خلف أذنها وقال بهدوء:
خليتهم يقفوا بعيد عشان نبقى قاعدين على راحتنا.
ماسة بحماس: بقولك إيه، تيجي نرقص؟
سليم بابتسامة وهو يراقب حماسها الطفولي:
أنا كنت مستني ناكل ونرقص، بس إنتي شقية ما بتستنيش.
ماسة بمرح: ده حماس يا كراميلتي.
ابتسم سليم بحب، ثم أخرج هاتفه من جيبه، وقام بتشغيل إحدى الأغنيات الأجنبية، وأخذ يمد يده نحوها.
أحاط سليم خصرها بأحد ذراعيه، بينما مدت هي إحدى ذراعيها لتضعها على كتفه، ثم مدت يدها الأخرى وفتحت كفها أمامه لينقل يده الأخرى التي تمسك بالعكاز إليها. نظرت له بعينين تلمعان بحب وسألته بهمس: حياتي، بتثق فيا؟
تبسم سليم وهز رأسه بإيجاب، ناظراً لعينيها بعمق:
ــ أنا مش بثق إلا فيكي، أنا بثق فيكي أكتر مني.
ابتسمت له ماسة بابتسامة دافئة، وضعت العكاز بجانب الطاولة، وأمسكت بكفه بقوة، ليبدآ الرقص معًا… كانا يتمايلان بهدوء على أنغام الأغنية، كعصافير الكناري، بحركات تتناسب مع حالة سليم. كان الشعور بالسعادة يغمرهما، فهما لم يذوقا هذا الإحساس منذ أشهر، حيث كان الحزن والألم حليفهما الدائم.
لم يحتاجا إلى الكلمات، فقد كانت أعينهما تتحدث، تحكي كل شيء، تبوح بالمشاعر التي تخطت حاجز الحروف.
بعد وقت، بدأ سليم يشعر بألم خفيف، حاول التماسك قدر استطاعته، لكن بعد فترة أصبح الوضع خارج نطاق تحمله.
سليم بلطف وهو يمسح على كتفها باعتذار: عشقي، معلش… ممكن نقعد شوية؟
ماسة بحب واهتمام: أها طبعاً.
أمسكته من معصمه وتحركا معًا حتى المقاعد، ساعدته ليجلس براحة. نظرت إليه بحنان ومسحت على خده، تشعر بقلق عليه: حبيبي، هروح أجيب لك المسكن على طول.
لكنه أمسك يديها ليوقفها، رفع عينيه إليها قائلاً بنبرة دافئة: معايا.
أخرج العلبة من جيبه، تناول حبة، وبينما كانت ماسة تصب الماء في الكوب، قدمتها له باهتمام: اتفضل يا روحي.
أخذها منها وشربها، ثم نظر إليها بحب وقال بصوت دافئ: شكراً يا عشقي.
ابتسمت له ماسة، ووضعت قبلة على جبينه قبل أن تجلس بجانبه، تطمئنه: هتبقى أحسن.
سليم بابتسامة ترتسم في عينيه، كأن الألم تلاشى بوجودها: هبقى أحسن طول ما إنتي جنبي.
عدل من جلسته في زاويتها، مد يده وأمسك يدها بحنان، يركز النظر في ملامحها بعين تلمع بعشق صادق، ثم قال بصوت تغلفه المشاعر:
أنا مبسوط أوي… أول مرة من بعد الحادثة نقضي وقت جميل زي ده مع بعض. أنا حاسس إن الفترة الجاية هتكون أحسن، كل فترة بحس إني بتخطى شوية من اللي حصل وبأستوعبه.
نظر لها نظرة عميقة، ثم تابع بصوت خرج من أعماق قلبه: أنا بحبك أوي يا ماسة… تؤ، اللي جوايا أكبر من الحب، عشق كبير مالوش نهاية، أنا غرقان في عشقك. وزي ماقلت لك قبل كده، أنا قلبي ممتلئ بحبك… محتاج قلب تاني عشان يسع عشقي ليكي، لا مش قلب واحد، ألف قلب، لأن اللي جوايا ليكي أكبر من الحب، لسه مخترعوش له كلام في قاموس المعاني…
أمسك يدها ووضعها على قلبه، يركز النظر في ملامحها بعشق يفيض من عينيه، ثم همس بنبرة تخترق قلبها: خليكي دايمًا جانبي هنا يا ماسة… هنا جنب قلبي، عشان يفضل يدق، يفضل هادي ومبسوط… أنا هموت من غيرك، مش بلاقي نفسي غير معاكي، طول ما إنتي بعيدة ببقى مشتت، غير سوي نفسيًا، لكن وجودك جنبي هو اللي بيخليني متوازن…
ابتسم ابتسامة صغيرة وهو يضغط على يدها بحنان:
صدقيني، لو بعدتي عني، أنا ممكن أحرق العالم…
نظر إليها نظرة طويلة قبل أن يضيف بصدق يلامس روحها:
أنا بحبك أوي يا ماسة، وطول ما أنا شايفك كده سعيدة وبتضحكي، ببقى سعيد… أوعي تبطلي تضحكي، وأنا أوعدك هعمل كل اللي عليا عشان أفضل شايفك بتضحكي.
كانت ماسة تستمع إليه بتأثر، عيناها تترقرقان بدموع الفرح والسعادة، كلماته تهز أقوى القلوب، ونظراته تشعل فيها مشاعر لا توصف…
ماسة بعشق، صوتها يخرج من أعماق قلبها:
ــ وأنا كمان بحبك يا سليم، إنت أجمل حاجة في حياتي، إنت فرحة عمري، إنت عمري كله، أنا كمان مش بلاقي نفسي غير جنبك، جوه حضنك بلاقي مسكني، وأماني، ودفايا، مش بتنفس غير وأنا جنبك… طول ما إنت بعيد عني بحس إني مخنوقة ومش قادرة آخد نفسي.
وضعت يديها على خده بسعادة تخرج من عينيها، وتابعت بابتسامة تغلفها دموع الفرحة:
ــ أنا كمان مبسوطة… مبسوطة أوي يا سليم، ومتأكدة إنك هترجع أقوى من زمان وهتتخطى كل ده… أنا كمان كنت محتاجة اليوم ده، محتاجة نسرق ولو كم ساعة بعيد عن أي حاجة توجعنا، كنت محتاجة شوية فرحة من بتوع زمان.
نظر لها سليم بحب، ضم وجهها بكفيه بحنان وقال بصوت دافئ:
ــ كل اللي جاي هيبقى سعادة يا ماسة، هننسى كل اللي فات عشان إحنا لسه مع بعض، هو ده الأهم… أنا كل اللي طالبه منك حاجة واحدة.
ماسة بحب وصدق: إنت تؤمرني أمر.
سليم بعقلانية ونبرة هادئة، وكأنه استوعب أمرًا مهمًا: بصي، أنا اكتشفت إيه اللي بيخليني أتعصب وأتنرفز… إنك بتهتمي بيا بزيادة بشكل بيحسسني إني مكسور، إني ضعيف، إني عاجز…
كادت أن تنطق باعتراض، لكنه وضع إصبعه على شفتيها ليمنعها برقة، ثم قال بعشق وحنان:
عشقي، أم أجمل عيون في الكون، اللي مش بلاقي دفايا غير لما ببص لهم… أنا عارف وفاهم إنه مش قصدك، وإنك بتعملي كده من قلبك، وإنك عايزة تساعديني، أنا فاهم كل ده… بس أنا للأسف دلوقتي في وضع مخليني مشتت، مخليني مش قادر أترجم ده بشكل صحيح…
تنهد بعمق ثم أكمل بنبرة هادئة لكن حاسمة:
ــ فعشان نتجنب إني أعمل معاكي مشكلة وأتعصب وأزعلك مني، ماتعمليش كده… سيبيني أعمل كل حاجة بنفسي، ومش هشوفك زوجة وحشة، ولا إنك مابقيتيش تهتمي بيا وزهقتي مني، مش هشوفك كده صدقيني… أنا لما أحس إني محتاج مساعدة منك هطلبها، اتفقنا ياعشقي؟
ماسة نظرت له بذهول، عيناها اتسعت وهي تقول باعتراض واضح: إزاي يا سليم؟ عايزني أسيبك كده؟ لا طبعاً، مش موافقة!
اقتربت أكثر، صوتها يفيض بإصرار وحب: يا سيدي زعق لي وزعلني، أنا هتحملك، بس ماتطلبش مني أبعد عنك أو ما اهتمش بيك… إنت عارف إني مش هقدر.
تنهد سليم بلطف، صوته يفيض بالحنان وهو ينظر لها بعينين عاشقتين: اسمعي الكلام يا ماستي الحلوة، مش متفقين من أول يوم جوازنا نقول حاضر؟ ليه بقيتي عندية كده، ومش بتسمعي الكلام؟ عشان خاطري قولي حاضر.
تنهدت ماسة باستسلام، لكنها لم تستطع منع الابتسامة الصغيرة التي تسللت إلى شفتيها: حاضر… مادام ده اللي هيرضيك.
تبادلا الابتسامات، اقترب منها سليم وطبع قبلة صغيرة على شفتيها، ثم قبل خدها بحب، واحتضنها بشوق كبير، كأنهما لم يلتقيا منذ دهر، وكأن العناق وحده قادر على تضميد جراحهما.
ابتعدت ماسة قليلًا، نظرت له بعينيها اللامعتين وقالت بحماس طفولي: تعالَ بقى نكمل أكل، لأني جعانة أوي… ونسمع أغاني، ونرغي شوية! على فكرة، سوسكا جالها عريس! تعالَ أحكيلك.
ضحك سليم وهو ينهض: ماشي، صبّي لنا إنتي الشاي لحد ما أطلع سندوتشات.
ماسة بدلال وهي تلوح له بيدها: ماشي يا كراملتي القمر، روحي إنت.
أرسلت له قبلة على الهواء بمرح، فضحك سليم وهز رأسه باستسلام.
وقضيا أمسية شاعرية، دافئة، سعيدة، على ضوء القمر، حيث لا وجود للألم، ولا أثر للحزن… فقط ماسة وسليم، وحبهما الذي يتحدى كل شيء.
♥️ــــــــــــــــــ بقلمي_ليلةعادل ــــــــــــــــــ ♥️
غرفة النوم
نشاهد سليم وماسة مستلقيين بجانب بعضهما على الفراش، الجو هادئ ودافئ، والضوء الخافت ينعكس على ملامحهما. ماسة تبتسم لسليم بسحر وهي تحرك أصابعها على يده برقة.
ماسة بابتسامة ساحرة: ميرسي ياروحي على الليلة الجميلة دي.
سليم وهو ينظر إليها بعشق، يقبّل يدها بحنان:
ــ أنا اللي بشكرك لأنك قضيتيها معايا، ربنا ما يحرمني منك يا روح روحي.
ركز نظره في ملامحها بشوق وشغف، عيناه لا ترمشان كأنهما تخشيان أن تفقدا هذه اللحظة. كان اشتياقه لها موجعًا، ينهش روحه بصمت،. فقد مضت شهور طويلة جدًا منذ حملها، شهور لم يقتربا فيها، لم يصبحا جسدًا واحدًا، روحًا واحدة، نبضًا واحدًا… ببطء، وكأنما يخشى أن يبدد سحر اللحظة، مرّر أصابع يده على خدها بنعومة، يلامسها بشوق رجل أضناه الحرمان.
ماسة تبتسم بنعومة، نظراتها تحمل أنوثة مشتعلة، همست بخفوت: وحشتك؟
سليم بنبرة حالمة، صوته مفعم بالشوق: أوي… أوي.
اقترب منها أكثر، عينيه تتعلقان بشفتيها، كاد أن يقبّلها، لكنها وضعت كفها على فمه برفق، مما جعله ينظر إليها مستغربًا، حاجباه معقودان في تساؤل.
اجاب ماسة بابتسامة آسفة، بصوت منخفض: الدكتور قال مش قبل شهر.
سليم وهو يحاول التملص ليقبلها، بنبرة ماكرة: سيبك من كلام الدكاترة… أنا كويس.
ماسة تضحك بخفة وهي تبعد وجهها عنه، ثم تهز رأسها بحزم ومرح: متستعجلش، خلينا نسمع الكلام.
سليم يزفر بضجر، يعتدل قليلًا في نومته، يتمتم بتأفف: أوووف… والله الدكتور ده ماعندوش إحساس، أكيد مش متجوز.
ماسة تبتسم له بحنان، تقرّب وجهها منه، تطبع قبلة على خده برقة وهمست بمواساة:
معلش ياقلبي، نصبر شوية كمان… يلا ننام، تصبح على خير يا روحي.
سليم يتنهد، يبتسم رغم ضيقه، ويغمغم بصوت دافئ: وانتي بخير… يا عشق سليم.
وضعت رأسها على صدره، أحاط خصرها بذراعه بقوة وكأنه يخشى أن تضيع منه، مرّرت شفتيها على جانب جبينه في قبلة طويلة، قبل أن يغرقا معًا في سبات عميق…
اليوم التالي
غرفة النوم – السابعة صباحًا
نشاهد ماسة مستغرقة في نومها على الفراش، وحدها. أنفاسها هادئة، كأنها لا تزال غارقة في عالم الأحلام. بعد لحظات، يخرج سليم من المرحاض مرتديًا برنصًا، يجفف شعره بالمنشفة، بينما يتكئ على العكاز في يده الأخرى. خطواته هادئة، مدروسة، كأنه لا يريد إيقاظها.
يتجه إلى غرفة الملابس الملحقة بالغرفة، ثم يبدأ في تبديل ملابسه بحرص، يحاول ألا يُصدر أي ضجيج. بعد الانتهاء، يقف أمام مرآة التسريحة، يأخذ وقته في تصفيف شعره، ثم يضع عطره المميز بحركة تلقائية. الصوت الخفيف للعطر وهو يُرش في الهواء يتسلل إلى وعي ماسة، فتبدأ في التحرك قليلًا، ثم تفتح عينيها ببطء، تتثاءب قليلًا قبل أن تتحدث بصوت ناعس.
ماسة بنبرة ناعسة: إيه الصوت ده… سليم؟
يلتفت لها سليم بابتسامة جميلة، عيناه تلمعان وهو يهمس بحنان: aşkım.
يتحرك نحوها حتى يجلس أمامها على السرير، ابتسامته مشرقة وهو يمرر أصابعه على خدها بنعومة
سليم: أزعجتك؟
تهز ماسة رأسها نافية، عيناها لا تزالان نصف مغمضتين من أثر النوم: تؤ، صباح الفل عليك.
يبتسم سليم بحرارة، يمد يده ويداعب خصلة من شعرها: هو كده فعلًا صباحي بقى فل… بعد ما تصبحت بالعيون الجميلة دي، صباح الخير والسعادة يا عشقي.
ينحني ليطبع قبلة على عينها بحنان، ثم يتحرك متجهًا نحو التسريحة ليكمل ضبط ملابسه وارتداء ساعته.
ماسة تنهض ببطء، تتثاءب قبل أن تتحرك نحوه بابتسامة، تقف بجانبه وتبدأ في تأمله بنظرات ممزوجة بالإعجاب والمغازلة: تعال هنا بس وقولي رايح فين على الصبح وإنت قمر كده.
سليم: المجموعة.
تنظر له ماسة باتساع عينيها بانبهار من ذلك التغيير، تصفق له بفرحة وهي تقول بحماس: أووووو لا، تغيير جامد أوي بجد، برافوووو يا كراميلتي
يبتسم سليم وهو ينظر إليها بحب: أنا وعدتك امبارح إني هحاول أتغير واتعافى من حزني والمشكلة اللي عندي وأتكيف مع الوضع الجديد.
ماسة تبتسم له بدعم، تضع يدها على كتفه وتقول بثقة: أنا متأكدة إنك هتنجح، طيب بقول لك إيه يا كراميل، إنت كده خلصت؟
يهز سليم رأسه بإيجاب، ينظر في المرآة وهو يهندم نفسه: امممم
ماسة: طيب ممكن تستناني 10دقائق أغير هدومي بسرعة وتوديني عند ماما في طريقك؟
ينظر لها سليم قليلًا قبل أن يجيب: لا، خلي ماما تجيلك هنا، قولي لها خلاص سليم بطل جنان، وممكن تيجوا لي في أي وقت حتى لو عايزين يباتوا كمان، خليهم يجوا يقضوا معانا اليوم كله وأنا هحاول ما أتأخرش، ماشي يا حلوة؟
يمد سليم يده ويمسك خدها بدلع ثم يطبع قبلة على إحدى عينيها: أنا هروح أفطر.
تنظر له ماسة برفض: استنى بس، أنا عايزة أروح عند ماما، زهقت ياسليم، بقالي كتير أوي مارحتلهاش من قبل الحادثة.
يتنهد سليم، ينظر لها بتركيز: بس إنتي مش هينفع تروحي عند ماما.
تنظر له ماسة بتعجب، تعقد حاجبيها بعدم فهم:
اشمعنا يعني؟
سليم زم شفتيه: لا، إشمعنا دي ردها حوار طويل، وأنا لازم أنزل أفطر وأمشي عشان ألحق الاجتماع الساعة 9.
وضع قبلة على جبينها وحاول التحرك، لكنها أمسكته من كفه لتوقفه، قائلة بجدية: لا، استنى بجد، فهمني… هو أنت فعلًا هتمنعني أروح عند ماما؟
سليم بتوضيح: مش همنعك، بس هنأجل موضوع خروجك ده لفترة، وهفهمك لما أرجع… ماشي؟
تحرك من أمامها، توقفت لحظة محاولةً استيعاب ما استمعت إليه من حديث، عقدت حاجبيها في ارتباك قبل أن تحك في شعرها بتوتر. لم تشعر بخطواتها وهي تتحرك خلفه حتى السفرة، حيث جلس سليم على مقعده، بينما جلست بجانبه، تحاول السيطرة على أفكارها المشتتة.
ماسة بتساؤل: ممكن بقى تفهمني وإنت بتاكل؟
سليم تنهد بتعب، وهو يفرك جبهته كأن الحديث وحده يرهقه: هو انتي ليه مش عايزة تستني لما أرجع؟
ماسة برجاء، عيناها تبحثان عن أي بارقة تفهُّم في ملامحه: طب إيه المشكلة لما تفهمني وانت بتاكل؟
اقتربت الخادمة سحر، وصبت الشاي في كوب سليم قبل أن تلتفت نحو ماسة بابتسامة خفيفة: ماسة هانم، تحبي أجيب لك طبق تفطري مع البيه؟
ماسة، بصوت منخفض شارد: لا.
سليم بحدة، وهو يضع الشوكة على الطبق بإيقاع حاد: إيه هو اللي “لا”؟ هتفطري معايا، هاتي لها طبق يا سحر.
ماسة بتنهيدة مستسلمة، عابثةً بأطراف المفرش: طيب هفطر، بس فهمني بقى.
سليم، أثناء تناوله الطعام، تحدث بنبرة عقلانية لكنها ثقيلة على أذنها: دلوقتي احنا عملنا حادثة كبيرة، مظبوط؟
هزت ماسة رأسها بإيجاب. تابع سليم وهو ينظر في عينيها مباشرة، كأنه يريد أن يحفر كلماته في عقلها: طيب، ولحد دلوقتي ماوصلناش للي عمل فينا كده، مظبوط؟!
عادت تهز رأسها، بينما قلبها بدأ ينبض بوتيرة أسرع. أضاف سليم وهو يميل للأمام قليلاً، صوته يحمل نبرة خطيرة: وهو لحد دلوقتي شايفنا وعارف خطواتنا، وإحنا مانعرفش عنه أي حاجة، مظبوط؟!
ماسة بضجر، عيناها تلمعان بانفعال مكبوت: ياسليم، مظبوط كل الكلام ده، ماشي، أنا فاهمة كل ده. إنت بقى إيه مشكلتك إني أروح عند ماما؟
سليم، وعيناه تضيقان قليلاً، كأنه لا يفهم كيف لا تستوعب: مشكلتي إني خايف عليكي، أنا إيش ضمني إنه شال عينه من علينا؟ مش يمكن يكون عارف تحركاتنا ومراقبنا؟ مش هينفع أخاطر بيكي، انتي هتفضلي هنا لحد ما أوصله، وبعدين هنرجع زي زمان.
ماسة تشير بيديها، وكأنها الاستيعاب، صوتها يعلو بانفعال لا إرادي: هو أنا هفضل محبوسة في الفيلا لحد ماتوصل للي عمل كده؟! افرض ماوصلتش! افرض قعدت سنة! هفضل سنة محبوسة؟!
سليم بتعجب، حاجباه ينعقدان وهو يرمقها بنظرة نافذة: محبوسة إيه يا ماسة!! أنا بقولك وقت ما تحبي تشوفي أهلك خليهم يجولك، حتى لو كل يوم، مافرقتش يعني، من هنا لهناك، دي فيلا ودي فيلا.
ماسة، بتوتر، واتساع بؤبؤ عينيها يعكس رعبًا خفيًا بدأ يتسلل إليها: سليم، إنت مش هتعمل كده فيا، صح؟ إنت بتهزر يعني؟ أكيد تقدر تظبط هناك الحراسة وبعدين هروح، مسألة يومين، ثلاثة، أسبوع، وعادي، صح؟
نظرت إليه بعمق، تحاول قراءة ملامحه الصلبة، لكنها لم تجد فيها مايطمئنها، بل على العكس، وجدت تلك الحدة التي لم تكن تحب رؤيتها فيه.
دققت النظر في ملامحه أكثر، وهي تقول بصوت مرتجف: هاا، سليم؟ صح يا سليم؟!
مسح سليم فمه بمنديل ببطء، قبل أن يتوقف، جسده مشدود ونبرته هادئة لكنها تقطر حسمًا: قولتلك الكلام في الموضوع ده هياخد وقت، اسمعي الكلام وبطلي العند اللي بقيتي فيه ده من بعد الحادثة.
بتنبيه، وصوته يحمل تحذيرًا صريحًا: ماسة، ممنوع الخروج، فاهمة؟!! عشان لو خرجتي، مش عارف أنا ممكن أعمل إيه؟! أنا مابهزرش! كلمي أهلك يجولك: يلا، سلام، افطري كويس، ها…
وضع قبلة سريعة على عينيها قبل أن يتحرك بعيدًا، تاركًا خلفه سكونًا ثقيلًا.
توقفت ماسة، وأخذت تنظر إلى آثاره بصدمة، أنفاسها تخرج ببطء كأنها تحاول استيعاب الصدمة. رفعت يدها إلى خدها، تحك فيه كأنها توقظ نفسها من وهمٍ ثقيل، قبل أن تتمتم بخفوت يائس: احنا شكلنا داخلين على أيام سودا، أخلص من حاجة يطلعلي في حاجة.
زفرت باختناق، ثم نادت على إحدى الخادمات بصوت منخفض لكنه يحمل قلقًا متزايدًا: سحر… سحررر!
اقتربت منها الخادمة فورًا: أفندم، ماسة هانم؟
ماسة بصوت ضعيف، لكنها تحاول أن تتمالك نفسها: لو سمحتي، هاتي لي تليفوني من الأوضة واعملي لي نسكافيه في الجنينة.
تحركت ماسة نحو الحديقة، خطواتها بطيئة، وكأنها تحمل فوق كتفيها عبئًا جديدًا لم تكن مستعدة له…
💕ـــــــــــــــــــــــــ بقلمي_ليلة عادل(◕ᴗ◕✿)
ــ مجموعة الراوي التاسعة صباحاً
نشاهد هذا الصرح العملاق، أكبر مجموعة في الشرق الأوسط، التي يحارب الجميع للاستيلاء عليها، لكنها ستبقى تحت سطوته… مبنى ضخم يعج بالحركة، الموظفون يدخلون ويخرجون، بعضهم يتحدث، البعض الآخر مشغول بأعماله.
في الخارج…
توقفت سيارة سليم أمام بوابة المجموعة. نزل السائق بسرعة، ممسكًا بعكاز فاخر، فتح الباب الخلفي باحترام شديد. خرجت قدم ثابتة، تبعتها الأخرى، ثم ظهر سليم.
رفع رأسه قليلًا، أخذ العكاز من السائق، أمسكه بقوة وكأنه امتداد لجسده لا علامة ضعف. نظر إلى المبنى أمامه، لوهلة مرر عينيه عليه كما لو كان يقيسه من جديد، يستشعر المكان الذي كان مملكته… والذي سيظل كذلك.
استنشق الهواء، شعر بالوقوف هنا مجددًا وكأنه عاد إلى جزء من روحه، لكنه لم يسمح لأي مشاعر أن تضعفه، بل زادته قوة وإصرارًا.
لابد أن يدخل كما اعتاد، واثقًا، هادئًا، متحكمًا… لن يسمح للحالة التي فرضت عليه أن تنتزع منه هيبته، فهو لم يكن يومًا رجلًا يسقط، بل رجلًا يعود أقوى مهما كانت الضربات.
فقد عاد الملك إلى عرينه، قويًا، شامخًا، ليعيد الفئران إلى جحورها مرة أخرى، وبعينيه تلك النظرة التي تعني شيئًا واحدًا… انتهت مهلة العبث.
توقف عشري خلفه، يحيط به بعض الحراس، أعينهم تترقب المكان بتركيز شديد.
تحرك سليم إلى الداخل بخطوات ثابتة، كل حركة منه تحمل قوة لا تحتاج إلى إعلان. انتصب القامة كأسد جسور عاد إلى غابته، لا يحتاج أن يزأر ليُشعر من حوله بوجوده، فمجرد وجوده يكفي لفرض الهيبة.
فتح الباب الإلكتروني…
دخل للداخل، وما إن تخطى العتبة حتى ساد الصمت للحظات، كأن المكان بأكمله التقط أنفاسه دفعة واحدة. ثم، كما لو كان موجة اجتاحت الجميع، بدأ الموظفون والعاملون ينتبهون إليه واحدًا تلو الآخر.
فجأة، توافد الجميع نحوه بسرعة، وكأنهم لم يصدقوا عودته، الوجوه تملؤها الفرحة، الأعين تلمع بالاحترام، والأصوات تتعالى بالترحيب الحار.
أحد الموظفين، وهو يصافحه ويقبل أعلى كتفه بمحبة: حمدلله على السلامة يا سليم بيه، نورت المجموعة.
موظف آخر بحماس واضح: حمدلله على سلامتك يا سليم بيه، المجموعة كانت مضلمة من غيرك.
إحدى الموظفات، وهي تصافحه باحترام شديد:
الحمدلله اللي رجعت لنا بالسلامة، رجوعك رجّع الروح للمكان.
وهكذا، ظل الجميع يستقبله بحفاوة بالغة، أصواتهم تتداخل، مشاعرهم تتدفق بصدق، كل حركة منهم تعكس حبًا حقيقيًا لمن يعتبرونه أكثر من مجرد قائد… بل درعًا يحمي هذا المكان.
أما سليم، فوقف في وسطهم، يحرك رأسه بابتسامة خفيفة، نظراته تلتقط وجوههم واحدًا تلو الآخر، عينيه تشعان بالاعتزاز، ليس فقط بنفسه، ولكن بهذا الولاء الصادق الذي لا يملكه سواه.
كان هناك من يقف أعلى الدرج يراقب هذا الاستقبال الذي يليق بوريث إمبراطورية الراوي، الملك المنتظر… سليم باشا الراوي.
إنهما صافيناز ورشدي، يحدقان بالأسفل، يشاهدان سليم واقفًا بقوته وهيبته كما كان من قبل، وسط استقبال الموظفين له. كأن تلك الحادثة والإصابة لم تؤثر عليه، بل زادته قوة وعنفوانًا، وكأن كل مخططاتهما ذهبت هباءً منثورًا.
نظرت صافيناز إليه بغلٍّ وحقد يشتعلان في عينيها، وقالت بغيظ: شايف راجع عامل إزاي!! ولا كأن حاجة حصلت له! شايف بيعملوا معاه إيه؟ فاكر نفسه جدو الآغا! فاضل يقولوله يا آغا، فاكر نفسه في إسطنبول.
ارتسمت نصف ابتسامة ساخرة على شفتي رشدي، وقال ساخرًا وعينه معلقة على سليم: الأمير الصغير رجع لعرش الراوي تاني… عشان يقش كل ده! لعلمك، سليم هيستوحش أكتر من زمان، تقدري تقولي… سليم القديم راجع، بس بنسخة متطورة.
ثم أضاف بغيظ وهو يجز على أسنانه: كل مرة نرجع للصفر تاني! كل ما نحاول نخلص منه يرجع أقوى وأعنف! إيه الحظ ده!
نظرت له صافيناز بمقت: ماهو لو كنت دوست شوية بالعربية، كنا خلصنا، وكان زمانا قاعدين على كرسي العرش!
ابتسم رشدي بتفهم وقال بنبرة ساخرة: أمال فين كلامك قدام فايزة؟ مش لدرجة القتل؟! ولا عايزة تطلعي في اللعبة دي الملاك الحارس وأنا الشيطان؟ قدام فايزة؟
ثم قرب وجهه منها قليلًا، وقال بقوة وشراسة:
اسمعي، أنا مش هطلع لوحدي الشيطان، ولا هقبل بالدور ده! أنا لو وقعت، هوقع الكل معايا!
قلبت صافيناز عينيها بملل، وردّت ببرود: قلتها كتير أوي وبقت مستهلكة جدًا.
أجاب رشدي بتأكيد: وهفضل أقولها وأفكرك بيها، وهخليها مش بس مستهلكة… هخليها زي الميه اللي بتشربيها! كل يوم هسمعها لك وأفكرك… إنتي وجوزك! أنا مش هطلع الشيطان لوحدي يا صافي، ولا هدفع الثمن لوحدي! كلنا اشتركنا في ده، وكلنا نفسنا نطير سليم، ومستعدين نعمل أي حاجة، حتى لو حطينا إيدينا في الدم! بس الفرق إنك عايزة تطلعي قدام الهانم الأخت الحنينة! ما تتلائميش عليا يا صافي… أنا رشدي!
نظرت له من أعلى لأسفل دون رد، ثم تحركت نحو درجات الدرج وبدأت تهبط، وهي ترسم على وجهها ابتسامة عريضة مصطنعة، وخلفها رشدي.
هبطت صافيناز حتى توقفت أمام سليم، ثم قالت بترحيب حار، وهي تبتسم بعذوبة مصطنعة: سليم! إيه المفاجأة الحلوة دي؟! مفاجأة غير متوقعة! حقيقي وحشتنا.
اقتربت منه، وقامت بتقبيله على وجنتيه واحتضنته، ثم ابتعدت متسائلة: عامل إيه دلوقتي؟ أحسن؟
رفع سليم عينيه لها، ورد باقتضاب: تمام.
اقترب رشدي وربّت على كتفه بحقد مبطن: عامل إيه يا ملك؟ نورت عرشك.
هز سليم رأسه بإيجاب، بجمود: ميرسي يا رشدي.
رشدي بابتسامة خبيثة: يلا بينا على الاجتماع، الملك الكبير مستنينا.
توجهوا جميعًا إلى المصعد، زتوقفوا داخله…كان سلام سليم عليهما باردًا متجمدًا كالشتاء، لا يحمل أي حرارة أو مشاعر أخوّة، فهو يعلم جيدًا أن قلبيهما خاليان من أي ذرة حب حقيقية له.
كان هذا السلام مجرد قناع، مجرد سلام زائف ليكملا تمثيلهما أمامه.
وقف سليم أمامهما في المصعد، وهما خلفه في مكانهما المناسب، يحدقان به بحقد دفين.
صعدوا إلى الدور الثاني… حيث غرفة الاجتماعات.
💕_______بقلمي_ليلةعادل_______💕
غرفة الاجتماعات
دخل سليم وخلفه صافيناز ورشدي غرفة كان في الداخل جميع أفراد عائلة الراوي وبعض الموظفين الكبار. فور رؤيتهم لسليم، هبوا جميعًا وتوجهوا لاستقباله والترحيب به بسعادة غامرة.
اقترب عزت منه بفرحة: سليم!
ثم صافحه وضمه وأضاف: إيه المفاجأة الحلوة دي ياحبيبي؟ إزاي ما قولتليش؟
تبسم سليم: مكنتش هتبقى مفاجأة لو قلت لك يا باشا.
تبسم عزت، ووضع قبلة على جبينه وربت على قلبه: ابني الذئب، نورت الإمبراطورية يا أمير.
اقتربت فايزة بفرحة، وقالت بابتسامة حب وتعظيم: أمير إيه! ده الملك. عامل إيه ياحبيبي؟
ثم ضمته، ووضعت قبلة على خده وهي تربت عليه بحنان.
اقترب ياسين وهو يصافحه بعتاب: برغم إني زعلان منك لأني اتفاجئت إن حتى أنا ممنوع أزورك، بس هعديها.
تبسم سليم وضمه: خلاص، تعال أي وقت.
اقتربت فريدة وضمته بحب: وحشتني ياحبيبي، الحمد لله على سلامتك. أخبارك إيه؟
سليم: بخير ياحبيبتي.
اقترب طه وضمه بقوة على غير عادته، فقد كان يشعر بتأنيب الضمير، ثم قال بعين ترقرقت بالدموع: الحمد لله على سلامتك ياحبيبي، إن شاء الله هترجع أحسن ما كنت وتنور المجموعة.
سليم: إن شاء الله يا طه.
اقترب إبراهيم وضمه: حمد لله على السلامة.
عماد: حمد الله على سلامه.
بدأ الجميع يرحبون به بحفاوة، ثم جلسوا استعدادًا للاجتماع.
سليم وهو يمرر عينه عليهم تسأل بعملية: ها، إيه الأخبار؟ يا ترى ليا ملف ولا؟
تبسمت نانا: حالا يا سليم بيه، حمد لله على السلامة.
عزت بإبتسامة: ماتقلقش، كل حاجة زي ماسبتها.
فريدة بتفخيم: كمان ماسة قدرت تسد مكانك الفترة اللي فاتت، حقيقي برافو عليها.
جلبت نانا الملف ووضعته أمامه، فأخذ سليم يقلب في الأوراق وهو يقول: ماسة طول عمرها شاطرة، وأنا كنت واثق فيها ومتأكد إنها قد الثقة اللي اديتهالها.
ثم تابع وهو يتصفح الملفات: الأمور ماشية تمام، شايف إن في كم صفقة جديدة، والأرباح في تزايد مستمر. مبروك يا باشا.
منى بخبث: راجع متحمس!
سليم بقوه: لازم، خلينا نبدأ الاجتماع.
بدأ الجميع في الحديث والنقاش حول أمور المجموعة والصفقات الجديدة وكل مايخص الشركة، وبعد انتهاء الاجتماع، وقبل أن ينهض الموظفون والأبناء ..
قالت فايزة بعملية: انتظروا من فضلكم، في خبر مهم لازم الكل يعرفه.
نظر الجميع بترقب.
نظرت فايزة إلى عشري، الذي هز رأسه موافقًا ولوّح بيده وهو ممسك بملف، فتبسمت ونظرت إلى عزت ليعلن الخبر.
عزت بقوة: أنا والهانم قررنا إعطاء كامل الصلاحيات لسليم دون الرجوع لينا، يعني من النهارده، سليم له حق إدارة نسبتي أنا وفايزة هانم، وختمي الخاص هيكون مع سليم.
نظر سليم له وهو يضيّق عينيه بتعجب، ثم مرر أصابع السبابه والإبهام أسفل شفتيه السفلى، لكنه لم يرد.
عزت: مبروك ياسليم.
أعطت نانا العقود لسليم بعد أن سلمها لها عشري، وبدأ سليم في التوقيع عليها كانت ملامحه ساكنه بشكل مثير للإنتباه. بعد الانتهاء،
نظرت له صافيناز: مبروك يا سليم، بقيت الملك رسمي.
سليم باعتزاز: ماحدش هيبقى الملك هنا غير الباشا طول ما هو عايش، ربنا يدّيه الصحة. بس الباشا شكله عايز ياخد إجازة ويرتاح شوية هو والهانم.
فايزة بتأييد وتفخيم: ده حقيقي، أنتم الخير والبركة، وأنا متأكدة إنك الوحيد الجدير بالمكانة دي، والقادر تحافظ على إمبراطورية الراوي. زي ماطول عمرك كنت الوحيد اللي تستحق المكانة دي، وأنا والباشا اديناها لك والثقة كمان.
كان طه ينظر إليهم بشماتة بسبب فشل مخططهم.
خرج الجميع للخارج، وتبقى سليم جالسًا مع فايزة.
سليم بتسأل بنبرة مليئه بشكوك: ممكن أعرف بقى اللي حصل ده حصل ليه؟”
فايزة بتوضيح: هو ده الصح، إنت وريث العرش، وزي ماقلت، إحنا تعبنا بقى ومحتاجين نرتاح شوية.
نظر لها سليم بشك فهو غير مصدق مد وجه: بس كده يعني؟ مافيش حاجة تانية؟
عزت بعقلانية: مافيش حاجة، وزي ماقلت، أنا ووالدتك تعبنا، وفعليًا، إنت اللي بتديرها، فما فرقتش بقى إنك تديرها رسمي.
هز سليم رأسه بإيجاب، لكنه لم يكن مقتنعًا، ومع ذلك لم يعطِ الأمر أهمية كبيرة، فهو لديه أمور أخرى أهم يفكر بها، وهي الوصول لمن تسبب في ذلك الحادث.
توقف سليم: طب، أنا في مكتبي.
خرج سليم للخارج، فنظر عزت إلى فايزة متسائلًا: كنتي شايلة الأوراق فين يا فايزة؟ مازن قال لي إنك استلمتي الأوراق من فترة.
نظرت له فايزة بترقب لثوانٍ. إذا أخبرته أنها كانت تخبئ الأوراق مع عشري، فسوف يشك في شيء، وسيفتح ذلك بابًا كبيرًا للحديث.
فايزة بثقة: في الخزنة بتاعتي هنا. بعد ما مازن خلص الأوراق، شِلتهم عشان يكونوا جاهزين وقت ماسليم يرجع.
هز عزت رأسه بالموافقة، بينما نظرت له فايزة للحظة، وتذكرت شيئًا.
💕__________بقلمي_ليلة عادل。◕‿◕。
فلاش باك – مكتب فايزة
نشاهد فايزة تجلس على مقعد مكتبها في شموخ، بينما يقف عشري أمامها بانتباه.
فايزة بعملية: عشري، أنا بثق فيك، لأني عارفة كويس إنت ومكي بتحبوا سليم قد إيه، ومستعدين تفدوه برقبتكم.
عشري بحزم: دي حقيقة يافايزة هانم، حضرتك قولي اللي انتي عايزاه وسرك في بير، تؤمري بايه؟!
تمسك فايزة الملف الموضوع أمامها، تناوله لعشري بنظرة جادة.
فايزة بعملية وتحذير: الملف ده لازم تخبيه، وماحدش يعرف إنه معاك. يوم ما سليم يرجع للمجموعة، أيًّا كان اليوم، لازم الأوراق تتسلم لنانا بعد دخول سليم المكتب بدقيقة واحدة، بعدين، تراقب الوضع لحد ما تتأكد إن نانا سلّمت الملف لسليم بنفس الشكل اللي استلمته منك…. وماحدش غيرنا يعرف الموضوع ده.
يأخذ عشري الملف وينظر إليه باستغراب تسال: هو أنا ممكن أسأل الملف ده فيه إيه؟
فايزة بحزم: هتعرف يوم ما سليم يرجع للمجموعة… المهم إنك ما تخلّينيش أندم إني وثقت فيك.
عشري باحترام وطاعة: أنا مش هقول لك رقبتي التمن، أعتقد إنها هتبقى أرخص، بس ما تقلقيش يا هانم أنا قد ثقتك.
تهز فايزة رأسها بإيجاب.
عشري: تؤمري بحاجة تانية، يا هانم؟
فايزة: لا، روح إنت ياعشري.
ينحني عشري قليلًا باحترام قبل أن يغادر الغرفة، بينما تنظر فايزة خلفه بتركيز، وكأنها تفكر فيما سيحدث لاحقًا.
خرج عشري للخارج، عادت فايزة بظهرها للخلف وهي تمرر يديها على رقبتها بتذكر.
((فلاش باك آخر))
سيارة فايزة
تجلس فايزة على المقعد الخلفي في سيارتها، وبعد قليل فتح السائق الباب الخلفي، دخل رجل يبدو في الخمسينات من عمره، بمظهر بسيط يعكس الطبقة التي ينتمي إليها.
نظرت فايزة للسائق: خليك بعيد يا خيرت.
تحرك خيرت مبتعدًا قليلًا، بينما جلس الرجل بجوارها لكنه ترك مسافة بينهما.
فايزة بعملية: قول اللي عندك.
الرجل: رشدي باشا كلمني وطلب مني الأوراق اللي تخص التوكيل اللي حضرتك طلبتيه، والمقابل هيديني 50 ألف جنيه.
فايزة: هي فين الأوراق؟
فتح الرجل الحقيبة التي كان يحملها بسرعة، وأخرج منها ملفًا وسلمه لها.
أعطته فايزة ظرفًا أصفر: ودول بقى 100 ألف جنيه، اللي وعدتك بيهم. لما يكلمك، هتقوله دورت على الأوراق ما لقيتهمش، ولما سألت مازن بيه، قالي إنه خلاص سلّمهم لفايزة هانم بنفسها
الرجل بطاعة: أمرك.
فايزة: انزل إنت.
فتح الرجل الباب ونزل سريعًا، بينما ظلت فايزة ممسكة بالملف، تحدق فيه بتفكير عميق، وهي تحرك أحد أصابعها بخبطات متتالية عليه، وكأنها تحاول استجماع أفكارها.
فلاش باك آخر /قصر الراوي مكتب عزت
نشاهد فايزة تقف في الخفاء أمام مكتب عزت، تراقب بعينيها، بينما تظهر صافيناز وهي تبحث عن التوكيل في الخزنة وفي أدراج المكتب، لكنها لم تعثر على ضالتها المفقودة. تنفست بزهق، ثم قامت بإجراء مكالمة.
صافيناز بضيق: إيه يارشدي، أنامش لاقية الأوراق. دورت عليهم في مكتب الباشا ومكتب الهانم برده، مالقيتش حاجة. مازن أكد على عماد إنه سلّم الأوراق للهانم… طب والحل؟
أتاها صوت رشدي من اتجاه آخر: ولا حاجة، هنستنى اليوم اللي هيرجع فيه سليم ونحط الورقة في وسط الأوراق، هنتصرف في وقتها.
صافيناز بضيق: طب اقفل إنت.
ابتعدت فايزة مسرعة قبل أن تراها صافيناز. خرجت صافيناز وتوجهت إلى الدرج وصعدته، بينما كانت فايزة تراقب ما يجري بعينيها بضيق ووعيد. هزت رأسها وزفرت بضيق قائلة: شكلكم مش هتجيبوها البر.
(باااك)
فايزة تجلس مكانها وهي شاردة الذهن، تحرك أصابعها على سطح المكتب بإيقاع بطيء، وكأنها تحاول فك شفرة ما يدور في عقلها.
انتبه لها عزت، فألقى بالقلم الذي كان يمسكه، وأسند ظهره إلى الكرسي متسال: إيه يا فايزة، رحتي فين؟
فايزة، وهي ترفع نظرها إليه وكأنها تعود إلى الواقع: معاك.
عزت بتفكير: سكوت وقبول صافيناز ورشدي بالهدوء ده مش مريحني.
فايزة بثقة: ولا هيقدروا يعملوا حاجة، هيزعلوا شوية وبعدين خلاص. هما عارفين ومتأكدين إننا مختارين سليم من زمان.
عزت وهو يهز رأسه بتأمل قال بنبرة تهديد: عمومًا أنا نفذت لك اللي انتي عايزاه، وأنا مقتنع إن سليم يستحق، لكن هقولها لك تاني، لو عرفت إنك بتعملي كده عشان تربي ولادك على غلطة هما غلطوها، ولو اللي في بالي صح… أناهحرقكم كلكم.
فايزة بنبرة صارمة: قلتلك وهقولها لك تاني ياعزت، اللي في خيالك ده مرض، لأني مش هلاقي له مسمى غير ده، تفتكر أنا ممكن أشارك في قتل ابني؟ اية هنتحول لمجرمين وعصابات مافيا؟ أناعملت كده عشان خاطر أديله الثقة، لأنه محتاجها دلوقتي أكتر من أي وقت. أنامقدرة الوضع النفسي السيئ اللي يمر سليم بيه، وهو كان محتاج دعم معنوي بشكل ده، عشان يبقى قوي، بحاول اوصل له رساله انت حتى لو ماسك عكاز، وعندك رصاصة في ظهرك، بس أنت لسه زي ما أنت القوة اللي بتتسند عليها مجموعة الراوي أنت سليم عزت الراوي.
عزت ينظر إليها بعمق: تمام يافايزة.يعود إلى الأوراق التي أمامه، بينما بقيت هي شاردة، تفكر فيما رأته وسمعته، وداخلها يقين أن المعركة لم تنتهِ بعد.
فيلا سليم – العاشرة صباحًا
نشاهد ماسة تتوقف في استقبال والدتها وهي تحمل بين يديها حقيبة، وخلفها أحد الحرس يحمل حقائب بلاستيكية.
ماسة بترحيب وفرحة: ماما، وحشتيني أوي.
اقتربت منها وضمتها.
سعدية وهي تقبلها في خدها: عاملة إيه؟ وحشتيني ياحبيبتي.
نظرت ماسة لما بين يدي سعدية وقالت معلقة: إيه اللي في إيدك ده بس؟ هو انتي جاية عند حد غريب؟
سعدية: استني بس إنتي ..
وهي تنظر بعينيها على الحراس: واريه المطبخ فين.
ماسة: طب هاتي عنك.
أخذت منها كيسًا على شكل دائرة وهي تقول للحارس:
تعال ورايا..
وتوجهت إلى المطبخ، وخلفها والدتها والحارس.
_المطبخ
نشاهد الخادمات يجلسن في المطبخ يتبادلن الأحاديث، وفور دخول ماسة ووالدتها توقفن باحترام.
وضعت ماسة الكيس على الطاولة، ووضع الحارس الأكياس.
نظرت له سعدية وقالت: خلاص روح إنت، أنا هقعد شوية وهبقى أكلمك تيجي تاخدني.
خرج الحارس إلى الخارج.
ماسة وهي تنظر لسعدية باستغراب: إيه اللي جيباه ده يا ماما؟ هو أنا غريبة؟
جلست سعدية على المقعد البلاستيكي وهي تفك الحجاب: أصل أنا إيه، كنت امبارح لافة كرمباية على شوية بتنجان كده وكوسة وفلفل لإخواتك، وكنت مطلعة بطة تفك الفجر. لما انتي بقى كلمتيني وقلتيلي تعالي، وأنا عارفة إن سليم حبيبي بيحب المحشي بتاعي وبيحب البط، روحت طلعت بقى كام حمامة واشتريت ملوخية. وأنا جاية قلت بقى إيه، ما دام ربنا هداه وقال لك هاتيهم ونقضي اليوم سوا، أعمله أكلة حلوة ترم عظمه، مش الدكتور خلاص سمح له؟
جلست ماسة بجانبها على المقعد: من بدري.
نظرت ماسة للخادمات وقالت: سحر، ماري، لو سمحتم اخرجوا انتوا بره دلوقت.
خرجت الخادمات، وأخذت ماسة ووالدتها تخرجان الخضار من الأكياس وبدأتا في تقطيف الملوخية.
سعدية بتعجب: وانتي يا أختي ما جيتيش ليه؟ أنا مافهمتش منك حاجة في التليفون. هو ده اللي قلتيه؟ أول ما سليم يبقى كويس هاجي لكم لأني زهقانة ومخنوقة من قعدة البيت، عايزة أشم هوا؟
رفعت ماسة عينيها ونظرت لها بصمت لوهلة، بأفكار مضطربة لا تعرف هل تخبرها بما قاله أم تنتظر .. حكت في أنفها وقالت بمراوغة: احمم… أصل سليم قالي لا، خليهم هما يجوا ويقضوا يوم معانا عشان وحشوني، حتى نخليهم يباتوا كام يوم
سعديةبابتسامة: والله، الحمد لله إن ربنا هداه. (تساءلت:) طب هو لسه بيتعصب عليكِ وخلقه ضيق؟
ماسة تبسمت: لا الحمد لله، أحسن كتير، وإمبارح صالحني وعمل لي مفاجأة حلوة، ووعدني إنه هيحاول يبقى هادي.
ربتت سعدية على قدميها وقالت بحكمة: ربنا يحميه ويشفيه ويخليكم لبعض ياحبيبتي. معلش يا ماسة، استحمليه يا حبيبتي، لسه قايم من رقدة طويلة، غير اللي حصل له، فمعلش اتحمليه حتى لو زعلك، أو صوته اترفع عليكِ، أو ضايقها عليكِ في الخروج، معلش، يومين كده وهتلاقيه رجع زي زمان، ده ما بيتحملش عليكِ النسمة.
ماسة بحب: أنا عارفة وفاهمة، هو صعبان عليَّ والله يا ماما، وقلبي موجوع عليه. جوه عينيه في وجع وحزن ويأس، حتى لو مابيقولش بلسانه، بس وجعه واصلني. نفسي أساعده، مش عارفة إزاي.
سعدية بعقلانية وحكمة: بإنك تتحمليه وتطبطبي عليه، وتقولي له نعم، حاضر، واللي إنت عايزه، ريحيه دايمًا، وقولي له إنت راجلي وسندي وحبيبي. الراجل يا بنتي مهما كان قوي، عنده لحظات ضعف، ولو ما لقيش مراته جنبه وقتها، هيحس إنه لوحده. دايمًا كده تدلعي عليه، وما تحسسهوش أبدًا إن عنده مشكلة، بالعكس، خليه دايمًا يحس إنه زي ما هو، وإنك فخورة بيه. الراجل يا ماسة لما يحس إن مراته شايفاه كبير، بيكبر أكتر، ولو حس إنها شايفاه ضعيف، بينهار.
أضافت وهي تربت على يدها بحنان: وبعدين ده الوقت اللي لازم تباني فيه، هو وقف جنبك زمان واحتواكي، وشالك على كفوف الراحة، مش كده؟ أهو جه دورك تردي له الجميل، مهما حصل، مهما كان عصبي أو متضايق، خليك صبورة، اتحملي، ده مش وقته تعاتبيه أو تزودي عليه، ده وقته تطمني قلبه، تدي له أمان، تحسسيه إنك مش هتتخلي عنه أبدًا. الراجل وقت ضعفه محتاج الست اللي تحسسه إنه حتى لو الدنيا كلها ضده، هي عمرها ما هتسيبه، وإنها هتفضل ضهره وسنده زي ما كان ليها يوم ضهر وسند.
ماسة بحب وصدق: والله العظيم، مابعملش إلا كده. بحاول دايمًا أكون جنبه، أسمعه، أطبطب عليه، أخفّف عنه حتى لو بكلمة. بس وجعه كبير يا ماما، مش بس في جسمه، لا.. في قلبه كمان. نفسي أساعده، نفسي أرجّعه زي زمان، نفسي أشوف الضحكة الحقيقية في عينيه من تاني.
نظرت لوالدتها بعزم وهي تمسك يدها بقوة: ومهما حصل، مش هتخلى عنه أبدًا، مستحيل أسيبه في الوقت ده، مستحيل أبعد أو حتى أفكر إني ماكنتش جنبه، ده سليم يا ماما، الراجل اللي سندني وحماني، اللي عمره ما تخلى عني لحظة، اللي دايمًا كان ضهري، أقل حاجة إني أكون جنبه دلوقتي، وأتحمل وأصبر عليه، هو يستاهل ده، ويستاهل أكتر كمان.
ربنا يكمل شفاءه على خير يا رب، ويخليه ليا.
سعدية: يا رب.
ماسة تساءلت: هي فين سلوى وإخواتي وبابا؟ ما جُوش معاكي ليه؟
سعدية: إخواتك في الشغل مع أبوكِ، هيجوا على العصرية كده، وأختك نايمة، مش قادرة تيجي.
ماسة: خلاص، بعد الظهر كده هبعت لها السواق يجيبها، حتى يجيب لها هدوم، شك
💕_______بقلمي_ليلةعادل_______💕
مجموعة الراوي
مكتب سليم، الحادية عشرة صباحًا
نرى عشري ومكي يجلسان على المقاعد الاماميه للمكتب مقابل بعضهما، وهم ينظران لسليم بنتباه شديد..
أما سليم، فكان يجلس على مقعده، يمسك بأحد الأوراق بين أصابعه، يقلبها ببطء قبل أن يرفع عينيه إلى عشري قائلاً بنبرة هادئة لكنها تحمل نبرة استنكار خفية:
سليم متعجباً: بس مش غريبة إن الهانم تشيل معاك إنت الأوراق؟
عشري بثبات: أنا أصلاً ماكنتش عارف إيه اللي في الأوراق، بس هي كانت دايمًا معايا، لأن ده كان طلب الهانم. قالت لي أول ما أنت ترجع لازم الورق يكون موجود.
مكي وهو يضيق عينيه قليلاً: طب إنت ليه ما قلتش؟
عشري وهو يهز رأسه بجدية: عشان وعدت الهانم إني مقولش.
مكي بابتسامة جانبية، وكأنه استوعب الصورة كاملة نظر لسليم: بكده بقى، ده إعلان رسمي من الهانم والباشا إنك خلاص بقيت الإمبراطور الجديد.
عشري وهو يومئ برأسه بتفخيم: هو الإمبراطور أصلاً من غير حاجة، بس دلوقتي بقى الموضوع رسمي، إلا جزء بسيط إن الأسهم تكون ملكه، مش حق إدارة بس.
ارتكز سليم بمرفقه على المكتب، أصابعه تضغط على الورقة التي بيده بينما عيناه تضيقان قليلاً، لا ليفكر في كلامهما فقط، بل ليحاول قراءة ما بين السطور. هل هذه مجرد خطوة لتثبيته رسميًا، أم أن هناك ما هو أعمق يدور في الخفاء؟
ظل للحظات صامتًا، ثم زفر بهدوء وألقى الورقة على المكتب، مسندًا ظهره إلى كرسيه. فهناك أمور كثيرة تحتاج تفكيره، لكن ليس الآن، ليس قبل أن ينتهي مما يشغل قلبه قبل عقله.
عدل سليم من جلسته ونظر لهم بحدة قائلاً: بقول لكم إيه، مش عايزين الموضوع ده ياخدنا بعيد عن موضوعنا الأساسي، اكيد رشدي وصافيناز عكو في حاجة تخص المجموعة، ها وصلتم لحاجة ولا بطلتم تدوروا؟
مكي بتوضيح: والله يا سليم، أنا وعشري وإسماعيل من وقت الحادثة مابطلناش ندور، حتى الباشا ورجالته كانوا معانا برضو، بس.مافيش فايدة..
وضع سليم يده على جبينه، وشرد للحظات وكأن العالم من حوله بات باهتًا، قبل أن يهمس بصوت منخفض يملؤه الإحباط: حاسس إني في مركب صغيرة وسط محيط هائج ومعيهاش بوصلة، تايه… مش عارف أوصل للبر. خيط واحد بس، لو مسكناه، هنعرف نعمل حاجات كتير.
عشري وهو يومئ بتفهم: عندك حق، بس المشكلة إن الخيط ده مش ظاهر قدامنا.
سليم وهو يزفر ببطء محاولًا كبح توتره: أنتوا دورتوا في الكاميرات زي ما قلت لكم؟
مكي وهو يعقد حاجبيه: آه، دورنا، بس… ماوصلناش لحاجة.
سليم بعزيمة تخللتها نفحة من الغضب المكبوت: أنا عايز أشوف تسجيل الكاميرات دي بعيني، وعايز كمان أشوف ملف القضية بالكامل.
عشري وهو يشيح بنظره جانبًا: بس الباشا قفل القضية بعد فترة صغيرة، قال إنها شوشرة على الفاضي.
سليم وهو يضغط أصابعه بقوة على الطاولة: أنا عايز الملف لحد آخر ورقة فيه، مش هسيب حاجة.
مكي: بكرة هيبقى عندك، متقلقش.
سكت سليم للحظات قبل أن ينظر إلى عشري بجدية: عشري، في واحد متقدم لسلوى، عايزك تسأل عليه.
رفع مكي عينه ببطء ناحية سليم بترقب واضح، بينما تبادل عشري ومكي نظرات صامتة قبل أن
يسأل سليم عشري بصوت متحفظ: أهو فيه حاجة؟
نهض عشري وهو يمدد يده ليأخذ مفاتيحه من الطاولة: طب هقوم أنا عشان أجيب لك الملف وتسجيل الكاميرات الأول.
خرج عشري، وتبقى مكي يجلس مع سليم. رفع سليم عينه نحوه وقال بنبرة متفحصة: هو في إيه؟
مكي وهو يرفع كتفيه بلا مبالاة مصطنعة: مافيش حاجة، هو بس سابنا نتكلم براحتنا.
عاد سليم بظهره إلى المقعد وعقد حاجبيه بعدم فهم: مش فاهم حاجة.
مكي: عشري عارف إني دورت ورا الواد ده… زميلها في الكورس، بقالهم فترة بيتكلموا، هو شاب محترم، شغال محاسب في بنك، باباه ومامته مدرسين في مدرسة إنترناشونال.
سليم وهو يضيق عينيه ويثبت نظره على مكي قال متعجباً: مكي، هو أنت لسه بتفكر في سلوى؟!
مكي بضعف، وصوته يكاد يكون هامسًا: أنا عمري ما بطلت أفكر في سلوى.
سليم وهو ينظر له بدهشة: بعد كل السنين دي؟
هز مكي رأسه عدة مرات بصمت متأثر: بعد كل السنين دي.
أمسك سليم العكاز ونهض، ثم جلس على المقعد الأمامي للمكتب المقابل لمكي، ينظر له بتعجب، كيف له أن يظل متعلقًا بسلوى بعد كل تلك السنوات، ولم يكن بينهما ذكريات قوية أو قصة عشق جارف؟
سليم بعد لحظات من الصمت: غريب؟
مكي وهو يرفع حاجبه بسخرية: إيه الغريب في كده؟ عشان يعني مكي قلبه جامد ومايعرفش يحب؟
سليم وهو يشير بيده برفض: لا طبعًا، أنا ماقلتش كده، كل اللي أقصده إن مافيش بينكم قصة حب كبيرة تستدعي إنك تفضل كل الفترة دي بتحبها ومستنيها.
مكي وهو يزفر ببطء، وكأن الذكريات تهاجمه قال بتوضيح: لأني أخدت وعد بيني وبين نفسي إني هستناها لحد ما تكبر وأفاتحها في موضوعنا، وانت عارف مكي مستحيل يرجع في وعده حتى لو بيني وبين نفسه.
سليم: بس هي كبرت من زمان، دلوقتي داخلة في ٢١ سنة، ولا أنت برضه شايف إن ده مش سن مناسب للجواز؟
مكي وهو يتحدث بعقلانية واضحة: مش قصة سن، الموضوع كان نضج أكتر. ممكن واحدة عندها ٣٠سنة وتكون تافهة، وواحدة تانية عندها ١٧سنة وعندها وعي ونضج. ماسة وسلوى كان عندهم وعي، بس خبرتهم كانت قليلة. آه عقلهم أكبر من سنهم، بس ما كانش عندهم خبرة كفاية، ما يعرفوش حد زي ما قلت لك قبل كده…أنا كنت عايز سلوى تعرف ناس كتير وتختارني بعقلها وقلبها، مش قلبها بس. وفعلاً ده حصل، سلوى اللي كنت أعرفها زمان، رغم نضجها، دلوقتي بقت حد تاني، ناضجة أكتر، عندها وعي أكتر، وشافت الدنيا بعيد عن المزرعة، دلوقتي عندها الوعي الكافي عشان تختار شريك حياتها. دلوقتي أقدر أفاتحها.
سليم تسأل: مافتحتهاش ليه؟ مادام هو ده الوقت المناسب، مش خلاص بقت ناضجة وشافت كتير؟ إيه عذرك؟
مكي بصوت هادئ لكنه يحمل مرارة: مفيش عذر.. أنا فاتحتها فعلاً بعد ما إنت فوقت من الغيبوبة. بس هي رفضت.
سليم ينظر له بصدمة: رفضت؟
مكي يبتسم بمرارة: أيوه، رفضت.
سليم بدهشة: رفضت ليه؟
مكي يزفر بضيق: رفضت انتقام.
سليم متعجبًا: إزاي عرفت إنه انتقام أو رد اعتبار؟ يمكن هي فعلًا ما بتحبكش؟ أو يمكن دلوقت أدركت إنك مش الشخص المناسب ليها؟
مكي بحزم ممزوج بالحزن: أكيد هي مابتحبنيش، بس عايزاني… جواها حاجة ناحيتي ممكن تبقى حب، لكن رفضها ماكانش لأني مش مناسب ليها، كل كلامها كان عن إني بعدت من غير ما سبب، سبتها تواجه وجعها لوحدها، تفكر وتغرق في تساؤلات. حاولت أوصل لها سبب اللي عملته، بس هي مش قادرة تصدق إني كنت خايف عليها، مش مقتنعة إني كنت عايزها تختارني بإرادتها، مش لمجرد إني كنت الشخص الوحيد اللي قدامها وقدم لها حاجات كتير ما حدش غيري يقدمه لها ما استغليتش الانبهار.
سليم وهو يتكئ على العكاز ويفكر: طب والحل؟
رفع مكي يده إلى مؤخرة رأسه وحكها بحيرة، قبل أن يجيب بصوت مليء بالتردد: مش عارف… نفسي أتكلم معاها تاني، أحاول أوضح لها، بس مش ضامن رد فعلها… بص يا سليم، أنا مش عارف المفروض أعمل إيه، بس اللي واثق منه إني مش ناوي أخسرها.
سليم بجدية: لو عايزني أوقف الجوازة، أنا جاهز.
مكي وهو يهز رأسه نافيًا: لا، أنا أقدر أوقفها لوحدي، بس ده مش اللي عايزه، مش عايز أحطها في موقف تحس فيه إنها مضطرة تختارني، أنا عايزها تختارني وهي مقتنعة. لو فعلاً عايز تساعدني، اديني فرصة أكلمها لما أوصلك.
سليم يبتسم بثقة: بس كده؟ دي أسهل حاجة.
مكي يبتسم أخيرًا، وكأن بارقة أمل أُشعلت داخله: تمام، متخيبش ظني، انت أملي الوحيد دلوقتي.
سليم وهو ينهض مستندًا على العكاز: متقلقش، بس إياك تضيع الفرصة، سلوى مش هتفضل مستنياك على طول.
مكي بحزم وعزيمة واضحة: وأنا مش ناوي أسيبها تضيع مني تاني.
على اتجاه آخر في مكتب صافيناز، يجلس الأربعة ويبدو عليهم الضيق.
عماد يتحدث بمكر: الهانم شكلها يا إما شكت، يا إما عرفت اللي كنا ناويين نعمله.
منى تهز رأسها: ما أعتقدش إنها عرفت، لأنها لو عرفت، ماكانتش هتسكت. ده مش بعيد ما أخدت مننا شوية الأسهم اللي مالهاش لازمة.
صافيناز تتنهد بحدة: طبعًا هي أكيد شاكّة إن إحنا هنعمل حاجة، وحاطة جواسيس حوالينا. المهم دلوقتي، هنعمل إيه؟ خلاص، بقينا رسمي بناخد مصروفنا من سليم كل أول شهر.
رشدي بغضب: مع إني متعصب وهتجنن من اللي عملته الهانم، بس أنا دلوقتي مش قلقان من سليم، لأن تركيزه كله هيبقى في اللي عمل فيه كده. وإحنا هنستغل انشغاله ده ونحاول نثبت نفسنا، ممكن كمان نبوّظ عليه بعض الصفقات، إحنا دلوقتي بقينا غير زمان خالص.
عماد يومئ ببطء: فكرة حلوة، بس مش بالسرعة دي. إحنا بردو لازم نركز مع سليم عشان مايوصلش لأي معلومة عن الحادثة، لأنه لو وصل لأي طرف خيط، هيوصل لنا، ووقتها هتكون نهايتنا.
منى تعقد حاجبيها بقلق: فعلًا، لازم نفتح عنينا كويس.
رشدي بتحذير: أهم حاجة طه، لأن ضميره صاحي أوي الفترة دي.
صافيناز تنظر له بحدة: بالضبط! كل شوية فكّروه إننا ممكن نئذي أولاده، وده طبعًا مش حقيقي، بس هو لازم يفهم ويحس إنه حقيقي، عشان يحط لسانه جوه بقه.
منى تبتسم بخبث، أكيد.
♥️ـــــــــــــــــ بقلمي_ليلةعادل ـــــــــــــــــ♥️
فيلا سليم وماسة – الرابعة مساءً
الحديقة
كانت ماسة وسلوى تجلسان في الحديقة يبدلن الحديث.
ماسة وهي تميل نحو سلوى بحماس: يعني خلاص، خلاص قرار نهائي؟
سلوى بتنهيدة ضجر: أنا مش فاهمة إيه مشكلتك؟
ماسة بملامح مستاءة: يعني كنتِ حابة تدي فرصة لمكي لانه حقيقي يستاهل بس انتي عنيدة.
أثناء ذلك، دخل عليهما سليم وخلفه مكي.
سليم بوقار وابتسامة هادئة: مساء الخير على المدموزيلات الحلوين.
ما إن استمعت ماسة لصوته حتى لمعت عيناها، توقفت مسرعة، توجهت نحوه وضمت ذراعيها حوله بحب، وكأنها كانت تنتظره طوال اليوم.
ماسة وهي تغرق في دفء حضنه: حبيبي.
سليم يحيط خصرها بذراعيه، يقربها منه أكثر ويهمس لها بصوته العميق الدافئ: aşkım، وحشتيني
. يضع قبلة على جبينها برقة، وكأنه يطمئن قلبها بوجوده.
ماسة تنظر إليه بلهفة: ها، عامل إيه؟ وعملت إيه النهارده؟
سليم بابتسامة خفيفة وهو يمرر يده على شعرها: لا، الموضوع طويل.. تعالي أوضتنا.
ماسة نظرت لسلوى بابتسامة ماكرة: سوسكا، شوية وجيالك.
سلوى ترفع حاجبها بسخرية: تمام.
تحرك سليم مع ماسة، وقبل أن يبتعد، التفت لمكي وغمز له بإشارة خفية، كأنه يشجعه على الحديث مع سلوى كما اتفقا. دخل سليم وماسة إلى الفيلا، بينما بقي مكي وسلوى في الحديقة، والصمت المشحون بالتوتر يحيط بهما.
كان مكي يراقب سلوى بصمت، عينيه تبحثان عن مدخل للحديث، بينما هي تتجاهله تمامًا، تمسك بإحدى المجلات وأخذت تقلّب صفحاتها بلا اهتمام، وكأن وجوده لا يعنيها. ظل مكي ينظر إليها، يفكر كيف يبدأ؟ كيف يجعلها تستمع إليه؟ كيف يقنعها بأن الماضي لم يكن وهماً؟ تحمحم قليلًا، ثم جلس على المقعد المقابل لها، يحاول لفت انتباهها.
مكي بنبرة هادئة: عاملة إيه يا سلوى؟
رفعت سلوى عينيها نحوه ببرود، لم تمنحه سوى نظرة خاطفة قبل أن تعود لمجلتها: الحمد لله.
مكي بعقلانية وصوت ثابت: أتمنى تكوني هديتي عشان نقدر نتكلم بهدوء.
سلوى تعقد حاجبيها بتعجب، وكأنها لا تفهم ما يريده: نتكلم في إيه؟ إحنا مافيش بينا كلام، إنت الحارس الشخصي وصديق جوز أختي وبس.
وقفت لتغادر، لكنه نهض سريعًا ووقف أمامها ليمنعها من التحرك، نظرت له بغضب، لكنه لم يتراجع.
مكي بثبات: هتسمعيني.
سلوى بشدة وعصبية: مكي، متتجننش! أمي هنا، وإخواتي وبابا ممكن يجوا في أي لحظة! ولا أنت عايز تعملي مشكلة؟
مكي بنفي وهو ينظر إليها بصدق: أنا مستحيل أعملك أي مشكلة أو أكون السبب في مشكلة، أنا بخاف عليكي.
سلوى بحدة محاولة إنهاء الحديث: مادام بتخاف عليا، لو سمحت أوعى.
حاولت التحرك، لكنه وقف في طريقها مرة أخرى، مما زاد من غضبها. وضعت يديها على خصرها ونظرت له بغيظ، بينما هو يراقبها بنظرة ثابتة تحمل شيئًا من التحدي.
سلوى بغيظ: هو في إيه؟
مكي برجاء وهو يحاول تهدئتها: خمس دقايق بس، نتكلم شوية وخلاص.
سلوى بجمو: مكي، إحنا اتكلمنا في كل حاجة، وأنا فهمتك إني مش موافقة، إنت طلبت وأنا رفضت، انتهينا.
مكي وهو ينظر داخل عينيها مباشرة: بس إنتِ رفضك مش عشاني، عشان زعلانة مني.
سلوى وهي تزفر بضيق: ده إللي انت بتحاول تقنع نفسك بيه.
مكي بهدوء وثقة: لا، مش ده اللي أنا بحاول أقنع نفسي بيه، أنا متأكد.
سلوى باستخفاف وهي ترفع حاجبها: جبت منين بقى التأكيد ده؟
مكي وهو يقترب قليلاً بصوته العميق: من عينيك.
شعرت سلوى برعشة خفيفة تسري في قلبها، لكنها لم تسمح لنفسها بالضعف، فردت باستخفاف زائف: وعيني بتقول لك إيه بقى؟
مكي بنبرة تحمل الحنين: بتقول اللي لسانك رافض يعترف بيه، وكبريائك منعك عنه…
اضاف مكي وهو يمرر يده في شعره بتوتر بضيق: هو أنا غلطت في إيه؟ فهميني! غلطت إني كنت عايز أحافظ عليكي؟ غلطت إني كنت خايف عليكي؟ غلطت لأني كنت عايزك تشوفي الدنيا وتختاري بعقلك مش بس بمشاعرك؟
رفعت سلوى وجهها له، ردت بصوت ثابت، لكنها كانت تكذب على نفسها أكثر مما تكذب عليه.
سلوى بجمود: إنت قلت الكلام ده قبل كده، وأنا قلت لك لا، المشاعر اللي كانت جوايا زمان دي.. كانت مجرد مشاعر مراهقة، بنت عمرها ماعرفت يعني إيه حب، ولا يعني إيه حد يهتم بيها، ولا يعني إيه حد يجيب لها هدية أو يقول لها كلمة حلوة، كل الحاجات دي.. إنت كنت أول واحد ادتهاني.
كان مكي يستمع لها بصمت، عيناه لم تفارق وجهها للحظة، لم تستطع منع صوتها من أن يهتز قليلًا وهي تضيف بوجع مكبوت اكملت:
فانا للأسف بكل سذاجة وعبط، سرحت بخيالي وعشت لوحدي مشاعر وأحاسيس مراهقة، أصل أنا كان نفسي أعيش قصة زي ماسة، وأحس إني كمان بتحب، برغم إنك عمرك مانطقت بيها بس معرفش ليه حاستها لدرجة إني صدقتها وعشت احلام كدابة لحد، لحدااا
بدأ يهتز صوتها و ترقرقت عينيها بالدموع تحاول مسك نفسها أضافت:
ماصحيت وفوقت على سراب، طلعت موهومة، طلعت فاكرة حاجة والحقيقة حاجة تانية خالص، فات سنين، سنين كتير حاجات كتير اتغيرت فيها، أنا نفسي أتغيرت، والمشاعر اتحولت واتبدلت ونضجت، زي ما أنت كنت عايز وفهمت إن انا وإنت ماننفعش لبعض.
كان مكي يستمع لها، وعيناه تراقب كل حركة في وجهها، كل رعشة في صوتها، كل ارتجافة في أنفاسها، تأثر بكلامها قال بعقلانية
مكي: وعرفتي منين بقى إن احنا ماننفعش وأنتي أصلاً لسه ماتعرفنيش يا سلوى؟ انتي ما تعرفيش مين هو مكي، مكي إللي عرفتيه زمان ده 1٪ من حقيقته.
سلوى بصوت حاسم: وأنا مش عايزة أعرفك، كفاية اللي عرفته.
تنهد مكي ومسح وجهه بتفكير اعطاه ظهره لوهله ثم نظر لها فهو يحاول ان يعيدها في اي طريقه قال:
طب بصي.. اعتبريني واحد متقدملك صالوناتي، تعالي نتخطب ونتعرف على بعض أكتر، يمكن ننفع لبعض، ويمكن تحققي حلمك وتعيشي قصة حب زي ماسة.
سلوى ضحكت بسخرية، وكأنها لم تصدق ما قاله: إنت عايز تفهمني إنك بتحبني؟
مكي بصوت هادئ لكن صادق: عشان يعني ماعشناش مع بعض حاجات كتير مش مصدقة؟ هو انتي فاكرة إن الحب بالذكريات الكتيرة والمواقف الكثيرة؟ خالص، ممكن نعيش سوا موقف واحد وذكرى واحدة ممكن تتحفر في قلبك لسنين، الكام موقف اللي عشناهم سوا والكام ذكرى، هما دول اللي فضلت عايش بيهم وواعد نفسي بيهم، إني هاعيش معاكي ذكريات ومواقف أكتر، سلوى بلاش عند أنا متمسك بيكي وبحبك، عشان خاطري أنسي إللي فات وخلينا نبدأ من جديد ماتحاسبنيش على موقف واحد وتحكمي عليا.
سلوى بضيق وهي تحاول ان لا تضعف: الجواز مفهوش خاطر، وكفاية بقى أنا محكمتش عليك من موقف بس خلاص
مكي هز رأسه بإيجاب، اقترب أكثر، حتى أصبحت المسافة بينهما شبه معدومة، نظر داخل عينيها مباشرة وقال بصوت منخفض لكنه يحمل يقينًا شديدًا: تمام، براحتك.. بس إنتي ليا.
نظرت له سلوى وهي تعقد حاجبيها، أكمل بحسم وهو يهمس قرب أذنها: خلي الجملة دي دايمًا قصاد عينِك وجوا ودانِك.. عشان هتتحقق. مش لازم دلوقتي، بس إنتي ليا.. مش لحد تاني.
سلوى عضت شفتها بغضب، شعرت أن قلبها يخونها، نبضاتها تتسارع رغمًا عنها، لكنها قاومت وقالت بصوت جاف وحازم: مش هيتحقق.
ابتسم مكي بثقة وهو يهمس: وحياتك عندي.. هيتحقق.
نظر لها نظرة طويلة، وكأنه يضع بصمته الأخيرة في عقلها، ثم ابتعد عنها قليلًا وقال بصوت هادئ:
تقدري تحركي، دلوقتي براحِتِك..
توقفت سلوى في مكانها، وكأنها تأبى أن تفعل ما يطلبه، عقدت ذراعيها أمام صدرها بتحدٍ وقالت بعناد: مش همشي.. بمزاجي، هو بمزاجك؟ أنا هقف بقى.
نظر لها مكي، وارتسمت على شفتيه نصف ابتسامة، بها الكثير من الإعجاب بولدنتها، ثم تمتم بصوت ملئ الاشتياق: برضه عنيدة.. زي ما كنتِ زمان.
تبسمت إبتسامة صغيره وتحرك… نظرت سلوى لآثاره وجزت على اسنانها بضيق.
على اتجاه آخر / غرفة سليم وماسة
توقفت ماسة أمام سليم وساعدته في تبديل ملابسه
ماسة باهتمام تساءلت: قولي بقى، يومك كان حلو.
سليم: يعني شوية وحصل كم حاجه كده.
ماسة وهي تقوم بتلبيسه التيشرت:خير.
سليم: الباشا والهانم أعطوني حق الإدارة لنسبتهم في المجموعة.
ماسة: طب دي حاجة حلوة والا حاجة وحشة؟
سليم رفع كتفه: هي لا حلوة ولا وحشة بس توقيتها غريب؟
ماسةمتعجبة: ايه الغريب فيه؟ بقول لك ايه تعالى نتكلم على السرير أحسن عشان ترتاح.
هز سليم رأسه بايجاب توجها حتى الفراش تمددت ماسة وتمدد سليم بجانبها ووضع رأسه على صدرها وأحاطت يديها على ظهره وشعره وأخذت تمسح عليه.
تساءلت ماسة باهتمام وهي تمرر يدها على شعره بنعومة، صوتها يحمل فضولًا حقيقيًا: قولي بقى، توقيتها غريب إزاي؟
سليم، وهو يأخذ نفسًا عميقًا قبل أن يوضح: يعني إشمعنا دلوقتي؟ ليه مش قبل كده؟ بالأخص إنهم عارفين إني كاتبلك حق إدارة نسبتي في غيابي، غير طبعًا النسبة اللي كتبتها لك إنتِ وحور، واللي بعد موتها بقت بتاعتك بالكامل.
ماسة، وهي تحاول إيجاد تفسير منطقي: يمكن علشان خاطر اللي حصل لنا؟
سليم، بابتسامة ساخرة وهو يهز رأسه: نوع من التعويض والشفقة يعني؟
نظرت له ماسة للحظات بعينيها بصمت، ثم مدت شفتيها بعدم معرفة وهي تفكر بصوت عالٍ: معتقدش… بص، إنت كده كده كنت بتعمل كل حاجة، وهما بيمضوا بس. وحتى لو في مشروع أو صفقة هما عايزينها وإنت مش عايزها، كلامك هو اللي بيتنفذ في الآخر، كلمتك هي الأولى والأخيرة. أنا لما دخلت المجموعة في فترة غيابك، فهمت إنك إنت اللي مسكها والكل في الكل، وإن عزت باشا موجود بشكل شرفي بس… يعني يا روحي، إنت رئيس مجلس الإدارة الحقيقي، وكلهم تماثيل.
سليم، بابتسامة خفيفة: ده حقيقي.
تبسمت ماسة وهي تلمس كفه بحنان: طب خلاص بقى، الموضوع مش مستاهل كل التفكير ده، المهم إخواتك ما يضايقوش.
سليم، بضحكة قصيرة تخفي وراءها الكثير: إخواتي أكيد متضايقين، هم أصلًا طول عمرهم متضايقين لأن الباشا مميزني، بس بصراحة، هم اللي عملوا كده في نفسهم، هما اللي فشلة. بس مش فارق معايا، أنا مش هخلي الموضوع ده يشغل دماغي، عملوه شفقة، تعويض لاني أنا اللي استحق.. مش فارق، أنا اللي شاغل دماغي دلوقتي حاجة واحدة بس، هدف واحد إني أوصل للي عمل كده وأدفعه الثمن.
مسحت ماسة على ظهره بحنان، صوتها ناعم لكنه يحمل رجاءً: سليم، حبيبي، وحياتي كلها، أنا مش عايزاك تركز غير في إنك تبقى كويس، هو ده اللي عايزاه يبقى هدفك.
سليم: إنتِ عندك حق… ماينفعش أدور عليه وأنا كده، بعكاز وباخد مسكنات، لازم أدور وأنا قوي. لازم أركز أكتر في العلاج الطبيعي… لازم يا ماسة.
ماسة، بابتسامة مشجعة: إن شاء الله ياحبيبي.
تذكر سليم فجأة شيئًا، فالتفت إليها: على فكرة، سألت على الولد اللي هيخطب أختك، طلع كويس وأهله ناس محترمين.
ماسة: طب الحمد لله، الخميس الجاي هيتقدم لها رسمي.
سليم، وهو يرفع حاجبيه: أختك طلعت صعبة أوي، ياريت تعقليها شوية.
نظرت له ماسة باستغراب، ثم ضحكت بخفة: أعقل أختي شوية!! مش فاهمة، إنت تقصد إيه؟
سليم: يعني مش عشان مكي صاحبي، بس هو بجد إنسان كويس، وأحسن مني في حاجات كتير.
نظرت له ماسة باندهاش، ابتعدت قليلًا وهي تدقق النظر فيه: لحظة… هو إنت عارف؟!
سليم، بضحكة جانبية واثقة: أيوه طبعًا عارف، ومن زمان.
ماسة، وهي تميل برأسها قليلاً بذهول: ده إنت طلعت مش بسيط وخبيث والله! هو اللي حكالك ولا إنت عرفت لوحدك؟
سليم: هو حكالي من زمان.
ماسة، وهي تزفر بحيرة: أنا مش عارفة أتكلم معاها، مش عارفة أقنعها… زعلانة منه أوي، هي حاسة إنه جرحها، أصل سوسكا حساسة، حاولت أفهمها إن تفكيره كان منطقي وإنها اللي مكبرة الموضوع، بس للأسف، مفيش فايدة.
سليم بتعجب: إنتِ شايفة إن مكي كان صح في قراره؟
ماسة بعقلانية، نبرتها واثقة: آه طبعًا، معاه جدًا كمان، حبها من غير أنانية يا سليم. فضّل إنها تكبر وتبقى ناضجة، وأكيد ما كانش قصده السن بس، هو كان عايزها تنضج فكريًا وثقافيًا، عشان تبقى فاهمة مشاعرها وهي بتختار، مش تختاره بس عشان قالها كلمة حلوة، وجاب لها عروسة، وضحك في وشها… الجواز غير كده! مش عشان الحمد لله إحنا نجحنا يبقى هي كمان هتنجح، خصوصًا سلوى مش زيي، سلوى ما تتحملش وعصبيه.. أنا اتحملت زمان معاك ضرب، عصبية، خوف… وأكيد هو كمان مش زيك.
سليم تنهد بتوضيح: مكي مختلف عني، أعقل مني بكتير، بيعرف يسيطر على انفعالاته… هي لو كانت مع مكي، كانت هتبقى مبسوطة، لأنها ما كانتش هتواجه اللي إنتِ واجهتيه معايا. أنا بس كان نفسي يقول لها، يعرفها إن فيه مشاعر، ما يسيبهاش تفكر إنه كان بيتسلى بيها أو يحسسها إنها كانت لعبة في إيده… ده إحساس صعب، لكن طبعًا إنه يتجوزها وهي عندها 15سنة؟! تؤ، مكنتش هبقى معاه، وكنت هرفض.
ماسة، وهي تضيق عينيها باستغراب: أفهم من كده إنه لو رجع بيك الزمن مش هتعملها معايا وتستنى لحد ما أكبر؟
سليم، بابتسامة جانبية: لا طبعًا، هعملها… بس بطريقة تانية.
ماسة، بضحكة ساخرة وهي تهز رأسها: ولا تانية ولا تالتة، كنا هنتجوز غصب، أصلًا ماكنتش هتقدر تقاومني!
نظرت له بحب، اقتربت منه ولمست وجنته برقة قبل أن تكمل بابتسامة دافئة: عارف؟ أنا عمري ماحسيت إنك سرقت طفولتي، أو إني ماعشتش شبابي ومراهقتي… بالعكس، أنا عشت معاك كل حاجة حلوة. ربنا يخليك ليا يا قلبي.
وضعت قبلة على خده، ثم ضمّته بحنان، قبل أن تضيف بابتسامة مشاغبة وهي تنهض: ماما عملتلك شوية أكل جامدين، هروح أصحيها عشان نتغدى.
سليم وهو يراقبها بحب: ماشي، أنا هاخد الدوا وأعمل التمارين اللي الدكتور قال عليها.”
ماسة بابتسامة واسعة: ماشي.
توجهت للخارج، ثم حدفت له قبلة في الهواء قبل أن تختفي من أمامه، تاركة وراءها ابتسامة صغيرة على وجهه.
🌹ــــــــــــــــــــــ بقلمي_ليلةعادل 。◕‿◕。
قصر الراوي – الرابعة عصراً
غرفة هبة وياسين.
نشاهد هبة تجلس على المقعد الهزاز، تقرأ في أحد الكتب بتركيز أمام النافذة المطلة على الحديقة. بطنها كان عاليًا، مما يوضح مدى تقدم حملها. بعد دقائق، دخل ياسين الغرفة وهو يحمل باقة من الورود، عطرها يملأ الأجواء.
ياسين بابتسامة دافئة: حبي
التفتت برأسها له بابتسامة جميلة: حياتي
اقترب منها وأحاط ذراعيه حول ظهرها من الخلف، وضع قبلة دافئة على أعلى رأسها، ثم تقدم أمامها، جلس جلسة القرفصاء وهو يضع يده على بطنها بحنان.
ياسين باهتمام، وهو يربت على بطنها: حبايب قلبي عاملين إيه؟
هبة بابتسامة مطمئنة: الحمد لله، إنت عامل إيه؟.
ياسين: تمام.
أمعنت هبة النظر له، لاحظت بريق الفرح في عينيه: وشك منور النهارده؟
ياسين وهو يزفر بسعادة: مبسوط، سليم رجع أخيرًا.
هبة بسعادة: بجد؟ عامل إيه؟
ياسين: أحسن من الأول.
هبة بحماس: خلينا نروحه له، حابة أطمن عليه وأطمن على ماسة، وحشوني أوي.
ياسين: ممكن نروح كمان يومين، هو سمح إننا نزوره.
هبة بتنهيدة خفيفة: لازم سليم يروح لثربيست.
ياسين: هكلمه بس شوية، الهانم والباشا نقلوا إدارة الأسهم له.
هبة بتردد: أنا حاسة إن إخواتك ليهم يد في اللي حصل، عشان كده مامتك عملت كده كنوع من العقاب، وممكن تاخد كل الأسهم منهم.
ياسين برفض قاطع: لا ياشيخة، مستحيل، إخواتي طماعين بس مش هيوصلوا للقتل، بطلي وسوسة.
هبة وهي تمد وجهها بعدم معرفة بقلق: يمكن، بس قلبي مش مطمن.
ياسين بحزم: بصي، أنا مش هينفع أقول لسليم ممكن احاول ادور وراه.
وضعت هبة يدها على وجهه بحب: خد بالك من نفسك يا ياسين، إخواتك لو طلعوا السبب في اللي حصل لسليم وماسة، إنت كمان هيبقى عليك الدور، أوعى تنسى سليم كان عايز يمشي بعد ما يحضّرك عشان تاخد مكانه.
ياسين بشراسه: لو هما اللي وراها، هقتلهم قبل ما يقتلوني. بقولك إيه، ما تيجي نرجع فيلاتنا؟
هبة بتردد: بس لو ماسة هترجع، بلاش، خليني معاها، حرام، محدش بيتعامل معاها غيري هنا.
ياسين: تمام، هشوف سليم، بس أوعي كلامك ده تقوليه لحد.
هبةبثقة: هو أنا هبلة؟ ماتقلقش، المهم خد بالك من نفسك.
فيلا سليم وماسة، السادسة مساءً
ـ السفرة
كان جميع أفراد عائلة ماسة يجلسون حول الطاولة، التي امتلأت بأصناف الطعام الشهية، من محاشي متنوعة، وملوخية، وحمام، وبط، ورقاق. أجواء عائلية دافئة تخيم على المكان، ووسط الضحكات الخفيفة، اقترب سليم. ما إن رأوه حتى توقف الجميع لاستقباله، لكنه أوقفهم بإشارة من يده.
سليم وهو يشير بيده بتهذيب: بس بس، بتعملوا إيه؟ خليكم زي ما أنتم، مساء الخير.
الجميع بصوت واحد: مساء النور.
مجاهد بحنان: عامل إيه يا بني دلوقتي؟
سليم وهو يجلس: الحمد لله يا عمي، وانت؟
مجاهد بابتسامة هادئة: نحمده.
سعدية بمودة: إن شاء الله هتبقى أحسن وأحسن مع العلاج.
سليم بثقة: إن شاء الله.
عمار بود: أخبارك إيه ياسليم؟ آسف لو مازرتكش، بس إنت كنت مانع الزيارة.
سليم: والله، للكل، حتى إخواتي.
يوسف بحماس: المهم، إنت دلوقت كويس؟
سليم مبتسماً: كويس يا يوسف، ما شاء الله كبرت، ولا أنا اللي نسيت؟
ماسة بمزاح وهي تضرب يوسف على كتفه: لا، طول، ما شاء الله، بقى أطول مني.
سليم: إنت كام دلوقت؟
يوسف بفخر: 18سنة.
سليم: بقيت راجل أهو، اتجدعن في المدرسة، إنت كدة في سنة كام؟
يوسف: تانية ثانوي، أنا أخدت ثانوي عادي مش مجمعة.
سليم: ربنا معاك. وإنت يا عمار، أنا فاكر كنت في ثانوي قبل الحادثة، وسلوى وماسة المفروض يكونوا في الجامعة سابقينك بسنة.
عمار: همتحن، لسه فاضل شهرين.
سليم: ربنا معاك، وانتي يا سوسكا، عاملة إيه؟ دخلتي حقوق؟
سلوى: لا، هستنى ماسة، نقدم السنة الجاية مع عمار، بس أنا هدخل حقوق.
سليم: أن شاءالله
سعدية بلهفة: بطلوا رغي، كل يا سليم، أنا عملت لك كل الأكل اللي بتحبه، المحشي، الرقاق، المعمر، البط، وأم علي كمان، بس خلّص الغدا الأول.
سليم ممتناً: تسلم إيدك. أنتم هتباتوا معانا كام يوم؟ أنتم واحشيني.
مجاهد بلطف: مش عايزين نتقل عليكم.
سليم بإصرار: تقل إيه بس؟ مش أنا زي ابنكم؟
سعدية بعاطفة: طبعاً، ربنا يعلم.
سليم بحماس: خلاص، هتقعدوا يومين.
مجاهد بابتسامة: ماشي، إن شاء الله.
بدأوا في تناول الطعام وسط أجواء عائلية دافئة، وكان سليم شديد اللطف معهم، وكأنه يعوّض حرمانه من هذا الجو العائلي الذي افتقده كثيرًا. كان واثقًا من محبتهم الصادقة له، مما جعله يشعر بالراحة والسكينة.
بعد العشاء، أمضوا وقتًا ممتعًا في مشاهدة التلفاز، وتناول الحلوى، وتبادل الأحاديث، وسط ضحكات ودفء عائلي افتقده الجميع.
غرفة نوم سليم وماسة
نشاهد ماسة وهي تحضر الفراش للنوم وبعد دقائق خرج سليم من المرحاض، نظرت له ماسة بابتسامة عريضة بحب، تبادل معها الابتسامة، وضع العكاز بجانب الكومودينه وجلس نصف جلسة، فرد ذراعه، تقدمت ماسة بابتسامة وجلست بجانبه وهو يحاوط ظهرها بذراعه.
ماسة تسألت: بقولك إيه، إنت الصبح رفضت تتناقش معايا في موضوع عدم خروجي، أنا مش بأنسى… يلا فهمني.
سليم رفع عينه نحوها: عايزة تفهمي إيه؟
عدلت جلستها في زاويته ونظرت له بتركيز: أفهم لحد إمتى ممنوع أخرج؟ وعدم خروجي كدة مقتصر على إيه بالظبط؟
سليم بنبرة واضحة: مقتصر على كل حاجة، مافيش خروج من الفيلا.
ماسة بحدة: لحد إمتى؟
مد سليم وجهه بعدم معرفة وقال بجدية: معرفش.
نظرت له ماسة بضيق وقالت بحدة مكبوتة: يعني ايه متعرفش؟! امال مين يعرف؟! ماهو بردو دي مش حياة ولا أسلوب، أنا مش هتحبس.
سليم محاولاً تهدئتها: لفترة مؤقتة يا ماسة، من فضلك اسمعي الكلام، لأني مش هرجع في قراري. لكن لو كلامك كنوع من الفضفضة وتعبير عن رأيك ورفضك، فأنا معاكي.
ماسة حاولت السيطرة على مشاعرها وسألته بهدوء حذر: الوضع المؤقت ده مثلاً هيبقى شهور؟
سليم مد وجهه بعدم معرفة: معرفش، بس إن شاء من هنطول.
نظرت له ماسة بصمت، شعرت أنها لن تحصل على إجابة واضحة مهما حاولت، فتراجعت قليلًا عن الضغط عليه. كانت تعرف أن سليم عنيد، وأنه حينما يتخذ قرارًا يصعب تغييره، خاصة عندما يتعلق بحمايتها كما يراها هو.
هزت رأسها بإيجاب بابتسامة صغيرة تخفي خلفها استسلامًا مؤقتًا: طيب خلينا ننام، بكرة عندك جلسة، هتروح المجموعة؟
سليم وهو يحاول قراءة ملامحها: آه، بس مش هتأخر، هاجي في معاد الجلسة.
ماسة بفتور: تمام.
ثم استندت برأسها على كتفه وأغلقت عينيها، بينما سليم ظل يتأملها للحظات قبل أن يسحبها برفق بين ذراعيه، وكأن ذلك العناق هو وسيلته الوحيدة لطمأنتها دون كلمات.
خلال يومين
نشاهد سليم يذهب إلى المجموعة ليس فقط من أجل العمل، بل لكي يبحث عن من قام بتنفيذ الحادثة، يحاول أن يصل لأي خيط حتى لو كان صغيرًا، ربما يكون سببًا في كشف الجاني. كان يدقق في كل شيء، يراجع التقارير، يراقب تحركات من حوله، ويحاول الإمساك بأي تفصيلة قد تساعده في كشف الحقيقة.
في الوقت نفسه، جلست عائلة ماسة معهم في الفيلا، كانت الأجواء بينهم جميلة ودافئة، تعالت الضحكات، واختلطت الأحاديث بالمودة، وكأنهم يحاولون تعويض ماسة عن كل ما مرت به، بينما هي كانت تستمتع باللحظات العائلية، لكنها لم تستطع إخفاء قلقها على سليم.
أما ياسين، فكان بدوره يبحث في الخفاء، يحاول الربط بين الأمور، لكنه لم يخبر سليم بعد بشكوكه نحو أشقائه، فضل أن يجمع الأدلة أولًا قبل أن يواجه أحدًا، فالأمر ليس بسيطًا، ويحتاج إلى يقين قبل اتخاذ أي خطوة.
💕_____________________ بقلمي_ليلةعادل
مجموعة الراوي
مكتب سليم التانية عشر ظهراً
يجلس سليم خلف مكتبه وكان امامه ملف قضيته وورق وقلم يقرأ بعناية شديدة، ويكتب بعض الملاحظات في الورقة، ثم أخذ يشاهد فيديو كاميرات المراقبة أكثر من مرة بتركيز، كان يبدو على ملامحه أنه لم يصل لأي شيء، جز على أسنانه كاد أن يفتك بها دفع كل المتعلقات التي على المكتب بغل وهو يصيح برفض بعين حمرا من شدة الغضب.
((بعد كام يوم))
فيلا سليم وماسة
ـ غرفة سليم وماسة السابعة مساءً
سليم مستلقٍ على ظهره على الفراش، يشاهد التلفاز بتركيز، وبعد قليل اقتربت منه ماسة وهي تحمل بين يديها فستانًا وطقمًا فورمال أنيقًا.
ماسة بابتسامة وهي تعرض عليه الملابس: كرملتي…
نظر لها سليم بعينيه بتركيز، فأكملت ماسة وهي تريه الملابس: ألبس ده ولا ده؟ أنا حابة ألبس الفورمال، بيحسسني إني مدام وكبيرة، لكن الفساتين كأنّي لسه ١٨سنة، عارف؟ بيفتكروني آنسة صغيرة، لما بدخل السوبر ماركت أو أي مكان…(ضحكت) أنا بقولهم أنا مدام على فكرة.
سليم مستغربًا: أول مرة أشوف واحدة بتضايق عشان بيقولها آنسة.
ماسة وهي تضحك: يمكن عشان لسه صغيرة، لما أكبر هبقى زيهم وأتضايق. (ضحكت مجددًا) المهم، ألبس أنهي؟
سليم مستفسرًا: ما أنا برضه مش فاهم، هتلبسيهم ليه وفين؟
ماسة وهي تجلس أمامه مباشرة: إيه يا كرميلا، إنت نسيت إن بكرة صالح العريس جاي يتقدم لسوسكا؟
سليم بهدوء: لا، مش ناسي.
ماسة بحماس: طيب، فأنا بكرة هروح بقى.
سليم بلطف: ماسة، إحنا مش متفقين؟ مافيش مرواح الفترة دي عند ماما.
نظرت له ماسة باستغراب: أنا افتكرت إن يعني في استثناء.
سليم بحزم: لا، مافيش استثناء.
ماسة بإصرار: بس دي حاجة مهمة يا سليم، دي أختي الوحيدة، إزاي مكنش معاها في يوم زي ده؟
سليم بهدوء: عادي يا ماسة، كأنك مسافرة، هوديكي يوم الخطوبة.
ماسة بتحايل: ما أنت هتبقى معايا، وهات كل الحراس بتوعك، مادام موافق على يوم الخطوبة، خلاص بقى ودّيني بكرة.
سليم بجدية: مش هينفع ياماسة.
ماسة بضيق: ياسليم.
تنهد سليم واعتدل في جلسته وأمسك يدها بعقلانية: ماسة، هو لما كان بيجي عرسان لسلوى، مش كنت بودّيكي؟ عمري قلت لك لا؟
هزت ماسة رأسها بلا، فأكمل سليم: طب أنا عمري رفضت أودّيكي عند والدتك في يوم؟
هزت ماسة رأسها بلا: لا.
سليم: مش كنت دايمًا بودّيكي عند والدتك وقت ماتقولي لي عايزة أروح، أو عايزة أخرج مع سلوى، مش كنت بوافق؟
ماسة بتأكيد: آه، عمرك مارفضت.
سليم بهدوء: الحاجة الوحيدة اللي كنت برفضها إنك تباتي بعيد عني، وده علشان حاجة واحدة.
ماسة بابتسامة خفيفة: علشان مابتقدرش تنام بعيد عني.
سليم بإيماءة: طب ياماسة، يبقى أكيد يعني رفضي الفترة دي لازم تقدّريه، وتفهمي إني خايف عليكي.
ماسة بتنهيدة: بس سلوى هتزعل.
سليم بعقلانية: لا، مش هتزعل، لو فهمتيها مش هتزعل. أنا ممكن أكلمها. (صمت للحظة ثم قال) طب، أنا هقول لك على حاجة أحلى، إيه رأيك نخليهم هم يجوا هنا ويتقدم لها العريس هنا؟ مش ده بيت أخوها وأختها؟
ماسة برفض قاطع: لا يا سليم، ماينفعش، لازم العريس يجي لها بيتها عشان يعرف إن هي ليها بيت، ده بيعمل كرامة للبنت وعزة…آه طبعًا بيت أختها زي بيتها، وإنت أخوها، وأنا عارفة إنك بتحبهم كلهم زي إخواتك، بس بيت البنت حاجة تانية، بيكبرها في عين جوزها.
سليم تنهد: فاهم ده، بس أنا كنت بحاول أشوف لك حل.
ماسة وهي تمدت شفتيها: أنا عارفة.
اقتربت منه ووضعت رأسها على صدره، فأحاطها سليم بذراعيه، شبك كفيه في بعضهما، ثم وضع قبلة حنونة على رأسها.
ماسة بتذمر مدلل: مفيش أمل يعني؟
سليم هز رأسه بلا: لا، مفيش.
ماسة بحسرة: كان نفسي أشوف شكله.
سليم بدهشة: لسه ماشُفتيهوش لحد اللحظة دي؟
ماسة بحزن: أشوفه فين؟ هي تعرفت عليه في كورس الفرنش.
سليم: هخليهم بكرة يصورهولك… أنا كنت فاكرِك هتقدري تعقلي أختك العنيدة دي.
ماسة تسألت: قصدك عشان موضوع مكي؟
هز سليم رأسه بإيجاب أكملت إجابته بنبرة متأثر بتفسير:
صدقني أنا كمان كنت عايزاها ليه، بس هي اللي فظيعة، والموضوع مأثر فيها، مكنتش عارفة إنها مجروحة أوي كده، ما توقعتش إن سلوى لسه متأثرة… لإننا ما اتكلمناش في الموضوع تاني خالص، أنا ماحاولتش أسألها، مش تقصير مني، بس فعلاً افتكرت إن الموضوع بالنسبالها عادي، بس طلع لا.
سليم: وأنا كمان زيّك، كنت فاكر إن مكي نسي، لكن طلع لا… لو ليهم نصيب في بعض، هياخدوا بعض.
ماسة بتردد: قالت لي إنه قال لها إنتِ بتاعتي، حتى لو هتتخطبي دلوقت، المهم في الآخر هتبقي لمين.
سليم بثقة: لأنه واثق إنها بتحبه، بس بتعانده… أنا كمان بقيت زيه، متأكد. طريقه إللي أنا شفتها بتأكد ده.
تنهدت ماسة وهي تبتعد عنه قليلًا: طب أنا هروح أتصل بيها وأقول لها.
سليم: اعملي حسابك، إحنا من بعد الخطوبه هنروح القصر.
نظرت له ماسة باستغراب: اشمعنا؟
سليم بجدية: كده أحسن… الفترة الجاية هكون مشغول على طول في المجموعة، وكده هكون مطمن عليكي أكتر في القصر. يعني هناك هتبقي وسط العيلة، والتأمين هناك أقوى، وأنا أصلاً هزود التأمين.
ماسة وهي تمسح على خده بحنان: سليم، مافيش حاجة، اطّمن… الوساوس اللي في دماغك دي، بطلها.
سليم بحزم: لحد ما أوصل للي عمل فينا كده، هتفضل الوساوس دي في دماغي يا ماسة، لحد ما أطمن عليكي.
تنهدت ماسة، فهي لا تعرف ماذا تقول، ثم وضعت قبلة على خده: طيب، أعمل اللي إنت شايفه صح… أنا هروح أكلم سلوى.
نهضت وأمسكت هاتفها، وقامت بعمل مكالمة الو يا سوسكا…
((بعد كام يوم)
قصر الراوي
الصالون السادسة مساءً
تجلس فايزة بكبريائها المعتاد، تحمل فنجان قهوتها بأناقة، بينما يجلس أمامها رشدي، صافيناز، كل منهم غارق في أفكاره.
فايزة بهدوء وهي تحتسي قهوتها وهي تمرر عينيها عليهم: غريبة يعني… ما حدش فيكم معترض على اللي حصل؟ فات اسبوع وما سمعتش نواح وزعيق واعتراضات وليه مش غريبه.
صافيناز بابتسامة ساخرة: هنعترض ليه يعني؟ ما أنتم كده كده مختارينه… مافرقتش بقى لما ياخدها رسمي.
رشدي يهز كتفيه بلا مبالاة: تفتكري حتى لو اعترضنا، هيحصل حاجة؟
فايزة بهدوء مخيف ممزوج بتهديد: عموماً، أنا مش هقول لكم تاني إن عيني عليكم… الغلطة الواحدة تمنها غالي. مش هقول لكم رقبتكم… بس أنا عندي أغلى منها. هعرف إزاي أحسركم.
رشدي ينظر لها بضيق: هو إنتِ كل شوية تهددينا ليه؟
فايزة تبتسم بهدوء قاتل: لا… ده مش تهديد. أنا بس بقول لك المعلومة اللي هتتم لو شكيت مجرد شك.
يخيم الصمت لثوانٍ، نظراتهم تتبادل الشك، بينما تحتسي فايزة آخر رشفة من قهوتها وكأنها أكدت للتو حكمًا لا رجعة فيه.
فيلا سليم وماسة – السادسة مساءً
نشاهد ماسة تتوقف أمام الفراش، تضع حقيبة سفر صغيرة، وتبدأ في ترتيب الملابس داخلها. بعد قليل، يدخل سليم إلى الغرفة وهو يتحدث.
سليم بتلقائية: عشقي، فينك؟
استدارت ماسة برأسها إليه، بابتسامة مشرقة ترتسم على وجنتيها: حياتي، تعال.
دقق سليم النظر في الحقيبة، ثم عقد حاجبيه متسائلًا: إيه؟ إنتي ناوية تسيبي البيت وتمشي؟
ماسة بمزاح: اممم، هسيبك وأطفش، ههه.
جلس سليم على الفراش بجوار الحقيبة، ورفع عينيه نحوها: بتعملي إيه؟
ماسة وهى تظبط الشطنه: بحضر الشنطة… بقولك إيه، هاخد لك بدلتين والباقي كاجوال، ولا كله بدل؟ هو أسبوع يعني.
عقد سليم حاجبيه بعدم فهم: مش فاهم.
ماسة: إنت نسيت خطوبة سلوى الجمعة الجاية، وقراءة فاتحتها الأحد، وهنجيب الشبكة يوم التلات؟
سليم: لا، مانسيتش، بس برضو مش فاهم إيه دخل ده في توضيب الشنطة.
جلست ماسة بجانبه، وقالت بتوضيح: عشان هنروح نِبات هناك الأسبوع كله.
مد سليم وجهه بتعجب: والله؟ ومين اللي قرر ده؟
ماسة: أنا، بعدين ده مش قرار، ده طبيعي.
سليم بحدة خفيفة: هو إيه الطبيعي؟ قررتي مع نفسك ونفذتي، وجاية تقوليلي؟
ماسة بهدوء: سليم، بعد إذنك، وطِّي صوتك واهدى، وخلينا نتكلم بالراحة.
سليم بحدة متوقفًا: إنتي هتعلميني أتكلم إزاي؟
رفعت ماسة رأسها له بتعجب: هو في إيه؟
سليم بغضب: في إن حضرتك فجأة قررتي إننا هنروح لأهلك ونِبات هناك، وأنا آخر من يعلم!
تنهدت ماسة لتبرر: أنا كنت فاكرة إنك فاهم، ومش محتاجة أقولك، يعني حاجة متوقعة جدًا.
سليم بضيق: حتى لو حاجة متوقعة، لازم تقوليلي، وتتكلمي معايا، وتاخدي إذني، وأنا أرفض أو أوافق.
تنهدت ماسة محاولة استيعابه: حاضر يا سليم، أنا آسفة.
سليم برفض قاطع: الموضوع ده مرفوض.
ماسة متعجبة: إيه اللي مرفوض!
تنهدت، نظرت له بضيق، توقفت ثم قالت بحدة: لا، اسمع… أنا المرة اللي فاتت سكت وعدّيتها، وقلت بلاش أعمل مشاكل، لكن المرة دي أقسم بالله مش هينفع.
سليم بحدة، رافعًا عينيه لها: هو إيه اللي مش هينفع! لا، هينفع… بعدين نروح نِبات ليه؟ ما تروحي يوم الخطوبة من الصبح وخلاص، وكفاية إني قبلت إنك تحضري في الظروف دي.
ماسة بسخرية: كمان؟ والله شكرًا! (بقوه)سليم، سلوى دي أختي الوحيدة، لازم أكون معاها خطوة بخطوة.
سليم بجمود: ماسة، إنتي عارفة رأيي في الموضوع ده… بيات لا.
ماسة: ما أنت هتكون معايا.
سليم: وإنتي برضو عارفة إني مش برتاح غير في بيتي.
ماسة: المرة دي مختلفة… دي خطوبة أختي.
سليم ببرود: هي هي.
تنهدت ماسة بتعب، مسحت وجهها، وحاولت تجنب المشكلة: طيب خلاص، أنا هروح معاها من الصبح، وإنت راجع من الشغل خدني زي زمان… أظن كده مرضي.
سليم برفض: لا، مش مرضي! إنتي عايزاني أسيبك تلفّي في الشوارع وتروحي وتيجي عادي كده؟ لا، هي تروح مع مامتك أصحابكم، وكفاية أوي يوم الخطوبة… نقعد ساعتين، نعمل الواجب ونمشي.
اتسعت عينا ماسة بغضب: إيه هو اللي أروح ساعتين ونمشي! إنت سامع نفسك؟ إنت مش عايزني أحضر خطوبة أختي.
زفر سليم وأسند على العكاز بغضب: ماقولتش متروحيش! قولت روحي يومها، والحاجات التانية دي اعتذري عنها.
ماسة باستفزاز وضيق: إنت أصلًا إزاي تطلب مني كده؟ دي أختي الوحيدة، مالناش غير بعض! لازم أكون معاها، ولو حتى كنا عشرة، لازم أكون معاها في اليوم ده.
سليم بزهق: خلاص، خلاص… من غير زعيق، قولتلك هسمحلك تروحي من الصبح يومها.
ماسة بغضب وحسم: سليم، أنا هروح أبات عند ماما، وهخرج مع أختي، وهنلفّ على الفستان، وهاحضر كل لحظة معاها… كفاية ضيعت عليا فرحة لما اتقدّم لها! كفاية بقى.
توقف سليم بشدة قال: ماسة، ماتتكلميش معايا بالأسلوب ده… عندي استعداد ماودّكيش خالص! واطي صوتك.
ماسة بغضب: إيه الجبروت ده!
سليم بتعجب: هو إنتي إزاي مش خايفة كده؟ كأن اللي عمل فينا كده مسكناه، ودفّعناه التمن!
ماسة بضعف: أنا عشت أربع شهور ونص وإنت في الغيبوبة، وكنت بروح وآجي…، فلو كان عايز يعمل حاجة كان عملها من زمان.
سليم بهدوء: لا… أنا المقصود، مش إنتِ. لو جرالك حاجة وأنا في الغيبوبة، مش هيستمتع بإذلالي، لكن دلوقتي الوضع مختلف.
ماسة باستهجان: إيه التفكير ده!
سليم بضجر: هو كده… اسمعي الكلام بقى.
ماسة بعند وغضب: مش هسمع! أنا احترمت رغبتك المرة اللي فاتت، وسكت وعدّيتها، وقلت يا بت ماتعمليش مشكلة، الأيام جاية كتير… بس توصل بيك تمنعني أحضر مع أختي أسعد أيامها؟ لا!
سليم بشدة: هو إنتِ مابتفهميش؟ قولت هودّيك يوم الخطوبة من الصبح، أكتر من كده ممنوع، وكلمة كمان يا ماسة في الموضوع ده… مش هتروحي الخطوبة خالص!
ماسة بدموع وقهر: سليم، دي مش خروجة، ولا أصحابك اللي خايف عليّا منهم! دي أختي… فاهم يعني إيه أختي؟ إزاي عايزني أسيبها لوحدها؟ حرام عليك! إنت بتستغل الرخصة اللي ربنا اداها لك بالجبروت ده ليه؟ خليك عارف حاجة واحدة… أنا لو ماروحتش، هزعل منك أوي.
تحركت لتخرج من الغرفة، أوقفها سليم قائلًا بنبرة ضعف: بقولك خايف عليكي.
ماسة برفض: المرة دي لا ياسليم… لا.
تركته وخرجت من الغرفة، توجهت لغرفة تانية وأغلقت الباب خلفها. توقف سليم للحظة وهو يفكر كيف يقنعها دون أن تحدث بينهما مشكلة، ثم تنهد وتوجه خلفها.
في الغرفة التي بها ماسة في الطابق الثاني
توقف سليم أمام الباب، حاول فتحه لكنها أغلقته بالمفتاح من الداخل.
سليم وهو يحاول فتح المقبض: ماسة، افتحي.
أتاه صوت ماسة من الداخل، التي كانت تجلس على الفراش غاضبة.
ماسة بضجر: روح نام في أوضتك يا سليم، وكفاية خناق.
سليم بتعجب من طريقتها الجديدة تلك: أنام في أوضتي؟! إيه الأسلوب ده؟
ماسة بقوة: أنا هنام هنا النهارده… تصبح على خير.
سليم بأمر: افتحي الباب.
ماسة: لا.
سليم بغضب: بقولك افتحي الباب!
ماسة بعند: لا… هنام هنا.
سليم بغضب كبرياء: مش سليم اللي يتعمل معاه كده! لو مافتحتيش، هكسره.
ماسة بغضب: والله العظيم لو عملت كده، لأرمي نفسي من البلكونة… وجنان بجنان بقى!
جزّ سليم على أسنانه: إنتِ فاكرة هفضل أحايل فيكي؟ عنك مافتحتي!
ضرب على الباب بكفه، ثم توجه إلى جناحهما.
في جناح سليم وماسة
فور دخوله، أغلق الباب بقوة شديدة، كان الغضب يخفي ملامح وجهه. جلس على الفراش وهو يجزّ على أسنانه بشدة، ثم أمسك الوسادة وألقاها أرضًا، وهو يقول بوعيد: طيب يا ماسة… طيب.
ضرب على الفراش بكفه بغضب، وعيناه تقدحان شرارًا.
على اتجاه اخر ظلت ماسة مستيقظة طوال الليل، عقلها لم يتوقف عن التفكير في التغيرات التي طرأت على سليم. رفضه أن تشارك شقيقتها أسعد لحظات حياتها كان أمرًا شاقًا على قلبها، يصعب عليها استيعابه أو تحمله. منذ زواجهما، لم تواجه منه هذا القدر من التشدد، أما الآن، فهي تشعر وكأنها سجينة داخل قصره، محاصرة بقراراته وخوفه عليها.
على الجانب الآخر، كان سليم يجلس على الفراش، غاضبًا بشدة مما فعلته. لأول مرة، منذ زواجهما، تنام في غرفة أخرى بعيدًا عنه. كان على يقين تام بأن ما يفعله صحيح، فهو يخشى أن تتعرض للأذى، لكنه يعلم جيدًا أن ماسة لا ترى الأمر من زاويته، كل ما تشعر به هو أنه يمنعها من مشاركة شقيقتها فرحتها.
مرت الساعات ببطء، كلاهما مستيقظ، يعاني من الوحدة والغربة رغم أنهما في نفس المكان، لا يفصل بينهما سوى خطوات قليلة. ومع ذلك، أصر كل منهما على التمسك بعناده، يحاول أن يتجاهل ضعفه، أن يقاوم رغبته في كسر هذا البعد القاسي.
((اليوم التالي))
غرفة سليم وماسة – الطابق الأول
نرى سليم يتوقف أمام التسريحة، يرتدي بدلته، ويرش عطره. بعد قليل، تدخل ماسة عليه.
ماسة بلطف: صباح الخير.
رفع سليم عينه لها في المرآة لثانية، ثم صرف نظره عنها، وأكمل مايقوم به دون رد.
نظرت ماسة له لوهلة، في إنتظار أن يرد عليها أو يتحدث معها، لكن دون جدوى. فهمت أنه منزعج جدًا بسبب فعلتها ليلة أمس.
تنهدت، وتقدمت خطوة، قائلة بارتباك: سليم…لكنه لم يُجب.
اقتربت أكثر، وضعت يدها على كتفه بضعف: سليم، مش هترد عليا؟
نظر سليم ليدها التي على كتفه، ثم رفع عينيه إليها، وقال بنبرة متجمدة كالثلج: نعم؟
ماسة بارتباك ممزوج بتوضيح: أنا عارفة إني امبارح زودتها في رد فعلي، بس لازم تبقى فاهم إنه غصب عني… أنت عارف سلوى بالنسبة لي إيه؟ وإنت مش عايزني أكون معاها، في أوقات لازم أكون جنبها فيها إحنا ملناش غير بعض! إنت لازم تكون فاهمني أكتر من أي حد، يمكن زودتها، بس كان لازم أعمل كده عشان مانتخنقش مع بعض لأني كنت متضايقة ومتعصبه منك أوي! أنا آسفة…
أمسكته من يده، ونظرت داخل عينيه بحب ورجاء:
ـ سليم، وحياتي عندك، سيبني أبقى مع سلوى.. بص، اعمل أي حاجة، تعالى معانا، جيب كل الحراس اللي عايزهم، بس بجد ماتعملش فيا كده بعدين، إنت هتفضل ساكت كتير؟
كان سليم يستمع لها وكأنه لم يسمع شيئًا، كان كالجليد، لم يحرك ساكنًا. يبدو أن فعلتها في الليلة الماضية جرحته كثيرًا…
ارتدى سليم جاكيت البدلة، وبدأ بالتحرك. كانت ماسة تراقب خطواته وهو يبتعد عنها باستغراب تام…
لأول مرة منذ زواجهما، يتجاهلها بهذا الجمود، بهذا البرود، بهذه القسوة…
توقفت ماسة مندهشة لوهلة، عيناها متسعتان بذهول، لكنها سرعان ما تقدمت خلفه، أمسكت ذراعه حتى توقفت أمامه، نظرت داخل عينيه بتعجب وضعف.
ماسة بنبرة مهزوزة: إنت ليه بتعمل معايا كده؟ مابتردش عليا وبتتجاهلني! أنا عملت إيه لكل ده؟
ملأت عيناها الدموع، أكملت بنبرة وجع:
كل ده عشان نمت امبارح بعيد عنك؟ أنا كمان اتوجعت زيك، اتوجعت اللي اتوجعته
سليم بجمود: كنتِ بتعاقبيني يعني؟
ماسة مسرعة بالنفي: لا! عقاب إيه؟ مش عقاب… اعتراض، نوع من الاعتراض على قرار إنت أخدته ومش عايز تتنازل عنه.
نظر لها سليم بنوع من العتاب ممزوج بعقلانية:
إحنا من أول جوازنا يا ماسة، من سبع سنين، عمرنا ما افترقنا عن بعض… عملتيها مرة، وقتها قولت لك بلاش تعملي كده تاني… اغضبي، عاقبيني بأي حاجة، بس خلافاتنا ماتوصلش لحد إنك تنامي برة أوضة النوم… تاني مرة، كنت غلطان غلط كبير وأستاهل تعملي فيا أي حاجة، وقتها أنا اللي حرمت نفسي من النوم في مكان إنتِ فيه… عاقبت نفسي… وبعدها تصالحنا وتعاهدنا إن ده مايحصلش تاني… ومن يومها، ماحصلتش…
اكمل بنبرة متأثرة بعتاب أحبه:
مافيش حاجة اسمها أنا وإنتي نكون في نفس المكان، وكل واحد ينام في مكان تاني، مافيش حاجة اسمها إحنا نكون زعلانين وثاني يوم ييجي وإحنا لسه زعلانين كنا على طول بنتصالح عمر زعلك ماهان عليّا، ولا عمر زعلي هان عليكي… دلوقتي بتعاقبيني عشان خايف عليكي؟ بتعاقبيني لأني بحاول أحميكي؟ مش عايزة تقتنعي ولا تفهمي المشكلة اللي إحنا واقعين فيها؟
ماسة بضعف: لا يا سليم، أنا فاهمة… وراضية… وساكتة… بس إنت لازم تفهم بردو إن دي أختي.
سليم بهدوء وتفهّم: فاهم، وعارف إن سلوى عندك حاجة تانية، بس زي ما إنتِ عايزة تبقي جنبها في فرحتها… الإحساس اللي جواكي ده، أنا كمان حاسه، بس بشكل تاني… بشكل يخوف… أناخايف عليكي…
اقترب منها قليلًا، يحاول أن يجعلها تفهم:
ياماسة، إنتِ عارفة وفاهمة إني الفترة دي تعبان، مش متوازن… ومفهمك إن عندي مشكلة، بس عندك، وكبريائك كان أكبر من إنك حتى تتحملي، المرة دي، أنا اللي بقول لك لا… مش هاعدي، ومش ببساطة، ولا حتى هعتذر… لأني ماغلطتش.
ماسة باهتزاز: أنا آسفة والله أنا حقيقي كنت متضايقة ومتعصبة.
سليم بجمود: أناهمشي متأخر.
تحرك من أمامها بجمود، تركها واقفة بحزن ووجع… شعرت بأن قلبها يضيق أكثر وأكثر… هوت دموعها على وجنتيها، تبكي بحرقة وحزن، وهي تدرك أن هذه المرة ليست كسابقاتها…
ذهب سليم إلى المجموعة وكان ذهنه مشغولًا بما حدث بينه وبين ماسة. كان غاضبًا للغاية لأنها نامت بعيدًا عنه، فهذه أكثر ما أزعجه. لهذا السبب، تعمد تجاهلها والتعامل معها بجفاء.
أما ماسة، فبقيت في غرفتها تفكر فيما تفعله. ورغم أنها تدرك أنه محق، إلا أنها ترى أنه بالغ في رد فعله. أرادت استشارة والدتها، لكنها عاهدت نفسها ألا تخرج مشاكلهما للخارج.
انتظرته حتى عاد، لكنه دخل إلى مكتبه بصمت، فجلست مكانها، فتوجهت له.
نرى سليم جالسًا خلف مكتبه، عيناه مثبتتان على شاشة الحاسوب، يشاهد تلك الفيديوهات بتركيز شديد.
دخلت ماسة الغرفة، توقفت عند الباب للحظات وهي تنظر إليه، ثم قالت بنبرة هادئة: سليم، مش هتتعشى؟
رفع سليم عينيه نحوها للحظة، قبل أن يعيد نظره إلى الشاشة مجددًا: لا.
ماسة بتعجب: إزاي يعني؟
سليم بجمود: مش عايز.
اقتربت منه ووقفت بجانبه، نظرت إلى الشاشة ثم إليه: بتتفرج على إيه؟
سليم: فيديوهات كاميرات مراقبة… يمكن أوصل لحاجة.
ماسة بإيجابية: إن شاء الله، (أمسكته من يده بحنان) يلا قوم معايا عشان تاكل.
سحب سليم يده منها سريعًا، وقال بنبرة حادة: ماسة، لو سمحتي سبيني براحتي.
نظرت إليه ماسة بحزن: إنت أول مرة تبقى قاسي عليا كده.
سليم بضجر واضح: مش قسوة، بس اللي عملتيه حقيقي معصبني.
ماسة بهدوء: وأنا اعتذرت، وقلت لك هعملك اللي إنت عايزه.
توقف سليم عن النظر إلى الشاشة، أسند يده على ظهر المقعد برفض وضجر، ثم قال بنبرة عميقة: أنا مش عايزك تعملي اللي أنا عايزه… عايزك تعمليه برضا، تعمليه وإنتِ مقتنعة…إنتِ عارفة كويس إني بحبك، وخايف عليكي، وبحميكي، مش بحبسك، ولا بفرض عليكِ سلطتي، ولا بستخدم الرخصة اللي ربنا ادّهالي بجبروت، ولا عايز أمنعك تفرحي مع أختك.
ماسة تنهدت: أنا فاهمة ومقتنعة… والله العظيم فاهمة… بس غصب عني صعب عليّا ماكونش مع أختي في اللحظات دي.
نظرت له بابتسامة خفيفة تحاول كسر الجليد بينهما:
خلاص بقى، هتفضل مكشر؟ والله إنت أثبت إنك قاسي على ماستك، ده أنا بصالحك في ثانية!
لم يستطع سليم مقاومة ابتسامة خفيفة، فهو في النهاية لا يستطيع الغضب منها لفترة طويلة، ولا يقسو عليها أكثر مما فعل… قال بنبرة دافئة رغم الإنهاك الذي يشعر به.
سليم بحب: طول عمرك أحسن مني، وقلبك حنين، أنا اللي شرير في القصة دي.
ماسة بدلال: بس قمر، وبحبك.
اقتربت منه، وضعت قبلة على خده ثم ضمته بحنان، أمسكت كفه وربتت عليه بحب: يلا تعالى عشان نتعشى، وأعمل لك التمارين بتاعتك.
سليم وهو ينظر إليها باستسلام: ماشي.
((خلال الأيام التالية))
تظهر سلوى وهي تخرج مع والدتها سعدية لشراء فستان الخطوبة والملابس الخاصة بالمناسبات المختلفة، كما تذهب مع عائلتها لاختيار الشبكة.
رغم أن ماسة لم تشاركهم فعليًا في أي من هذه التحضيرات، إلا أنها كانت دائمًا على تواصل مع سلوى، تحاول مساعدتها في الاختيار عن بُعد من خلال المكالمات والفيديوهات، وكأنها تعيش التجربة معهم رغم بعدها الجسدي عنهم.
لكن، رغم محاولتها التصرف وكأن الأمور طبيعية، كان هناك شيء ما بداخلها لم يهدأ… شيء يجعلها تشعر بأنها بعيدة عن جزء مهم من حياة أختها… وعن حياتها هي أيضًا.
((يوم الخطوبة))
فيلا عائلة ماسة، الثامنة مساءً
حديقة الفيلا
نشاهد أجواء احتفالية جميلة حيث الزينة معلقة، مع الاستماع لأغانٍ مختلفة، وتلك الكوشة الرقيقة، وسط حركة المدعوين.
غرفة سلوى
نرى سلوى تجلس أمام التسريحة، ترتدي فستانًا في غاية الجمال بلونه الأزرق، وتضع القليل من مستحضرات التجميل. كانت بجانبها ماسة، تتطلع إليها بابتسامة جميلة وسعادة. انتهت سلوى من وضع أحمر الشفاه، ثم نهضت وتوقفت أمام ماسة.
سلوى متسائلة: شكلي حلو؟
ماسة بسعادة: زي القمر، يا روحي. مبروك يا سوسكا.
سلوى تبسمت: الله يبارك فيكِ، يعني الفستان حلو؟
ماسةمدت يدها وضمت كلا كتفيها: تحفة، ياروحي.
ضمتا بعضهما، ثم قالت ماسة باعتذار: حقك عليا والله، كان نفسي أكون معاكي، بس غصب عني.
سلوى بابتسامة حب: عارفة، ومش زعلانة منكِ ولا منه. أنا مقدّرة خوفه… انتي كمان متزعليش منه، يا ماسة.
ماسة: مش زعلانة والله.
دخلت سعدية وهي تقول: إيه! لسه مخلصتوش؟!
وحين وقعت عيناها على سلوى، وهي بهذا الجمال، قالت بإعجاب: ما شاء الله، إيه الجمال ده؟ ربنا يحرسك يا بنتي ويسعدك يا رب. يلا، العريس جه.
سلوى: يلا.
هبطن للأسفل… استقبلها صلاح، العريس، شاب في منتصف العشرينات، طويل القامة، ذو ملامح وسيمة وجسد نحيل نوعًا ما، استقبلها بابتسامة جميلة، ثم توجّها للكوشة وجلسا، وبدأت الأغاني تصدح. جلست ماسة بجانب سليم، قامت باحتضان ذراعه، ووضعت رأسها عليه…
أثناء ذلك، كان مكي يقف يشاهد كل ما يحدث من الخارج، مستخدمًا نظّارة معظّمة. كان الجميع يرقص، بينما ظلت ماسة طيلة الوقت بجانب سليم، لا تتركه للحظة. لم ترقص حتى مع شقيقتها، بسبب رفض سليم لذلك وغيرته عليها.
بعد وقت، ارتدت سلوى الشبكة وسط زغاريد الجميع. في تلك اللحظة، اقترب مكي، وكان وجهه لا يُقرأ.
اتسعت عينا ماسة: سليم، إلحق… مكي!
تقدّم مكي حتى توقّف أمام سلوى، ثم نظر إليها. رفعت عينيها نحوه…
يتبع….
- يتبع الفصل التالي اضغط على (الماسة المكسورة) اسم الرواية