رواية سوء تفاهم الفصل السادس 6 - بقلم بتول عبد الرحمن
سوء_تفاهم
ليلى نزلت وقابلت باباها، كان باين عليه الحزن، ولما شافها سألها بلهفة "عاملة إيه يا حبيبتي؟ كويسة؟"
ليلى هزت راسها بإيجاب، فشد على إيدها وقال بحسرة
"سامحيني يا ليلى إني مكنتش أب فعلاً... أنا بثق فيكي ثقة عمياء، بس..."
قاطعتُه بسرعة وقالت بحسم "أنا مش زعلانة يا بابا، وانت بالنسبالي أحسن أب، أنا اللي مكنتش فاهمة إن الدنيا فيها شياطين عايشين وسطنا... صدقني، أنا بخير."
اتنهد وقال وهو بيبص بعيد "يعني مش زعلانة إني مَمنعْتِش جوازك؟"
هزت راسها بنفي وقالت بابتسامة خفيفة "ده نصيبي، وأنا راضية بيه، المهم عندي كان إنك تصدقني مش أكتر، وتعرف إني مش ماشية على هوايا زي ما الناس قالوا."
بصلها بحب وقال "عمري ما صدقت عنك حاجة وحشة، ده أنا اللي مربيكي وعارف أخلاقك، بس لساني اتربط يا بنتي لما شفت الدليل اللي عايروني بيه..."
سكت لحظة وكمل بصوت مكسور "حسيت إني عاجز، إني أبوكي ومقدرتش أحميكي..."
قربت منه وشدت على إيده بحنان "لا يا بابا، انت كنت سندي، وهتفضل سندي، وأنا عارفة إنك مكنتش عارف تعمل إيه وقتها، بس دلوقتي، أنا هنا، وإحنا مع بعض، وكل حاجة هتعدي"
بصلها بحب وعيونه دمعت
ليلى كانت داخلة المطبخ تدور على شادية علشان تسألها عن البرشام اللي ادتهولها، لكن وهي معدّية، قابلت رحمة. حاولت تتجاهلها وتعدي كأنها مش شايفاها، بس رحمة وقفتها بحركة استفزازية وقالت بضحكة جانبية "صباحية مباركة يا عروسة! إيه؟ اتطردتي من أوضتك ولا إيه؟"
ليلى وقفت في مكانها، لفّت ناحيتها وبصتلها ببرود، وقالت بصوت ثابت "دي حاجة متخصكيش... ياريت تخلي لسانك جوه بوقك، ومش عايزة أسمع صوتك طول ما أنا موجودة!"
رحمة بصتلها من فوق لتحت بنظرة كلها تحدي وقالت بنبرة مستفزة "لساني؟ وأنا حرة فيه... ومش لساني بس، أنا حرة في حاجات تانية كتير، بس لسه... هتشوفي، هتشوفي وتعرفي أنا مين، وخلي بالك... حياتك هتبقى جحيم!"
قبل ما ليلى ترد، فجأة، صوت جه من وراهم، صوت بارد بس فيه حزم وتهديد واضح "حاولي... حاولي تضايقيها تاني، أو حتى تقولي كلمة مش عاجباها، وشوفي إنتي هيحصلك إيه... وقتها، هتعرفي مين هو مراد!"
رحمة لفّت بسرعة، عينيها كانت مليانة صدمة وخوف، واتلغبطت وهي بتحاول ترد "أنا... أنا..."
مراد تجاهلها تمامًا، كأنها هوا، وبص على ليلى مباشرة، عينيه فيها اهتمام واضح وهو بيسألها "إيه اللي نزلك يا ليلى؟ لو محتاجة حاجة، كنتِ قوليلي، وهتبقى عندك حالًا"
ليلى بصت لمراد، كانت مستغربة طريقته، بس في نفس الوقت مش قادرة تفهم هو بيعمل كده ليه. حسّت بنظرة رحمة اللي كانت واقفة مترقبة، عينيها مولعة غيظ، فقررت ما تطولش في الكلام. قالت بهدوء " كنت هسأل شاديه على حاجه"
مراد عقد حواجبه وقال بحزم "حاجة إيه؟"
ليلى اتلغبطت للحظة، بس بسرعة ردت " حاجه مش مهمه، هبقى اسألها بعدين"
مراد بصلها شوية، كأنه بيحاول يفهم هي بتفكر في إيه، بعدين قال بصوت واطي بس فيه أمر "ارجعي أوضتك، ولو محتاجه شاديه هبعتهالك"
رحمة كانت واقفة متكتفة، بتبص لمراد بغيظ وقالت بسخرية
"إيه الحنية دي؟ العروسة لسه متعودة على الدلع ولا إيه؟"
مراد لف ناحيتها بنظرة جمّدت الدم في عروقها وقال ببرود قاتل "متخلينيش أضطر أفكّرك بمكانك الحقيقي هنا، فاهمة؟"
رحمة بلعت ريقها، وحاولت تبان قوية، لكنها سكتت، ليلى حسّت بجو التوتر اللي بين الاتنين، بس مكنش عندها نية تقعد أكتر، فمشيت من غير ما تبص وراها، بس كانت حاسة بنظرة مراد اللي فضل متابعها لحد ما اختفت من قدامهم.
رحمة طلعت لامها وهي هتموت من الغيظ، دخلت ورمت نفسها على السرير وقالت بصوت مليان قهر "لو فضلت أكتر من كده، هموت من القهر!"
أمها بصتلها بتركيز وسألتها بهدوء مصطنعه "ليه؟ حصل إيه تاني؟"
رحمة عدلت قعدتها واتكلمت بحدة
"تخيلي يا ماما، مراد بيدافع عنها إزاي! بيعاملها كأنها ملكة، وكأنها أهم حاجة عنده، وأنا.. أنا ولا كأني موجودة!"
أمها سمعتها بهدوء وهي بتفكر، وبعد لحظة ابتسمت ابتسامة خفيفة وقالت "لما نشوف الملكة دي، هتفلت من إيدي إزاي!"
رحمة بصتلها باستغراب وقالت "يعني إيه؟"
أمها قربت منها ومسحت على إيدها كأنها بتهديها وقالت
"إنتي بس هدي نفسك شوية، خليكِ ذكية. بانيله إنك الطيبة والمظلومة، استفزيها من تحت لتحت، خليه هو اللي يشوفها وحشة، خليه يكرهها ويسيبها بنفسه، من غير ما نضطر نعمل حاجة واضحة."
رحمة ابتسمت ابتسامة خبيثة وقالت "فكرة حلوة... أسيبها هي اللي تخسر كل حاجة بإيدها!"
أمها هزت راسها بموافقة، وعيونهم الاتنين لمعت بدهاء وهم بيخططوا للي جاي...
مراد دخل المطبخ بخطوات ثابتة، لكن عيونه كانت مليانة شك. أول ما لمح شادية، نده عليها بصوت هادي لكنه كان حاد بما يكفي يخليها تتوتر.
شادية لفتله بسرعة، قلبها دق بسرعة وهي بتشوف نظرته اللي كانت بتحلل كل حركة منها، قربت منه وهي بتحاول تخبي توترها وسألته "نعم يا بيه؟"
مراد بصلها بصه طويلة قبل ما يسألها مباشرة "البرشام اللي جبتيه لليلى، كان اسمه إيه؟"
اتوترت أكتر وبلعت ريقها بصعوبة، وقالت بتردد "معرفش اسمه بالظبط، بس فاكرة شكله."
مراد عقد حواجبه وسألها بحدة أكتر "وفين البرشام ده؟"
حست إن الأرض بتتهز تحت رجليها، لكن بسرعة حاولت تخرج من الموقف، وقالت
"ثانية واحدة، هجيبه لحضرتك."
مشيت بسرعة ناحية أحد الأرفف، فتحت درج، وطلعت شريط برشام للصداع. رجعت بسرعة وهي بتقدمه له وقالت
"هو ده، البرشام اللي اديته لها."
مراد أخده منها، لف وخرج من المطبخ، وسابها واقفة مكانها وهي بتحاول تسيطر على رعشة إيديها.
مراد طلع الأوضة بخطوات هادية، لقى ليلى قاعدة على السرير، شكلها كان مجهد، لكنه حس إن فيه حاجة مش مريحة.
قرب منها ومد لها كوباية العصير وهو بيقول بنبرة فيها أمر مستتر "اشربي دي."
ليلى بصتله لحظة، وبعدين خدت الكوباية منه وشربت، من غير ما تناقش أو تسأل. مراد كان بيراقبها وهي بتشرب، وبعد ما خلصت، طلع من جيبه برشامة ومدها لها وهو بيسأل بجدية "دي نفس البرشامة اللي خدتيها امبارح؟"
ليلى خدت البرشامة منه وبصت لها كويس، وبعد ثواني رفعت عيونها له وقالت بتعجب "دي كبيرة أوي... التانية كانت أصغر!"
مراد ضيق عيونه وهو بيستوعب كلامها، إحساس الشك اللي كان عنده زاد، وبدأ يفكر بجدية... فيه حاجة غلط، ولازم يعرف إيه هي
ليلى رفعت عيونها لمراد باستغراب وسألته "انت جبته منين؟"
مراد مسك البرشامة بين صوابعه وقلبها كأنه بيدرسها، وبعدين بص لها وقال بهدوء غامض "هقولك بعدين."
ملامح ليلى شدت وقالت بإلحاح "مراد، لو فيه حاجة لازم أعرفها، قولي دلوقتي."
قرب منها، لمعة خفيفة في عيونه كأن في عقله حاجات كتير مش عايز يصرّح بيها، وبصوت هادي لكنه حاسم، قال "مش دلوقتي، لما أتأكد من حاجة الأول."
حست إن فيه حاجة مش مظبوطة، وإنه مش بيقول كل اللي في دماغه، لكن قررت ما تلحش أكتر… على الأقل دلوقتي.
الباب خبط والخدامة قالت بصوت هادي
"الغدا جاهز "
مراد بص لليلى وقال بهدوء "يلا ننزل."
نزلوا سوا وإيديهم في إيدين بعض، كان الكل متجمع على السفرة، الجو كان مشحون، ورحمه أول ما شافتهم الغيظ كان واضح في عنيها، كانت هتقوم من مكانها وهي بتضغط على المعلقة بغضب، لكن مراد سبقها وقعد، بعدها شاور لليلى علشان تقعد جنبه.
ليلى كانت هتقعد، لكن فجأة لقت عمتها سبقتها وقعدت، سكتت علشان ما تعملش مشكلة، لكن مراد ما سكتش، بص لعمته وقال بصوت واضح "يعني مش شايفاني بشاورلها تقعد؟!"
سهام رفعت حاجبها وقالت بحدة
"تقعد في مكان تاني، أنا قعدت خلاص."
مراد صوته علي وقال بحزم "لا، انتي اللي تقومي وتقعدي في مكان تاني، دي مراتي ومكانها جنبي علطول، فاتفضلي دوريلك على مكان تاني."
سهام بصتله بحدة وقالت "إنت ازاي تكلمني كده؟! بتتكلم معايا كده علشانها؟!"
ليلى حست إن الموضوع بيكبر، فبصت لمراد وقالت بهدوء "خلاص، هقعد في مكان تاني."
لكن مراد بص لها بحدة وقال بصوت عالي
"استني هنا!"
بعدها بص لعمته وقال ببرود "اتفضلي قومي، في كراسي فاضية قدامك."
قبل ما حد يتحرك، الجد جه بصوته التقيل وسأل "فيه إيه؟!"
سهام لقتها فرصة وقالت وهي بتشاور على ليلى "شايف يابا، شايف بيعمل ايه مع عمته علشان دي؟!"
مراد بص لها وقال بحدة
"دي ليها اسم على فكرة، وليها احترام زي ما عايزانا نحترمكوا، واللي يكلمها بطريقة مش عاجباني كأنه كلمني أنا، ومش هسمح لحد يعاملها وحش."
ابو ليلى كان قاعد وكلام مراد عاجبه فمتكلمش،الجد سكت لحظة، وبعدين بص لسهام وقال بهدوء قاطع "قومي يا سهام، هو عايز يقعد جنب مراته."
سهام قامت وهي بتبص لمراد بغضب، قعدت على الكرسي اللي جنبه، ليلى قعدت مكانها، لكن كان واضح عليها التوتر، بصلها مراد بطرف عينه وقال بصوت واطي بس حاسم "متسيبيش حد يهزك، انتي هنا مكاني ومكانك جنبي."
رحمة كانت بتغلي، عضت على شفايفها وهي بتحاول تتحكم في نفسها، لكنها ما قدرتش تسكت، قالت بتهكم "بسم الله ما شاء الله، حب عمرك هو، يعني نسيت كل اللي حصل، عادي؟!"
مراد ساب المعلقه وبصلها بنظرة باردة، وقال "أنا قلت قبل كده، حاولي تضايقيها تاني وشوفي هيحصل ايه."
رحمة سكتت وهي بتحاول ما تبينش خوفها، لكن الكل لاحظ ارتباكها، أما الجد فكان بيتابع كل حاجة بصمت، وبعد لحظات قال بصوت تقيل "الأكل قدامكم، كل واحد ياكل في هدوء."
بدأوا ياكلوا، لكن التوتر كان واضح في الجو، ليلى كانت حاسة إنها وسط معركة مش عارفة نهايتها، لكنها كانت عارفة حاجة واحدة بس… مراد مش هيسيبها لوحدها وسطهم وده كان مطمنها
أم مراد كانت مهتمة بليلى وبأكلها ورحمة كانت هتموت من الغيظ، عنيها كانت بتولّع وهي شايفة أم مراد مهتمة بليلى كأنها بنتها، بصت لأمها بحزن، وسهام كانت متضايقة جدًا، سكتت شوية وهي بتلعب في الأكل وبعدين فجأة رفعت رأسها وندهت على شادية بصوت هادي
"شادية، هاتيلي طبق شوربة لو سمحتي."
شادية جابت الطبق وحطته قدامها، سهام حركته بايديها ناحية ليلة فوقع على رجليها وكانت سخنه جدا
•تابع الفصل التالي "رواية سوء تفاهم" اضغط على اسم الرواية