رواية حارة تايسون الفصل التاسع 9 - بقلم زينب سمير
' حارة_تـايسـون' حارة تـايسـون '
الفصل التاسع ..
لا تعلم كيف مر ليلها ، اخر ما تذكره انه عفي عنها بالامـس ، مانحا اياها الليل لترتاح فيه بعيدا عنه ، أمرا اياها انها بالغد ستسكن غرفته معه وستكون زوجته حقا وحقيقيا ، حاولت الا تفكر بشئ عندما وضعت رأسها علي الفراش وبالفعل من كثرة ارهاقها طيلة الايام السابقة غرقت بالنوم فورا حتي حل ضوء الشمس علي الكون في الصباح ...
دقات منزعجة قوية تعالت علي غرفة تايسون ، افزعته وافزعتها هي الساكنة بغرفة تبعد عنه بقيمة المترين ، فأنتفضا وخرج هو من الغرفة باللحظة التي فتحت فيها باب غرفتها ، لمحها فأشار لها بالدخول ، كادت تعترض لكن نظرات عيونه المنذرة بالشرر اخافتها فدخلت
خاصة عندما لمحت منامتها القصيرة التي ترتديها
نظر لحارسه بأستفهام فقال الاخر:-
_الشرطة قدام باب الحارة ياباشا
كرر جملته بتعجب:-
_شرطة ! ودول عايزين اية دول ؟
ما كاد يتحدث وسمع سرينات سيارات الشرطة تتعالي اسفل منزله ، مما بين انهم استطاعوا عبور بوابات الحارة ودخولها بدون اذنه ، اشتاطت نظراته وهو يدخل لغرفته ، ارتدي ملابسه خلال لحظات تُكاد لا تعد
ونزل للاسف ..
حيث سيارات الشرطة التي هبطت منها قوة علي رأسها رامز ، وبجوارهم نصري ومعه بعض افراد عائلته
رمقهم بتعجب:-
_اهلا اهلا بالداخلية ، مش تقولوا انكم هتنورونا علي الاقل كنا جهزنا استفاضة تليق بيكم
هتف نصري بنفاذ صبر:-
_فين بنتي ؟
تايسون بدهشة مصطنعة:-
_بنتك ! واية اللي هجيب بنتك ياباشا عندي
تقدم منه رامز بغضب .. كاد يلكمه وهو يصرخ:-
_متستعبطش ياروح امـك
لكن لم تصل يده لوجهه تايسون ، حيث امسك يده بإحدي يديه وقد تغيرت ملامح وجهه من البرود الي القسوة والغضب وهو يهتف:-
_لما تكون في حارة تايسون ايدك متطولش علي اسيادك
اشار لرجاله الذين اشهروا اسلحتهم علي رامز بأن يخفضوها ، عصر يده بين يديه بقوة حتي ان رامز تآلم متابعا:-
_وحياة امي اللي جيبت سيرتها دي لهجيبك انت ومستقبلك الارض
ثم اخيرا ترك يده ..
اشار نصري لرامز بأن يتراجع والا يتهور ، فما رأه من هذا التايسون من نظرات وملامح اثبتت له وهو رجلا ذو خبرة عظيمة ان ذلك التايسون ليس بسهلا ابدا ..
نصري بهدوء محاولا ان ينهي الامر دون مواجهات واعاصير تجمعه مع ذلك الرجل:-
_انا بس عايز وعـد بنتي
نطق ببرود:-
_قصدك مراتي ؟
طالعه بصدمة وتعالت شهقات وهمهمة من بعض اهالٍ الحارة الذين تجمعوا ليروا ماذا يحدث
لم يستطيع رامز ان يتحمل حديثه فأقترب مرة اخري ناويا ضربه و:-
_انت بتقول اية يامجنون انت
تايسون ببرود ثليجي:-
_بقول الحقيقة
وضع نصري يده علي قلبه بوجع ، كاد يسقط ارضا لكن تلقفته يـد ابن اخيه سامح وهو يهمس بخضة:-
_عمـي !
انهياره كان قليلا علي ماسمعه ، يشعر وكأنه بحلما ، لا بـل كابوس في غاية البشاعة ، تزوجت ؟ تغيب عنه ثلاث ليالي وعندما يجدها يجد ان اسمها اقترن بأخر ، باتت ملكا لاخر
تهاوي جسده بالفعل ارضا بعدما ثقل حمله علي سامح ، قد غشت الدموع عينيه ايضا .. جاءه صوتها الصارخ من بعيد وهي تتقدم نحوه بخطوات راكضة:-
_بـابـا ..
مـرت من جوار تايسون ، فأوقفتها ذراعيه التي التفتت حول خصرها تكبلها وتوقفها ، تطلعت له برجاء ان يتركها لكن عينيه كانت استحالت فيها السواد وكأنه لا يسمعها ابدا
نطقت برجاء:-
_سيبني اشوفه والنبي
لكن الرجاء لمن لا قلب له .. كالمحاولة بجعل الحجر ينطق
فلا ينطق الحجر ولا يرد هو علي الرجاء بأجابة مستجابة
مـرت دقائق ، تمالك فيها نصري نفسه ومازالت هي تنازع لتفك يدها من اثره لكنها لم تفلح ، وسط نظرات رامز المحترقة وهو يرمق تمسك تايسون المتملك ليدها وخصرها ، اخيرا نهض نصري من مكانه ، اقترب منهم بعدة خطوات يرمق ابنته برغم كل شئ بإشتياق وحنين لها
همست بدموع:-
_بابا انا اسفة والله ، هو اللي.....
اشار لها ان تصمت وحرك عينيه لتواجهه عيني تايسون الذي رمقه بملامح عادية و:-
_انا عايز بنتي
جاء ليتكلم فأكمل نصري:-
_هتطلقها وهترجع معايا
تايسون ببسمة استفزاز تخفي خلفها غضب مكبوت:-
_بـس انا مبطلقش يانصري باشا ، مراتك بقيت علي اسمي ومش هسيبها غير لما يجيلي مزاج اعمل كدا ، غير كدا مش هطلقها ولو اطربقت السما علي الارض
كان يتحدث بصوت يتعالي تدريجيا ليسمعه كل المحيطين ، لكنه ليريح ضميره تابع مفهما اياه ما جري:-
_بس عايزك تفهم حاجة وتفهمها لكل حد هيتجرأ ويتكلم عليها بعدين ، هي اتجوزتني غصب عنها ، بتهديد مني يعني .. بس وعـد الحكاية دي هتكون لفترة معينة وبعدين هي كمان هتتمسك بجوازها مني اكتر مني شخصيا
غريب هو .. يقول له ان وعـده ليست مذنبة كي لا يحملها ابيها الخطا ، يعترف بطريقة اخري انه ظالما ، ربما تصل به اعترافاته تلك لـ السجن ورغم هذا لا يهمه !
فاتت لحظات كانت عيون نصري تنظر بها لتايسون بملامح غير مقروءة ، كانت ملامح الاخر جامدة ، نظر تايسون لـ رجال الشرطة و:-
_متفكرش ياباشا ان شوية الرجالة دول هتقدر تعمل حاجة ، او اني هخاف من الشرطة ، حارة تايسون ملهاش كبير غير ربنا ، وتايسون كبيرها اللي هو انا مبيخفش من اي حاجة علي وجه الارض ، رجالتك .....
اشار لرجالته بملامحهم التي تبث بداخلك الرعب متابعا:-
_رجالتي هيقدروا يخلصوا عليهم في غمضة عين
وكانت كلماته تدل علي ثقته وعند رؤية احدهم بكل تلك الثقة تتزعزع عزيمتك وان كانت من فولاذ ! تَفهم نصري ان الامر لن يَحل بترك الطريقة ابدا ، كان عليه ان يدرس الموضوع جيدا قبل ان يأتي لكنه لم يفعل .. لـذا قال:-
_طيب انا عايز اتكلم معاك بهدواة اللبطي بتقول عليها مراتك دي بنتي ، من حقي كنت اختار عريسها واسلمها ليه بأيدي ، من حقي اسأل عليه واشوفه يستحقها ولا لا ، طلقها ومتحرمنيش من حقوقي وتدمرها هي
ملامحه صخرية وكأن الاخر يتحدث مع ثراب !
فمـد نصري يده ليسحب ابنته من يدي تايسون بحركة سريعة ، لكن يدي الاخر كانت مكبلة جيدا لحركة وعـد مما اصعب مهمته ، نطقت بدموع لوالدها:-
_بابا متزعلش مني ارجوك
رمقها هو بقلة حيلة واسـف ، فلا يوجد بيديه ما يفعله ، وعلي لسانه ما يقوله ، معلوماته البسيطة التي قرأها عن تايسون قبل ان يأتي الي هنا اخبرته انه يستطيع ان يحول اي ساحة حديث الي مجزرة بلحظة ، واهالٍ حارته علي استعداد لتلك المجزرة من صغيرها لحتي كبيرها
ما معه رجالا قليلة بالاضافة لبعض عائلته الذين يجهلون كل ما له علاقة بالدفاع عن النفس ، ان أقام حربا سيخرج منها خاسرا معه العديد من الجثث .
اخرجه من شروده صوت تايسون:-
_لو عايز تجوز بنتك وتسلمها ليا بنفسك زي ما تقول فأنا هكون معاك كويس للاخر وهقولك موافق نعمل فرح بس هنا في حارتي
كاد يتحدث .. فتابع تايسون:-
_بس وعـد من هنا ليوم الفرح مش هتتحرك من بيتي .. فكر وصدقني دي فرصة مش هقدملها ليك مرتين بالاضافة ان اللي يكسب تايسون لازم يعرف انه كسب كتير ... كتييير اوي
قال كلماته وسحب وعـد خلفه ودخل بها لـ المنزل ، تاركا خلفه الجميع ينظروا له بدهشة وذهول من اختفائه هكذا دون الاهتمام بهم
علم نصري ان لا حديثا اخر سيجدي نفعا معه فأشار لرجالته وعائلته ان يركبا سيارتهم ، فقال إحدي أقاربه بغضب:-
_هتسيب بنتك في ايده يانصري
نصري بسخرية من غضبه ، فالمتحدث كان يبلع ريقه خوفا منذ لحظات من تايسون:-
_عندك حل تاني ؟
لم يجد حديثا ليقوله فصمت .. وكم كان ذلك الصمت الذي سيطر علي المكان بعد ذهابهم موحشا
. . .
ما ان ترك يدها امام غرفتها حتي صرخت فيه بدموع:-
_حرام عليك انتي مسيبتنيش حتي احضنه او اسلم عليه ، انت لية قاسي اوي كدا ؟
وحديثها تفهمه بطريقة خاطئة ويالـلاسف ، هي تقصد ابيها وهو ظن انها تقصد خطيبها
فعاد يمسك معصمها ضاغطا عليه بقوة قاصدا آيلامها و:-
_انتي عايزاني اسيبك تسلمي علي خطيبك وتحضنيه ؟ لية مفكره نفسك متجوزة واحد بقرون ؟
قالت بدموع:-
_انا مش علي رامز
ازداد غضبه وهي يصرخ بها:-
_متنطقيش اسمه ، قولتلك متنطقيش اسمه
وعـد بآلم من يده التي مازالت تضغط علي يدها بقوة:-
_انا اقصد بابا والله
عـاد اخيرا لتعقله وترك يدها بعدما صرحت بتلك العبارة ، اين كان عقله صحيح وهو يقول هذا الحديث ، أستفكر بخطيبها وهي حتي لم تستطيع ان تحتضن ابيها ؟!
فركت معصمها المتآلم بيدها الاخري والدموع متجمعة في عيونها ، هتفت بعبارة واحدة قبل ان تغادر من امامه:-
_انت ظالم اوي ياتايسون
. . .
دخل نصري لمنزله فهرولت نحوه نشوي بسرعة تسأله بتلهف:-
_فين بنتي يانصري ، فين وعـد
رمقها بعيون معتذرة ولم يستطيع ان يرد ، نظرت خلفه لعلها تكون آتيه لكنها لم تآتي ، سألت رامز وهي تتقدم منه:-
_فين وعـد يارامز طمني يابني
نطق الاخر بجمود:-
_مع جوزها .. وعـد مع جوزها ياطنط
عادت خطوتين لـ الخلف بخضة من عبارته وهي تكرر:-
_جوزها !
اؤما بنعم فحركت عيومها بين اوجهه جميع الذين كانوا مع نصري وجدتها مكفهرة .. تقدمت من نصري مرة اخري تصرخ بجنون:-
_ازاي مع جوزها ، جوزها مين دا اصلا يانصري وازاي تسيبها معاه ، لية مجبتهاش بالعافية ، حرام عليك تسيبها هناك معاه هو احنا نعرفه ، هي اصلا ازاي اتجوزت .. ازاي اتجوزت ، انا مفهماش حاجة جاوبني يانصري
صرخ فيها باعصاب مقاربة علي الانهيار:-
_اهي اتجوزت يانشوي اتحجزت وخلاص ، اتجوزت قتال قتلة خوفت اتهور معاه فيقتلها قدام عيني ويحسرني عليها اكتر من حسرتي دلوقتي ، بنتك اتجوزت واحد ولا يهمه قانون ولا يهمه حـد ، اتجوزت واحد ملهوش كبير غير ربنا يانشوي
نشوي بجنون:-
_طيب اتجوزته كيف وازاي برضوا ، لية رضيت تعمل كدا
رامز بملامح ملتهبة بالغضب:-
_اكيد غصبها توافق ، هددها ، عمل اي حاجة خلتها توافق عليه
وضعت نشوي يدها علي رأسها بآلم فالصداع هاجمها بقوة شديدة الان ، صداع مع وجع قلب ، صاحت قبل ان تسقط ارضا:-
_انا عايزه بنتي يانصري ، انا عايزه وعـد
. . .
التناقض والتوهان اسوء ما قد يحتلا الانسان ، فكلا منهم يجعل الانسان مشوشا .. تائها ، غارقا في بحور من المتاهات
وهو رزق بالتناقض ، وهي بالتوهان
حديثه الان .. غير حديث الامس .. غير حديث الغد
قرارها الان .. غير قرارها قبل قليل .. غير قرارها بعد قليل
عجيب امرهم ومن المستحيل ان تتجمع بينهم نقطة وصل تجمعهم !
فـ هل الماء يمكن ان تجلس بجوار النار دون ان تطفيها ؟
بعد ليلة من ذلك اليوم كانت هناك مقابلة سـ تجمع بين نصري وتايسون ، تُري ماذا سـ يُقال فيها ؟!؟!
. . .
•تابع الفصل التالي "رواية حارة تايسون" اضغط على اسم الرواية