رواية زواج في الظل الفصل الثالث عشر 13 - بقلم ياسمين عطيه
أركان كان لسه في حالة صدمة من اللي حصل، مش مستوعب إن الظابط اللي مسكه من ياقة الجلابيه وحسس الجميع إنه بيعاقبه، كان في الحقيقة بيسلمه رسالة من والده. حرك إيده ببطء ناحية جيب الجلابية، لمس الجهاز الصغير اللي اتحط له، وعقله بدأ يشتغل بأقصى سرعته، لكن قبل ما يلحق يفكر في أي حاجة، عيونه سقطت على ليلى.
كانت واقفة مش بعيد، وشها أحمر من الغضب، وعينيها مليانة دموع، كانت شايفة كل حاجة حصلت، شايفة القلم اللي أركان “اتضربه” واللي في نظرها كان حقيقي، شايفة التوتر في ملامحه
الضابط وهو بيبص لها وبيقول بجملة قصيرة بس معناها تقيل:
الظابط:
“شكلها بتحبك.”
أركان بص لليلى للحظة، ملامحها كانت بتصرخ بكل مشاعرها من غير ما تنطق، وبعدها اتحرك ناحيتها وهو بيحاول يخفي أي أثر للخبطة اللي حصلت. أول ما قرب، ليلى مدت إيديها بسرعة ولمست وشه بحنية وعصبية في نفس الوقت، قلبها كان بيتخبط في ضلوعها، ولما حست بأثر الضربة، شهقت وقالت بصوت مليان زعل وانفعال:
ليلى:
“ض*ربك؟!”
كانت لسه هتكمل، لكن فجأة صوتها علي واتحول لصراخ وهي بتزعق:
ليلى:
“يا ابن الـ…!”
كانت خلاص هتكمل الشتيمة وتقول كلام من العيار التقيل للظابط، لكن أركان بسرعة حط إيده على بقها، وعيونه كانت بتنطق بتحذير واضح، في الوقت اللي عبد الحق كان متعصب وواقف جنبهم وهو بيهز رأسه بضيق:
عبد الحق (بغضب وهو بيبص على ليلى):
“بس بقى! إحنا ما صدقنا سابونا، إنتوا هتودونا في داهية ولا إيه؟ ده أنا واخد عصفورين كناريا معايا!”
لكن ليلى كانت مش في المود تسمع كلام حد، عنيها لسه فيها الغضب والدموع، ورفعت إيديها بحركة مفاجئة وهي بتقول بعصبية:
ليلى:
“أنا ما بحبش حد يضرب حد أنا بحبه! والله لأنزل اضر*به لك!”
أركان كان شايف الانفعال اللي فيها، وكان عارف إنها مش هتهدى بسهولة، قرب منها أكتر وقال بصوت هادي وهو بيحاول يسيطر على الموقف:
أركان:
“ما ضربنيش، كان بيهوّشني بس على وشي.”
لكن ليلى ما صدقتش، لمست وشه تاني وبصت له بعيون كلها دموع وقالت بعناد:
ليلى:
“لا ضربك، صوابعه باينة على وشك!”
أركان ضحك ضحكة قصيرة وهو بيتمالك نفسه، حس إنها مستحيل تقتنع، لكن قبل ما يرد، عبد الحق نفخ بضيق وقال بصوت محبط وهو بيتمتم:
عبد الحق:
“بس بقى، أكلتوا راسي!”
*لكن رغم تعصب عبد الحق، ورغم الموقف كله، أركان كان حاسس بحاجة مختلفة وهو شايف رد فعل ليلى.. كان شايف خوفها عليه، غيرتها، غضبها، واهتمامها اللي طالع من القلب، واللي، غصب عنه، بدأ يدق ده يبقى قلبه هو كمان
—————
كانت المنطقة الشعبية ديقة وزحمة، الأصوات حوالين ليلى كانت عالية، صراخ، ستات داخلة طالعة، وريحة بخور نفاذة مالية المكان. الجو كله كان خانق، والمشهد كان حقيقي لدرجة إنها لأول مرة حسّت إنها ممكن تنهار.
مسكت دراع أركان غصب عنها، أصابعها تشدّت عليه وهي بتهمس بصوت مهزوز:
– هو أنا هولد بجد ولا إيه؟
عبد الحق بص لها من غير تعبيرات، بعينيه المستخفة وهو بيشاور لها تسكت، وبعدها قال بصوت واطي:
– اسكوتي يا شاطرة، دخلتي اللعبة يبقى كمّليها.
دخلوا أوضة صغيرة مضلمة، ريحتها مش مريحة، وفجأة ظهرت المعلمة حسنية، ست في أواخر الأربعينات، بملامح حادة وابتسامة مريبة وهي بتبص لعبد الحق وقالت بضحك:
– كل مرة بتبهرني، إنت مخك ده كنز، شغلانتكم دي دماغها عالية، جايبلي البضاعة المرة دي في بطن واحدة! والله أنت بتكيفني أكتر من البضاعة نفسها.
بعدها بصت لليلى من فوق لتحت ورفعت حاجبها وقالت بنبرة آمرة:
– يلا يا شابة، اخلعي وتعالي نزلي اللي في بطنك بسرعة.
ليلى رجعت خطوة لورى، عينيها دارت في المكان، نظرتها وقعت على أركان تلقائيًا، كانت مكسوفة ومرعوبة، بس متأكدة إنه مش هيسيبها تتأذى. قالت بسرعة وهي بتبعد عن حسنية:
– ما ينفعش هنا، مفيش مكان… يبقى أنا وانت؟!
حسنية ضحكت ضحكة سخيفة وهي تبصلها باستغراب:
– هو انتي محترمة وكده؟! أمال اللي ماسكة فيه ده مين؟
ليلى شدت أركان أكتر وقالت بسرعة:
– جوزي!
حسنية رفعت إيدها استسلامًا وقالت بسخرية:
– خلاص، خلي جوزك في الأوضة، وإحنا هنخلص كل حاجة… ومعلش بقى هنطرد عبد الحق برة، لازم أبقى موجودة وأشوف بضاعتي وهي بتتولد.
حسنية قعدت على طرف الكنبة المتهالكة، حطت رجل على رجل، وبصّت لليلى باهتمام مصطنع وهي بتسألها بفضول مستفز:
– اسمك إيه يا شاطرة؟
ليلى بلعت ريقها وقالت بسرعة:
– هنية.
حسنية ابتسمت بسخرية وهي بتشاور لها تقرب:
– هنية مين؟ إنتِ إيه اللي جابك هنا وسط الرجالة دي؟
ليلى :
– شغالة عندهم في الفيلا، بنضف، بعمل أكل، قالولي أساعدهم في مشوار فمقدرتش أرفض.
في اللحظة دي، كان أركان واقف جنب الحيطة، عامل نفسه بيسمع الحوار، لكنه في الحقيقة كان بيحط جهاز التصنت في زاوية ضلمة فوق رف خشب قديم، بحركة سريعة ومتقنة من غير ما حد يحس بيه.
ليلى وقفت مكانها، حاسّة إن قلبها بيخبط في ضلوعها وهي شايفة حسنية – الداية – مستنيّة تنفذ. نظرتها راحت لأركان اللي كان واقف عند الحيطة، ملامحه متماسكة، لكن عينيه بتراقب كل تفصيلة.
حسنية بصوت مستعجل وبخبث:
– يلا يا شاطرة، ارفعي هدومك وخليّنا نخلص. العيل ده لازم يخرج دلوقتي!
ليلى بلعت ريقها، إحساس التوتر خانقها، إيديها بتترعش، رفعت طرف جلابيتها ببطء وهي مش قادرة تستوعب اللي بيحصل. كانت متوترة جدًا، لكن أركان كان ثابت في مكانه، ملامحه صلبة كأنه مش متأثر، بس عنيه كانت راصدة كل حاجة.
حسنية قربت، إيديها الخشنة شدت الرباط اللي ماسك البطن المنتفخة المستعارة، وبحركة واحدة، البطن نزلت على الأرض…
لحظة صمت قاتلة…
حسنية فتحت عينيها على الآخر، اتكلمت بدهشة وضحكة مكتومة وهي تبص للربة اللي نزلت، وفجأة انحنت وشدت القماش اللي مغطيها، لتتفاجئ بالكيس المضغوط جوّاها.
ضحكت بصوت عالي وهي تقول بصوت كله خبث:
– الله ينور… شغل نضيف أوي، ومعمول بحرفنة… ما حدش يقدر يشك لحظة!
ليلى واقفة متسمّرة مكانها، قلبها بيدق بسرعة، حسّة برجليها هتخونها وتقع، لكن مسكة إيدها اللي كانت بتشد في دراع أركان غصب عنها كانت الحاجة الوحيدة اللي مثبتاها.
حسنية رفعت عينيها ليها، قربت وهمست بصوت بارد:
– إنتِ مالك مرعوبة كده ليه يا بنتي؟ دا مش أول شغل ليكِ، ولا إنتي كنتِ فاكرة نفسك حامل بجد؟
ليلى حاولت تفتح بُقها ترد، لكن أركان سبقها، بصوته التقيل والواثق وهو بيرد بدلها:
– لسه جديدة، بس هتتعلم بسرعة… مش كده، يا هنية؟
ليلى رفعت عينيها ليه، نظراته كانت جامدة، كأنه مفيش حاجة حصلت، لكنه الوحيد اللي هي متأكدة إنه مش على طبيعته… كان بيوصل لها رسالة، وسط كل الدوشة، وسط كل الخوف، وسط كل حاجة… كان بيقول لها من غير كلام: “متخافيش”.
ليلي وهي بتشده من ايده و خارجين من المكان :يلا بسرعه
بصلها ببرود وقال بسخرية هادية:
– مش كان قلبك جايبك وجاية لي في ببطنك؟ ماشيه تتعوجي قدامي، ودلوقتي متكتفة زي الفرخة؟
– ليلى رفعت عيونها ليه بارتباك، وقبل ما يبعد إيده، مسكتها بسرعة، شدّت عليها، صوتها كان شبه همس وهي تقول:
– أركان… أنا ما كنتش متخيّلة إن الموضوع بالرعب ده… يا ماما… يا رب ما ياخدوني معاهم تاني في حاجة… أنا خايفة… أنا خوافة!
نظرة سريعة بينه وبينها، لحظة صامتة… كانت بتدوّر على أمان، وهو كان بيدوّر على حاجة تانية خالص… حاجة مش فهمها.
العربية كانت ماشية بسرعة في شوارع القاهرة، الجو كان هادي بره، بس جوّا العربية كان مليان توتر صامت. ليلى كانت قاعدة جنب أركان في الكنبة الخلفية، عينيها سابحة في الفراغ، وإيدها لا إرادياً كانت بتشد طرف هدومها.
عبد الحق من قدام، وهو سايق بصوت هادي بس فيه نبرة تريقة:
– هي هنية مالها ساكتة كده؟ مش كنتِ جامدة ومتماسكة؟ ولا المواقف الحقيقية حاجة تانية؟
ليلى من غير ما تبص له، بصوت واطي لكن فيه رعب حقيقي:
– أنا فعلاً ما كنتش متخيّلة إن الموضوع بالشكل ده… إحنا كنا في عش الدبابير بجد…
أركان كان ساكت، عيونه على الطريق، ملامحه متماسكة كعادته، لكنه كان واخد باله من كل نفس بتاخده ليلى، كل رعشة خفيفة في جسمها. قرب منها شوية، صوته كان هادي لكن فيه نبرة أمر:
– نامي، لسه الطريق طويل الصعيد
الطريق كان هادي، الجو برد شوية، بس ليلى ما كانتش حاسة بأي حاجة… كانت نايمة بعمق، سندة رأسها على كتف أركان كأنها لقت أخيرًا مكان ترتاح فيه. أركان كان ساكت، سايبها، لكنه كل شوية يبص لها من طرف عينه… كان متعود يكون لوحده، متعود إنه ما يسمحش لحد يقرب بالشكل ده، بس ليلى… ليلى بتعدي كل الخطوط الحمراء من غير ما تاخد إذن.
– قدام الفيلا –
العربية وقفت، عبد الحق نزل الأول، فتح الباب الخلفي، وقبل ما يتكلم، لقى أركان شايل ليلى بخفة، وكأنها ولا حاجة في إيده.
عبد الحق بضحكة خفيفة:
– يا حبيبي، ده أنت غرقان غرقان…
أركان ببرود وهو ماشي بيها للداخل:
– اسكت.
خطواته كانت هادية وثابتة، وصل أوضته، ومدد ليلى على السرير بحذر، كأنها حاجة قابلة للكسر. وقف لحظة، بص لها… كانت نايمة بملامح هادية، عكس كل اللي عاشته النهارده.
أركان وهو بيحس بضيق غريب لأول مرة
مد إيده،مسك التيشيرت، حس إنه مخنوق، ما فكرش كتير، وقلعه ورماه على الكرسي، قرر ينام بالبنطلون، حاجة كان بطّل يعملها من اول يوم دخلت ليلي حياته، لكنه فجأة رجع للعاده دي… بس في اليوم الغلط.
ما لحقش يبعد، حس بحركة خفيفة، وبلا أي مقدمات… ليلى سحبت نفسها، ونامت في حضنه.
أركان تجمد… جسمه اتكهرب لحظة، واللعنة الحقيقية كانت لما خد نفسه واتحركت معاه، كأنها بتدور على الأمان في وجوده. قلبه كان هادي، لكنه حس باضطراب، مش عارف دي صدمة من الموقف، ولا من الإحساس الغريب اللي خبطه فجأة
أركان بداخل عقله وهو بيضرب نفسه على الفكرة الغبية اللي خلته ينام من غير التيشيرت:
– الهدنة خلصت… وجت في أسوأ وقت ممكن.
كان ممكن يقوم، يبعد، يلبس التيشيرت… بس حاجة جواه منعته، وكأنه لأول مرة في حياته قرر يسيب الأمور تمشي لوحدها، من غير ما يتحكم في كل شيء.
غمض عينه، وأخيرًا… نام.
الليل كان هادي، الفيلا كلها ساكنة، والوقت متأخر جدًا… بس عيون نسرين ما كانتش نايمة.
كانت واقفة عند شباك الأوضة، في الضلمة، بتبص جوه…
شافت ليلى وهي في حضن اركان
مش بس كده، أركان مش لابس التيشيرت، ووشه قريب منها…
نسرين حسّت النار بتاكلها من جوه.
بالنسبه ليها هنيه اللي هي ليلى مجرد خادمة في ازاي تعيش عيشه زي دي وتتحب من واحد بالجمال ده.
شافت أركان راح معاه عشان يحميها وجابها بنفسه من المهمة وهو شايلها… مشي بيها بين إيديه كأنها حاجة غالية عليه… والآن؟ نايمة في حضنه… ووشها دافي على صدره العاري.
-“أنا اللي كنت المفروض أكون مكانها.”
-“أنا اللي كنت المفروض أكون تحت جناحه، مش هي!”
عيونها كانت مسمّرة عليهم، عقلها بدأ يسرح… أفكار سوداء، خيالات مسمومة، صورتها مكان ليلى، بين دراعاته، وسط دفء حضنه…
أغمضت عيونها… واستسلمت للحظة.
بس فجأة… أركان تحرك!
نسرين شهقت بصمت، قلبها وقف. بسرعة اختفت في الضلمة قبل ما يحس بيها.
بس كانت متأكدة من حاجة واحدة…
دي مش النهاية.
هنيه لازم تخرج من الصورة… وبأي تمن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
ضوء الشمس تسلل من الشباك، خبط خفيف على عيون ليلى، خليها تتحرك بكسل وهي لسه في غيبوبة النوم.
كانت دافية… مرتاحة… كأنها في أمان مش حسته من زمان، بس فجأة بدأت تستوعب…
إحساس بشرة دافية تحت خدها… أنفاس هادية ومنتظمة…
لحظة… إيه ده؟!
ليلى فتحت عيونها ببطء… واستوعبت الكارثة.
كانت نايمة في حضن أركان… تاني!
مش بس كده، ده مش لابس التيشيرت أصلاً!!
-“يا نهار أسود…”
جسمها تصلب، قلبها دق بسرعة، والحرارة ضربت في دماغها. هي ليه رجعت تعمل كده؟! كانت بطّلت خلاص! كانت مكسوفة منه أصلاً عشان اللي حصل قبل كده!
حاولت تتحرك ببطء، تفلت من الموقف قبل ما يصحى… بس وهي بتبعد، حسّت بأنفاسه قرب أذنها، كأنه اتحرك معاها…
-“لا لا لا، مش وقته، يا رب ما يكونش صاحي.”
كانت على وشك تقوم، لكن فجأة سمعت صوت أنفاسه العميقة… كان شكله نايم.
-“الحمد لله… نجوت.”
بهدوء شديد، وبعد معركة استغلت فيها كل مهاراتها في التسلل، قدرت تبعد، وقامت من السرير، هربت!
لكنها ما كانتش تعرف إن أركان… كان صاحي من أول لحظة.
أول ما حس بيها بتتحرك، كانت غريزته يقوم، يبعدها، أو حتى يعلق بكلمة زي كل مرة… بس لأول مرة، ما عملش كده.
لأول مرة، قرر يعمل نفسه نايم.
مش عشان ما يحرجها… عشان نفسه ما تحرجش أكتر.
لسبب غامض، خلاها تاخد راحتها وتبعد لوحدها… من غير ما يرمي عليها تعليق سخيف زي كل مرة.
أول ما خرجت من الأوضة، فتح عينه، وبص للسقف… مش مصدق هو لسه سايبها تعمل كده؟!
-“يا نهار أسود…”
غمض عينه تاني، وعارف إن النهارده… مش هيكون يوم عادي.
بعد ما ليلى خرجت من الاوضه أركان قام من على السرير، دخل الحمام، وبعد ما خرج لبس هدومه، ولقي الأكل محطوط على الترابيزة. وأثناء ما كان قاعد بيفطر، تليفونه رن.
بص في الشاشة، ولما شاف الاسم، فتح بسرعة ورد بصوت رسمي:
– عرفتوا توصلوا لحاجة؟
صوت عدلي جه واثق، تقيل زي ما أركان متعود عليه:
– بفضلك يا ابني بينكشفوا قدامنا واحد ورا واحد. كل تاجر صغير بيوقع اللي أكبر منه، وإحنا ماشيين وراهم لحد ما نقطع راس الأفعى.
أركان ضغط شفايفه بتفكير، عينه كانت بتلمع بحدة وهو بيقول:
– حلو… لسه اللي فوق مهم، أهم من كل دول.
عدلي بهدوء:
– متستعجلش، احنا وراهم، بس خليك في اللي في إيدك دلوقتي. المهمة مش هتخلص غير لما نكون قافلين على الكل.
أركان سكت لحظة، وبعدها قال بتركيز:
– حاضر يا فندم.
ــــــــــــــــــــــــــ
أركان كان لسه هيخرج من الأوضة، لكنه فجأة لقى نسرين بتزيحه لجوه وتقفل الباب وراه. رفعت راسها له، نظرتها متحدية، عيونها مليانة نوايا واضحة:
— “انت النهارده بتاعي.”
أركان اتجمد في مكانه، استغرب جرأتها، لكنه بسرعة شد نفسه ورد بصوت حاد:
— “تقصدي إيه؟”
نسرين قربت، صوتها ناعم بس فيه خبث:
— “مراتك النهارده عندها شغل… لا بالليل مش هتفضى. وانت في حد قاعد بدالك على البواب. يعني أنا وانت… هنقضي وقت حلو مع بعض.”
عينيها كانت ثابتة عليه
اركان، بصوت مليان غضب وقرف:
— “انتي مجنونة؟”
نسرين كانت واقفة قدام أركان، عيونها بتلمع بتحدي، مشاعرها كلها مكشوفة قدامه. حاولت تقرب، تحط إيديها عليه، لكنه صدها بقوة، بصوت بارد: — “إنتِ بتعملي إيه؟”
ضحكت ضحكة صغيرة، ساخرة، عيونها فيها لمعة غريبة: — “إيه يا أركان، خايف عليَّ؟… متقلقش، ما بقتش البنت اللي تخاف على نفسها… خلصت الموضوع ده من زمان… فاكر إن اللي بيني وبين طاهر كان حب؟ لا… كان قرار… كان خطوة… كان تذكرة حريتي، دلوقتي مفيش حاجة تمنعني من أي حاجة أنا عايزاها.”
لحظة صمت تقيلة سادت بينهم، ونسرين قربت أكتر، لكن أركان كان ثابت، نظراته
الجو كان مشحون بصمت تقيل، مفيش غير صوت أنفاسهم المتوترة وهي بتتحرك ناحيته بخطوات بطيئة. عيونها مرفوعة له، بتلمع بنظرة غامضة… مزيج بين التحدي والرغبة والانتصار، وكأنها أخيرًا وصلت للحظة اللي كانت بتخطط لها.
وقفت قدامه، المسافة بينهم تكاد تكون معدومة، مدت إيديها ببطء… لمسته أول ما حطت كفها على صدره، إحساس دقات قلبه تحت إيديها خلى ابتسامتها تعلو. كانت عايزة تحس إنه مش متحكم، إنه مش قادر يوقفها.
أصابعها اتحركت بهدوء، بتمشي على قماش قميصه، بتنزل تدريجيًا من على صدره لبطنه، بتحس بكل عضلة تحتيهم، بتنقل لمستها ببطء متعمد… لكن قبل ما تلمس الحزام، إيده أمسكت بمعصمها بقوة، وقفتها في لحظة.
نسرين اتنفضت من المفاجأة، رفعت عيونها لعيونه… لكنها ما لقتش فيها أي ضعف، ولا تردد، ولا حتى انبهار. بالعكس، نظراته كانت مليانة حاجة واحدة بس… اشمئزاز.
كان بيبصلها كأنها حاجة حقيرة، كأنها عملت شيء يثير القرف مش الرغبة. ضغط على إيدها أكتر وهو بيبعدها عنه بخشونة، صوته طلع بارد، حاد، ومليان احتقار:
— “إنتِ إزاي؟”
كلمة واحدة بس، لكن معناها كان واضح. إزاي واحدة متجوزة تعمل كده؟ إزاي تكون بالحقارة دي؟ إزاي تكون فاكرة إن أي راجل ممكن يضعف قدامها لمجرد إنها قربت؟
نسرين حاولت تستعيد توازنها، لكن وقع الإهانة كان أقوى من إنها ترد بسرعة. ابتلعت ريقها، وبدل ما تتراجع، رفعت دقنها بتحدي مصطنع:
— “إيه… خايف تنجرف؟”
لكنه ضحك بسخرية، ضحكة باردة مفيهاش ذرة إعجاب:
— “إنتِ فعلاً مش فاهمة حاجة، صح؟ فاكرة نفسك مغرية؟ لأ، إنتِ مثيرة للشفقة.”
عيونه اخترقتها، كشفها بالكامل. مشاعرها، دوافعها، مخططاتها… كانت بالنسبة له مجرد حيلة رخيصة، وده خلاها تحس بحاجة جديدة تمامًا… لأول مرة في حياتها، نسرين حست بالخوف.
كانت عيونها مليانة صدمة، صدمة إنه رفضها، صدمة إنه ما وقعش في المصيدة اللي جهزتها له من زمان. إيدها اترعشت وهي بتسحبها من قبضته، لكنها ما تراجعتش… بالعكس، كانت بتغلي، مشاعرها انقلبت من الغرور للاحتقار، من الثقة للغضب.
بصت له بقهر، بصوت مش ثابت، لكنه مليان غضب مكتوم:
— “إنت فاكر نفسك مين؟ فاكر نفسك أطهر من الكل؟ فاكر إنك صعب المنال؟”
ضحك بسخرية، ضحكة باردة زودت اشتعال غضبها أكتر. قربت منه، بقت بينه وبينه خطوة واحدة، عيونها اتملت شرارة حقد وهي بتصرخ فيه:
— “ده أنا عملت كل حاجة عشانك!! فاهم؟ كل حاجة!”
اتنفس ببطء، نبرته بقت أخطر وهو بيرد:
— “كل حاجة؟ وضّحي أكتر.”
لكنها ما استنتش يسأل، هي بنفسها قررت ترمي القنبلة في وشه، تفرج عليه وهو يشوف قذارتها، تشوف لو هيحس بالذنب زي ما هي حسيت لما اكتشفت إنه مش زي ما كانت متخيلة.
صرخت:
— “أنا نمت في حضن طاهر عشانك!! فاهم؟ عشان اللحظة دي! عشان ما يبقاش عندي حاجة أخسرها! عشان تبقى حقي وقت ما أنا عايزة!”
سكتت لحظة وهي بتتنفس بسرعة، عيونها مسلطة عليه، مستنية تشوف أي ردة فعل… صدمة؟ ندم؟ ارتباك؟ أي حاجة؟ لكن اللي لاقته كان شيء أبشع من أي حاجة توقعتها.
احتقار صافي.
عيونه كانت تقيمها، تحكم عليها، تدفنها تحت التراب بدون كلمة زيادة. رفع حاجبه بسخرية، صوته طلع بارد، جاف، وما فيهوش ذرة تعاطف:
— “عايزه تخوني جوزك عشان حاجه مستحيله من الأساس؟ انتي مريضه عايزه تتعالجي”
هزت راسها بعنف:
— “مش مستحيلة! انت اللي عامل فيها شريف وابن ناس! انت اللي بتكبر دماغك! بس أنا عارفة، عارفة إنك مش كده، وعارفة إنك عايزني… بس عامل فيها ملاك و وكملت بسخريه وبعدين اكيد هنيه مش مكفياك انا اجمل منها بكثير !”
اتكلم بهدوء، لكن كلماته كانت زي الس*كين اللي بيقطعها حتة حتة:
— “عارفة يا نسرين… أنتِ أرخص من إن حد يشتهيكي ومن انك تحركي شعره من راسي ومراتي اللي مش عاجباكي حركه واحده منها بتهز كياني كله .”
بعدها… سابها واقفة في مكانها، بتترنح من وقع الصفعة اللي ما جتش من إيده… لكن من كلماته.
نسرين فضلت واقفة مكانها، أنفاسها مضطربة، وإيديها متشنجة على جنبها. الشعور اللي كان ماليها من لحظات—الثقة، القوة، الانتصار—اختفى تمامًا، واستبدل بإحساس أشبه بالسقوط في هاوية سحيقة.
إزاي؟
إزاي رفضها؟
إزاي نظرته كانت بالشكل ده؟
كان لازم يقول أي حاجة غير اللي قاله… كان لازم يتلخبط، يتوتر، يبان عليه إنه حتى لوهلة اتأثر… لكن لأ. هو سحقها. بكلمة واحدة، بسخرية قاتلة، بمشاعر باردة كأنها مجرد نقطة تراب على هدومه، ينفضها ويمشي.
صوت خطواته كان بعيد، لكنه كان بيرن في ودانها، كأنه بيتردد جوه دماغها بصدى سخريته. فجأة، شعرت بوخزة في قلبها، إحساس بالحرقان، مش غضب… لأ، ده كان أعمق.
انكسار.
ولأول مرة، نسرين حست إنها الطرف اللي خسر المعركة.
لكن… المعركة لسه ما انتهتش.
اتعدلت في وقفتها، رفعت راسها، ومسحت دموع كانت على وشك إنها تنزل. مفيش حاجة خلصت. بالعكس، اللعبة لسه في أولها، وهي عمرها ما كانت بتقبل الخسارة.
ابتسمت ابتسامة باهتة، لكنها ما كانتش فرحانة. كانت ابتسامة حد بيحاول يقنع نفسه إنه لسه في اللعبة، رغم إنه عارف جواه… إنه خسر أول وأهم جولة.
ـــــــــــــــــــــ$ـــــــــــــــــــــ
أركان خرج من الأوضة ولقي ليلى في وشه، كانت جاية ناحيته بخطوات عفوية، عيونها بريئة وملامحها هادية وهي بتقول ببساطة:
— “أنا طالعة مع أسماء نشتري طلبات.”
لكن أركان، في اللحظة اللي عيونه وقعت عليها، حس بحاجة غريبة… حاجة هزته من جواه.
لسه من لحظات كان بيقول لنسرين إن لمسة واحدة منها مش هتحرك فيه حاجة، وده كان حقيقي… لكن ليلى؟ مجرد إنها واقفة قدامه، بتكلمه عادي، بتعامله كأنه شخص عادي في حياتها، ده كان كفاية إنه يحس باضطراب جواه، كأن حاجة مش مفهومة بتجري في دمه، كأن فكرة إنه مش يقدر يلمسها أو يضمها جوه حضنه بتخنقه.
سرح للحظة… بس صوتها قطعه وهي بتمد إيدها قدام وشه، بتحرك صوابعها كأنها بتحاول تفوقه:
— “فينك؟ أنا بكلمك! بقولك هخرج مع أسماء نشتري حاجات وكده.”
رمش بعينيه، رجع للواقع، بسرعة طلع فلوس من جيبه ومدها لها بدون كلام، صوته كان هادي لكنه فيه أمر خفي:
— “خدي… لو عايزة تشتري حاجة ليكي، هاتي اللي إنتِ عايزاه.”
ليلى اتكسفت، بس في نفس الوقت ما قدرتش ترفض، لإنها عارفة إن ده أسلوبه… من أول ما اتجوزته، هو دايمًا مسؤول عنها ماديًا، حتى لو جوازهم مجرد ورق، حتى لو عمرها ما طلبت حاجة منه، كان دايمًا سابقها بخطوة، يسيب لها فلوس من غير ما تسأل. بالنسبة له، القوامة للرجل، وده شيء ما بيتناقش فيه.
مسكت الفلوس بين صوابعها، رفعت عيونها له بلحظة تردد، كأنها عايزة تقول حاجة، لكنه كان لسه مركز فيها… مركز فيها بزيادة.
فجأة، ليلى حست بحاجة مش مفهومة… ليه عيونه بالشكل ده؟ ليه بيبصلها بالعمق ده؟
كانت هتتكلم، بس قررت تسكت…
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية زواج في الظل ) اسم الرواية