Ads by Google X

رواية زواج في الظل الفصل الثامن عشر 18 - بقلم ياسمين عطيه

الصفحة الرئيسية

 رواية زواج في الظل الفصل الثامن عشر 18 - بقلم ياسمين عطيه

الكاتبه ياسمين عطيه 
البارت ال ١٨
زواج في الظل 
في أوضة ليلى بعد وصول الدكتور
الدكتور وهو بيكشف على ليلى بتركيز شديد، سأل أسماء:
– قالت لكم حاسة بإيه قبل ما تقع؟
أسماء وهي لسه متوترة:
– مكانتش بتقول أي حاجة، بس كانت شاردة اليومين اللي فاتوا، وبتقول إن نفسها مسدودة ومش قادرة تاكل.
الدكتور أخد نفس عميق وقال بهدوء وهو بيبص لأركان:
– مبروك، مراتك حامل.
الدنيا وقفت عند الكلمة دي. أركان حس كأن حد أخد منه روحه، مش قادر يحدد هو مصدوم ولا متلخبط ولا حتى فرحان. كان واقف متجمد، بيبص للدكتور وكأنه ما استوعبش الجملة اللي قالها.
أما أسماء فكانت عكسه تمامًا، صرخت بسعادة وفضلت تتنطط زي العيال الصغيرة:
– يا نهار أبيض! هنيه حامل! هبقى خالة، يا حبيبتي يا هنيه!
عبد الحق ضحك وربّت على كتف أركان:
– مبروك يا معلم، أهو العيل جاي في وقته.
بطه، اللي كانت واقفة مبتسمة، قالت بمرح:
– وأنا أقول ليه لونها كان متغير، كان لازم نعرف إن في خبر حلو بالطريقة دي!
أركان كان واقف ساكت، بيحاول يفهم مشاعره، إزاي فجأة هيبقى أب؟ وهو أصلاً ما كانش قادر يحدد مشاعره ناحية ليلى! قلبه كان مقسوم نصين، نص عايز يفرح ونص تاني حاسس إنه متورط في حاجة كبيرة.
الدكتور وهو بيكتب لها روشتة:
–  ولازم تهتموا بيها، الحمل في شهوره الأولى بيكون حساس، متخلوهاش تتوتر ولا تجهد نفسها.
أسماء بسرعة قالت بحماس:
– أنا هكون معاها طول الوقت، متقلقش يا دكتور!
ليلي بدأت تفوق شوية، فتحت عنيها ببطء وشافت الوشوش اللي حواليها، أول حد شافته كان أركان، ملامحه كانت متوترة، وعينيه فيها نظرات غريبة. همست بصوت ضعيف:
– أنا... مالكوا بتبصولي كده؟
أسماء وهي بتقرب منها وتمسك إيدها بحماس:
– حبيبتي يا هنيه، أحلى خبر في الدنيا... إنتي حامل!
عنيها اتسعت بصدمة، بصت لأركان اللي كان لسه ساكت، وبعدين بصت لأسماء اللي كانت مش قادرة تخفي فرحتها، همست بذهول:
– إيه... حامل؟
الدنيا كانت لسه بتمشي بسرعة غريبة في عقلها، مش قادرة تستوعب الخبر زي أركان، بس الفرق إن أركان كان لازم يقرر بسرعة إيه اللي هيعمله بعد كده...
ليلى وهي بتبص لهم بصدمة، صوتها كان ضعيف وهي بتكرر بصعوبة:
– حامل؟!
حست إن جسمها كله بارد، مش قادرة تستوعب الخبر، عينها راحت على أركان اللي كان واقف في مكانه متصلب، ملامحه متجمدة وكأنه مش سامع أي حاجة. كانت منتظرة أي رد فعل منه، كلمة، نظرة، حتى تنهيدة، لكنه كان ساكت، وسكوته كان بيقتلها أكتر من أي حاجة.
أسماء مسكت إيدها بحماس وقالت:
– أيوة يا حبيبتي، حامل! يعني العيل اللي كنا بنهزر ونقول هتسميه إيه بقى حقيقي!
بعد لحظات، الكل بدأ يخرج من الأوضة، أسماء بصتلها بعيون مليانة قلق قبل ما تسيبها، قالت لها خلي بالك من نفسك ولو عزتي حاجه رني عليا على طول. عبد الحق وبطه خرجوا ووراهم الدكتور، وساد الصمت جو المكان...
فضل أركان واقف عند الباب، ضهره ليها، مش بيتحرك. كانت بتسمع صوت أنفاسه، كان تقيل، متلخبط... زيها بالظبط. بصت له، كانت مستنياه يتكلم، يقول أي حاجة، بس هو كان ثابت، كأنه مش عارف يبدأ منين.
ليلى بصوت ضعيف، فيه رجفة خفيفة:
– مش هتقول حاجة؟
فضل أركان واقف، عنيه ثابتة عليها، ملامحه مش بتتحرك، لكنه كان حاسس بصراع جواه بيكسر كل الحواجز اللي بناها حوالي نفسه. لف ضهره، كأنه بيهرب من أي حاجة ممكن تضعفه، وقال بصوت ثابت، لكن مليان جمود:
– إنتِ كده هتبقي عَقبة، لازم تخرجي من المهمة.
ليلى كانت بتبص له بدموع، مش مصدقة الكلام اللي بتسمعه، إحساسها بالقهر كان بيزيد مع كل ثانية بتمر. بصوت مهزوز، لكنها بتحاول تتمسك بنفسها، قالت:
– هو ده اللي انت بتفكر فيه؟ أنا بقولك أنا حامل... أنا مش في المهمة دلوقتي، أنا فيّا... فيك... فينا!
أركان شدّ نَفَسه، حبس أي إحساس ممكن يضعفه، وقال ببرود قاتل:
– ما كانش فيه "أنا وإنتِ" من الأول... وما ينفعش يبقى فيه! المهمة أهم مني ومنك.
ليلى سابت دموعها تنزل وهي بتحط إيديها على بطنها بحركة لا إرادية، كأنها بتحمي اللي جواها، وبصوت منكسر، همست:
– وأهم من اللي في بطني كمان؟
كلمة خبطت في قلبه بقوة، لكنه ما سمحش لنفسه يبُصّ لها... أو يظهر إنه تأثر قرب من الباب بصوت حاسم قال:
– هتصل بعدلي، هو اللي هيقرر... إذا كنتِ هتكملي في المهمة، ولا هتخرجي منها.
وسابها وخرج... بس وهو بيقفل الباب، ما كانش عارف إذا كان بيقفل الباب عليها، ولا على نفسه.
أركان ، ماسك التليفون بإحكام، صوته كان ثابت، لكنه من جواه متلخبط، مش عارف حتى هو بيحس بإيه وهو بيقول الكلمتين دول:
– ليلى حامل.
عدلي على الناحية التانية، صمت لثواني، كأن الكلام كان صدمة ليه. وبعدين بصوت حاسم قال:
– وإنت شايف إن ده معناه إيه؟
أركان، وهو بيحاول يحافظ على بروده رغم الغليان اللي جواه:
– معناه إنها بقت عقبة، ودي حاجة خطر على المهمة، لازم تخرج.
عدلي كان متوقع الكلام ده، لكنه قال بهدوء محسوب:
– ما ينفعش، لو خرجت هتشكّك الناس فيك، وبعدين، هي بقت جزء أساسي من التمويه... وجودها معاك عامل تغطية مثالية، وخروجها فجأة هيخليك مشكوك فيه.
أركان انفجر أخيرًا، بصوت متوتر رغم إنه كان بيحاول يسيطر على نفسه:
– في صالحنا إزاي؟ لو حصل لها حاجة؟ لو اتكشفنا؟ لو أنا لوحدي، هعرف أتصرف، لكن كده... هي حمل عليا، مش حماية.
عدلي، بصوت هادي لكنه مليان بمعنى عميق:
– أنا عارف ابني كويس... بيعرف يحمي نفسه، وأي حد بيحبه.
أركان شد نَفَسه بعنف، كأن الكلام ضربه في مقتل، وهتف وهو بينكر بشراسة أكتر من اللازم:
– حب مين؟ أنا مش بحب غير يارا!
عدلي ابتسم بسخرية، وكأنه شاف اللي أركان نفسه مش قادر يشوفه، وقال بحزم:
– خلاص، بما إني الرئيس هنا، قراري النهائي... ليلى هتفضل في المهمة.
أركان كان لسه هيرد، لكن فجأة صوت خبط الباب اتفتح، ليلى كانت واقفة، عنيها حمرا من الغضب، لكنها كانت ثابتة، سمعت كل حاجة. تقدمت ناحيته، بصوت مليان وجع، لكن قوي، قالت:
– أنا مش عايزة حمايتك، ولا محتاجاها... أنا هعرف أحمي نفسي، واللي في بطني ده ابني، أنا المسؤولة عنه. إنت مالكش دعوة بيه، ولما المهمة دي تخلص، هو هيبقى معايا أنا... مش هتقدر تاخده مني ولا حتى تقرب له. أنا هحمي نفسي... وهحميه كويس.
فضل أركان واقف مكانه، مش عارف يرد، ولا حتى يفكر... لأول مرة في حياته، حس إنه فقد السيطرة، لأول مرة حد بيتكلم معاه بالنبرة دي... والأصعب إن قلبه هو اللي وجعه مش كرامته.
أما ليلى، فخرجت، رفعت راسها، وقررت إنها خلاص، مش هتسمح لأركان أو لأي حد يحسسها إنها ضعيفة... حتى لو كان قلبها بيتقطع.
في الجانب الآخر – مكتب عدلي
عمر بضحك: "قلت له متأكد إن الجواز ده على ورق بس؟" شوح بإيده وقال: "بلاش هزار يا عمر، اديه هيرجع وابنه في إيده."
فريده بصدمه: "مين اللي هيرجع وابنه في إيده؟ انطق يا عدلي!"
عدلي بحرج: "ليلى حامل."
سكتت القاعة لحظات، وكأن الزمن وقف، قبل ما فريده تنفجر: "إنت بتقول إيه؟! مش المهمة دي كانت على ورق؟ إزاي يحصل كده؟!"
عدلي  بحرج: "هو أنا هروح اساله ازاي ده حصل ؟!أكيد غلطة."
فريده بصوت عالي مليان غضب: "وبتقول غلطة عادي كده؟! إنت بوظت حياة ابني! بقى أركان يبقى أب من واحدة زي دي؟ بالشكل ده؟!"
سحببت نفس عميق وهي بتكمل بحدة: "طب سيبك من كل ده... إفرض حصل للي في بطنها حاجة؟!"
عمر دخل بينهم بسرعة وهو بيحاول يهدّي الجو: "يا فريده، كل حاجة هتتحل، مفيش مشاكل، أنتي عارفه إن أي حاجة فيها أركان بتنجح من غير ولا غلطة."
فريد بسخرية لاذعة: "وبالنسبة للغلطه دي؟"
عمر بحرج : "ممكن... متبقاش غلطة."
فريدة بصوت متحشرج من الصدمة وهي بتحط إيديها على رأسها: "دي مصيبة أكبر بكتير! مصيبة يا عدلي!"
عدلي سكت وهو بيحاول يلاقي مخرج للوضع، لكن فريدة ما سكتتش وكملت وهي بتبص له بغضب: "وهتقول اي؟! لأخوك؟! لمرات أخوك؟! هتقول لبنت أخوك يارا؟! البنت المسكينة اللي بتحب أركان ولسه عندها أمل إنه يرجع لها؟!"
عدلي حرك إيده بعصبية: "الموضوع معقد، بس لازم نتصرف بحكمة."
فريدة بصوت عالي وهي بتحس إنها خلاص مش قادرة تستوعب: "البنت يا روحي عليها! النهارده كانت بتقول لي إنها عايزة تعمل فرحها على البحر وتسافر المالديف!"
عمر بيحاول يخفف التوتر: " أنا فاهم إن الصدمة كبيرة، بس لازم نفكر في حل منطقي، الموضوع حصل وخلاص."
فريدة لمت نفسها بيديها وهي بتحاول تهدي، لكن صوتها طلع مختنق: " أركان اتربى إنه يكون قوي، وإنه يركز في مهماته، مش يتجر ورا مشاعر ولا ورا بنت زي دي!"
عدلي بحسم: "الموضوع بقى واقع، وأركان لازم يواجهه، وهو اللي هياخد قراره بنفسه، المهم دلوقتي إنه يكمل المهمة "
فريدة بصت له نظرة كلها قهر: "يارا مش هتتحمل الصدمة دي، وأركان نفسه مش هيبقى عارف يتصرف، أنا ابني هيضيع يا عدلي وانت كل اللى همك المهمه!"
عدلي خد نفس عميق، وهو عارف إن دي مجرد بداية عاصفة مشاعر أكبر بكتير، ولسه اللي جاي أصعب.
ــــــــــــ$ـــــــــــ
دخلت أم سعاد أوضة ليلى بابتسامة طيبة، وهي بتمد إيديها تبارك ليها. قعدت جنبها على السرير، وحطت إيدها على كتفها بحنية:
"ربنا يتمم لك على خير يا بنتي... كنتِ زي بنتي، ودلوقتي هتبقي أم، سبحان الله."
ليلى ابتسمت بخجل، حاسة بدفء في كلام أم سعاد، ولأول مرة تحس إن اللي جواها مش مجرد طفل، ده بقى حقيقة بجد، حياة جديدة هتيجي بسببها.
لكن وسط الكلام، لاحظت إن محروس واقف على باب الأوضة، متردد يدخل، بيبص لجوا بخجل واضح.
ليلى باستغراب: "هو إيه حكاية محروس؟"
أم سعاد بتنهد: "يا عيني عليه... لا هو اللي عاقل ولا هو اللي مجنون، لا هو اللي كبير ولا هو اللي صغير... الحكاية مش سهلة عليه، زمان حد قتل أمه وأبوه، وولع فيهم قدام عينيه وهو طفل صغير، والحاج صلاح الله يكرمه جابه هنا ورباه."
ليلى حست بغصة في قلبها، بصت ناحيته بحنان، قامت من مكانها ومدت له إيدها:
"تعالى يا محروس، ادخل."
محروس بص لها زي الطفل، متردد، وبعد لحظة سأل بصوت خافت:
"انتي زعلانة مني؟"
ليلى هزت راسها بسرعة: "لااا، انت جميل أوي يا محروس، وشاطر كمان، مش انت اللي رحت وقلت لـ سعيد مكاني عشان يلحقني؟"
وغمزت له بمزاح: "أوعى تقول لحد بقى."
محروس بسرعة حط إيده على بقه كأنه سوستة مقفولة، وهز راسه بحماس
"مش هقول خالص! وانتي كمان متقوليش عشان مروان ميضربنيش."
ليلى طبطبت على دراعه بحنية وهمست له بصوت واطي:
"مش هقول، ولو أي حد زعلك أو فكر يقرب منك... روح لسعيد، هو بطل وهينقذك."
محروس بصوت مليان حماس وهو بيصقف:
"سعيد بطل!"
ليلى ابتسمت بصدق، وبعدين قالت له وهي بتشاور له يدخل:
"يلا، انت كالت ولا أعمل لك أكل؟"
محروس بسرعة: "لاااا، أنا مش جاي عشان الأكل، أنا جاي أشوف النونو وأقول لك مبروك زي خالتي أم سعاد!"
ضحكت ليلى من قلبها، وحطت إيدها على بطنها، وقالت له وهي بتحاول تمسك ضحكتها:
"بس النونو لسه جوه!"
محروس بص لها بصدمة:
"إنتي كلتيه؟!"
ليلى وقعت في الأرض من كتر الضحك، دموع نزلت من عينيها وهي مش قادرة توقف. كانت لحظة بريئة، وسط كل اللي بيحصل، لحظة حقيقية، ضحكة طالعة من قلبها بجد لأول مرة من زمان.
أركان كان واقف بعيد، شايفها، شايف ضحكتها اللي من القلب، شايف الجمال الحقيقي فيها وهو بيظهر لما تضحك بصدق.
قلبه خفق... مش عارف ليه، مش عارف إزاي، لكن كان عاجز عن إنه يشيل عينه من عليها.
ـــــــــ$ــــــــ
غرفة ليلى –واركان 
كانت قاعدة على السرير، ضامة إيديها على بطنها، تحاول تستوعب الإحساس الجديد اللي اجتاحها. لأول مرة تحس إن العالم كله اتغير، إن جواها حاجة أكبر من أي خوف وأي وجع... إحساس الأمومة.
دمها كان بيسري فيه إحساس جديد، خليط بين الفرحة والرهبة. خايفة عليه، فرحانة بيه، مش مصدقة إنها بقت مسؤولة عن حياة تانية غير حياتها. نعمة من ربنا، هدية جات لها في وقت مكنتش متوقعة فيه حاجة غير الألم.
عينيها دمعت وهي تفكر... هو منه، من أركان، حتى لو هو مش فارق معاه، حتى لو بيحاول يتجاهل الحقيقة، هي فارقة معاها، فارقة لدرجة إنها مستعدة تواجه الدنيا عشانه.
مش هتحتاج منه حاجة، مش هتطلب منه حاجة، مش هتتعلق بأمل مش موجود... لكنها هتشيله في عينيها، هتحميه، هتخبيه في قلبها بعيد عن أي وجع.
كانت لسه قاعدة على السرير، إيديها ملفوفة حوالين بطنها، مغمضة عينيها كأنها بتحاول تحمي اللي جواها حتى من أفكارها. العالم كله اتغير، هي نفسها مش نفس الشخص اللي دخل المهمة دي... بقت أم، ومسؤولة عن حياة مش بس حياتها.
الباب اتفتح بهدوء، وصوت خطواته كان تقيل على الأرضية. رفعت عينيها، لاقته واقف قدامها، ماسك صينية فيها أكل. مشهد غريب، عمرها ما توقعت تشوفه. أركان؟ جايب لها أكل؟
بصتلُه بترقب، وهو كان بيهرب من عينيها، مش قادر يواجهها، ولا حتى يواجه نفسه.
مد الصينية قدامها من غير ما يتكلم، وكأنه بينفذ أمر مش بإيده. كان جوه حاجة بتجبره يعمل كده، يمكن إحساس بالمسؤولية، يمكن ذرة اهتمام هو مش قادر يعترف بيها، يمكن... تعلق غريب باللي في بطنها.
قعدت تبص له لحظة، بعدين بصت للصينية وقالت بهدوء:
"مين اللي قالك تجيب الأكل؟"
شد نفسه، وقال بصوت جامد:
"محدش قال لي... بس لازم تاكلي."
رفعت حواجبها بسخرية:
"أنت اللي شايف كده؟ ولا حد أمرك تهتم بيا غصب عنك؟"
سكت لحظة، وشه متحجر زي العادة، بس عينيه كان فيها حاجة غريبة، حاجة مختلفة، وكأن في عاصفة شغالة جواه وهو مش قادر يوقفها.
وأخيرًا نطق، بصوت منخفض لكنه واضح:
"مش عارف... بس اللي عارفه إن اللي في بطنك يخصني... ومش هسيب حاجة تأذيه."
كأن الكلام نزل عليها زي صدمة كهربية، حست إن في حاجة جوها اتهزت. مش بيقول إنه بيحبها، مش بيقول إنه مهتم بيها هي، بس بيحاول يحمي اللي في بطنها، اللي بقى جزء منه.
نزلت عينيها على الصينية، وبهدوء مسكت المعلقة وبدأت تاكل. ما علقتش، ما اعترضتش... لكن جوها كانت حاسة إن كل حاجة بينهم لسه في البداية، وإن المواجهة الحقيقية لسه جاية.
----------&----------
في قلب الفيلا، كانت الأجواء مشحونة بعد الخبر اللي نزل عليهم زي الصاعقة – ليلى حامل.
كل واحد كان عنده ردة فعل مختلفة، وكل واحد كان شايل في قلبه حاجة غير التاني.
مروان كان قاعد في ركن بعيد، وشه ما بيبانش عليه أي تعبير، لكن جواه نار مولعة.
هتروحي مني فين يا ليلى... مش هسيبك حتى لو بقيتي حامل، برده هتبقي ليا في الآخر.
نسرين كانت قاعدة بتقلب في التليفون، لكن عقلها كان بعيد، بعيد جدًا...
إزاي؟ إزاي تبقى واحدة غيري حامل من سعيد؟ إزاي بقى بتاع حد تاني؟
نوال بملل وهي بتحرك الشاي في الكوباية:
"إحنا مبقناش ورانا غير سعيد وهنيّة؟! ما ييجوا يعيشوا بدلنا هنا وخلاص."
صفية بابتسامة هادية وهي بترفع حاجبها:
"ناس لذيذة، فربنا كرمهم ومفرحهم."
صباح بضحكة ساخرة وهي تبص عليهم بعوجة بق:
"وانتوا؟ امتي اللي هتفرحونا بقا؟"
صفية ورغدة بصوا لبعض بنظرة معناها واحد: يا رب ما يحصل!
ــــــــــــــ&ــــــــــــــ
ليلى كانت قاعدة على السرير، ماسكة الموبايل في إيدها . قلبها كان بيدق بسرعة، مش عارفة تبدأ المكالمة إزاي. خدت نفس عميق، وقررت تتصل.
فوزية ردت بسرعة، كأنها كانت مستنياها:
فوزية بلهفة: ليلى! إنتي فين يا بنتي؟ أخبارك إيه؟ وحشتيني قوي، بقالي كتير مسمعتش صوتك!
ليلى بابتسامة : معلش يا ماما، الشغل واخدني، وإنتي عارفة أركان دايمًا مشغول وأنا معاه.
فوزية بحزن: طب ما كنتِ تكلميني حتى، أنا بقالي كتير قوي نفسي أشوفك، بس كل مرة بتقولي مش فاضية!
ليلى بحنان ودموع: حقك عليا يا ماما، بس أقسم لك إني كنت عايزة أكلمك واظن ان ما فيش وقت مناسب اكتر من دلوقتي
فوزية بقلق: ليلى، مالك؟ فيكي حاجة؟ صوتك متغير!
ليلى وهي بتحاول تسيطر على دموعها: ماما... أنا حامل.
لحظة صمت، فوزية ما استوعبتش في الأول. بعدين صوتها خرج كله فرحة ودهشة:
فوزية بفرحة: إيه؟؟ حامل؟! بجد يا ليلى؟! يا بنتي يا حبيبتي، أنا مش مصدقة!

ليلى ضحكت والدموع نزلت على خدها: بجد يا ماما، هتكوني تيتة قريب.
فجأة، فوزية دموعها نزلت من غير ما تحس، كانت فرحانة اوي بنتها الصغيره اللي كانت بتجري في الشارع بشعرها المنكوش وبتعيط لما تقع، خلاص هتبقى أم؟ الزمن جري بسرعة كده؟
فوزية وهي صوتها بيرتعش من الفرحة: يانهار ابيض يا ليلى، أنا هبقى تيتة تاني! ربنا يفرح قلبك يا بنتي، دا أحلى خبر سمعته في حياتي! طب إنتي كويسة؟ بتاكلي كويس؟ أركان بيهتم بيكي؟
ليلى وهي بتبلع ريقها: أنا كويسة يا ماما، متقلقيش، كله تمام.
فوزية بحماس: طب أنا عايزة أشوفك! لازم تيجي لي، نفسي ألمسك وأحط إيدي على بطنك، وأحس بالنونو!
ليلى وهي بتحاول تخبي قلقها: قريب يا ماما، أوعدك.
فوزية بحنية: ربنا يحفظك إنتي والنونو يا روحي، ويخلي لك أركان، ويهديه كده ويراعيك.
ليلى وهي بتحاول تمسك دموعها: آمين يا ماما، بحبك قوي.
فوزية بحب: وأنا كمان يا بنتي، روحي في حفظ الله، وخلي بالك من نفسك ومن اللي في بطنك.
المكالمة انتهت، ودموع ليلى كانت نازلة بهدوء، قلبها كان دافي بكلام أمها، بس في نفس الوقت، كان فيه حاجة تقيلة على روحها... الحاجة اللي مخبياها عنها، وإنها مش قادرة تروح لها وتترمي في حضنها زي زمان.
أركان دخل الأوضة وهو شايف ليلى ماسحة دموعها بسرعة، كأنها مش عايزة تبين له إنها كانت بتعيط. بص لها باستغراب، وهي قامت بسرعة كأنها بتحاول تهرب.
أركان وهو بيحط إيده في جيبه ببرود:
رايحة فين؟
ليلى وهي بتحاول تتظاهر بالهدوء:
رايحة الفيلا، ورايا شغل لازم أخلصه.
أركان عقد حواجبه وقال بجملة حاسمة:
لا، مش هتروحي.
ليلى بصت له بعدم تصديق:
إيه؟ انت بتقول إيه؟ إزاي يعني مش هروح؟
أركان بص لها بجدية:
عشان اللي في بطنك، مش هينفع تشتغلي.
ليلى رفعت حاجبها بتحدي:
والشغل الحقيقي اللي احنا جينا هنا عشانه؟ أركان، دي الطريقة الوحيدة اللي بحاول أعرف بيها هما بيعملوا إيه.
أركان بص لها بحدة:
أنا بقيت وسطهم خلاص، وعارف كل حاجة، انتي مش محتاجة تتسنطي عليهم ولا تعرضي نفسك للخطر.
ليلى بجدية:
برده مش هينفع، أنا مش جاية هنا أقعد، أنا هكون في الفيلا جوا، مش هسيب المهمة في نصها.
أركان بعصبية وهو بيقرب منها، صوته كان حاد وهو بيحاول يسيطر على انفعاله:
قولت لا.
ليلى رفعت رأسها بتحدي، وبصت له بثبات:
وأنا قولت آه، انت مش هتمشي عليا وتقولي أعمل إيه وماعملش إيه.
أركان وهو بيضيق عينه وبيقرب أكتر، صوته بقى أخطر وهو بيضغط على كلماته:
لو حد غيرك اللي قال الكلمتين دول، كنت خليته يختفي من على وش الدنيا.
أركان كان واقف قدامها، ملامحه جامدة وصوته حاسم، مش عايز يفتح مجال للنقاش. بس ليلى كانت عنيدة، وعارفة إنها لازم تلعب صح عشان تكسب المعركة دي.
ليلى بلعت ريقها، بس قررت تستميله بطريقتها وتحاول تخفف التوتر بصوت هادي:
طب خلاص، خلينا نمسك العصابة من النص.
أركان ضيق عينيه وهو بيبص لها، عارف إنها بتحاول تناور.
ليلى بسرعة قبل ما يرد نطقت بصوت هادي وعيون بتلمع بدهاء :
هقف معاهم في المطبخ بس، مش هعمل حاجة تانية، والله. وبعدين، الطبيخ مش تعب، وصابر والكل بيساعد، يعني اعتبرني قاعدة بس.
رفعت عيونها له بنظرة حالمة وكملت بصوت أهدى:
على الأقل، أحس إني ليا فايدة، وأكيد مش هنبوظ كل اللي عملناه.
أركان كان لسه واقف بصمته المريب، كأنه بيحاول يحلل كل حرف قالته، وده خلّاها تاخد خطوة أقرب، تبص له بنظرة كلها رجاء، بنبرة أضعف شوية:
عشان خطري... سبني.
حاول يخفي تأثيرها عليه، بس عقله كان بيحارب قلبه. عارف إنها مش هتستسلم، وإنه مهما حاول يسيطر، ليلى كانت دايمًا بتلاقي ثغرة تدخله منها.
زفر بضيق، وعينيه سابت عيونها للحظة، كأنه بيقاوم الاستسلام، قبل ما يرجع يبصلها أخيرًا ويقول بجملة مختصرة:
لو حسيت بأي خطر، هتخرجي فورًا، فاهمة؟
ليلى بابتسامة صغيرة منتصرة:
فاهمة.
بس هي كانت عارفة إن ده مجرد إذن مؤقت... وإن المعركة الحقيقية لسه قدام.
ـــــــــ$ـــــــــ
ليلى دخلت الفيلا بخطوات واثقة، بس قبل ما تاخد نفسها، لقت أسماء قدامها بتشهق وتحط إيدها على وسطها كأنها واقفة على باب التحقيق.
أسماء باندهاش وهي ترفع حاجبها:
إنتي جاية تعملي إيه هنا؟ أوعي يكون اللي في بالي! أنا رفدتك، مفيش شغل ليكي هنا!
ليلى ضحكت وهي تهز راسها بسخرية:
هو كل اللي هيشوف وشي النهارده هيقول لي مفيش شغل؟
أسماء بغمزة :
إيوا، يا سعيد يا جامد، هو كمان قالك ولا إيه؟
ليلى تنهدت وهي ترفع إيديها باستسلام:
فريحي نفسك، عشان أنا مش قادرة أقنع حد تاني!
أسماء بترفع حاجبها بشك:
أقنعتيه بإيه؟
ليلى بابتسامة مطمئنة وهي ترفع إيديها قدامها:
متخافيش، هشتغل في المطبخ، وشغل المطبخ خفيف.
أسماء وهي مسكت دراع ليلى وحطته تحت دراعها كأنها بتاخدها تحت جناحها وسحبتها بخفة وقالت بحزم..."
:
رجلي على رجلك لما أتأكد إنه شغل خفيف ولا لا، أنا مش هضحي ببنت أختي!
 وهي تضحك وتسحبها معاها لجوا:
روح خالتك من جوا!
أسماء وهي تهمس بحماس وهي بتبص على بطنها:
صح، عايزين نعرف هو ولد ولا بنت؟
ليلى بضحك وهي تهز رأسها:
مش هيبان دلوقتي يا مجنونة!
أسماء وهي تهز كتفها بإحباط مصطنع:
إحنا مستعجلين، عايزين نحدد الاسم من دلوقتي!
ليلى ضحكت وهي تمسك بطنها بحنية، وأسماء كانت فرحانة بيها رغم كل قلقها، المهم إنها معاها، وهتفضل جنبها مهما حصل.
ــــــــــــ&ـــــــــــ
صلاح قاعد على مكتبه، صلاح قاعد بهدوء بيشرب سيجاره وبيلعب بالخاتم الدهبي في إيده، بينما عبد الحق واقف مستني أوامره.
صلاح: عبد الحق، سعيد طلع دماغه حلوة أوي، بيشتغل بمخه قبل إيده، ودي ميزة. مفيش حاجة طلبتها منه إلا وخلصها مظبوط، وعقله سابق خطوتين.
عبد الحق (بيهز راسه باحترام): مظبوط يا باشا، الراجل بيفكر بره الصندوق، ودي حاجة إحنا محتاجينها في الشغلانة دي.
صلاح (بهدوء مخيف وهو بينفخ الدخان): بس لسه مش قادر أديله الثقة الكاملة… مش لدرجة إنه يبقى دراعي اليمين.
عبد الحق (متفاجئ): ليه بس يا باشا؟
صلاح (بيبتسم بس عنيه باردة): لإنه لسه ما اتوسخش بجد… لسه ما شافش الدم بعينه.
عبد الحق (بيرفع حواجبه): تقصد إيه؟
صلاح (بهدوء مرعب): اختبار صغير… نشوف لو قلبه جامد فعلاً ولا مجرد دماغ شغالة.
عبد الحق: عاوزه يعمل إيه؟
صلاح (بابتسامة خفيفة وهو بيولع سيجارة جديدة): عندي عيل غبي اسمه كريم، سرق شوية فلوس، واتجرأ يكدب عليا… سعيد هو اللي هينهيه. قدامي. ولو تردد، يبقى ولا حاجة.
عبد الحق (بيبتسم بسخرية): طب لو رفض؟
صلاح (ببرود): يبقى ما يستاهلش يكون وسطنا… وساعتها هيتشال مع كريم.
google-playkhamsatmostaqltradent