رواية زواج في الظل الفصل التاسع عشر 19 - بقلم ياسمين عطيه
الكاتبه ياسمين عطيه
البارت ال ١٩
زواج في الظل
الجو في المخزن كان خانق، ريحة الزيت المحروق والسجائر مالية المكان، والإضاءة الخافتة زادت التوتر. صلاح كان قاعد على كرسيه، بيشرب سيجارته بهدوء، وصوابع إيده بتلعب بالخاتم الدهبي. عبد الحق واقف وراه، عينه على المشهد اللي قدامه، وكأنه مستني اللحظة الحاسمة.
في النص، كريم كان مربوط في كرسي، وشه مليان جروح من الضرب، عيونه بتلمع بخوف وهو بيبص حواليه، كأنه بيحاول يلاقي أي فرصة نجاة. وقدامه، كان أركان واقف، ماسك مس*دس بإيده، وشه متحجر.
صلاح (بهدوء مرعب وهو بينفخ الدخان):
يلا يا سعيد... خلصنا.
أركان مسك المس*دس بقوة، رفعه في مستوى رأس كريم،
كريم (بصوت متقطع وهو بيحاول يستعطفه):
سعيد... أنت مش زيهم، أنا غلطت... بس مش مستاهل أموت انا أب بردك عيالي يعيشوا من غيري وانت كمان خلاص هتبقي اب عشان خاطر ابنك اللى لسه جاي بلاش؟
صلاح مالت راسه وهو بيتابع أركان، كأنه بيتفرج على عرض ممتع. عبد الحق واقف جنبه، ابتسامة ساخرة على وشه، مستني يشوف أركان هيعمل إيه.
عبد الحق (بهدوء مستفز):
إيه يا بطل؟ خايف توسخ إيدك؟
أركان عينه جت في عين كريم، شاف الخوف في ملامحه، ضغط على الزناد، والطلقة خرجت بصوت هز المكان.
كريم وقع قدامه، جسمه تهدّ، الد*م سال على الأرض. المكان كله سكت، حتى صلاح ساب السيجارة على الطفاية وهو بيبص لأركان بنظرة فاحصة.
أركان ثابت، مافيش أي رد فعل، بسرعة حط المسدس في جرابه، وبص لصلاح مباشرة، كأنه بيقول له "خلصت المهمة، إيه الخطوة الجاية؟".
صلاح (بابتسامة خفيفة وهو بيهز راسه):
مبسوط منك، يا سعيد… دلوقتي بس، أقدر أقول إنك بقيت واحد مننا.
عبد الحق بص لأركان بنظرة فيها مزيج من الإعجاب والتحدي، وبعدها ابتسم بخبث وقال:
عبد الحق:
شكلك طلع قلبك جامد بجد... ما توقعتش!
أركان مردش، بس في عينه كان في ظلام جديد، حاجة ما كانتش موجودة قبل كده. كان عارف إنه لسه في وسط اللعبة،
ــــــــــــــ&ــــــــــــ
المخزن كان فاضي، ريحة البارود لسه مالية المكان، والأرض مليانة بقايا دم كريم.
أول ما صلاح وعبد الحق خرجوا، أركان جري بسرعة ناحية كريم، شاله بحذر رغم وزنه، وحطه في العربية اللي كان مجهزها مسبقًا.
لف بسرعة بعربيته، شاف عربية تانية متوقفة على بعد خطوات، عدلي كان مجهز كل حاجة، نزل بسرعة، فتح الباب الخلفي، شال كريم اللي كان فقد وعيه بسبب الصدمة، وحطه جوه العربية الجديدة، وبعدها رجع بسرعة لعربيته وتحرك تجاه الفيلا، كأنه بيرجع عادي بعد تنفيذ المهمة.
وأثناء ما هو ماشي، تليفونه رن...
عدلي (بهدوء ورضا):
برافو عليك يا ابني، خطة عشرة على عشرة... أنا مبسوط منك.
أركان بص في مرايته الجانبية، شاف العربية اللي فيها كريم وهي بتتحرك في الاتجاه العكسي، وكأنها بتختفي في الظلام. عيناه ثبتت للحظة، عارف إنه نجح في خداع صلاح، بس الخطر لسه ما انتهاش.
أركان (بصوت حاد):
لازم يختفي يا بابا، ميبانش، لو ظهر مش أنا بس اللي في خطر...
عدلي (بهدوء وهو فاهم القصد):
متقلقش، هتعامل معاه بالطريقة الصح.
في اللحظة دي، رجع أركان بفلاش باك... افتكر اللي حصل قبلها بساعات.
(فلاش باك )
أركان كان واقف في الاوضه، فجأة شاف ليلى جاية تجري عليه بسرعة، ملامحها مشدودة، وعيونها مليانة خوف.
قلبه انقبض، مش بسبب الموقف، لكن بسبب إحساسه الغريب تجاهها، الحاجة اللي رافض يعترف بيها. رغم كده، غطى خوفه ببرود متقن.
أركان (بحدة وهو بيحاول يخفي قلقه):
إنتي مجنونة بتجري كده ليه؟! إنتي حامل!
ليلى (بتنفس متقطع):
هيطلبوا منك تقتل واحد اسمه كريم... عشان تكسب ثقت صلاح.
أركان (، عيونه ضاقت):
عرفتي الكلام ده منين؟
ليلى (بسرعة):
كنت رايحة أودي لهم القهوة في المكتب، سمعتهم قبل ما أخبط.
أركان (بتركيز ):
حد شافك؟
ليلى (بتحاول تهدى نفسها):
لأ، خليت محروس هو اللي يدخل القهوة عشان ميشكوش إني سمعت... المهم، إنت هتعمل إيه؟
أركان ما ردش، مسك تليفونه بسرعة، واتصل بعدلي.
أركان (بصوت حاسم وهو بيبص حواليه):
بابا، عايزك تنقذ واحد اسمه كريم. الراجل ده عنده ابن ومراته، أنا عارف مكان بيته... لازم تروحلهم بنفسك، تفهمه إنك هتنقذه، وتخليه يلبس كيس دم مكان القلب.
عدلي (باهتمام):
وإنت هتعمل إيه؟
أركان (بتركيز وهو بيحدد خطته):
أنا هكون معايا مسدس صوت بس، وهضرب طلقة وهمية عشان صلاح يقتنع إني قتلته. بعد ما نخرج من المخزن، هحطه في عربيه تكون بتراقبني، قريبة من المكان اللي هنكون فيه. بعد كده لازم يختفي نهائي.
عدلي (بحزم):
تمام، سيبها عليا.
(نهاية الفلاش باك – عودة للحاضر)
ــــــــــ
أركان دخل الاوضه
ليلي قاعدة على السرير، ضامة رجليها ليها، وعنيها عليه أول ما دخل، كأنها كانت مستنياه. كان واضح إنها قلقانة وخايفه عليه، وشكلها كأنها مش عارفة تقول إيه.
ليلى (بصوت هادي لكنه مليان توتر):
إنت كويس؟
أركان (بجمود وهو بيقلع الجلابيه ويرميه على جنب صوته كان بارد):
تمام.
فضلت ساكتة للحظة، وبعدين قامت ووقفت قدامه، إيديها كانت متشابكة وكأنها بتحاول تهدي نفسها.
كانت عارفة إنه مش بيقول كل حاجة، وإنه مش عايز يدخل في تفاصيل، بس قلبها كان بيقول لها حاجة تانية، حاجة مش قادرة تتجاهلها.
ليلى (بصوت واطي وهي بتقرب منه):
احكي لي اي اللى حصل ...
أركان (بيقاطعها، صوته فيه حدة خفيفة):
ليلى، روحي نامي.
سكتت، لكن عنيها فضلت معلقة عليه، كأنها بتحاول تقرأ أي حاجة وراه الجمود ده.
ليلى (بهدوء لكنه مؤلم):
أنا هنا، لو احتجتني.
أركان بص لها للحظة، كأنه شايف فيها حاجة مش قادر يهرب منها، وبعدين لف وسابها ، رايح الجنينه وهو عارف إن الليل ده مش هيعدي بسهولة.
أركان كان قاعد ، الضلمة حوالينه كانت خفيفة، بس جوه عقله كان فيه دوشة مش قادرة تهدى. قلبه واجعه، ومخه مش قادر يستوعب اللي حصل.
إزاي؟ إزاي وصل لده؟
في واحدة حامل منه، ومش واحدة عادية... ليلى. البنت اللي ظهرت في حياته فجأة وقلبت كل حاجة. مش فاهم هو بيحس بإيه ناحيتها، مش قادر يحدد مشاعره، مش عارف ده حصل إزاي أو إزاي قرب منها بالشكل ده.
هو اللي عمره ما سمح لحد يتعدى حدوده... ليلى عملت اللي محدش قدر يعمله. احتلت كيانه كله، بقت جزء من يومه، من تفكيره، من نفسه حتى. بس ليه؟ ليه كده؟ وهو حتى مش بيحبها...؟
وهنا، قلبه اتشد، كأنه بيحذره من الكذبة دي. وعلقه عنفه ، رفض الاعتراف، هو محبش غير يارا، بنت عمه اللي كبر معاها، اللي كانت حياته كلها، اللي كان شايف نفسه معاها من البداية.
خانه؟
إزاي؟
إزاي صورتها اختفت من عقله في اللحظة دي؟ إزاي نسيها وهو مع ليلى؟ إحساسها هي لما تعرف اللي حصل...؟ هو اللي وعدها إن جوازه من ليلى مجرد ورقه، وعدها إنه راجع لها مهما حصل.
بس دلوقتي... ليلى حامل منه.
حتى لو قرر يكمل مع يارا، هل يارا هتقبل؟ بعد اللى عملوا وخيانته ليها؟
افتكر مكالمة أمه، صوتها كان تقيل عليه، وهي بتقوله:
"لو عايز يارا بجد، إلحقها قبل ما تضيع منك... لازم تعرف الحقيقة."
الحقيقة؟ الحقيقة إن ليلى حامل؟ الحقيقة إنه عدى الخطوط اللي كان شايفها مستحيل تعديها؟ الحقيقة إنه في لحظة واحدة، الدنيا كلها اتغيرت؟
وقف مكانه، عيناه ثابتة في الفراغ، وكأنه بيعيد الجملة في دماغه...
"ليلى حامل... غلطة؟"
هل فعلاً كانت غلطة؟ هل يقدر يتعامل مع اللي حصل كأنه مجرد خطأ وانتهى؟
مع انتهاء المهمة، كل حاجة هتنتهي بينهم؟!، وكل واحد هيرجع لحياته اللي شبهه، واللي مناسبة ليه.
هل فعلاً؟ هل يقدر يرجّع كل حاجة زي ما كانت؟ هل يقدر يبص في عيون ليلى ويقولها: "إحنا كنا مجرد مهمة"؟
ولا هو نفسه مش قادر يصدق الكذبة دي؟
أركان مسك تلفونه،ضرب رقم يارا… حاسس إنه داخل على لحظة هيغيّر فيها كل حاجة.
يارا ردّت بسرعة، بصوت اشتياق: "أركان… حبيبي، وحشتني أوي."
أركان سكت لحظة، كلامها وجعه أكتر، مكنش قادر يرد عليها بنفس الاشتياق، أخد نفس عميق وقال بصوت تقيل: "يارا، عايز أقولك حاجة."
يارا بقلق: "قول يا حبيبي، سامعاك."
أركان وهو بيحاول يجمّع كلماته: "أنا… غلط في حقك، غلطة لو انتي سمحتيني عليها، أنا مستحيل أسامح نفسي."
يارا حسّت بخوف غريب تسلل لقلبها: "إنت بتقول كده ليه؟ في إيه يا أركان؟"
أركان وهو بيحاول يجمع شجاعته: "يارا… ليلى حامل."
الدنيا اسودّت قدام عيني يارا، حست كأن حد ضربها في قلبها بقوة، مكنتش قادرة تلتقط نفسها، صوتها طلع مهزوز وهي بتحاول تستوعب: "إنت بتقول إيه؟ حامل؟ إزاي؟"
أركان وهو بيحاول يبرر، صوته كان مليان توتر وندم: "يارا، والله ما كنت قاصد، ولا فاهم ازاى دا حصل، كل حاجة حصلت بسرعة... كنت ضعيف، كنت خايف عليها في لحظة، وغلطت… بس ده ميغيّرش أي حاجة، أنا مبحبهاش، وعمري ما حبيت غيرك إنتِ!"
يارا ضحكت ضحكة كلها حُرقة، مزيج غريب من الحزن، والخذلان، والاستنكار. دموعها نزلت غصب عنها، لكنها ما حاولتش تمسحها.
يارا بصوت متكسر لكنه حاد: "طول عمرك ذكي جدًا، بتفهم الناس كلها، بتعرفهم أكتر ما هما يعرفوا نفسهم… إزاي مش فاهم نفسك ولا شايف إنك بتحبها؟"
كملت(بصوت مهزوز لكنه واثق، وعينيها مليانة وجع وصدمة): أركان… اللي أعرفه عمره ما يقرب من حاجة مش عايزها… ولا يوصل للنقطة دي إلا لو حب.
أركان (مش قادر يرد، نظره ثابت ، بس ملامحه متوترة، كأنه بيحاول يلاقي أي مبرر أو تفسير للى بتقوله).
يارا (بتكمل، صوتها بيوضح قناعتها بكلامها): أنا عارفاك كويس، عارفة إنك بتعرف تتحكم في نفسك… في قراراتك… في كل حاجة حواليك. حتى لو كنت شارب مخد*رات، حتى لو كنت مش في وعيك، كنت هتعرف تمنع نفسك عنها لو فعلًا مش بتحبها.
أركان شد نفس عميق، حاسس بجسمه بيتشنج، رافض حتى مجرد التفكير في كلامها، وقال بسرعة، وكأنه بيحاول يقنع نفسه قبل ما يقنعها: "قولت لك انا مش بحبها."
يارا هزّت راسها، ضحكة حُزن طلعت منها وهي بتبص للفراغ، وكأنها بتشوف حاجات هو مش قادر يشوفها: "مش لازم تعترف دلوقتي… هتعترف بعدين، هتعترف وهي شايلة ابنك، اللي حتة منك… واللي مش هتقدر تسيبه ولا تسيبها ."
أركان فتح بقه عشان يرد، عشان ينكر تاني، بس يارا سبقت كلماته، بصوت كله يقين ووجع: "أنا عارفة أركان اللي بحبه… وعارفة إن أركان عمره ما بيبعد عن اللي بيحبهم بجد."
الدنيا سكتت للحظة… أركان حس إنه حرفيًا مش قادر ياخد نفسه. لأول مرة، قلبه هو اللي بيتكلم، وهو مش عارف يسْكته.
أركان حس بجسمه بيتجمد، كأن الكلام اللي سمعه من يارا كان صدمة كهربا معدية لكل نقطة فيه. قلبه بيدق بسرعة، مش قادر يواجه الحقيقة اللي هي رمتها قدامه كأنها قنبلة فجّرت كل محاولاته للإنكار.
حلقه نشف، وطلع صوته بالكاد، ضعيف لأول مرة: "أنا… أنا مش…"
يارا قاطعته، صوتها بقى أهدى، لكنه مكسور بطريقة وجعته أكتر من أي حاجة تانية: "مش عارف تواجه نفسك؟ عادي… خد وقتك، بس أوعى تفتكر إنك هتقدر تهرب للأبد."
أصابعه كانت بيضة من قوة الضغط، حاسس بغضب، وندم، وخوف، ومشاعر ملخبطة مش عارف حتى يسميها. مش قادر يواجه الحقيقة اللي بتهد كل اللي كان فاكر إنه مؤمن بيه.
يارا كملت، بصوت مليان استسلام: "كنت دايمًا أقول إن أركان مستحيل يخوني… بس مشكلتي الحقيقية مش الخيانة… مشكلتي إنك حتى مش واخد بالك إنك بقيت شخص تاني، واحنا مستحيل نكون لبعض."
كملت بصوت مهزوزلكنه قوي: أنا مش مستنية منك اعتذار، ولا مستنية منك أسف… اللي متأكدة منه إن في يوم من الأيام هتيجي تقوله لي، بس وقتها هتكون معاها… ومع ابنك. يمكن ساعتها أسمحك، ويمكن لا… مش عارفة.
أخذت نفس عميق وكملت بوجع مكتوم: بس أنت عارف إن قلوبنا مش بإيدينا، والظاهر إن اللي حصل ده مكنش مجرد جواز في ظل مهمة زي ما كنت فاكرة… كان حاجة أكبر، حاجة لازم أخاف منها. مش اخاف إنك تتجوز غيري، ولا حتى اخاف من حتة ورقه… كان المفروض أخاف إن قلبك نفسه يكون لحد تاني.
ضحكت بمرارة وهي تمسح دموعها بسرعة: يمكن لو مكنتش سبتك ولا اتخليت عنك لحظة، كان الوضع اختلف… أو يمكن العيب مش فيا أصلاً، يمكن هي اللي شاطره اوي وعرفت تخليك تحبها او فعلا قلوبنا مش في ادينا!
أركان رفع عينه للسما، وكأنها هي اللي هتنقذه من الضياع اللي هو فيه.
يارا سكتت لحظة، وبعدها قالت الكلمة اللي حسها طلقة مباشرة في قلبه: "مع السلامه يا أركان بس المره دي سلام بجد."
قفلت الخط.
أركان بعد مكالمة يارا، قعد مش شايف حاجه… مش حاسس بحاجة غير دوشة دماغه اللي بقت أعلى من صوت الشارع نفسه.
”مش بحبها… مش ممكن أكون بحبها.”
قالها لنفسه بصوت واطي، كأنه بيحاول يقنع نفسه قبل ما يقنع حد تاني. كل حاجة حصلت كانت غلطة، مجرد ظروف فرضت نفسها… المهمة، التمثيل، الضعف اللي كان فيه، هي كانت قدامه… بس مفيش مشاعر. مشاعر إيه؟! عمره ما حب غير يارا.
شد نفس عميق، مسح وشه بإيده، لكن أفكاره ما سكتتش.
ليه أول ما بتبعد عنه بيحس إنه متضايق؟ ليه لما بتكون في خطر قلبه بيتشد كأنه هينخلع؟ وليه، لما بيشوف مروان، الغيرة بتاكل قلبه؟!
افتكر وهي بتجري عليه مرعوبة، ملامح وشها وهي خايفة عليه أكتر من نفسها، ضحكتها اللي بتطلع منه ردود أفعال مش بتاعته، حتى لما بتعصبه، حتى لما بيفكر فيها أكتر من اللازم…
اتنرفز، ضرب الحيطه بعصبية:
— "كفاية، أنا مش بحبها!"
لكن صدى كلماته جواه كان أضعف من إنه يصدقها…
شد نفس عميق ومسح وشه بإيده، كأنه بيحاول يمسح كل المشاعر اللي بدأت تطلع على السطح. "كل ده هينتهي مع انتهاء المهمة." قالها بصوت مسموع كأنه بيحاول يقنع نفسه قبل أي حد تاني.
قام وقف، مشي ناحيه الأوضة ، وبعدها رمَى نفسه على السرير
اول مشاف ليلى نايمه جنبوا على السرير اخد نفس عميق، بيحاول يقنع نفسه إنه اللي بينهم مجرد ظروف، وإنه مشاعره مش حقيقية، وإنه لما المهمة تخلص، كل واحد هيرجع لحياته الطبيعية، وكأن اللي حصل ما حصلش.
لكن قبل ما يغمض عينيه، بيبص ليلي نظره طويله قلبه هيضرب مرة واحدة، بس هينفض الفكرة من دماغه، ويجبر نفسه ينام، وهو مقتنع إنه خد القرار الصح.
لف على جنبه، شد الغطا بعصبية، وأجبر نفسه يغمض عيونه.
"كل حاجة هتنتهي قريب… كل حاجة."
لكن حتى وهو بيحاول ينام، كان حاسس إنه بيهرب من حاجة أكبر من إنه يواجهها دلوقتي.
في صباح يوم جديد على الجميع
في الصالون
قعدة كل أفراد العيله وصلاح قاعد على الكرسي الكبير بتاعه، بيشرب سيجاره، وعينه متسمرة على أركان اللي واقف قدامه بثبات. عبد الحق واقف جنبه، مستمتع بالمشهد. كريم (الشاب اللي كان المفروض يموت) اختفى من الصورة، وأركان نجح في إنه يكسب الاختبار بطريقة مقنعة.
صلاح (بنبرة إعجاب ممزوجة ببرود): سعيد… أنت عملت اللي عليك وزيادة… عجبني فيك إنك ما بتسألش، بتنهي المطلوب منك وخلاص. ده اللي محتاجه في الدراع اليمين بتاعي.
أركان (بهدوء مسيطر): أنا هنا عشان الشغل يا باشا، واللي تقول عليه بيتنفذ.
صلاح (بيضحك ضحكة خفيفة وبيبص لعبد الحق): سمعته؟ بيقول اللي أقول عليه بيتنفذ… دي جملة تعجبني.
عبد الحق (مبتسم وهو بيهز راسه): بيكمل معانا عِشرة عُمر، يا باشا.
صلاح (بصوت منخفض بس مسموع): بالظبط… بس العِشرة دي ليها تمن، وعشان نكملها، فيه خطوة أخيرة.
أركان (بيرفع حاجبه): خطوة زي إيه؟
صلاح (بهدوء قاتل): فيه شحنة سلاح هتدخل البلد بعد يومين… الشحنة دي محدش يعرف طريقها إلا ناس معدودة، وأنا عايزك أنت اللي تبقى مسؤول عنها. هتستلمها بنفسك، وتوصلها للمخزن… من غير ما يحصل غلطة.
عبد الحق (بخبث): يعني لو حصلت غلطة… يبقى أنت اللي تتحاسب، مش حد تاني.
أركان (وبيهز راسه بثقة): الشحنة هتوصل يا باشا.
صلاح (مبتسم بخبث): عظيم… بس عشان الشغل يمشي مظبوط، محتاجين نضمن إن اللي معانا فعلاً أهل للثقة. عايزك تاخد هنيه معاك في المشوار ده… ، لأن أي غلطه هتحصل…وهو بيبص ليه نظره معينه" لو حد فكر يخوني، تبقى الرقاب كلها تتصفي في وقت واحد ."
أركان حس بنار اشتعلت جواه، لكنه فضل محافظ على تعابير وشه الهادية.
بص لصلاح بثبات، كأنه بيدرس كلماته. كان فاهم كويس إن الموضوع مش مجرد اختبار، دي حركة مدروسة… صلاح مش بس عايز يضمن ولاءه، ده كمان بيحط ليلى تحت عينه، بيهدد بشكل غير مباشر.
أركان (بهدوء مخنوق): مفهوم يا باشا… ليلى هتكون معايا. أنا مقدرش أعترض على كلامك، بس أنت عارف هنية حامل في أول شهر… أي حاجة غلط ممكن تأذيها أو تأذي الطفل.
صلاح رمقه بنظرة باردة، سحب نفس طويل من السيجارة، ونفث الدخان ببطء قبل ما يبتسم بسخرية.
صلاح: حامل؟! وأنا مالي؟ ده يخليها أغلى عندك، يعني هتفكر ألف مرة قبل ما تعمل حاجة ضدي… مش كده؟
سعيد بهدوء متماسك: مقدرش اعمل حاجه ضدك يا حج
صلاح (بصوت منخفض بس حاسم): ومين قال لك إن الرحلة دي فيها خطر؟ إحنا بس هنروح نستلم شحنة… ولا أنت شايف إنك مش قد المسؤولية؟
أركان (بسرعة ): لا، أنا قد المسؤولية… بس…
عبد الحق (مقاطعه بابتسامة جانبية): بس إيه؟ خايف عليها؟! الحب مش موجود في شغلنتنا لو حابب تكمل بدل ما تنتهي قبل ما تبدا ارمي قلبك وعايلتك وراك
أركان حس بجملته زي الطعنة، سكت لحظة، وعينه اتعلقت بصلاح، كان عارف إن أي اعتراض زيادة ممكن يخليه يشك فيه أكتر. لازم يلاعبه بطريقته.
أركان (بهدوء مشوب بالحذر): أنا مش خايف، بس أنت بنفسك قولت مش عايز غلطه وهي لسه جديدة في حياتي، مش عايزها تغلط أو تشد الانتباه علينا.
صلاح (ضحك بخبث وهو بيهز رأسه): حجة مش بطالة… بس مش هتنفع. تاخدها معاك… ودي آخر كلمة.
أركان شد نفسه، فهم إن أي كلمة زيادة مش هتنفع، اضطر يهز رأسه بإذعان، وقلبه كان بيغلي.
" لازم ألاقي حل… بسرعة لازم ألاقي طريقة أحميها."
عبد الحق ابتسم وهو بيبص له نظرة كلها استمتاع باللعبة. صلاح سحب نفس عميق من السيجارة، ونفث الدخان ببطء وهو بيهز رأسه برضا.
صلاح (بابتسامة غامضة): عظيم… الشحنة بعد يومين، لحد وقتها، اعتبر نفسك تحت الاختبار الأخير.
أركان ما ردش، اكتفى بهزة خفيفة من رأسه، وساب المكان وهو حافظ على خطواته الهادئة، لكن جواه كان في زلزال.
الجو كان متوتر، والصمت اللي ساد بعد ما خرج أركان كان تقيل، كأن كل حد فيهم كان بيحاول يهضم القرار اللي صلاح فرضه عليهم من غير أي نقاش. لكن صفيّة ما قدرتش تفضل ساكتة أكتر من كده، قامت من مكانها، وعينيها مليانة غضب وهي بتقول بحزم:
صفيّة: بجد أنا مش عارفة أنتم بتفكروا إزاي… إزاي يبقى عندكم قلب تهددوا واحد بمراته بالشكل ده؟ أو تعرضوا واحدة حامل للخطر كأنه شيء عادي؟ اعتبروها زيي… زي رغدة… زي نسرين!
صباح (ببرود وهي بتبص لها بحدة): يا بنت ما تدخليش في كلام الكبار…
رغدة (بتشد نفس عميق وهي بتواجه أمها لأول مرة): لا، صفيّة عندها حق، يا ماما! دي مش لعبة تتلعب… أنتم كده بتخاطروا بيها، حتى لو هو مش هيخونكم وهيكسب ثقتكم، وده أكيد… بس مراته مالهاش ذنب! افرض حصل أي غدر، وهي تأذت؟ هتبقوا استفدتوا إيه؟ ولا أنتم ما بتعرفوش تشوفوا حد بيحب حد وعايش حياته مبسوط؟
صلاح ضحك ضحكة استخفاف وهو بيهز رأسه، ونفث دخان السيجار ببطء قبل ما يرد بسخرية:
صلاح: يا دي الحب اللي واكل عقول الشباب اليومين دول… مافيش حاجة اسمها حب! في حاجة اسمها فلوس… في حاجة اسمها تعلّي لفوق، ولو عايز تعيش، يبقى تدوس قبل ما حد يدوس عليك!
صفيّة (بحزن وقهر): لازمتها إيه تعلّي وانت لوحدك… وانت مش مبسوط؟
خليل (بضيق وهو بيهز رأسه): خلاص بقى، يا صفيّة! ما تدخليش في اللي مالكيش فيه… أنتم لسه صغيرين.
أما أسماء، فكانت ساكتة طول الوقت، الرعب مسيطر عليها، عينيها بتتنقل بين وشوشهم بقرف، ازاي الناس دي الشر مليها كده؟ ازاي دول يبقوا قرايبها؟ ازاي عايشة وسطهم؟ خافت على ليلى قوي، وكان نفسها تساعدها بأي حاجة، بس طالما الحكم طلع من صلاح، محدش يقدر يقف قصاده.
وهي ماشية من قعدتها معاهم، قالت لنفسها وهي بتشد نفس عميق: "أكيد سعيد هيحميها… " أو دا اللي بتحاول تهدي نفسها بيه.
لكن بعيد عنهم، كان في حد تاني عنده حساباته الخاصة…
مروان كان ساكت، بس عقله شغال بأقصى سرعته. الفرصة جات له لحد عنده، ولازم يستغلها. ابتسامة جانبية خبيثة ارتسمت على وشه، وهو بيفكر في خطته:
"وريني يا سعيد يا بطل… هتحمي البضاعة؟ ولا هتحميها هي؟ " ابتسم بخبث وهو عارف كويس هو هيختار مين… وعارف ازاي يستغل النقطة دي ضده.
بينما النقاش كان شغال وكل واحد بيقول رأيه، كانت نسرين قاعدة في هدوء، بس جواها بركان من الحماس. شافت القرار ده فرصة متتعوضش، مش تهديد ولا خطر. فرصة إنها تخلص من هنية للأبد، ويبقى سعيد ليها لوحدها.
صلوا على النبي
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية زواج في الظل ) اسم الرواية