Ads by Google X

رواية قيود العشق (2) الفصل الحادي عشر 11 - بقلم سيليا البحيري

الصفحة الرئيسية

 رواية قيود العشق (2) الفصل الحادي عشر 11 - بقلم سيليا البحيري 

قيود_العشق2 
فصل 11
في فيلا ليلى الألفي كانت سيليا تجلس على الأرض، شعرها فوضوي ودموعها تنهمر بغزارة. عمتها ليلى وكارما تحاولان تهدئتها، لكن سيليا في حالة هستيرية من الحزن والغضب. رائد يقف في الزاوية، يراقب الموقف بقلق

سيليا:
(بصوت مرتجف ومليء بالغضب)
"أنا مش قادرة أستحمل أكتر من كده! كفاية... كفاية! حياتي كلها ظلم... ظلم من أول ما ولدت! أهلي... جاد... كلهم دمروني! أنا إنسانة، ليه محدش شايفني كده؟!"

ليلى:
(بحنان وحزن وهي تحاول تهدئتها)
"يا بنتي، اهدى شوية. إحنا كلنا معاكي. اللي حصل في الماضي انتهى، وده وقتك تعيشي حياتك زي ما إنتي عايزة."

سيليا:
(تصيح بانفعال)
"إزاي أنسى يا عمتي؟ إزاي؟ كل لحظة مع جاد كانت عذاب. عمري ما حسيت إني متجوزة... ولا حتى إنسانة. كان بيكرهني بدون سبب! أنا ما عملتش له حاجة. ليه كان بيبصلي كإني عدوته؟!"

كارما:
(بحزن وهي تضع يدها على كتف سيليا)
"سيليا، إنتي قوية، وقرارك بالطلاق هو أول خطوة إنك تنقذي نفسك. ما تخليش حد تاني يتحكم في حياتك."

سيليا:
(بغضب ودموعها تزداد)
"أنا هطلق... هطلق منه لو آخر حاجة أعملها في حياتي! مش هعيش معاه تاني. هو ما استاهلش حتى أشوفه. أنا خلاص تعبت، عايزة أربي أولادي بعيد عن ذلّه وعن ظلمه."

رائد:
(يتقدم خطوة للأمام، يتحدث بحزم)
"وأنا هكون جنبك في كل خطوة. لو جاد فكر يعترض على الطلاق أو يحاول يضايقك، أنا مش هسمح له."

ليلى:
(بتنهيدة)
"قرارك ده شجاع يا سيليا، بس لازم تكوني مستعدة لأي تحديات جاية. جاد مش هيكون سهل."

سيليا:
(تصيح وهي تضرب الأرض بيدها)
"مش فارق معايا! أنا مش هسمح له يتحكم في حياتي أكتر من كده. عايزة أعيش لنفسي... لأولادي... من حقي أكون إنسانة سعيدة!"

سيليا تنفجر بالبكاء مجددًا، وتضع رأسها بين يديها. ليلى تربت على ظهرها برفق، وكارما تجلس بجانبها تمسك بيدها. رائد ينظر إليها بنظرة مليئة بالغضب تجاه جاد والتصميم على مساعدتها

رائد:
(بهدوء وحزم)
"سيليا، إحنا هنكون معاكي. ما تخافيش، الطريق صعب، بس إحنا مع بعض هنعدي كل ده."

سيليا:
(بصوت متقطع بين البكاء)
"مش عايزة حاجة غير الحرية... الحرية من كل حد ظلمني."

ليلى:
(بابتسامة مشجعة)
"وهتكوني حرة يا بنتي. هتكوني حرة."
********************

فجأة يُفتح باب الفيلا بعنف، ويدخل جاد غاضبًا. صوته يعلو وهو يبحث عن سيليا، مما يجعل الجميع يلتفتون نحوه

جاد:
(بغضب شديد)
"سيليا! إنتي فاكرة نفسك بتلعبي مع مين؟! مين سمحلك تخرجي من البيت وتعملي اللي في دماغك من غير إذني؟"

سيليا تقف ببطء، عيناها مليئة بالدموع ولكن مظهرها صارم. تنظر إلى جاد بثبات وبدون خوف

سيليا:
(بصوت قوي رغم انكسارها)
"أنا مش لعبة في إيدك، جاد. ومش محتاجة إذنك عشان أعيش حياتي! خلصت أيام الذل اللي كنت فيها تحت رحمتك. أنا مش هعيش تحت طوعك تاني!"

جاد:
(يقترب منها بغضب، مشيرًا بإصبعه نحوها)
"إنتي نسيتي نفسك ولا إيه؟ إنتي مراتي، وأنا اللي أقرر تعملي إيه وما تعمليش إيه!"

سيليا:
(تصرخ وهي تشير إلى نفسها)
"مراتك؟! إنت فاكر إنك جوزي؟ جوزي اللي بيحبني ويحترمني؟ إنت عمرك ما كنت جوزي! كنت مجرد سجّان. عمري ما حسيت معاك غير بالظلم والقهر. كل يوم معاك كان عذاب!"

جاد:
(يحاول كتم غضبه ولكن صوته يرتجف)
"أنا اللي ظلمتك؟! إنتي اللي طول عمرك ناكرة للجميل. أنا اللي وفرتلك حياة مستقرة!"

سيليا:
(تضحك بمرارة)
"حياة مستقرة؟ إنت بتتكلم عن بيت كنت فيه مجرد شبح؟ عن أولادك اللي ما تعرفش عنهم حاجة؟ عن سنين من الإهمال والخيانة؟ لا، يا جاد، إنت ما وفرتش غير الألم."

ليلى:
(تحاول التدخل لتهدئة الموقف)
"جاد، مش بالطريقة دي تتكلم مع سيليا. شوف حالك، إنت السبب في كل اللي وصلنا له دلوقتي!"

جاد:
(يصيح)
"ماحدش يتدخل بيني وبين مراتي!"

رائد:
(يتقدم بخطوة لحماية سيليا)
"سيليا مش لوحدها هنا. لو فاكر إنك هتستمر في التحكم بيها فأنت غلطان. سيليا حرة، وهتعمل اللي هي شايفاه صح."

سيليا:
(تواجه جاد بجرأة)
"أيوة، أنا حرة. وهطلق منك مهما حاولت تمنعني. أنا كرهتك... كرهتك من كل قلبي. كنت فاكرة إن أسوأ حاجة في حياتي ظلم أهلي ليا، لكنك أثبتت إنك أكبر غلطة ارتكبتها في حياتي."

جاد:
(يحاول كتم تأثير كلامها عليه، لكنه يلتفت غاضبًا)
"إنتي مش هتقدري تعيشي من غيري. أولادك، حياتك، كل حاجة تحت سيطرتي!"

سيليا:
(تصرخ بألم)
"حياتي ما كانتش حياتي وأنا معاك. كل اللي باقيلك هو اسمك. لكن قلبي وروحي اتحرروا منك من زمان. أنا هاخد أولادي وهكمل حياتي، وهتشوفني واقفة على رجلي من غيرك!"

كارما:
(تقف بجانب سيليا)
"جاد، كفاية. سيليا مش هتخضع ليك تاني. خلّي عندك شوية كرامة وانسحب قبل ما تخسر أكتر."

جاد:
(ينظر إلى الجميع بغضب، ثم إلى سيليا بتحدٍ)
"هنشوف مين اللي هيكسب في الآخر، سيليا. بس  أوعدك، مش هيكون بالسهولة اللي إنتي فاكرة."

يدفع الباب بعنف ويغادر، وصداه يترك الجو مشحونًا بالتوتر. سيليا تنهار جالسة على الأريكة، تغطي وجهها بيديها، والدموع تسيل من عينيها

سيليا:
(بصوت مخنوق بالبكاء)
"كرهته... كرهته أكتر من أي حاجة في حياتي. يا رب خلّصني منه، أنا تعبت... تعبت أوي!"

ليلى:
(تجلس بجانبها وتحتضنها بحنان)
"اهدّي يا بنتي، كل ده هيعدي. إنتي أقوى من كل اللي ظلمك."

رائد:
(بغضب مكبوت)
"وإحنا مش هنسكت. سيليا مش لوحدها، وإحنا هنا عشان نحميها."

كارما تمسك بيد سيليا، تحاول طمأنتها، بينما الجميع ينظر إليها بحب ودعم، مصممين على مساعدتها للوقوف ضد جاد وظلمه
*********************
بعد ساعة أو أكثر وصل جاد لفيلا والديه بمصر و كان كريم  يجلس على الأريكة، ملامحه غاضبة وواضحة الجدية. ثريا تجلس بجانبه، تعقد ذراعيها بحزم. جاد يقف أمامهما، متوتراً ولكنه يحاول التظاهر بالقوة، بينما جيسي تجلس على الكرسي القريب، تنظر بعصبية وتحاول التدخل

كريم:
(بغضب مكتوم، ينظر إلى جاد بحدة)
"إيه اللي بسمعه عنك يا جاد؟ إنت متخيل إنك في حرب مع مراتك وأولادك؟! فين عقلك؟!"

جاد:
(يحاول الدفاع عن نفسه)
"بابا، سيليا هي اللي بتعاندني. هي اللي مش عايزة تسمع الكلام. بدل ما تحاسبوني أنا، شوفوا هي بتعمل إيه!"

ثريا:
(تقاطع بغضب واضح)
"بتعمل إيه يا جاد؟ بتكمل تعليمها؟ دي جريمة؟! من إمتى بقت الست لما تحاول تبني حياتها تبقى غلطانة؟! سيليا ضحت بكل حاجة عشانك، وإنت بدل ما تحترمها، قررت تحطمها!"

جاد:
(يرفع صوته)
"هي بتخرج عن طوعي، يا ماما! أنا جوزها وليا حق عليها!"

كريم:
(يضرب الطاولة بيده غاضبًا)
"وطي صوتك، يا جاد! إنت فاكر الجواز يعني تتحكم في مراتك كأنها عبدة عندك؟! إنت مسؤول عنها وعن أولادك، مسؤول إنك تكون ليهم سند، مش تكون مصدر ألمهم!"

جاد:
(بتوتر)
"أنا ما ظلمتهاش، بس هي اللي مش عايزة تعيش معايا زي ما أنا عايز!"

ثريا:
(تنظر إليه بحدة)
"تعرف إيه؟ لو فضلت تعاملها بالشكل ده، أنا شخصيًا هقف جنبها وأساعدها  تخلعك و تاخد الطلاق منك. إنت مش فاهم قيمة البنت دي، بس أنا فاهمة."

جاد:
(بصدمة)
"إيه؟! ماما، إنتي بتهددي ابنك؟!"

ثريا:
(ترد بحزم)
"أيوة، لو ده الحل الوحيد عشان تنقذها منك ومن عنادك. سيليا تستحق الراحة، تستحق زوج يحترمها، مش واحد يعتبرها جزء من ممتلكاته."

كريم:
(بصوت أكثر هدوءًا ولكنه حازم)
"جاد، إحنا جينا هنا عشان نصلح الأمور، مش عشان نسمع أعذارك. لو فضلت على عنادك ده، هتخسر كل حاجة: مراتك، أولادك، واحترامنا ليك كمان. القرار في إيدك."

جيسي:
(تتدخل بعصبية)
"بابا، ماما، إنتوا دايمًا بتقفوا في صف سيليا! هي مش مظلومة زي ما بتدّعي، كل ده عشان تلفت انتباهكم وتكسب تعاطفكم."

ثريا:
(تنظر لجيسي بغضب)
"جيسي، كفاية كلام ملوش معنى! سيليا مش محتاجة تكسب تعاطف حد، إحنا عارفين مين هي ومين إنتي. بدل ما تزودي النار، فكري شوية إزاي تصلحي أخوكي وتدعمي مرات أخوكي وأولاده."

كريم:
(يضع يده على كتف ثريا ليهدئها، ثم ينظر لجاد)
"دي آخر فرصة ليك، يا جاد. لو استمريت بالطريقة دي، سيليا هتاخد ولادها وتبعد عنك للأبد و أنا بنفسي هساعدها، وساعتها مش هتلاقي حد يدعمك. فكر كويس، ومستني أشوف تصرفك اللي يليق برجل مسؤول مش عيل عنيد."

جاد:
(ينظر لوالده ثم لوالدته بغضب مكبوت، قبل أن يدير ظهره ويغادر الغرفة)
"هنشوف مين اللي هيكسب في الآخر."

(ثريا تنهض بتوتر، تنظر إلى كريم بإحباط.)

ثريا:
"مش عارفة إزاي جاد طلع كده، كريم. ما كانش ده اللي اتمنيته لسيليا أو لأولادها."

كريم:
(بتنهيدة ثقيلة)
"هنحاول يا ثريا، بس هو اللي لازم يقرر يتغير. إحنا عملنا اللي علينا."

تجلس ثريا بجانب كريم، وكلاهما يبدو عليهما القلق، في حين تظل جيسي جالسة في صمت، تضرب بأصابعها ذراع الكرسي بتوتر
***********************
في شارع مزدحم في قلب مدينة القاهرة، الأضواء بتلمع في المساء، وصوت العربيات مليان في الجو. أحمد ماشي بخطوات واثقة، لابس بدلة شيك، وعنيه فيها قوة راجل عدى على كتير في حياته. فجأة، يسمع صوت مألوف بينادي عليه. يلف ويلاقي قدامه سمر، مبتسمة ابتسامة كلها خبث مصطنع.
سمر (بنبرة مغرية):
يا نهار أبيض! أحمد! مش مصدقة إني شفتك! عامل إيه؟
أحمد (بصوت بارد ونظرة حادة):
سمر؟ عمري ما كنت أتخيل أشوفك هنا.
سمر (بتقرب منه وهي بتحاول تتودد):
عارف؟ أنا وحشني صوتك، بصراحة، أنت دايمًا كنت الشخص اللي مستحيل يتنسي.
أحمد (بياخد خطوة لورا):
النسيان؟ متقلقيش، أنا ما نسيتش حاجة. إزاي ممكن أنسى اللي علمني معنى ال خيانة؟
سمر (بتضحك ضحكة خفيفة مليانة تصنع):
يا أحمد، بلاش القسوة دي، إحنا كنا عيال صايعة وقتها، أيام وعدّت.
أحمد (بصوت هادي لكنه مليان غضب):
عيال صايعة؟!؟ بلاش تعملي نفسك بريئة، سمر. إنتِ كنتِ عارفة كويس أوي إنتِ بتعملي إيه. كنتِ بتلعبي بمشاعري وبتستغلينيو طماعة في فلوس و ثروة عيلتي 
سمر (بتحاول تسيطر على الحوار):
أحمد، بلاش تفتكر الماضي بالشكل ده. أنا اتغيرت، وبجد متأكدة إن قلبك كبير وبتعرف تسامح.
أحمد (بيقاطعها):
قلب كبير؟ القلب اللي كنتِ بتضحكي عليه ده اتكسر يوم ما شفتك فحضن الواطي وائل 
سمر (بنبرة غضب مكتومة):
يعني مش هتنساها أبدًا؟ كل الناس بتغلط يا أحمد.
أحمد (بصوت صارم):
الغلط بييجي لما يكون وراه ندم، وإنتِ لحد دلوقتي ما عندِكيش نقطة ندم واحدة. بس ما تقلقيش، أنا متشكر ليكِ. بفضلك، اتعلمت أفرق بين الحب الحقيقي والزيف.
سمر (بتوتر):
أحمد...
أحمد (بيقاطعها):
خلص الكلام يا سمر. في حاجات في الحياة ما تستاهلش فرصة تانية، وإنتِ واحدة منها.
بيخلص أحمد كلامه وبيمشي بخطوات ثابتة وهو سايب سمر واقفة في نص الشارع، متلخبطة ما بين غضب وذهول  تحاول استيعاب الموقف. فجأة، تظهر شاهي، صديقة سمر، التي كانت تراقب المشهد من بعيد، وتتقدم نحوها بابتسامة شماتة.
شاهي (تقترب منها وهي تضحك بخبث):
يا حرام يا سمر! واضح إن أحمد مش بس قفّل الباب، ده كمان قفّله بمفتاح ورماه في البحر.
سمر (تنظر إليها بغضب مكتوم):
بلاش شماتة يا شاهي، مش ناقصة سخافاتك.
شاهي (بتتهكم):
سخافاتي؟ لا يا حبيبتي، أنا واقفة أستمتع بس وأنا شايفة اللي كنتي فاكرة نفسك ماسكة بيه ينفض من حياتك كأنك ما كنتيش.
سمر (تضغط على أسنانها محاولة تمالك أعصابها):
سيبيه يمشي، أحمد مش نهاية العالم. فيه ألف طريقة أرجعه بيها لو عايزة.
شاهي (بضحكة ساخرة):
ترجّعيه؟ إنتِ لسه فاكرة نفسك بتلعبي زي زمان؟ أحمد دلوقتي غير، وحتى لو جربتي ألف لعبة، ده بقى فاهمك و حافظك كويس.
سمر (بنبرة مليانة حقد):
عارفة يا شاهي؟ مش هو اللي مضايقني. اللي بيقهرني فعلاً هي سيليا.
شاهي (تتفاجأ):
سيليا؟ أخت أحمد؟ هي إيه دخلها؟
سمر (بنظرة مليانة غل):
سيليا كانت دايمًا شايفة نفسها عليا. بنت العيلة المدللة، اللي الكل بيحبها. أحمد كان بيعبدها، وكانت بتحسسني إني أقل منها، دايمًا تنتقدني وتتعامل معايا كأني وصمة عار في حياتهم.
شاهي (بخبث):
وده كان وقتها، دلوقتي ما بقيتش موجودة عشان تعمل كده و كمان سمعت أنها فآخر أيامها اتعرضت لفضيحة جامدة اوي 
سمر (بترد بقسوة):
بس صدقوها في النهاية ، و ما تفتكريش إني زعلت لما ماتت. بالعكس، ارتحت. بس كل ما أفتكر إن ذكراها لسه عايشة في قلوبهم، بحس إن وجودها عامل لي لعنة
شاهي (بصوت منخفض ومخيف):
يا سمر، إنتِ فعلاً شريرة.
سمر (تبتسم بسخرية):
شريرة؟ لا يا شاهي، أنا واقعية. والواقع يقول إن الناس زي سيليا وأحمد مكانهم تحت رجلي، مش فوق راسي.
(شاهي تهز رأسها بخبث، وتغمغم وهي تبتعد):
على العموم، حظ سعيد، يا سمر. شكلك داخلة على جولة جديدة مع أحمد وعيلته، وربنا يستر عليكِ.
تبتعد شاهي تاركة سمر واقفة في مكانها، تغلي بالغضب والحقد، وعيناها تلمعان بتصميم خبيث
*********************

في فيلا ليلى الألفي ، سيليا تجلس على الأريكة، تحاول استعادة هدوئها بعد انهيارها السابق. ليلى بجانبها تربت على يدها بحنان، بينما رائد يقف بالقرب، يراقب الوضع بقلق. كارما تدخل الغرفة بهدوء، تحمل نظرة مترددة، وتشعر بثقل الموقف.

سيليا: (تتنهد بتعب وتمسح دموعها) الأولاد...  شافوني كده، مش كده؟

كارما: (تجلس بجانبها وتمسك بيدها) أيوة، يا سيليا. شافوكي زياد ومازن كانوا خايفين شوية، ولينا بدأت تبكي لما شافتك كده... بس حاولت أطمنهم.

سيليا: (تغطي وجهها بيديها وتبدأ بالبكاء مجددًا) أنا أم فاشلة... إزاي أسمح لنفسي إنهم يشوفوني في الحالة دي؟ المفروض أكون قوية عشانهم

ليلى: (بحزم وحنان) سيليا، كفاية جلد ذاتك. إنتي مش فاشلة. إنتي إنسانة، ومن حقك تضعفي. الأولاد بيحبوكي وبيحسوا بكل حاجة، و اللي حصل مش غلطك.

كارما: (بنبرة مطمئنة) زياد كان بيقول إنه عايز يحضنك، ومازن ما سابش إيدي طول ما كنا طالعين. هما بس محتاجين يشوفوكي هادية عشان يطمنوا.

سيليا: (تنظر إلى كارما بعينين مليئتين بالندم) أنا السبب في خوفهم، كارما... جاد دمر حياتي، وأنا دمرت حياتهم من غير قصد. مش عايزة الأولاد يكرهوني زي ما هو بيكرهني.

رائد: (يتقدم بخطوة نحوها) سيليا، كفاية لوم نفسك. لو في حد يتحمل مسؤولية اللي حصل، فهو مش إنتي. الأولاد محتاجين يشوفوا أمهم القوية اللي بتحارب عشانهم. وإحنا هنا عشان نساعدك.

ليلى: (تربت على كتفها) حبيبتي، بكرة لما تشوفيهم، حضنيهم كويس، وخليهم يحسوا إنك كويسة. إحنا هنا عشان ندعمك.

سيليا: (تمسح دموعها وتتحدث بحزم لكنها مكسورة) أنا مش عايزة يبقوا زيي... مش عايزة يشوفوا أكتر من اللي شافوه. لازم أخلص من جاد، وأعيش عشانهم، عشان يلاقوا حياة تستحقهم.

كارما: (تبتسم بخفة وتشد على يدها) وهما هيفتخروا بيكي لما يشوفوكي بتاخدي خطواتك دي. صدقيني، يا سيليا.

سيليا: (تنظر للجميع بنظرة امتنان ممزوجة بالألم) شكراً، يا جماعة... أنا فعلاً ما كنتش هقدر أعمل أي حاجة من غيركم.

رائد: (بابتسامة داعمة) إحنا هنا دايمًا، يا سيليا. وهنفضل هنا مهما حصل.

سيليا: (تنظر لكارما) طيب... زياد ومازن ولينا نايمين دلوقتي؟

كارما: (تهز رأسها) أيوة، نيمتهم بصعوبة بعد ما طمنتهم شوية. زياد كان عايز يتأكد إنك كويسة.

سيليا: (بصوت مكسور لكن مليء بالحب) هشوفهم الصبح وأحضنهم، وأوعدهم إن مفيش حاجة هتخوفهم تاني.

ليلى: (تقف) وهما هيحسوا بالأمان طول ما إنتي معاهم.

سيليا تنظر للجميع بحزم جديد، كأنها تستعيد قوتها تدريجيًا من أجل أولادها. يتبادل الجميع نظرات مطمئنة، وكلهم متفقون على دعمها في مواجهة أي تحدٍ قادم
*************************

في فيلا البحيري كانوا جميعا متجمعين في صالون القصر في أجواء ثقيلة يغمرها الحزن والندم. نجلاء تحمل بين يديها دمية صغيرة، تتأملها بصمت وكأنها تعيد ذكرى دفينة. فؤاد يجلس على كرسي بجانبها، عيناه غارقتان في التفكير. سامر يقف بالقرب من النافذة، يحدق في الخارج بشرود، بينما مراد ويوسف يجلسان على الأريكة بوجوه تعكس الإرهاق النفسي.

نجلاء: (بصوت مكسور) قابلت بنوتة صغيرة النهارده في الحديقة... ملامحها حسستني بحاجة غريبة، كأنها... (تتوقف وهي تبتلع دموعها) كأنها كانت بتشبه سيليا.

فؤاد: (ينظر إليها باهتمام) بنوتة؟ فين؟

نجلاء: (تمسح دموعها) كانت مع واحد شكله طيب. الطفلة دي... حسيت إنها تناديني، بس أكيد دي خيالاتي.

مراد: (يتنهد بعمق) مفيش لحظة في حياتنا بتمر إلا ونتمنى إنها تكون معانا.

سامر: (بتوتر وهو يدير وجهه من النافذة) بس مش هي... سيليا ماتت، والندم مش هيرجعها.

يوسف: (بصوت هادئ لكنه مؤلم) ساعات بحس إننا بنتعاقب كل يوم. كل مرة نشوف فيها طفلة صغيرة، بنتذكر إنها كان المفروض تكون هنا، معانا.

يدخل فجأة خادم العائلة، معلنا وصول ريان، الذي كان في الجامعة. يحييهم، لكنه يبدو متوترا قليلاً

ريان: (يضع حقيبته) مساء الخير.

فؤاد: (يلتفت إليه) مساء الخير، يا ابني. شكلك مرهق... إيه الأخبار في أول يوم كمعيد؟

ريان: (يتردد) عادي... شفت حاجة غريبة بس.

نجلاء: (تقترب منه بقلق) غريبة إزاي؟

ريان: (ببطء، وكأنه يفكر في كل كلمة) وأنا في الجامعة، لمحِت بنت... كانت شبه سيليا... شبهها لدرجة مش طبيعية.

مراد: (يهز رأسه) ريان، كفاية أوهام. إحنا شوفنا جثتها بعينينا.

ريان: (يتحدث بصوت أعلى) أنا عارف! بس اللحظة اللي شفتها فيها... كانت نفس الملامح، نفس الارتباك في عينها لما لمحتني. قبل ما أقدر أفكر، كانت اختفت.

سامر: (بغضب مكبوت) سيليا ماتت، يا ريان! إحنا لازم نتقبل ده بدل ما نفتح جراح قديمة كل يوم.

نجلاء: (بعينين ممتلئتين بالدموع) يمكن ربنا بيعاقبنا... يمكن كل وجه بنت صغيرة أو حركة عابرة بيجي عشان يذكرنا بالذنب اللي مش هنقدر نتخلص منه أبدا.

فؤاد: (يحاول أن يتماسك) الحقيقة إننا فشلنا... كأهل، كعيلة. سيليا كانت ملاك، وإحنا دمرنا حياتها.

يوسف: (يتنهد) لو الزمن رجع بينا، تفتكروا كنا هنصدقها؟ ولا كنا هنكرر نفس الغلطة؟

ريان: (يتحدث بنبرة يملؤها الحزن) ما أقدرش أقول إني كنت هتصرف غير كده... كنا كلنا مغيبين. بس دلوقتي... أنا متأكد إن كان في حاجة غلط. واللي شفته النهارده خلاني أشك.

نجلاء: (تضم الدمية الصغيرة لصدرها) بنتي ماتت بسببنا... وإحنا اللي هنعيش بعقابنا ده طول حياتنا.

فؤاد: (بنبرة قاطعة) كل اللي نقدر نعمله دلوقتي إننا ندعي لها بالرحمة... ونطلب من ربنا إنه يسامحنا.

يسود الصمت من جديد، وكل فرد يغرق في مشاعره. ريان يبقى واقفاً، يفكر في الصورة التي رآها، وكأن فكرة معينة بدأت تتشكل في ذهنه، لكنه يبقيها لنفسه
********************

بعد مدة قصيرة ، يدخل أحمد إلى الفيلا بخطوات غاضبة، يرمي حقيبته على الكرسي بعنف، ووجهه يكسوه الغضب. عائلته، الذين كانوا يجلسون في غرفة المعيشة غارقين في ذكرياتهم الحزينة، ينتبهون فور دخوله.

نجلاء: (بقلق) أحمد، في إيه؟ مالك؟

أحمد: (بغضب مكتوم) قابلتها... سمر.

فؤاد: (ينظر إليه بحدة) سمر؟ إيه اللي جاب سيرتها؟

أحمد: (يجلس بقوة على الأريكة) كانت واقفة مستنياني برا الشركة. نفس الوش اللي يجيب الغثيان، ونفس الأسلوب الخبيث. بتحاول تلعب دور الضحية، وكأننا ننسى هي عملت إيه.

سامر: (يبتسم بمرارة) ولسه عندها الجرأة تيجي قدامك بعد كل اللي حصل؟

أحمد: (يهز رأسه) جرأتها دي عمرها ما كانت في محلها. بدأت تمثل إنها ندمانة، وإنها بتحاول تصلح كل حاجة... بس خلاص، أنا مش أحمد بتاع زمان.

نجلاء: (بتوتر) قالت لك إيه؟

أحمد: (بصوت مرتفع قليلاً) حاولت تقنعني إنها كانت ضحية، وإن كل اللي عملته كان بسبب ضغط وظروف! بتلوم الدنيا كلها إلا نفسها... ولا حتى لحظة قالت كلمة ندم على اللي عملته في سيليا.

مراد: (بغضب) النوع ده من البشر ما يعرفش الندم.

فؤاد: (يأخذ نفساً عميقاً) لازم تبقى قوي، أحمد. إحنا كلنا عارفين إنها كانت السبب في كل المصايب اللي حصلت.

أحمد: (يضرب الطاولة بيده) أنا مش ضعيف، يا بابا. قلت لها في وشها إن الكذب بتاعها مش هينفع تاني. قلت لها إنها كانت السبب في تدمير أختي، وإنها مهما حاولت، عمري ما هصدقها ولا هرجع لها.

يوسف: (يبتسم بخفة) ردك ده هو أقل حاجة تستحقها.

نجلاء: (تحاول تهدئته) أحمد، أنا عارفة إن سمر أذت العيلة كلها، بس مش لازم تضيع طاقتك عليها.

أحمد: (بصوت منخفض لكنه غاضب) مش هضيع طاقتي، بس كان لازم تعرف إن خلاص... انتهت. مهما عملت، هتفضل هي الجزء الأسود اللي ما ينمحيش من ذاكرتنا.

ريان: (بنبرة جادة) هي مش بس جزء أسود... هي البداية لكل اللي حصل لسيليا.

أحمد: (ينظر إلى ريان بحدة) وعشان كده، وعد مني... مش هسمح لها تدخل حياتنا تاني. انتهت، للأبد.

فؤاد: (يضع يده على كتف أحمد) إحنا كلنا معاك، يا ابني. المهم إنك ما تخليش غضبك يأكلك.

أحمد: (ينظر إلى والده) مش هخلي غضبي يأكلني... بس هفضل أفتكر، عشان ما نكرر نفس الغلطة مع أي حد تاني.

يسود الصمت مرة أخرى، وكل فرد في العائلة يغرق في أفكاره، خاصة عن الماضي الذي ما زالت ظلاله تطاردهم. أحمد ينهض متجهاً إلى غرفته، وعيناه تحملان مزيجاً من الألم والتحدي
********************
في مكتب زين في مقر المخابرات ،كان زين جالسًا خلف مكتبه، يحدق في أوراق أمامه بعينين شاردتين. يشعر بشيء غامض يجذبه نحو سيليا، شيء يتجاوز الشبه بينها وبين ابنة عم تميم. الباب يُفتح بهدوء، يدخل أدهم حاملًا ملفًا سميكًا.

أدهم (بنبرة جدية):
"باشا، المعلومات اللي طلبتها جاهزة."

زين (يرفع عينيه ويركز على أدهم):
"اتفضل، قول."

أدهم (يجلس على الكرسي المقابل للمكتب، يفتح الملف):
"اسمها سيليا... نفس الاسم اللي قلت عليه. متزوجة من ست سنين من واحد اسمه جاد، غني جدًا، بس حياته ماشية في سكة تانية تمامًا. زير نساء وما بيهتمش بمراته ولا أولاده."

زين (ببرود واضح):
"الأولاد؟"

أدهم (يكمل):
"عندهم 3 أولاد: زياد عنده 4 سنين، مازن 3 سنين، ولينا عندها سنة. سيليا عايشة في مصر مع عمتها ليلى وابن عمتها رائد. أما جاد، عايش في دبي مع أهله، مهملهم تمامًا."

زين (بحاجبين مرفوعين):
"عمتها ليلى؟"

أدهم (يهز رأسه):
"أيوة، ليلى دي حسب اللي عرفته أخت والد سيليا فؤاد ووالد تميم جليل. بس فؤاد وجليل ما يعرفوش إن عندهم أخت أصلاً. واضح إن العيلة متقطعة من زمان، طاهر بيه كان متجوز واحدة تانية و خلف منها الست ليلى "

صمت زين للحظة، يحاول هضم المعلومات. قلبه بدأ ينبض بسرعة.

زين (بصوت خافت لكن حازم):
"سيليا... نفس الاسم، نفس التفاصيل... أدهم، أنت متأكد من كل ده؟"

أدهم (بنبرة حازمة):
"100% يا باشا. ما فيش مجال للشك. كل التفاصيل اللي طلعت بتأكد إنها هي."

زين (يقف فجأة، يضع يديه على المكتب):
"يعني اللي كنت شاكك فيه طلع حقيقي... سيليا، اللي تميم وعيلته فاكرين إنها ماتت من 6 سنين... عايشة؟ ومش بس عايشة، متجوزة وعندها أولاد؟"

أدهم (بهدوء):
"أيوة، هي نفسها. ما حدش كان عارف إنها لسه عايشة، حتى عيلتها."

زين (بنبرة حادة):
"جاد ده، اللي متجوزها، إيه تفاصيل حياته؟"

أدهم (ينظر في الملف):
"زي ما قلت، عايش في دبي، مستهتر، وعلاقاته النسائية كتير جدًا. سيليا عايشة لوحدها تقريبًا بتربي الأولاد. الظاهر إنهم متجوزين شكليا بس، ما فيهاش أي مشاعر أو اهتمام من ناحيته."

زين (يشد أنفاسه ويحاول تهدئة نفسه):
"كويس. تمام، شكراً يا أدهم. شغلك كان دقيق كالعادة."

أدهم (وهو يغلق الملف):
"لو في حاجة تانية عايزني أعملها يا باشا، أنا جاهز."

زين (بجملة قاطعة):
"دلوقتي مفيش. بس خليك قريب، ممكن نحتاج نتحرك قريب."

أدهم يقف ويحييه قبل أن يخرج من الغرفة. زين يجلس على كرسيه مجددًا، يضع رأسه بين يديه قائلا 
"سيليا ، أخيرا لقيتك ، يا سيليا البحيري..... الاميرة المفقودة...."

 •تابع الفصل التالي "رواية قيود العشق (2)" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent