رواية قيود العشق (2) الفصل السابع عشر 17 - بقلم سيليا البحيري
قيود_العشق2
فصل 17
تميم خرج من المكتب بخطوات ثقيلة، أنفاسه تتلاحق، وكأنه يحاول استيعاب الصدمة. المشهد في ممر المقر بدا غريبًا، وكأن كل شيء حوله يتحرك ببطء شديد. همهمات الموظفين وضجيج الهواتف، حتى خطواته، كانت كلها تبدو كأنها جزء من حلم غريب.
توقف للحظة عند باب المقر، التفت حوله وكأنه يبحث عن شيء. لم يكن يعلم ما الذي يجب أن يفعله الآن. شبح سيليا الذي كان يطارده في كوابيسه طوال السنوات الست الماضية عاد ليطارده الآن، ولكن في يقظته.
تمتم لنفسه بصوت مبحوح:
– "سيليا... مش ممكن... كانت ميتة. شفت الجثة. شفت النار اللي حرقتها. ازاي؟"
ركب سيارته ويداه ترتجفان على عجلة القيادة. جلس للحظات يحاول تهدئة نفسه، ولكن الصور القديمة اجتاحت ذاكرته كالعاصفة. سيليا وهي تذل و تهان... وجهها البريء المليء بالدموع... أخبار موتها المفاجئ... جنازتها... والآن، الحقيقة التي قلبت كيانه.
شغل السيارة وانطلق بلا وجهة محددة. عقله كان يغلي بأسئلة لا نهاية لها. كيف ظلت سيليا على قيد الحياة؟ ولماذا لم تتصل بالعائلة؟ ومن هؤلاء الذين أخفوها؟ وما الذي حدث لها خلال السنوات الماضية؟
توقف عند مكان هادئ على جانب الطريق. ترجل من السيارة وسار بخطوات متوترة باتجاه حافة صغيرة تطل على البحر. وقف هناك، والرياح الباردة تعبث بشعره، بينما كان نظره مثبتًا على الأفق.
أخرج هاتفه بتردد، وبدأ يفتح قائمة الأسماء. بحث عن اسم "زين" ثم توقف. يده كانت ترتجف بشدة. ضغط على الاسم وأخذ الهاتف يرن. بعد ثوانٍ، جاء صوت زين الهادئ:
– "أيوة، تميم؟"
تميم، بصوت متوتر وكأنه يلهث:
– "زين... سيليا... إنت لقيتها؟"
زين تنهد بصوت مسموع، وكأنه كان يتوقع هذا الاتصال.
– "تميم، مش وقتها دلوقتي... الموضوع معقد جدًا."
تميم رفع صوته بغضب:
– "مش وقتها إيه؟! أنا مش هستنى دقيقة واحدة! لازم أعرف كل حاجة دلوقتي! فين هي؟"
زين، محاولًا تهدئته:
– "تميم، أرجوك تهدى. أنا مش هقدر أقول أي حاجة في التليفون. تعالى نتقابل ونتكلم بهدوء."
تميم ضغط على أسنانه وأغلق الهاتف قبل أن يرد زين. عاد إلى سيارته، وانطلق بسرعة جنونية. عقله كان مشوشًا بين الحزن، الغضب، والفرحة المختلطة بالخوف. شيء واحد كان واضحًا في ذهنه...
– "أنا لازم أشوفها... مهما كان الثمن."
********************
في مقر الجماعات الارهابية في الصحراء ، فأوضة ضلمة، في نصها ترابيزة خشب قديمة حواليها رجالة مسلحين. قائد الجماعة، حسن، قاعد على رأس الترابيزة، ملامحه غاضبة وعنيه فيها تركيز. الكل ساكت ومركز معاه.
حسن (بصوت حاد): "سيليا لسه خطر علينا. مش عاوز أي غلطة، لازم نخلص منها بسرعة."
واحد من الرجالة: "بس هي دلوقتي تحت حماية الحكومة، صعب نوصلها."
حسن (بعصبية): "مافيش حاجة اسمها صعب. لو تحت حماية، نستهدف اللي بيحموها. شغلوهم في حتة تانية."
واحد تاني: "أنا شايف نراقب تحركاتها. يمكن نلاقي فرصة وهي لوحدها."
حسن: "راقبوها كويس. مش عاوز أي حد يتحرك من غير ما أعرف. ولو مافيش فرصة، إحنا اللي هنخلقها."
الرجالة بيهزوا راسهم بالموافقة وبيبدأوا يناقشوا تفاصيل الخطة.
حسن (بصوت واطي وحاسم): "افتكروا، دي آخر فرصة ليكم لو فشلتم."
الصمت يسيطر على المكان، والرجالة يخرجوا من الأوضة عشان ينفذوا الأوامر.
********************
في فيلا البحيري ، فأوضة ريان ريان (بيحاول يلتقط أنفاسه، وحاسس إن اللي هيقوله هيكون أصعب):
"يوسف... في حاجة تانية لازم تعرفها."
يوسف (بعينيه مليانة قلق وترقب):
"إيه؟ قول لي، ريان، أنا مش هقدر أستحمل نص الحقيقة."
ريان (بتردد، بيحاول يختار كلماته بعناية):
"عندنا عمة اسمها ليلى؟"
يوسف (باندهاش):
"عمتنا ؟! إيه اللي بتقوله ده؟! و ليه ما حدش عمره اتكلم عنها."
ريان (بتنهيدة عميقة):
"هي السبب إن سيليا عايشة. هي اللي أنقذتها."
يوسف (بصدمة، قرب خطوة من ريان):
"إيه؟! يعني إيه أنقذتها؟ منين طلعت ليلى دي فجأة؟! وإزاي أصلاً ما حدش قال لنا عنها حاجة؟!"
ريان (بهدوء، لكن صوته متأثر):
"بعد اللي حصل مع سيليا... لما هربت، ليلى كانت في المكان الصح في الوقت الصح. أنقذتها، وأخذتها معاها لمكان بعيد. من وقتها، كانت هي اللي بتعتني بيها، لكن فضلت القصة كلها سر."
يوسف (بغضب مكبوت):
"يعني كانت في حياتنا كل السنين دي واحنا فاكرينها ميتة؟! ليه؟! ليه ما قالتش حاجة؟!"
ريان (بتبرير، وحاول يهدّيه):
"سيليا كانت خايفة، يوسف. كانت فاكرة إن لو رجعت، هتتكرر نفس القصة. كانت محتاجة تعيش بسلام بعيد عن الألم اللي مرّت بيه."
يوسف (بصوت مليان غضب):
"بسلام؟! وهي دلوقتي عايشة بسلام؟! قول لي، ريان، إيه اللي حصل بعد كده؟!"
ريان (بهدوء، لكنه متردد يكمل):
"سيليا اتجوزت، من خمس سنين و دلوقتي عندها 3 اطفال
يوسف (بنبرة دهشة وغضب مختلط):
"اتجوزت؟! مين؟!
ريان (بحزن واضح):
"اسمه جاد. لكنه... مش زي ما تتوقع. للأسف، معاملته ليها كانت... قاسية. كان بيهملها، يوسف. بيهجرها لفترات طويلة، كأنها مش موجودة. دلوقتي هيطلقوا."
يوسف (اشتعل غضبه فجأة، وصوته علي):
"جاد؟! وده مين ده أصلاً؟! إزاي يتجرأ ويعاملها كده؟! بعد كل اللي مرت بيه؟! كان المفروض يحميها، يعوضها عن كل حاجة، مش يزيد أوجاعها!"
ريان (حاول يهدّيه، لكنه هو نفسه متأثر):
"يوسف، أنا فاهم غضبك، لكن سيليا كانت بتحاول تعيش حياتها بعيد عن كل حاجة، بعيد عن الماضي. ما كنتش تقدر تتحكم في قراراتها كلها."
يوسف (بصوت مليان حقد و غضب):
"مش هسيبها تتأذى أكتر. جاد ده لازم يتحاسب. أنا مش هقف أتفرج عليها بتتألم تاني، و تاني، ازاي ليلى دي تقبل بده تعرف، قبل 5 سنين سيليا كان عندها 17 سنة، عارف أنها طفلة متمتش السن القانوني، و أنت بتقول أنها هتطلق، تتطلق وهي عندها 21 سنة و معاها 3 أطفال، إيه الجبروت ده؟"
ريان (بتردد):
"سيليا ما كانتش عايزة حد يعرف، يوسف. وعدتها إني ما أتكلمش، لكن... حسيت إنك لازم تعرف."
يوسف (بحزم):
"وأنا هتدخل، سواء وافقت أو لا. سيليا أختنا، مش مجرد سر. لو جاد دا مش هيقدّرها، يبقى هو اللي خسر، لكن هي مش هتخسر أكتر من كده."
ريان (بابتسامة حزينة):
"بس حاول تكون هادي، يوسف. سيليا محتاجة دعمنا، مش مشاكل جديدة."
يوسف (بثبات، لكن غضبه واضح):
"الدعم ده هيوصلها، وأكتر من اللي تستحق. محدش هيقرب منها تاني إلا وهو عارف قيمتها."
ريان سكت، وفضل يراقب أخوه اللي كان الغضب والشغف ظاهرين عليه. يوسف كان عازم على استرجاع سيليا، سواء عاطفيًا أو واقعيًا، ومهما كلفه الأمر
**********************
بعد عدة أيام ، ريان ويوسف قاعدين في عربية ريان قدام باب الجامعة. الجو هادي برة، والطلبة داخلين الجامعة واحدة واحدة. ريان باين عليه التوتر، ويوسف متحمس وبيبص من الشباك منتظر يشوفها. فجأة، سيليا ظهرت وهي ماشية بخطوات واثقة ناحية باب الجامعة. يوسف يبصلها في صمت، ودموعه تنزل ببطء.
يوسف (بصوت مهزوز وهو مركز عليها):
"ريان... دي هي؟ دي سيليا؟ ... إزاي بقت كده؟ شكلها اتغير جدًا... بقت زي الملاك."
ريان (بياخد نفس عميق وبص ليوسف):
"أيوة، دي سيليا... بس مش هي البنت اللي كنا نعرفها. السنين غيرتها كتير... الألم غيرها."
يوسف (بيمسح دموعه بسرعة، بس عنيه لسه عليها):
"إزاي قدرت تعدي ده كله لوحدها؟ إزاي عاشت بعيد عننا؟ ريان... أنا حتى مش مستحق أشوفها... بس قلبي مش قادر يتحمل بعد ما شفتها."
ريان (بصوت هادي بس حاسم):
"يوسف، هي قوية. سيليا عاشت حاجات صعبة ونجت. بس افتكر، أنا وعدتها إني مش هقول لحد إنها عايشة. هي لسه موجوعة، ومش هتسامح بسهولة."
يوسف (بياخد نفس طويل وصوته مليان ندم):
"مش بطلب إنها تسامحني... بس مش قادر أشوفها كده وأعمل نفسي مش واخد بالي. كان نفسي أجري عليها، أحضنها وأقول لها قد إيه وحشتني... بس حتى لو من بعيد، وجودها بيخليني أتنفس."
ريان (بلهجة مترددة):
"عارف إحساسك... بس الأحسن نفضل هنا. سيبها تاخد وقتها. سيليا مش البنت الصغيرة اللي كنا نعرفها. دي دلوقتي ست شالت هموم أكبر مننا كلنا."
يوسف (بيبص عليها تاني، وهي داخلة الجامعة):
"ريان... أنا مستعد أستنى عمري كله، المهم أعرف إنها بخير. سيليا بالنسبة لي مش مجرد أخت... دي جزء مني كان مفقود. أنا مبسوط بس عشان شوفتها."
ريان يحط إيده على كتف يوسف، والاتنين يقعدوا في صمت، بيتفرجوا على سيليا وهي بتختفي وسط الناس. اللحظة مليانة حب وندم، بس فيها أمل إن الفرصة جاية عشان يصلحوا اللي اتكسر
ريان ويوسف ما زالوا في السيارة بعد أن رأيا سيليا من بعيد. يوسف فجأة يتذكر أن ريان أخبره من قبل عن زواج سيليا وأولادها. يدير وجهه نحو ريان بحماس مفاجئ.
يوسف (بحماس):
"ريان! لحظة واحدة... أنت قلت لي قبل كده إن سيليا متجوزة وعندها أولاد، صح؟!"
ريان (بهزة رأس بسيطة):
"أيوة، عندها تلاتة... زياد و مازن و لينا
يوسف (عينيه بتلمع):
" طب... طب معاك صور ليهم؟ نفسي أشوفهم!"
ريان يبتسم ابتسامة صغيرة ويطلع موبايله من جيبه. يفتح ألبوم الصور ويبحث عن صور الأولاد. بعد لحظات، يدير الموبايل ويوجهه نحو يوسف.
ريان (بهدوء وهو بيوريه الصور):
"اتفضل... دي صورة لزياد ومازن وهما بيلعبوا ، ودي صورة للينا وهي نايمة في حضن سيليا."
يوسف يثبت نظره على الصور، وابتسامة كبيرة تملأ وجهه، وعينيه تدمع من الفرحة.
يوسف (باندهاش وفرحة):
"ياااه... دول ملايكة! زياد شبهها جدًا... نفس العيون! ومازن شكله شقي أوي. ولينا... دي حتة سكر! مش مصدق إن دول أولاد أختي."
ريان (بصوت هادي):
"سيليا بتحبهم جدًا. هما السبب اللي خلاها تقدر تكمل وتواجه كل اللي عدّى عليها."
يوسف (بفرحة ممزوجة بالأسى):
"كنت نفسي أشوفهم من زمان... كنت نفسي أكون موجود في حياتهم. بس أنا مبسوط إنهم مع أمهم... سيليا أكيد أم عظيمة."
ريان (بنبرة جادة):
"وأكتر من كده. هي بتعمل كل حاجة عشانهم، رغم كل التعب اللي مرت بيه."
يوسف (بحماس):
"ريان... وعدني لما تيجي فرصة، تخليني أشوفهم في الحقيقة. حتى لو من بعيد زي ما شفت سيليا."
ريان (بابتسامة صغيرة):
"أوعدك، بس على شرط... سيليا لازم تكون جاهزة لده. متسرعش الأمور."
يوسف يهز رأسه بالموافقة، وعينيه ما زالت على الصور، وهو يتخيل لحظة لقائه بأولاد أخته لأول مرة.
يوسف (بحب):
"سيليا... مهما كانت زعلانة مننا، هي علمتهم يكونوا زيها... قلوبهم نقية ووجوهم بريئة. نفسي أكون جزء من حياتهم، ريان... نفسي أرجّع اللي ضاع."
ريان يضع يده على كتف يوسف في محاولة لتهدئته، بينما يتركا المكان بقلوب مليئة بالحنين والأمل
يوسف ما زال ينظر إلى صور أولاد سيليا، ولكن فجأة يتحول وجهه من السعادة والحنين إلى ملامح غاضبة مليئة بالإصرار. يضع الموبايل على الكرسي بجانبه وينظر إلى ريان بنظرة حادة.
يوسف (بصوت منخفض لكنه مليء بالغضب):
"ريان... إزاي جاد ده يعامل سيليا بالشكل ده؟ هي وأولادها... إزاي يسيبها تعاني وهي أم أولاده؟!"
ريان (بحذر):
"يوسف، أنا عارف إنك زعلان... بس الموضوع معقّد، وسيليا ما كانتش عاوزة حد يتدخل. هي قررت تواجه ده لوحدها."
يوسف (بنبرة أكثر غضبًا):
"سيليا أختنا! أنا مش هقف أتفرج عليها وهي بتتوجع... لو هو راجل فعلاً، ماكانش يسيبها تعاني بالشكل ده. جاد ده هيعرف قيمتها غصب عنه."
ريان (يحاول تهدئته):
"يوسف، أنا فاهم اللي حاسس بيه، بس سيليا مش عايزة المشاكل تزيد. هي دلوقتي قررت تطلب الطلاق وتركز على نفسها وأولادها. أهم حاجة دلوقتي إننا ندعمها، مش نزود عليها الأعباء."
يوسف (بإصرار):
"أنا مش ناوي أعمل مشكلة. بس أوعدك، لو شفته في يوم من الأيام... هيفهم إنه مش من حقه يعاملها بالطريقة دي. سيليا مش لوحدها، وأنا مش هسمح لأي حد يقلل منها أو يؤذيها تاني."
ريان (يتنهد):
"طيب، بس وعدني إنك تفكر كويس قبل ما تعمل أي خطوة. سيليا محتاجة دعمنا بهدوء، مش مشاكل جديدة."
يوسف (بحزم):
"مفيش مشاكل، ريان... بس أنا كمان مش هسكت. جاد لازم يعرف إن سيليا ليها إخوات ورجالة وراها، وإن اللي عمله فيها مش هيعدي بسهولة."
ريان ينظر إلى يوسف بإعجاب ممزوج بالقلق، يدرك حماس يوسف لحماية شقيقته لكنه يخشى أن يتحول الغضب إلى مواجهة مباشرة تزيد الأمور تعقيدًا. يوسف يعيد نظره إلى الصور، وابتسامة صغيرة تظهر وسط ملامح غضبه.
يوسف (بهدوء وهو ينظر للصور):
"سيليا... هتشوفي يوم، وإحنا كلنا هنبقى جنبك. الجرح اللي سببه جاد هيتعالج، وهتعيشي حياة تستاهلها."
ريان يضع يده على كتف يوسف في محاولة لتهدئته، بينما يشعر كلاهما بمسؤولية كبيرة تجاه أختهما التي عانت كثيرًا
*****************
عاد زين من مهمته الميدانية، وعيناه تحملان شعورًا غريبًا من القلق والترقب. وصل إلى المكتب حيث كان تميم يجلس على مكتبه يراجع بعض التقارير، وكأن شيء ما قد تغير بينهما بعد تلك اللحظات التي انفجر فيها أدهم بالكلمات التي غيرت كل شيء.
زين اقترب من تميم، وألقى نظرة حادة عليه قبل أن يتحدث بجدية:
– تميم، لازم نتكلم.
تميم رفع عينيه ببطء من الأوراق، وعيناه مليئة بالتساؤلات والدهشة. كان يدرك أن زين يخبئ شيئًا مهمًا، وكان قلبه ينبض بشدة بسبب الموضوع الذي دار في ذهنه طوال الأيام الماضية.
– عن إيه بالضبط؟
زين أخذ نفسًا عميقًا، وأغلق الباب خلفه ليمنع أي شخص من سماع ما سيقال:
– عن سيليا.
تميم تجمد في مكانه، وكأن الكلمات التي سمعها كانت صادمة مرة أخرى. أغمض عينيه لفترة قصيرة، ثم سأل بلهجة منخفضة:
– إزاي؟ إيه اللي حصل؟
زين اقترب منه أكثر، وعيناه مليئتان بالتصميم:
– سيليا لسه عايشة، تميم. الحقيقة كلها ظهرت قدامي، واللي حصل قبل سبع سنين كان غير اللي كنا فاكرينه.
تميم، وقد بدت عليه ملامح الصدمة، تكلم بصوت مرتجف:
– يعني... مامتتش؟
زين هز رأسه وقال بصوت حازم:
– لا. هي عايشة، متجوزة، وعندها حياة جديدة.
تميم، وقد أصبحت ملامحه أكثر تكتلًا، نظر إلى زين باحثًا في عينيه:
– بتقول إيه؟ يعني هي كانت... لسه عايشة طول الوقت ده؟
زين جلس أمامه، وبدأ يروي له كل شيء بتفاصيل دقيقة:
– لما رجعت من مهمتي قبل 3 شهور، عرفت الحقيقة من مصدر موثوق. سيليا كانت في حياة جديدة، بس مش في المكان اللي كنا فاكرينه. هي هربت منكم بعد ما كنتوا فاكرين إنها ماتت. والسبب في كل ده كان الخوف من العائلة، من وصمة العار اللي تم إلصاقها بيها.
تميم ظل ساكتًا للحظة، ثم سأله بقلق:
– ليه ما قالتلناش؟ ليه ما رجعتش؟
زين قال بصوت منخفض، وكأن الحقيقة كانت ثقيلة عليه:
– لأنها كانت متأثرة جدًا، وأنت عارف الكارثة اللي حصلت مع العائلة. الناس كانوا عايشين في شكوك وأحكام ظالمة. سيليا اختارت الهروب عشان تحمي نفسها.
تميم، وقد بدأ يسيطر على مشاعره، قال بصوت حاد:
– وما كنتش عارف من قبل؟ زين... ليه ما قلتليش من البداية؟
زين نظر إليه بتمعن وقال، وهو يحاول إخفاء الحيرة في صوته:
– كنت خايف، تميم. خايف إنك تنصدم زي ما أنا اتصدمت. الحقيقة أكبر من أي حاجة كنا متوقعينها.
تميم تنهد بعمق، وعيناه تائهتان في الزمان والمكان، وعينيه مليئة بالندم:
– يعني كل السنين دي كانت كذب؟ أنا كنت عايش في وهم؟
زين جالسه أمامه وقال بصدق:
– كلنا كنا عايشين في وهم، تميم. الحقيقة أخفتها سيليا عن الكل، وده كان اختيارها. بس دلوقتي، لو عايز تلاقيها، لازم تتقبل الحقيقة بالأول.
تميم نظر إلى زين، ثم أغلق عينيه للحظة وكأنما يعيد ترتيب كل شيء في عقله، قبل أن يقول بصوت خافت:
– لازم نلاقيها. مش هسمح لحد تاني ياخدها مننا
******************
في أحد أروقة الجامعة، كان ريان يسير بهدوء وهو يحمل بعض الأوراق في يده، وفجأة يلتقي بسيليا التي كانت تخرج من أحد القاعات. ابتسمت سيليا لرؤيته، وهو رد الابتسامة بحب وأخوة. يقترب منها ريان بحذر، يحاول أن يظهر رغبته في التحدث معها، لكنه يشعر بشيء من التوتر.
ريان (بابتسامة ودية):
"إزيك يا سيليا؟ عامل إيه؟"
سيليا (بابتسامة خفيفة ولكنها مرهقة):
"أنا بخير، إنت عامل إيه؟ كل حاجة تمام؟"
ريان (بصوت منخفض وهو يقترب أكثر):
"تمام الحمد لله... بس انتِ شكلك متعبة شوية. كده المذاكرة مش هتنجح."
سيليا (تبتسم بحزن):
"أيوة... الدراسة مش سهلة. وفيه حاجات لازم أركز فيها. بس... مش مشكلة، هتعدي."
ريان (بتشجيع):
"مش هتعدي لو مافيش حاجة مريحة. لو عاوزة تساعدني في حاجة أو لو في أي صعوبة، أنا هنا."
سيليا (بابتسامة خفيفة):
"شكراً ليك يا ريان... فعلاً كان نفسي الدنيا تمشي بشكل أسهل من كده."
ريان ينظر إليها بقلق، يشعر بالألم في قلبه لرؤيتها متعبة بهذه الطريقة. يلاحظ أن سيليا تحاول إخفاء الكثير من مشاعرها وراء ابتسامتها، لكنه يعرف جيدًا أن الأمور ليست على ما يرام.
ريان (بحنان):
"إنتِ مش لوحدك يا سيليا، أنا جنبك دايمًا. حتى لو كنتِ مش قادرة تقولي، أنا عارف إن في حاجات بتحزنك. ولو عاوزة أي حاجة، تفضلي قولي لي."
سيليا (بعيون متأثرة):
"أنا عارفة... والله عارفة... أنا بس مش عاوزة أزود عليك. أنا مش عايزة أكون عبء على حد."
ريان (بصوت حازم ولكن مليء بالعاطفة):
"أنتِ مش عبء، سيليا. إحنا أخوات... أنا اخوكي و أنتي اختي ،إنتِ عارفة ده. ما فيش حد في الدنيا هيكون جنبك زي ما أنا هكون جنبك."
سيليا تتنهد قليلاً، ثم تبتسم بصدق، وتضع يدها على ذراع ريان بلطف.
سيليا (بابتسامة ضعيفة):
"مفيش حد زيك يا ريان... لو كنتِ عارف إن أنا كنت بحاول أواجه كل حاجة لوحدي، مكنتش هخليك تحس إن في حاجة صعبة. بس الحمد لله، في ناس زيك في حياتي."
ريان (بابتسامة دافئة):
"أنا هنا علشانك في كل وقت، سيليا"
سيليا تشعر بشيء من الراحة، فهي تعرف أنه رغم كل شيء، ستظل تجد في ريان الأخ الذي يحمل قلبًا مليئًا بالحب والدعم. يظل الأخوان يتبادلان النظرات الحانية، وكل منهما يدرك أن حياتهما لن تكون سهلة، لكن معًا سيواجهان كل الصعاب.
•تابع الفصل التالي "رواية قيود العشق (2)" اضغط على اسم الرواية