Ads by Google X

رواية قيود العشق (2) الفصل الثالث 3 - بقلم سيليا البحيري

الصفحة الرئيسية

 رواية قيود العشق (2) الفصل الثالث 3 - بقلم سيليا البحيري 

قيود_العشق2 
فصل 3
**في المستشفى ، سيليا بتفوق  ببطء، تفتح عنيها وتلاقي رائد قاعد جنب السرير، وعنيه مليانة قلق. كارما واقفة على الجانب التاني، شايلة شنطة سيليا اللي سابتها في الجيم.

سيليا (بصوت ضعيف): "أنا فين؟ إيه اللي حصل؟"

رائد (مهدّيها): "إنتِ في المستشفى، أغمي عليكي في الجيم. ماتقلقيش، إنتِ كويسة دلوقتي."

سيليا بتحس بالإحراج وبتفتكر قلقها على جاد، بتحط إيدها على جبينها وبتتكلم بقلق.

سيليا: "جاد... هو اتصل؟ أنا كنت باتصل بيه طول اليوم، بس ما ردش. يا ترى حصل حاجة؟"

رائد (بيحط إيده على كتفها بلطف): "سيليا، اهدي. إنتِ حاولتي تكلميه كتير. هو اللي بيتجاهلك، مش العكس."

كارما (مبتسمة بخفة): "سيليا، كل حاجة هتبقى كويسة. دلوقتي الأهم صحتكِ. كنتِ تحت ضغط كبير."

سيليا (بصوت مليان حزن): "أنا مش فاهمة ليه بيعمل فيا كده... أنا وأولاده. ساعات بحس إني عبء عليه."

رائد بيبص لكارما وبعدها يرجع يبص لسيليا، وبيحاول يتكلم بجدية من غير ما يبين غضبه من جاد.

رائد: "سيليا، لازم تفتكري إنك تستاهلي شأحسن من كده. إنتِ مش عبء على حد، وجاد هو اللي غلطان إنه سايبكِ لوحدكِ كل ده."

كارما بتقف جنب رائد وبتضيف برفق.

كارما: "ما تلوميش نفسكِ، سيليا. ساعات الناس ما بيقدروش اللي عندهم إلا لما يفوت الوقت. بس إحنا هنا علشانكِ."

سيليا بتحس بالدموع بتتسحب لعينيها، بس بتحاول تماسك نفسها. رائد بيبصلها بنظرة ثابتة ومطمئنة.

سيليا (بصوت مرتعش): "حاسه إني تايهة يا رائد... مش عارفة أعمل إيه. الولاد كل شوية يسألوا على أبوهم، وأنا ماعنديش رد ليهم."

رائد (بحزم ولطف): "إنتِ مش لوحدكِ، سيليا. أنا و ماما معاكي. هنعدي الفترة دي مع بعض، وأنا مش هسيبك تتحملي ده لوحدكِ."

سيليا بتبصله بعينين مليانين بالامتنان، وكارما بتبتسم محاولة تطمّن الجو.

كارما (بنبرة مشجعة): "ولو احتاجتي أي حاجة، أنا هنا برضه. ممكن نتكلم أو نخرج نغير جو في أي وقت."

سيليا (بتاخد نفس عميق وتحاول تهدى): "شكرًا... شكرًا ليكم. مش عارفة كنت هعمل إيه من غيركم."

رائد بيبتسم لها بحنان، وبعدها يبص لكارما ويتبادلوا نظرات تفاهم. الجو مليان بالدعم والراحة، رغم كل المشاكل اللي بتواجهها سيليا.

رائد: "إحنا معاكي، سيليا. دايمًا."
***********************
خارج المستشفى وفي  ممر هادئ بالقرب من المدخل رائد يخرج من غرفة المستشفى بعد أن اطمأن على سيليا. يتجه نحو زاوية هادئة في الممر ويخرج هاتفه، ثم يتصل بجاد. بعد ثوانٍ من الانتظار، يرد جاد أخيرًا بنبرة لا مبالية.

جاد (ببرود): "أيوة؟ عايز إيه؟"

رائد (بغضب مكبوت): "أنت فين يا جاد؟ فين وإنت سايب مراتك بالشكل ده؟"

جاد (بلا اهتمام): "أنا في دبي يا رائد، مش عارف إيه اللي مزعلك كده. سيليا تمام، مالهاش حاجة."

رائد (بغضب و صوت عالي): "تمام؟! إنت مش عارف إيه اللي بيحصل. سيليا لسه خارجة من حالة إغماء، منهارة تمامًا بسببك. مش قادر ترد على تليفوناتها حتى؟ أنت طينتك ايه يا راجل"

جاد (بسخرية): "إغماء إيه يا رائد؟ هو أنا لازم أكون متاح 24 ساعة؟ دي واحدة متعلقة بيا بشكل مزعج. كنت فاضي أرد دلوقتي."

رائد يشد يده على الهاتف بقوة، صوته يفيض بالغضب.

رائد (بنبرة تهديد): "اسمعني كويس يا جاد... سيليا مش لعبة في إيدك. إنت دمرتها ودمرت ولادها بتصرفاتك. المرة دي أنا مش هاسكت. لو فضلت تهملها أكتر من كده، مش هسيب اللي جاي عليك هيعدي بالساهل."

جاد (يضحك بسخرية): "دمرت إيه يا راجل؟ سيليا دي لسه مش عارفة تعيش من غيري. مهو أنت عارف البنات لما يتعلقوا بشخص، يقلبوها نكد و غم أنا ما عنديش مشكلة إنها تعيش كده طالما هي اللي اختارت الوضع."

رائد (صوته مليان بالاشمئزاز): "إنت فعلاً فاكر إنها بتختار تعيش في الوضع ده؟ إنت فاكر إن إهمالك لها ولولادها ده عادي؟! إنت السبب في كل حاجة بتحصل لها."

جاد (بتهكم): "وأنا المفروض أعمل إيه؟ أعيش معاها في مصر وأسيب شغلي؟ سيليا لازم تتعود على الوضع ده. يا رائد، هي  زي أي ست. مفيش داعي نكبر الموضوع."

رائد يوقفه بغضب جارف، ونبرة تهديده تصبح أشد.

رائد: "هي أختي، مش مجرد ست. مش هاسمحلك تكسرها أكتر من كده. لو فضلت تتعامل معاها بالشكل ده، هتلاقي نفسك لوحدك. وأنا مش هقف متفرج."

جاد (ساخرًا): "يا رائد، بلاش الدراما دي. سيليا هي اللي بتمثل دور الضحية. أنا عامل اللي عليا وهي اللي بتضغط على نفسها. لو مش عاجبها الوضع، تقدر تسيبني."

رائد يشعر بغضب أكبر، يشتد في قبضته على الهاتف.

رائد (بنبرة قاطعة): "لو هي مش هتسيبك، أنا اللي هخليها تبعد عنك. والأيام اللي جاية هتثبتلك إنك مش هتفضل تاخد الأمور دي باستهتار."

جاد يضحك ضحكة ساخرة أخيرة.

جاد: "يا رائد، لو عندك شجاعة، جرب. بس سيليا هتفضل ترجع لي في الآخر. إحنا الاتنين فاهمين ده."

رائد يغلق الهاتف بغضب شديد، يقف في الممر لبعض اللحظات محاولًا تهدئة نفسه، ثم يعود إلى غرفة المستشفى، وعينه تلمع بعزم واضح على حماية أخته من جاد بأي ثمن
**************************

**في مكان آخر ، في فيلا فؤاد البحيري ، بتدق الست  عزيزة على باب بيت فؤاد. البيت مليان بأصوات الهمس والضحك الخفيف، وريحة الأكل مالية المكان. الوجوه كلها خليط بين السكينة والحزن. فؤاد فتح الباب لعزيزة بابتسامة هادية**

فؤاد:
(بتنهيدة) أهلاً بيكي يا دكتورة عزيزة، اتفضلي.

عزيزة:
(بحزن) شكراً ليك يا فؤاد. إزايكم النهارده؟ عارفة إن اليوم ده مش سهل عليكم.

فؤاد:
(بهدوء) ست سنين عدوا... بس الوجع عمره ما بيختفي.

نجلاء، مراته، ظهرت من وراه وهي بتمسح دمعة خفيفة من عينها، بتحاول تبان قوية، لكن الحزن باين عليها.

نجلاء:
(بصوت متقطع) أهلاً بيكي يا عزيزة. مبسوطين إنك جيتي. سيليا... كانت بتحبك أوي، وبتثق فيكي.

عزيزة:
(بحرارة) وأنا كمان، سيليا كانت بنت مميزة. عمري ما هنسى يوم ما اتولدت... كانت فعلاً ملاك من أول لحظة.

فؤاد:
(يبتسم بسيط) آه، ملاكنا الصغير. آخر العنقود، بس رحيلها ساب فجوة كبيرة في حياتنا.

الولاد بيتجمعوا في الأوضة: أحمد، الكبير، واقف جنب أبوه، شكله صارم لكنه باين إنه بيحاول يتحكم في مشاعره. مراد، التاني، قاعد ساكت، ووشه باين عليه الصمت والتأمل. سامر بيبص في الأرض، ويوسف وريان واقفين قريب من أمهم، كإنهم بيحموها بوجودهم.

عزيزة:
(بتبص ليهم بحنان) عارفة إن كل واحد فيكم حاسس بالحزن بطريقته. بس أنا هنا عشان أفكركم إن سيليا كانت بتحب الحياة، وبتحب تشوفكم مبسوطين.

أحمد:
(بصوت واطي) هي جزء مننا، مش ممكن ننساها أو نتجاوز وجع فقدانها.

مراد:
(بيتنهّد) كل يوم بفكر فيها... كانت دايماً بتسألني عن دراستي وعن حياتي، كانت بتعنيلي كتير.

سامر:
(بمرارة) حتى وهي غايبة، ساعات بحس إنها بتراقبنا، مستنية مننا نبقى أحسن.

يوسف:
(بصوت واطي) سيليا كانت بتحب الضحك، وأنا... بحاول أفتكرها بكل لحظة ضحكتني فيها.

ريان:
(بصوت متأمل) ساعات بشوفها في أحلامي، بتبتسملي. حاسس إنها عايزة مننا نعيش حياتنا، ونبني المستقبل اللي كانت بتحلم بيه.

نجلاء:
(بحزن) كانت عايزة تسافر، وتشوف العالم. بس مرضها خدها مننا قبل ما تحقق أحلامها.

عزيزة:
(بحزم وحنان) النهارده بتكرموها بالصدقة الجارية، وده اللي هيخلي ذكراها عايشة في قلوب الناس. كل خطوة بتاخدوها في حياتكم هي إحياء لذكراها.

فؤاد:
(بيحط إيده على كتف عزيزة) بنشكرك على حضورك وعلى كلامك. اليوم ده صعب، بس وجود صحاب زيك بيخفف شوية من الوجع.

عزيزة:
(بتبتسم بلطف) أنا هنا على طول، أنتم زي أهلي. وعارفة إن سيليا في مكان أحسن دلوقتي، وبصّالنا بابتسامتها الجميلة.

**العيون في الأوضة بتنتقل بين أفراد العيلة، وصمت مؤلم لكنه مليان بالمحبة والتضامن، بعد انتهاء الوليمة جلست عزيزة مع صديقتها نجلاء وهي تواسيها ،و عاد لذاكرتها ذلك الحدث المؤلم**
Flash back ( قبل 7 سنين)

**سيليا تجلس في زاوية الغرفة، وهي ترتجف من البكاء. عزيزة تقترب منها ببطء، تحاول تهدئتها، لكن سيليا كانت تصرخ في هستيريا**

سيليا:
(تصرخ بتوسل) مش أنا! مفيش حاجة حصلت! أقسم بالله أنا بريئة! ليه مش مصدقني، يا بابا؟!

فؤاد يقف في زاوية الغرفة، وهو ينظر إليها بنظرات مليئة بالشك والخوف. نجلاء تبكي في زاوية أخرى، غير قادرة على الكلام.

فؤاد:
(بصوت متردد) سيليا... لو أنتي  بريئة فعلا، عزيزة هتقول.

سيليا:
(تبكي وهي تنهار على الأرض) ليه بتعملوا كده فيا؟ ليه بتسمعوا للناس اللي بيحاولوا يفرقوا بينا؟!

مراد يدخل الغرفة بعصبية، يحاول إخفاء غضبه.

مراد:
(بغضب)  لازم نعرف الحقيقة... دي سمعة العيلة، سيليا!

سيليا:
(تصرخ بألم) أنا بنتكوا! أنا أختكوا! ليه محدش مصدقني؟

عزيزة تتقدم، تحاول التحدث بهدوء، لكن سيليا تنهار بالكامل، جسمها يرتجف وهي تحتضن نفسها، أحمد ينظر لها بخذلان و  سامر و مراد بغضب و يوسف و  ريان ينظران لها بألم و كلاهما يتمنى لو يتمكن من مساعدتها 

عزيزة:
(بحزن) سيليا، هدي نفسك... أنا هنا عشان أساعدك.

سيليا:
(تبكي) مش أنا... مش أنا اللي عملت حاجة غلط! ليه مش عايزين تصدقوني؟

عزيزة تنظر إلى فؤاد ونجلاء، وتعرف أن الوقت قد حان. تنهض ببطء، وتلتفت للجميع بنظرة جادة.

عزيزة: (بحزم) أنا محتاجة أكلم سيليا لوحدها دلوقتي. مفيش فايدة إن الكل يفضل هنا ويضغط عليها.

فؤاد: (بتردد) بس... عزيزة...

عزيزة: (بنبرة هادئة ولكن حازمة) فؤاد، لو عايز تعرف الحقيقة، لازم ندي سيليا مساحة. الكل يطلع برة.

مراد: (يعترض بعصبية) وأنا مش هخرج. دي أختي وسمعة العيلة على المحك!

عزيزة: (بجدية) مراد، سيليا في حالة نفسية صعبة، خروجكم هيساعدني أتعامل معاها. صدقني، أنا هنا عشان أساعدها وأساعدكم كلكم.

فؤاد ينظر إلى نجلاء بحيرة، لكن نجلاء تشير إليه بإيماءة طفيفة تدل على الموافقة. فؤاد يزفر بعمق ثم يومئ لعزيزة.

فؤاد: (بتردد) طيب... احنا هنستنى برة.

ينصرف الجميع ببطء، وعيونهم ممتلئة بالقلق والتوتر. يغلق فؤاد الباب خلفهم، ويبقى الصوت الوحيد هو شهقات سيليا.

عزيزة تجلس بجوار سيليا، وتضع يدها بلطف على كتفها.

عزيزة: (بلطف) سيليا، أنا هنا عشان أساعدك. مش عشان أحكم عليك. احنا كلنا عايزين نتأكد إنك كويسة.

سيليا: (بدموع وعينين غارقتين في الحزن) محدش مصدقني، يا دكتورة... حتى إنتي هتصدقيهم زيهم.

عزيزة: (بحنان) أنا هنا عشانك، يا حبيبتي. خلينا نتأكد ونريح الكل. الموضوع دا مش هياخد وقت.

بعد لحظات صمت ثقيلة، تستسلم سيليا للواقع وتسمح لـعزيزة بإجراء الفحص. الوقت يمر ببطء، وكل لحظة تشعر كأنها أبدية.

بعد الفحص، تنهض عزيزة وهي تنظر إلى سيليا بعينين مليئتين بالأسى.

عزيزة: (بصوت ناعم) إنتي بريئة، يا سيليا. كل الكلام اللي كانوا بيقولوه غلط.

سيليا تنهار تمامًا، تصرخ بألم وتغطي وجهها بيديها.

سيليا: (تصرخ) ليه؟ ليه عملوا فيا كده؟ أنا طول الوقت كنت بقول الحقيقة! ليه مفيش حد سمعني؟

عزيزة تحاول تهدئتها، لكن سيليا كانت غارقة في الحزن والخوف. كل ما بداخلها انفجر في تلك اللحظة.

سيليا: (بصوت متقطع بين الدموع) بابا... وماما... كلهم صدقوا الناس اللي حاولوا يفرقوا بينا. أنا ماليش ذنب! أنا... أنا مظلومة!

عزيزة تحاول تهدئتها قدر المستطاع، لكن الشعور بالخيانة والخذلان كان أكبر من أن يُحتمل.

عزيزة: (بحزن عميق) عارفة إنك مظلومة، وأنا هقول لكل واحد الحقيقة. مفيش حاجة غلط، سيليا، بس لازم تهدي نفسك دلوقتي.
************************

** في المساء ، فؤاد يقف أمام نافذة غرفته، عينيه ضبابيتين، مشوشة، وكأن العالم من حوله تلاشى. كان يحدق في الفراغ، متجمدًا في مكانه، بينما صوت سيليا في رأسه يرن بصوت عالٍ، كأنها لا تزال تصرخ، تتوسل، وتبكي**

هو لا يستطيع الهروب من ذكرياتها، من تلك اللحظات التي ظن فيها أنه كان يفعل الصواب، بينما كان يقتلع قلب ابنته دون أن يشعر.

فؤاد: (بصوت خافت، وهو يمسح دمعة خفية من عينيه) أنا... أنا كنت المفروض أصدقها. كنت المفروض أوقف في صفها بدل ما أصدق كلام الناس. ليه، يا سيليا؟ ليه مكنتش معاك؟

يضع يده على جبهته، والدموع تتساقط منه دون أن يشعر. يتذكر كل شيء: صوتها الطفولي، ضحكتها البريئة، وحبها الكبير للعائلة. وكيف كان يهتم بها، يراها آخر العنقود، ويشعر بالفخر بها، لكنه في لحظة ضعف، في لحظة غضب، ترك نفسه يصدق الآخرين على حساب ابنته.

فؤاد: (بهمسات، وكأنه يخاطب نفسه) لو كنت صدقتها... لو كنت واقف جنبها، كان كل حاجة بقت غير كده. مش بس أنا اللي ضيعت... أنا ضيعت روح... ضيعت بنوتي اللي كانت كل حياتي.

يتنهد بعمق، ثم يمشي باتجاه صورة لسيليا كانت موضوعة على الطاولة في غرفته . يلتقط الصورة بين يديه، ويحدق في وجهها البريء، وكأنها تنظر إليه، تتساءل عن سبب غياب الثقة.

فؤاد: (بصوت مرتجف) كانت بتحبنا قد إيه... كانت بتحبنا قد إيه، وأنا... أنا اللي جعلتها تشعر إنها لوحدها. لو كنت بس هديت، لو كنت بس... لو كنت أنا اللي صدقتها.

يجلس على الكرسي، يدفن وجهه بين يديه، بينما تدمع عيناه بغزارة. ثم يعود ليتذكر الصوت الذي كان يتردد في أذنه عندما خرج من الغرفة بعد أن ظن أن ما فعله كان الحل الوحيد:

سيليا (في ذاكرته): (بصوت مكسور) ليه مش مصدقني؟ ليه بتسمع لناس مش عايزة خير لينا؟!

فؤاد ينقض على الصورة في يديه بشدة، وكأنها آخر رابط له بالعالم الذي فقده. قلبه يعتصر، ولا يستطيع أن يغفر لنفسه.

فؤاد: (بصوت مكسور) لو رجع بي الزمن... لو رجع بي الزمن، كنت هعمل كل حاجة عشان أحميك. كنت هصدقك، كنت هقول لك إنك مش لوحدك... لكن الزمن ما بيرجعش، وأنا دلوقتي مفيش حاجة أقدر أعملها عشان أرجع اللي فات.

دموعه تتساقط بحرقة، وكأنها مشاعر متراكمه طوال سنوات، لا يقدر أن يعبر عنها بالكلمات. لكن الندم يلتهمه في تلك اللحظة.

فؤاد (بهمس): (مكملًا بنفس الصوت المرتجف) كان المفروض أكون الأب اللي يحمى، مش الأب اللي يتخلى.
*********************

**البيت في صمت قاتل. فؤاد يجلس على الكرسي في الزاوية، عينيه ضائعتان بين الذكريات والندم. جليل يدخل الغرفة بهدوء، وجهه يحمل تجاعيد العمر والتجارب. عندما يرى شقيقه في هذا الوضع، لا يحتاج لكثير من الكلمات. يشعر بما يعانيه فؤاد دون أن يحتاج أن يوضح له**

جليل: (بصوت هادئ، يقترب من فؤاد) فؤاد... ما كانش لازم تصدق الشكوك. ما كانش لازم توصل لحد هنا.

فؤاد يرفع رأسه ببطء، وعينيه مليئتان بالدموع. قلبه مكسور، ولا يزال يشعر بعذاب تلك اللحظات التي كان فيها محاطًا بالظلام، لا يعلم أنه يدمر ما كان أغلى ما لديه.

فؤاد: (بصوت مكسور) جليل... أنا ظلمتها. شكيت في بنتي... ما صدقتش كلامها. واللي عملته ما كانش صح... كانت بريئة، وأنا ما صدقتش.

جليل يقف خلفه، يضع يده على كتفه بشكل أبوي، يحاول أن يخفف من ألم شقيقه، الذي يشعر به كما لو كان هو الآخر في وسط العاصفة.

جليل: (بصوت ثابت، وكأنه يوجه كلمات حكيمة) فؤاد... نحن بشر. كل واحد فينا بيغلط. الندم مش هيرجع لنا سيليا، لكننا لازم نترحم عليها ونعرف إنها راحت بظلم كبير. هي في مكان أفضل دلوقتي، ومهما كان الحزن، لازم نعرف نكمل.

فؤاد يضغط على جبهته بين يديه، كأنه يحاول أن يوقف تدفق الذكريات، لكنه لا يستطيع. هناك شيء في داخله يشعر بأنه لا يستحق الرحمة بعد الذي حدث.

فؤاد: (وهو يختنق بالبكاء) لو كنت سمعت كلامها... لو كنت صدقتها، يمكن كان كل شيء اتغير. كانت هربت... وما كانش لازم تموت كده.

جليل يسحب نفسًا عميقًا، وينظر إلى شقيقه، عينيه مليئتين بالأسى. لكن رغم ذلك، كانت هناك بصيص من الأمل في كلماته.

جليل: (بهدوء) كل شيء انتهى، فؤاد. سيليا راحت، وما فيش حاجة هترجعها. لكن أنت لسه هنا، ولسه عندك فرصة تعيش وتكمل عشانها. الدنيا مش هتقف هنا، وده امتحان لينا جميعًا.

فؤاد يرفع رأسه ببطء، يشكر شقيقه بنظرة مليئة بالعرفان، رغم الألم الذي لا يفارقه.

فؤاد: (بصوت متعب) أنا مكسور يا جليل... مكسور لدرجة إني مش عارف أعيش من غيرها.

جليل ينحني قليلاً نحو فؤاد، ثم يربت على قلبه.

جليل: (بحنو) كل واحد فينا بيعيش مع الألم، بس مع الوقت بيبدأ يخف شوية. احنا لسه في هذه الدنيا عشان نكمل، وما نخليش الندم يقتلنا. سيليا هتظل في قلوبنا للأبد.
********************

**في مقر المخابرات المصرية، غرفة صغيرة هادئة، والأضواء خافتة. تميم، الضابط الشاب القوي، يجلس خلف مكتبه وقد غلفه الحزن. عينيه ضبابيتان من التعب والندم. أمامه صديقه المقرب، زين، الذي يراقب تميم بحذر، يعرف جيدًا ما يعانيه صديقه، هو دائما هكذا، تارة يمرح وهو يحاول اخفاء ذنبه و ألمه و تارة اخرى يكون على هذه الحالة**

تميم:
(بصوت مثقل بالحزن) ما كنتش قادر أعمل حاجة، زين. كنت هقبض عليهم... على المجرمين اللي كانوا وراء كل حاجة، بس ... سيليا... راحت قبل ما أقدر أحميها. راحت ظلم.

زين:
(بهدوء، وهو يضع يده على كتف تميم) ما كانش بإيدك، تميم. أنت بتعمل كل اللي تقدر عليه عشان تحمي الناس، بس  في حاجات أكبر مننا.

تميم:
(بغصة في صوته) كنت بحاول أوقفهم... كنت متأكد إنهم وراء الجريمة دي. بس بعد ما سيليا ماتت، حسيت إن كل شيء انهار. كل حاجة في حياتي اتغيرت.

زين:
(بصوت دافئ) أنا عارف إنك حاولت، بس ساعات الحياة مش بتديك الفرصة. لازم تتقبل ده، ومهما كان الندم كبير، ما تقدرش تغير اللي حصل.

تميم:
(بصوت مكسور) لو كنت وصلت لهم أسرع، يمكن كان فيه أمل.

زين:
(بتفهم) لكن إنت مش لوحدك، تميم. العيلة كلها متألمة، لكن لازم تكون قوي دلوقتي. مش بس عشان سيليا، لكن عشان نفسك كمان.

تميم يرفع رأسه ببطء، ويحاول السيطرة على مشاعره، لكنه لا يستطيع إخفاء الألم الذي يملأ قلبه.

تميم:
(بصوت حزين) مفيش حاجة هتعوضني عن اللي فقدته. سيليا كانت أكثر من أخت لي. كان عندها حياة، وأحلام، وكل ده اتدمر.

زين:
(بصوت حازم) أنا معاك، تميم. هتكون أقوى من ده كله. سيليا هتظل في قلوبنا، وكلنا هنكمل على خطاها.

تميم ينظر إلى زين، نظرة مليئة بالتقدير والامتنان، لكنه لا يزال غارقًا في حزنه، محاولًا التماسك وسط هذا العذاب الذي لا ينتهي.
*********************

**في شقة فاخرة في دبي، ريحة العطور الثقيلة ماليه المكان، والأنوار الخافتة في الليل بتعكس الظلال على الحيطان. جاد، الشاب الوسيم، قاعد على الكنبة مرتاح، و لارا، عشيقته، قاعدة جنبه، ويديها على صدره. المكان مليان صمت مشحون بالرغبة. الجو بارد شوية، وفي فوضى خفيفة من هدوم متبعثرة وحاجات مش مرتبة**

لارا:
(بتضحك بخبث، ويديها بتلعب في شعره) جاد... هتفضل كده متجنبني؟ سيبت كل حاجة في مصر، وجيت هنا لقيت الراحة معايا، صح؟

جاد:
(من غير ما يهتم، وبصص ليها بعين مليانة لامبالاة) مفيش حاجة جديدة... حياتي كلها كانت لعبه. سيليا والعيال في مصر، وأنا هنا عايش حياتي زي ما أنا عايز. ما دامهم بعيد، مفيش مشكلة.

لارا:
(بتقرب منه أكتر، وبتتكلم بتحدي) يعني لو سيليا عرفت هتقدر تواجهها؟ مش خايف؟ العيال مش هيفهموا؟

جاد:
(من غير ما يهتم، بيضحك ضحكة حازمة) سيليا في مصر، مش هيفهموا حاجة. العيال لسه صغار، وأنا مش فارق معايا فيهم. أنا هنا في دبي عايش لحظات لحالي. مش هبني حياتي على أكاذيب أو على ماضي.

لارا:
(بتحدي أكبر) يعني، سيليا دي بقيت مجرد ذكرى ليك؟

جاد:
(بيضحك ضحكة ساخرة) لو هي ذكرى، فهي كده... وكل حاجة في حياتي هنا ليها الأولوية. سيليا كانت بس ست، وهنا لارا موجودة، وعندي كل حاجة أنا محتاجها.

لارا:
(بهمس، وبتقرب وشها منه) مش عارفة إذا كانت هترضى لو عرفت الحقيقة.

جاد:
(بيضحك بسخرية) أنا عارف أعمل إزاي مع الكل. هي في مصر، والعِيال مش مهمين. أنا هنا في دبي... معاكِ، ده اللي يهمني.

لارا:
(بتردد) بس... لو الدنيا اتقلبت، مش هتكون لوحدك. سيليا، العيال... هيفضلوا لحد ما تروح وتيجي.

جاد:
(بإصرار) مش هيفرق معايا. حياتي هنا أهم من كل حاجة.

في اللحظة دي، عين جاد وقعت على لارا وهي مبتسمة ليه، وهو شارد في أفكاره، بعيد عن ماضيه اللي سيبه في مصر، وحياته اللي اختار يعيشها هنا في دبي.

 •تابع الفصل التالي "رواية قيود العشق (2)" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent