رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الفصل السابع و العشرون 27 - بقلم فاطمه طه
“عالمي الذي لم يكن باردًا ولا ساخنًا أصبح دافئًا بعد أن التقيتك”
#مقتبسة
مِل برأسك على كتفي، سأعطيك أماناً أفتقدُه..
#مقتبسة
أميل نَحوك أنا ورغباتي رغمًا عن الثبات .
#مقتبسة
________________
” شكرًا على الهـديــة ”
قالت ريناد وقتها جملتها الأخيرة بهدوء ثم ألقت التحية وأغلقت الباب دون حتى أن تهتم لمعرفة رد فعله، لأنها تعلم بأنه لن يواجهها…لا تدري كان هذا أحساسها على ما يبدو هي أصبحت تعرفه كثيرًا، تحفظ رد فعله عن ظهر قلب….
ومن غيرها قد يعلم؟!…
فأغلب المصائب التي فعلتها في حياتها كان هو بها…
لم تكن حور قد أخبرتها بشيء بل ظلت على موقفها بأنها عرفت بعدة طرق أخرى ولم تتحدث بأي كلمة قد تدل على أن دياب هو مصدرها أبدًا ظلت على العهد بينها وبين دياب، لكن صعب على ريناد تصديقها…أو رُبما كانت تصدق قلبها أكثر من أي شيء…
كان حدسها يخبرها بأنه هو من أراد أن يهديها هدية في يوم مولدها بعد الأمر الذي حدث بينهما حينما أعطاها الطرد الخاص بها..
صعد دياب على الدرج وفتح الباب بمفتاحٍ من المفاتيح التي تتواجد بين يديه ثم ولج وهو يصيح مناديًا باسم حور التي جاءت من المرحاض لا تدري ما يحدث…
-أنا اهو يا دياب في إيه بتزعق ليه كده؟؟؟.
هتف دياب وهو يمسكها من معصمها متوجهًا بها إلى حجرته سابقًا ومغلقًا الباب خلفهما تحت أنظار أطفال شقيقته…
-تعالى أنا هقولك يا حلوة في إيه…
ابتعدت عنه حور ثم صعدت فوق السرير هاتفة بتردد وخوف حقيقي:
-في إيه بس يا ديبو يا حبيبي؟ إيه اللي معصبك كده؟! لا عاش ولا كان اللي يضايقك يا غالي…
كز دياب على سنانه هاتفًا بغضب واضح:
-هو أنا يا بنت أنتِ مش نبهت عليكي مليون مرة أنك متنطقيش قصادها بحاجة؟؟.
هتفت حور بجدية وهي تقسم له:
-والله العظيم ما نطقت بكلمة تخصك وكل ما كانت تحاول تزنقني بالكلام كنت بتوه وبحاول افهمها إني عرفت بطريقتي..
ثم أقسمت مرة أخرى تؤكد موقفها:
-اقسم بالله ما جبت سيرتك أصلا..لو كنت جيبتها كنت قولت أنا بعترف من قبل أول قلم أصلا..
صرخ دياب غاضبًا وحانقًا إلى أقصى حد:
-اومال هي عرفت منين مدام أنتِ منطقتيش زي ما بتقولي، ده أنا محذرك أومال لو مكنتش حذرتك كنتي عملتي إيه؟! نشرتيها على الفضائيات…
تحدثت حور بتردد وخوف:
-يمكن شغلت دماغها زيادة عن اللزوم المرة دي.
قاطعها دياب ساخرًا من كل شيء يحدث معه:
-لا دي غبية مبتعرفش تشغل دماغها أصلا
هتفت حور بنبرة جادة لا تتماشى مع كلماتها:
-يمكن المرة دي فلحت وعرفت تجيبها على حظك الفقري…
جحظت عين دياب وكان على وشك أن يفتك بها لولا الباب الذي فتحته والدته على مصراعيه هاتفة بضيقٍ حقيقي:
-بتزعق لاختك ليه يا دياب كده؟!.
هتف دياب بنبرة ذات معنى وهو ينظر إلى حور محذرًا أياها للمرة الأخيرة من أن تنطق حرف:
-مفيش يا ماما بزعقلها شوية علشان مبقتش تركز في مذاكرتها كويس وخلاص الامتحانات كل شوية بتقرب أكتر وأخر ثلاث شهور دول بيعدوا هوا….
نظرت له والدته باستغراب ولم تعقب على هذا الأمر…
لكنها لم تصدقه، منذ متى ويتحدث دياب بتلك الطريقة والصوت العالي من أجل دراسة شقيقته؟!.
يجب عليها الحديث معه فيما بعد وتحاول أن تخبره بأن يتوقف عن تلك الطريقة لكن ليس الآن..
هتفت حُسنية بنبرة هادئة:
-طب يلا أنتَ وهي الأكل خلاص اتحط على السفرة..
…بعد مرور نصف ساعة…
كان دياب يتناول الطعام بدون شهية أو رغبة وها هو يجلس على المقعد الخشبي في الشرفة يقوم بتدخين سجائره وهو يشعر بالغضب الكبير لم يكن يرغب في أن تعرف ريناد أبدًا بأنه هو من أتى بالهدية…
لم يكن يرغب بأن تظن بأنه مهتمًا أو تفهمه بشكل خاطئ، هو فعل هذا من أجل……
لحظة…
هو لا يدري لما فعل هذا من الأساس؟!!
هل لأنه شعر بالشفقة حينما أحرجها وقت استلام الطرد؟!..
حسنًا هذا هو ما حدث معه…
لأنه لا يوجد أي سبب أخر…..
أتت إيناس من الداخل وهي تحمل كوب الشاي بالنعناع له ثم وضعته على السور تحت أنظاره هاتفة بتوتر..
-دياب أنا عايزة أقولك على حاجة حصلت النهاردة يعني.
هتف دياب بترقب:
-اتفضلي..
أخذت نفس عميق ثم أخذت تخبره:
-أنا كنت في المستشفى أخر مرة مع ماما وبالصدفة عرفت أنهم طالبين حد في الاستقبال فأنا روحت ومليت الابلكيشن وهما كلموني.
قال دياب بعدم فهم:
-طب وفين المشكلة مش فاهم يا إيناس؟!
غمغمت إيناس بنبرة متوترة:
-معرفش حساها بعيد عني وكمان…
قاطعها دياب بنبرة عقلانية:
-والله مش حكاية كده ده بس علشان أول مرة فأنتِ خايفة وده طبيعي روحي مش مشكلة شوفي الكلام عجبك ولا لا مرتاحة ولا لا؟!! وبعدين قرري مدام جت ليكي فرصة روحي شوفي الدنيا…
ابتسم لها ثم غمغم بنبرة مرحة:
-غريبة يعني أنك مترددة اللي يشوفك وأنتِ هتموتي وتلاقي فرصة شغل ميشوفكيش وأنتِ دلوقتي قلقانة بالشكل ده..
تحدثت إيناس بنبرة حقيقية رغم أن سبب من أسباب رفضها أن المكان مكانه:
-يمكن زي ما أنتَ قولت ده خوف من التجربة لأول مرة زي كل حاجة بنخاف منها…
نهض دياب من فوق مقعده الخشبي ثم ترك قُبلة على رأسها هاتفًا بحنان:
-علشان كده أكسري خوفك وخدي الخطوة…بقولك إيه اشربي أنتِ الشاي أنا هنزل لنضال قبل ما أروح استلم التوكتوك…
____________
اليوم ذهب نضال وزهران برفقة وفاء من أجل تحليل الحمض النووي ( DNA) في أحد المعامل التي يعرفها نضال ويعمل فيها صديقه…
ثم عاد والده وتلك الفتاة إلى المنزل وجاء هو إلى “مشويات خطاب” مصطفى، وعندما تلقى اتصال من دياب بأنه يرغب في رؤيته ذهب إلى المقهى….
في البداية كان دياب يرغب في إخباره بموافقته على أمر المشروع الذي طرحه عليه لكنه اندهش من حالته الغريبة تلك وعند سؤاله ما يحدث معه أجاب نضال على الفور مخبرًا أياه بما حدث من دون مماطلة.
حاول دياب مواساته رغم صعوبة الأمر حتى أن كلماته لم تكن كافية وهذا رُبما لأنه في بعض الأحيان الكلمات قد لا تصف بشاعة الموقف أو حتى تستطيع المواساة:
-خير يا نضال ان شاء الله متقلقش بإذن الله خير.
رد عليه نضال بنبرة باهتة:
-ان شاء الله…
قرر دياب الحديث بنبرة مرحة معه لعل الأمر قد يخفف عنه فهو لا يتقن فن المواساة:
-يا عم مهوا برضو كان شيء متوقع أبوك كان مخلف اتنين بس مش لايقين مع عدد الجوازات مفيش نسبة وتناسب، ده أبويا عمل اسكور أعلى منه مع واحدة بس.
ابتسم نضال من وسط همه على كلمات صديقه هاتفًا:
-أه وماله..
ثم أسترسل حديثه بنبرة جادة، وهو يستسلم إلى الأمر الواقع:
-احنا عملنا التحليل وادينا مستنين النتيجة خير ان شاء الله.
-ان شاء الله.
صمت دياب بعدما خرجت منه تلك الجملة ليتحدث نضال محاولًا أن يمارس حياته بشكل طبيعي وأن يسأل صديقه عن أحواله:
-أنتَ إيه أخبارك، وأخبار الدنيا معاك؟!..
في الواقع دنيته ليست جيدة من أجل هدية أتى به وهذا شيء مثير للسخرية حقًا….
تمتم دياب بنبرة هادئة:
-الحمدلله، يعني الوضع زي ما هو في كله مفيش جديد.
تحدث نضال بنبرة عادية وهو ينظر له:
-ها إيه الأخبار فكرت في اللي قولتلك عليه؟.
اندهش دياب من أن نضال يحدثه في أمر هكذا في تلك الظروف المحيطة به لكنه أجاب عليه بنبرة مترددة في قول القرار الأخير:
-والله أنا موافق وهتوكل على الله وربنا يسترها…
كاد نضال أن يتحدث ويرد عليه لكن قاطعه صوت هاتفه الذي أعلن عن اتصال من طارق…
-اهو طارق بيتصل أهو جاي في وقته…
______________
استيقظت يسرا في الصباح وكانت سلمى قد ذهبت إلى عملها اليوم مبكرًا لذلك لم تجد فرصة مناسبة للحديث معها عما حدث ليلة أمس بعدما قرأت رسالتها وعرفت بأنها هبطت ثم أتت….
لذلك الوقت الوحيد الذي سمح لها بأن تتحدث فيه هو وقت الغداء حينما عادت سلمى من العمل لمدة ساعتين ثم سوف تعود مرة أخرى حتى تغطي زميلتها في العمل وسوف تحضر بدلًا منها….
فجلست معها على طاولة واحدة وقبل أن تبدأ الحديث هي كانت سلمى هي التي تفتتح الحوار وكأنها تحاول التبرير على نظرات من والدتها تشعر بها وتزعجها لذلك بدأت تخبرها ما حدث ليلة أمس بداية من مكالمة جهاد لها حتى عودتها…
تمتمت يسرا بنبرة جادة وساخرة من حالها وما رأته في حياتها:
-والله لو كان زمان كنت قولت مفيش حاجة من دي ممكن تحصل غير في الافلام، بس اللي الواحد شافه وحصل معاه ومع اللي حواليه بقى يقدر يتوقع أي حاجة نفوس الناس بقت مريضة وصعبة.
سألتها سلمى بنبرة جادة:
-هي ممكن فعلا واحدة ست تعمل كده؟!.
هتفت يسرا وهي تعقد ساعديها ولم تمس الطعام حتى الآن مثل سلمى، أخذهما الحديث:
-فيه يا بنتي للأسف، في ناس بتعمل تصرفات متتخيليش أن ممكن بني ادم يعملها أصلا لكن ده مش موضوعنا اللي عملتيه امبارح ميصحش.
قالت سلمى بنبرة حانقة وهي تحاول الدفاع عن نفسها:
– جهاد قالتلي الموضوع وأن نضال لوحده وأنا كنت عايزة اطمن عليه مش أكتر وبعدين أنا روحتله فين يعني؟! ده هنا مش بعيد وفي المحل بتاعه ورجعت بسرعة مكملتش نص ساعة أصلا..
لا تدري يسرا هل غضبها طبيعي؟!
أم أنها تقوم بتضخيم الأمور؟!
لكنها أعتادت القلق عمومًا عن أي تصرف يخرج منها أو يخرج من بناتها كونها أمرأة تعيش بمفردها…
عليهن الحفاظ على خطواتهن..
هتفت يسرا بنبرة جادة:
-برضو مكنش بنفع تنزلي في وقت زي ده ولو كان الموضوع مهم للدرجة كنتي صحتيني من النوم ونزلت معاكي لكن متنزليش لوحدك..
قالت سلمى بانزعاج حقيقي مجادلة أياها لا ترغب في أن تكون موضع اتهام أو شك أو أن تكون في موضع يجعلها ترغب في قول تبرير قد يشفع لها:
-ماما نضال جوزي.
تحدثت يسرا بنبرة واضحة رغم شعورها بانزعاج سلمى لكنها مازالت متمسكة برأيها:
-وأنا مقولتش حاجة بس برضو لازم تاخدي بالك من تصرفاتك زي ما طول عمرك كنتي بتعملي، نزول في وقت متأخر زي كده ميصحش وأنا من حقي عليكي أني انصحك وانبهك لأي حاجة متاخديش بالك منها..
هتفت سلمى بنبرة منزعجة:
-ده كان ظرف وأكيد مش هعمل كده تاني، وحتى نضال نفسه قالي إني غلطت لما نزلت في وقت زي ده.
قالت يسرا ببسمة حنونة:
-وأنا مقولتش حاجة يا سلمى خدي الأمور والكلام بصدر رحب واسمعي من اللي أكبر منك بلاش كل حاجة تكوني كده مش طايقة نفسك اسمعي الكلام وافهميه أنا بتكلم لمصلحتك.
ردت عليها سلمى بفتور:
-حاضر يا ماما.
_______________
يجلس زهران على الأريكة وأرجيلته الحبيبة بين يديه “أصيلة” منذ أن عاد وهو يدخنها بشراهة عجيبة.
هو يشعر بالجنون على أية حال منذ أن جاءت تلك الفتاة إلى منزله وبسبب ما قالته، الأمر عجيب…
كيف من الممكن أن تفعل به ميرفت هذا؟!
حتى ولو كان بينهما العديد من الشجارات التي لم يكن هو سببها..
هل هناك مبرر بأن تفعل هذا؟!.
الإجابة هي أبدًا بأنه ليس هناك أي مُبرر من وجهه نظره……
صدع صوت رنين الجرس فقاطع كل أفكاره، لذلك نهض من مكانه بعدما ترك خرطوم الأرجيلة وتوجه صوب الباب ليفتحه…
وجد أمامه زوجة شقيقه ” انتصار”..
-أهلا يا انتصار اتفضلي..
أنهى حديثه وولج إلى الداخل ثم جلس على الأريكة مما جعل انتصار تدخل خلفه وهي تحمل أحدى القطط التي تقوم بتربيتهم في البناية والتي تتجول وتعود مرة أخرى لها؛ لكن أخذت القطة تتحرك في أحضانها فتركتها تخرج للخارج وولجت بعدما تركت الباب مفتوحًا ثم جلست على أحد المقاعد…
-إيه اللي سمعته ده يا زهران؟! ده أنا مصدقتش لما الواد سلامة قالي لدرجة إني افتكرته بيهزر زي عادته أنا مش مستوعبة يا زهران..
تمتم زهران باقتضاب وهو ينظر لها بعدما سحب نفس من أرجيلته:
-ولا أنا مصدق يا انتصار أول مرة أكون في حياتي مش عارف ولا فاهم حاجة، ولا عارف إيه اللي مفروض أعمله، يمكن ده أكتر وقت كنت محتاج اخويا الله يرحمه فيه يدلني أعمل إيه أو يفهمني اللي بيحصل لأني مش فاهم حاجة خالص..
قالت انتصار بحزن شديد لم تساعد السنوات في تخفيفه:
-ربنا يرحمه يا زهران..
ثم حاولت تغيير الموضوع، لأن الأمر لا يحتمل الحزن والنواح على الميت بعد الكارثة التي سمعتها…
-زهران هو أنتَ من ساعة ما طلقت ميرفت مفكرتش تسأل عنها أو تروحلها خالص؟! طول السنين دي كلها متواصلتش معاها طيب؟
تحدث زهران بنبرة جادة:
-لا متواصلتش معاها عرفت أنها بعد شهور العدة هتتجوز أخو وفاء ومن ساعتها لا فكرت اسأل عليها ولا فكرت أعمل حاجة، يعني اللي أنا بقوله تعرفيه مش جديد عليكي..
تمتمت انتصار بتردد:
-انا مبحبش أظن في حد الظن الوحش بس يمكن البت دي جاية تنصب عليك يا زهران…
هتف زهران بنبرة ساخرة بعض الشيء:
-مفيش حد هيجي ينصب في حاجة زي دي يا انتصار هي مش جاية لناس عبيطة، وأكيد عارفة أننا مش هنصدق مجرد كلام وادينا الصبح روحنا عملنا التحليل ومستني اعرف ان شاء الله.
تحدثت انتصار بعدم استيعاب:
-يعني أنتَ شايف أنها بتقول الحقيقة وممكن تكون بنتك بجد؟!
كان صمته هو الإجابة عليها…
هو ما وضح ما يفكر به..
لكن هذا جعل انتصار تتحدث باستغراب كبير…
-بصراحة الموضوع غريب يا زهران معقولة ميرفت اتجننت ساعتها أنها تخبي حاجة زي دي؟! وحتى لو كده مفيش بني أدم في عيلتها عنده ضمير أنه يقول الحقيقة؟! معقول كلهم ميعرفهوش ربنا أنهم يسكتوا السنين دي كلها؟!..
تحدث زهران بنبرة جادة:
-يمكن محدش كان يعرف فعلا إلا الحرباية الـ****** اللي اسمها وفاء هي واخوها دي، لو طلعت فعلا بنتي أنا محدش هيحوشني عنهم……..
_______________
في المساء….
كان يقف نضال أسفل البناية الذي يتواجد فيها صالة الألعاب الرياضية التي تعمل فيها سلمى…
خرجت سلمى من البوابة هاتفة باستغراب بمجرد أن رأته يستند على سيارته في انتظارها بعدما شعر بالضيق والملل من الجلوس بداخلها..
-مقولتش يعني أنك جاي..
تحدث نضال بنبرة هادئة لكن ملامحه كانت جامدة إلى حدٍ كبير:
-ابدًا حبيت إني اشوفك ونقعد في أي حتة.
تذكرت سلمى تحذيرات والدتها والحديث الذي دار بينهما مما جعلها تتفوه بنبرة هادئة:
-ماشي أنا معنديش مشكلة هكلم ماما أخذ أذنها الأول.
لم يكن يرغب في الدخول في نقاش طويل في تلك النقطة لذلك هز رأسه موافقًا مراقبًا أياها وهي تخرج الهاتف من حقيبتها الجلدية حتى تتحدث مع والدتها التي وافقت على شرط ألا تتأخر…
وكانت بالفعل تجلس أمامه بعدما أتى النادل بالمشروبات التي طلبوها…
هي طلبت عصير طازج من دون إضافة سكر بينما هو طلب قهوته المعتادة “قهوة سادة” وكان هذا بعدها رفضت سلمى تناول الطعام لأنها تناولته في المنزل قبل أن تعود مرة أخرى…أما هو فاقد للشهية في كل الأحوال لذلك لم يصر على تلك النقطة…
تحدثت سلمى وهي تعقد ساعديها:
-يعني عملتوا التحليل؟!
هز نضال رأسه موافقًا هاتفًا ببساطة:
-اه وفي انتظار النتيجة ان شاء الله، وبعدين أنا مش عايز أتكلم في الموضوع ده لغايت ما نعرف النتيجة إيه ان شاء الله غير كده مش حابب أتكلم بصراحة في أي حاجة سواء الموضوع ده أو غيره حتى..
تمتمت سلمى باستغراب وهي تسأله:
-يعني أنتَ جايبني علشان تقولي أنك مش حابب تتكلم؟!.
هتف نضال بنبرة هادئة:
-أنا أول ما شوفتك قولتلك إيه؟!.
-أنك عايز تتكلم معايا..
هز رأسه نافيًا وهو يصحح كلماتها:
-لا قولتلك أني حبيت اشوفك وأن نقعد في أي حتة.
تمتمت سلمى بعدم فهم:
-أنا مش فاهمة الفرق بصراحة؟! ما الحاجتين نفس المعنى..
قال نضال بنبرة هادئة:
-الفرق إني مش عايز اتكلم بس عايزك قصادي أشوفك وتكوني موجودة لا أكتر ولا أقل ممكن؟!.
لم تفهمه كلماته غريبة مثل نظراته لها..
لكنها لا تدرك بأنه بات يحب مشاركتها وقته..
وقت مثل هذا يرغب في وجودها معه حتى ولو ليس لديه طاقة أو رغبة واضحة في الحديث يكفي أنها تشاركه حتى صمته، بدأ يتعلق بها لن ينكر كما أصبحت تشكل جزء من يومه..
يرغب في الشعور بالأمان والسكينة في وجودها أمام عيناه….
سألها بنبرة هادئة:
-إيه رأيك لو نطلب حاجة أنا مش جعان بس حاسس إني عايز أكل حاجة حلوة إيه رأيك؟!..
______________
تسمع “سامية” صوت خرير الماء الذي يأتي من المرحاض وهي تجلس على الفراش في الفندق تستمع إلى ما تقوله والدتها بدهشة كبيرة…
غير مصدقة أبدًا ما تسمعه…
-معقول يا ماما؟! أنا حاسة إني بسمع فيلم هندي بجد…….
في الوقت ذاته كان حمزة يأتي من المرحاض وهو يرتدي روب الاستحمام، وسمع ما تقوله زوجته…وحينما رأى الهاتف على أذنيها علم بأن هناك مكالمة لها وفي الغالب هي مع والدتها…وصدق ظنه….
سمعت سامية شيئًا من والدتها فغمغمت:.
-خلاص تمام روحي خلصي اللي وراكي وأنا هبقى أكلمك بليل سلام يا ماما..
هكذا انتهت المكالمة وكان حمزة يجفف خصلاته أمامها وبمجرد أن أنتهى أخذ يمشط خصلاته هاتفًا بفضول لن ينكره:
-في إيه يا سامية؟.
قالت سامية بتردد:
-مفيش..
تحدث حمزة بانزعاج واستنكار شديد من إصرارها على إخفاء الأمر عنه:
-اتعميت يعني أنا يا سامية؟! ما أنا شايف قالبة وشك وسامعك بتكلمي طنط وواضح في حاجة، اتكلمي هتخبي عني يعني؟!.
أخبرته بما سمعته من والدتها دون أن تنقص أو تزيد حرف واحد مما جعله يتحدث متهكمًا:
-البت دي نصابة أكيد، مفيش واحدة هتعمل كده إلا لو كانت مريضة نفسيًا، أنا لو من عمك أبلغ عنهم…
غمغمت سامية رغم كل شيء:
-مش عارفة يا حمزة بس حاسة أنه ممكن في ناس نفوسها وحشة وياما الواحد سمع بلاوي وحكاوي محدش يصدقها.
-دي نصابة يا سامية وده هيظهر أكيد لما نتيجة التحليل تطلع ومدام أصروا يعملوه أنا متاكد ممكن يصحوا من النوم في يوم يلاقوها فلسعت، فكك منهم وركزي معايا بقا…
قال كلماته الأخيرة وهو يقترب ثم جلس جوارها على الفراذش، يداعب وجهها وأنفها بأنامله هاتفًا:
-تحبي نعمل إيه النهاردة يا قلبي؟!..
-معرفش يا حمزة أنا اتخنقت مرة واحدة…
ترك حمزة قُبلة على وجنتيها حنونة وشغوفة، مفعمة بالمشاعر مغمغمًا بصوتٍ هامس:
-لا أنا مش هسمح لحد ابدًا أنه يعطلنا أو يشغلنا أحنا جايين ننبسط وبس، قومي خدي شاور حلو كده والبسي ونفكر ننزل نعمل إيه يا قلبي.
__________
منذ أيام تتصل به…
قبل أن تتوفى والدتها وهو مختفي تمامًا….
أتصل بها معتذرًا بأن هناك بعض الأمور التي تجعله لا يستطيع الحضور والاتيان من أجلها….
ولا تدري أي ظرف قد يجعل رجل لا يأتي أو يهتم بخطيبته بعد وفاة والدتها..
هل أصابه مكروه؟!
هل حكث له شيء وهي لا تعلم؟!.
يا ليتها تعرف أي شخص من عائلته قد تطمئن عليه من خلاله..
هذا الاختفاء مريب..
حسنًا لم تكن تحبذ فكرة ارتباطها وخطبتها به في البداية بل الأمر كله بسبب الشخص التي كانت تظنه أبيها هو من فرض عليها الأمر…
لكن رغمًا عن أنفها هي ترى بأنه يجب عليه أن يقف بجوارها في وقت هكذا؛ يجب أن يكون موجودًا…
هي تعلم اسم المنطقة لكنها لن تذهب وتقوم بسؤال كل شخص فيها من أجل معرفة مكانه…
هذا شيء مستحيل…
كانت تظن بأنه من الممكن أن يساعدها في إيجاد مأوى لها…
هنا لا أحد يقبل بها أبدًا…
في الواقع….
هي ليست أفضل منهم حالًا لكنها لا تكن لهم الحب ولا الكره هي فقط فارغة تجاههم وكأن الظروف هي من تجعلها فقط تحتك بهم…
“الرقم الذي طلبته غير متاح حاليًا من فضلك حاول الاتصال في وقتٍ لاحق”
لقد سئمت من تلك الجملة من كثرة ما ترددت على مسامعها الفترة الأخيرة عند الاتصال بـخطيبها الذي رسب في أول امتحان فعلي كانت ترغب فيه أن يثبت لها بأن شعورها بعدم الراحة تجاهه كان شعورًا عبثيًا منها..
لكن على ما يبدو كانت محقة…
قاطع خلوتها مع ذاتها..
رنين الجرس…
فوضعت الحجاب الخاص بها بشكل عشوائي بعدما التي خلعته عند عودتها في الصباح ومازال على المقعد في مكانه فهى لم تأتِ بملابس من الأساس…
لم يكن لديها متسع من الوقت لفعل هذا….
فتحت الباب لتجد أمامها زهران يحمل بعض العلب البلاستيكية التي تحفظ الطعام وبعض الأكياس بداخلها…
هتف زهران حينما رأها بنبرة غير مفهومة بالنسبة لها:
-دول شوية حاجات علشانك مدام لسه مطولة شوية عقبال ما نتيجة التحليل تطلع وشوية وهبعتلك حاجات من السوبر ماركت..
قالت وفاء بنبرة متوترة:
-ملهوش لزوم تتعب نفسك.
مد يده لها بالعلب وهو يهتف بنبرة غريبة وقلق لا يفهم سببه:
-مفيش تعب ولا حاجة..
أخذتها منه ثم ولجت ووضعتها على السفرة وجاءت مرة أخرى لتسمعه يعقب بنبرة جادة جعلتها تدرك بأنه يهتم بالفعل بالكثير من التفاصيل عكس العديد من الرجال:
-أنتِ مغيرتيش هدومك من ساعة ما جيتي؟!..
تحدثت وفاء بنبرة واضحة وصارمة:
-مكنش عندي وقت ألم حاجة من البيت أو أروح حتة اشتري لبس وبعدين عادي يعني.
قال زهران برفض تام:
-لا مش عادي أنا هقول للبت جهاد أو انتصار يجيبوا ليكي كام حاجة كده تغيري فيهم مش معقول هتفضلي قاعدة بهدومك كده.
حاول زهران تفسير قلقه وكلماته بطريقة ما…
وهي أنه يتعامل بطريقة طيبة بخصوص ضيف يتواجد في منزله لا أكثر……
كان سلامة يصعد على الدرج وهو يحمل الكثير من الأكياس البلاستيكية بينما جهاد تصعد خلفه تحمل كيس بلاستيكي صغير يتواجد فيه ثلاث بيضات متحدثة بنبرة جادة:
-مش عاجبك يعني؟! مش كفايا أنك مشيلني البيض…
رد عليها سلامة ساخرًا وهو يرفع الأكياس الكثيرة:
-معلش حقك عليا معنديش غير ايدين.
عقبت جهاد على حديثه بينما حينما وصلت عند زهران ووفاء:
-حجج فارغة..
تمتم زهران بنبرة مرتفعة وهو يشير عليهما مقاطعًا حديثهما وشجارهما:
-اهو الناس الكويسة بتيجي على السيرة، واد يا سلامة تعالى عايزك في موضوع……..
______________
-مـسـتـحيـل……
كان ذلك تعقيب جهاد…
غمغم سلامة بنبرة منزعجة بعد محاولات عديدة يائسة لم تأتِ بأي نتيجة وهو يحاول إقناع زوجته بما طلبه والده منه:
-عيب كده يا جهاد يا حبيبتي قومي يلا ربنا يهديكي وهاتي كام حاجة للبت عقبال ما تنزل هي وتجيب كام حاجة أنتِ عارفة الوضع صعب ازاي.
قالت جهاد بنبرة عنيدة وغيورة في الوقت ذاته:
-لا مليش فيه مش هدي حد حاجة أنا مش عارفة أنتم مهتمين بالبنت دي ليه في حين أن لسه مفيش حاجة تثبت أنها اختك؟!..
تحدث سلامة بنبرة جامدة:
-اعتبريها إنها ثواب لبني ادمة لغايت ما نشوف هنعمل إيه هي جاية من غير لبس ولا حاجة خالص وأنتِ عارفة أنها مش هتخرج من البيت إلا لما نعرف الحقيقة زي ما قالت قدام نضال…
حديثه لم ينفع معها أبدًا لذلك استخدم وسيلة اخرى يظن بأنها سوف تكون فعالة إلى حدٍ ما:
-جهاد أنتِ لو معملتيش الخير منك لنفسك أنا اللي هنزل اخدها وساعتها نضال مش هيعارض مدام حد معاها وهروح اجيبلها لبس وكل حاجة تحتاجها.
لمس نقطة ضعفها وغيرتها الواضحة..
تلك الفتاة بالنسبة لها ما هي إلا فتاة غريبة…
لا تشعر بالراحة تجاهها أكثر من هدير أخت طارق التي تتواجد معهم في المنزل ذاته..
-ماشي هقوم أجيب يا سلامة…
ابتسم لها هاتفًا بنبرة ما بين المرح والسخرية مقاطعًا حديثها:
-مراتي الطيبة اللي بتفهم في الواجب والأصول ربنا يحفظك ليا يا حبيبتي..
تحدثت جهاد مستكملة حديثها الذي قام بقطعه:
-بس أعمل حسابك إني أكل مش هعمل بقا شوف حد يأكلك…
غمغم سلامة وهو يقترب منها بغضب طفيف:
-والله؟! على أساس أن ده عقاب يعني؟ ده الطبيعي بتاعك، أنتِ بتتلككي أصلا يا هانم…
ابتلع ريقه ثم أسترسل حديثه:
-يا بنتي ده أنا لسه من ثلاث أيام وازن نفسي وخاسس ثلاثة كيلو، أنا اعرف أن اللي بيتجوز بيتخن أول مرة أعرف أنه بيخس ده اخويا نضال كان بيأكلني عنك…..
كادت أن ترد عليه ولكنه منعها هاتفًا:
-لا متفتحيش بقك كفايا كده خلاص عرفنا أنك مش هتعملي أكل زي العادة، خشي هاتي الحاجة ونزليها للبت أو هنزلها أنا، يلا ربنا يهديكي…
قالت جهاد بنبرة منزعجة ومتوترة:
-لا بقا هو أنتَ كل حاجة هتعلي صوتك؟!.
خفض سلامة نبرته وعاد يكرر ما أراده سابقًا بطريقة ساخرة:
-يلا خشي هاتي الحاجة ونزليها للبت أو هاتي أنزلها أنا حلو كده يا أستاذة جهاد؟!.
هزت رأسها بإيجاب ثم توجهت صوب حجرة النوم حتى تأتي بملابس قد تكون مناسبة بالنسبة إلى تلك الفتاة وهي من سوف تقوم بإنزالها لها لن تسمح بأن يهبط سلامة بنفسه…
هي منزعجة من أمر الطعام..
هي تعود من عملها في الوقت الذي يعود فيه هو..
نادرًا ما تعود قبله…
ولا تشعر بالراحة أو القدرة بأن تأتي من الخارج وتدخل فورًا على المطبخ وهذا بسبب تواجده فوق رأسها، تناولا الكثير من الخارج ونادرًا ما صنعت طعام في المنزل…
غير أنها ليست ماهرة في الطهي إلا أنها تعود منهكة ترغب في معانقة السرير فقط كما كانت تفعل في منزل أمها…
لا تدري ما الحل؟!….
هي تخشي أن تعترف بتلك الطريقة أمامه…
لا تدري كيف كانت والدتها تفلح في ممارسة دور الأم، الزوجة، والمرأة العاملة في وقتٍ واحد…
____________
تنام بعمق في فراشها..
اليوم نامت مبكرًا في العاشرة تقريبًا..
الآن الواحدة بعد منتصف الليل…
كانت نائمة في الفراش أسفل الغطاء…تقلبت في نومتها بانزعاج واضح بسبب صوت رنين هاتفها الذي اخترق نومتها العميقة تلك…
مدت يدها إلى الكوميدنو وأخذت الهاتف من فوقه ثم فتحت عيناها بصعوبة تحاول رؤية اسم المتصل لتجده نضال ومن دون تفكير أجابت في صوتٍ به بقية نومٍ…
-الو يا نضال…
لم تعطيه المهلة الكاملة للرد عليها وقالت بخوف رغم صوتها الناعس:
-في إيه يا نضال في حاجة ولا إيه؟!.
سمعت صوته هاتفًا بنبرة لم تكن مرحة بالشكل الكبير لكنها مرحة إذا تم مقارنتها بلهجة الحديث بينهما:
-إيه يا سلمى الضلمة دي؟! أنا شايف سواد…
ردت سلمى عليه بصوت ناعس وعدم فهم وهي تضع الهاتف على الوسادة تتحدث منه وهو بعيد عنها:
-ضلمة إيه؟! في إيه..
سألها نضال بنبرة جادة:
-سلمى أنتِ نايمة؟.
هتفت سلمى بسخرية طفيفة:
-هو مش باين على صوتي ولا إيه؟!..
قال نضال بنبرة هادئة:
-لا باين من أن الاوضة ضلمة.
فتحت عيناها وهي تسأل بعدم فهم وقد بدأ عقلها في استيعاب ما يحدث:
-وأنتَ عرفت منين يا نضال أن الاوضة ضلمة؟!.
-يمكن علشان الكاميرا مفتوحة ومش شايف غير خدك تقريبًا دلوقتي وقبل كده كان كل حاجة ضلمة كحل..
يبدو لأنها أجابت بنصف عين ومن دون أن تكون في وعيها الكامل لم تدرك بأنه يتصل “فيديو”….
رفعت إصبعها وقامت بغلق الكاميرا الخاصة بها فورًا من دون تفكير حتى وهنا غمغم نضال بنبرة مرحة بعد ضحكة خرجت منه رغمًا عنه:
-يعني مش كفايا الدنيا كحل وضلمة روحتي قفلتيها مياة ونور عليا خالص؟!.
تحدثت سلمى بارتباك طفيف وقد بدأ عقلها في العمل وهي ترفع الهاتف لتراه يجلس في غرفته على ما يبدو فهي تراها لأول مرة:
-أنا اصلا علشان فتحت وأنا يعتبر لسه نايمة مكنتش مركزة أنك بتتصل فيديو أصلا لو كنت أعرف مكنتش رديت…
تحدث نضال بنبرة هادئة متجاهلًا صراحتها لىمُطلقة التي قد تكون وقحة بها في بعض الأوقات:
-كنت عايز اشوفك عادي بس دلوقتي أنا شايف مناخيري بس، وبعدين يعني نمتي ليه؟ ما أنتِ عارفة إني هتصل بيكي..
بكل تلقائية أجابت عليه وهي تنظر له بحب وهو لا يرى تلك النظرات لكنها بالفعل كانت تتأمله:
-أنا متوقعتش أنك هتتصل بيا النهاردة علشان كده نمت لأننا خرجنا مع بعض فقولت أكيد مش هتتصل غير أنك قولت رايح تقعد مع صاحبك على القهوة..
تمتم نضال موضحًا وهو يمرر يده في خصلاته التي طالت عن المعتاد:
-أبدًا كسلت أروح وعلشان دياب كمان راح واستلم التوكتوك فقولنا نقعد يوم تاني..
هتفت سلمى بنبرة هادئة:
-ماشي.
-ما تفتحي الكاميرا يا سلمى وقومي افتحي النور أكيد مش هفضل أكلمك وأنا مش شايف غير نفسي..
ردت عليه سلمى بتلقائية تحسد عليها حقًا وكأن إجاباتها تقوم بقرائتها لا التفكير فيها:
-معنديش خمار مكوي علشان البسه ومكسله أقوم.
ضحك نضال هاتفًا دون أن يتطرق بأنه زوجها:
-ما تلبسيه مكسر عادي هيحصل إيه يعني؟! أو البسي أي إسدال عندك…
قالت سلمى متهربة:
-أصلا أنا بنام يعني ومش قادرة، المهم قولي أنتَ بقيت أحسن يعني؟..
-اه الحمدلله أحسن ولما حسيت نفسي هتخنق تاني اتصلت بيكي وأسف لو صحيتك من النوم…
كلماته رغم بساطتها إلا أنها تصيبها في موضع في قلبها عميق جدًا..فردت عليه بنبرة هادئة:
-خير ان شاء الله يا نضال متقلقش سيبها على الله واللي يحصل يحصل بقا…
-ان شاء الله، طب…
توقف عن الحديث حينما انتهى الاتصال وسمع صوت صرخة خرجت من سلمى….
فأخذ نضال يحاول الاتصال بها مرة أخرى بقلق كبير لكن لا يتواجد أي إجابة حتى أنه اتصل بها عن طريق الهاتف لا عن طريق الانترنت…
لكن حصل على نفس النتيجة…
فخرج من الغرفة متوجهًا إلى الخارج ليجد والده كالعادة الأرجيلة بين يده اليسرى والهاتف بين يده اليمنى ويقوم بممارسة أحدى الألعاب الإلكترونية..
-بابا..
رد عليه زهران دون أن يرفع بصره إليه وهو يعطي كامل تركيزه إلى الهاتف:
-خير يا نضال؟!.
-معرفش يا بابا أنا قلقان كنت بكلم سلمى وفجأة صوتت وبتصل بيها مش بترد ومش عارف أعمل إيه أنا هنزل اروحلها..
رفع زهران بصره أخيرًا متحدثًا بعدم فهم:
-ليه وهي فين اصلا في الوقت ده؟!.
تمتم نضال بنبرة ساخرة رغم القلق الذي ينتابه:
-هتكون فين يعني يا بابا في الوقت ده ما أكيد في البيت طبعًا..
-يعني هيكون حصل إيه يعني؟! حد ثبتها في الصالة؟! بقولك إيه متصدعنيش أنا الجيم هيروح عليا بسببك، هتلاقيها كانت بتكرفك وعايزة تقفل مش أكتر..
وقبل أن يثور ويحتج نضال عليه…
تحدث زهران مرة أخرى وهو يخرج من اللعبة الإلكترونية تمامًا…
-ولا أقولك احنا طبعا لازم نطمن على البت يا نضال معاك حق أنا شايف إني اتصل بالست يسرا ونفهم في إيه؟! يمكن تكون حصل حاجة ومحتاجين راجل جنبهم……..
أردف نضال بنبرة غاضبة جعلت زهران يشعر بالانزعاج وغيظٍ كبير:
-والله مش وقتك معايا خالص في وسط اللي بيحصل ده، وشكرًا أنك اديتني الفكرة أنا هتصل بيها أنا…
في ذات الوقت بداخل شقة يسرا…
نهضت سلمى بعدما سقط الهاتف من بين يديها حينما رأت شيء يتحرك في وسط الظلام ويدخل إلى الحجرة حينما كانت شاردة تمامًا وتعطي كامل تركيزها إليه وعند رؤيتها هذا الخيال وصوت والدتها الناعس سقط الهاتف من بين يديها ليسقط أرضًا….
صاحت سلمى باستنكار شديد وهي ترى الهاتف يصدع صوته لكن الشاشة معتمة ومظلمة تمامًا وبها بعض الخطوط:
-الموبايل جاب شاشة يا ماما عاجبك كده اهو كله من السجاد اللي بعتاه يتغسل ده والشقة على السيراميك………
قالت يسرا ساخرة:
-أنا كنت رايحة الحمام وسامعة صوتك وجاية أسألك صاحية ليه لقيتك اتفزعتي ونطيتي من مكانك، أنتِ هتجبيها فيا أنا يعني؟!…
حاولت سلمى استغفار ربها وهي تشعر بالانزعاج الشديد مما حدث لكنها تحاول أن تتمالك أعصابها لم يعد بين يديها حل ولن تفيدها العصبية الآن….
صدع صوت هاتف يسرا من الخارج فتركتها وذهبت لتأتي به فوجدت المتصل هو نضال فعادت لها مرة أخرى تسألها بنبرة أمومية مهتمة:
-هو أنتِ كنتي بتكلمي نضال؟!..
لا تدري لما تشعر سلمى بهذا الخجل حينما سألتها وكأنها قد فعلت أمر مشين، فهزت رأسها بهدوء قائلة:
-أيوة.
قالت والدتها بنبرة هادئة وهي تعطيها هاتفها قبل أن ترحل:
-ماشي خدي كلميه وابقى هاتي الموبايل ليا لما تخلصي علشان أنا ضابطة عليه المنبة، ان شاء الله بكرا نروح للراجل ويكشف ولو كده نغير شاشة…
هزت رأسها بإيجاب..
ثم رحلت والدتها وكان نضال يتصل بها للمرة الثانية فأجابت:
-الو.
“إيه اللي حصل وصوتي كده ليه؟!”
________________
في اليوم التالي…
يقوم جواد بوضع توقيعه على بعض الأوراق الخاصة بالمستشفى وأمامه تجلس أحدى الموظفات في الاستقبال التي تبلغ من العمر أربعين عامًا تقريبًا تتحدث معه في أمور كثيرة تخص العمل كالعادة وهو يسمعها باهتمام وإنصات واضح، إلى أن قررت أن تتحدث في تلك النقطة..
-إيناس جت النهاردة الانترفيو في الميعاد اللي قولت ليها عليه لما اتواصلت معاها.
رفع جواد بصره من أسفل نظارته الطبية وهو يحاول الاعتياد على اسمها بدلًا من أن يأتي في عقله الأم الغاضبة…
سألها جواد بنبرة عملية:
-والأخبار إيه؟!.
هتفت المرأة بجدية شديدة وعدم تزييف للأمر:
-بصراحة هي معندهاش خبرة في أي حاجة ومشتغلتش قبل كده، وكانت جاية مترددة وهي مش واثقة من نفسها أوي، كأنها جاية مغصوبة ومش عارفة بصراحة هي هتيجي تاني ولا لا قالتلي أفكر وأنا قولتلها براحتها وفهمتها أنها لو جت هتكون في الأول training.
نظر لها جواد نظرات غير مفهومة وهو يفكر في كلماتها وما تقوله…
فحدثت صدفة عجيبة في اليوم التي قامت إيناس بكتابة بياناتها في الورقة…
في نفس الساعة حدثت مشكلة كبيرة وشكوى في حق الفتيات التي تعمل في الاستقبال وعندما سمع جواد الأمر ووصل له وعرف بشأن الشجار جلس يراجع الكاميرا التي تتواجد في تلك المنطقة مع الأمن لأن كان الشجار كبيرًا…
هذا ما جعله يرى إيناس قبل الواقعة والشجار بـ دقائق تقف في الاستقبال وتقوم بكتابة بعض البيانات..
قام بحل المشكلة ورؤية الحقيقة وبعدما انتهى من هذا الأمر أخذ يسأل الفتاة التي قابلت إيناس بما حدث وأخبرته بأنها تقدمت للوظيفة الفارغة بدلًا من صديقتها التي توقفت عن العمل وقدمت استقالتها….
وقتها تحدث مع المرأة المسؤولة عن المكان والتي تعقد المقابلات بنفسها من أجل هذا الأمر بأنه يرغب منها توظيفها لكن بطريقة لا تظهره في الموقف أو أمام أي شخص…لا يدري سبب واضح لأول مرة لشيء يفعله…
سألها جواد بجدية:
-يعني معرفتيش هتيجي ولا لا صح؟.
قالت المرأة بنبرة هادئة رغم أن الفضول يأكلها لأنها ترغب معرفة هوية المرأة ولما جواد نفسه يهتم لأمرها:
-والله مش عارفة يا دكتور مقدرش أقول بشكل أكيد هي هتيجي ولا لا، أنا مستبعدة أنها تيجي بصراحة لأنها كانت مترددة أوي وجاية تقول اعتراضاتها أن المكان بعيد عليها وكذا سبب ومعرفش بصراحة.
عبس وجه جواد لمدة ثواني…
لمجرد احتمال أنها لن تأتِ…
لكن في النهاية عقب ببساطة شديدة:
-براحتها ادينا عملنا اللي علينا تيجي أو متجيش دي حاجة تخصها هي ولو عدى يومين ومتصلتش بيكي شوفي الأنسب من البنات اللي قدمت على *******.
ترغب المرأة في سؤاله عن هويتها أو علاقتها به لكنها تشعر بالقلق والخجل حيال الحديث في أمر هكذا..
تمتم جواد ببسمة هادئة:
-تعبتك معايا..
-ولا تعب ولا حاجة يا دكتور، أنا موجودة أي وقت لو في حاجة، ولو في جديد بخصوص إيناس برضو هبلغ حضرتك، عن إذنك لو مفيش حاجة تاني..
قالت في النهاية كلماتها وهي تنهض من مقعدها..
رد عليها جواد بنبرة ممتنة:
-تسلمي، اتفضلي أنا أصلا بعد نص ساعة عندي عملية.
رحلت المرأة سامحة لفضولها أن يأكل أحشائها تاركه أياه ومغلقه الباب خلفها، في ذات الوقت صدع رنين هاتفه ليخرجه من السترة التي يرتديها مجيبًا على الاتصال الثالث من هايدي الذي يصله اليوم لكن لم يجب على الاتصالات السابقة بسبب انشغاله في أحد الفحوصات…….
أجاب عليها:
-الو.
“الو، ازيك يا دكتور”.
رد عليها جواد بنبرة هادئة:
-تمام يا هايدي وأنتِ إيه اخبارك؟!.
“بخير الحمدلله”.
تحدث جواد بنبرة لبقة وبسيطة:
-أسف إني مردتش عليكي كنت مشغول شوية وكنت هكلمك أكيد.
“حصل خير ولا يهمك”.
سألها جواد بنبرة طبيعية:
-في حاجة بقا ولا إيه؟..
بالتأكيد هناك أمرِ ما هذا ما استنتجه..
لأنه ليس بينهما حديث حتى تتصل به هايدي ثلاث مرات..وليس من عاداتها..
هتفت هايدي بتردد لكنها حاولت التحلي بالشجاعة:
-اه كنت عايزة أبلغك ان قراءة فاتحتي يوم عشرة وبعزمك أنتَ وطنط منيرة ونسمة أكيد.
كانت بالفعل أتى لها عريس “صالونات” كما يطلق عليه البعض عن طريق والدها، كان الشاب جيد بطريقة لم تجعل لها سبب للرفض وقررت بالفعل الموافقة عليه حتى تعطيه فرصة ووقت الخطوبة سوف يحدد كل شيء…
كانت تعلم أن والدها سوف يتصل بها ويقوم بدعوته لكنها قررت أن تسبقه وتفعلها….
أما أن يجعلها جواد تتعلق به أكثر من استمراره بأنه مجرد إعجاب….
إذا لم يتخذ خطوة تجاهها وقتها ستكون مشاعرها تخصها فقط وهي ليست مشاعر بالمعنى الصحيح…
هي تعلم بأنه ليس هناك أمرأة قد تقترب من جواد إلا وتكن له الإعجاب والتقدير دون أن تشعر…
سمعت صوته بنبرة ظهرت فرحة بالفعل ليؤكد شكوكها:
-بجد والله فرحتيني ألف مبروك يا هايدي ربنا يوفقك أنتِ تستاهلي كل خير.
ردت عليه هايدي بهدوء رغم كل شيء:
-الله يبارك فيك يا جواد عقبالك؛ أنا هقفل بقا علشان معطلكش أكثر من كده وبكرا أن شاء الله إجازتي وهخرج مع نسمة.
عقب جواد على حديثها بنبرة تلقائية:
-تمام مفيش أي مشكلة.
-باي.
-مع السلامة.
_______________
بعد عودتها من مقابلة العمل…
كانت تقف إيناس قرب شارع خطاب تقوم بشراء الحلوى لأطفالها كنوع من أنواع المكافأة أنهما لم يتسببا في المتاعب لجدتهما….
كانت تنتظر الراجل الذي يتواجد أمامها أن يُنهي الحساب مع العامل فـ سمعت صوت هاتفها يعلن عن وصولها رسالة عبر الواتساب…
فتحت الرسالة بعفوية والتي كانت عبارة عن فيديو………..
ضغطت على الفيديو حتى يتم فتحه ولكن ما أن انتهى التحميل واتضحت لها الرؤية خرجت منها شهقة وجحظت عيناها بشكل مخيف….
يتبع…
•تابع الفصل التالي "رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم" اضغط على اسم الرواية